بقلم : عبدالكريم أحمد الزيدي / العراق

ما لا يعرفه الشعراء
( باب المتن)
……………………………………………

قبل الانتقال الى متن القصيدة الشعرية وتعريفه وصورة بناءه ، وددت التلميح الى ان الاستهلال في النص لا يقتصر على البيت الاول منه ولربما يزيد عليه اعتمادا على موضوعة النص ومضمونه ، اما المتن فانه يعرف اصطلاحيًا بانه الظهر من الشيء وهو الأصل الذي يشرح ويضاف اليه الحواش وهو كل مابين العمودين في معناه الشعري .

فالشاعر هنا في المتن يضع كل ما يريد توصيفه ويضطرب في حواسه وتضطرم ناره وتفيض جوانبه ، وهو لا يأتي لوحته الشعرية بكل هذا الكم من الحس والتخمة مرة واحدة ، بل عليه ان يجدول كل هذا وفق ترتيب ممنهج يفرضه عليه حدث النص الشعري في الوقت والمكان والجو العام لبيئة كتابته .

ان توظيف ترتيب حدث النص الشعري وتدوينه في المتن يتطلب من الشاعر احتواء الفكرة اولا وآلية أسلوب توصيفها بما ينسجم مع مساحة وحجم ومدى احداث النص ، ولا يهم هنا تسلسل الوقع الحدثي بكل دقته وحركته لان الشاعر بمقدوره ان يعيد كل هذا في ترتيب النص بعد اكتمال الصورة النهائية له ، فيؤخر من بيت ليقدم اخر بدله وحسب ما يتطلبه ترتيب الأحداث ، وقد يضطر الى حشو بعض المواقع بين أوصال المتن بِما يزيد الحدث وضوحًا واكتمالا ، وهذا يسمح ويهيئ للمتلقي جوًا مريحًا ومقبولًا لاستيفاء ضالته التي ربما يصعب تلقي تفصيلها دون المرور بهذا الوضوح .

ولما كان المتن هو الأصل في بناء ونظم النص الشعري فلابد اذا من التمعن والتدبر والحرص لتحصين شكل وهيئة هذا الأصل ، ويأتي هذا من خلال العديد من الأدوات التي يماز فيها مهارة وتمكين الكاتب وتوظيف فطرته وخبرته في استخدامها بشكل متكامل ودقيق .

والأدوات التي أعنيها هنا هي مجموعة المكونات الأساسية في نظم النص وإخراجه ، اضافة الى استخدام المحسنات اللفظية والبديع وكل ما يعين النص الشعري في التكامل والتفاضل وتمام الخلق، ان توظيف هذه الأدوات في النص تعتمد بشكل أساس على الكفاءة والمهارة والخيال وحسن التدبير للكاتب وموهبته وأسلوبه .

وكل هذه ممكن ان يجمعها الشاعر الفطن في جمله الشعرية اذا احسن توظيفها ، فالحس مثلا هبة ذاتية أستطيع وصفها كالتوابل والنكهات التي تضاف الى مادة الطبخ لتزيدها تذوقًا وطعما وقبولًا مثل قول الشاعر:

واذكُروني عِنْدَهَا وَقْت الْمَسَا
كَي تَرَى نُورَ ضِيّاها عُتمَتي

والوصف مساحة يتحرك عليها الشاعر فيقرب للقارئ الملامح والشكل وحتى المكان وما حوله كمثل استيعاب البصير وتخيله لصورة او حدث يتعذر عليه رؤيته او إبصاره كما في قول الشاعر :

‎شعرها ليل يفوح ألمسك منه
‎خدها ألعنبر لوضيعت دربي

‎ثغرها توت نما في صحن بدر
‎لحظها برقٌ سنا في ودج صب

والتشبيه أيضا مادة غنية يتناولها الشاعر لتقريب هذه الصورة الى ما يماثلها ويحاكيها في الخلق والشكل كما في قول الشاعر :

ضِياهُ مِن بَعِـيدٍ نارُ حُسـنٍ
فَكَيفَ إذا دَنـى مِنا نَراهُ ؟

اما الإشارة فهي اداة طيعة بيد الشاعر يصيغ على شاكلتها اي صورة او معنىً يعين بها المتلقي على الفهم والاستدلال كما في قول الشاعر :

كليم الروح يألفُ كل وجعٍ
كثوب الحر يُستَر فيه كَرها

اما التصوير الذي يختلف في معناه عن الوصف الذي يعني وسيلة التعبير عن ملامح وصفات الشيء بينما يعني التصوير استشعار الصورة ورسم تفاصيلها وكل ما يحيط ويؤثر فيها ، وهو مجازاً الأقرب تصورًا للمعنى والاستدراك الذهني والحسي الذي يتم المعنى ومفهومه كما في قول الشاعر :

جَرَفَت عَلَى شطئانِ مَشهَدِنا
حُلْمًا بَنَيْنَا وَذَا مِن رَمْلهِ أَثَر

وللبيان فان الأدوات الشعرية لها مفاهيم ومذاهب اختلف في توصيفها من سبقنا اليها وصاروا يتحدثون فيها عن الإيقاع والطربية وموروث اللفظ وتعبير المعاني وغيرها بعيدًا عن معناها الذي تطرقنا اليه ، وربما كان السبب في هذا التباين هو التجديد ومحاولة التحرر من القالب والقيود الذي يتطلبه واقعنا الشعري الحالي ، وفي نفس السياق فان انتقاء المفردة اللغوية وفصاحتها في النص يضيف له بلاغة وقوة لفظية بعيدة عن مفردة الإيحاء والترميز التي صارت في نصوص شعرائنا المحدثين نمطًا مستهجناً وغريبًا على موروثنا الأدبي واصله ينفر عنه الكثير من القراء والمتلقين .

وهنا لابد من التذكير عن الابتعاد التام للتقليد او النقل عن الغير لان هذا يضعف النص بدلًا من إثراءه وتمكينه ، ويحجب الكاتب او الشاعر من الإبداع والتألق والإتيان بالجديد من بطون فصاحة وبلاغة ثراء لغتنا العربية ، ناهيك عن بيانها كحشو لفظي بين مفاصل المتن الشعري وقوائمه ، فالشاعر الحذق يمكنه ان يعيد الصياغة واللفظ بما هو قريب من معناه وصورته ليتجنب بذلك الوقوع في هذا المطب الصعب .

وسنحاول في باب اخر ان نستدرك المزيد من الأدوات التي تبقى لوازم النص التعبيرية في المتن لإخراجه بشكله النهائي المقبول .

الامثلة الشعرية التي وردت في المقال جاءت بناءا على طلب احد الأساتذة المتابعين في تعليق لزيادة الفائدة والتقريب للمعنى وهي من نظم كاتب المقال نفسه .

أتمنى ان اكون قد أضفت لكل المتابعين معلومة تفيد أهل الشعر وعنوانه ، ومن الله التوفيق .

……………………………………………..

عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد

نُشر بواسطة abderahmanesoufi

مهنتي فلاح أزرع الخير وأحارب كل طفيليات الشر الضارة ..

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ