ثيمة الموت في رواية ” رحيل بلا وداع ” لمحمد الخرباش

عنوان الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة : (استراتجية الكتابة في ثيمة الموت / ثلاثية : فلسفة الخوف من الموت
فلسفة الموت – الاستثمار في الألم زمن جائحة كورونا ) في (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) لمحمد الخرباش Mohammed Elkharbach
إهداء : أهدي هذا المجهود المتواضع لروحي المعتقل السياسي والصحفي المرحوم ” حسن السوسي ” والمرحوم / الشاعر العراقي ” عبدالجبار الفياض “ شاعر الدراما الفلسفية .
ملاحظة : الدراسة النقدية نشرت في العديد من المواقع الإليكترونية الوطنية والدولية .
إعداد: عبدالرحمان الصوفي/ المغرب

مقدمة :

لقد شكل الموت عبر عصور طويلة هوسا فكريا لكل الشعوب، لذلك شيد الفراعنة الأهرامات كقبور، مثلما تشيد البيوت للأحياء . صاحب تشيد القبور في حضارات إنسانية قديمة ظهور الكثير من طقوس وشعائر (الموت ) التي اختلفت في أساليب دفن الجثث وتوديع الجنائز و مواكب الحزن والعزاء . هذه الطقوس الجنائزية ستعرف هزة مدوية زمن جائحة كرونا ، فالكثير من الناس لم يستطيعوا توديع أحبتهم إلى مثواهم الأخير، نتيجة الإجراءات الاحترازية المشددة ، ونتيجة الانتشار السريع لهذا الفيروس القاتل الذي أصبح الموت فيه يلتف بكل بيت زارعا الخوف والهلع في نفوس كل الناس . الموت الذي لم تكن تخشاه
الإنسانية لحظة الحروب وأزمات المجاعة و الكوارث الطبيعية والأمراض الكثيرة التي عرفتها البشرية عبر مر تاريخها…
لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيرا بالموت وسكراته من خلال تكرار هذه الكلمة ومرادفاتها في القرآن الكريم.
يعرفها المسلم ويقتنع بحتميتها التي لا تخيفه ، حيث ورد ذكرها 165 مرة .
لكن أخطر ما جاء به هذا الفيروس ( التباعد الاجتماعي )، الذي مس بقدسية الشعائر الدينة ( صلاة الجماعة – صلاة الجمعة – شعائر ليلة القدر – صلاة العيدين – العمرة – الحج …) .

ستغوص دراستنا النقدية في ثيمة الموت، دون المكونات الأخرى للرواية عموما ، وحسب ما تقتضيه آلية الاستقطاع النقدي الذرائعي ، زمن جائحة كورونا في (( مذكرات واقعية (رواية ) رحيل بلا وداع )) (1) هذا الموت الذي ورد في صيغة سرد الحدث المتصاعد زمنيا ( موت الأم والأب ومعارف وأصدقاء ) ، ومن خلال سرد التداعي الحر وتذكر الماضي لشخصيات كثيرة ذكرت قرابتها بالسارد/الكاتب .

1 – المدخل البصري ل ((مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) لمحمد الخرباش.

تحمل الواجهة الأمامية للغلاف العنوان (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) ، وفي أسفل الغلاف اسم صاحب المذكرات ” محمد الخرباش . وتتوسط الواجهة لوحة تشكيلية ، يظهر فيها طبيب جالس وهو في حالة عياء وإرهاق مرتديا لباس الأطباء زمن كورونا . ويظهر كذلك في اللوحة شخص في طريق المغادرة التي ليست بعدها عودة . اللوحة من تصميم “مريم فتحى عبد المقصود ، العمر 26
عاما خريجه كلية قانون تعمل في تصميم أغلفه الكتب منذ عشر أعوام و تعمل في تصميم اللوجوهات والهوايات البصرية و الموشن جرافيك ، صممت العديد من البراندات العالمية في البرازيل و اسبانيا عملت في عدة دور نشر كدار همسه للنشر والتوزيع وتعمل على تنسيق الكتب بأنواعها …”(2)

تضم الرواية 206 صفحة مبوبة كالآتي :
الإهداء – قبل غروب الشمس – بين العزلة والأمل – مولاي أحمد – لقاء ثم وداع – أيام من الجحيم – الجندي المجهول – موسم الرحيل ” . الطبعة الأولى للرواية في شهر دجنبر 2021
أما الواجهة الخلفية للكتاب فتتصدرها في الأعلى صورة المؤلف ، وسيرته بشكل مختصر جدا . يتوسط هذه الواجهة الآتي : ” لقد اقترب منا اقتراب من لا يستأذن على أحد ، وربما تسلل إلى رئة كل واحد منا في غفلة أو تهاون غير مقصود، فرضته الأعراف والظروف وقريبا سيكشر هذا الوباء عن أنيابه ، في محاولة لتمزيق شملنا ، فيروس حقير ، لم يقدر حتى ظروف الوفاة، وفقد الوالدة ، فالجنود في أعتى الحروب يتنازلون أحيانا عن دورهم العسكري ، وربما يتنزهون عن طعن أحد من الخلف ؛ فيقدرون الظروف الإنسانية ، لكن هذا الغريب المتحور لا يعرف شيئا عن المبادئ ، وهمه الوحيد وملاذه حتى يبقى على قيد الحياة هو ان يعشش في خلايا رئة كل واحد منا في أقرب وقت ..” .

2 – عتبات العنوان في (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) .

أ – المفتاحية الأولى / الدعامة النسبية :
-رحيل :

لقد استغلت الفلسفة كل آلياتها وأدواتها للبحث والتنقيب والاستغوار في فكرة الموت وما تحمله ضمنيا من مفاهيم مصاحبة لها ضمن علاقات إنسانية ، ألزمت أن يوقفها الوجع ( زمن جائحة كورونا ) بشكل مفاجئ ( من الوجود إلى العدم ) ,,, لقد كتب الله على الإنسان الرحيل منذ خلقه الأول .

يقول أبو الطيب المتنبي :
وما الموت إلا سارق دق شخصه ** يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
إذا ما تأملت الزمان وصرفه ** تيقنت أن الموت ضرب من القتل
وما الدهر أهل أن تؤمل عنده ** حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل ( 3)

إن موضوع الرحيل الذي كتب حوله العديد من الشعراء والفلاسفة في كل الأزمنة السابقة ، قبل ظهور فيروس كورونا يختلف عن رحيل الأحبة زمن الجائحة . كما أن الرحيل ( ارحل ) كان شعار الجماهير العربية خلال ما سمي ب ” الربيع العربي ” إلا ان فيروس كورونا اختار رحيلا من نوع خاص لا يميز فيه بين الصالحين والمفسدين .

ب – المفتاحية الثانية / الدعامة المطلقة :
-بلا وداع :

يقول أبيقور:«عندما يحل موتي أكون قد أصبحت غير موجود.. وطالما أنا موجود يكون موتي لما يأتي بعد..». ( 4 ) . إن الإنسان عند مرضه أو شيخوخته يرى الوداع مساحة أمل تضيق أكثر محدثة جرحا في الذاكرة المتجهة نحو الماضي دون المستقبل ، فيصبح شعور الإنسان مقتنعا بالزوال المطلق ، وليس له إلا التوديع ( الوداع ) سبيلا ، ” أمام استحالة عدم الذات ” أي أن المرء لا يــستــطيع معايشة فكرة دنو الحتف إلا أن هذه الفكرة تقفز إلى العقل ، والأمر شبيه ب الدين المقلق ” لاسيما وأن موعد الاستحقاق ( الموت )

مجهول ومحتم في الآن نفسه…أما زمن انتشار فيروس كورونا فقد تزايدت مواجع حالات الوفاة، مع غياب طقوس الوداع والمراسم الجنائزية بسبب قيود الحجر الصحي ، فجل أهالي الموتى لم يحضوا بأغلى أمنية لهم ، وهي توديع ( الوداع ) أحبائهم وخاصة الأب والأم ، ويمر الحداد في عزلة لم يسبق ان عرف التاريخ شبيها لها بين الأسر قبل زمن ظهور الفيروس القاتل، ويتحمل أهالي المفقودين الصدمة وحدهم دون مشاركة الأقارب والأصدقاء، ودونما جنازة لائقة، تشفي غليل الوداع الأخير الذي يحقق أمنيتهم في توديع أحبابهم .

قال الشاعر محمد بن مقسم :
فراق الأحبة داء دخيل ** ويوم الرحيل لنفس رحيل
سمعت ببينك فاعتادني ** غليل بقلبي وحزن طويل
أهذا ولم يك يوم الفراق ** فإن كان لا كان زاد الغليل
وأيقنت أني به تالف ** ما قد وصفت عليه دليل
حياة الخليل حضور الخليل ** ويفنى إذا غاب عنه الخليل (5)

3 – في الجنس الأدبي (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع))
أ – سيرة ذاتية ؟ مذكرات ؟ رواية ؟

صعب جدا إيجاد تعريف جامع أو رسم حدود فاصلة بين السيرة الذاتية والمذكرات والرواية، نظراً لما تثيره هذه الحدود من إشكالات ومواقف ورؤى متباينة ( نظريات الأجناس الأدبية ) ، لأن نوع وطبيعة العلاقة أو الصلة بينها مرتبطة بآراء المناهج النقدية، كالمنهج التاريخي، والمنهج النفسي … ومن هذه الإشكالات كذلك ما يتعلق بعلاقة هذه الأنواع مع غيرها من الأنواع الأدبية ذات الشجرة الأجناسية الواحدة، كالمذكرات، واليوميات، والرواية ، السيرية ، الرحلات… إذ تتشابه هذه الأنواع في بعض مرتكزاتها وتتداخل، مما يصعب مهمةالتفريق بين نوع/ جنس أدبي وآخر .‏
المذكرات هي من الأصناف الأدبية ( مجموعة من الذكريات ) كتبها المرء عن حوادث وقعت له في حياته في فترة زمنية تقصر كثيرا عن الفترة الزمنية التي تتسم بها السيرة الذاتية والتي تتخذ من الفرد / الكاتب موضوعا …

يقول ” إلياس فركوح ” : ” وتشتبك الشخصيّةُ الكاتبةُ/المكتوبة ،إنْ كانت سيرة المؤلف بقلمه، أو أقنعة الروائي بالضرورة في تدوينِ خُطاطةٍ تقتربُ من الشهادة:
الشهادة على الذات، والشهادة على الواقع. الشهادة على الذات في تقاطعها مع الواقع وافتراقها عنه في الآن نفسه، والشهادة على أنَّ وجودهما معاً لا يستقيمُ أو يكون بمعزلٍ عن الكتابة، أو بغيرها، أو خارجها. وتحديداً خارج هذه الكتابة! وإلاّ، لماذا كانت في الأصل؟ … كأننا نقولُ بأنْ لا وجود لذواتنا الكُليّة؛ إذ هي تذوب وتتلاشى وتنْسى وتزولُ في طيّات الآفل والمنقضي! كأننا بالكتابةِ نقاومُ المحوَ، أو الإلغاء، أو التزوير، فـ” ننهضُ بها من بين أجداث الموتى” ؛ فالمكتوبُ باقٍ يشهدُ على كاتبٍ فانٍ…” (6)

4 – السيرة الذاتية للأديب والشاعر ” محمد الخرباش

-محمد الخرباش، من مواليد مدينة طنجة، و بالضبط في 25/09/1979 ..
-الطفولة بين حي بئر الشعيري بيني مكادة وحي دار البارود بالمدينة القديمة .
-البكالوريا ثانوية ابن الخطيب موسم 97/98 آداب عصرية.
-حاصل على الإجازة في القانون الخاص الموسم الجامعي 2002 و2003
-التحق بهيئة المحامين بطنجة بتاريخ 4/7/2007 بعد حصوله على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة
-فاعل جمعوي ومدني انخرط في العديد من الجمعيات المدنية بحيث ترأس جمعية بيت المواطنة وتقلد مهمة كاتب عام جمعية جسور للتنمية المندمجة وغيرها من جمعيات المجتمع المدني بطنجة
-شاعر له أعمال عديدة وصدر له بإبريل2021 ديوان بعنوان تراتيل الحنين كما شارك بقصائده في بعض أعداد الموسوعة الحديثة للشعراء العرب التي تصدر بجمهورية مصر العربية.
آخر إصداراته رواية رحيل بلا وداع دجنبر 2021 ) (7 )

5 – ثيمة فلسفة الخوف من الموت زمن جائحة كورونا في (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) لمحمد الخرباش .

بعد ظهوره كويد – 19 في مدينة ووهان في الصين في أواخر 2019 انتشر خبره في جميع وسائل الإعلام العالمية وصاحبت هذه الأخبار سرعة انتشاره في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الأنشطة والخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الناس في جميع أنحاء العالم ، وعرضت حياتهم لخطر الخوف من الموت.
لقد اهتمت الفلسفة التأملية عبر أزمنتها المختلفة ( مختلف توجهات الفلسفة التأملية ) بموضوع الخوف من الموت ،حيث يقول الفيلسوف “مسكويه ” : “إن الخوفَ من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدري ما الموت على الحقيقة، أو لا يعلم إلى أين تصير نفسه، أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحل وبطل تركيبه، فقد انحلت ذاته، وبطلت نفسه بطلان عدم ودثور، وأن العالم سيبقى موجودا بعده وهو ليس بموجود فيه، كما يظنه من يجعل بقاء النفس وكيفية المعاد، أو لأنه يظن أن للموت ألما عظيما غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه وكانت سبب حلوله، أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه متحير لا يدري على أي شيء يقدم بعد الموت ” (8)

إن الخوف من الموت امتد في (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) من الصفحة 9 إلى الصفحة 46 ( المغرب – إسبانيا – بلجيكا ) ، وهيمن الموت على باقي الصفحات الأخرى للرواية ، وخاصة عند ما أصيبت العائلة والكاتب/السارد بالوباء .
يظهر الخوف من الموت جليا مع مطلع الصفحات الأولى ، و مما جاء في الصفحات الأولى للرواية
” إنه أمر تافه متابعة هذا الحدث البعيد والغامض بهذا الشغف والاهتمام ! كيف لا تعلم أختي أن كل شيء قادم من الصين لا شك في أنه مزيف !؟ وقد استقر هذا التصور لدى مجانين البشر قبل عقلائهم ، وهذا الفيروس أيضا سيكون درجة ثانية في عالم الفيروسات تماما ككل منتجات الصين الصناعية ، أو كما نقول بالعامية : “فيروس ماشي دوريجين ” ، ولن يقوى على الصمود طويلا نعم ، إنها السلع الصينية المقلدة التي اعتدناها ! ” ( ص 10)
الخوف من الموت لا تتدخل في العقلانية بإقناع أبدا . ولا يستبعد بالتقليل من شأنه …إنه الفيروس التي لم تعرف له البشرية مثيلا ، لذلك نجد دواعي الخوف من الموت محاولة لاستبعاده مسافة ومنطقا و استدلالا وحجاجا …

يواصل ” مسكويه ” مناقشة هواجس الموت بصورة عقلانية ويقول: ” أما من يخاف من الموت لأنه لا يعلم إلى أين تصير نفسه أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحلّ وبطل تركيبه فقد انحلّت ذاته وبطلت نفسه، وجهل بقاء النفس وكيفية المعاد، فليس يخاف الموت على الحقيقة، وإنما يجعل ما ينبغي أن يعلمه، فالجهل إذًا هو المخوف إذ هو سبب الخوف، وهذا الجهل هو الذي حمل الحكماء على طلب العلم والتعب به وتركوا لأجله اللذات الجسمانية وراحات البدن واختاروا عليه النصب والسهر، ورأوا أن الراحة التي تكون من الجهل هي الراحة الحقيقية وأن التعب الحقيقي هو تعب الجهل لأنه مرض مزمن للنفس، والبرء منه خلاص لها وراحة سر مدية، ولذة أبدية ” (9)

إن جهل الإنسانية بمصيرها هو ما زرع فيها الخوف من الموت ، ولأنها هيأت له كل الأسباب المعجلة بظهوره وتفشيه ، من تدمير للكون وتسابق في اختراعات التدمير . ” إنه مجرد فيروس لا يرى بالعين المجردة …ذلك العفريت الذي استطاع أن يقلب الدنيا رأسا على عقب ، وأن يحول حياتنا إلى جحيم ! فلقد أرغمنا على عدم احتضان آبائنا وأمهاتنا ، وباعد بيننا وبينهم ، حتى منعنا من التوجه إلى أعمالنا ، وسجننا داخل بيوتنا وغرفنا …الأمر الذي جعل سيلا من الأفكار تقفز إلى العقول : لقد بلغت الحضارة الإنسانية شأوا عظيما ، حيث تحدى العوامل الجوية ، واخترع من الأشياء ما جعل الحياة لعبة في يديه ..فهو يتدخل في الطبيعة ، ويحاول إنزال المطر الاصطناعي ، ويواجه أعتى الظروف المناخية بعقله وفكره ويقينه .. ثم هو الآن في أقصى حالة العجز الإنساني على أن يواجه فيروسا تعمى عيناه عن أن تراه! يستطيع بأية حال أن يجد علاجا ناجعا له ! يا إلهي ! كم نحن ضعفاء عاجزون ! مصائب هبطت علينا من السماء ، وتفجرت من تحت أرجلنا …” ( ص 36 )
إن حقيقة الخوف من الموت هو الوحيد الذي يؤكد بكل يقين أننا سنموت . ولهزم هذا الخوف و تجنبه ، تقرأ صفحات الوفيات في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ، وتسمع الناس موجز الأخبار وبرقيات التعازي في الوسائل المرئية والمسموعة ، وتزور الناس المقابر التي لا تبتعد كثيرا عن محلات سكناهم أو اشتغالهم ، فهم يمرون بالقرب منها كل صباح ومساء ، ويحضرون الجنازات وبيوت العزاء، ويذكرون ويتذكرون أمواتهم كل لحظة وحين ، وهذا ما جعل وطأة الوباء تقل في البلدان العربية بالمقارنة بدول العالم الغربي .
يقول ” إيليا الحاوي : ” والموت عام ، لكنه ليس عميما ، لا يقبل ، في آن معا ، على الوجود كله ، الموت يتسلسل ويتمهل ، لو كان عميما لاستحال إلى عدم ، لكنه يتداور ويتحاور هو والحياة في دوامة الزمن العجيب الذي يحتضن الحياة والموت جميعا …” (10)

5 – ثيمة فلسفة الموت / قدسية الولدين :
أ – رحيل بلا وداع / الأم

من الطبيعي أن يترك موت الأم والأب آثارا نفسية على البالغ و على الطفل ، فتجربة فقد الوالدين تعتبر من أقسى التجارب إيلاما ، وتجعل كليها ( الطفل والبالغ ) يشعران بالضعف والوحدة . وتزداد وطأة الفراق والوداع زمن جائحة كورونا على مختلف الأشخاص وفي مختلف السنوات العمرية . يقول ” سامويل تايلور كولريدج : ” الأم هي الأم، هي أكثر الأشياء قدسية على قيد الحياة ” . ومما جاء في (( مذكرات واقعية ( رواية ) رحيل بلا وداع )) : “أحسست وقتها كأن كياني قد انشطر إلى قسمين، وكأن أبواب الضياع والفراغ والتيهان انفتحت علي مرة واحدة ، لطالما تخوفت من مجرد التفكير في هذا اليوم ، وها أنا أعيش تلك اللحظة الأليمة التي يغتسل فيها وجهي بدموع الرحيل ، فقد ماتت أمي … ” ( ص 75)

الأمومة هي أعظم ما تميزت بها المرأة كمخلوق على سطح الأرض، فهي التي تعطي للحنان والحب معناهما الحقيقين، كما أنها لا تمل ولا تكل من العطاء والكرم بدون انتظار مقابل .الأم هي روح الحياة وجوهرها . يطلق العنان الكاتب/السارد لقلمه في ذكره مشاعره نحو أمه، تلك المشاعر التي نشترك فيها جميعا . ” مشاعر الأمومة التي حملتها أمي ..ربما لا تختلف عن غيرها لدى الأمهات ، لكننا كنا نراها متفردة متميزة بين بنات جنسها ..لا تعرف القراءة ولا الكتابة ، لكنها رغم ذلك تطبق أحدث نظريات التربية ، ورغم انها لم تطأ قدماها كلية من كليات التربية ، فإنها بفضل الله أوتيت ذاكرة لماحة ، وعقلا راجحا ينافس كثيرا من الرجال حاملي أعلى الشهادات …” ( ص 66)
ناقش الغزالي قضية الموت في نظرته التأملية التي مزجت بين الحكمة ( الفلسفة ) و الشريعة ، يقول: “إن للإنسان حالتين، حالة قبل الموت، وحالة عند الموت، الحالة الأولى قبل الموت ينبغي أن يكون الإنسان فيها دائم الذكر للموت … فذكر الموت يطرد فضول الأمل، ويكف غرب المنى، فتهون المصائب …” ( 11)

ب – رحيل بلا وداع / مولاي أحمد :

يقول المثل الياباني : ” طيبة الأب أعلى من القمم، وطيبة الأم أعمق من المحيطات ” ، لذلك وجدنا شخصية الأب ( مولاي احمد ) تختلف عن شخصية الأب في الكثير من الروايات مثل رواية ” خريف البطريق ” ( ماركيز ) ، ورواية ” أنا الاعلى ” ( راوول باستوس ) ، ورواية ” ميرمار ” ( نجيب محفوظ ) ، ورواية ” أنا أحيا ” ( ليلى البعلبكي ) ، ورواية ” حكاية زهرة ” ( حنان الشيخ ) ، رواية ” الخندق ” ( يوسف إدريس )…روايات كثيرة اعتبرت الأبوة سلطة ذكورية مرتبطة بالعنف كسلطة (سياسية – اقتصادية – اجتماعية – فكرية …) ، بل اصبح الأب في بعض الروايات قناعا ووسيطا نقديا للسلطة…
” إن مجرد الخروج مع الوالد دواء للنفس ، وراحة من كل الضغوطات، فهو يتخلص من السلطة الأبوية ، ويطلق العنان لنفسه بكل تلقائية ، يغني لنا جميعا أغاني مطربه المفضل ” فريد الاطرش ” اغنية : ” يا قلب يا مجروح ” ، وأغنية ” الحياة حلوة بس نفهمها ” …لم يكن مولاي أحمد يعلم أن الزمان الذي نعاصره ما عاد يعكس كلمات الاغنية ، فالحياة لم تعد حلوة بعد جائحة كورونا ، وأصبحت نفسيتنا مضغوطة وقابلة للانفجار ! …” ( ص 52 و 53 )
نقطة تحول كبيرة جاءت بها جائحة كورونا في حياة كل الناس عامة ، والكاتب/السارد خاصة ،حيث أنهت مرحلة مشرقة من حياته سادتها الطمأنينة والسكينة ، وبدأت مرحلة أخرى يعتصره فيها حزن الرحيل والوداع والفراق الذي سيغير خريطة المستقبل . مهما كبر الإنسان في السن، فإحساسه بأبيه يبقى طفوليا في أعماقه ، لا يضعف مهما كبر، ولا يقل وهجه بمرور الأيام . وعندما نفقدهم نصبح مثل ” قافلة تاهت في صحراء قاحلة بعدما فقدت قائدها ودليلها” .
يرى أبو حامد الغزالي على أن النفس جوهر خالد لا يموت أبدا بموت البدن يقول: ” والنفس ليست منطبعة في البدن، بل لها العلاقة مع البدن بالتصرف والتدبير والموت انقطاع تلك العلاقة، أعني تصرفاتها وتدبيراتها عن البدن، وإنما يموت الروح الحيواني وهو بخار لطيف ينشأ من القلب ويتصاعد إلى الدماغ ومن الدماغ بواسطة العروق إلى جميع البدن، وفي كل موضع ينتهي إليه يفيد فائدة من الحواس الظاهرة والمشاعر الباطنة ” . ( 12 )
” اتجهت سيارة الاسعاف هذه المرة وهي حاملة مولاي أحمد جثة هامدة داخل صندوق موصد نحو مثواه الأخير ، لم يتسن لأبنائه ولا لأحبابه احتضان الجثة الممددة داخل سيارة الإسعاف ، ولا منحها

قبلة على يدها ، ولا حتى إلقاء نظرة أخيرة ..ما أصعب الوحدة حتى في لحظات الموت ..وما اشقاها وأتعسها تلك الحياة التي تقضي فيها سنوات العمر …” ( ص 201)

ونختم غوصنا النقدي في فلسفة الموت ( مولاي أحمد ) بما قاله الشاعر والوزير الأندلسي ابن شهيد .

ولمّا رَأيتُ العيشَ لَوَّى برَأسه … وأيقنتُ أنَّ الموتَ لا شكَّ لاحِقي
تمنّيتُ أنَّي ساكِنٌ في عَبَاَءةٍ … بأعْلى مهبِّ الرّيحِ في رأسِ شَاهِقِ (13)

المطلق لم تكن الصفة الفطرية التي خلق عليها البشر ، إن تأكيد وجود الذات، هو في قوة وجودها الذي ليس مطلقا ، بل نسبي وبالتالي فانية. إذن المطلق ليس إلا في قرار الوجود الإنساني، القرار الذي مر بالتأمل الفلسفي ، أي إنه يأتي من الحرية، هذا المطلق لا زماني في الزمان – كما يرى ” ياسبرز ” ، لأنه لا يكتمل إلا عندما يتوصل الإنسان إلى الانتصار على نفسه وإلى إتباع السبيل الذي يصبح القرار المطلق فيه الذي لا يتزعزع.

6 – الاستثمار في مآسي الناس زمن جائحة كورونا .

التفكير الأخلاقي يتداخل مع الفلسفة الأخلاقية ، يدرس كيف يفكر الناس في الصواب والخطأ في أمورهم الذاتية والموضوعية ، وكيف يطبقون القواعد الأخلاقية التي هي أساس الأخلاق الوصفية، مما يجعل الأخلاق أساسية في العلاقات والقوانين المنظمة للمجتمعات ، وبين الأفراد فيما بينهم ، من خلال التفكير في أخلاقيات أفعالهم ومعاملاتهم ، ومن خلال موازنة أفعالهم مقابل العواقب المحتملة. أي أن كل خروج عن منطق العرف والتفكير الأخلاقي يجعل البعض ( زمن جائحة كورونا ) يتشابهون مع تجار الحروب ، يسعون باستمرار لتصبح الكارثة أسوأ وأعمق ويجتهدون ليزيد الضرر فكلما اشتدت الأزمة، ارتفعت رؤوس أموالهم ، لا يهمهم بكاء الأطفال ولا ألم وأجاع الكبار تزداد شهيتهم للاستثمار في مآسي الناس كلما تعاظمت المحن .
نقطف من سرد التداعي الحر للكاتب /السارد ، ما يلي:

” حضر ذلك الطبيب الذي كان يهاتفنا ..ولم يتقبل احتجاجي ، ولم يراع تماما شعوري ..خرج من غرف إحدى العمليات ، ويداه – بالأحرى قفازاه – ملطخان بالدماء ، ثم طلب مني الهدوء وقال لي بالحرف دون مقدمات : “إن والدك مصاب بالسرطان …” ، كانت هذه الجمل كفيلة بأن تدخلني بدوري في غيبوبة ، ثم واصل كلامه قائلا : ” يجب أن تكون مستعدا ماديا ، سنجري له عملية مستعجلة ، وسيحتاج للبقاء في الانعاش مدة خمسة عشر يوما ، وتكلفة كل ليلة لا تقل عن ستة آلاف درهم ! … أطلعت صديقي وجاري ” موحا ” على شكوكي عبر اتصال هاتفي ، فنصحني بألا أثق في كلام هذا الطبيب ، فأخذت من فوري الملف الطبي ، وتوجهت برفقة جاري …سلمت الملف الطبي للوالد إلى دكتور ، وبعد تفحص ،ودراسة ابتسم ، وقال : ” إن الأمر بسيط ..إنها بعض الحصى في المرارة قد سبب التهابا ، والوالد سيحتاج لعملية تستغرق ساعتين ، ويمكنه أن يرتاح بعدها في المستشفى – وفي غرفة عادية – ليلة أو ليلتين ، بعدها يعود إلى منزله ” (ص 111 و 113)
ازدادت مأساة المتاجرة في آلام الناس وقت انتشار فيروس كورونا و صاحبها صدمات ومفاجآت وأزمات هزت دولا وأفرادا وجماعات ، بل تعاظم نفوذ القوى المهيمنة الغاشمة ماديا ومعنويا . فالمتاجرة بآلام الناس أصبحت سلعة تحقق مكاسب وأرباح على حساب الآخر الذي لا حول له ولا قوة .

ومما نشهد به من الرواية عن مأساة الاتجار في مآسي البشر ، الآتي :
“لقد دست في قبضة يده – منذ البداية – مبلغ 2000 درهم مقابل قنينة فارغة ستعيدها له بعد انقضاء الحاجة إليها ، ثم أصبح يأخذ سبعمائة درهم عن كل تعبئة لهذه الانبوبة التي تصبح فارغة بعد عشر ساعات من الاستخدام ..عادة هو يحضر بديلا يسرب الأكسيجين ! وإذا حاولت الاستفسار منه، قد يقفل هاتفه في وجهك ! … حيث اضظرنا أخيرا للبحث عن شخص آخر …فقد تعرفنا على شاب …يغير الأنبوبة بأربعمائة درهم بدل السبعمائة ، ويحسن التكلم والتعامل …” ( ص 136 و 137 ) . ويضيف الكاتب/ السارد قائلا : ” مجرم حرب آخر قادنا الفيروس اللعين إلى أن نتعرف عليه ..إنه سائق إحدى سيارات الإسعاف الذي تكلف بإرجاع أختي شمس من المصحة إلى المنزل وهي في حالة حرجة …في هذه الظروف الصعبة أنزلها هذا النكرة في آخر الحي ورفض إيصالها إلى باب المنزل بحجة الازدحام ، وهي التي معدل تنفسها آنذاك في حدود 85 ..نعم ، سمحت له نفسه الأمارة بالسوء أن يتركها ، بعدما تسلم 700 درهم عن توصيلة لا تتعدى عشر دقائق ! …” ( ص 137)

الباحثون من ( دول – أفراد – شركات ) عن الاغتناء السريع من جائحة كورونا ، متواجدون في مختلف الميادين الحياتية ، كما أن هؤلاء لم يدخروا أي جهد في تحويل الفيروس إلى ضارب ومدمر ، وهو ما يذكرنا بتجار الحروب والأزمات الذين لا هم لهم إلا تحقيق الأرباح في وقت وجيز.

خاتمة :

إن ثيمة فلسفة الموت تحمل في تأملاتها الكثير من المفارقات والتناقضات ، حسب القناعات والتوجهات الفكرية ، وهي موضوع أزعج واستفز التفكير الفلسفي ، لهذا نجد الناس قد أدركوا ذلك، فنجدهم يتناسون الموت، معتبرين أن الحياة موت في ذاته ، و لأن الإنسان يقترب من موته بعد كل يوم يمرمن عمره ، كما أن أيام عمره –هذه- هي” الفترة التي تستغرقها عملية وفاته ” . الإنسان يحيا الحياة بكل ملامحها وصورها . وفي هذه الحياة يهيئ كل أسباب فنائه وموته .
لقد سجل تاريخ الأدب العالمي أعمالا تسيدت الساحة الأدبية والنقدية …منها غارسيا غابرييل ماركيز و روايته “الحب في زمن الكوليرا” ورواية “عيون الظلام” التي تنبأت بالفيروس منذ 1981
ورواية “العمى” للروائي البرتغالي “جوزيه ساراماغو ” … وتقثنا كبيرة في العقل العربي القادرة على أن ينتج اعمالا أدبية خالدة تتخذ من زمن جائحة كورونا موضوعا لها .

عبدالرحمان الصوفي / المغرب
المراجع والمصادر :

1 – محمد الخرباش / مذكرات واقعية ( مذكرات واقعية (رواية ) رحيل بلا وداع ))/ / الطبعة الأولى / 2021
2 – مريم فتحى عبد المقصود / السيرة الذاتية ل” مريم فتحي عبدالمقصود ”
3 – الواحدي / الموسوعة الشاملة / شرح ديوان المتنبي
4 – قصة الحضارة / ويل ديورانت / ج1 / ص 100

5 – ابن عبدالبر / الموسوعة الشاملة / بهجة المجالس وأنس المجالس
6 – جريدة الشرق الأوسط / 2 أكتوبر 2008، العدد 10901
7 – السيرة الذاتية للأديب ” محمد الخرباش ”
8 – المكتبة الشاملة الحديثة / كتاب : تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق / ابن مسكويه
9 – المصدر ( 8 ) نفسه .
10 – إيليا حاوي / الشعر العربي المعاصر / بدر شاكر السياب / الجزء الثالث / عدد 19 / ص 114 / دار الكتاب اللبناني بيروت
11 – عبدالرحمن بدوي / الموت والعبقرية / دار القلم
12 – عبدالرحمن بدوي / الزمان الوجودي / بيروت / دار الثقافة 1973
13 – ابن شهيد / بوابة الشعراء /
انظر أيضا :
– حرائق السؤال / حوارات مع خورخي لويس بورخيس، وامبرتو إيكو، وألان روب ـ غرييه، ولورنس داريل /ترجمة محمد صوف / دار أزمنة، الأردن، 2006 .
– توماس كليرك / الكتابات الذاتية: المفهوم، التاريخ، الوظائف والأشكال / ترجمة محمود عبدالغني /دار أزمنة، الأردن، 2005 .
– جورج ماي / السيرة الذاتية / ترجمة – – محمد القاضي وعبدالله صولة / بيت الحكمة، تونس، 1992 .
– خليل شكري هياس / المفهوم والحدود في ضوء نظرية الأجناس الأدبية .
– الموسوعة الذرائعية – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عوده الغالبي – الذرائعية والعقل / عبدالرزاق عوده الغالبي – الذرائعية وسيادة الأجناس الادبية / عبدالرزاق عوده الغالبي – الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي / عبدالرزاق عوده

دراسة ذرائعية مستقطعة لقصيدة ( سكن نجمنا وما تململ ) لمحمد بوحاشي / إعداد : عبدالرحمان الصوفي

دراسة ذرائعية مستقطعة لقصيدة ” سكن نجمنا وما تململ ” لمحمد بوحاشي
*المدخل العقلاني الإغنائي : ( المد المتناوب على نغمتي الاتساع والضيق في قضيدة ” سكن نجمنا وما تململ ” )
الدراسة الذرائغية المستقطعة بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

مقدمة :

ارتبطت نشأة العلوم بإيجاد الحلول لمشاكل الإنسان المختلفة والمعقدة، خاصة تلك المتعلقة به ككائن عاقل وكذلك بجوانب أخرى مادية، كظروف حياته، وسبل تسيده على كوكب الارض . ..كما انشغل العلماء كذلك بالجانب البحث في الظواهر الطبيعية وفك رموزها من خلال تفسيرات تباينت نتائجها عبر أزمنة مختلفة ، وكلها تتبنى علمية الابتكارات بالطرق العملمية المادية من أجل تسهيل الحياة وتبسيط تعقيداتها أمام الإنسان لكي يستمر في البقاء. وهذا الواقع ساهم في تطور الإنتاجات الثقافية، والفلسفية ، والفنون، والآداب بمختلف أنواعه … وكل هذا ساهم في تحرير الإنسان من كل أشكال العبودية والاستغلال ، كما ساير الشعر كل هذا التطور بمساهمته في بناء عالم تسوده العدالة والسلام …

1 – الحركة : شرط وجود حياة في الوجود

لقد أقر علماء الكون الفيزيائي في الكثير من الأبحاث الفيزيائية ( تجارب ودراسة الجسيمات الأولية نظرياتها ونظرية الأوتار والفيزياء الفلكية والنظرية النسبية العامة وفيزياء البلازما… ) على حركية كونية عظيمة متواجدة في كل من أصغر فيزياء الجسيمات الأولية إلى أكبرها على حد سواء .

أ – عتبات العنوان : ( سكن نجمنا وما تململ )

  • – ذرائعية الفعل ” سكن “

التقمص الوجداني الذرائعي استوقفني كثيرا أمام الفعل ” سكن ” الذي ورد في عنوان قصيدة ” محمد بوحاشي “…فكلما قرأته او تذكرته إلا وتذكرت [ قصيدة “جبران خليل جبران ” التي لحنها ” محمد عبد الوهاب” ، وغنتها ” فيروز ” …
سَكَنَ الليلْ وفي ثوب السكونْ .. تَخْتَبِي الأحلامْ

وَسَعَى البدرْ وللبدرِ عُيُونْ .. تَرْصُدُ الأيامْ

فَتَعَالَيْ يا ابْنَةَ الحقلِ نَزَورْ .. كَرْمَةَ العُشَّاقْ

عَلَّنا نُطْفِي بِذَيَّاكَ العَصِيرْ .. حُرْقَةَ الأشْواقْ…] ( 1 ) …

تقمص وجداني وجدته يأخذني من عمق العنوان إلى أعماق القصيدة إن فعل ” سكن ” في عنوان قصيدة ” محمد بوحاشي تجمعه نفس ظروف الأرضية الأولى المساهمة في كتابة وإنتاج جبران لقصيدته أي الخيبات العربية ( النكسة العربية والتقهقر العربي …) ، إلا أن جبران نظر إلى هذا الواقع من زاوية يغلب عليها الطابع الرومانسي ، أم محمد بوحاشي فدخل وقصيدته إلى واقعه، وواقعية ” ربيع عربي ” تحول إلى خريف ، كما ان الواقع أصبح واقعه و موقعه الذي لم يغادره أو يتململ قيد انملة عنه … ” (2)

  • – ذرائعية ” نجمنا “

لا يمكن نستغرب من ربط الشاعر ” محمد بوحاشي ” ضمير ” نا ” الجمعي ( النجم = الإنسان العربي = الحركة = السكون = بفلسفة الموت ..كما ان الله ربط حركة العربي وحركيته بالنجوم ….” فقد كان للعرب رحلتان أساسيتان إحداهما إلى بلاد اليمن في فصل الشتاء ويتخذون النجمة اليمانية في إرشادهم للطريق ليلاً اما الرحلة الثانية فكانت في فصل الصيف إلى بلاد الشام وكلتا الرحلتين بغرض التجارة حيث قد برع العرب بالتجارة مع الدول المجاورة لهما وقد جاء ذكر هاتين الرحلتين في الآية 2, 3, 4 من سورة قريش.

«إلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» ( 3 )

2 – الحركة : سكون بدون تململ

السكون الذي لا يتململ هوالموت بمفهومه الذي يشمل العديد من المجالات الحياتية ، وهو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى فلسفة حياة قصيدة ( سكن نجمنا وما تململ ) …نترك للقارئ فرصة التأمل في حركة سكون سلبي لا تتململ فيه الطبقات الاجتماعية ولا يتصارع فيه فكر التطور والتقدم والخروج من قوقعة الظلام والظلامية والتخلف ….

مدن جثث ملقاة على الطرقات، وأخرى مريضة مهترئآت. على ابوابها تذبح الأيام والأعوام، في ساحاتها الغامقة، تلفظ الابدان نفوسها هدرا وغدرا. السهو والعمى التشرد والشرود، مأدبة غبية مغرية. مدن في أسواقها ماء الوجه يراق، يلعق الاعتاب والأقدام. كسرى يبني فيها كنيسة الواحد القهار، يشبع زهوه بلفح النار، إليها يسوق قوافل الأيتام والأحرار.

الشعر أداة كشف وهدم وبناء وبحث عن حقيقة ، سلاحه الكلمة الصادقة التي تزينت بها قصيدة ” محمد بوحاشي ” ، فدفعتني لاستحضر قصيدة ” بلاد العرب ” لأحمد مطر “

[ بعد ألفي سنة تنهض فوق الكتب

نبذه عن وطن مغترب

تاه في ارض الحضارات من المشرق حتى المغرب

باحثا عن دوحة الصدق ولكن عندما كاد يراها حية مدفونة وسط بحار اللهب

قرب جثمان النبي

مات مشنوقا عليها بحبال الكذب

وطن لم يبق من آثاره غير جدار خرب

لم تزل لاصقة فيه بقايا من نفايات الشعارات وروث الخطب

عاش حزب الـ..، يسقط الخا..، عائدو..، والموت للمغتصب

وعلى الهامش سطر

أثر ليس له اسم

إنما كان اسمه يوما بلاد العرب ] ( 5 )

3 – السيرة الذاتية للشاعر ( محمد بوحاشي )

[ السيرة الذاتية
المهنة:استاذ الفلسفة بالثانوي التاهيلي

  • استاذ تطبيق بالمدرسة العليا للأساتذة
    عضو لجنة منح الكفاءة المهنية التربوية
    مدرس البيداغوجيا والديداكتبك بالمدرسة العليا للأساتذة
  • الشواهد:
  • اجازة في الفلسفة
  • إجازة في التاريخ
  • دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة
  • دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة المعاصرة تخصص الفلسفة الألمانية:من كانط إلى هيدجر.
  • العمل الجمعوي
  • عضو إداري مسير في جمعية أشبال الإسماعيلية
  • عضو جمعية أمجاد للأعمال الإجتماعية والثقافية والفنية والثقافية
  • عضو في منتدى الأقلام الذهبيةللمفكرين والمثقفين العرب حاصل فيها على أوسمة وتشريفات عديدة
    شاركت في عشرات اللقاءات الثقافية والأدبية والفكرية
    عضو سابق في اللجنة المكلفة بمراجعة وتهييى البرامج
    عضو منتدى مدينة مولاي ادريس زرهون للتنمية
  • الكتب:
    في الشعر * – يوان عنوانه:وردة الظل
  • – ديوان تحت عنوان:لا خروج عن القافية
  • – ديوان بعنوان:من أرخى العنان؟
  • – ديوان يحمل عنوان:هات عينيك بحرا
  • – ديوان عنوانه:يغسل وجهي قمر
  • – ديوان باللغ الفرنسية عنوانه :La vèritè et la mousse.
  • في النقد الادبي:
  • عناوين الكتب
  • ماذا يميز الشعر؟
  • من القصة القصيرة و الرواية إلى الشعر.
  • جمالية الخطاب الادبي
    مقاربة تحليلية تركيبية.
  • الشعر العربي:مسار ومصير
    من الشعر الجاهلي إلى الشعر المعاصر
  • كتاب تحت الطبع:النقد الأدبي المعاصر:الخلفيات النظرية والأليات المنهجية.
    علاوة على 53 قراءة في متون شعرية، قصصية، روائية ومسرحية الكثير منها منشور في جرائد أو في مواقع ايليكترونية ضمن برنامج أسبوعي يسمى:حديث الثلاثاء
  • في الفلسفة و البيداغوجيا :
  • كتاب بعنوان : مقالات فلسفية وبيداغوجية
    اهيئ حاليا كتابا مشتركا مع الباحث والناقد الأستاذ جمال عبد الدين المرزوقي
  • وكتاب خاص: في رحاب الأدب والفلسفة …] ( 6 )

4 – المد في قصيدة ” سكن نجمنا وما تململ “

منذ أن خلق الله تعالى الكون ودبت في الأرض الحياة ، وبدأ الإنسان يحس ويدرك كل ما يدور حوله من‬ ‫الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية المختلفة فيه وحوله، بحيث صار هو المرآة والمنطق التي تعكس عليها كل صور‬ الحياة

‫فأصبح مقلدا ومحاكيا لها ومقتبسا … بالرموز والتعابير والحركة والاصوات والرسم والموسيقى… فاصبح كل هذا محط اهتمام ومجال إبداع …سنركز في دراستنا الذرائعية المستقطعة على موسيقى المد في قصيدة ( سكن نجمنا وما تململ ) …هذا المد الذي تجاوز عدده ( 60 ) مدا في قصيدة تتألف من 33 سطرا شعريا ، وتواجد المد بكثافة في القصيدة جعلها تتميز وتختص بنغمات موسيقية متداخلة يتناوب عليها الاتساع والضيق ، نغمات موسيقية متداخلة غير مترابطة…
وهذه هي الكلمات التي ورد فيها المد في قصيدة ” محمد بوحاشي ” ” سكن ليلنا وما تململ ” : ملقاة – على(2 ) – الطرقات – أخرى – مريضة – مهترئات – أبوابها – الأيام – الأعوام – في( 3 ) – ساحاتها – الغامقة – الابدان – نفوسها – ( هدرا / غدرا ) – العمى – الشرود – أسواقها – ماء – يراق – الاعتاب – الاقدام – كسرى – يبني – فيها – كنيسة – الواحد – القهار – النار – إليها – يسوق – قوافل – الايتام – الاحرار – أنصاف – ( آلهة ) – أعوامنا – العجاف – يتهافتون – اللسان – السنان – يشربون – الجراح – متاح – مباح – يكسفون – الصباح – ساقتنا – الجبابرة – إلى – الاستكانة – المهانة – الغرباء – حرثنا – خلقنا – أمامنا – عيون – الهمازة – الغمازة – الاعمار – الأقدار – سال – نجمنا – آه – الجياع – معي – سنابل – الريح
( … عند تشكيل السطر الشعري أو الجملة الشعرية فهذه الموسيقى قد تعتمد في تقنياتها على فنية معينة كأن تكون تكرارا متوازيا وإزاحة ذات دلالية . وخاصة مع حروف المد وبتزاوج الحروف والكلمات . فتتمثل بجرسيتها وعلاقتها النغمية مع الحرف بحيث تنعكس مع خلفية الحالة الانفعالية في نفسية الشاعر والحراك الأدائي والانفتاح الدلالي فتاتي متجانسة نغيماتها . فهناك ارتباط وثيق بالدلالة المنبعثة أساساً من الصياغة اللغوية التي هي بمثابة سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة و النابعة من الحركات الفكرية ، وحركة تمكزها الأساسي من خلال الصياغة اللغوية وفاعلها مع النص مكونة علاقة تأثيرية بين الإيقاع والدلالة الشعرية واقصد بها فاعلية النص مع اللغة … ) ( 8 )

” يُعرف المد في اللغة بأنه الزيادة، أما في الاصطلاح فهو إطالة الصوت بحرف من حروف المد، وهي الألف والواو والياء، حيث يُمط الصوت بحرف من حروف المد….” ( 9 )

خاتمة :

المداخل النقدية التحليلية الذرائعية كثيرة جدا ، والاستقطاع يبنى على مدخل رقمي إحصائي ، حيث يلجأ فيه الناقد إلى علمية استقطاعه بعيدا عن الحدس والذوق والانطباع …النظرية النقدية الذرائعية هي إجراء فكري حول ذرائعية مختلف أنواع خطابات تتميز بكونها محط إشكاليات …يستدعي فيها الناقد الذرائعي كل الشروط التاريخية والفكرية والدينية والنفسية والفلسفية ….الغاية خلخلة المألوف والجاهز اللاعلمي ….

عبدالرحمان الصوفي / المغرب


////محمد بوحاشي ///// سكن نجمنا وما تململ //

مدن جثث ملقاة على الطرقات،
وأخرى مريضة مهترئآت.
على ابوابها تذبح الأيام والأعوام،
في ساحاتها الغامقة،
تلفظ الابدان نفوسها هدرا وغدرا.
السهو والعمى
التشرد والشرود،
مأدبة غبية مغرية.
مدن في أسواقها
ماء الوجه يراق،
يلعق الاعتاب والأقدام.
كسرى يبني فيها
كنيسة الواحد القهار،
يشبع زهوه بلفح النار،
إليها يسوق قوافل الأيتام والأحرار.
انصاف ألهة، في اعوامنا العجاف،
يتهافتون باللسان وبالسنان،
يشربون دوم الجراح،
يكسفون طلعة الصباح
كل شيء لهم متاح ومباح.
ساقتنا أذرع الجبابرة،
إلى حضرة الاستكانة والمهانة،
يحصد الغرباء حرثنا.
خلفنا ويل، امامنا ليل.
عيون الليل الهمازة الغمازة،
تقطف الاعمار،
تسخر من الأقدار.
انهمر الدمع وسال،
سكن نجمنا وما تململ.
أه ليت الجياع يرون معي،
أن سنابل ظمئهم تنضج
فوق معصم الريح!.

1/02/2022.


المراجع والمصادر
1 – ويكيبيديا
2 – مجلة ” نزوى ” العدد 10 – ص 24
3 – مجلة الهدى – عدد 17 – ص 15
4 – مقتطف من قصيدة ” محمد بوحاشي ” ( سكن نجمنا وما تململ )
5 – أحمد مطر – قصيدة : بلاد العرب – موقع ( الحوار المتمدن )
6 – السيرة الذاتية للاديب والشاعر ” محمد بوحاشي “
7 – انظر قصيدة ” سكن نجمنا وما تململ ” ل ” محمد بوحاشي “
8 – النظرية الذرائعية في التطبيق ( الموسوعة الذرائعية ) – ص 227
9 – المصدر ( 8 ) نفسه

قراءة في ديوان ” أحلام على صفيح ساخن ” / القراءة لأحمد الداودي / ج 5

دائما مع الناقد أحمد الداودي في الحلقة الخامسة من قراءاته المتميزة لديوان_ أحلام على صفيح ساخن _ لهمون بوسهال

الرموز الأسطورية(تابع )
ويبدو أن الشاعر الكبير يهدف من وراء استعماله للرموز الأسطورية الابتعاد عن التعبير المباشر وإضفاء الجمالية في تشكيل قصائده الشعرية. كما التجا إلى هذه الخاصية ليعبر عن تجاربه المختلفة والمتنوعة ،وهو في هذا الاستعمال لم يفقد وضوحه الفني رغبة في ممارسة التأثير على القاريء والمتلقي وجعله بالتالي يتذوق شعره الجميل الذي يمتلا حياة ورونقا. لهذا حرص شاعرنا همون بوسهال على الوضوح في إطار رموزه المختلفة يقول في قصيدة بعنوان “أنشد هروبا “
أرغب بغفوة بسنوات أهل الكهف؟
أنشد هروبا إلى المجهول بلا خوف.
ينشد أيضا في قصيدة أخرى” وادي النمل “
في وادي النمل اضعت امسي
اغتيلت خطوات وصدر همسي
قضي الأمر….
أغلق باب حبسي
إن هذه الرموز الأسطورية تساعد الشاعر المبدع في التأثير العاطفي والفني على المستمع والقاريء على السواء يقول في قصيدة بعنوان “خيانةوانبطاح “:
متامرون…….
ثعلب الجوار من غدر بالبريءة.
هكذا يتضح بيقين لا يقبل الشك أن شاعرنا إنما تحرى الوضوح في استعماله للرموز الأسطورية وأن هذه الأخيرة لم تكن بعيدة عن الفهم والاستيعاب ولا قريبة من التعقيد.
(يتبع)

قراءة نقدية في ديوان ” أحلام على صفيح ساخن ” للناقد أحمد الداودي [2]

يسعدني أن أتقاسم معكم قراءات لديواني _ أحلام على صفيح ساخن _ للناقد المبدع أحمد الداودي ، وسيكون على حلقات ..

الرموز الأسطورية في ديوان”احلام على صفيح ساخن “
السباحة في بحر ديوان “أحلام على صفيح ساخن “كالسباحة في كنه واعماق البحار والمحيطات…كلما توغلت أكثر غنمت واغتنيت…لكن دوما يظل النهم والطوى والعطش المعرفي يحاصرك من كل جانب…يخلق تلك الرجة..الاستفزاز…الزلزلة التي تجعل الطفل بداخلك يطالب بالمزيد من التعلم والعلم والمعرفة…فتغوص مرة أخرى وربما مرات بحثا عن كنوز أخرى مفقودة أو على الأقل عن صيد ثمين….
إذا كنت في المرة السابقة تناولت موضوع اللغةفي هذا الديوان الشعري، فإنني في هذه المرة ارغب الغوص في بحر موضوع آخر لا يقل أهمية ولا شأنا. متمنيا وراجيا من أعماقي ازالة الستائر عن ادات من أدوات التعبير في الشعر المعاصر وأحد أهم الظواهر الفنية فيه…إنه الرموز الأسطورية…
إطلالةأولية بين ثنايا القصائد الشعرية التي يزخر بها ديوان “أحلام على صفيح ساخن “نكتشف أن الشاعر الكبير همون بوسهال وظف هذه الادات في عديد القصائد الشعرية منها أذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:قصيدةرفاة ورماد -صعصع في المدينة-خيانةوانبطاح-جنازة منتصف الليل-أحلام زائفة-بريق عابر………إلى أن قصيدة “حاءط المبكى “تبقى في نظري اكثر قصائد الديوان استعمالا لهذه الادات كثافة وعمقا…..فكيف استخدم أو وظف شاعرنا هذه الوسيلة والخاصية في قصائده الشعرية؟وكيف تعامل معها؟……..(يتبع)

هذيان على حافة الهاوية / قصة قصيرة / بقلم : صالح هشام / المغرب

هذيان على حافة الهاوية: قصة قصيرة٠
بقلم صالح هشام : الرباط/المغرب ٠
بلورتان زجاجيتان باردتان، تمسحان تضاريس جبيني المثلج، تتشظيان على وجهي، ينز عرقي بغزارة ، يجتاح كل جسدي، فأشعر بالبلل يتسرب باردا كالصقيع بين ضلوعي و منامتي، ثم ينحدر إلى أسفل سروالي٠ أتمسك بالحائط، أسنده ظهري، ويداي مرفوعتان إلى أعلى كمصلوب٠
أمرر راحتي على ظهره، أحسه أملس ناعما، يعلق به زر كهربائي قديم كالعلقة٠ أضغط عليه بقبضتي أريد تشغيله، أجده معطلا تماما٠ أمعن في التصاقي بالحائط، أرشف منه رشفة أمن وأمان في سواد هذا الليل٠
يضمني بقوة، يكاد يكسر ضلوعي، ويسلمني إلى باب من أبواب البيت، تختلط علي الأبواب، كل المساحات تتشابه، لكنها تختلف في الفراغات٠ لم أكن قادرا على التمييز، أ أنا على الخلفي أم على الأمامي ؟ كل فراغاتها في بؤبؤ عيني سواد قاتم٠
لم تكن تهمني هذه الفراغات، فما يهمني هو أنه دفعني خارج البيت، فخرجت بسلام٠ أنحني على ركبتيى حد الركوع، أكاد أقبل التراب، وكالأعمى أتحسس نتوءات الأرض، فأحبو٠٠٠ أحبو٠٠٠أحبوكأرنب جائع يبحث عن عشب، أو جزرة، أو بعض ما يسد الرمق٠
أرفع هامتي/ قامتي، أجدني قشة هشة ترتجف في مهب ريح صرصر٠ وبصعوبة كبيرة أستقيم، أجس نبض المكان، كل الأشياء أمامي تتساوى، علي أن أخطو خطوتي الأولى، والثانية – ربما – تأتي بعد نجاح الأولى٠ أضم يدي إلى صدري، ثم أدسهما تحت إبطي، إني أموت فرقا من السواد، يقولون:

  • ظلام الليل رهيب، يقطع اليد الشاردة عن صدر صاحبها٠
    أقيس موضع خطوتي الأولى، أثبتها بقوة على أديم الأرض، ثم أقيس الثانية، أشعربالمسافة بينهما شاسعة، فأشعر أني أقفز فوق مدينة عملاقة، قدمي اليمني في شرقها، وقدمي اليسرى في غربها، فتبوء محاولاتي بالفشل، أبحث – من جديد- عن نقطة ضعف المكان، تزل بي القدم، فأعلق كالمجنون في الفراغ٠ أستغيث٠٠٠أصرخ٠٠٠أطلب النجدة، فيردد صمت الليل صدى صرخاتي٠
    أشعر بألم شديد، يعصرني عصرا من الكاحل إلى الحوض، أخال وركي من مكانه سيخلع، فأوشوش لنفسي:
    -ربما أتسلق ظهر جبل صخري، فهل أنا من فصيلة العناكب؟ وحتى لو كنتها، فإني أريد الهبوط لا الصعود، فمقصدي السفح لا القمة٠
    أحدد موقعي من جغرافية تيهي، لا أريد أن أخبط العشواء هذه المرة، فقدماي من أقدام البشر، وليستا من أظلاف كائنات أسطورية، لكني أحسهما تفتقران للمرونة الكافية، يقولون:
  • في تاريخ الأساطير وهذيان الإنسان: كان هناك أقوام لهم أظلاف، يتسلقون كالماعز، وينطون كالغزلان، ولا يمشون ويعدون كالبشر٠
  • لكن ماعلاقتي أنا بهذا؟ ولتكن لهم حتى الحوافر، فذلك لا يهمني٠
    أظن أن نوبة هذيان مقيت تمكنت مني تمكن حزامي من خصري، فاختلط علي الهبوط والصعود، لكني سأهبط ٠٠٠سأنزل٠٠٠ سأطاوع نفسي في الانزلاق في هوة بلا نهاية، فبوصلتي المخبولة لم تكن دقيقة كفاية٠
    أشعر بلكمة قوية على قفاي، وبأخرى على مؤخرتي، فأقذف كقشرة بصلة في هوة سحيقة، قرارها العدم، إنها الهاوية٠
    الهاوية: من هوى في الهوة ضاع، ومن ضاع٠٠٠ ضاع، رحيل بلا عودة٠ وأنا لن أعود من حيث أتيت أبدا٠ أسدل الستار على عيني، أطبق جفني، وألصق الرمش بالرمش، وأغيب في غيبوبة سكرة هذياني، فتتقلص عضلاتي، ينكمش قلبي، ويدق بعنف، يدق ٠٠ يدق ٠٠يدق ، وتخبو دقاته وتضعف، يكاد يسكن، يكاد يتوقف عن الحركة، فربما سأموت٠
    إني أهوي، إني في طريقي إلى عمق الهاوية٠أشعر أن كل عضو في جسدي يتخشب، ربما سأمحى من الوجود بعد دقائق، سأزول تماما، وسأتوسد قبضة نسياني في ظلام اللحود، تغيب عيناي في محجريهما، يلوذ حلزوني بأقصى القوقعة، فتتشابك أسناني٠٠٠تصطك بعنف٠٠٠يجف ريقي، فأبلعه شوك زقوم في حلقي، أحس بشئ ما يضغط على صدري، يكاد يخنق في نفسي النفس، أستغيث٠٠٠أطلب الماء لأبلل حلقي المتورم:
  • جرعة ماء٠٠٠جرعة ماء٠٠٠ أموت عطشا يا ناس٠
    لا مجيب يجيبني، تتشظى استغاثاتي في فراغ الليل، فأسلم روحي وجسدي للهاوية، أتركني أنساب بهدوء كالماء الزلال، وتسرقني مني الهاوية، فأعجز عن المقاومة، مسلوب الإرادة كالمنوم، لم يعد جسدي مني ولم أعد منه، كنت مخذرا تماما:
    الانحدار إلى الهاوية جميل، بسرعة أتعود عليه، فيروقني حد الانتشاء: تربتها رطبة ناعمة، جبل من زبد أغوص فيه، أهبطه من قمته إلى سفحه فلا أشعر بالألم بين فخدي، فأستمتع بلذة الهبوط، أحس أني كطائر يحلق في الفضاء بلا أجنحة، ثم أهوي من سابع سماء إلى العدم٠٠٠ إلى الفراغ ٠٠٠لا شئ غير الفراغ ، ومن يدري؟ فتفكيري جمده صقيع الهاوية، ولم يعد يتجاوز أصابع قدمي، أشعر أني أغوص في بحر من عسل، شطآنه مخملية، أوأنزل من عالمي إلى جنة من جنان الخلد، أما نهر الطمي فأستبعده من تفكيري تماما، ما دمت أنزلق في هذا الزبد، ولا أشعر بألم، ولا أحس بدوار أوغثيان٠
    هناك، أرى٠٠٠ أسمع٠٠٠ لكن لم أكن أدري، فحواسي كانت معطلة٠ ثمة حشود من الناس مذعورين، يركضون كالجياد، يمتطيهم الخوف، ويتموجون كأسراب حيتان تهرب من قواطع القروش، أسأل أحد الهاربين:
  • ماذا دهاكم يا قوم؟ إنكم تعدون في كل الاتجاهات، فأين سيكون مرساكم ومستقركم، إن شاء الله؟
  • يا غريب، نحن لا أرض٠٠٠لا وطن٠٠٠ لا مستقر٠٠٠ لامرسى لنا٠ محكومون بالعدو كالمجانين- أبد الدهر- في متاهات اللاشئ٠
  • وما لكم أنتم؟ اتركوا الآخرين يعدون، أولا يعدون فذلك شأنهم٠
  • لكن، علينا أن نعدو عدوهم أو نموت، فكلنا في الهاوية، ونحن بالهوى سوى٠
  • كيف ذلك؟ ما ذا تعني؟
  • هؤلاء الهاربون يا رجل، أصيبوا بمرض الخوف٠
  • الخوف؟ ومماذا يخافون؟
  • يخافون من الخوف، ينتصرون عليه بنظيره، ونحن أيضا أصبنا بعدوى الخوف: الخوف من أنفسنا، من وجودنا، وحتى من اللاشيء٠
    نعدو جماعة، فنتلف أثرنا، يحتمي بعضنا ببعض، نحمي أجسادنا بأجساد غيرنا، ولا نترك للخوف مجالا ليحدد طريدته، نقتدي بالطيور في سمائها، وبالحيوانات في برها، وبالأسماك في بحرها، تتماسك وتتآزر فتقهر خوفها، ألا ترى يارجل، أسراب الطيور تحلق في الفضاء بالملايين؟ تطير جماعة هنا ٠٠هناك ٠٠ فتتلف تركيزالجوارح التي تعجز عن تحديد هدفها٠هذا هو سر هذا الهروب الجماعي من الخوف الجماعي، فقطعان الأبقار الوحشية تشتت انتباه الأسود بهروبها الجماعي، فيفلت جسد بجسد، وتنجو روح بروح٠ اتحادنا في الخوف من الخوف هو سر استمرارية نسلنا وسلالتنا إلى الأبد، وهذا هو سر تجمع الأسراب طيورا وحيوانا وأسماكا وحتى بشرا أو حجرا أو شجرا٠ اعد٠٠٠اعد ٠٠٠اجر قرب أية جماعة من البشر، وتظاهر بالخوف، فالكل سيجري و سيعدو وراءك بلا هوادة ٠ فالخوف يصيبهم بعدوى الخوف٠
    أشعربرغبة جامحة في العدو، في الهروب مع الهاربين٠٠٠يهربون فأهرب، يعدون فأعدو مع العدائين، أجرب عدوهم وهروبهم، فأجدني أعدو في الإسمنت اليابس، تغوص قدماي في الوحل، وأنفاسي متقطعة مكتومة، وخطواتي ثقيلة، وكأني أقتلع جبلا من جذوره٠ فجسدي نحيل وعضلاتي مترهلة، لا تقوى على جر جبل، وأنا أريد اللحاق بركب الهاربين بقوة خائرة، وإرادة مسلوبة، فأنا في الهاوية .
    أستفيق من غيبوبتي٠٠٠من سكرتي٠٠٠ من كابوسي أتصبب عرقا، وأرتجف كقشة واهنة، أجدني وحدي أعدو٠٠٠ وحدي أجري٠٠٠وحدي ألهث ٠٠٠فلا هروب ولا هاربين٠٠٠ ولا عدو ولا عدائين٠٠٠لا أسراب طيور ولا أسراب أسماك٠٠٠ فراغ ٠٠٠فراغ٠٠٠في فراغ الهذيان ٠٠٠

النقاد والنصوص والقراءة العميقة / عبدالرحيم هريوي / عبدالرحمان الصوفي

عوالم النص وتشعباته وكذا وجوهه المكشوفة منها والخفية ولمسة النقاد الكبار وإبداعاتهم النقدية بين ثنايا ومنعرجات سطوره.!!

▪النقاد والنصوص والقراءة العميقة للكشف عن خبايا وحقائق تلكم النصوص، لكل باحث عن متعة أخرى للنصوص وعواملها المتضاربة ..لا يلجها إلا من بيده آليات وله من المهارات الإبداعية والفنية ما يؤهله للغوص في أعماق أعماقها كي يحصل على كل شئ غالي وثمين..!!؟؟

▪ويبقى للقراءة النقدية مكانتها في إعادة قراءة النصوص كما قال ع.الفتاح كيليطو ليس هي قراءة متسرعة والبحث معها عن وقائع تسارع الأحداث وتسلسلها أو معرفة النهايات وقد اعتبر مثل هذه القراءة منطلقها من اليمين..!!؟؟

▪لكن النقاد الحقيقيون هم الذين يقرؤون قراءتهم من اليسار نحو اليمين ..مما يعني بأن هؤلاء النقاد لا يمرون مر الكرام على الفواصل والنقط وعلامات التعجب… دون مساءلة كل شئ ثانوي وأساسي ورمزي وعميق بين ثنايا سطور النص المقروءو عادة لم تكتب تلكم النصوص من فراغ بل هي حمالة لأكثر من وجه وقضية وموضوع .. ولا بد أنها تحمل كذلك أكثر من حمولة نفسية ومجتمعية للكاتب عينه…!!؟؟

عبد الرحيم هريوى

▪تعليق للناقد الأخ الصوفي الصافي :

▪صدقتكم أستاذي العزيز …كل نص هو كائن حي لغوي ينبغي التعامل معه كمادة وروح
لاتلجه بالعنف والقوة القسوة ، بل صاحبه وجدانيا وتقمصيا … وأكثر من تكرار قراءته حتى يفتح لك أبواب قلبه وحينها سيدلك على المحتمل المتحرك من المفاتيح النقدية التي توائم نظريتك المتبعة في التحليل ، وحين تغوص في أعماقه استخرج من كنوزه ما تستطيع واترك الباقي كي لا تحمل النص ما لا يطيق ، واخرج من أعماق النص إلى سطحه دون استنزاف لكنوزه أو تغيير لمعالمه أو قتل لمؤلفه ….وهكذا تكون قدمت خدمة للنص ويكون النص كذلك قدم لك خدمة …هذه هي ذريعة وجود النص وهي نفسها ذريعة وجود النقد ….تحياتي واحترامي صديقي الغالي.

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة / رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” / الدراسة من إعداد : عب

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لرواية ” ملاذ الوهم والتيه ” ل ” عبدالكريم عباسي” .
عنوان الدراسة النقدية الذرائعية : ” الحقيقة والذريعة أو الوعي الممكن في رواية ” ملاذ الوهم والتيه “.
الدراسة من إعداد : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

أولا – التقديم :

إن منطق الطرح النظري الذرائعي التحليلي يلزمنا ويحكم علينا على أن نكون في مستوى صيغة الإبداع وجنسه ، أن نغوص فيه بعيدا عن الانطباع والإنشاء والتسرع الكفيف و أدوات الزنازين النقدية الصدئة المستوردة ، وأن يكون دافع الغوص الذرائعي هو البحث عن الحقيقة الزئبقية ، التي تفرض على الغواص تسلحه وقبوله إمكانيات الحوارالنقدي المتعدد باستخدامه أدوات مدخلية منهجية عربية تتعامل بعدل مع السطح اللامع لقشرة النصوص ولا تحدث فيها أي شرخ قبل ولوج أعماق النصوص واستخراج لؤلؤها اللغوي العربي الساحر ، بعيدا عن قضبان زنازين النقد العربي البئيس الذي لم يخرج بعد من وصاية وجلباب سيده ( الفرنكفوني أو الأنجلوسكسوني ) . ما أصعب أن نكتب باللغة العربية وبالعقلية العربية وبالهزام العربية وبالتقهقر العربي والنخوة العربية والإحساس العربي وبالحلم والآمال العربية … ما أصعب أن نكتب نقدا بنظرية عربية … ومن هنا نطرح الأسئلة الفكرية المشروعة التالية :

  • هل استطاعت هذه المفاهيم النقدية الغربية إثبات حضورها وموقعها في تربة غير تربتها ؟ .
  • هل الواقع العربي الراهن على الأقل في ضوء ما عاشه ويعيشه من اضطرابات سوسيوثقافية جعلته بعيدا كل البعد عن إنتاج فعل نقدي عربي ؟
  • هل ظروفه التاريخية جعلته محروما من الثقة في ذاته لإنتاج نظرية نقدية عربية ؟ .
    أسئلتنا ليست احتقارا لما يكتبه النقاد العرب ، وإنما نريد التأكيد على أن الناقد الأدبي العربي لم يخرج بعد من وصاية آراء نقدية وليدة ترجمات أوروبية نتج عنها غموض في الرؤية الكلية للنص العربي وللعربية التي تتميز عن كل لغات الكون ( وهذه المميزات أصبح يعرفها كل مهتم ) ، أو آراء نقدية أخرى هي حنين إلى التراث النقدي الذي استهلك نفسه ، هذا بالإضافة إلى أن الناقد العربي وضع نفسه في زاوية لا يحسد عليها ، بسبب رغبته في إيجاد بيئة عربية لنظريات نقدية غربية فرضت قهرا على اللغة العربية لتطوعها وتجعلها جاهزة لتقبل قوالب نظرية جاهزة …
    إن الكتابة الروائية تدافع وتتفاعل مع قضايا عصرها ، وأن وعيها مرتبط بثقافة بيئتها ، فالروائي لا يمكنه أن يقف موقف الحياد من واقعه ، فإذا كنا فهمنا الواقعية الروائية في علاقتها بالواقع ، لأن الرواية التقليدية اهتمت بالواقع إلى حد التماهي معه ، ذلك أن كاتبها يسعى إلى تصوير الحقيقة عن طريق عرض المعضلات الفردية والإشكاليات الاجتماعية
    والتاريخية والسياسية … ويعكسها كما هي في الواقع بأدق تفاصيله ويصورها تصويرا أمينا ، ويقوم بتحليلها وشرحها والكشف عن أسباب الداء محاولا إيجاد حلول مناسبة قادرة أن تغير ذلك الواقع ( الواقع الكائن إلى ما ينبغي أن يكون ) ، إلى أن أصبحت واقعية الرواية تقاس بمدى مطابقتها لأصلها المرجعي ( الواقع ) ودرجة التماهي معه ….
    لكن قد يتجاوز الروائي كل عوالم الواقع ليشكل عوالم على نحو الممكن والمحتمل والمستحيل والمتخيل … حيث نشأت الكتابة الجديدة بوعي جديد ، بحكم تغيرات الواقع السوسيوثقافي ، الذي استمد أنساقه الفنية والأدبية والفكرية من عوالم سردية مثيرة للدهشة والحيرة والتأمل والصدمة والانفتاح والانغلاق … أرادت من خلال هذه العوالم إبراز البعد السياسي بالأساس ، والذي يمثل البؤرة الفجائعية في المرحلة الراهنة التي يجتازها العالم العربي خاصة ، لذلك نجد الرواية الجديدة تثير الكثير من التساؤلات دون الإجابة عنها ، وتهتم كذلك بتشخيص القضايا الثّقافية والاجتماعية وغيرهما بإحساس قوي وشعور واع بحركة الحياة المتسارعة وبالقضايا الكبرى المتعاقبة في الوطن العربي والعالم التي تفاجئ الروائي كل لحظة وحين ، فتجهله مضطرا لإسناد رؤيته على أبعاد فنّية وفلسفية وعجائبية والأيديولوجية رغبة في تنويع تقديم عوالم الرواية ، كما أن هذا النوع يهتم بالكيان والهوية وتحقيق الذّات … وهذا لا بعني غياب الموقف ، بل إن المتخيل والممكن والمحتمل نجده متجليا في مواقف اجتماعية وسياسية وثقافية …
    سنستند في غوصنا الذرائعي المستقطع في رواية ” ملاذ الوهم والتيه لعبدالكريم عباسي ، على مفهوم الحقيقة والذريعة ( النظرية الذرائعية العربية ) أو الوعي الممكن في الرواية .

ثانيا – توطئة :

يقول ” عبد الرزاق عوده الغالبي ” : ” هل الحقيقة هي الأصل أم الأصل هو الحقيقة وما موقع الذريعة من ذلك…؟ …وبرأيي ، لا حقيقة دون أصل تسنده ذريعة ، فإن التأصيل هو جوهر الفلسفة ، وهو القاعدة للوصول إلى الحقيقة ، وهو منظور يفضي نحو التأمل في الأشياء بشكل منطقي للوصول نحو عمق جوهرها ، وكل شيء في الحياة ينبع من ثنائية واقعها ملموس وأصلها مخفي ، وينظر الماديون على أنها نوع من الفلسفة الأحادية تتبنى المادة على أنها المكوّن الأساسي للطبيعة ، وأن كل الأشياء ، بما فيها الجوانب العقلانية كالوعي ، هي نتاج لتفاعلات مادية ، أما المادية بشكل مبسّط فتحدّد العالم بعناصر محددة (مثل العناصر الأربعة نار ، هواء ، ماء ، وتراب) وهي تنظر للحقيقة من منظور الوعي المادي …
الفلسفة الأحادية monolithic philosophy التي يمارسها الفلاسفة الغربيون بثلاث أنواع : نوع مثالي ونوع مادي والثالث محايد ، لكنها تتفق على أن الأشياء المتنوعة الموجودة في الكون تتكون من مادة واحدة ، وبهذا تكون خاصية الكون الأساسية هي
الوحدة ، تتعارض هذه النظرية مع الثنائية ، التي تقول بوجود واقعَين (مادي وفكري) ، وتنظر للكون بنظرة مثالية و موقف فلسفي نظري وعملي يردّ كل ظواهر الوجود إلى
الفكر ، أو يجعل من الفكر منطلقًا لمعرفة الوجود أو الحقيقة ، مؤكدًا على أسبقية المثال (بكل معانيه) على الواقع ، هو المذهب القائل بأن حقيقة الكون أفكار وصور عقلية ، وأن العقل مصدر المعرفة في الواقع ، و يدحض فيها الجانب غير الملموس أي الجانب المخفي أي (الأصل) الذي يكون عند هذه الفلسفة (غياب) إلا بالرؤيا ، والواقع فيها يغطي اللاواقع ، والوعي ينفي اللاوعي ، والصوت ينفي الكتابة ، وهذا جوهر حديثي ، الذي زج فلاسفة الأحاديات اللغةَ فيه ، واستكثروا الميتافيزيقية على مريدي الجانب الثنائي…
ومن وجهة نظري العكس هو الصحيح ، وبمنظور حضاري علمي واقعي ، فلا يخلق حي إلا من جذر ، ولا يخرج مرئي إلا من مخفي ، ولا نهار إلا من ليل ، والنظرة المادية تقيس الشيء بوجوده الفيزيائي لإشغاله حيزًا من الفراغ ، وهذا إقرار لوجود المكان وأهميته في الوجود واللاوجود ، وهذا بحد ذاته يقودنا نحو التبادل المكاني ، فحلول الليل يحتل مكانه النهار ، وحلول النهار يحتل مكانه الليل ، وتلك حقيقة تفهم بالنتائج وليس باللمس أو الرؤيا ، فكل موجود في الدنيا ينبع من أصل غير مرئي ، وتلك هي “ثنائية” الموجودات التي أثبتها التقدم العلمي والحضاري ، وغيّب فيها الفلسفة في قرننا التكنولوجي هذا ، فما عادت الفلسفة كافية لاكتشاف الحقائق ، بل عوّض التقدم العلمي بكشف الأسرار التي كانت في سابق عهدها وقبل قرن حيزًا من الافتراضات…” ( 1 )

ثالثا – المدخل البصري لرواية لرواية ” ملاذ الوهم والتيه ” .

رواية ” ملاذ التيه والوهم ” ل ” عبدالكريم عباسي ” ، رواية من الحجم المتوسط ، تضم مائة وست وسبعين صفحة . تبدأ الوحدة السردية الأولى المعنونة ب ” نحو المجهول ” بملفوظ حواري ” من فضلك ، متى ينصل إلى …؟ ، وتنتهي بالوحدة السردية الأخيرة ” نهاية المضيف ” بالملفوظ الاتي : ” وداعا ! …وداعا أيها المخلص ! …” ، وتتوسط الحواري الأول ، والملفوظ الأخير اثنان وثلاثون وحدة سردية أخرى ، نقتطف من عنوانها ( في ضيافة المقدم – هناااااااااااااااك – وراء الستار – غيرة ” فقيه الدوار ” – احتيال من المقبرة – الطلاسم – الحضرة – الحركة الانتقالية – نهاية الديك – تيه في الصقيع – ) وعناوين صغرى أخرى ، وكلها غايتها جعل القارئ يتدرج في متابعة المشروع السردي ككل .
صدرت الرواية في طبعتها الأولى عن دار النشر ” مطابع الرباط نت ” سنة 2016 ، لوحة الغلاف من إبداع للفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر .
تضم الرواية إهداء قصيرا جدا ( إلى الذي كاد أن يكون رسولا ) ( 2 ) . أما التقديم فأنجزه الدكتور ” أحمد أباش ” ، الذي جعل رواية ” عبدالكريم عباسي ” تتميز بثلاث سمات ،
وهي كالتالي :
” أولا : تكسير خطية السرد وبنية الزمن واستثمر التراث ، والبيئة
الطبيعية ، والبنية الاجتماعية وأعراقها ، وأعرافها المتنوعة والعادات الراسخة والتقاليد الموروثة ، وغيرها من المكونات الشكلية التي غذت النص وطورته بشكل كبير .
ثانيا : توجيه عمله إلى إرباك الخطى التقليدية في الرواية ذات النزعة الاستغرابية أو الاستشراقية أو هما معا التي أدت إلى غربة الأدیب وتعمیق الھوة بینه وبین قارئ له.
ثالثا : توظيف روايته لخدمة تأملات نظرية جديدة في صياغة الرواية المغربية. وهذه ظاهرة مشجعة، ومنذرة، بكل ثقة وبقوة ، أن نوعا جديدا من الرواية المغربية قادم لا محالة.
في كل الأحوال ، تتجاوز هذه الرواية محطات التحول التي لازال يعرفها أدب الرواية بالمغرب ، إذ تشرع صراحة ، في اعتقادنا ، في رسم الخطوط العريضة لاستقلال الأدب عن الخطابات الإيديولوجية باعتباره غاية لا وسيلة ، أدب يبلور أسئلة مغايرة ، متحرر من قيود المدرسة التقليدية ، منفتح على مرجعيات فكرية وفنية جديدة تبلور النظر في الخلفيات الفلسفية والديماغوجية التي حكمت الكتابة الروائية السابقة ، وتسمح بانطلاق الإبداع والبحث المتواصل عن جماليات جديدة مغايرة في الكتابة والتعبير …” (3 ) الصفحة 8 و 9 .

رابعا : السيرة الذاتية لمؤلف رواية ” ملاذ الوهم والتيه” .

  • عبدالكريم عباسي :
  • من مواليد 1965
  • أستاذ مؤطر للغة الأمازيغية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفرع خريكة .
  • حاصل على عدة جزائز جهوية ووطنية :
  • جائزتان جهويتان على التوالي في سنتي 2008 و 2009
    منحتا له من أكاديمية جهة الشاوية- ورديغة ، في المجال المعلوماتي في الأمازيغية والبيداغوجيا .
  • جائزة الاستحقاق الوطني لأطر التربية والتكوين عن سنة 2010 , صنف التربية والتكوين ، منهحت له من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية .
  • من إصدارات الكاتب :
  • قصة ” المصيدة ” في جزأين سنة 2014
  • ثلاث مجموعات قصصية مصورة للأطفال بالأمازيغية ، تتضمن 10 حكايات ، من منشورات مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية .
  • مترجم لعدة بحوث وأعمال بالأمازيغية ، كترجمة المجموعة القصصية ” السوق اليومي ” للقاص ” هشام حراك ” للغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ . وحاصل على عدة شواهد تقديرية وعضويات شرفية من عدة جمعيات ثقافية ، وأخرى مهتمة بالإنتاج الرقمي المعلوماتي .

خامسا – من الوهم إلى التيه / الوعي الممكن في العنوان / ” ملاذ الوهم والتيه “

1 – العنونة كمفتاح وانفتاح على التفسير والتأويل :

الوعي في اللغة يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه والإحاطة به.
أما مفهوم “الوعي” (Cognition) فلهذا المصطلح دلالات عديدة، ولكن أهم معانيه تتجلى من خلال علمين أساسيين في الإنسانيات الحديثة : علم النفس وعلم الاجتماع.
في علم النفس : يشير مصطلح الوعي أولاً إلى حالة ” اليقظة ” العادية ، ويشير ثانيًا إلى قدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين وعن الأشياء والكائنات الأخرى .
أما علم الاجتماع : فقد شرع في التركيز على أن الوعي نتاج لتطور فسيولوجي لمخ الإنسان ، ولقدرة الإنسان على العمل وابتكار اللغة ، وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة فرديًّا أو اجتماعيًّا مع الدماغ (المخ)؛ وبالتالي، يصبح اللاوعي جزءًا من الوعي ، ويتبادلان في الوقت نفسه التأثير والتأثر (4 )
إذن ، الوعي الممكن معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه ، ومن تفاعله معه ، وتترسخ هذه المعرفة بحيث تصبح مركوزة في اللاوعي ، أي في العقل والشعور الباطن لدى الإنسان ، ثم هي معرفة قابلة للنمو والتطور .
يقول الناقد حميد ركاطة في دراسته لرواية ” ملاذ الوهم والتيه ” : ملاذ الوهم والتيه كعتبة ، تطرح أكثر من سؤال ، يحمل في طياته انتظارات كبيرة ، لكنها مفتوحة على المجهول ، وعلى نهاية موجعة. ” فالعنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية ، نظرا لكونه مدخلا أساسيا في قراءة الابداع الأدبي والتخييلي بصفة عامة ، والروائي بصفة خاصة ” وقد نادى بها كل من لوسيان غولدمان ، وهنري متيران ، وشارل كريفل ، وروجر روفر، وجيرار جينيت . و اعتبر د. جميل حمداوي دراسة هذا الأخير seuils)) أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة.( 2)
وتكشف مسارات الرواية تركيزها على سبعة محاور رئيسية نذكر من بينها: المقدس
والروحي والمدنس / تراتبية السلطة المخزنية بالبادية المغربية / صورة المرأة داخل
الرواية / هشاشة المنظومة التعليمية / الحياة البدوية والنظرة إلى الآخر/ فظاعة الموت / قصة الثعبان.
وقد تم تمرير الخطاب الروائي بالنسج على سارية رئيسية ارتكازا على الكتابة النفسية ، والوصف ، والتقابل الضدي ، وتضمين أكثر من حكايات جانبية ، وقد اعتمد في ذلك على تمرير سلس ، وفق ترتيب لا يفقد الحكاية الأصلية رونقها ، بل أفعمتها بمزيد من الحيوية ، والتشويق ، والإثارة. لنتساءل عن أهم الخلفيات الفنية والجمالية التي كتبت بها الرواية ؟ ” (5)
” كلما انتظر أمين الصبح ، يزداد طول الليل .. يعاكسه ..عيناه مركزتان على شقوق الباب والنوافذ ، ينتظر نورالصباح لعله يخرج ليستنشق الهواء الذي حرم منه طول ليلة ليست كسائر الليالي . ليلة بشهر ، بل بسنة . بات يتساءل في نفسه : هل سأبقى هكذا طول مكوثي هنا في هذا الدوار ؟ …” ص : 40
تجارب الحيات بكل تجلياتها تروى في الرواية بطرائق وأساليب فنية متعددة ، تتولد عن رؤية المؤلف المنتجة لهذا العمل الروائي ، كما أن الاختلاف في استخدام وتفضيل إحدى التقنيات السردية عن أخرى ، يعود لاختار المؤلف الراغب في تقديم سرد جديد يكون من باب التجريب في الرواية .

سادسا – الوعي الممكن بالزمان في رواية ” ملاذ الوهم والتيه “

1 – الوعي الممكن والولوج إلى عالم الرواية :

جاء في ” مقاييس اللغة “: ” الواو والعين والياء : كلمةٌ تدل على ضَمِّ شَيْءٍ. وَوَعَيْتُ الْعِلْمَ أَعِيهِ وَعْيًا. وَأَوْعَيْتُ الْمَتَاعَ فِي الْوِعَاءِ أُوَعِّيهِ ” (6/ 124).
وفي ” لسان العرب “: الْوَعْيُ : حِفْظُ الْقَلْبِ الشَّيْءَ. وَعَى الشَّيْءَ وَالْحَدِيثَ يَعِيهِ وَعْيًا وَأَوْعَاهُ : حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ وَقَبِلَهُ ، فَهُوَ وَاعٍ ، وَفُلَانٌ أَوْعَى مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَحْفَظُ وَأَفْهَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ : (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ). الْأَزْهَرِيُّ: الْوَعِيُّ الْحَافِظُ الْكَيِّسُ الْفَقِيهُ ” (15/ 396) .
الوعي الممكن في شموليته هو معرفة للمجتمع والحياة ، معرفة تستمد ستمدها من التجارب ومن الوحي ، مما يجعل الوعي الممكن متميزا ومتمايزا ، من حيث لا يقتصر هذا الوعي على الماديات وما تدركه الحواس .
ولا يشك عاقل في أن التحلي بالوعي الممكن بات ضرورة ملحة وضرورية ، فالكوارث التي نعيشها ، والهزائم التي تكتوي بنارها البلدان العربية وغياب العدل التبعية العمياء ، إنما هي بسبب غياب الوعي المناسب للتحديات التاريخية المفروضة ، وللآمال المعلقة.
ولذا ، فقد شكا الشيخ محمد الغزالي من غياب الوعي عند الأمة ، فقال رحمه الله : “الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء. وقد انتمت إلى الإسلام اليوم أمم فاقدة
الوعي ، عوجاء الخطى ، قد يحسبها البعض أممًا حية ولكنها مغمى عليها. والحياة
الإسلامية تقوم على فكر ناضر؛ إذ الغباء في ديننا معصية …” ( 6 )

2 – الوعي الممكن بالأنساق الزمانية في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” .

يعيدنا الوعي الممكن في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” إلى مهارة التلاعب بالأنساق الزمانية في رواية عبدالكريم عباسي ، نبين منها ما يلي :

أ – النسق الزمني الصاعد :

يعرض لنا هذا النسق بداية زمن الحبك الروائي ( من فضلك متى سنصل إلى … ؟ ) ، ثم تتتابع الأحداث فيه تتابعاً زمنياً (كرونولوجياً) كما تتتابع الجمل على الورق …ويبدأ زمن الحبك من الحاضر إلى المستقبل ” نحو المجهول ” ص : 10 ، حيث نقرأ
” … كل شيء يغلي في داخله كبركان يكاد ينفجر ، فتنساب حممه لتحرق كل شيء ، الماضي والمستقبل ، تتلف أمله في لحظات لا تريد أن تجيبه إلا بأداة استفهام مرسومة في
سراب مخيلته ، وعلى محياه ذاهب ولا يعلم إلى أين هو متجه ، ولا يعرف إلا اسما مجهولا غير متداول . اسم مكان منعدم في الزمان . منعدما في واقعه …” الصفحة :11
تجيد الرواية استعمال الوعي الممكن بالتوثيق والتصوير الوثائقي( كأن الطريق تشارك في مخاض عسير ) وبالسياسي ( كأنه ذاهب لمنفى إجباري …أو سجن معزول في جزيرة مهجورة ) وبالجغرافي ( اختلط عليه الشرق بالغرب والشمال بالجنوب ) …إن الوعي الممكن ساهم في التعبير الفاعل عن الواقع الموضوعي في الزمن الصاعد ، حيث صار الفعل الروائي مؤمنا بما هو أعلى من الواقع وهكذا تملصت الرواية بمهارة من فتور سرد الواقع . كما أن الشخصية المحورية تحضر بقوة من خلال بداية الوحدة السردية الأولى في هذا النسق الزمني الصاعد ( تكاد ) ( تكاد أمعاء أمين تخرج من بطنه ) ص : 12
ويتبين من الشخصية الروائية وحدة دلالية ، مثل أي علامة لغوية ، من خلال دالها ومدلولها ..
إن الوعي الممكن بالزمن الصاعد في الرواية ينشط السرد الروائي فيخرج به تدريجيا من الجزئي إلى الكلي .
” جلس أمين يتأمل حاله ، وما آلت إليه أوضاعه . يعلم أنه سيواجه صعوبات جمة . كيف سيجلب الماء ؟… كيف سيحصل على الخبر ؟ …على الأمان ؟… كيف سينتقل في الدوار بدون قيود ؟… تساؤلات بقيت عالقة ، لن تجيبه عنها إلا الساعات القادمة .. لكن ، عليه أن يؤمن بالقدرة على خيره وشره ، وينتظر الآتي من الأيام …” ص : 34

ب – النسق الزمني المتقطع:

يعرض لنا هذا النسق فترة ما من زمن الحكاية أي الزمن الراهن ، ثم تتوالى الأحداث فيه متقطّعة بتقطّع أزمنتها عبر سيرها الهابط من الحاضر إلى الماضي ، أو الصاعد من الحاضر إلى المستقبل . وهذه التشظية للزمن تترافق وتتناغم مع تبدل في المكان والأحداث والشخصيات مما يمنح السرد في الرواية حيوية ودينامية ، وتتجسد في قدرته ( السرد ) على شد انتباه القارئ ، وتحفيزه على الربط بين مسافة سردية وأخرى وبين نسق زمني وآخر …
” عاد وهو يكر في هذا السيناريو الإنذاري . في كلام الشابين . في رد الفعل الأول . دخل إلى القسم – المسكن وهو في صدمة كبيرة . أعد وجبة غذائه الخفيفة ، وأعد كأس شاي .
لكنه فقد شهية الأكل جراء ما رأى وما سمع ، فتذكر ما حذره منه الشيخ رحو …” ص : 36

ج – النسق الزمني الهابط :

يعرض لنا هذا النسق نهاية زمن الحكاية ، ثم يبدأ بالنزول تدريجيا عبر المفارقات الزمنية وصولا إلى بدايتها ، لكن النسق الزمني الهابط في الرواية يتداخل بتقنيات الاستباق والاسترجاع التي تكسر تتابعه ليغدو زمنا متعدد الأبعاد حيث يتداخل فيه الحاضر بالماضي ، والمعيش بالمتذكر في اللحظة نفسها . وهذا اللعب بالزمن يسرع وتيرة السرد ويحرره من رتابته ، ويحفّز المتلقي على الانتباه عند الانتقال من مسافة سردية إلى أخرى ومن نسق زمني إلى آخر .
” يكفي تذكر شعر شوقي الذي دعا فيه الكل للقيام للمعلم ، ليوفيه الناس التبجيلا ..ذاك الذي كاد أن يكون رسولا …” ص : 43
زمن الرواية زمن درامي يخفي في طياته أشكالا متعددة من الصراع في الداخل ( الباطن ) والخارج ( المحيط / الواقع ) تنعكس على بطل الرواية عبر مواجهته لنفسه وشروط حياته الجديدة القاسية في مجتمع وبين أناس وواقع يجهل عنه كل شيء ، مما جعل البطل ” أمين ” يتبنى قيم الخير ، صارت هذه القيم العجائبي الذي لن تموت أبدا ، وإن مات البطل ” أمين في الرواية …
” وبعد أيام ، حضر والده إلى الدوار لأخذ بعض وثائقه الإدارية ، وجمع بعض أغراضه من قسمه ، ومن المنزل الذي كان يسكنه . عندما فتح الباب الخشبي الكبير ، إذا به يرى ما لم يره المرحوم أمين منذ أن حل بهذا المكان …” ص : 173
نلاحظ في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” أن الأنساق الزمانية تتداخل أحيانا في هذه الوحدة السردية أو تلك إلى الحد الذي يصعب فيه الفصل ما بينها . غايتنا مقاربة أشكال اشتغال الرواية على الزمن وتقنياته ، ومعرفة المستوى الفني الذي بلغته في هذا المجال . لقد حقّقت الرواية إنجازا مهما في اشتغالها على الزمن ، وفي توظيفه فنيا ودلاليا ، بما يعزز
تجربة ” عبدالكريم عباسي ” ويدفع بمغامرته الإبداعية إلى أوسع مدى. ونلاحظ في روايات أخرى أن نسق الزمن المتقطّع يكاد يهيمن على مجمل التجارب الإبداعية الجديدة التي تتوخى التجريب وكسر المألوف ، فيما يتراجع نسق الزمن الصاعد الذي لازم الرواية التقليدية على وجه الخصوص ، وما يزال النسق الزمني الهابط يحافظ على موقعه بين هذين النمطين بوصفه تقنية للتشويق ، وعنصراً بنائيا في الحبكة الروائية القائمة على الحكاية …
” بعد يومين من غياب سكان الدوار ، وفي ليلة مظلمة حالكة ، تصعب فيها الرؤية الليلية في البادية ، وتتشابك فيها الأغصان مع بعضها ، والأشجار والأحجار تلخبط السير في المسارب ، فيصعب التنقل من مكان إلى آخر ، استغل إمام الدوار غياب والدي فاطمة تبيضاويت اللذين ذهبا لزيارة الولي الصالح . جاء خلسة يتسلل بين الأشجار . تسلق شجرة
تعانق جدار المنزل ، فصعد عبر جذعها وأغصانها إلى سطح منزل فاطمة المنغمسة في نومها وأحلامها العميقة …” ص : 93
تنفتح السردية الموقوتة في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” على التشظى وتمنح الرواية
سعة مشوقة . وهذه الخلية ( السردية الموقوتة ) تواصل وتتكرر بين الحين والآخر في صفحات الرواية ، ” كأن لها وظيفة الأنعكاس الشرطي وفق نظرية بافلوف ” .
ونختم هذا المحور بسرد وجهات نظر حول زمن الرواية ، فهناك من يرى أنه هو زمن
الحدث ، يذهب آخر الى انه زمن الكتابة ، وثالث يراه زمن القراءة ، ورابع يقول ان زمن الرواية ، وهناك من يقر با لأزمنة الثلاث في الرواية وهي : ” زمن الحدث ، وزمن الكتابة ، وزمن القراءة . لكن ” آدم مندلاو ” في بحثه «نظرية الزمن في الرواية» وأنماطها المختلفة وعلاقته باللغة ، يرى ان مشاهير الروائيين كانوا دائما منشغلين بالزمن في قيمه وأنواعه ” ( 7 ) .
يقول الناقد حميد ركاطة : ” رواية ملاذ الوهم والتيه ، للروائي المغربي الأستاذ عبد الكريم عباسي ، قدمت فصولا مثيرة عن حياة معلم بالبادية المغربية ، ومعاناته ، وصموده ، وعن آماله ، وصراعه المرير سواء داخل القرية ، أو مع الطبيعة وقسوتها ، ليكشف عن تخاذل منظومة تعليمية بأكملها ، وعن هشاشتها وعن بنياتها المهزوزة. وما تمارسه من اقصاء ممنهج في حق رجال التعليم ، الذين يتعرضون لشتى أنواع التنكيل والقهر والدونية. لقد تجلت صورة المعلم واضحة ، كما أنها اتخذت أوجها متعددة بين معلم متمرد على قوانين الدوار، ( نجيب الذي كان يصنع الماحيا ) إلى معلم تمكن من التعايش بعد فصول صراع مرير ( البطل) ، إلى معلم تنتهك حرماته بعدما صار محط أطماع الغرباء كما حدث للمعلمة التي هتك عرضها. وهو هتك له أكثر من دلاله على غياب التقدير الاجتماعي ، والحضوة ، والهيبة. فالمعلم برز كطريدة يحاول الجميع اصطيادها : ما قامت به بنات
الدوار ، وكذلك العم ابراهيم ، كما أنه غير ذي قيمة اجتماعية ، كما تقدم الصور الأولى لحضور المعلم للقرية ويقابل طلبه للسكن داخل الدوار بالرفض من طرف القرية ، والحرب الشرسة التي خاضها معه إمام الدوار ، والطرد الذي تعرض له أصدقاؤه في الفرعية المجاورة التي حل بها ضيفا عليهم. وتضامن السكان مع المرأة العجوز صاحبة الديك.كما قدمت الرواية إلى جانب الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها رجال التعليم كذلك من طرف رؤسائهم المباشرين الذين تخفي تصرفاتهم وتضمر كل أساليب الاستغلال البشعة (صورتي المدير والمفتش) كذلك.لقد فتحت الرواية أكثر من مسار لمناقشة العقلية البدوية ، وعاداتها وتقاليدها ، من خلال حفر سيكولوجي ، وسوسيولوجي ، كعينة صغيرة داخل قرية لتقديم صورة عن واقع عام عن وطن بأكمله. سواء في تراتبية سلطاته ، أو علاقاته ، وقضاياه الأكثر الحاحا ، ومصيرية. لتبقى رواية ملاذ الوهم والتيه، إضافة نوعية للخزانة المغربية بسدها لنقص في نقل واقع الكتابة روائيا عن البادية المغربية … ” ( 8 )

سابعا : مجالات الوعي الممكن في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” .

أما عن الوعي الممكن المطلوب ومجالاته في الرواية ، فيمكن أن نقول إن الوعي المتواجد في هذه رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” فهو نوعان : وعي ممكن بالذات في الزمان والمكان ، ووعي ممكن بالآخر كذلك في الزمان والمكان .
1 – الوعي الممكن بالذات في الزمان والمكان :
يشمل الوعي الممكن بالذات في اختلاف الزمان : ماضيا ، وحاضرا ، ومستقبلا . والوعي الممكن بها في اختلاف المكان سواء محليا أو وطنيا أو عربيا …
فالوعي الممكن بالذات ماضيا : أي معرفة من نحن ، وكيف وأين نشأنا ، وما مسيرتنا ومسارنا ، وهل لنا تاريخ نتصل به ونستفيد منه للنطلق نحو المستقبل ، أم إننا نبدأ من نقطة الصفر ، . وكيف يكون ماضينا زادا ينير الدرب ويقوم الخطوات لمستقبل مشرق …
أما الوعي اللمكن بالذات حاضرًا : أي معرفة واقعنا الذي نحياه بكل تجلياته وقضاياه في مختلف المجالات ، بدقة ، فندركه كما هو ، دون تجميل أو تقبيح ، ودون تهويل أو تحقير. وإضافة للوعي الممكن بما يفرضه علينا واقعنا من قضايا واهتمامات وأولويات ، حتى نحسن التعاطي معه ، ولا ننفصل عنه ونرتمي في حضن التغريب …
أما الوعي الممكن بالذات مستقبلا : أي بالآمال المرتجاة ، والرؤية الصادقة التي لا تخيب وبالفرص المتوقَّعة ، وبكيفية التعامل معها من خلال الإمكانات المتوافرة ، حتى نجمع بين المثالية والواقعية في وسطية واتزان ، ولانزيغ عن طريق الخير …
” التحق أمين بالمنزل الجديد – القديم . يتخيل إليه كأنه فأر يتنقل من جحر إلى آخر ، حاملا أمتعته وأغراضه أينما حل وارتحل ، باحثا عن الراحة والاطمئنان والاستقرار والأمان ، في وقت هو جدير بمن يفكر فيه ، ويوفر له ما يزمه من ظروف الراحة وشروط العمل ، وألا يصب هو تفكيره وانشغاله إلا في مهنته ومهمته كتربوي يؤدي رسالته النبيلة …” ص 52
وأما الوعي الممكن بالذات في اختلاف المكان في الرواية ، فصار إنطلاقتها ومفتاحها وبؤرتها …
تقول الناقدة ” حليمة وازيدي ” في دراستها للرواية : ” … لأن جل أحداث النص وجل الأفعال التي يقوم بها الممثلون ترتبط به، فهو سيعمل على إدماج فضاءات أخرى ستنمو حولها أحداث النص. كالمدرسة والبيت…يحيل هذا الفضاء على القهر والظلم والإلغاء، تجسدها المعاناة التي يتكبدها كل راغب في الوصول إلى هذا الدوار الذي يوجد في أعماق الجبال …
فبالرغم من أن الفضاء المكاني الجبل يعد جزء من الطبيعة وفضاء مفتوحا ومنفتحا على العالم واتساعه، ويوهم بالحرية، إلا أنه بالنسبة لأمين وباقي شخصيات النص فضاء يمثل سجنا، ويرمز إلى القوة والشدة والصمت القاتل، نظرا لصعوبة التنقل وغياب البنيات التحتية كالطرق مثلا لتسهيل عملية التنقل.
فالفضاء المكاني الدوار يعد فضاء بؤريا، فهو يدمج مجموعة فضاءات أخرى كالفضاء المكاني المدرسة.
ـ الفضاء المكاني المدرسة: يعمل الكاتب على تعرية واقع المدرسة المغربية شكلا ومضمونا “نصف كرسي”، “مكتب لم يبق منه إلا الاسم” و “مستوايات متعددة في قسم واحد مشترك” فإذا كانت المدرسة فضاء للتثقيف ونشر الوعي والتفتح على عوالم مجهولة، فإنها في هذا النص لا تحمل مواصفات المدرسة، بل مكان يجتمع فيه تلاميذ يذل مظهرهم الخارجي على مدى بؤسهم ومعاناتهم … : ( 9 )
رواية عبدالكريم عباسي من الروايات العربية التي أخذت بسحر التخييل والسرد المغلف بغلاف الذاتية .

3 – الوعي الممكن بالآخر في الزمان والمكان في الرواية :

بجانب الوعي المكن بالذات ، هناك الوعي الممكن بالآخر ، ولا تستقيم معرفة الذات
حتى نعرف الآخر . فيجب أن نعرف كيف يفكر الآخر ، وما نقاط قوته وضعفه ، وما عوامل التلاقي والحوار التي تجمعنا به ، وأسباب الاختلاف والنزاع التي تفرقنا. ( وهل “الآخر”كتلة مصمتة لا مفر من الصدام معه ، أم هناك “آخر” يمكن الحوار والتفاهم معه على أرضيه مشتركة ، و” آخر” غير ممكن معه ذلك ) . والوعي اللمكن بالآخر تصدر وهيمن على الكثير الملفوظات والمقاطع السرية في الرواية .
” بدأ خالي ابراهيم يكسر اللوز ويمد أمين به ليأكله بدل وضعه في بلغته أو كيسه كالمعتاد ..انهال عليه بجملة من الأسئلة المتتالية المحرجة . يصبها عليه كطلقات نارية . أحيانا تبدو هادفة لحبه للمعرفة ، وأحيانا أخرى تشبه أسئلة بوليسية …” ص 113
الوعي الممكن بالآخر مرتبط بالمكان في الرواية كمحطة أساسية في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” ، لما له من دلالات وإسقاطات وإيحاءات منها المباشر والغير المباشر في تشكل هذا الوعي الممكن في الرواية . فالمكان ذاكرة جمعية كاشفة عن مكونات الصراع بين ثقافتين متغايرتين ، فالوضع الذي وجد في أمين البطل نفسه شبيه بوضع الذي وجد فيه بطل ” موسم الهجرة إلى الشمال ” . يرتبط الوعي الممكن بالآخر ارتباطا وثيقا بالمكان وسيعطى لهما الدور الكويني الأساسي في الرواية . يقول موسى ربابعة : ” …فالمكان بغض النظر من ماهيته وكينونته وتمظهراته لا يستند على الجغرافيا فقط ، وإنما يغدو جزءا مهما من نسيج البناء الروائي …” ( 10 )
” أما أنا يا سيادة الإمام ، فسأتسبب لك في السجن إن شاء الله . إذا لم تبتعد عن طريقي ، وتحترم حرمة النساء في هذا الدوار الذي احتضنك وأمنك وأطعمك ، وأفاض احترامه وتقديره وثقته بك وتطعن رجاله من الخلف بكل وقاحة ! . أخبرك أنني على علم بكل
جرائمك ، بل كل الناس يعلمون ذلك ، ويتحينون فرصة وقوعك في الفخ ..! ” ص : 84

4 – الوعي الممكن بالجماعة في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” :

إن الوعي الممكن يزيد وينقص ، وليس أمرا ثابتا في الرواية .. فقد يتوافر هذا الوعي عند المؤلف في بعض المواقف ، وقد ينحسر في وحدة سردية أخرى . وقد يتوافر الوعي الممكن في الرواية بقضية دون قضية أخرى . وهذا التكنيك سلكه المؤلف ليرفع درجة الوعي بقراءة التجربة من خلال التحلي باليقظة والتأمل والنبش الذي يولد التشويق والمتعة بالمقروء .
إن الوعي الممكن الجماعي في الرواية بلغ من التعقيد والتشابك اختلط فيه العرف بالتقاليد والعادات والدين ….
” في أحد الأيام قرر أمين أن يذهب لأداء صلاة الجمعة التي تقام في المسجد الصغير
الوحيد بالدوار . مسجد يؤدي عدة أدوار اجتماعية ودينية وسياسية أحيانا ، إلى جانب الشعائر الدينية ، يعقد فيه رجال ” الجماعة ” كل اجتماعاتهم ولقاءاتهم للمذاكرة في كل القضايا التي تهم الدوار ، وفيه تقام الولائم أحيانا كلما تعلق الأمر باجتماع مطول أو مصيري خصوصا وقت الانتخابات ، أو حلول شخصية مهمة ، أو مسؤول من الدولة . حاول أمين أن يتصالح مع ذاته ويقنع نفسه ويخرج من انعزاليته ، ويتغلب على سخطه عن الظروف الصعبة التي وجد نفسه حبيسها ومكرها على التكيف معها …” ص 53
تتعرض الرواية لحالات كثيرة في تجويف الوعي عند الناس ( سكان الدوار ) ، أي تجريف الوعي عند أعداد وشرائح لا يستهان بها داخل المجموعة والجماعة ، بحيث أصبحت رؤيتها مشوشة بالفهم الخاطئ للدين وطريقة إدراكها لذاتها ، وقيمها ، والعالم من حولها ، طريقة غير سوية. الأمر الذي استدعى من أمين مضاعفة الجهد لنشر نور العلم وتصحيح مسار الجماعة . كما أن أمين جعل من الوعي الممكن قضية أعطاها أهمية كبيرة ، وجعلها قضية حياة أو موت ، وجود أو فناء ، فاعلية أو خمول وتخلف .
” لقد أحدثت فكرة انتقاله رجة كبيرة وسط الساكنة . فلم يعد حديث الجميع إلا عن المستجد الذي نزل عليهم كالصاعقة . لأنهم يعلمون أن المدرسة ستشل بدونه ، ويخافون أن تتكرر قصتهم كالتي حدثت مع الأستاذ سي جمال بائع ” الماحيا ” والتي لم ينسوها إلا بعسر الأنفس . وبحسن سي الفقيه أمين الذي قلب الأمور إلى الأفضل … ” ص : 132
إن زاوية الرؤية وتصور الذات وعلاقتها بالآخر ، تضع الفرد أمام ضرورة البحث عن ذاته في الواقع المعيش ، الذي يتيح عادة إمكانيات التفاعل والتبادل والاندماج والتواصل والتثاقف … للقد مالت الرواية الاعتقاد الذي يرتبط الإنسان و يميل إليه ، هذا الاعتقاد الذي تتحقق فيه ذات الجماعة .
كما أن تحقيق الذات الجماعة هو وعي ممكن يحققه الفرد في إطار هذه الجماعة وفي ظل الظروف التي يعيشها ، هذا الوعي الذي يمكنه من معرفة المحيط المكاني وتحديد مكانته ودوره الفاعل فيه أو يعمل على منحه واكتسابه دورا ومكانة للتفعيل والتفاعل ، وبذلك يتحقق لديه وعي أو جزء من وعي الانتماء إلى الجماعة ، وهنا يصبح يمتلك وعيا أو جزءا من وعي لذاته .
” ألقى أمين درسه بكل ثقة في النفس رغم أنها أول تجربة على المنبر . شدت خطبته انتباه الكل ، وشرح مصائب الشعودة ..وتوغل في موضوعها ..وبسطه للناس وبين كيف أنها تنخر جسد المجتمع وتشتت الأسر ، وتسير في دروبها النساء والفتيات اللواتي هن نصف المجتمع . فكيف يصلح هذا المجتمع إذا ضاع نصفه ونال منه الشيطان ؟ …” ص : 85
البطل أمين لم يرفض الواقع الذي أصبح ملما به ، بل مارس دوره اجتماعياً وثقافياً وتربويا ، ولذلك أصبح وعيه لذاته وللواقع المجتمعي مقبولا ، فأمين لم يغادر الجماعة جسدياً أو فكرياً أو نفسيا …. فأصبح البطل منتسباً عضوياً وفكرياً وثقافيا ، كما أن أبدى استعداده الكامل للقيام بدوره الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين.
” أصبح الدوار شبه خال تماما ، لم يبق فيه سوى أمين ، وبعض الشبان الذين أوكلت لهم مهمة المداومة على مراقبة المساكن وحراستها ليل نهار ، بالإضافة إلى فقيه المسجد ، وبعض العجزة والمرضى ، وفاطمة تبيضاويت المتمردة على على تقاليد الدوار . حتى تلامذة المدرسة غادروا صحبة آبائهم ، وأصبح أمين في عطلة استثنائية إلى أن يعودوا من رحلتهم السنوية من ” سيدي بوحاجة ” …” ص 92 و 93

ثامنا : خاتمة :

لعبت الثقافة في رواية ملاذ الوهم التيه ” دورا أساسا وأسهمت بفعالية في أعمال التغيير الاجتماعي في بادية نائية ، إلى جانب بلورة الوعي في مستوى الممكن والمقبول ، والمقصود بالثقافي في الرواية تلك المشتركات المركبة من الاجتماعي والديني والسياسي…، والمعبر عنها في الطقوس والعادات والتقاليد والأعراف وفي الممارسات والسلوك في دورة الحياة اليومية للأفراد والجماعات داخل الحيز المكاني في الرواية ( الدوار ومحيطه ) . ومن المتعارف عليه أن هذا النوع من الثقافة يمارس عادة في الاجتماعي والديني والسياسي في إطار الوحدة الاجتماعية الضيقة. مثل القبيلة أو العشيرة أو الدوار ، حيث تتوزع فيها الوظائف والأدوار وفقاً لقاعدة ( أمغار ) الأبوية .
أما أمين بطل الرواية فكان يمارس الثقافي بشكله الواسع ، في عمله وفي التعارف والتثاقف والتفاكر والتماهي والحوار والاندماج وأداء الواجبات وقبول الحقوق في موازاة الممارسات الطقوسية والعبادية.

المصادر والمراجع :

1 – الموسوعة الذرائعية /
أ – النظرية الذرائعية في التطبيق على النصوص العربية / عبد الرزاق عودة الغالبي / عبير يحيي الخالدي
ب – الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبد الرزاق عودة الغالبي /
ج – دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبد الرزاق عودة الغالبي
2 – رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” / المؤلف عبدالكريم عباسي / منشورات مطابع الرباط نت / الطبعة الأولى 2016
3 – الدكتور أحمد أباش / مقتطف من التقديم لرواية ” ملاذ الوهم والتيه “
4 – مصطلحات فكرية / سامي خشبة / الصفحة 253 و 255
5 – دراسة نقدية / التمظهرات الروائية الجديدة في رواية ” ملاذ الوهم والتيه ” / الناقد حميد ركاطة
6 – انظر مقدمة كتاب الشيخ الغزالي / كنوز من السنة / الصفحة 7
7 – مرسيا إلياد / الحنين إلى الأصول / ترجمة حسن قيسي / دار قابس للطباعة والنشر / الطبعة الأولى / الصفحة 39
8 – المرجع 5 نفسه .
9 – دراسة نقدية لقرواية ” ملاذ الوهم والتيه / الكينونة المغتالة في ” ملاذ الوهم والتيه ” / الناقدة حليمة وازيدي
10 – د . موسى ربابعة / آليات التأويل السيميائي / مكتبة آفاق ، الكويت / الطبعة الأولى / الصفحة 175

ترجمة نص ” أقبية الصمت ” لهمون بوسهال بقلم : عبداللطيف قروي

كل الشكر والإمتنان لصديقي وزميلي المترجم المتألق عبد اللطيف قروي على ترجمة نصي – في اقبية الصمت – الى اللغة الفرنسية ، أتمنى أن يروقكم هذا العمل…كل المودة.
Abdelatif Karaoui.
إلى صديقي العزيز همون بوسهال اهدي له هذه الترجمة المتواضعة، لان القصيدة صعبة المراس وحاولت فقط أن امسك بلجامها حتى لا تنفلت مني المعاني الدقيقة.
_ Dans les caves du silence
Les loups hurlent.
Errants , toutes les ressources se sont taries,
Le mirage est fracassé …
La vérité a eu honte, car en son nom, des conspirations s’installent .
Le brouillard s’est dissipé
On trahit l’honnêteté et on rate ouvertement les rendez-vous …
La ruine prédomine .
Les tours sont détruites, les religions et les croyances sont suspectées.
les chiens sont bien domptés.
Ils dessinent avec leurs queues une mer léchant la table.
Les portes s’ouvrent.
On distribue des illusions avec des tambours et des chants …
La salive est avalée.
On garde avec force le silence.
Méprisant les reproches..
Pour l’occasion, les chevaliers de la rivière sont décorés avec des colliers ,,,
Les tourments s’intensifient .
L’amant néglige sa bien-aimé au moment d’adversité.
L’absence pérenne .
Le rêve meurt sur le gémissement des poèmes,
Hammoun Boussihal – awarash – Octobre 2020
في أقبـيـة الصمت _
تعوي الذئاب..
تقطعت بها السبل جفت كـل المـوارد ,,
ينكسر السراب…
يخجل الـحق فبإسمه تنـصب المـكائد,,
ينقشع الضباب..
تُخان الأمانة وتُنقض جهارا المواعد…
يسود الخراب..
تُهدم صوامع ويُشك في ملل وعقائد,,
تًروض الكلاب..
ترسم بذيولها بـحارا تلحس الـموائد..
تشرًع الأبواب..
تًسوٌق الأوهام بالطبول والزغاريد…
يُبلع اللعاب..
عضوا على عز الصـمت بالنواجد,,,
يُعاب العتاب..
تُقلد للمناسبة فرسان النهر بالقلائد,,,
يشتد العذاب..
يتنكـر خليل لخليلته وقـت الشدائد..
يمتد الغياب..
يموت الحـلم على أنين القـصـائد,,,
همون بوسهال…..أوراش.. اكتوبر2020

شعر : سفر أيوب / غيث المعاجم / أحمد بياض

سفر أيوب /غيث المعاجم/

وكان البحر
يغزو الليالي الشاهقة
وثوب الرمل يحمل
قمر السجود
ونعل السفر…..

عهدناك
في ليل منسي
تشق الطريق
تحمل الحلم البعيد
على وسام الجرح
وتصب في غيث المعاجم
مدام الصبر
وولادة الأمواج
ما بين نكسة الغيم
وولادة المطر
هو على الصدر الغائب
يفرز السقوط
يعانق سماء
الهدهد التائه
وينصت لحديث النمل
يخلد ذكرى
المساجد
والكنائس
على الاسمنت
حين تذوب الأقدام
في نعي الرغيف
وتحن إلى الصبا
في صدر الخريف…..
ويتآكل المغيب
ليسفي غصن الموج.

ذ بياض احمد المغرب

كن شاعرا أو …لا تكن / بقلم : أمينة غتامي

كن شاعرا أو…لا تكن

أن تكون شاعرا…
هو أن تختلف عن صورتك القابلة للاستنساخ..
هو أن تعيد رسم خريطتك الجينية كل ليلة ،وأنت تعلن نبوءتك أمام المرآة..
هو أن تحترق ..لتولد في مكان ما بعيدا عن طبق قصيدة بائتة يغشيها الفطر..
هو أن تصنع من اليأس المتربع على بوابة الكلمات قلادة من لؤلؤ تتدلى من السقف كالسدم البعيدة ولا تيأس،
لا تيأس من تأتأة منبه يعاكس إناث الشعر قرب سريرك..
لا تيأس من تأخر الوحي في ليلة باردة تتسكع في النسيان.
هو أن ترفع الستارة بينك وبين الريح وكثبان الرمل الحارقة،
لتدخل في زمرة الدراويش و الناسكين الرحل ،قبل أن تنضب قريحة القمر ويدخل في غيبوبة الصمت.
أن تكون شاعرا ، يعني أنك ريح بلا مأوى ولا هوية إلا ما تعلمته من أسماء تفك شفرة لونك..
في يوم ما ..ستكتشف أنك سرمدي
وأنك أكبر من يومك بخمسين ألف سنة ضوئية
وأن باقي الأيام ، مجرد نقط حذف لاتكملك،
ولاتؤلف منك نهاية..
……………….
أمينة غتامي/المغرب

شعر : محمد الدبلي الفاطمي

من قوْم مُوسى
أريدك أن تزولي من خياليفأنت الدّاء في نـفـــــــــسي وبالي وصرت إذا رأيتك ثار ذهنيوأعمي ناظري سوء الفعـــــــال
حسبتك شمعة فوجدت نارالسان لهيبها حرق انفعــــــــــــالي ألا روحي فطبعك مستطيروسوء الطّبع يظهر في الخــصال
سئمت تحمّل الشّمطاء لمّاتعمّــدت التّورّط في اختـــــــــزالي //// دعيني في الظّلام بلا غرامفسمّك قد تغلـــغل في عـــــظامي
كرهت بقربك الأيّام لمّـــــــاتبيّــن أنّك بنــــــــــــــت اللّـــئام تحاكين الــعناكب والأفاعيكأنّك قد أتـــــــــيت من الحـــرام
لذلك لا أريدك في خياليلأنّك قد أســــــأت إلى غرامـــــــي فكيف أطيق أن أحيا أسيراببيت العنكــــــبوت مع الظّــــلام؟
////
أفتّش كالمهلوس في مكانيكأنّ تعاستي اخــــــترقت كــياني وأبحث في مخيّلتي لعلّيأعود إلى الـــــقديــــــم مــن الزّمان
فلم أعثر على سند أصيلولا أمل يقـــــــــود إلى الأمـــــاني وكنت أنام فوق الجمر ليلاوأصبح كالمكبّـــــــل بالهــــــوان
وددت العيش حرّا مستقلاّوبالأيدي أردّ وباللّســـــــــــــــــان //// ظننتك وردة تهوى العطورافكنت سفيهة تهوى الخـــــــمورا
تجوبين الملاهي كلّ ليلتبيعـــــــين الهوى شطـــــطا وَزورا وبيع الثّدي في الأنثى حرامتمارسة التي تهوى الفجـــــــــورا
تأرنبت الدّعارة في بلاديوقد نشرت نجاستـــــــــــها البذورا وداء الجنس شرّ مستطيرأثار الذّعر واخترق الصّـــــــــدورا
////
تعنكبت الأنوثة في بلاديبشعوذة تدلّ على الفـــــــــــــــــساد وأضحى السّحر عند النّاس حلاّووهما في الحواضر والبوادي
نبخّر في البيوت بلا انقطاعونعتبـــــــر البخــــور من الرّشاد ونخشى أن نصاب برجم جنّيحرّضــــــه الأبالســـة الأعادي
وساوس عبر شعوذة أضلّتشــــــعوبا بالتّوهّـــــــم في بلادي //// حسبتك شمعة فوجدت ناراونار العشـــــــق أحرقت الــــكبارا
وجدتك في الهوى من قوم موسىومنك الخوف أرعبني مرارا وكيدك قد تجــــــــــــاوز كلّ كيدكأنّ اللّيل قد غـــلب النّــهارا
ولست براغب في طعن قلبيبخنجرك الذي طــعن الهــــزارا دعيــــــني أستريح من المآسيفإنّي لن أإكون لك اخــــــتـبارا
////
أمات البغي أنفسنا جميعاوأصبح طبعـــــــــــنا طبعا فـــظيعا الم نر حولنا كيف استطاعتشعوب الغرب أن تحيــا الرّبيعا؟
لذا ربّوا بــــــــنيكم علّموهمبتربية تكون لهم شـــــــــــــــفيعا ولا تلقوا بهم في الجهل ظلمافإنّ الجهل يتركهم قطـــــــــيعا
كفى بالعلم في الدّيجور نورا***يعلّمنا التّحضّـــــــــــر والبديعا
محمد الدبلي الفاطمي

بقلم : إبراهيم عبدالكريم

جزء من السيرة الذاتية تحت عنوان:
هجرة الى الجحيم
بعد مد وجزر، وبعد رسائل عديدة بعث بها إلى الإدارة العامة المكلفة بالطلبة، وتلك التي كان يتلقى عليها باستمرار رفض الجهاز المكلف بالمهاجرين بمدينة تروا، وصلته أخيرا رسالة انعتاق من باريس تُخطِره بأحقّيته في إضفاء وضعيته القانونية وبحقه في البقاء بفرنسا لمتابعة دراسته بها، وذلك ما حصل في نهاية الأمر، لكن كيف يمكنه أن يعيش مغتربا في بلد لا مؤونة له فيه ولا معونة، وكيف يمكنه إعالة نفسه بنفسه وتدبير نفقات حياته اليومية ولوازم الدراسة والسكن والتنقل.

لم يأت إبراهيم إلى فرنسا مصحوبا بمنحة دراسية، ولم يكن مرتاحا أمام هذه المعضلة التي لا بد أن يجد لها مخرجا، كان يعلم بأن عائلته التي تركها وراءه غير قادرة على تحمل ولو نصيب ضئيل من التكاليف المادية التي تلزمه لتدبير شؤون حياته في هذه البلاد. ولما كانت الحالة هذه، بدأت بعض الأصوات ترتفع لمطالبته بتغيير برنامجه الدراسي، والعيش عيشة المهاجرين، أصوات أخرى تلح عليه بالزواج وتكوين أسرة جديدة، لكنه رفض ذلك وبدأ يفكر في استقلاليته حتى لا يعترض طريقه أحد ويمنعه من متابعة دراسته التي كانت هدفه الأسمى الذي هاجر من أجله، وفعلا من أجله كان لابد له أن يباشر في البحث عن عمل ولو لساعات قليلة، يوفّر له دخلا ماديا، ويمكِّنه من إيجاد سكن يتحمل نفقاته بنفسه. كان يؤمن بأنه لو جمع بين العمل والدراسة سينجح في تخطي كثير من العقبات، بل قد ينجح في كليهما، فكثير من الطلبة الذين يعرفهم يُوَفِّقون بين الاثنين دون استياء من أي حالة من الحالتين، بل تراهم يشتغلون بصفة منتظمة، يوفرون لأنفسهم دعما ماديا يضمنون به حياتهم المعيشية، ويسدّون به فاتورات سكنهم، وفي نفس الوقت يدرسون.

كانت الأزمة المادية أكبر عائق في حياة الطالب في الداخل فكيف بها في الخارج، مِن الطلبة مَن فشل في البقاء بفرنسا لأنه لم يستطع تخطي هذه العقبة التي تحول بينه وبين تحقيق هدفه المنشود، كثير منهم ترك دراسته وتحوّل إلى عامل يعمل سرّيا في مصنع، أو يزاول مهنة تجارية، أو في شركة متخصصة في الأعمال الحرفية، كالصباغة، والسباكة، وغيرها من المهن الشاقة التي يزاولها العمال غير الشرعيين.

بدأت آثار المأساة والمعاناة تظهر على الطالب إبراهيم، وأخذت تراوده شكوك وأفكار سلبية، وبدأ ناقوس العودة إلى البلد يقرع أذنيه، بصوت عال في بعض الأحيان، لكن سرعان ما طرح المنطقُ نفسَه عليه، ماذا عساه أن يفعل لو عاد القهقرى ورجع إلى بلده مهزوما؟ بلدِه الذي دفع بالملايين من أبنائه إلى مغادرته كَرْهًا في اتجاه بلاد المهجر، كان منهم المتعلمين وأصحاب الشواهد العليا، ناهيك بالحرّاكة من أبناء الشعب الذين لم يحالفهم الحظ في إنهاء دراستهم، فاختاروا المجازفة بحياتهم، عبروا البحر جماعات على متن قوارب مطاطية، منهم من لم يًكتَب له أن يصل إلا جثة هامدة دفنت بمقابر مجهولة الهوية، أو بمقابر أخرى أُطلق عليها اسم “مقابر العار” بجنوب إسبانيا، ومنهم من ابتلعه البحر وبقي دون جثة.
فرنسا 20/10/2020
إبراهيم عبد الكريم

شعر : فريدة الجوهري / لبنان

يا ذا الوشاح،/البسيط

يا ذا الوشاح ترى دثرتها غلسا
إني أخاف نسيم الصبح إن لمسا
مالي أراك على أكتافها طرِبا
مثل الأمير على عرش له جلسا
مابال وجهك قد رقّت ملامحه
تغفو وتصحو جميلا ناعما سلسا
أرنو إليك وعين القلب تجلدني
والعقل يصمت حتى الآن ما نبسا
تداعب الجيد في حب تلامسه
والثغر يدنو بعشق النحر قد همسا
عند المواجع صوت الآه يدركني
حين أراه إليك الآن قد أنسا
ياليت لي منك مرآة وتحملها
حتى إذا ما دنوت الصدر قد عكسا
قلبي ونبضي كما الأفكار ترهقني
ها قد وهبتك ما للروح قد حبسا
أرقص فأنت على أكتاف غاليتي
سال اللجين وفي أردانك انبجسا
فالعطر يعشق نسجا أنت صاحبه
قد غلّ فيك فبات الآن منغرسا
حتى الزفير أراك الآن تملكهُ
دعني لألثم من أنفاسها نفسا

فريدة الجوهري لبنان.

بقلم : علي الزاهر / المغرب

أنا ابن الهامش
أضعت أحلامي
في الطريق إليك
آه … كم يؤلمني الصمت
الآتي من أعماقي
كنورس هارب من قيظ البحر
إلى زرقة السماء ؟
و أنا أشق غيم أحزاني
أنشد للريح مواويل أشجاني
كم ، يوجعني الهمس الآتي
من فيافي الروح إليك ؟
لم أخلع جبتي ، حتى أراود أنجمي
و لم أقف يوما باب أنام
حتى يستر عورتي
أنا الهامش
تراودني أعقاب المعاني
فأقطفها واحدة واحدة
كي أسيج القصيدة
في مخدعي
و أحاصر بالدمع الرقراق
ما تبقى لدي من الأحلام
أنا ابن الهامش
من أقصى الوجع الممتد
في جسدي أتيت
عابرا غيم المعنى إليك
أنا ابن الهامش
ورثت تبتلي عن نخلة عابدة
و تركت القلب لفيض أشعاري
و ما قدمت قرابين شعري لأحد

علي الزاهر
تنجداد المغرب

قصة قصيرة : وفاة هوية / بقلم : حسن العلوي / المغرب

قصة قصيرة ~~~~~ وفاة هوية ~~~~~

و أنا أسير في شارع الحياة المرير .. أجر خطوات أضنتها خيبات الأمل .. أحمل ثقل أحلام تكسرت على صخرة السنين الضائعة .. عيناي تجوبان المكان كأنها تبحث عن بقايا ذاكرة جرفتها سيول واقع سليط .. بين شهيق و زفير يرسل صدري صفير رئتين نخرتها أدخنة التبغ الأسود كسائر الأيام . برد صقيع جمد كفي ؛ أرمي بهما إلى فتحتي معطف داكن ، جيبين احترقا بلهيب الماء و الكهرباء ، و اكتويا بنار قوت أن تحت وطأة الغلاء ؛ تبحثان عن دفء تبخر كالأماني من مراجل نفس تغلي تضجرا .. فوق رأسي غيوم قاتمة تتوجع من مخاض عسير ؛ ترسل بين الفينة و الأخرى قطرات سرعان ما تبتلعها الأرض العطشى لاخضرار أحجمه الجفاف المسترسل . أمامي أنوار باهتة تنبعث من أعمدة صدئة واقفة كأعجاز نخل تقاوم كذواتنا رياح اللامبالاة ؛ لم تساعد بصري — الذي أضعفته نواقع الطبشور و أضواء الشموع طيلة أعوام التحضير لجذاذات من مراجع و مقررات عقيمة ، و آلاف أوراق الفروض و الإمتحانات الدورية — على الرؤيا الكافية لتتجاوز قدماي الحفر المنتشرة طوال المسير .. لا تكاد تتخطى هذه حتى تقع في تلك .
الوقت كان فجرا و شمس الصباح لازالت نائمة خلف الجبال العارية كأمانينا .. توارت قممها بغطاء سحب تزيد من ظلمة المكان .. أسارع الخطى لأصل مربض حافلات عمومية تقلني إلى مقر عمل ممل غاب عنه التجديد و الإصلاح رغم العديد من وصايا و قرارات النهوض بواقع تعليم لم يعد يفرخ إلا العطالة و الإنحراف و التردي الأخلاقي و الثقافي ؛ كل الشعوب غدت تعلم أجيالها بطرق تمليها ظروف العصر إلا نحن فلازلنا نعلم و نربي بأساليب ضبابية غطاها التراب . أقطع الطريق الفاصل بين مجيئي و ذهابي شارد الفكر و المصير .. أنسج حروف قصيد لم تكتمل حياكته .. كلمات تتدفق في خلدي كنهر يبحث له عن مجرى ، عن مسيل لا سدود تحيل وصوله إلى مصبه .. كم تساءلت : لمن تكتب !!؟؟ .. لمن تحكي زابورك يا داود !!؟؟ … الناس همهم خبز و جرعة من دواء تخفف عنهم آلام أمان سببت في انحطاط نفسي رهيب .. فقدوا ثقتهم في كل وعد أثيم و لعنوا كل شكواهم .. لا سميع ولا مجيب . تقذف بي خطواتي إلى ساحة حديقة لالة رقية ، حيث تختلط أصوات الناس و الكلاب و هدير محركات .. كل يتسمت هدفه وسط الزحام و الضجيج و الفوضى .. ساحة تجاور فيها الجامد و المتحرك .. لوحة امتجزت ألوانها بين الفاتح و الغامق .. واقع متناقض كتناقض مجتمع معقد . أعبر الشارع بحذر من ممر لا يحترم السائقون عابريه .. إنه السلوك الذي ينفصل فيه الحق عن الواجب كأنهما خلقا لكي لا يتعايشا ؛ يسترعي انتباهي حشد تجمهر حول رجال شرطة على إحدى جوانب الحديقة . يدفعني فضولي لمعرفة ما يقع ، أقترب بخطى حثيثة ، خطى تمنيت لو كانت كذلك لتحقيق ما أخلفناه … أخترق جموع المتحولقين ؛ تقع عيناي على رجل قارب الخمسين ممددا على أرضية العشب الأخضر بجانب شجرة زنبوع .أكتشف من أحدهم أنه وجد ميتا بالصدفة .. اقتربت أكثر من المكان و تسمرت أتأمل وجهه الشاحب و جثته النائمة ؛ يداه تحت خده ، و رجلاه معكوفتان الى بطنه ؛ أطلت النظر إليه بحسرة و أسى . تذكرت يوم وجدت والدي ملقى بجانب غرفة نومه ذاة ليلة ماطرة من سنوات الخصب الناذرة . كان الكل قد خرج و بقي هو وحيدا في المنزل ؛ اغرورقت عيناي بدموع لم تغادر الجفون ، استفقت من غفوتي و أحد رجال الأمن يسألني :
— هل تعرفه !!؟؟ .. إننا لم نجد بحوزته أي شيء يدلنا عن هويته ..
أجبته بنبرة فيها من التهكم اللبق :
— نعم أعرفه .. إنه واحد ممن ولدوا في هذا الوطن بلا جنسية و عاشوا بلا عنوان و ماتوا بلا هوية ..
لم يعقب على كلامي بل تتبعني بنظراته و أنا أبتعد عن المكان مدمدما ..

حسن العلوي مفهوم

مراكش ( 01 // 02 // 2017 )

مديح الجذر العالي / زجل : عزيز غالي

ديوان : مديح الجذر العالي

إلى زجل قادم

قصيدة: نزالة لعفو

من ساعة لهبوط
وآدام ينج فالعالم
كيف تشهاه يكون..
يرقَّع صمت السكات
وغوات النواح..
شتا وخريف
يسرح يديع..
يكَوَّرْ للرهوط
مْسا و صباح
بطبوط فطير
من شجر وربيع.

كَبْرَتْ لرواح
تْبَخْرات رْوايحْ
من رحيق الورد..
وُ على كَدْ ما كْبْرْتِ يا أرض
محال ننساك..
لا صوت
فساحات يردد صداك..
يروي عطشي
حينْ نلقاك.

فاش من حفرة نسكن ونعوم؟
و ظلمة الضو كِضو الظلمة
صُوف
كنت نشربوا خُوفْ
و نشرو عْلى حافة الشُوق والشوف
تَفاح وليمون
فْتوح لبهاك.

بديت نشم ريحة شي قَوْم جاي من لهيه
واش نبدا من هنا ولا من لهيه..
تحت ضلوعي سكنات ناس
وانا لوحيد بالوحشة عطشان
سقيني من ماك.

شكون عرَّفني بيك حْتى عرفتْ كلشي
وانا الغارق فلمنام بالمثنى
ذكر بلا نثى ونثى بلا ذكر..؟

أنا خَنت الصمت
وعنقت ملاك الموت
وكَاع السميات لِّي عرفتْ
مخصية / خطية..
بكي و نحطي يا دنيا..

وا ” عدجو موح ” الساكنة لجبال
واش نكتب ولا نتهجى
حروف ناطقة ف شق الزلزال
بصوت نشَّف الما
وفيَّض شلال..

أنا خنت كَلبي.و انتِ يا حمرية
هَرْسي لخوابي العطشانة
دخلي لضلوعي الشحفانة
زرعي الملح
غرسي عسل الثمر
خلي لعراصي تكبر
خلي كَلبي يحل وذنيه
نسمع صوت ب ” إغريبن “
راجع بنصر..
ونعيش جنب البط لبيض ولحمر
بلا وجع بلا ضُر.

كُمشة من الريح الصالح يا ” أوبسلام “
طالعة من جبل ” العروي “
تسُوط عَلْ الزمان القاصح يبعَّد
والصخر المجروح شاهد..
ترسم خدود بين لكواكب
و ذَّوَّبْ لشهاب.

كان النَّاب باب وكانت لبواب ناب
تخطَّاوْ العتباتْ لَسلالاتْ قَطْعَتْ الخطوات..

بين الخيمة والغيمة فَرْحْ
جْناتو لقوام كرموس
فرشاتو للشمس يكرم
دارو أحيدوس
وعناقد لعنب تشطح..

وبين القبة والجلابة لغز
ما فهمو عْدو ب ” جبل بادو “
وشِعرْ انتاحر بوا عبقر..

غَطِّيني يا وردية بوركَْ لكرم
ما بقات ريحة فالعنبر
غير كشاكش نفرها لبحر
و جلايل لعبت بيها ريح لعشية.

الضفيرة صورةْ الوادي ” أمقران “
مَلِّي عاد من عدام وهجم..
و برج الثور ف مُومة العين
يِبْركَْ بالعشق ولغرام
همو مدفون فالصدر..
والنجوم طِّير فالسما
و طِّيح فالما يِفُور
والبحر المشطون بالهمة
يبلع البابور.

” هيباتيا “
يا مولاة الكون واللوان..
سيدهم لزرق فيك شْرق
يكفينا وجهك نتقاسمو فيه لهنى
و لِّي مزال فالكَلب لاصق من شقى
و ذل وملال..

من عين الشمس
قطري مداد عسلي..
غسلي الحُب واحتجي..
رشي سكَرات الموت فالرموش..
خَرجي سيفك من جواه
هِيجي هَيّْجي..
ها صدري قادر يكابر
حَرّْ النحيرة و حريق النار..

رضعيني من سواكَي عْطَفْ بيها الواد عسري
و دَّاني..
وِلاَ كان وَ لا بُدْ
يقدمني قربان.

واش أنا حيت أنا روح القهرة
وسلالة لغدر كلاها نسر
و نُورَسْ بلعو الحوت بلا خبار بحر..؟

فليلة السر المفضوح كنت خارج الوقت
خارج البوح..
فرتاج الباب كان رمح غر
وبياض العين كان طوفان شر..
غطَّى وجه لرض
خراب / دمار / حروب
وموت مسموح/ ممدوح..

ما بقى لي من لهروب غير نرحل
ونشرق مع الشقيقات بسبعة
على عنقود من النجوم مفتوح.

بلغوا سلامي للبلهدهود لي دوا
السكات ما بقى عرف صوت امي
هي لي غنات عليه وكبر الموال
و نَّس لهوى..
هي لي حنَّات ليه الشّْعَرْ
بالورد والحرمل..

ما بقى عرف بلي امي “حليمة”
كانت عارفة بلي المجد ضاع فلخلا تَكَْعر..
و الجن لكحل ركبو عصيان التقوى
و سيدنا سليمان
ما عاد يهمو لا حُكم بْداوة
و لا حْديث نمل.

يتبع

بقلم : خديجة بوعلي / المغرب

رفقا بك !

تمهل ! فالعجلة إلى انتهاء
انظر إلى مرآتك كل صباح
راجع تفاصيل سبات
بعيد عن الحياة
هناك على مدى ومضة برق
ينتصب الغياب
مهما بَعُدَ البَيْن ،خَبَرا
ستصبح لكان .
غائبا يبتلعك السراب
غائبا يلتهمك الفناء
تمهل … قف … أنظر الى المرآة
شاور في الأمر صدى الأمواج
الزبد مهما امتد … يذهب جفاء
بعد حين …
تحضر في الغياب .
تتلذذ الألسن بلوكك
أم تلفظك بعد كل عتاب ؟!
تحضنك الجفون
أم تنبذك الأرواح
تمهل …أطل الوقوف
فما العجلة إلا إلى انتهاء
لا يغرنك تجاوزك الأفق
و اعتلاؤك العباب .
فرعون مر من هنا
و كذا هامان
كل من امتطى السحاب
انقطعت به الأسباب .
لسنك أفرج …
اُنثر سلال البسمات
بعبير الحب اسق
ما ذبل من أوراق
تونع الحياة …تنبسط الوهاد
يزهر الصبح …
يشرق الحلم …
تستوي النبضات .
تمهل …
فما العجلة إلا إلى فناء
خديجة بوعلي
المغرب

بقلم : عزوز العيساوي / المغرب

يُحاورُني طَيْفٌ من الوُجدِ ساطِـــــــعُ
وفي القلب نار أوْقَدَتها الفواجِـــــــــعُ

يُدَحرِجُني شَوْقي على حَدِّ النَّــــــوى
وتشُدُّني إليكِ العيونُ الهَواجـــــــــعُ.

تُحَاصِرُنِي النَّوْبَاتُ من كل وِجْهَــــةٍ
وقد بَعثَرَتنِي بالحنين الزوَابــــــــــعُ.

أُقِيمُ آهاتي على شطِّ الأســــــــــــى
وقد أغْرقتني في مائها المدَامِـــــــعُ.

وفي الروح أنَّاتٌ تُمَزِّقُ راحتـــــي
فلا الوَصْلُ مَكمولٌ ولا القلب قانعُ.

وما من سؤال في الهوى يطيب لي
وفي القلب شوق هائج متدافــــــعُ.

أحِنُّ و وَقْعُ الحرفِ يُقَطِّر في دمي
حبورَ يقينٍ جَمَّعَتهُ الأضالــــــــــعُ.

وأقبلُ منكِ النُّصحَ والصدر واضحٌ
فأطلبُ الآمال واليأسُ واقِــــــــــعُ.

عزوز العيساوي
القصيدة من البحر الطويل

بقلم : أمينة غتامي / المغرب

شظايا خارج التأويل..

وحيدا..
تشرَبُ نَخْبكَ..
وأنا أشربُ احتراقَ أصابِعي..
فوقَ ورقٍ يهُمُّ بالصُّراخِ..
…..

لأجمعَ قلبكَ في كفِّي…
أُبعثرُكَ
حُروفا
في حقولِ المجازِ..
…..

هكذا..
عَشقتُ وِسادَتي
حينَ أوْصَدْتُ بابي
خَلفكَ..
أحاوِرُ لغةَ التَّكايا
لأُفَجّرَ قصيدةً..
…..

في ماءِ قَصائدي
تَتناوَشُ الحروف،
لكنها مازالتْ
تتأبطُكَ لغةَ طفولةٍ
تتأرجحُ على حبلٍ
من كنايات..

…..
فوق جدارِ محارةٍ
حرفٌ يرسمُ فمه
على شكلِ نجمةٍ..
فكيفَ لي أن أخيطَ قواميسكَ الهاربة
من خللِ الشّقوق..
…..

في مُفتتحِ الظِّلالِ الأسيرةِ،
هناك صَفصافةٌ
تفتحُ دولابَ قصيدةٍ..
لتسيلَ الورودُ
على سُلَّمِ المُوسيقى..

…..
المعلًّقةُ على حبلِ القَوافي
لستُ أنا..
مازلتُ أنتظِرُ شمسا..
أو.. مايشبهُ الضَّوءَ
في حكايا شَهرزاد..
…..

…..أمينة غتامي/المغرب
12أكتوبر 2016

بقلم : أحمد نفاع / المغرب

قصيدة / الحائر

سرابٌ أحسبُه أنا الظمآن ماءً
لِظِلي قلتُ
وُجودي لغزٌ سرابٌ
فارغٌ
إلا مِما أرى
بعضٌ مني قوي جداً كإيمان نَبي
وبعضٌ آخر ليِّن
يَستكينُ لدمعة عتاب امرأة
تحملتني عن حب
ها أنا أحلمُ يقظاً … زاهداً
واقفاً على ساق
أدِبُّ
ولو بِوَهن
خان شُح الرذاذ سُلطان عُمري
بِزادٍ من بقايا وصايا
أسافر
نحو الشفق
كلما بردَت خُطاي
عصرتُ حيرتي قصائدَ معنَى تُدفء
كم أنا حائرٌ
ظمآنٌ …
وكم أحسب سرابَ بِقيعة ماء
يُحزنني أن عقاربَ الموت
تركضُ خلفي
وأني تائهٌ أخرسٌ
لا أعرف
إلى
أين المَسير

أحمد نفاع / المغرب

بِقيعة : ما انبسط من الأرض

بقلم : سليمان أحمد العوجي / سوريا

رسائل لم تصل..

( هو) :
أكرهُ جدولَ الضربِ
وأحبُّ الحلولَ السلميةَ
لا أتعاطى النميمةَ
فلا أغتابُ الملحَ
في حضرةِ الصبر
لا أؤمنُ بالرشوى
ولو أني دفعتُ لل( العرافة)
كي تقنعَ أبي بأنَّ اسمي
فألُ شؤومٍ…
أمقت ( جوزيف شومبيتر)* وعلمَ المقادير
ولا أحبذُ مواعيدَ الحبِ المسبقة..
أحتفظُ ب( صدفةٍ) زرقاءَ
أضعها تحتَ لساني
كلما أُصِيبَتْ خيولُ قلبي بالإعياءِ
ومشاعري ب( العنة)
أنفخُ في صورِ الحبرِ
فتقومُ القصائدُ الشهيدةُ
من قبورها
وأطلبُ من خازنِ أحزانها أنْ يستقيلَ..
لا أحفظُ من التاريخِ سوى
أنَ امبراطوريةَ خصركِ رَدَّتْ الغزاةَ على أعقابهم..
وأنَ عينيكِ نشرتْ تعاليمَ الجمالِ الحنيفِ ..
وعَمَّرَتْ إهراماتَ دمي حجراً حجراً

  • ( هي) :
    تَلَفَتَ زماني بعدَ أنْ تَجَعَّدَ جبينُ الحسرات..
    ساقني إليكَ قدرٌ
    أبعدتني عنكَ أقدار..
    أحببتُكَ دهراً
    أوجعتني دهرين..
    ومنْ ذا يُكفِّنُ الماءَ إذا ماأراقَ العطشُ دمَ البلل
    فاتركني امشي على سورِ
    الكلمات.. حافيةَ اللسانِ أضمدُ الوقتَ بالثرثرة عنك…
  • ( هو) :
    لا أحبُّ الثرثرةَ..
    وكم يروقني نهرٌ غَيَّرَ مجراهُ لأنَ سمكةً عاشقةً باحتْ بسرها..!!
    -( هي) :
    يؤرقني الدَّيْنُ
    وتراني أسددُ فاتورةَ الوحدةِ يوماً بيوم..
    ولم يبقَ معي سوى ثمن
    تبغِ الذكرياتِ وقهوةِ الصباح…
    بينَ صقيعِ تجاهلكَ ورمادِ لامبالاتي لم يستطعْ هذا الحبُّ أنْ يمحو أميتهُ
    من عمرٍ وأنا أعَشِّبُ نصوصكَ الركيكةَ من الأخطاءِ الغراميةِ والأملائية..
    أقفُ ببابكَ كزيتونةٍ مشردةٍ
    لمْ تجدْ المواسمُ لها اسماً في دفتر العائلة..
    تطلبُ شربةَ ماءٍ وقطرتي زيتٍ تمسحُ بهما جبينها..
    وأنا السحابةُ التي توحمتها أرضكَ اليباب..
    يصرخُ في وجهي ناطورُ الكبرياءِ..
    اترددُ في طرقِ بابكَ
    كالمتوجسِ من عبورِ الليلِ بلاخرائط..
    تمرُ قيامتكَ ببابي وأنا أغطُ في إثمٍ عميق…
    كراهبةٍ عبأتْ تفاحَ الخطيئةِ بأكياسِ الندم… مُدَّ لي يد المبادرةِ وأنا الجبانةُ برغمِ مايُشاعُ عني من بطولات..
  • ( هو) :
    اغمدي سيفَ الشكوى
    وعودي أيتها الشقيةُ من حيثُ أتيتِ ..
    فالأشجارُ أغلقتْ قنصلياتِ العصافير..
    وسحبتْ سفراءَ الظلِ
    أغلقي خلفكِ بابَ الحكايةِ
    فكلُ خطواتنا تطالبُ بالثأرِ

للدروبِ القتيلة.

-* ( جوزيف شومبيتر) :

عالم أمريكي بحث في التخطيط الاقتصادي

بقلمي:

سليمان أحمد العوجي.

  • سوريا

رحمة الله عليك يا والدي

أبي ، تذكرت القليل
من طفولتي
لم أر اليد اليافعة
تمتد إلي في صباي
تذكرت القليل ، هناك
على أرض أسرير العتيق
تلك المسافة العميقة ،
كسرتني يا أبتي
حين لملم الغرباء
أشلاء أحلامي ،
ليتني كنت على ذروة العمر ،
كي أقطف لي شهبا
على باب القصر العتيد …
غجرية كانت لغتي
تمدني بالمعنى الشارد عمقي …
أبتي ،
ظلال النخل في أسرير ،
بكت غربتي
لما احتوتني في صدرها أزقة القصر ، خلف أشجاني
غبت طويلا يا أبتي ، آه ،
يا ولدي ، لم أمعن النظر
في عينيه كي أراني
صبيا يعانق ظله …
آه ، يا ولدي ،
هذا الحنين الرابض
في مواجعي
يذكرني بأيام طفولة المغتربةْ
كم أشتاق أيام طفولتي ، برغم اغترابها ، يا ولدي .. أبي ، تذكرت القليل من طفولتي
لم أر اليد اليافعة
تمتد إلي في صباي
تذكرت القليل ، هناك على أرض أسرير العتيق
تلك المسافة العميقة ، كسرتني يا أبتي
حين لملم الغرباء أشلاء أحلامي ،
ليتني كنت على ذروة العمر ، كي أقطف لي شهبا
على باب القصر العتيد …
غجرية كانت لغتي
تمدني بالمعنى الشارد عمقي …
أبتي ،
ظلال النخل في أسرير ، بكت غربتي
لما احتوتني في صدرها أزقة القصر ، خلف أشجاني
غبت طويلا يا أبتي ، آه ، يا ولدي ، لم أمعن النظر في عينيه كي أراني صبيا يعانق ظله …
آه ، يا ولدي ، هذا الحنين الرابض في مواجعي
يذكرني بأيام طفولة المغتربةْ
كم أشتاق أيام طفولتي ،
برغم اغترابها ، يا ولدي ..

علي الزاهر
تنجداد المغرب

علي الزاهر
تنجداد المغرب

هلوسات نبي يبحث عن إله / بقلم : باسم عبدالكريم الفضلي العراقي

( هلوسات نبي يبحث عن إله )

…ـبـ… دهور // غيران المهد … تسرح حريق راس الامس على صدأ قسمات ذاكرتي

تسرح …حرائق رؤوسها

////..على صدأ قسمات////// على قسمات رحم غيران

غيران ذاكرتي …… //// قسمات ذاكرة المهد

…..غيران …//////////////// المهد … غيران

/////////////// عبار غيران …ترسم قسمات ذاكرتي … ويسرق زفزفة المهد ..

/////////// ترتسم على قسمات الذاكرة …

على رحم غيران

قسمات الذاكرة ترتسم على رحم غيران

يتشرب غبار وجوووووووووووووووومها

حاضر امسي

ويشربني الـــغـ………………………………………..

. في افق السراب…………………

قاب سطرَي بخور ..او ادنى …… للجحور الحور ..

صدى وحي…

في احلام عناكب تحوك …

انفاس الانتظار ……. وعداً ..

يرفأ شغاف لساني كي ……… يقرأ

اثار حوافر الجدب

في عيون السماء ……………..

فيكتبني…. في افق السراب…………………

قاب سطرَي بخور ..او ادنى للجحور الحور ……………………… ـا …

… رُ ……المبين ……

……. تسرّح

حريقَ رؤوسها

على صدأ قسمات

ولاتخلعني ….

ويشربني الغبار

لايثمل ..

لا يمحوني

من فم الانتظار

صليباً عافته

من جوعها

مساميرً سنابك العروج

لفرجِ الجنةِ الـ ………………ـمؤممة

الولداااااااااااااااااااااااااااااان … //////// ” ألف … عام ….نِيم “

…… ألا لو … يميني ……. يساري …..

…….. //// عواصف ….. سرابية ..

ـ باسم العراقي ـ

بقلم : مصطفى خالد بن عمارة

خاطرة بعنوان:”كتاباتي”
الحبر دم في عروقي يسري
تشهد الموسيقى كتاباتي
ترافقني تضع يدها بيدي
تدفعني إلى حضن أوراقي
أرتمي بفراشها الأبيض
نقية طاهرة هي كالملاك
أغمض عيني فأرتل
ما نسج بخافقي
أترك زمام قلمي
فيحبو كالرضيع على أرضها
أعيش الغيبوبة العذبة
أحس بأثير يهدهدهني
يدغدغ أحاسيسي يسعدني
أصعد إلى السماء بلا جناح
أعصر عروق جمجمتي
لأستخرج منها خيوط حريرية
أغزلها لأصنع منها بيتا من حروف
بيتا يبقى من بعدي يذكرني
يجعلني أبديا ما دام للروح معنى
بقلم الأستاذ: مصطفى خالد بن عمارة تيارت/الجزائر

بقلم : محمد الناصر شيخاوي / شارع الحمراء /

” شارع الحمراء “
الرصيف المكتظُّ بِمُسْتَحْلَبَاتِ الأديان البيولجية ، يدوس بأرجل اسفنجية على أرحام العاهرات بالتبني ، واجهاته الأمامية تعج بأخبث إبتكارات العولمة و”اللاهوية ” .
بأناقة المتخرجين من بيوت الدعارة ، شارع الحمراء الشهير ، يرتدي فروة بلون مساء صَيْفِيٍّ و على رأسه تجثم قبعة لها مواء .
قطط بحجم الرَّغْوَةِ ، تدير ذيولا لَوْلَبِيَّةً لتعلن عن بدء مزاد تَنَكُّرِيٍّ لأقدم الشَّهَوَاتِ .
للوقوع في هذا الشِّرَاك ، لا شروط على الإطلاق
يكفي أن تكون كائنا لَاحِمًا ، مُدْمِنًا على الشِّواء !
رجل بِقُوَّةِ نِصْفِ فَأْرٍ ، تلفظه سيارة بصهيل مائة حصان ، يقع على نصفه الأسفل ؛ يحاول جاهدا ترتيب ربطة هيبته
المستعارة و بمفعول رَجْعِيٍّ يُعَدِّلُ سِعَتَهُ الذُّكُورِيَّة !
يُدْلِي ببطاقة عضويته المزمنة و بِخبرة و خَلْفِيَّةِ عشرات السنين ، يَتَخَيَّرُ شهوته و برشاقة أفعى” الكوبرا ” ، يُلْقِي بِسُمِّ رغبته في عيون هِرَّةٍ روسية حمراء .
عيونه الليبيرالية لا يمكن أبدا أن تخطئ هدفا شيوعيا معاديا .
من حكمة أسلافه الصائدين في المياه الدولية العكرة ، أن يُزَاوِجَ بين الْمَبَادِئِ و الرغبة ، و حين يعود من نشوة الإنكسار ، سوف يجلب لحبيبته الإنجليزية ، خُصْلَةً من رَحِمٍ رُوسِيٍّ ، كي يتم عجنها في مخابز استخبراتية و تحويلها إلى “ماكدونالد “صالح للإستغلال العالمي .
يقينا، سوف يكون ذلك أنسب هدية ، لِلتَّكْفِيرِ عن خطايا جهازه التنازلي !
محمد الناصر شيخاوي/ تونس

دراسة نقدية ذرائعية /// عبدالرحمن الصوفي

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” ل ” سعاد بازي المرابط ” عنوان الدراسة النقدية المستقطة : ” فلسفة الانزياح نحو الرمز والخيال في قصائد ديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” .

الدراسة النقدية من إعداد : عبدالرحمن الصوفي المغرب

أولا – التقديم :

اللغة العربية كائن مطاوع ، تتسع لكل أشكال اﻷدب والشعر الفنون ، ولها قدرة فائقة على المطاوعة المساعدة على التجديد والابتكار في أدبها وشعرها . لا يمكن لدارس أن يتجاهل التطور الكبير الذي عرفه اﻷدب العربي عبر التاريخ ، من خلال فعل الاحتكاك بثقافات أخرى . ولا يمكن لأحد ان يتجاهل أهمية الابتكار في مجالات اﻷدب والفن عموما ، فالابتكارات فيه تضاهي الابتكارات في المجالات العلمية ، لأن الأدب والفن يشكلان قاطرة ثقافية لتنمية رصيد حضاري ، لمجتمع مبدع ، يحركه هاجس الابتكار والخلق . كما أن تاريخ اﻷدب العالمي يشهد على أن الابتكار في اﻷدب والفن قد أسهم في التأسيس للعديد من الابتكارات ، والاختراعات التي أخرجت الإنسانية من عصر الظلمات ، وأدخلتهم إلى عصر الأنوار ، ويشهد التاريخ كذلك على أن الابتكارات اﻷدبية دعمت العلم والعلوم بالكثير من الإنتاجات أدبية التي هي من محض الخيال . لقد تطرق ” قدامة بن جعفر ” لموضوع التجديد والابتكار في الأدب العربي من خلال رأيه في ( المادة و الصورة ) ، حيث يقول : ” … المعاني كلها معرضة للشاعر ، وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر ، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه ، فإذا كانت المعاني الشعرية بمنزلة المادة الموضوعة ، والشعر فيها كالصورة ، كما يوجد في كل صناعة ، من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها ، مثل الخشب للنجارة ، والفضة للصياغة ، وعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة والرفث والنزاهة … أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة … ” ( 1 )
اللغة العربية تعيش مع المبدع كل أنواع أحاسيسه ومشاعره ، ومنها أنها تعيش معه حين يصارع أمواج القلق المتحرك ، وكذلك حين يكون على حافة التناقضات المتصارعة من أجل الوصول إلى المستحيل الممكن تحويله حقيقة ، فالحيرة مشروعة ، واللغة مفتاح مجال التأملات ، والحزن والقلق والتفاؤل النار الهادئة التي يستوي عليها الإبداع …
تعيش اللغة مع المبدع اللحظات التي تلف رؤاه التعب والحيرة والحقيقة والوهم والوضوح والغموض والقلق والفرح … لذلك نجد قلق الشاعر يفوق قلق المنتجين اﻵخرين في الميادين الفكرية والثقافية الأخرى .

ثانيا : توطئة :

يقدم ” عبدالرزاق عودة الغالبي رأيه حول الخيال وأبعاده ” : ” … فكرة البعد الرابع المكاني ووجود مكان آخر أعلى من عالمنا ثلاثي الأبعاد هي من أفكار الأوربيين خلال الثورة الصناعية الأولى والثانية في القرن التاسع عشر كما أسلفنا ، حيث انبثقت من تطور علم الرياضيات والهندسة ورياضيات المنحنيات والسطوح الأهليجية أو ما يطلق عليه علم الرياضيات والهندسة اللاإقليدية ، وتلعب الهندسة الإهليليجية دورًا هامًّا في النظرية النسبية وفي هندسة الفضاء الزماني . لقد ظلت هندسة إقليدس تمثل أسس علم الهندسة على مدى بعيد من السنين ، ومن أبرز مميزاتها أنها لا تستعمل سوى المسطرة والفرجال لإنشاء الأشكال ، ولا تأخذ بعين الاعتبار القياسات أثناء الحركة ، لكن التطور الصناعي والعلمي أدى إلى ظهور مسائل هندسية لم يتم حلها إلا في القرن التاسع عشر ، ومن هذه المسائل تقسيم زاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية ، إنشاء مكعب حجمه ضعف حجم مكعب معلوم ، وإنشاء مربع مساحته تساوي مساحة دائرة معينة ، وهذه المسائل يستحيل حلّها باستعمال المسطرة و الفرجال فقط . وحينما قسّم الله الوجود واقعًا وخيالًا ، الواقع مفهوم بزمكانيته الملموسة ، والخيال معروف بمكانيّة المجهولة لا تخرج عن العقل البشري بمقارنتها مع محتويات التكوينات وسكان الواقع ، لذلك ينزاح الخيال نحو الواقع لو توفرت الظروف المتشابهة في العالمين ، وما دام الواقع يمتلك سكانًا ومكونات ملموسة إذًا تصوّرها في الخيال يتمّ في العقل بشكل متباين ، والسؤال الذي يطرح نفسه :

  • هل هناك خيال لا يمتلك مكونات الواقع…؟
  • وهل بالإمكان تصوّر حدود هذا الخيال ومكوناته….؟ ” ( 2)
    تعتبر هذه التوطئة منطلقنا النظري الذرائعيى في ذراسة ثلاثي ( الرمز والانزياح والخيال ) في نصوص ديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” .

ثالثا – المدخل البصري لديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” :

ديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” ( الطبعة الأولى 2017 ) ، وهو الديوان الثاني بعد ديوان ” تأشيرة باب الحياة ” .
الديوان متوسط الحجم ، يضم 99 صفحة ، تجمع الإهداء والتقديم وتسع وثلاثين نصا شعريا نثريا ، نذكر منها : ( أتخشى الكلام ؟ / آخر اجتياح / أقاتلة أنا / الكياسة سياسة / أنا غائمة / بانتظار قصيدة متمردة / تلك هي ساعتي / ثلاثة أرباع قلب / حب على الرصيف / حب على المقاس…) .
أما علامات الترقيم في نصوص الديوان فتتوزع بين النقطة والفاصلة والحذف وعلامة الاستفهام ( لم لا تكتب لي من على صهوة حصان ؟ / لم لا تكتب لي من تحت مظلة بثقوب ؟ / أو مظلة شفافة ، قصيدة شفافة ؟ / وشما بصدور الذين فتحوا لي صدورهم ؟ / لم تنبض في وأنا لست ذكية ؟ / فهل أنتظر ؟ / لا تسألني لمن أكتب ؟ ) .
يقول جنان : ” … المجموعة الشعرية ” ثلاثة أرباع قلب ” متجانسة النصوص من حيث الموضوع أو ما يصطلح عليه بالوحدة العضوية للنصوص . بمعنى أن المجموعة الشعرية يربط نصوصها خيط ناظم ضمن رؤية واضحة .
و المجموعة الشعرية ( ثلاثة أرباع قلب ) تدخل ضمن هذا القسم . إذ نجد بناءها مثل خيمة تحتوي على :

  • العماد الرئيسي أو ما يصطلح عليه في العامية ب : (الْحُمَّارْ)، و تمثله القصيدة التي تحمل نفس عنوان المجموعة .ص 27 = الأوتاد التي تشد العماد و هي أربعة .
    1 – الهجوم : و تمثله القصائد : – أتخشى المواجهة ؟ ص 110 / أقاتلة أنا ؟ ص 15 .
    2 – النفي / الرفض : و تمثله القصائد : – لن أغادر المكان . ص 58 / لن أكون ناعمة . ص 61 / لن ألتفت . ص 63 .
    3 – السؤال الحلم : و تمثله القصائد : – هل أتعود على الرغد ؟ ص 79 / هل أنتظر ؟ ص 81 / و لا أكتب إلا لك . ص 89 .
    4 – الرضى : و تمثلها القصائد : أنا غائمة . ص 20 / بانتظار قصيدة متمردة . ص 23 / طوق الوفاء . ص 45
    و باقي النصوص هي مؤثثات تناسب كل وتد من الأوتاد الأربعة . لتختم الشاعرة المجموعة بقصيدة تلخص الحكاية : لو سألوك ص 95 …) . (3 )

رابعا – السيرة الذاتية للشاعرة ” سعاد بازي المرابط :

  • من مواليد مدينة تطوان
  • أستاذة : اللغة العربية
  • صدر لها ديوان ” تأشيرة باب الحياة ” ، وديوان ” ثلاثة ارباع قلب “
  • كاتبة عامة لجمعيتي : – جمعية البهاوي لداء الصرع .
  • جمعية صانعات الحياة
  • تنشر بجرائد ورقية وإليكترونية .

خامسا – العتبة / العنوان / تناص الدهشة العنوانية :

عتبة العنوان هي صنع الدهشة البعيدة عن محاكاة الحياة بقواعدها ورتابتها ، بل الدهشة التي تجعل المبدع يعيد ويجيد الصناعة والخلق ، والغاية طبعا إدهاش القارئ من خلال الإمتاع ، وشده لبؤرة عنوان ” معقد ” يدخله إلى عالم نصي واضح المعالم ، أي احتواؤه على رموز صغيرة متشابكة تصنع منظومة ثقافية مدهشة ، فتغدو معها النصوص صامدة أمام الزمن محمية ببوابة عنوانية عتيدة ومدهشة .
يمكن أن تحلينا الاحتمالات المتحركة لمضمون العنوان إلى الإرث في الإسلام ووضع المرأة فيه . فنجد المرأة بعد وفاة الزوج :
” تأخذ الزوجة الربع كاملا ، ثم تبقى ثلاثة أرباع : للأب ربعان ( وهما النصف ) وللأم ربع ( وهو نصف النصف ) فتتساوى مع الزوجة ، بينما أعطاها ظاهرُ القرآن ثلث التركة كاملا ، والثلث أكبر من الربع ، وأكبر من نصف النصف …” ( 4 )
يمكن أن تحلينا الاحتمالات المتحركة للعنوان على الموسيقى خاصة “… مقام الراست : يعني بالفارسية والكوردية : المستقيم التحويلات : مي نص بيمول + سي نص بيمول وعند العودة من الجواب تعزف سي بيمول .. أما الأبعاد بعد – ثلاثة ارباع البعد – ثلاثة ارباع البعد – بعد – بعد – ثلاثة ارباع البعد – ثلاثة ارباع البعد .. وسمي بالراست (المستقيم) لأنه يصعد على السلم الموسيقي ويهبط بشكل أبعاد متساوية.
البياتي ري : أي التحويلات : مي نص بيمول + سي بيمول الأبعاد : ثلاثة ارباع البعد – ثلاثة ارباع البعد – بعد – بعد – نص بعد – بعد – بعد …( 5 )
ويمكن أن تذهب بنا الاحتمالات إلى تناص لثلاثة أرباع مع مكونات كثيرة ، نذكر منها :
-يتكون سطح الارض من اليابسة والمياه ، حيث ان نسبه المياه 3/4 واليابسة 1/4 من الكرة الارضية . اليابسة على سطح الكرة الارضية . ومذلك نسبة السوائل ( الماء ) في جسم الإنسان . وكذلك نسبة السوائل في قلب الإنسان وغيرها من الاحتمالات الكثيرة .
يقول ” عبدالعزيز حنان ” في لوحة الغلاف : ” في العديد من الإصدارات تأتي صورة الغلاف الأولى بعيدة عن مضمون النصوص ، المهم صورة تؤثث الغلاف قد تكون لها جاذبية لكن ، لا ارتباط لها بعالم مضمون الإصدار .
و في كثير من الأحيان تأتي قراءة هذه الصورة ( صورة الغالاف ) مناقضة لهذا المضمون . بعض الإخوة الذين يتفضلون بهذه القراءة ، يطنبون في المدح و لَيِّ مضمونها لتناسب الإصدار ، أو دون تقديم العلاقة بين النصوص و الصورة .
في المجموعة الشعرية ( ثلاثة أرباع قلب ) أول ما يمكن تسجيله أن صاحبة اللوحة التشكيلية ، هي الفنانة ” أمامه سحر” . إذ تتماهى الفنانة التشكيلية مع رؤية الشاعرة من خلال الانتماء النوعي .
فمن خلال اللوحة نلمس استضمار الفنانة التشكيلية للنصوص و أنها تشربت دلالاتها من خلال مواقف الشاعرة لتنتهي إلى وضع معالم اللوحة .
أرضية اللوحة أخضر . قوي على مساحة المحيط خفيف على صدر اللوحة . و كأن ما ينطلق من ذاتَيِ اللوحة يؤثر على قوة اللون دون أن يلغيه .
فالأخضر لون الحياة ، و تأثيره على النفس عميق ، كما توصل العلماء إلى قرار قاطع من أن اللون الوحيد الذي يجلب السرور إلى النفس و الانتعاش في الفكر هو اللون الأخضر الذي يتواجد في أكثر من مكان في الطبيعة . و من الملاحظ أن هذا اللون يتوسط ألوان الطيف السبعة في قوس قزح .
في اللوحات القديمة استخدم الأخضر بكثرة ، فلا تكاد لوحة تخلو منه ، حتى لو رسم الفنان وجهاً لشخصية معروفة ، أو متخيلة يأتي المشهد الخلفي بالأخضر أساسيا في اللوحة ، والذي غالباً ما يكون منظراً طبيعياً، مثل
لوحة «إليدا والبجعة» للفنان ليوناردو دافنشي ، «عذراء الصخور» . كما استخدمه الفنان مايكل أنجلو حين رسم على سقف كنيسة «سيستان» في الفاتيكان، في أكثر من منطقة مثل شجرة التفاح التي طردت آدم من الجنة. وعموماً فإن الاستخدام لهذا اللون متعدد ، وقد يبدو أساسيا ، فعندنا يستغني الفنان عن الطبيعة ، قد يكسو به خلفية لوحته .
اللوحة : تحت الظلال ، هو يمد يده نحو الأعلى يقطف الثمار أو يستجمع باليد اليسرى الأقرب إلى القلب ، أطياف النور / الأمل المنبعث يتدفق منه أليها من خلال إمساكه بالمعصم حيث النبض قويا و ليس باليد كلها .و غلالة نور تحيط بهما تحول اللون الأخضر إلى طيف خفيف .
ملامح الوجهين تطفح بالبشر و ابتسامة رضى تشكل الشفاه . و لا بد من ملاحظة الإيشارب يمتد من صدر النثى للجيد لكتف الرجل لساعد يده .
ألوان باقي المكونات متناسقة بلا نشاز البني يجانب الأبيض ثم الأسود فالبنفسجي ، ألوان تليق بالعمر المفترض لشخصتي اللوحة من خلال الشعر الأسود بلا أدنى شهرة شيب .
إلى هنا اللوحة متناغمة لكن ، هل اعتباطا أو صدفة أن يأتي طول الْهُوَ أكبر قليلا من طول الْهِيَ ؟؟؟
و هل اعتباطا أو صدفة أن تستند الْهِيَ على كتف الْهُوَ ؟؟؟
ركزوا على اللوحة و أنتم تسافرون مع النصوص لاستجلاء الأمر .
قد يكون مجرد سؤال لعله يستفز المتلقي لطرح أسئلة مغايرة و إعطاء إجابات غير متوقعة من خلال لوحة الغلاف الأولى .
و هذا هو فِعْل القراءة ، و سواه مجرد عبث …
الوجه الأخير من الغلاف : استمرار سيطرة اللون الأخضر امتدادا للصفحة الأولى مع اختيار لمقطع من القصيدة العُمدة ” ثلاثة أربع قلب ” تؤطر العلاقة أو جزء من العلاقة بين الْهُوَ و الْهِيَ .
هذا المقطع يشكل الخطوط العريضة للرحلة أو قل هي المرشد الذي يبين للقارئ مسالك و دروب الحكاية … ( 6 ) .

سادسا : فلسفة الرمز / تكنيك الصناعة الرمزية في ديوان “
ثلاثة أرباع قلب ” :

1 – تكنيك الصناعة الرمزية :

احتلت فلسفة الرمز في قصائد ديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” مكانة مهمة ، ونقصد بها الفضاء الفلسفي الذي يوحي به الرمز الشعري ، ولا نريد هنا بالفلسفة التأسيسَ على قواعدها الصارمة المرتكزة على العلة والمعلول ، والاستقراء والاستنتاج ، والتنظير والتقعيد ، وإنما نقصد الكيان الفلسفي بمضمونه التأملي الأقرب إلى فضاء الشعر وعوالمه الرحبة . تعتمد الصنعة الشعرية عند ” سعاد بازي ” تيكنيكا يزيل الخصومة والحدود بين الشعري والفلسفي . حيث يصبح الشعر الحقيقي في جوهره فلسفة أصيلة ، وأن الفلسفة الحقيقية هي في جوهرها شعر أصيل … ( 7 )

لنتأمل معا نص ” لن أغادر المكان ” / الصفحة : 58

لم أكن أرتب كلمات قصيدة ،
فأنا لا أحب القصائد الأنيقة
بربطات عنق
وبدلات ماركات بتوقيع
ولا بقمصان مكوية .
كنت فقط أرتق إزار الغياب الشامل
تلك الثقوب يتسرب منها البلل
يتسرب منها الملل .

نلاحظ في قصيدتها بعدين في رمزيتها الفلسفية التأملية : الانطولوجي (الوجودي) ، كظاهرة بارزة في هذه القصيدة وغيرها من القصائد الأخرى ( غادر تلك المنطقة الوسطى / غادر ذلك الحذر المريض / دع تلك الخطط وطرق التنفيذ / مزق رداء عاطفة صقيعية / ص 56 ) . رموز شعرية تتنوع باختلاف الموقع ( البؤرة والهامش ) ، ولونا وحركة وسكونا ، وسوادا وبياضا ( فضاء الورقة ) ، وهدا يدل على أن الشاعرة عمّقت في ديوانها فلسفة منحاها الرمزي الواضح…

لمن أحكم الأقفال على الحواس
مدثرة بتلابيب راهبة
من دير يجدد البيعة
جثة بلا كفن
مشدودة الحزام
كجندي مرابض عند حدود وهمية

أما البعد الثاني فيتجلى في البعد الإبستمولوجي / المعرفي ، أي أن فلسفة الرمز في قصيدتها ، ليست تجريدية بحتة ، فهي تمزج بين الرمزية الوجودية و الرومانسية ، مصحوبة بالواقعية ، وهذا التكنيك يتجول بنا بين الذاتي و المجتمعي …

ونقرأ لها في نص ” على خد الحرف ” / الصفحة 47

قبلة واحدة على خد الحرف
تكفي
ليرش حرفي ” شانيل ” أنوثته من محابر
المداد
تكفي
ليقضم حرفي حبل المسافات
ليجتاح المسافات
ليجتاح المدى
ليقطع وريد البعاد .
قبلة واحدة على خد الحرف تكفي

يطبع فلسفة الرمز عند الشاعرة الإبهام الذي لا يُربك ولا ينفر المتقي ، وإنما يجذبه ليدخل طقوس القصيدة …فبعض القصائد تبدأ واقعية ، ثم تنتهي رمزية وجودية ..

ستغادر حروفي البرك الراكدة .
ستجلس على حافة جدول رقراق
تشرب قهوتها
تنفث سجارتها .
وتضاهي قصائدك التي ترمي لها
طعم الغواية .

الرمز الشعري إذن يحضر المعنى بطبيعة تتعدد أوجهها ، حيث تخضع للتأويل ( تحكما وضبطا ) ، أي يتحكم في توجيه مآلاته الدلالية . يلعب الرمز في بعض نصوص ديوان ثلاثة أرباع قلب ” دور رابط ووسيط الذي ينظم الخيال والانزياح والصورة الشعرية
يقول أدونيس :” … بعيدا عن تخوم القصيدة ، بعيدا عن نصها المباشر ، لا يكون رمزا. الرمز هو ما يتيح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص . فالرمز هو قبل كل شيء معنى خفي وإيحائي ، إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة ، أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة . إنه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له ، لذلك هو إضاءة للوجود المعتم واندفاع صوب الجوهر …” (8 )

2 – تكنيك الرمزية وهواجس الكتابة :

اتخذت الشاعرة لنفسها هواجس للكتابة ، فبعض القصائد في ديوانها ” ثلاثة أرباع قلب ” تبدأ واقعية وتنتهي رومانسية ، وأخرى تبدأ رومانسية وتنتهي وجودية أو واقعية ، هو تكنيك شاعرة متمردة على صيغة التدوينة الواحدة ، أو انتظامها في سياقات كتابية وحيدة تتموقع داخلها ، إن كتاباتها لا تختارها مسبقا ، أي كيف ينبغي أن تكون ، وبهذا فهي لا تخضعها لخريطة طريق ، فعمق العملية الإبداعية عندها سيرورة للكتابة .

تقول الشاعرة في نص ” رغما عني ” الصفحة 39

لن أقول أن المشوار مضن
لن أصدق أن الطائرة نفذ وقودها
والمطار بعيد عني .
السفينة ستجد المرفأ
سأحتفي بالوصول
بيني وبيني .
من قال لست حائرة
بين شوقي وظني
لن أخنق فرحة قلبي
وقد كان يأمل يوما أن يغني

لقد ابتدعت الثقافة الذكورية المتسلطة في مجتمعاتنا العربية دونية المرأة ، فخلقت ما سمي بالأدب النسوي . في الإبداع لا يعنينا في النظرية الذرائعية جنس صاحبه ( ذكر أو أنثى أو عمره … ) .فالكتابة هي الكتابة ، والنص هو النص ، والمحك الحقيقي للحكم عليه هو محك جمالي .
إن وظيفة فلسفة الرمز عند الشاعرة في قصيدتها ليس محاكاة للواقع رغبة في تجميله ، بل وظيفتها تعريته ورؤيته من الداخل ( سأستورد كلمات من لغة موليير / سأستورد من لغات ليست من شأني / لن أعود لسجني / سأعيش الحياة / كنت قبلها مت أو كأني ) . الشعر قادر على فتح طرقات جديدة وآفاق تسألنا وتسائلنا . يقول “عبدالعزيز حنان ” حول التجربة الشعرية لسعاد بازي : “… كتابة نسائية تتجاوز التصنيف . و لولا بعض الإشارات الطفيفة لما أمكن التمييز هل الكتابة لامرأة أو لرجل ، ويمكن تقسم هذا الصنف المنفلت من التصنيف إلى نوعين :

  • نوع تعمد اختيار هذا المسار بدعوى تكسير الطابوهات و الارتقاء إلى تحطيم كل الفوارق الوهمية حسب قناعاتها و الدخول فيما يسمى – الحداثة – بكل جرأة و الانتصار لمبادئ التقدمية بكل شعاراتها . و هذه الكتابة نجد فيها إغراقا في تمثُّل النماذج الغربية ( مثلها مثل الرجل في مرحلة ما بعد صدمة الحداثة كما يعبر عنها أدونيس في الجزء الثالث من مؤلفه الثابت و المتحول ) . فكان المضمون يغلب على الجانب الإبداعي حيث تأتي الكثير من الكتابات على شكل بيانات .
  • نوع استلهم الانتماء الإنساني كمدخل لكتابه فكان هذا الوعي بالانتماء مدخلا للكتابة و الإبداع . فعبّر بإبداع متميز عن هذا الانتماء و كان إضافة نوعية للإبداع الإنساني بلمسة تتجاوز الارتكان للنوع … ( 9 )

سابعا : الانزياح / نظرية التقابلات الرياضية في ديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” .

والانزياح الشعري يمتاز عن غيره من أشكال الانزياحات الأخرى ، في كونه يحقق قيمة جمالية ، ترتبط ارتباط مباشراً بالدلالة وفواعلها النشطة ، ولهذا يرى البعض ” أن التعرف على المعنى يتأتى من بيان الموقف الذي يقال فيه الكلام ، وآخرون يحددونه بمجاورة الكلمة لغيرها من الكلمات في السياق ؛ في حين أن المعنى يتولد – بفعل الخرق للاستعمال العادي للغة ، هذا الخرق الذي يشحن اللغة أو الخطاب الشعري الشعري بطاقات أسلوبية جمالية تحدث تأثيراً خاصاً في المتلقي ؛ وهو ما نجده في الفنون الأدبية كالشعر مثلاً ، أي لا يهتم الشاعر في حديثه بالحقيقة بقدر ما يهتم بإدخال البهجة في نفس المتلقي ، فينتج عن هذا انزياح لغوي ، واضح تتراوح معه الدلالة من معنى إلى آخر ، باعتبار أن الكلام هو تحقيق لهذه اللغة فقد ساعد على حصر مجال الأسلوبية بالبحث في العبارة ، أو النص ، أو الرسالة ، أو الخطاب ، لأجل تقصي الأثر الذي تتركه في نفس المتلقي ؛ هذا الأثر الذي يختلف في كل مرة استناداً لمقام استعماله ، ما ينجر عنه عدول تركيبي لغوي يعدل معه المعنى. وتتحقق معه الصفة الإنسانية للغة ؛ باعتبار أن الإنسان في جهد دائم لتطوير لغته ؛ لأن هذا الثراء الدلالي يكسب اللغة قيمتها هذا بالإضافة إلى خصائص أخرى تتميز بها اللغة … ” ( 10 )

تقول الشاعرة في قصيدة ” ثلاثة أرباع قلب ” الصفحة : 27

ثلاثة الأرباع لك
والربع لي عنك ممنوع
ثلاثة الأرباع لك
الربع لي حق مشروع
سأترك لك فرصة الرجوع
لا أريد خسارتك
قد يعيدك الفضول
لشبر أغوار الممنوع
قد تعرج غرب الحكاية
قد تغمرك رمال تلك الصحراء
جنوبا بلا نهاية

نؤكد على أن الانزياح التقابلي الرياضي متجذر في الفكر البشري ، فنجدها جسمت في أشكال هندسية تدعى بالمربع المنطقي ، وهذا الأشكال الهندسية كان لها دور كبير في تعيين مواقع الحدود ، وطبيعة العلاقات فيما بينها . والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل عرف الشعر العربي التقابلات الهندسية أو تقابلات رياضية (( قصائد تتخذ شكل رسوم هندسية ) أو انزياحات لتقابلات رياضية ؟؟ ))

قد تستيقظ شرق الكحلية
كل الاتجاهات مفتوحة
مشرعة أبواب الغواية
معذور
لأنك لم تمسك خيط البداية
سيبقى الربع مواريا
أكسر به هر الملل بهذه الحكاية
من يدري ؟
قظ تعود من جديد
لن يكون غيرك بطلا للرواية

ليس غريبا أن تعيش انزياحات في بعض نصوص ديوان ” ثلاثة أرباع قلب ” على حافة القلق المتحرك ، وعلى حافة التناقضات المتصارعة من أجل الملموس الكوني الوجود البعيد المنال ، فالحيرة مشروعة وهي مجال تأمل ، والحزن يعقبه التفاؤل ( طوق الوفاء بمن يليق ؟ / يليق بك / أنت من يخفض جناح الحب / أمام العناد / الذي لا يبر حني / إلا ليسكنني / طوق الوفاء بمن يليق ؟ / ص 44 ) ….
يقول جون كوهن : ” .. الأسلوب هو كل ما ليس شائعًا ولا عاديًّا ولا مَصُوغًا في قوالبَ مستهلكة…، هو مجاوزة بالقياس إلى المستوى العادي ، فهو إذًا خطأٌ مُراد …”. (11 )
ومن أكثر التعريفات الواردة تعريف فاليري، الذي قال: ” إن الأسلوب في جوهره انحراف عن قاعدةٍ ما “. ( 11 نفسه )
يرى ريفاتير أن الانزياح : ” …يكون خرقًا للقواعد حينا، ولجوءا إلى ما ندر حينا آخر، فأما في حالته الأولى، فهو من مشمولات علم البلاغة، فيقتضي إذًا تقييما بالاعتماد على أحكامٍ معيارية، وأما في صورته الثانية، فالبحث فيه من مقتضيات اللسانيات عامة، والأسلوبية خاصة … ” ( 12 )

تقول الشاعرة في نص ” أنا غائمة ” الصفحة : 20

غائمة فوق المعتاد
لن أنثر ورودا على حافة الطرقات التي
لم تضع ختما بجواز جنوبي
لن أهجع لمقعد بذاك القلب الذي
يرفض سهودي
يتبرم من صمتي
غائمة أنا دون أن أمطر
سأمطر قطنا
أضعه بأذني
أريدني ” بيتهوفن”
في هذا الزمن النشاز

انزياحات تشد من أزر الشاعرة ، وتضيء لحظات سأمها ويأسها وفرحها وسعادتها ، تحدد وصفاتها من خلال ترابط كلي ، تتوغل فيه اﻷحاسيس ، وفي الاستبطان الحلم الذي تستشعر فيه الشاعرة الحاضر ، ليسلك بنا طريقا حلزونيا نحو الماضي . من منطلق ان البداية متوهمة ، والنهاية محتملة من خلال عناصر دلالية متداخلة مشدودة إلى تمثل الماضي واستشراف المستقبل …

غائمة أنا ألوك حروف عتاب أبله
لبس كسوة أقسى من احتمالي
شجرة احتمالي لن تورق بعده
غصيناتها مثقلة بتمائم بحروف النداء
وعلامات استفهام عن عوانس البلد
نسيت أن تخضب أكفها بالحناء
نسيت أن تمنطق خصرها
بحزام عيد دون غصة
غائمة أنا ( ص : 21 )

إن أفضل فائدة للانزياح هي حفظ اﻷفكار ، بحيث يكون الفكر داخل كلمات النص متجليا من خلال علامات ودلالات ورموز … واللغة من حيث هي لسان لا تتحقق إلا في شكل مؤسسة اجتماعية تتخذ شكل نسق من العلامات والرموز ، ومن هنا لا يمكن للمبدع أن يكتب نصوصا من خارج وجود مجتمعي ( لازالت ذاكرتي تأخذ سلة للتبضع / تتبضع كل ليلة حلما للوقاية من الجنون / تتبضع حلما أراك فيه / مرابضا فوق صخرة الصبر / بانتظار عودتي من رحلة الحياة / فاشلة كنت أم مظفرة / أنا لازلت مبعثرة / ص 44 ) .

ثامنا – فلسفة الخيال في ديوان ثلاثة أرباع قلب :

ينشطر العقل إلى محتويين ، وهما الأفكار ويقابلها العقل ، والأفكارويقابلها الخيال ، وما يميز الشاعر الإنسان عن غيره هو ما يتمتع به من رد فعل طبيعي يأخذ مسلكين : من الواقع إلى الخيال ، ومن الخيال إلى الواقع ، الشاعر مستجيب للأحداث التي تؤثر في أحاسيسه . وتلعب فلسفة الخيال في غالب الأمر دورا كبيرا في دعم الانسجام والتوازن وربطهما بالبعد الانفعالي عند الشاعر الإنسان . يقول الدكتور ” عبدالرحيم الساعدي : ” … علينا الاعتراف انه لا توجد امة لا تتمتع بخيال ما ، واذا قدمت هذه الأمة حضارة ما ، فذلك يعني ان خيالها على مستوى الأفراد والمجتمع انما هو خيال فعال ومتميز وراق، اما التي لم تقدم فافتقرت الى الشروط التنموية للابتكار والعلم … ” ( 13 )

تقول الشاعرة في نص ” ها قد عاد ذاك التمرد ” الصفحة 73

ها قد عاد ذاك التمرد يدب في أوصالي
أريد حفنة عزلة
شبر مسافة
لن أضع يدي في يد الآخر
الآخر كله أغلال
اريد حفنة خلاص
أريد تضليل الحزن
وأنا أراه حاملا عباءته
ينوي أن يلفني بها
من شمالي إلى جنوبي
أريد حفنة عزلة
أنوي تصفية مؤسسة الهواء
أنوي تهريب مياه النهر
إلى قنوات للتصفية
سأسقي مساحات بقلبي

تغمر الشاعرة القوة والحماسية لممارسة الخيال بفاعلية ، وبنفس متجدد من سطر إلى آخر ، فممارسة الحياة دون خيال واسع لا قيمة لها ، لأنه هو من يضفي مسحة جمالية وقيمية عليها ، وهو من يوسع أفق الانسان والوجود والحياة . الخيال رياضة عقلية وفكرية لا غنى للإنسان عنها ( حدثني نفسي عن نفسي / وجدتني أجهل أحوالي / متجردة مني / أحرقت جواز السفر / إلى متاهتي / ذاك الدخان / قد أتبع خيطه / الواهن / ليدلني على هويتي / ص 36 ) . فلسفية الخيال تثير الانفعال وتنظم الذات وتحفز الفرد على استعادة توازنه في الحياة ، وتحويل آلامه التي سببها له الواقع ألى مصدر قوة ( سأقول بعدها لقلبي : / عمت صباحا أيها القلب الذكي / لم تنبض في وأنا لست ذكية ؟ ص : 74 ) . إن قوة الخيال لا تكمن فقط إصدار انطباعات بل كذلك في إعادة صياغتها وتجسيدها ، وهذا ما يجعل الخيال انطباعا وتفكيرا في الآن نفسه . إن علاقة الإنسان بالأشياء الخارجية هي مصدر إما متعة أو ألم . لكن الشاعرة في خيالها تعطي قيمة للوجود وتحوله صورة مورفولوجية تركيبية ذات أبعاد جمالية .

تقول في نص ” ذلك الصمت ” / الصفحة : 37
ذلك الصمت
ملاذ مؤقت
لا لم أكن صامتة
كنت أصغي
كنت أحلق
كنت أسبح في جدل كزبد البحر
أسبح في مقامات الصخب
وأعود لشط الهدوء
ذلك الصمت
ملاذي المؤقت
لا لم أكن صامتة
كنت صحبة ذلك الغائب حتى يعود

ترتكز فلسفة الخيال عند الشاعرة في قصيدتها على التواشح والتقارب الموجود بين البشر ، الذي يقتضي الرأفة بالآخرين ، والعطف عليهم ، والتعبير عن آلامهم ، والإحساس بما يحسون ، فمنطق الخيال هو منطق الأخلاق والأعراف ، ويكتسي الخيال كذلك طابعا اجتماعيا بحكم اندماج الفرد في النسيج الاجتماعي الذي يطبع على قلبه أحاسيس متنوعة ومختلفة منها العدالة ، والحب …. ( كنت صحبة ذاك الغائب حتى يعود / كنت بانتظار إزاحة الستائر القاتمة / لأفتح نافذتي على شجر الليمون الأصفر / وذاك العشب البري الأخضر / سيعود أوان النور / لصوتي المخدوش شوقا / ص : 38 )
الخيال يزيد من التدفق العاطفي ، ويؤجج لغة الشعر وأثره وقيمته ، فالشاعرة تمتاز بالتعبير عن عواطفها من خلال عملية للخيال ، وتكييف للصور الذهنية مع الافكار والعواطف في شكل إعادة للصياغة . فهذه الطريقة في التعبير تغدو فيها الشاعرة العنصر الأساس الذي يخلق عالم المتعة .
فالشعر ينبع من روح خيال الشاعرة المشبع بطاقاتها الخلاقة المحاكية لصور العالم الخارجي ، وهنا يصبح الشعر عند الشاعرة ليس شكليا أو محاكاة كما هو الحال عند أرسطو ، …بل إن فعل الخيال في الشعر وازع داخل الشاعر من العواطف و والرغبات ، فيسعى هذا الوازع للتعبير عن نفسه أو عن محيطه ، أو هو الدافع القسري للمخيلة الخلاقة التي تشبه الشاعر نفسه ، في أنها تمتلك منبعها الداخلي للفعالية ، أي التعبير بصدق عن العواطف والقدرات العقلية..

تاسعا – خاتمة :

ونختم دراستنا النقدية المستقطعة بمقتطف من رأي الذرائعية في عمق النص الأدبي بالانزياح نحو الرمز والخيال بالمنظور القرآني والعلمي وهو كما يلي :” وقبل أن ندخل هذا الخضم الجنسي الأدبي المضمّخ بالخيال ، الذي يفوق الواقع روعة وبناء ، ولو أطلق العنان لكاميرات وريَش الرسامين من الأولين والآخرين في هذا العالم ، لما استطاعوا الإحاطة بعظمته واتساعه ، فالخيال عالم واسع يشمل ما أبدع الله في عوالمه ، ولم تصله يد أو عين مخلوق في الواقع بشكل ملموس ، هو تصوّر بمنظور ميتافيزيقي لحوادث وبنى ومخلوقات لا تسكن الواقع ولا تشبه محتواه الحركي والبنائي ، وتشكّل رؤيتها إثارة وانبهارًا لسكان عالم الواقع ، وتلك التصوّرات لا تسكن إلا العقل البشري ذا الأفق الواسع ، وأعني به الأديب ، وهذا التصور هو إطلاق العنان للعقل البشري بالسفر والتفكير في مجالات لا يقبلها الواقع لكونها ضرب من ضروب المستحيل ، لكنّ تلك الأفكار والتصورات تكون شرعيّة ومقبولة في حقل الأدب ، وتعد عمقًا أدبيًّا محمودًا ، يشكل في جميع مستوياته الدنيا والعليا ، مجالًا أدبيًا أو فنيًا ، يجسد من خلالها عناصر اللذة والتشوق ، حين تبثّ فيه الروح والحركة وقد تحدث تلك التصورات في الواقع المعاصر ، على سبيل المثال : كان القمر حلمًا من أحلام العشاق قبل قرن تقريبًا ، لكن عملية الوصول إليه جعلته ينتقل من الخيال إلى الواقع…. و(الموبايل) كان حلمًا أن تتصل بشخص من أي مكان كان فوق الأرض أو تحت أعماقها أو محلقًا في السماء ، وصار واقعًا ملموسًا ولعبة بيد الاطفال ، إذًا الخيال هو كل شيء يحلم به الإنسان ولا يستطيع بلوغه في الواقع المرئي والملموس ، فوظیفة اللغة في حیاة الإنسان لا تنحصر ببساطة في الدور التواصلي فالإنسان كیان معقد جدا تتفاعل في داخله المشاعر والأفكار والأحلام والعواطف ویرید أن یخرجها للوجود تعبیراً لغویا یتمثّل ذلك كلّه ، ولكنه یفاجأ بمحدودیة أدواتها وطاقتها اللفظیة فتضطر اللغة إلى التمسك بالخیال محاولة لاستمداد القوة منه لتستطیع تحمّل العبء التعبیري الثقیل الذي یحمّلها إیاه الإنسان([1]) ، فوسيلة الانتقال عبر الزمن كثيرًا ما تشغل بال الإنسان وخياله في عبور آفاق الزمن على أجنحة التأمل الممزوج بالتطورات والمكتسبات العلمية ، وأحيانًا تكون التصورات قريبة على الواقع الإنساني ، كتصوّرات المعوزين لحاجات لم يمتلكها إلّا الأغنياء ، وتصورات أخرى تخصّ العدل والحياة لم تسكن الواقع إلّا مرة أو مرتين مثل المدينة الفاضلة ، التي تعد ضربًا من ضروب الخيال السياسي لم يتحقّق قط في أي عصر مضى ، لكن ربما سيأتي يوم ونرى الانتقال عبر الزمن ، وفي المدينة الفاضلة بالذات ، والتي حلم بها الفارابي ، و قد يتحقق حلمه فعلًا ، حين تتوفّر ظروف هذا الحلم في الواقع ، كما توفّرت ظروف من سبقه من الأحلام الخيالية التي أصبحت واقعًا ملموسًا…. “

المراجع والمصادر

1 – محمد ويس، الانزياح من خلال الدراسات الأسلوبية، المؤسسة الجامعية للدراسات، 2005، ص 82.
2 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي وعبير يحيي الخالدي
3 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
4 – ) باب المساواة في الإرث / ا بن الأزرق الأنجري / هسبريس 7 / 2 / 2019 .
5 – ويكليبيديا
6 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
7 – حني، عبد اللطيف- شعرية الانزياح وبلاغة الإدهاش في الخطاب الشعري الشعبي الجزائري، ص 23
8 – بخولة بن الدين- الانزياح الدلالي وأثره في تطور اللغة، جامعة حسيبة بن علي الجزائر، ص 81 و 82
9 – قراءة نقدية / عبدالعزيز حنان
10 – السد، نور الدين، 1997- الأسلوبية وتحليل الخطاب، ج1/ الجزائر، دار هومة، ص179.
11 – إسماعيل شكري، نقد مفهوم الانزياح، مجلة فكر ونقد، العدد 23، نونبر 1999.
12 – عبدالسلام المسدي، الأسلوب والأسلوبية، الدار العربية للكتاب، ط3، 103.
13 – ( كتاب فلسفة الخيال / د. رحيم الساعدي، استاذ الفلسفة الاسلامية المساعد في كلية الآداب ـ الجامعة المستنصرية ص : 83
14 – محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي
15 – دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
16- الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي

قراءة نقدية : سعيد فرحاوي / محمد الطايع يعلمنا ترتيب ذواتنا من داخل الكتابة

محمد الطايع يعلمنا ترتيب ذواتنا من داخل الكتابة.
كلما قرات لهذا القاص إلا وتساءلت حول اشكال الخطاب وتيمة المحو في كتابة تناقش القبح بصيغة الجمال.
محمد الطايع رجل ينطبق عليه في هذا النص؛ ماكان يعرفه الشاعر قديما/ في الزمن الجاهلي؛ كانت القبائل تتسابق لتقدم الهدابا لقببلة أخرى انبزغ فيها شاعر جديد؛ مما يجعل الجميع يتسابقون سعيا الرضا ؛ وخوفا من عاصفة الهجاء. .
لهذا احذروا قلق الطايع؛ لانه يتفنن في اسلوب القذف؛ كما يحسن فن العتاب بطريقة تعتمد كل اساليب الهجاء..
احذروه…
والمرجوا منكم التقرب منه؛ لتجاوز قلقه.
إنه غريب المزاج إن انقلب ظنه.

يقول في قصة تتفن في خاصية الوصف؛ لتزين القبح؛ وتدافع عن شرط الاشكال المتعفنة؛ في علاقتها بذوات تعلوا في نسبم الحب لترسم الوان الحياة..
الخطاب هو رسالة؛ ينقل فيها السارد موضوعا اساسه قطبين متنافرين في كل شيء؛ حدد سماتهما بتناقض في قمة عنفه. منذ العنوان ؛ بصفته عتبة استهل بها رسالته؛ تتحدد مستويات هذا العنف؛ من جهة هو رجل وسخ؛ اما هي حددها بكونها سيدة نظيفة؛ فيبدأ التنافر محددا في مجالين:
هي—- – – – هو
المرأة— الرجل
نظيفة— وسخ.. في رسالة لاعرف فيها السارد الا ماتقوله له الشخصية/المتسخة ؛ بمؤشرات بنائية ونصية كثيرة يحدد خروجه من مجال معرفة المعلومة؛ منها:
نزولا عند طلب اخد الاصدقاء.. اكتب لك هذا النص .
صدعي يدعي انكما كنتما على علاقة..
ومع ذلك يقول….
قال صديقي…
ومن غريب مااخبرني به.
هي كلها معلومات تحيل على ان السارد لايلتقط المعلومة الا من فم المتكلم عنه/ الشخصية؛، مما جعل منها عناصر نصية مهمة تفيد ان السارد هو خارج الفكرة؛ كما انه محايد؛ مما ابعده ان يكون الراوي الاله الذي يعرف كل شيء؛ وهي علامات ستجعلنا امام نص قصصي حديث.
بعد هذا المعطى الفني الذي اشتغل عليه محمد الطايع في خطاب قصته؛ يعود ليصبح النص برمته مبني على خاصية التناقض؛ مرة يقول انها هي محددة بكل ماله علاقة بالنظافة والنخوة والجمال؛ في حين هو وضعه في الحيز النقيض؛، لتبنى كتابته على محور التضاد والتعارض بين مجالين حياتين؛ يحضر فيهما الاختلاف من خلال اسلوب اختيار كل واحد شكلا ما في تحديد مجال اختياراته التي لاتتلاقى و لاتتشابه؛ مع ذلك حاولت الشخصية ان تزيلها عندما اعلنت ان الاخرى تجمعها به صلة غرام وعشق؛ وهو مازاد من عمق هذا العنف والتنافر؛ الى درجة الانتحار الطبقي والتافر الاجتماعي الذي سيغيب المنطق ويمحي عنصر العقل والتطور المنطقي في بناء الدلالة؛ الذي سيدفعنا نشك في كل شيء. .
يمكننا اختزال تطور مستويات السرد في قصة محمد الطايع في الخطاطة التالية:
قصة تبنى على خطاطة التضاد بين شخصيتين مختلفتين. اعتمد على اسلوب المعلومة التي يستمدها السارد من الشخصية؛ وهي خاصية تجعل من القصة حديثة. القصة هي رسالة؛ يكتبها السارد للشخصية الثانية؛ اي المراة؛ منا سيجعل منه طرفا في احداث القصة؛ وسيتحول من سارد الى فاعل في تيمات القصة؛ ويصبح بذلك السارد الشخصية؛ من جهة هو يسرد ومن جهة اخرى يؤدي فعلا تيماتيكيا على مستوى السوسيوثقافي . وهي كلها تحولات تضفي دينامية جميلة في بناء الحكي وتمفصل كل مجالات تشكله.

من رجل وسخ الى سيدة نظيفة ..

سيدتي ، نزولا عند طلب أحد الأصدقاء ، أكتب لك هذا النص والذي لايمت بصلة إلي ، وذاك أن صديقي يدعي أنكما كنتما على علاقة ، ولا أصدق ذلك ، فأنت ماشاء الله سيدة راقية ، أنيقة ومن طبقة اجتماعية محترمة ، وهو ليس سوى واحد من الرعاع ، المهم لست أدري ما الذي حدث بينكما تحديدا ، لكن الرجل قال أنه يحب كتاباتي ، ولأنه لايجيد الكتابة ، فقد أصر على أن أخبرك هكذا و دون مقدمات ، أنه قبل انتشار الوباء العالمي لم يكن يغسل وجهه إلا مرة في الأسبوع ، أما طريقة الغسل الشرعية التي يعتمدها المسلمون لإزالة الجنابة ، فإنه لم يجربها منذ سبع وعشرين عاما ، أي منذ كان يصلي ، وبالنسبة للمعطف ، فإنه يشتري واحدا كل ثلاث سنوات ولا يخلعه إلا بعدما يشتري آخر ، المايوهات والفانيلات والجوارب يلبسها شهرا كاملا ، فلا يخلعها إلا أراد الاستحمام ، ثم يعود ويلبسها ، وفي أول الشهر الموالي حين يشتري أخرى ، يرمي السابقة في القمامة ، والدليل أنه حين كان يسافر لم تكوني لترينه يحمل حقيبة ..

ومع ذلك ( يقول ) أنك لم تشمي أية رائحة كريهة تنبعث منه ، يا سبحان الله ، لاينقصه الا ادعاء النبوءة ، قال لي : ذكرها باللحظات التي كانت تحتضنني خلالها عند لقاءاتنا العابرة ، واسألها هل لاحظت بأني يمكن أن أسبب كراهة ؟ ! حتى أنها كادت تبكي من فرط رغبتها في الالتصاق بي عاما كاملا ، ثم أضاف قائلا : أن رائحة عرقه طيبة مثل رائحة التراب حين تبلله أولى قطرات المطر ، وأن إحدى بائعات الهوى الجميلات قال أنها قالت : أن رائحة عرقه مثيرة مثل عطر رجولي نادر ..

قال صديقي المخبول وهذا أمر لا أستبعده : أنه في جل أيامه السابقة قبل واقعة الوباء كان يكتفي بوجبة ( بيصارة ) في أي مطعم شعبي من أحياء طنجة كلما غلبه الجوع ، وحتى إن صادف وأكل طعاما شهيا فهو في العادة يكتفي بصنف واحد ، لايمكنه إطلاقا أن يغرف لقمته من صحنين في نفس الوقت ، وإذا حدث وسقطت قطعة خبز من يده على أرضية المطعم التي تعاقبت عليها أحذية العمال البؤساء ، يلتقطها ويأكلها دون أن يشعر بأي نفور ، هذا و كم صادف حاجته لشرب الماء ، أن درويشا قد سبقه إلى الكوب ، حيث لامفر من رؤية مخاط أنف المشرد و شعر لحيته و لعابه قد امتزجوا بالماء ، فكان يشرب من بعده مباشرة من نفس الآنية وأحيانا ينسى البسملة ..

أما الكأس الوحيدة التي كانت توجد فوق مائدته الوسخة في بيته الشبيه بالقبو ، فإنه لم يكن يغسلها إطلاقا وقد يصب فيها اليوم شايا وفي غد قهوة وفي اليوم الذي يليه حليبا ، وذاك أنه ظل يعتقد أن السوائل الجديدة تغسل بقايا السوائل السابقة وهكذا ، وتلك المقلاة التي يعد فيها البيض وبعض الوجبات الخفيفة ، لاتلامس الماء الا بمعدل مرة في السنة ، كما أنه لا ينفض الغبار عن فراشه ، وأحيانا ينام عليه دون أن يخلع حذائه ، هذا وكان طوال سنوات عمله في الميناء يحمل روث الكلاب بيديه العاريتين ، وينظف جحورها برؤوس اصابعه المجردة ، وكثيرا ما أكل مع الكلب من نفس الوعاء ..

ومن غريب ما أخبرني به وأصر على أن أنقله إليك رغم اعتراضي الشديد ، أنه حين يغلبه النوم لا يحتاج في العادة إلى سرير ، يكفي أن يغمض عينيه ثم يقف في مكانه طوال الليل حتى الصباح دون أن يستند ولو إلى جدار ، وقد لا ينام ثلاثة ليال متتالية ، وحين سألته ما الغاية من كل هذا ؟ ولماذا تريد إخبارها به ؟ قال أنه كان يتمنى من أعماق قلبه الطيب أن يمارس معك الجنس ليلة كاملة ، لكي تتأكدي أن الفحولة ليست في حاجة إلى أطعمة باهضة الثمن ، وأن الرجل حين يبلغ الاربعين لايتحول إلى خنثى ، أخبرني مع لمعة أسى وحزن في عينيه أنه كان يتخيلك معه فيستثار ويطلب من الله أن يمنحنه فرصة مضاجعتك على نهج السنة الكريمة ، حيث ستتأكدين بنفسك أنه ليس ذلك البدائي الذي يقع على امرأته كما تقع ذكور البهائم على إناثها ، وذاك أنه برغم شكل حياته البوهيمي رجل رقيق الإحساس ، رومانسي ويعرف ما الذي تحبه النساء في الرجال وما الذي تبحث عنه الرغبة المؤنثة في الجسد الذكوري ، وهو يخبرني بكل هذا أدركت أن الرجل أحمق بشكل رسمي ، لكن ومن باب الأمانة وحفاظا على الوعد الذي قطعته له ، ها أنذا أنقل لكم كلامه كما فاه به واجري وأجركم على الله ..

المهم سيدتي ، وفي ختام هذه الرسالة الحمقاء ، اقول نزولا عند رغبته ، أنه بعد زوال غمة الوباء إن شاء الله ، يتمنى أن يكون قد تعلم الكثير عن النظافة ، قال أخبرها ، أنني إذا قدر الله ونجوت من خطر التعرض للفيروس ، سوف اكون شخصا آخر ، كيف ذلك سيدتي ؟ سألته فأكد لي أنه ومنذ فرض الحجر الصحي ، أصبح يغتسل مرة في اليوم ، ويتناول أطعمة شهية مختلفة ، هذا وقد تخلص من جميع ملابسه الرثة وابتاع أخرى جديدة ، كما قام بتغيير محل سكنه الوضيع ، و للإشارة هذا المسكن الجديد بالغ النظافة و معطر ، كما أن اواني المطبخ معقمة وعلب التوابل و الفواكه والخضر محفوظة في ركن امين بعيد عن الغبار والبلل ..

لم يكتف صاحبنا بالحديث عن حلق وجهه كل صباح ، فلقد أضاف أنه تطوع أخيرا وقام بحلق شعر عانته وإبطيه ، ثم اغتسل على الطريقة الشرعية ، وصلى لربه لأول مرة منذ سنوات طويلة ..

لست أدري سيدتي ، لم أفهم الغاية من وراء ثرثرته هذه وحديثه عن نفسه ، لكنني شردت بذهني طويلا ربما لأني تأثرت بكلامه حين قال : أخبرها أنني في الماضي كنت أخاف كثيرا من الموت ، وأنا على تلك الحالة التي لاتختلف عن حالة الكلب ، كنت أخاف من لقاء ربي دون صلاة ، وأخجل لمجرد التفكير في الشخص الذي سيقوم بغسلي قبل الدفن وهو يطلع على قذارتي الجسدية ، الآن أنا مرتاح جدا ، أعتقد أن هذا الوباء إن لم يتركني لأحيا ، فإنه على الاقل منحني فرصة طيبة لكي أموت نظيفا ..

انتهى كلام صديقي ، والآن ، أقول سيدتي ، ألف شكر لك على تكبدك عناء قراءة هذا النص ، والذي لايمت إلي بصلة كما أخبرتك في بدايته ، أرجو أنك لست ممن يقومون بإسقاط أي نص يقرؤونه على شخص كاتبه ، لأنني أنا محمد الطايع كما تعرفين ، كنت نظيفا جدا ومنذ البداية ، والحمد لله ، هؤلاء نحن معشر عشاق الكتابة ، يحدث أحيانا وبتواضع منا أن نعير أقلامنا ، للذين يخجلون من الحديث عن أنفسهم مباشرة ، تحياتي لك .. ايتها المحترمة ..

دراسة تحليلية موجزة في نص الشاعر ” حاج أمحمد ” / بقلم : باسم الفضلي العراقي

دراسة تحليلية موجزة في نص الشاعر المغربي ” حاج محمد “

النص :

عشقت ذنبي ..
من خبث أيمانكم ..
ساسكر بغيضي..
واذبح وقتي ..
على قداسكم..
وانام بجنون ..
على محراب جهلي ..!!
……………..

الدراسة :

بنية فضاءالنص اللغوي تتكئ على ركنين :
الاول ـ دلالي عالي التكثيف ، متمظهراً في الاقتضاب ،عدم الترهل (( عشقت ذنبي .. انام بجنون ، …/ محراب جهلي ))،الازاحات ،الايحائة العالية (( خبث ايمانكم /ساسكر بغيضي /اذبح وقتي ،…)) ،
الثاني ـ شكلي ،يُهَيكلُهُ قِصَر الجمل ( اشارتان لمعظمها ) ، التنقيط ( للتدليل على وجود مسكوت عنه /مضمر) ، مما خلق ايقاعاً بصرياً منسجماً مع تكثيفية دلالات الركن الاول اعلاه، مع ما خلقته تتابعية اصوات حروف نهايات المقاطع ( الياء بمدها اصوات الحروف قبلها ، والميم) من ايقاع صوتي متلازم مع دلالة اشاراتها كما يلي :
ـ ذنبي ـــ مد اطلاق الشعور بالذنب وهو شعور بالأسى يحتاج لإعلاء صوت الشكوى منه
ـ غيضي ـــ ذات القصد السابق فالغيض مايحتدم في الدواخل من مشاعر الاحتجاج يُحتاج معها اطلاقها صوتياً للتخفيف عنها
ـ وقتي ـــ فبالرجوع الى مسنده ( اذبح) ، تغدو هذه الاشارة دالة على مايبعث على التوجع، وهنا يسري عليها حكم الاشارتين السابقتين
ـ جهلي ـــ سياقياً لهذه الاشارة معنى مضمر يدل على الاعتراض وهو شعور يدعو لاطلاق الصوت
ـ ايمانكم / قداسكم ـــ صوت الميم يبعث في النفس مشاعر الحزن والهم والالم وهي منسجمة مع مايمور في اعماق الكاتب من مشاعر الرفض والاعتراض + صوت النون في (جنون) فله ذات الاثر النفسي

ماسبق تفكيكه اعلاه يخص ظاهر النص وشكله، وما خلصت اليه ان فضاءه اللغوي يدخل القارئ في اجواء واقع متناقض المعاني متضاد المفاهيم ، فسياق النص ذو اسلوب يوحي ( بالروحانية ) لإكتظاظ بنيته التعبيرية بالاشارات الدينية (ذنبي .. أيمانكم .. قداسكم..محراب ) ، لكنها اشارات تتجاوز دلالاتها لتخلخل فهم القارئ ، وذلك لتضايفها مع نفيضها :
ـ عشقت ذنبي ـــ فالذنب مقرون بالاثم والغضب الرباني ومن حقه ان يُكره
ـ خبث ايمانكم ـــ فالايمان مبعث الصدق والنقاء
ـ سأسكر ـــ السكر من المحرمات
ـ اذبح وقتي ـــ قتل الوقت من الموبقات فحق الوقت ان يمضيه المؤمن بالعبادة وماينفع الناس ويعمر الحياة
ـ انام بجنون ـــ الجنون مما يلغي العقل ،ولا ايمان بلا عقل، لاسيما حين يقرن بالعزوف عن الصحو ( انام)
ـ محراب جهلي ـــ الجهل : لامعرفة وافتقاد لاسباب العلم الذي يعد من اولى اسباب معرفة الله ومن حقه ان يُحارب لا ان يُعبد ( محراب )،
نحن اذاً في اجواء عالم مزيف ، انقلبت فيه الموازين ، وامّسخت مدلالات الدوال،وماعادت الاشياء تفصح عن حقيقتها، وهذا مايحملنا على البحث عن السبب ، باستحضار المقطع ( خبث ايمانكم )المسبوق بالحرف ( من )المتضمن معنى السببية ، فيكون سبب عشق الكاتب ذنبه خبث ولا صدقية اولئك المقصودين بالضمير المتصل / كم ،وبالتالي فهم السبب في سائر انقلاب المفاهيم وامسّاخ المعاني المار ذكرها ، فمن هم ؟ .
من يكون لهم هذا الاثر السالب لمعاني الفضيلة والمشوّه لحقيقة الاشياء ، لابد ان يمتلك من اسباب القوة ما يتيح له هذا الفعل ، ومن اقوى من مدعي الايمان المؤسساتيين ؟
بذا كان الكاتب في غاية التوفيق في اختياره ادواته التعبيرية كي يرسل رسالته الخطابية بأقل اشارة ، واوجز عبارة ، واكثف دلالة ، فكان نصاً متقن الصنعة .
تحياتي / باسم الفضلي العراقي

بقلم : عبدالعالي الحسني

ما اتعسني وانا تحت المطر
التحف الشجر
السماء مذرار
احرس شياها و بقر
ما اتعسني تحت المطر
ساعات ما فتر
كان هذا قدر
في الصغار
كنت ارعى غنما وبقر
ابتل ثوبي
من كثرة المطر
وجسمي بالماء عمر
حتى صرت ثقيل الخطى
اقع بين الجداول والحفر
والجو ماهدا ولا الماء فتر
حتى اسناني اسطكت
ترتعد كخيوط وتر
هذا ماجناه علي البقر
اما الغنم لم يعد لها اثر
فالذئب بي غدر
حين احتميت بالشجر
رحت ابكي بوجه اصفر
من العقاب المنتظر
فَوَلْوَلتْ امي وَوَلْوَلَتْ
حين رات سوى البقر
واسرعت بلهفة
تتفحص جسما بالخوف اندثر
فتمتمت بدعاء
حمدالله جسمك ولا ضرر
واتى الاب مبتسما
لقد ابليت امام شدة المطر
لاتحزن لا مفر من قدر
عبد العالي الحسني

بقلم : عبدالجبار الفياض

امرأة من جديس *

عاشقة
تمورُ بغيرِ ما ترتّلُهُ أذوناتُ كهنةٍ يمضغون سَجَعَاً تحتَ مُنعرجاتِ بخورِ الصّندل . . .
ودّتْ لو أنّها قبلَ هذا
كانتْ نسيّاً على هامشٍ
لا يُقرأ . . .
ما لبستْ شفيفاً
باحَ بأسرارِ ما أخفتْهُ أوراقُ توتِها الذي قد يحدُّ من فسقِهِ خيْطَ استحياء . . .
حينَ يَحزَنُ القمر
يذوبُ السّكّرُ ملحاً في سبخِ الأرض . . .
يفقدُ الجّوريُّ أحمرَهُ في خدودِ الخجَل . . .
بارداً
يبيتُ كُلُّ شئ !
. . . . .
فاضتْ بصفائِهِ خلايا . . .
قيلَ لهُ كُنْ
فكانَ سحراً في إناءٍ أنسيّ . . .
كُراتٍ
تشقُّ شرنقةَ الدّهشة
لم تنلْ منها إلآ مرآةٌ وقحةٌ في لُجةِ عُريّ . . .
لوزٌ هنديّ
ينشطرُ صحنَ كرزٍ
تهفو إليهِ مناقيرُ طير . . .
كيفَ لهذا الذي تضيقُ بهِ أبجديّةُ الحُسنِ
أنْ يستعبدَهُ ظلامٌ معتوه ؟
تحفّهُ أنوفٌ
تُسكرُها مباخرُ احتراق . . .
ما لهذا دَنتْ في بستانِها الثّمار !
. . . . .
يمامةُ
أيّتُها العيْناء
يا نصفَ أيّامِ صِباي . . .
دعي الظّلامَ يحترق . . .
استشرفي مساحاتِ العشقِ
بثاقبِ ما تريْن . . .
فالقومُ
يستكثرون أنّ امراةً
تعلّمُهم خفايا مايجهلون . . .
الوقْعُ
عندَهم للسّيفِ لا لحَدسِ انثى تكتحل . . .
نسوا
أنَّ نظرةً منها قدْ تُغرقُ مقامَ عرشٍ بمالكِه !
تُعيدُ خارطةَ سطوتِهِ لأضافرَ
تحكُّ جلدتَهُ فقطْ . . .
بعدَها يتعلّم
كيفَ يكونُ الأسودُ لوناً للخُيلاء . . .
. . . . .
ايّتُها الآلهة
انزعي من طَسمَ هذا الغِلّ
فما كانَ القلبُ غيرَهُ في آخر !
اللّيلُ ليل . . .
النّهارُ نهار . . .
لكنّّهما في لحظةٍ
يعتنقان . . .
أيُرضيكِ أنْ يُسجرَ نزاعُ الدّنيا بحطبٍ من عشق ؟
ساعديني
فأنا امرأةٌ
توشكُ ألآ تكون . . .
لا جملَ لي في حرب
لا ناقةَ لي في تجارة . . .
أنا هي امرأةٌ
أحبتْ . . .
إيّايَ يُحب . . .
لهم كُلُّ ما يملكون
ولهُ من هذا
أنا !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
أيلول / 2020

  • جديس وطسم قبيلتان من العرب عاشوا في الألف الأول قبل الميلاد. وهم من سكان جزيرة العرب القدماء كالعماليق وعاد وثمود، الذين كانت لهم حضارات عظيمة في وسط شبة الجزيرة . وكانت الغلبة لطمسم ولن تمسح أن يتزوج طسمي من جديسية.
    وبينهم زرقاء اليمامة من جديس وقصتها معروفة.

دراسة تحليلية في ق . ق .” بداخل كفي / لحسين الباز / الدراسة بقلم : باسم الفض

( البنية القصدية لسريلة النص السردي )

دراسة تحليلية في ق. ق. ” بداخل كفي “

للاديب المغربي ” حسين الباز “

النص القصصي :


..رمقت كفي لأقرأ حظي، قيل إن مالك خط متصل زهري، ماالخطوط سوى بصمات.. أقول!

حين أخذت كفي تتمدد وتتمدد حتى بلعتني.

..بداخلها وجدت حظي ينتظرني، أمسك بي ورافقني إلى قصوره، كل قصر به شرفات،كل شرفة بها أبواب، كل باب بها نوافذ، كل نافذة تطل منها امرأة،

وكل امرأة فيها حبيبات، وكل حبيبة فيها مدن، وكل مدينة فيها شوارع، وكل شارع فيه أرصفة، وكل

رصيف فيه أناس… وكل فرد هو أنا..رأيتني شعبا يمشي، يتسوق، يعمل، يتعب، يفرح، يحزن، يعيش، يموت…

وقبورا تعد لي، ومآتم تنصب، فكفنتني، ودفنتني، وصليت علي الجنازة، وخلفتني لأكمل المشوار وتناسيتني، وكلما مت أقمت علي طقوس الوداع…

وهكذا أستمر.!

_ ياه.!قلت.. كم أنا محظوظ!

..تهت الطريق، وكفي مرشدي لا يزال يعصرني، طرقات تحوي أزقة، كل زقاق يبتلع المارة، يضج بالباعة، وأنا مفرد بكلي، أسكن جميع الديار، أجلس في المقاهي، وأعمر المساجد، وأشتغل موظفا وبائعا وفلاحا وفرانا وناذلا، وبرلمانيا ورئيسا، و…!

ألج السينما، أتفرجني، السيناريو أنا كاتبه، والمخرج والمنتج والأبطال، حتى بائع التذاكر هو أنا، أجري وأجري.. البرد قارس، الحر ساخن، وأنا أجري!

ثرت وانقلبت، حكمتني، قتلتني، سجنتني، ولا أنتهي!

يا لحظي..!

..لا أود الخروج من كفي،الشمس تحرقني، والقمر يطفئني، النهار ينشرني والليل يلبسني…

وأنا نائم!!

………………………………………..

توطئة :

(واقع ما فوق الواقع ) وهذا هو المعنى الحرفي لكلمة سريالية باللغات الأجنبية. إنه

( فواقع ) مرسوم في افاق الخيال بفرشاة الحلم والتوترات النفسية الدفيتة في اعماق اللاواعي (الوعي الباطني )، و تعبر عنه ادبياً ، لغة تلقائية منعتقة من قيود العقل الواعي ومنطقية قياساته ، القامعة لكل نزعة ذاتية بالبوح الحر عما يجول في خاطرها ( اعني تلك الذات ) من مشاعر ورغبات بحجة خروجها على حدود قياساته انفة الذكر . مما يمكن مقاربة دلالاتهما التضادية بهذا التقابل :

شمولية سلطة العقل / رحابة تحررية المتخيل

وقد تمظهر هذا التقابل الصراعي بجدلية ( الانا / الآخر ) في العديد من الآثار الانسانية الابداعية (الفن ادبية) ، وباساليب تعبيرية متنوعة ، ومن هذا التمظهر التقابل بين الذات النازعة للحرية وتأكيد معناها الوجودي ، وبين واقعها الجمعي المستلب من قبل الآخر المؤسساتي السلطوي الشمولي ، يصادر انسانيتها ، يراقب افكارها الدفينة ، ويرصد مشاعرها المكبونة ، قامعا منها ماقد يتمرد على امتثالها وتبعيتها لمشيئته القاهرة،

و الحركة السريالية من اكثر الحركات الثقافية مابعد الحداثوية التي عالجت هذه الجدلية التقابلية في نتاجاتها الادبية داعية الى اطلاق العنان للخيال ليعبر بتلقائية عما في أختزن في اعماق الذات الداخلية ، من مشاعر ورغبات واحلام قمعها ( الآخر ) ، وتحرير الطاقات الدفينة الكامنة فيه، والانعتاق من سطوة العقل وقيود احكامه المنطقية .و ماقبلية الضوابط والقياسات الجمالية و الأخلاقية الجمعية، وهي هنا انما استهدفت جانبه الموظف من قبل ذلك الآخر في تدعيم اركانه المؤسساتية المؤدلجة سياسياً ودينياً وثقافيا ، ( اي جانبه السلبي المصادر لحرية وانسانية الانسان )، بمعنى انها جعلته مكافئاً موضوعياً لذلك الاخر ، فهي قد اقرت بوجود ( عقل باطني ) كما اسلفت ، ودعت لنشدان ميتا واقع الحلم و الرغبات الدفينة في اللاواعي .ليكون البديل المقابل للواقع الاخروي الحائل دون تحقيق الانسان لذاته .

وثيمة قصتنا ، موضوع دراستي هذه ، تعالج تلك الجدلية باسلوبية سردية مراوغة ، فهي تبدو لمن يمر عليها على عجالة ، مسريلة اللغة والعرض ، فلاعقلانية ترابطية بين اشاراتها ، جملها ، و عباراتها ،ولا قصدية حدثية لفكرتها ، ولا تسلسلية زمانية احداثها الفرعيةً ، لكن قراءتها المتأنٍية ، و دراستها تحليلياً ، تكشفان حقيقة فكرتها المسكوت عنها ، وما يضمره خطابها من رسائل مشفرة ، وماتستره لغتها من معانٍ تحتانية ، وكل هذا يشكل سمات غائية واعية تتعارض مع مفهوم الادب السريالي اللاواعي التعبير ، الخيالي العوالم ، المنغلق والمحايث اللغة ، اللاتواصلي الخطاب ، فما غاية الكاتب من هذه السريلة القناع لقصته ؟ وماهي تلك الرسائل الخطابية التي يبعثها والى من ؟ ستشتغل دراستي على الوصول الى مقاربات اجاباتية عن هذه الاسئلة ، مع تحديد تمفصلاتها / تباعديتها ، مع وعن اللغة السريالية ،

اولاً ـ بنية عتبة العنوان

ـ البنية النحوية :

جملة العنوان الاسمية ، مزاحة تركيباً بحذف المبتدأ / وهو جائز لإفادة التأكيد.

ـ البنية الدلالية:

الاشارة ( كف )، بالاحالة على مطلع متن القصة (( رمقت كفي لأقرأ حظي )) يتولد لها معنى مقامي السياق / خارجي : الموروث الاجتماعي / قراءة الكف ، وهي من اعمال الشعوذة بقصد التنبؤ بالمستقبل وما تخبؤه الاقدار لصاحب الكف من حظوظ ، وهذا تعارض مع تجردية اللغة الادبية السريالية وانغلاقيتها .

العنوان بعد التعرف على تحتانيته الدلالية، قدم لنا مفتاحية القصة وهيأ وعي القارئ للدخول في عالم قصة عجائبية

سيمائية لغة وعناصر السرد :

تتمفصل لغة القصة في ظاهرها مع اللغة الادبية السريالية في انها تكسر علاقة الدال بمدلوله كما في (( كفنتني ، دفنتني ، صليت عليّ ، خلقتني ، حكمتني ، سجنتني … ))، مفرغة من اي معنى مألوف ،وهي عجائبية الوصف والصور (( كفي تتمدد وتتمدد حتى بلعتني / وكل حبيبة فيها مدن / رأيتني شعباً … / كلما متُّ أقمت عليّ طقوس الوداع ….))،/ ، ونجد طغيان الاشارت المتخيلة / تتمدد ، بلعتني ، فيها مدن،كفنتني، دفنتني، خلفتني ، حكمتني، قتلتني، سجنتني …

على الاشارات الواقعية / كفي ، حبيبة . مدن ، شوارع ، مساجد الشمس تحرقني …

كما انها لغة مكتظة بالاشارات المنطوية على مفارقات ساخرة متهكمة ((ثرت ،انقلبت، حكمتني، قتلتني، سجنتني ، اتفرجني …)،

اما النسق الحدثي فهو تضميني ، يدخل حدثاً فرعياً في اخر قبل اكتمال صيرورته وكاسر لتسلسله الزمني ، فبعد ان يذكر القاص مثلاً (( وكلما مت أقمت علي طقوس الوداع…وهكذا أستمر.! ))، ويحمل القارئ على توقع استمرارية هذا الحدث الثانوي في زمن قريب ، كما مهد لذلك بالاشارة الحالية الفعل / استمر ، نجده ينتقل الى حدث ثانوي اخر وقع في زمن مضى ((..تهت الطريق ))، وهذا بدوره متضاد الدلالةً مع مابعده (( وكفي مرشدي )) في ( تهت / مرشدي ) مما يزيد من تصدع حبكة الحدث القصصي ، وتشظي فكرته .

والفضاء المكاني ميتافيزيقي ، تخيّلي ، لاعقلاني ، فالقصور ، المدن ،الشوارع ، الارصفة ، اماكن غير محددة الملامح ، بلا وصف خارجي يقارب موضعتها سوسيولوجياً .

كما لاوصف داخلي يحدد ملامح الصراع النفسي لبطل القصة الذي يمثله الراوي بضمير المتكلم بانواعه المنفصلة والمتصلة ، الظاهرة والغائبة ( انا ، تاء الفاعل ، ياء المفعولية واخرى متضايفة ) مما يجعله غير محايداً في روايته ، والكاتب وظف هذا الضمير في مستويين صوتيين كما سيتضح لاحقاً

والقاص التزم بالخصيصة السريالية في جعل تشظي البنية السردية تخدم

عجائبية الدلالات والمعاني ، لتشكل واقعاً لامعقولاًً يمنح القارئ الدهشة والجنوح بخياله لتصور عالم بلا حقائق (( الج السينما، أتفرجني، السيناريو أنا كاتبه، والمخرج والمنتج والأبطال، حتى بائع التذاكر هو أنا )) ، مشوّه المعاني ، ويحمله على البحث عن المغزى من كل هذا الهذيان .

فيما عدا هذا تبدو اللغة السردية لاتواصلية / لاخطابية ( لا مرسل / لارسالة / لامرسل اليه ) ،

لكن ما ضمنه الكاتب اشاراته الغرائبية من مقاصدً مخبوءة تحتانياً ، ينفي عنها سياقها الهذياني اللاواعي / يميط عنها قناعها المسريل ، ويكشف عن حقيقتها القصدية المشفرة الدلالات ،لاتكائها على الازاحتين الدلالية والتركيبة ، وان تمفصلها مع السريلة انما كان بقصد اخفاء رسائلها الخطابية عن عين الرقيب السلطوي وهذا ما سيظهره تفكيك الاشارات السابقة :

( ثرت وانقلبت، حكمتني، قتلتني، سجنتني، ولا أنتهي! ) فدلالاتها التحتانية متضامة تضادياً في سياق توليدي تعاقبي ، فكل اشارة تولِّد مقابلها الذي تليها ، مما يخرجها عن لاقصديتها وهذيانية اتساقها ، ويحيلها الى سياق الفعل الثوري الشعاراتي، ضمير المتكلم موظَّف هنا للتدليل على من قام بفعل الثورة ( وكذلك الافعال التالية له ) وهو مستوى مغاير للمتكلم الراوية ، فالكاتب استفاد مما اتاحته له لاعقلانية اللغة السريالية من قفز فوق منطقية الدلالات ، فأحل ضمير المفرد المتكلم ( تاء الفاعل ) بدل الضمير ( واو الجمع ) فحقيقة الفعل / ثاروا ، انقلبوا …الخ وذلك بقصد التمويه واخفاء حقيقة المعنى عن الرقيب ايضاً كما يلي :

ـ ثرت : فعل تغيير جذري للواقع نحو الافضل ً ، متضام مع ضديده / انقلبت : فعل تغيير الواقع شكليا ،اي ابدال وجوه الحكام المثار ضدهم فقط ، والإبقاء على شمولية سلطتهم في الواقع ) ،

ـ الواو التي عاطفت بين ثرت و انقلبت : اعطت دلالة نسقية تتابعية بمعنى ان الثورة والانقلاب هما فعلان متتابعان على نسق واحد، والافعال التي تلت كانت مقطوعة العطف ( الغطف المختزل بحذف حرفه ) للتدليل على ان هذه الافعال هي معطوفة بذاتها على (الانقلاب ) كونها من نتائجه المباشرة

هنا الكاتب ( دسَّ ) هذا الحرف العاطف ( الواو ) ، كمفتاح دلالي مكمل لمفتاح العنوان ، ليشير الى قصدية نصه السردي ، بكيفية تعبيرية مخادعة ومضللة للرقيب.

المقاربة الدلالية : الثورة الزائفة / الشعاراتية ،

ـ حكمت : بالاحالة على / ثرت ، يقتضي ان يكون الحكم عادلاً وفق القياس المنطقي : الصفة الكلية توازي بالتشابه الصفة الجزئية

فلما كان الفعل الثوري يتصف بأنه مغيّرايجابي كلي /اي لجميع جوانب الحياة، فصفته هذه تشمل الجزئي وهو نظام الحكم فيقتضي هنا ان يكون حكماً عادلاً

ولما كانت الثورة شعاراتية ، جاءت صفتها الكلية زائفة ايضاً

فاتصف الجزئي / الحكم ، بالجور والبطش مما ولَّد الاشارتين التاليتين له :

ـ قتلتُ و سجنت : اعدام المعارضين واعتقالهم.

ِ~الاشارات ((كفنتني، دفنتني، صليت علي الجنازة) مقامية السياق تحيل خارجياً الى سياق العادات والتقاليد الاجتماعية العربية الاسلامية /الطقوس الدينية الخاصة بالتكفين والدفن والصلاة على الميت .

هنا الكاتب يخرق بوضوح ما دعت اليه السريالية في بيانها التأسيسي بالتخلص واقصاء الضوابط والعادات السلوكية والاعراف الجمعية والتعاليم الدينية ، وعمل على ( موضعة ) قصته ( عربياً ) مما يجعلنا نحيل الى هذه الموضعة تلك التقابلات سالفة الذكر .

~ الاشارتان المتعاطفتان (خلفتني ….،و تناسيتني ):

.خلقتني : بالاحالة على شعاراتية الثورة ، تسكت عن دلالة تأليه المخلوق / الحاكم ، ورفعه الى مرتبة الخالق ، وهذه الاشارة مولدة للاشارة ( الحاكم الثيوقراطي / ظل الله في الارض ) .

. نسيتني : دلالة على نسيان ذلك الحاكم وعوده الوردية لأبناء الشعب ماان يتولى السلطة.

بالتعرف على هذه الرسائل بعد تفكيك شيفرات دلالاتها التحتانية نستدل على هوية المرسل اليه فهو المواطن العربي الذي يغيش واقعاُ يهيمن عليه حكام متألهون ، شعاراتيون ، يصادرون حاضره ومستقبله ويقهرون حلمه بالحرية ، وتحقيق ذاته ، ويحوله الى كائن يعيش حياة رتيبة فارغة من معاني الخلق والابداع ((….وكل فرد هو أنا..رأيتني شعبا يمشي، يتسوق، يعمل، يتعب، يفرح، يحزن، يعيش، يموت. )) ، وتدفعه لايقينية واقعه الاخروي ،للبحث خارج مدارات المنطق ، وراء عقلانية المعاش ، في عالم الخيال ، عن ملاذ امن ، يعانق فيه سلامه الداخلي ، ولايغادره (( ..لا أود الخروج من كفي،))

تنتهي القصة بضربة فنية ذكية (( الشمس تحرقني، والقمر يطفئني، النهار ينشرني والليل يلبسني…

وأنا نائم!! ))

دوران الحياة ستمر بلا توقف ، والمواطن العربي لما يزل ينعم بعناق ذاته في ملاذه الامن .. لكن .. وهو نائم !!

ـ باسم الفضلي العراقي ـ

16 / 9 / 2019

بقلم : زهراء الأزهر

همسة من خلف السياج
يا أشعارا كانت يوما بروحي
أغنيات في دمي تتولد

على شفتي أومض الحرف
شموع في القلب تتوقد

حلم أورق بداخلي أمنيات
في حقول الروح تتعبد

أطاوع تلعثم لساني
بين كلام ورموز تتجدد

كأن الأيام ترسم أشيائي
تشاعل قبس قلب يتمرد

تخطى وهم الأحلام
فلا تصد قلب بهواك يتقيد

في واحات الفجر الخضراء
نجوم في محراب عشقك تتجسد

كلما مسحت الريح جبيني
شظايا نار من دمي تتوقد

فأمرر الكلام بين الحروف
بين الاقدام والرد تتردد

منها أحمل من روض حبك باقة
غنى لها الجمال ولها الجمال ينشد

بقلمي: زهراء الأزهر

بقلم : فاطمة محمود سعدالله

شيب الحكايا…

عندما تتحسس يدي المرتعشة
شيب الحكايا
يتدلى الكلام ضفيرة بيضاء
بصمتٍ،تحاور صدر التمني وتهز عطفًا
أعياه المسير
أستند ..أنا على ظلي
ألملم ما تناثر من أحلام طاعنة في التلاشي

على مدار الشمس،أعلق
أعلق دورقا شفتاه تفيضان ضياء
أجفف دموعا،
تنبع من رماد التذكر كلما
جذوةٌلها تخبو…

يذهلني إيقاع المطر
يسحبني مني
ريشةّ تعشق الرقص في أحضان الماء
تسافر الكلمات
في حنجرة المساء،على متن الريح
ترتل أنشودة خريفٍ
بلا أوراق شاحبة
بلا ثمرات ناضجة
بلا عراجين تنادي حي على السجود

نصف وجه القمر…يشيحُ عن الليل
نصفه الآخر يتغلغل فيَّ
يدعوني إلى الرقص وقدمي الخشبية
نَسِيَ الحطّابُ بيعها ،ذات شتاء
تلعن النجوم جوقة نصبتها الشياطين
على نخب ميلاد خطايا جديدة.
وأنا…
لم أكن أدري أن الريشَ
يعشق البياض
فيسكبُ العمرَ جديلة حزينة
تشتعل بين غفوة واستفاقة
لم أكن أدري …
أن الأفكار تهرم
والحروف تولد طاعنة في الكآبة
إذا شحّ المطر..

لو قلت للخزاف اصنع لي كعكة
من طين،
هل سيسمح لها الماء بالاقتراب
من النار؟
هل المطر الذي أعلن الموت اليوم جهرة
سيسقي نبتتي غدا؟

عندما ترحل الكلماتُ،
يمتدّ نهر الذكريات المتجمد
جليدا أفعوانيا
حول خاصرتي
ومعصمي
وجيدي…فَ
تولد القصيدةُ ثكلى.

فاطمة محمود سعدالله/توني10/9/2020

بقلم : رشيد الأطرش / المغرب

..لا أبارك غفوتي ..

اشعر بسلام الجنائز
مطرح في أحضان أعماق الظلام
في لحظة من نومي
ميت أنا!

استيقظ
أتأمل
في عمق حديقتي
تحت الشمس/في أعماق الظلام
تقطف ورودها.
أتأمل
في سجن السراب
و كياني مجروح!

لا أبارك النوم!
يعلمني مهارة العيش في الأحلام
أستيقظ مخدرا ..
لا أخادع نفسي
اشعر بكبرياء متردد ضعيف
اتمنى ان أذرف دمعا
لكنني “ميت”

بيعت الأمكنة المقدسة
اين تنام ذاكرتها؟
خطوات صامتة على رمال الصحراء
مليئة بالأحاديث.
يا قوة الوقت!
تحملي دموعنا و صرخاتنا
فنحن لا نمشي
اعتدنا صناعة الكفن
اعتدنا صناعة السعادة في ايام الألم
الحزن كلمة مرة ..
جريمة ضد امكنتي
لا ابارك غفوتي.

…رشيد الأطرش..شفشاون .. المغرب..03/09/2020..

عبدالرحمان الصوفي / دراسة نقدية

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لرواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” ل ” المصطفى الزواوي “
عنوان الدراسة : المظاهر السردية وعنف الزمن الكوروني في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” .
الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة من إعداد : عبدالرحمان الصوفي / المغرب .

أولا – التقديم :

منح الحجر الصحي فرصة للكثير من الكتاب لجمع شتات أفكارهم وتدوينها ، حيث أصبحت أحلام اليقظة مصدرا للأفكار الواعدة والخلاقة . كما أن قضاء وقت طويل في المنزل يصيب الإنسان بالملل الذي يمهد لشرود ذهني يساعد ويسمح للخيال بأن يحلق في عالم التأمل لابتكار و صياغة أفكار جديدة ، لأن التفكير هو عملية ذهنية تحدث عند المبدع حين يكون متفرغا وغير منشغل بإنتاج آخر . والمعروف في تاريخ الأدب الإنساني أن الأزمات تولد الإبداع ، أي أن الإبداع يصير السبيل الأوحد لمواجهة الأزمات بمختلف تجلياتها سواء سياسية او اقتصادية أو اجتماعية … خلال الكثير من الأزمات التاريخية حدث زلزال في الذات الإنسانية ، فولد عصفا ذهنيا عند الجماعات والأفراد ، صار فيها الإبداع هو الملاذ والحل الأمثل لتخليص الناس من الأزمة .
لقد كان الأدب دوما مرافقا للبشرية في كل أزماتها ، وأزمنتها الحضارية عبر مد العصور ، يسجل طموحاتها ، ويؤرخ لمعاناتها وأفراحها ، ويستشرف مستقبلها ، ويرصد أحلامها ، ظل مرآة لما عاشه وعايشه الإنسان من اضطراب وفوضى داخلية أو خارجية ، ولذلك كان الأدب ، شعرا ورواية ومسرحا وقصة وغيرها ، دوما رفيقا لمعاناة الإنسان .
لقد اشتهرت الرواية خصوصا بتعاطيها مع ما أصاب الإنسان من كوارث وأحداث ، خاصة تلك المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية ، منها روايات عالجت مأساة الإنسانية ومعاناتها وحربها ضد أوبئة فتاكة قهرته ، وحصدت الملايين من الأرواح ، نذكر منها ” حكايات كانتريري ” ، التي كتبها جيفري تشوسر ( وباء الطاعون ) ، ورواية ” دفتر أحوال عام الطاعون ” التي كتبها الإنجليزي دانييل ديفو ، ورواية ” حصان شاحب ، فارس شاحب “التي أصدرتها الروائية الأمريكية كاثرين آن بورتر وروايات أخرى كثيرة أشهرها ” الحب زمن الكوليرا . في هذا السياق نطرح الأسئلة التالية :

  • هل هناك إبداع زمن أزمة كورونا ؟
  • وهل يمكن أن بكون هذا الإبداع زمن كورونا إبداع لمواجهة الأزمة ؟
  • وهل الأدب زمن كورونا يساهم في إدارة الأزمة ؟
    هذه الأسئلة وغيرها ستكون موضوع دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة .

ثانيا – توطئة :

يقول عبدالرزاق عودة الغالبي في أهمية المكان والرمز في العمل الروائي السردي ما يلي :
” … الروي هو انعكاس لعالم لغوي للحياة فوق مساحات الأوراق يشيّده الروائي المتـأرجح بين الواقع والخيال ، فيجعل العالم يتضمّن كلّ المشاعر والتصوّرات التي تستطيع اللغة التعبير عنها ، ويثبت براعته الفكرية في تلك الساحات ، رغم أن المكان في الرواية ليس هو المكان الطبيعي أو الموضوعي ، وإنما هو مكان يخلقه الأديب بمزج مدروس بين الحقيقة والخيال ، فالمكان في النص الروائي مكان متخيَّل ممزوج ببناء لغوي ترفعه الكلمات والتعابير انصياعًا لأغراض التخييل وحاجته ، فهو نتاج مجموعة من الأساليب اللغوية المختلفة في النص ، والتي تعكس براعة النصّاص في صناعتها، من ذلك نستنتج أن عبقرية الأدب تكمن في حيّزه السردي المدروس فكريًّا وجماليًّا ولغويًّا ، لذلك يكتسب المكان في الرواية أهمية كبيرة ، لأنّه أحد عناصرها الفنية التي تجري فيه الأحداث ، وتتحرّك من خلاله الشخصيات….([1])
فيستخدم الروائي الوصف ، ويبذل قصارى الجهد لإثبات إمكانيّته أن يجعل المتلقي يرى الأشياء أكثر وضوحًا وجمالًا من خلال الوصف الذي يخلق فيه فضاءات روائية مشوّقة يقتنص فيها المتلقي لقراءة الأشياء في مظهرها الحسي الموجودة عليه في العالم الخارجي، فالوصف يقدّم الأشياء للعيان بصورة أمينة تحرص على نقل المنظور الخارجي بشكل أدقّ وأوضح ….” ( 1 ) / الصفحة : 102

ثالثا – المدخل البصري لرواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” .

رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” (2 ) رواية جديدة للروائي ” المصطفى الزواوي ” ، تتألف من ثلاثة فصول توثق لجائحة كورونا ، التي اجتاحت العالم مطلع السنة الجارية ، وغيرت معالم الحياة على كوكب الأرض .
الرواية من الحجم المتوسط تضم ثلاثة فصول ، غير معنونة . الفصل الأول يمتد من الوحدة السردية ( 1 ) إلى الوحدة السردية ( 7 ) ( الصفحة 74 ) .
الفصل الثاني / الصفحة ( 75 ) تتوسطها لوحة لفيروس كورونا وقد أصابت جسدا إنسانيا ، ثم يبدأ من الوحدة السردية ( 8 ) إلى الوحدة السردية ( 14 ) /الصفحة 136 . الفصل الثالث / الصفحة ( 137 ) تتوسطه صورة بالأبيض والأسود لفيروس كورونا منتشرا في جميع ارجاء الكرة الأرضية ، يمتد الفصل الثالث من الوحدة السردية ( 15 ) إلى الوحدة السردية ( 21 ) / ( الصفحة 200 .
الواجهة الأمامية لغلاف الرواية تتوسطها لوحة تشكيلية من إبداع ” محمد الرجاوي ” . أما الواجهة الخلفية للغلاف فتضم صورة المؤلف وسيرته الذاتية ، إلى جانب اختيار قرائي من الرواية ، وهو كما ما يلي : ” شهد العالم منذ دجنبر 2019 اجتاح فيروس كورونا ” كوفيد 19 ” انطلاقا من وهان الصينية التي احتجز فيها التاجر رشيد المتزوج بصينية من نفس المدينة واضطر إلى مغادرتها بسبب الحجر الصحي ، الذي فرض بسبب انتشار الوباء في العالم …
في ظل هذه الجائحة كلف المحقق اسحاق بإنجاز تحقيقات ودراسات على تطور الفيروس والوباء ، وما فرض على الجسد الجريح به … منه من أصيب به ونجا من الموت زمنه من لقي حتفه …بسبب هذا الوباء ارتسمت خريطة عالم جديد وتصورات جديدة للعام …قضي على الفيروس أم لا … سيظل الجسد القوي والمانع أو الجريح الهش في مواجهة دائمة لخطر الوباء بعد كل فترة من الزمن…” .

رابعا – السيرة الذاتية للمؤلف ” المصطفى الزواوي ” :

  • أستاذ علم النفس وعلم الاجتماع والتواصل سابقا .
  • كاتب صحفي في جرائد وطنية ودولية ومدير نشر ورئيس تحرير جريدة جهوية .
  • صدر له كتاب ” الرياضة ورهانات التنمية البشرية سنة 2019 .
  • مخرج فيلم وثائقي حول ” أوصيكا ورهانات فوسفاط آخر ” / حائز على جائزة المجمع الشريف للفوسفاط بالمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمدينة خريبكة سنة 2017 .
  • منشط سوسيو – ثقافي .

خامسا – العتبة / العنوان : الجسد الجريح في زمن كورونا :

إن العنونة تتبدى في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” بإيحائيتها وانفتاحها على التأويل ، وابتعادها عن المباشرة ، وارتباطها دلاليا بسياق المتن الروائي ومرجعياته ، وهي بذلك تشير إلى وعي مسبق بأهمية العنوان ، ووظيفته في إغواء القارئ ، وشد انتباهه وإثارة مخيلته . وهذا ما تحاول معظم استراتيجيات العنونة الروائية تحقيقه . ( لكن هل منشأ هذا الفيروس بشري أم طبيعي …؟ هل يرضى أن يدمر الإنسان أخله الإنسان من لحمه ودمه والعودة بنا إلى بداية الإنسانية وما شهدته من وحشية وسيادة قانون الغاب ..؟ هل الظاهرة من صنع ذوي الرأسمال والنفوذ العالمي بهدف إخضاع الذوات الأخرى المستضعفة بالتالي ترسيخ الهيمنة وكسب أرباح طائلة من خلال بيع اللقاحات ..؟ ) ( 3 ) الصفحة ( 7 و 8 ) .
إن استراتيجية العنونة في الرواية مشحونة بضغوطات عنف الحجر الصحي زمن الجائحة .
فمعظم الأخصائيين في الصحة النفسية يؤكدون أن الحجر الصحي الذي فرض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا ، ليس أمرا سهلا ، ولا موضوعا يستهان به ، إذ أنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد الحريات الفردية ، وهذا الوضع يتسبب بمشاكل نفسية للإنسان عبر أرجاء المعمورة .

سادسا – الوظائف السردية وعنف الزمن الكوروني في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” .

تعد الأزمات التي تمر منها الإنسانية فرصة حقيقية قادرة على تغيير كل المظاهر السلبية في مختلف المجالات وتحويلها إلى أفضل إيجابي ، ونقصد أن الابتكار والإبداع متخفية وعلى شكل أزمة ، وعادة تكون كلمة السر الوحيدة وقت الأزمات هي الإبداع ، رغبة في التخلص من كل سلبي تقليدي أوجد وقاد البشرية نحو الأزمة . إن الإبداع والتفكير الجماعي هما السبيل لتجاوز كل أزمة .
أن الانفتاح على المستقبل هو من بين مقومات شخصية القرن الواحد والعشرين ، وفي ظل الأزمة التي يعيشها العالم خلال هذه الفترة بعد تفشي جائحة كورونا ، تواصل كل الجهات البحثية عبر العالم ، ومعاملها المركزية الليل بالنهار ، للخروج بالحلول الإبداعية التي تُساعد في التخلص والخروج من هذه الأزمة . والرواية واحدة من مجلات الإبداع التي تمثل عنصر الحياة الراغب التجديد والتجدد .

1 – الفصل الأول : تحولات اللعبة السردية / بين العلامات النصية والوحدات السردية :

تكشف مجموعة أحداث السرد في الرواية ( الفصل الأول من 1 إلى 7 ) ، عن مستوى حجم التغيير والاختلاف زمن الجائحة ( الجسد الجريح ) ، فتنفتح الوحدات السردية على لحظات الأمل والحلم والحكي ، تتصارع مع اختلاجات ذائقتها ، اقترابا باختلاف موضوعات الحكايا المنتقاة ، فالعلاقة بين أنا الشخصية وفضاء المكان والذاكرة في الرواية ، هي علاقة الكل بالجزء ( عاد مباشرة بحماسة زائدة من المقهى معرجا على “المارشي ” متوجها إلى منزلهم القديم … ) ، ذلك لأن الفضاء المكاني صار يتسع ويترابط سابقه بلاحقه ( تسلسل الأحداث ) ( … قبل أن أتزوج بفتاة صينية والدها صاحب وحدة إنتاجية للسيارات في مدينة ” ووهان ” …) ، أي أن القائم بالسرد يعرف اعتقادات القارئ ، ويوجه السرد حسب متطاباته ، فتتوضح حدود هذه الذاكرة فتشكل ابعادا جوهرية مؤلفة مزيدا من الإيحاءات والثغرات التبئيرية بكل وصلة ما من وصلات الآصرة المكانية والذاتية لدى الشخصية البطل اسحاق ومساعده رشيد .
يقول عبدالفتاح كيليطو : ” …إذا سلمنا بأن السرد ، كالسياسة والصدفة ، لعبة ، وجب علينا أن نبحث عن القواعد التي يخضع لها ، إن كانت هناك قواعد اللعب بصورة جلية وصريحة ، بينما يكاد القائم بالسرد والقارئ يجهلان قواعد السرد أو لا يعرفانها إلا بصفة ضمنية غامضة لا تتعدى مرحلة الإحساس المبهم ، وفرق أن تحس بوجود قاعدة وبين أن تعمل عنها بكيفية واضحة …” ( 4 )
نقرأ في الفصل الأول من الرواية ، الصفحة 34 / : ( … ” وأخيرا رشيد أرسل لي عدة ملفات .. ، وضع الكتاب جانبا ، متشوقا ، بدأ في تصفح الإرساليات ، جمل الملف الأول ، فتحه قائلا في نفسه :

  • هذا يتعلق بكتاب معنون هو الآخر بالفرنسية وكأن الغرب وحده من بهتم بالبحث والتأليف في هذا المجال ، قرأ عنوانا مثيرا :
  • تقرير جديد لوكالة الاستخبارات الأمريكية كاتبه ، ألكسندر رايس : ” le nouveau rapport de la
    CIA” ،
    موصيا بقراءة بعض الصفحات بعينها …
    فتح الملف وسط دهشة لا نظير لها متسائلا ومتلهفا ذهب مباشرة إلى الصفحة : 203 قرأ باستغراب :
  • حوالي 2020 ، بقدر ما يرتدي الأشخاص بكثرة الكمامات في الشارع العام خوفا من الإصابة بمرض يصيب الرئة .. ، سيصبحون أكثر مقاومة لأي علاج .. ومع أن هذا المرض يبدو أكثر إحباطا لما يزرع الرعب في النفوس في فصل الشتاء سبزول ، لكن سيعود بعد عقد من الزمن ويرمي بالباحثين في دوامة المجهول حول أسبابه وكيفية علاجه … ” ) .
    تتدرج العلاقات السردية في العلامات النصية في الرواية أفقيا وعموديا ، عبر عشرات التفاصيل والأحداث الرئيسية والوقائع الثانوية و الجزئية ، المنفتحة والمنقادة استجابة لاشعورية متموقعة في مسرود ذات الشخوص في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” ، فيما يبقى الرصد التصويري للروائي يتشكل بتلقائية في الرواية ، مقترنا بواقع الحجر الصحي ، الذي يظهر ويحضر البطل اسحاق ومساعده رشيد ” ، ويظهر كذلك المظاهر السرية ( تحقيقات وتقارير ) ( أهلا أخي إسحاق ، دائما نفس ” المونتو ” الشبيه بالمحقق ” كولومبو ” … ) الصفحة 5
    أما ” محمد الورداشي ” فيقول في تعريفه لتداخل المظاهر السردية في الرواية :” …هو نقل مجموعة من الأحداث من صميم الواقع أو نسج الخيال أو منهما معا، في إطار زماني ومكاني محدد بحبكة فنية متقنة، أي الأحداث لا بد أن تكون محددة في الزمكان، وأن سرد هذه الأحداث لا يكون اعتباطيا أو عبثيا ، بل يستند إلى سلسلة من القواعد الناظمة لسير الأحداث. وغياب هذه القواعد سيجعلنا أمام سلسلة أحداث تملأ مساحة فضائية فقط، وغير قادرة على صنع نص سردي منسجم….” ( 5 ) .
    أما علاقة السرد بعنف الزمن الكوروني / زمن الجائحة في الرواية فهي متداخلة ومتشابكة ، وهي تتشابه بمظاهر السردية في الروايات التي كتبت زمن الأوبئة ، مع الاختلاف في قوتها وشهرتها ، ونذكر من هؤلاء ما جسده الكاتب الإنجليزي دانييل ديفو ، مؤلف ( روبنسون كروزو) ، من عنف لباء الطاعون في روايته “صحيفة يوم الطاعون” ، فوصف فيها مشاهد الخوف والذعر التي انتاب الجميع إثر تفشي الطاعون ، وغيرها من الروايات الأخرى .
    يمكننا القول أن المجال الثقافي والكتابة الأدبية في زمن كورونا ، بحاجة لمزيد من الوقت والمراقبة عن كثب ، لكي يتمكن الكتاب من تقييم الآثار التي ترتبت على إرغام الناس البقاء في بيوتهم ( الحجر الصحي – العزل الإجباري ) خاصة أنها تجارب إنسانية صعبة ، ستترك آثارا كبيرة على الإنتاجات الأدبية والفنية لهذه المرحلة البالغة الأهمية من التاريخ الحديث .إن استرجاع الماضي في الفصل الأول من رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” يعد وجها من وجوه المفارقات الزمنية ( ربما ” أركانة ” تلك المقهى التي سبق لها أن انفجرت ..؟ / كيف تعرضت مراكش لحادثين إرهابيين … / فكيف يتم إذن حدوث مثل هذا القتل الفظيع لقطعتين بشريتين من لحمنا ودمنا كبشر بطريقة الذبح من الوريد إلى الوريد على شاكلة نحر شاة أو إبل من العنق …” .

2 – الفصل الثاني : المسرود العرضي وكسر وتيرة الزمن في رواية ” الجسد الجريح زمن كورونا “

تتبنى أحداث السرد في الفصل الثاني في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” مسرود عرضي نعاين من خلالها سرد الشخصية المشاركة ، لأحداث استباقية من زمن الحكي . كما تحتل الشخصية موقعا مهما داخل بنية النص السردي ، فهي من تقود الأحداث وتنظم الأفعال ، وقد تكون رئيسة أو ثانوية أو عابرة ، ثم إنها ، فضلا عن ذلك ، تعتبر العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة الإحداثيات الشكلية الأخرى بما فيها عنصرا الزمان والمكان ، إذ يعدان ضروريين لنمو الخطاب السردي.
وقد نالت الشخصية في الرواية نصيبها من الدراسة ، إذ قدمت حولها أبحاث كثيرة عكست تطور مفهوم الشخصية الذي رافق تطور نظرة النقاد إلى الرواية ، والجدير بالذكر أن الرواية قد أولت اهتماما كبيرا للشخصية لا سيما لملامحها الخارجية وتصوير مظهرها بدقة , ( … سيكون هذا الحدث ربما هو حدث السنة أو العقد الثاني من الألفية الثانية بامتياز ، وإذا ما صحت التوقعات سيخلق ثورة عالمية متعدد الأبعاد : اقتصاديا اجتماعيا سياسيا استراتجيا فكريا معلوماتيا …لا غرو ستعصف بكل ما هو قديم وتشيد عالما جديدا بمنظومات جديدة فكريا وسلوكيا وقيميا .. ، ستكرس زعامة من له قوة الذكاء بكل أنواعه : الصناعي ، والاجتماعي ، والعلمي ، والمعرفي ، والذهني …” الصفحة 81 و 82
تحكم في” المصطفى الزواوي ” وتيرة الزمن من خلال منح شخوص روايته ذلك المد التدريجي الخاص من زمن تفاصيل حكايات وربورتاجات وتحقيقات ، نتعرف منها على ملامح هوية الزمن المضمر والمعلن متمثلا في ظلال أحداث الرواية ( زمن كورونا ) ، ومن هذا المنطلق بالذات يصير بمقدورنا أن نرى لوحات وإمكانيات التمثيل السردي على أساس التحول من حالة إلى حالة أخرى في رؤية الواقع الكوروني والواقع الروائي . ( …غربت شمس شهر فبراير بتزايد الإصابات في عدد من دول العالم في في مقدمتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية ويم بعد دول عربية كما تبرزها عناوين الصحف الصادرة … أمام هذا الوضع أصيب الإنسان بوسواس قهري تتجلى أعراضه في التتبع المرضي لما ينشر في القنوات الأجنبية والمحلية وفي الواتساب وشبكات التواصل الاجتماعي …) الصفحة : ( 91 ) .
يحتوي كل نص سردي على مسرح تقع فيه الأحداث وتتسارع في ميدانه الواسع الأفكار والشخصيات . ويحتل المكان أهمية خاصة في تشكيل فضاء مسرح اللعبة السردية التي ترسم مظاهره و أبعاده ، فهو يؤلف إطارا مكتوبا ومتفاعلا مع بقية العناصر البنائية الأخرى المكونة للرواية . والمكان لا يقتصر على كونه بعدا هندسيا ولكنه ، فضلا عن ذلك ، نظام من العلاقات المجردة ، أي أنه يتحول وسطا حيويا تتجسد من خلاله حركات الشخصيات ، التي تنسج مسارها الروائي في شكل خط مزدوج متناقض ومتشابك ، وهذا ما يجعل الأحداث بدورها متشابكة ومتداخلة ، وفي أحيان أخرى ، تبدو متنافرة متباعدة ، وهذا ما يقودنا إلى القول أن البعد النفسي للمكان داخل النص الروائي في ( الفصل الثاني ) من الرواية . لقد أصبح التركيز ( حاليا ) على المكان من جوانب الاستراتيجيات النصية الملتحمة بالمظاهر السردية والتكنيك السردي عموما ، وهي المهمة التي تلجأ إليها الكتابات الجديدة في الرواية . إن البعد النفسي هو أكثر الأبعاد المكانية حميمية وانتشارا . تقول ” الدليمي لطفية : ” المكان الذي يثير نوعا ومقدارا من المشاعر تعاطفا أو تنافرا، قلما يستأثر باهتمام الكاتب وإضفاء الصيغة الشعورية عليه تبدأ لحظة اختياره مسرحا للعمل الفني…” ( 6 )
( … حقا العزل سيطرح أيضا مشكل اللقاء مع الأقارب والأصدقاء وزيارة الفضاءات العمومية … هذا الوباء اللعين سيشل حركة الجسد … ) الصفحة ( 106 )
العوالم السردية هي تمثيل بلاغي مضاعف ، ليس من غاياته الوصف المباشر ، إنما الإيحاء ، والتلميح ، والترميز … يقول عبدالرزاق عود الغالبي : ” … فالتصوير اللغوي إيحاءٌ لا نهائي يتجاوز الصور المرئية ، لكونه صورة فنية تعمل كثمرة انتقاء وتهذيب للمادة المحسوسة ، المستمدة من الطبيعة أو من الحياة الإنسانيـة ، وغاية هذا الانتقاء هو إثارة التأثير أو الانفعـال الجمالي ، فوظيفة الكلمات في المحيط الخارجي لا تعدو أن تكون مجرّد إشارات لأشياء بعينها ، بيد أن وجودها داخل سياق النص الروائي يعطيها بعدًا دلاليًّا عميقًا ، حين تتعدّى هذه الكلمات كينونتها كإشارات باتجاه كونها رموزًا ذات كثافة دلالية ، وهي بذلك تنتقل من معناها الدلالي المباشر إلى مستوى أعلى في الدلالة . وجدير بالذكر أن الكلمات تصبح رموزًا في سياق النص الروائي حينما تكون موحية ، وتوعز بمعان كثيرة ، تلك المعاني التي يمكننا التوصّل إليها من طبيعة الكلمة ذاتها ، ومن تكرارها داخل النص الروائي ، ومن كيفية توظيفها في إطار الصورة الفنية ، فضلًا عن علاقتها ببقية عناصر الرواية من شخصيات وحدث وزمان … ” ( 7 )

3 – الفصل الثالث : الكفاءة السردية في واقع الزمن المروي في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” :

أن مظاهر الكفاءة السردية تتجلى في الرواية دون سواها من الأنواع الأدبية الأخرى ، لأن هذه الكفاءة السردية قادرة على استيعاب التجارب الإنسانية المختلفة والمتنوعة ذاتا وموضوعا ، فمن خلالها يتم تمثيل الهويات المتباينة ، التي تعبر الحدود الثقافية لأرجاء المعمور ، وهي تتخطّى اللغات ، والثقافات و ترافق أحوال الإنسان حيثما وجد ، فمرونتها توفّر لها القدرة على ذلك . (… اقترب من حاجز أمني اعتذر مؤجلا الحديث … ضغط على الفرامل نقص من السرعة وقف في علامة ” قف الشرطة ” … / هنالك أمور لا يمكنك فهمها في إطار فكري منظم تخضع للمنطق … / ) . الفصل الثالث من الرواية يلبس لبوس مرجعياتها الثقافية ( علم النفس وعلم الاجتماع ) ، ولا تنسخان عن بعضها البعض ، بل تتكيف مع التكنيك السردي ومظاهره في الرواية . ” …أصبحت الرواية سجلا اجتماعيا ، لأنها اقترحت بحثا مجازيا في الصراعات السياسية ، والمذهبية ، والعرقية ، بما في ذلك الهويات ، والآمال ، والحريات ، وانخرطت في معمعة التاريخ الاجتماعي ، وفي كشف مصائر المنفيّين ، والمشرّدين ، والمهجّرين ، والنساء ، وضحايا الحروب الأهلية ، والاستبداد السياسي ، والاجتماعي ، والديني . وأمسى من الضروري ، تغيير موقع الرواية من كونها مدوّنة نصّيّة إلى خطاب تعدّدي ، منشبك بالخلفيّات الحاضنة له فلا يسجّل السرد واقعا ، أو يعكس حقيقة قائمة بذاتها ، بل يقوم بتركيب عوالم متخيّلة مناظرة للعوالم الواقعيّة …. ” ( 8 )
ونقرأ في الصفحة 163 من الرواية ، ما يلي : ” … انتهى الحجر الصحي أم لا ينتهي ، قائلا في خاطره ، فماهية الإنسان هي – هي .. ، فلا حركة للجسد بدون فكر وروح فالشيء وضده سرمديان وكل شيء في الطبيعة يحمل في طياته ومكوناته جينات تتوالد وخلايا تحيا وتموت ، توقف ألقى بنظرة عميقة في الصابون صدر منه زفيرا وسط صمت المنزل مازال كل أفراد عائلته يغطون في سبات عميق من كثرة السهر في ليالي رمضان …”
أضحت الرواية سجلّا نتلمس فيه ما يثير الهلع في النفوس زمن الجائحة ، وعنف الحجر الصحي ، وانتشار الفيروس الخانق للأنفس .وباء كورونا يحضر في الرواية كحرب عالمية ثالثة ( حرب إنسانية ضد فيروس سريع الانتشار ) ، العالم كله على جبهة محاربة عدو واحد ، بعيدا عن الدين والقومية واللون والجغرافيا ، الجميع مجند ، وهو تجند يذكرنا بما قرأناه وما شاهدناه في أفلام وما سمعناه من أجدادنا عن الاستعدادات التي خاضتها البشرية ضد النازية في الحرب العالمية الثانية . لقد خلفت الحرب العالمية الثانية حوالي أزيد من سبعين مليون ضحية ، وها هي كورونا تهدد الحياة من أصلها ، أي محو الحياة من على وجه الأرض .
يدخل المكان في السرد الرواية فيؤثر على حركة السارد ، فيغير إيقاع السرد بعبور السارد أمكنة مختلفة في الرواية ، ممّا يؤدي إلى تغير الأمكنة داخل الفضاء الروائي ، الذي ينتج عنه نقطة تحوّل حاسمة في الحبكة ، و بالتالي في تركيب السرد والمنحنى الدرامي الذي يتّخذه ، وكذلك علاقة تأثير وتأثّر بين المكان والشخصيات الروائية ،إذ يُعد المكان عنصرًا أساسيًّا في تشكيل بنية هذه الشخصيات ، كما أنّه لا يتشكّل إلّا من خلال اختراق هذه الشخصيات له في رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” .
ونقرأ في الصفحة : 199 ما يلي : ” …ربما استعمال لفظة الحب لا أريده شعورا شكليا ، فالشعور بالحب له عندي معنى وجودي وصوفي أعمق من مجرد قول تتبعه رغبة في الفراش والمضاجعة كما هو معروف في قصدية الزواج أي التوالد من أجل استمرار النشء .. ؟ . فمعنى الحب أن تكون أنت الحبيب ” هو – هو ” بتعبير منطقي ، فلا يمكن أن نميز بين جسد الاثنين فروح الأول تذوب في الثاني … ” .

خامسا – خاتمة :

هناك روايات استندت إلى التخييل بشكل كبير، وكانت ذات بعد استشرافي ، جعلها تتوقّع حدوث أوبئة استثنائية ، وتصف بدقة مختلف ما يمكن أن يصيب العقول والأجساد البشرية ، فكانت في مجملها عبارة عن محاكمات أخلاقية قاسية للتوجهات الحضارية الجارية ، وأشهرها رواية “الطاعون” التي كتبها ألبير كامو سنة 1947، أي مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ورواية “العمى” التي ألفها البرتغالي جوزيه ساراماغو سنة 1995، والتي تنتهي بقولة عميقة لزوجة الطبيب بطل الرواية، وكانت الوحيدة التي نجت من وباء العمى: ” لا أعتقد أننا عمينا ، بل أعتقد أننا عميان يرون ، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون . ” . استمرت اهتمام الأدب بالأوبئة والأمراض المعدية ” حتى صار بإمكاننا أن نضيف إلى الجنس الروائي نوعا روائيا سمّي أدب الأوبئة ” ، فإلى حدود الألفية الثالثة صدرت العديد من الأعمال الروائية التي تعالج موضوعة الأوبئة وتبدع في تخيل إمكانيات العدوى وانتشارها وما يتبعها من فقدان للتحكم وانهيار للقيم ، نذكر رواية ” عام الطوفان ” التي صدرت عام 2009 ، للكاتبة الكندية مارغريت آتوود ، ورواية ” المحطّة الحادية عشرة ” للكندية كذلك ، إيميلي سانت جون مانديل التي نشرتها سنة 2014 ، وهي روايات أستفادت كثيرا من قراءة السيناريوهات السابقة التي ظهرت مع بعض الأوبئة المحدودة الانتشار ، لكنّها أعطتها أبعادا عالمية . ولذلك أعتقد أن الأدب سيظل رفيقا للبشرية كما أشرت في التقديم ، بل وستزداد أهميته كثيرا ، بحكم طغيان الجوانب المادية على الحضارة ، وحاجة الإنسان الملحة إلى الأبعاد الوجدانية والروحية ، وهي المجال الحيوي للأدب ، ولذلك ينبغي أن يكون الرهان كبيرا على الأدب والثقافة والفن بشكل عام ، لمن أراد أن يبني نموذجا حضاريا إنسانيا متوازنا ليخلص هذا المجال من جنوحه وزيغه وإفساده للفطرة الخلاّقة التي تميل إلى التعايش والسلام والخير والمحبة ، وتكره الظلم والفساد .

المصادر والمراجع :

1 – دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
2 – رواية ” الجسد الجريح في زمن كورونا ” / المصطفى الزواوي .
3 – المرجع ( 2) نفسه / الصفحة 7 و 8 .
4- مجلة الآداب / 1980 / السنة الثامنة والعشرون / عدد خاص ( 2 و3 ) الصفحة 83
5– محمد الورداشي / موقع الحوار المتمدن
6 – / الدليمي، لطفيّة / فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة، دار المدى، بغداد، 2016
7 – المرجع ( 1 ) نفسه / الصفحة : 104
8 – الأدب والإنسان الغربي، ترجمة شكري محمد عياد، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2000
9 – المنير في اللغة العربية (الجذع المشترك، والتعليم الأصيل)
10 – اللغة والحجاج: أبو بكر العزاوي
11 – المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية: جميل صليبا
12 //- Roland Barthes : introduction à l’analyse Structural des recit, « collectif » édition du Seuil, Paris , 1977, P 32.
13 ///- Voir : R. Barthes : introduction à l’analyse structural des récit, P P 14. 15.

بقلم : د . محمد الإدريسي

طائرَةُ … سَفينَةُ الهَوى
تَشُقُّ الطَريقَ بَيْن الأرْضِ و السَّماء
تَحْمِلُ أسْرارَ العَواطِفِ و الأهْواء
تَرْكَبُ السَّحابَ لِتَنْقُلَ الرِّسالَة
حُروفٌ بِصِدْق الشُّعور مُخْتارَة
تَحَرَّكَتْ شُرُعٌ لِتَمْخُرَ السَّفينَة
تَدْفَعُها رِياحُ الشَّوْقِ الجامِحة
فَوْقَ أمْواجِ البِحارِ المُتقاذِفَة
نَحْوَ شاطِئِ الغَرامِ بِعِطْر العود
لِتُطَمْئِنَ القُلوب تَعْبُرُ الحُدود
الحَبيبةُ زَهْرَةٌ في بُسْتان العِشْق
ساحِرَةٌ مِنْ بَيْن إناثِ الشَّرْق
فاتِنَةٌ بَينَ نِساءِ العَينِ الأزْرَق
بِنَظْرَةٍ كادَ الصَّخْرُ أن يَنْشَق
لانَ حَنَّ ذابَ الصُّلْبُ و رَقّ
نَأى عَنِ طَريقها فاشْتَدَّ الجُنون
الوَسَنُ مُتَعَنِّتٌ يَأبى عِناقَ الجُفون
سألْتُ صَمْتَ اللَّيْلِ الحَزينِ الحَنون
أيْنَ أُداوي فُؤادي مِنَ هذه الشُّجون؟
أشْتَمُّ رائحَتَها بَيْنَ دِفْءِ القَوافي
حُروفٌ كُتِبَتْ بِحِبْر الدَّمْعِ الجافي
العاشِقُ على عِشْق الحَبيب يُلام
كَيْفَ و هذا قَدَرٌ أتَتْ بِه الأيّام
القُلوبُ إذا رَأتْ جَمالَ الزُّهور
طارَتْ غَرَّدَت كما تَفْعَلُ الطُّيور
الحُبُّ يَنْبُتُ في القَلْبِ الطَّهور
أسْتَيْقِظُ مِن حُلْمي و أُنا أناديك
لَيْتَ اللّيْلَ طالَ إذْ كُنْتُ أُناغيك
ناجَيْتُكِ بِحُرْقَةٍ لَكِنَّكِ لَمْ تُجيبي
العِشْقُ اِشْتَدَّ ساعِدُهُ ذهَبَ بِلُبّي
وَقَفَ البُلْبُلُ على غُصْنِه مُغَرِّداً
شَوْقَهُ على أنْغام الغَرام مُرَدِّداً
حَسَّ بِخَطَوة الحَبيبِ مُتَرَدِّداً
فَجْرٌ لاحَ مُنْذُ سَنَواتِ الصِّغَر
قَدَرٌ لا يَغيبُ لا يُشيبُهُ الكِبَر
نَصيبٌ مُصاحِبٌ طول العُمْر
غَزاني الغَرامُ سَرَقَ مِنّي البَصَر
الحُبُّ ريحٌ تُحَرِّكُ أفْئِدَةَ البَشَر
نورُهُ يُغَطّي و يَفوقُ نورَ القَمَر
قاسِيَةٌ هِي الحَياةُ على كُلّ العاشِقين
تَهفو كالصِّوانَةِ على رُؤوسِ المُحِبّين
الدَّهرُ قاسِيٌّ على فَتىً لا يَنالُ المُراد
أصَابَتْهُ سِهامُ الحُزْنِ في كُلّ الجَسَد
هاجَتْ عَواطِفُهُ فَسَكَبَتْ بَحْرَ الدُّموع
عَلَّها تُطْفئُ نِيرانَ هذا القَلْبِ المَوْجوع
مَنْ يَرْجِعُ بِه إلى سَعادَةِ تِلْكَ الأحْلام؟
مَنْ يَرُدُّ ما ضَيَّعَتْ ظروفُ تِلكَ الأيّام؟
طنجة 07/09/2020
د. محمد الإدريسي

بقلم : عبدالعالي الحسني

حديث الروح
ربطت لساني بخصلة من شعرك
اغمضت عيني بكفي وبكفك
ارهفت سمعي لاسمع همسك
خابت اذني
لا تقوى على سمعك
سالت الحب في عينيك
فتعطل الجواب
وقرعت باب الروح
اسال الجواب
فخاطبت روحي روحك في صمت
فكان حديث الروح حين تعطلت اللغات
ناجيت روحك في كل اللحظات
فاعطتني كل الممكنات
عن سر الحسناوات
فخبرت عنك كل شيء
اخبرتني روحك انك بهية
وانك قيثارة سجية حين تنطقين
وانك عبق مسك حين تتفوهين
وانك اعصار حين تغيرين
وانك شلال حين تعطين
فاحببت فيك المسك
ابتعته
وعشقت عنك الاعصار صورته
وسحرت بالشلال فرسمته
وقلت لك استامنك على روحي
اتركيها في محرابك وديعة
بقلم عبد العالي الحسني

بقلم : نور ابوشامة حنيف

في نقدِ الذاتِ

يتسوّقُنِي الْوهمُ
في مداخِلِ الْوهمِ
عِرْبيداً يفقَهُ شِعْرا

و أنا لا أزالُ
لا أُنيخُ بَعِيراً
وَ لا أميزُ لَهُ بَعْرا

فَكيْفَ تَتَشَوّفُنِي الْقافِياتُ
أشُمّها قرْنا
تَشُمّني شَهْرا

لسْتُ أرْقَى إلى الْعَمودِ
وَ الْعَمودُ الْأشَمُّ
أبْعَدَنِي دَهْرا

لا الْخَلِيلُ بارَكنِي
و لا الْأخْفَشُ رَقّانِي
أو كَوى لِي ظَهْرا

فكَيْفَ أُنْشِدُ
وَ النّشِيدُ مُخَاصِمِي
وَ هْوَ الْأشَدُّ قَهْرا

لستُ ذاكَ الْمَعْنِيَّ بالْقَصيدِ
إذا ما الْقَصيدُ
أنْشَدَ بَهْرا

نون حاء

آمنة برواضي في حوار ” مع الناقد” مع الناقد عبدالرحمان الص

أمنة برواضي في حوار “مع الناقد” مع الناقد الأدبي عبدالرحمان الصوفي
السلام عليكم أستاذي الفاضل أولا أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
ليكن أول سؤال كما جرت العادة من هو عبد الرحمان الصوفي؟
جواب:
عبدالرحمان الصوفي : اشتغلت أستاذا لمادة الفلسفة ( السلك الثانوي ) ، وأستاذا لمادة اللغة العربية ( جميع الأسلاك ) . أشتغل حاليا مديرا تربويا ( مؤسسة تعليمية خصوصية / طنجة ) ، ومؤطرا بيداغوجيا لمؤسسات خصوصية أخرى بنفس المدينة.
سؤال:
2 – أستاذ الفلسفة عاشق للأدب والنقد، يكرس وقته للنقد الأدبي..
كيف يشرح لنا الناقد هذا التحول في مساره الفكري وإن كانت الفلسفة والأدب في خانة العلوم الإنسانية؟
جواب:
الجامعة المغربية خلال أواخر الثمانينات وبداية التسعينات ، لم يكن فيها وضوح بين في الفصل بين مختلف تخصصات العلوم الإنسانية، فطالب الأدب العربي يدرس المواد الأساسية المتعلقة بالتخصص، و يدرس كذلك موادا ثانوية أخرى ، ( يمتحن فيها كذلك ) الفلسفة والتاريخ والجغرافيا والدراسات الإسلامية واللغات، وطالب شعبة الفلسفة يدرس بدوره مواد الأدب العربي وغيرها. وأشير أن الكثير من الطلبة الذين حصلوا على شواهد الإجازة سنة 1993 و 1994 ، وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام واقع البطالة. وضع فرض عليهم العودة للجامعة، والتسجيل في تخصص آخر، أي من شعبة الأدب العربي، إلى شعبة الفلسفة، أو شعبة القانون أو غيرهما . وعبدالرحمان االصوفي واحد من جيل ( حاملي الشواهد المعطلين بالمغرب ) .
– بداية حبي وعشقي للنقد الأدبي تعود لسنة 1987 ، أي خلال السنة الأولى من التعليم الثانوي، والفضل يعود لأستاذ مادة اللغة العربية، التي كان يمدني بكتب علم العروض، وكتب البلاغة والبديع والبيان، ودراسات للعقاد وطه حسين وغيرهما، وكل ما كان يمدني به له علاقة بالمقرر.

  • توطدت علاقتي بالنقد في فترة دراستي في الجامعة من خلال مادة ( علوم المناهج / والأجناس الأدبية ( التحليل الشعري / التحليل السردي وغيرهما ). كما أن فترة البطالة التي عشتها لأكثر من خمس سنوات، جعلت مني بائعا للكتب القديمة، مهنة مكنتني من الاطلاع على أمهات الكتب في النقد الأدبي وغيره .
  • أما علاقة الفلسفة بالنقد فهي علاقة وطيدة جدا، فالمنطلق والخلفية الفكرية الفلسفية للنظريات النقدية الأدبية عبر مد العصور الأدبية هي نظريات فلسفية ( المرجع ). وأقدم مثلا : ستيفن أولمان) في كتابه دور الكلمة في اللغة، يرى أن المعنى يمثّل نقطة التقابل في ثلاثة أنواع من علم المعنى:
    1- علم المعنى اللغوي/Linguistic Semantics
    2- علم المعنى الفلسفي/ Philosophical Semantics
    3 – علم المعنى العام / General Semantics
    ( وللتوسع في معرفة علاقة الفلسفة بالنقد، يمكن الاطلاع على كتاب ( الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني و النقدي / تأليف : عبد الرزاق عوده الغالبي ) .
    سؤال:
    3 – بصفتكم ناقدا ما هو تصوركم للممارسة النقدية؟ وكيف تجدون النقد في المغرب والوطن العربي؟
    سؤال:
    4 – من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟
    سؤال:
    5 – سؤال مرتبط بما سبق، بصفتكم رئيسا لمجموعة من المواقع المهتمة بالنقد كيف يخدم النقد الإبداع؟ وهل تعتقدون لغياب النقد دور في رداءة الإبداع وكثرة الاصدارات؟
    سؤال:
    6 – كيف ترون مستقبل النقد في المنطقة العربية؟
    أجوبة الأسئلة : 3 و4 و 5 و 6 :
    – الأسئلة التي انطلقنا منها لتأسيس نظرية نقدية عربية ما بعد حداثية، هي النظرية الذرائعية التطبيقية، التي لا علاقة لها بذرائعية ” جون ديوي ” أوغيره، بل هي نظرية عربية لمنظرها عبد الرزاق عودة الغالبي، وجدت لتطبق على النص العربي ولا تصلح لغيره. ( انظر الموسوعة الذرائعية ) .
    تصوري للممارسة النقدية ومستقبلها في المغرب والبلدان العربية، هو تصور ” حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي التي أترأسها إلى جانب ” الدكتور عبدالرزاق عودة الغالي، والدكتورة ” عبير يحيي الخالدي ” ، وهو كما يلي وكما أصدرته اللجنة الذرائعية للنشر :
    (…إن الأدب الرصين عرّاب للمجتمع ، وهو رباعي التكوين من سلوك نفسي وتقمّص وجداني وعقل معمّد بإحساس عالٍ، يتناص مع الحياة و تجارب المبدعين في المعمورة، وفن تشكيلي مموسق، أمّا النقد فهو عرّاب الأدب والأديب، وهو أهم علم من علوم الأدب، وتلك بديهية لا تحتاج إلى أو تحقيق، لكن ما أريد قوله – مع أهمية النقد للأدب وللمجتمع – فإني لم أجد سوى كتاب في النقد، ونزر يسير من نقاد متخصصين في هذا العلم، ويقود المتلقي نحو القراءة النقدية الصحيحة والمبسّطة للنصوص بشكل بحتي ، والتي توازي الطوفان المرعب في الكتابة الأدبية العربية ، ومما يحزّ بالنفس أن غياب التحليلات النقدية العلمية ذات النكهة العربية عن الساحة العربية المترعة بالقديم والحديث، ساعد في نشر الجهل الأدبي الأكاديمي بمعارف النص والتنصيص ومفاصل العمل الأدبي، الشعري والنثري، وما ساعد على ذلك، هو التمرد على التجنيس، ذلك المسلك الذي أشاع الفوضى والقبح بشكل النص العربي الجميل…
    والجدير بالذكر، هو ازدياد الأدباء المطرد ذوي الموهبة الأدبية الراقية في الساحة الأدبية، وبشكل كثيف، ومع ذلك ينقصهم المعرفة الكافية في البناالفني والجمالي للنصوص، ومعرفة التجنيس ومفاصل النص الأكاديمي، وهنا يأتي واجب النقد الغائب عن الساحة الأدبية والنقدية، كعرّاب للأدب والأدباء ، فقلّة النقاد المتخصصين بمناهج علمية وانحسارهم في الساحة العربية النقدية، لا ينسجم مع الكم الهائل من الأدباء والكتّاب الذي يزداد بشكل يومي، وذلك النزر من النقاد لا يشبع ظمأ الساحة العربية الواسعة، مع العلم أن الساحة العربية تمتلك رؤى نقدية محترمة لدى كتابنا النقديين العرب، لكنها قليلة جداً، و لا تخرج من جلباب المعلومات والمؤلفات المكررة، والمأخوذة عن مصادر معروفة ولا تشفي غليل المتتبع العربي والظمأ الأدبي، أو ترضي ذائقة متابع أثر النقدي، فهي عبارة عن كتابات ومؤلفات أخذت عن مؤلفات أخرى، وكرّرت نفسها بنفسها، والساحة العربية بحاجة إلى رؤى نقدية تطبيقية عربية الهوية و موحدة جديدة، كما نجد ذلك بارزًا، في التواصل بين النقاد والتبادل المعرفي في العالم الغربي ….
    كانت الذرائعية، الحل الأمثل لكونها رؤية نقدية عربية تطبيقية مستندة على أطر ومداخل علمية لكل شيء يذكر من خلالها، ولا تتيح خرمًا للإنشاء الفارغ والكفيف، وغير المستند على قواعد نقدية رصينة، فهي مثقلة بنظريات نفسية وفلسفية تساعد المتلقي والناقد بالدخول إلى أي نص بشكل ذرائعي علمي، و باعتمادية إدراكية واعية بالتحليل العميق لعناصر العمل الأدبي المتقن، بشكل دقيق ومدروس مستل من منهج عربي الأصل أُشير إليه بالتداول، يساعد الناقد على الغوص في مكونات النص باحترام وحرفية عميقة، ولا تقوم الذرائعية بتخريب قشرة العمل الأدبي الخارجية الجمالية، كما تفعل بقية النظريات النقدية الأجنبية، بل تهتم بالشكل والمضمون بشكل متوازٍ و باحترام واتزان نقدي متباين، ولا تعمل كالنظريات النقدية المادية التي لا تنظر إلى أي نص بتكامل، حتى وإن كان في كتاب مقدس ….) انظر المجلد الأول من الموسوعة الذرائعية، ( الذرائعية في التطبيق ) .
    سؤال:
    7 – ما هي رسالتكم للمبدعين خاصة الشباب منهم؟
    جواب:
    رسالتي للمبدعين الشباب خاصة:
    ( جوابي على هذا السؤال ، لن يخرج عن قناعة وموقف اللجنة الذرائعية للنشر، وموقف وقناعة ” حركة التصحيح والتجديد والابتكار ف الأدب العربي ” ) .
    الجواب :
    (( مادام النقد هو السلطة الحاكمة في الأدب ، فإن انسحابه من الساحة الأدبية يمكّن الإسفاف والتعدّي وعدم الضبط من الانتشار بشكل واسع ، وهذا الحال حتمًا سيضيّع الرصانة ، وينشر الجهل والتخلّف الأدبي…
    ومن جهة أخرى ، سينتشر الفقر الأدبي بين أصحاب الأقلام ، ويبدأ الانزياح نحو السطحية الأدبية والخروج من العمق والرصانة نحو الانسلاخ من خيمة الأدب العربي المترع بالعمق والإبداع ، والاتجاه نحو تمجيد أجناس أدبية أجنبية بسيطة ، لا تنتمي لمجتمعنا أو ديننا، مثل الهايكو وغيره من الأجناس الغريبة… وهذا حدث فعلًا، ولم نكتفِ بفوضى السريالية وانسلاخها عن الواقع وانغماسها بالغموض حدّ الظلمة، بل رحنا نمجّد حرية النص بكسر الطوق الأخلاقي وتخريب الخلفية الأخلاقية للنصوص الرسالية بذريعة أن الأدب جزء لا يتجزّأ من الفن ، والفن لا حدود أخلاقية فيه ….!؟
    ونسي البعض من الأدباء العرب أنفسهم وأخلاقيات أدبهم ومعلّقاتهم ورعيل الشعراء والعلماء والكتاب العرب، وسربلوا نحو إسفاف الرطانة و السريالية الفارغة الغارقة بالغموض والتغريب والتشتيت والفوضى والانفتاح نحو كسر الطوق الأخلاقي في الأدب، وغرقوا مع الغارقين في بركة الحداثة السلبية وما بعد الحداثة، التي أقصت النص العربي من التواجد في الساحة العالمية النقدية ، بحجة أنه ينتمي للغة صعبة وضربوا التجنيس عرض الحائط ، تأثّرًا بموجة رولان بارت ، لا لشيء ، أكثر من كونه أجنبي ، واختلطت الأجناس بالأجناس ، وصار الكلّ يكتب بأجناس لا يعرفون هويّتها … وتلك حالة مقصودة بتعتيم سماء اللغة العربية من قبل الرعيل الغربي لفهمهم العميق بأنها سيدة اللغات، وبأنها تمتلك زمام الأمر التحليلي اللساني في الوضع التداولي الذي ميّز تلك اللغة عن بقية اللغات في العالم ، وتأخّر اكتشافه لديهم حتى نهاية الربع الثالث من القرن العشرين والذي وسموه بالبراغماتية الجديدة على يد الفيلسوف الأمريكي (رورتي) ….
    علينا أن لا ننسى فضل القسم الكبير من أدبائنا الذين وقفوا أمام هجمة الحداثة السلبية، وصدّوا ريحها الصفراء حين قلبوا جميع الموازين الأدبية، ووجهوا الجديد من أفكارها نحو الأدب العربي للاستفادة منه بدلًا من النفور والخروج عليه، وأدخلوا للأدب العربي الرمزية والبرناسية والقص القصير المعاصر والشعر الحر وقصيدة النثر، حتى صار أديبنا العربي لوحة سرمدية جميلة تعمل بموازاة العربة الأدبية الأجنبية، بل فاقتها كثيرًا في التكنيك النصي والسردي…
    حان الآن موعد التصحيح والعودة نحو الوطن ، بعد أن ذاق المهاجرون مرارة الهجرة نحو الغرب والذّلّ والمهانة والانكسار الأدبي، ولاحت بالأفق شمس الصباح، وهي نفحة من إخلاص للحرف الأدبي العربي ، استلم مقود تلك المسيرة – الرؤية النقدية الذرائعية – ثلّة من المخلصين للنص العربي ، والتي اجتمعت على شرف الحرف العربي وأقسمت على الانتقام لسفك دمه، وإعادة شرفه وهيبته وهويته العربية، وتثبيت حقيقة قاطعة إن التداول (البرغماتية الجديدة) هو واقع بلاغي عربي الأصل، ظهر في الشعر العربي في أول بيت شعري قيل ، وأن قدرة اللغة العربية الفائقة على استيعاب جميع المنتوجات الأدبية الواردة من كل المشارب بشكل متميّز، وإثبات أنها قد ولدت من منطلق عربي شامل، وأعتقد جازمًا أن العرب واجهوا و سيواجهون رياحًا صفراء و زوابعَ من أصحاب الأقلام المعوجّة ، وأصحاب تأليه وعبادة الصنم الأجنبي من اسم و قول مرطون ، ليس حرصًا على مسيرة الأدب الرصين ، بل هو حرص على مبدأ ( خالف تعرف)….))
    انظر المجلد الثاني ( دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي )

سؤال:
8 – أصدرتم عدة كتب في النقد على سبيل المثال لا الحصر:

  • مؤلف نقدي حول التجربة الشعرية للشاعرة “مليكة الجباري “
  • مؤلف نقدي جماعي ” تجارب شعرية مغربية في ميزان النظرية الذرائعية”
  • مؤلف يخص التجربة الأدبية والشعرية والمسرحية ” لمجد الدين سعودي”.
    ماهي المواصفات التي يجب توفرها في العمل الإبداعي ليجد صداه عند النقاد ؟
    جواب:
    بالنسبة لتجربتي في مجال النقد الأدبي:
    أعتبر أن كتابة الدراسات النقدية ليست وحيا يتنزل على الناقد، بل هي بحث يأخذ من الناقد ما هو مادي ( التنقلات والأسفار – شراء المراجع وغيرهما ) ، وما هو معنوي ( الوقت ، إذ يحتاج انجاز دراسة نقدية شهرا من الأيام / لا أتحدث هنا عن ما ينشر في فضاء الفيسبوك ، ويسمونه نقدا / … الحديث في الموضوع ذو شجون …
    لقد أنجزت الكثير من الدراسات النقدية الذارئعية ( منها دراسات بكامل المداخل الذرائعية ) وأنجزت دراسات ذرائعية مستقطعة ( واحدة المدخل ، أو بمدخلين ذرائعين ) ، كل هذه الدراسات نشرت في مواقع اليكترونية وطنية ودولية .
    اشتغلت على تجربة الشاعرة المغربية ” مليكة الجباري ” … وتمكنا الحمد لله من طبع كتاب حول تجربتها الشعربية. قدمت للمؤلف الدكتورة عبير يحيي الخالدي.
    نقتطف مما جاء في تقديمها : “
    (( الناقد عبد الرحمن الصوفي هو ذاك الناقد المحترم ، بل والأكثر احترامًا للأديب والمتلقي العادي والمتلقي المتخصص على حد سواء ، بدأ مؤلَّفَه بذكر المنهج النقدي الذي اعتمده وهو المنهج الذرائعي ( النظرية الذرائعية / عبد الرزاق عودة الغالبي ) ، فطبق آلية النظرية الذرائعية على الأعمال الشعرية للشاعرة المغربية ” مليكة الجباري” والمنظومة ضمن خمسة دواوين ، يقوم الناقد بكل أمانة بإلقاء الضوء ، وتعريفنا على مجمل القصائد عبر تطبيق الآلية الذرائعية على تلك القصائد ، معتمدًا طريقة ذكية جدًّا ، وهي التعامل مع الدواوين وكأنها ديوان واحد ، والنفاذ إلى أعماقها عبر أقرب المداخل المتاحة، دون أن يشكل ذلك إرباكًا له، ودون أن ينتقص من القيمة الثرائية لأي ديوان أو قصيدة، فوجدنا الناقد عبد الرحمن الصوفي يلج الدواوين عبر مداخل ذرائعية منتقاة بمهارة، ويغوص في دقائقها ببراعة، ويخرج غانمًا بصيده الثمين، ويعرضه علينا عرض الكريم، ليدخل إلى ديوان آخر متبعًا نفس الإستراتيجية وهكذا حتى ينتهي من الدواوين الخمسة، وقد جمع منها الكثير من الدرر … )).

من هذا المنبر أوجه ندائي لكل الغيورين في الجمعيات والاتحادات والهيئات المهتمة بالأدب والنقد في المغرب أن يساعدونني على طبع خمس مؤلفات نقدية تطبيقية أخرى لتجارب إبداعية مغربية مختلفة .
سؤال:
9 – ما هي الرهانات التي يراهن عليها النقد العربي في ظل الحداثة؟
جواب:
جوابي على هذا السؤال، لن يخرج عن قناعة وموقف اللجنة الذرائعية للنشر، وموقف وقناعة ” حركة التصحيح والتجديد والابتكار ف الأدب العربي ” ) .
الجواب :
(( على الناقد في العالم العربي أن يراهن ويقتنع أن النقد أصبح علمًا واسعًا ، ومن أهم العلوم البحتية التي تحتضن الأدب ، والعرّاب الحنون للأدب، فلا يظهر اصطلاح أدبي إلّا من رأس قلم نقدي، لذلك يتوجّب اتباع الطرق العلمية في تطبيقه ليصطف مع العلوم البحتية الأخرى كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والتي تطبق بطرق علمية عديدة ومختلفة، ومن الواضح أن نزوح نقادنا نحو الإنشاء في كتابة نقودهم مبعثه صعوبة هذا العلم المرتكز على الفلسفة ارتكازًا كليًا، لكون اللغة العربية التي ينشأ منها الأدب العربي لا تحلّل بعمق، إلا عن طريق علم مبني على التجذير الفلسفي من دال ومدلول ومفهوم، وهذا ما زاد النقد صعوبة، وصار عصيًّا على مدركيه ، هو احتياجه من يدرك العلاقة الوثيقة والفرق بين العلم والفلسفة، والمفردة والمصطلح النقدي، والنص والجنس والعمل الأدبي، وذاك ما يحتاج بحثًا وتقصيًّا وقراءة مستفيضة، ثرّة، عن هذا العلم الكبير الواسع لإغناء اللغة الساندة في التحليل…..
ساحتنا الأدبية مترعة بالمصادر المترجمة لأيّ كلمة قيلت عن الأدب أو النقد ، لأننا شغوفون وعشاق للمعرفة والبحث عن مصادرها ، و قد قرأت الكثير من كل ما يكتب من نقود ، و تعليقات نقدية وآراء وتقارير و مقالات ودراسات نقدية ، وترجمات شتى، وأدركت من ذلك أن جميع تلك الكتابات النقدية يجب أن ترتكز على منهج نقدي أو نظرية يحتل اسمها العنوان باعتمادية و أعمدة علمية تميّز تلك النظرية بالتحليل أو الدراسة والتقصّي و البحث… كذلك تحتاج الكتابات النقدية إلى إغناء بحثي للأمور التي تتناص مع ما يوازيها من معرفة في بطون النصوص الخاضعة للتحليل، والمتعلّقة بالتوازي والتناص مع نصوص الآخرين، التي كتبت في موضوع البحث أو حوله ، وهذا يحتاج تسميةَ المصادر التي يتناص معها النص، أو أسماء الأشخاص الذين تناصّ معهم الكاتب، وبشكل بحثي علمي، وهذا إغناء للنقد وحق مشروع للأديب على الناقد… )) انظر المجلد الثاني ( دور الذرائعية في إعادة سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي ) .
سؤال:
10 – تساهمون في أنشطة ثقافية ولكم اهتمامات بتوقيعات إنتاجات أدبية … كيف تقيمون الحركة الثقافية في البلاد؟
جواب:
أجمل الجواب عن هذا السؤال في جملة ( وللقارئ واسع النظر ):
الساحة الثقافية والأدبية تعرف الحصار و الإقصاء والتهميش الذي يتعرض له الكثير من المبدعين في مختلف التخصصات في بلادنا .
أختم هذا الحوار مع الأخت الفاضلة ” أمنة برواضي ” ، بما يقوله الرئيس الأول لحركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي وهو كما يلي :
(( “… خلال متابعاتي لسنوات خلت ، للمسيرة النقدية في العالم خرجت بفهم يقرّ أهمية النص الأدبي العربي الإنساني للمجتمع ، والأهم من ذلك ، أنه يختلف اختلافًا جوهريًّا عن بقية النصوص في اللغات الأخرى خصوصًا في الشكل، وله خصوصية إسلامية وعربية بالمضمون، و بسبب وسيطه الحتمي ، اللغة العربية التي تختلف شكلًا وتعبيرًا وبنيةً عن جميع لغات العالم الأخرى، وهو شيء غائب عن فكر المتلقي العربي الذي لا يدرك
معطيات تلك النظريات ، التي لا توائم الدين الإسلامي، ويعتبر التفكيك أهم النظريات الحديثة التي تحترم النص المبني على اللوغوس، والذي لا ينسجم مع الرؤية العربية الإسلامية ، لكون دريدا صاحب التفكيك، قد قاد تيارًا نقديًّا عرف ( ما بعد البنيوية ) ( ) وهو ضد النظرية البنيوية التي استكانت لافتراض التناسق في بنية النص الأدبي بناءً على ما ينطق، و قوانين لغوية صارمة وحاسمة لا تقبل النقص أو التغيير أو التعديل، ولا تتأثر بشيء خارج نطاقها، لذلك لجأت النظرية التفكيكية إلى التشكيك بالعلاقة اللغوية ذاتها وفي منطق اتساقها وقوانينها، إذ لم يعد النص – في نظرها – يمثل بنية لغوية متسقة منطقيًّا، تخضع لنظم دائمة وتقاليد ثابتة يمكن رصدها، بل يمثّل النص عندها، تركيبة لغوية تنطوي في داخلها على تناقضات وصراعات وكسور وشروخ وفجوات وثغرات عديدة، تجعل النص قابلًا لتفسيرات وتأويلات لا نهاية لها، وليس هنالك من نص يستعصي على التفكيك كي يخرج من باطنه ما يخفيه، لذلك تبدأ النظرية التفكيكية بتكسير السطح اللامع للنص الأدبي لكي تبلغ أعماقه المعتمة، والتي لا يبوح بها…
ومن هنا تبدأ الرؤية الذرائعية العربية في تحليل النص الأدبي بشكل مختلف ينحرف باتجاه الخيمة العربية والشكل، فهي تحترم الظاهر والباطن للنص معًا، فعندها
بعضهما يكمل البعض، والكثير من النقاد والمتلقين لا يعرفون مضمون تلك النظريات وخطورتها على النص الأدبي العربي بشكل حقيقي، ولا ماهية النص الأدبي العميق، فمعظمهم ينضوي خلف أصبع المقالة الإنشائية المطلقة بشرح تفاصيل النص وإعطاء هذا الإنشاء عنوانًا غريبًا، مع حشر كلمات وأقوال وأسماء أجنبية في هذا الإنشاء ليس لها صلة بشيء ، لإثراء هذا الإنشاء كما يعتقد هو، أقول جازماً أنه يظن هذا هو النقد، مع متعمدية إهمال علمية النقد والنظريات التي تشكل بنيته الأساسية مع العلم انه يدرك تماماً إن النقد علم من علوم الأدب…. )) .

تحياتي والود : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

شكرا لكم أستاذي الفاضل وفقكم الله في مسيرتكم.

حاورته الروائية أمنة برواضي.

بقلم : عبدالكريم أحمد الزيدي

كيف نقرأ ألشعر ،،؟
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

تعلمنا منذ الصغر هذا النوع من الادب الذي وجدناه مفروضا علينا قراءته وحفظه في كراريس مدارسنا، ولقد كان اغلبنا يجد مرارة في قبوله وحفظه وهو يتلكأ في مفردات معانيه وصعوبة فهمه وهضم موضوعه وحدثه..

هكذا اعزتي تربينا مع الشعر ومن منا كان يحبه ويتأثر به !!؟، ونادرا ما تجد نفرا ينحاز الى لذة لحنه وغاية معناه فيأخذ منه وينهل من تجربته.

تعلمنا أن نحفظ ما طاب وزنه وسهلت قافيته ، وانا هنا لا اريد ان اقتحم في تفاصيل بناءه واجتهاد الشاعر في كتابته
وإن كان المختار منه لكبار واشهر شعراء زمانه ، ولكنه بالتأكيد كان انتقاء لمراد من يريد نشره وتعليمه في مجاله..

والتركيز هنا لايجوز لشهرة كاتبه ومقامه وانما يفترض أن يكون لجمال بناءه ولغة تعبيره واساس معناه ولهذا نجد معظمنا لانردد الا ابيات قصائد خلدها من اراد ان يفرضها علينا…

ربما كانت المقدمة قاسية في النقد وإن كانت الحقيقة والواقع ، ولكي لا أطيل عليكم ما أردت تقديمه وجدت من المفيد أن نتعلم كيف نقرأ القصيد ونقف على عذوبة ومراد كتابته ، فالقصيدة تبدأ عادة بفاتحة بيت شعري يوجه فيه الكاتب وجدان وروح قارئه الى لون القصيد ليشد منه ويأخذه الى ما يريد وهنا تبدأ بنية وقوام الحدث ليستمر بعده تناغم تسلسل القصة ( وهنا انا ارى ان الشعر قصة يريد كاتبها ان يخرجها بنغم وحس وموسيقى تداعب روح القارئ وتسحره )، ولهذا فأن العديد من الشعراء يحرص أن يكون هذا البيت مفتاحا لباحة عطاءه ومبتغى كتابته ، وبمعناه يمكن للمتلقي أن يفهم الغاية والفكرة من القصيد..

أما مسؤلية القارئ فتبقى في التفتيش عن مايسمى ببيت القصيد وهذا يمكن أن يجده في اي موقع بين ابيات القصيدة ليفهم كامل ما اراد كاتبه أن يوصل إليه
ولهذا فإنك يمكن أن تجده في بداية أو وسط واحيانا في نهاية ابيات القصيدة ، ولتسهيل ما أردت أن أوضحه فإن القارئ متى ماوجد في نفسه شدا باتجاه بيت شعري يلزمه التوقف والامعان فيه وترديده فإنه وقع في المطلوب..

ولذا نجد الكثير منا يردد بيتا شعريا واحدا من مجموع ابيات القصيد ويكاد يحفظه لأنه يجد فيه ضالته، والاغرب هنا أن كثيرا ممن كتبوا الشعر ولم تسنح لهم فرص الظهور والشهرة تلصق ابيات من كتاباتهم لقصائد شعراء آخرين ليس لهم منها ربط أو دراية ولكنها تشترك بالوزن والقافية وربما بالحدث، فيقال في حالات أخرى أن هذا البيت الشعري دخيل على القصيد، بينما في حالات أخرى ينسب البيت الشعري الغالب إلى كاتب مغمور أو حتى أحيانا إلى المجهول..

أما ختام القصيدة فأنه يأخذ ذات المنحى في فاتحته، لذا تجد الشاعر يجتهد في صياغته وتغليب وقعه ليترك بصمته الثاقبة في نفس القارئ وليوقع به في ما اراد..

تعلم أخي القارئ أن تعيش القصيدة بتدبر وثقة وان تعاود التمعن في مخارجها كي تستمتع بما اراد كاتبه أن يوصله سهلا جميلا عذبا اليك،فلا تبخل انت بدقائق منك
أن تتذوقه وتسعد به…
…………………………………………
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق/ بغداد

زجل : محمد كتامي

🇦🇱💖 علامة استفهام 💖🇦🇱

الأستاذ المهمش
و التلميذ الباسل و المفشش
و ألأب المكرش
و الأم لي على والو تتكشكش
و القسم المقشقش
شكون يجمع لاخور كلشي تفرش
ألأستاذ المعمش تخنش
و دخلوه للنعش
گالو لو جمع وراقك وتكمش
وحضي راسك من تلامذ لي تتقندش
الكثيرمنهم لفعة ولا حنش
كيف غدي يعطي ألأستاذ لمحرش
و هو مكون بالمرطوب لحرش
ماعندو غير الضرب و الطرش
كيف غدي يكون التلميد لمطرش
أكيد غدي يولي التلميد لطرش
التعليم مخرشش
الأستاذ رجليه فالقسم و عقلوفالعش
مهلوك بالكريدي و الغش
ربما ما دخل حتى رش
تحية الأساتذة الأحرار
لي متشبتين بالآداب فالمدرسة و الدار
بوالو عاملين مجهود جبار
أفكار قيمة و حوار
ما ينعسوا حتى يرتاحو كبار و صغار
ديما يتشاورو عاد يطرقوا المسمار
يبتسموا فوجه الصغار و الكبار
عمر التعليم ما تجبر و لا كان جبار
تهلاو فالأطر و احسنو الاختيار
إمت التعليم يتحرك راه تينهار
إمت ألأستاذ يعيش بكرامتو و يجني ثمار
شحال من ديبلوم خاصو غير يخدم
واخا فدراري يتعلم
تكوين جديد ملثم
شعارو ما تفسر ما تكلم
ياك تتخلص ضرب الطم
عام على عام
دابا تولف وتولي معلم
فالتسطار بلا قلم
ماتشوف والو و ما عمرك تفهم
تكوين المعلمين مضبب ومغيم
و فالغابة مخيم
الله يجيب لي يديرلو الرياضة ويتنظم
والرياضة على كلشي تعمم
التلميد ولى فبلاصت المعلم تيخمم
بلا ما يحشم
ما هواش هنا تيحلم
تجمعات الشحمة و اللحم
و دخلو لفريگو مع الدم
ما بقينا عارفين والو و زاد الهم

قصيدة من ديوان غيوانيات مجذوب
للشاعر الزجال محمد كتامي 🇦🇱🌴💖🌺💦🌺💖🌴
28/08/2020

سر دفين //// والأساليب التعبيرية للقاصة هيام جابر عبدو /// بقلم : ماجد حميد الغراوي

(سِرٌّ دَفِينٌ) وَالأَسَالِيبُ التَّعبِيرِيَّةُ لِلْقَاصَّةِ هُيَام جَابر عَبدُو

( 1 )
القِصَّةُ القَصِيرَةُ غَالبًا مَا تَقُودُنَا إِلَى حِكَايَةٍ تُؤَسِّسُهَا قُدرَةُ وَإِمكَانِيَّةُ القَاصِّ فِي صِيَاغةِ أَسَالِيبِ التَّعبِيرِ الفَنِّيِّ الَذِي يَجمَعُ مُكَوِّنَاتِ الكَلْمَةِ فِي صُورَةٍ أدَبِيَّةٍ تَحمِلُ أحْيَانًا رِسَالَةً هَادِفَةً أَوْ مَوضُوعًا فِكْرِيًّا ، هِيَ نَوعٌ أَدَبِيٌّ مُكَثَّفٌ ، مُميَّزٌ عَنِ الأَجنَاسِ الأَدبيَّةِ الأُخرَى فِي بِنَاءِ الشَّكلِ بِعَكسِ الرّوَايَةِ … ارتَأَينَا أَنْ نَبدَأَ بِهَذَا الرَّأْي المُبسَّطِ حَولَ مَفْهُومِ القِصَّةِ القَصِيرَةِ؛ لغَرَضِ البَدْءِ بِعَرضِ لَمَحَاتٍ نَقدِيَّةٍ وَاسْتِنَارَاتٍ أَدَبِيَّةٍ في بَعضٍ مِنْ نُصُوصِ المَجمُوعَةِ القَصَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ لِلأَدِيبَةِ السُّورِيَّةِ هُيَام جَابر (سِرٌّ دَفِينٌ) الَتِي صَدَرتْ عن دَارِ نَشرِ سُوريَانَا للطِّبَاعَةِ وَالنَّشرِ ، بَعْدَ مَجمُوعَتِهَا القَصَصِيَّةِ الأُولَى (اخْتِفَاءُ سُوزِي) ؛ ولِنتَعرَّفَ مِنْ خِلَالِهَا عَلَى تَنَوُّعِ الأَسَاليبِ الفَنِّيَّةِ للقَاصَّةِ في كِتَابَةِ القِصَّةِ القَصِيرَةِ ، وَخُلاصَةِ الفِكرَةِ في الحَدَثِ القَصَصِيِّ مَعَ رُؤْيَةِ مَدَى مَوضُوعيَّةِ التَّعبيرِ عَنْ وَاقِعِ المُجتَمَعِ ، مِنْ خِلَالِ مُحتَوَى النُّصُوصِ وَتَعبِيرِهَا عَنْ وَاقِعِ الحَيَاةِ العَامَّةِ التِي نَعِيشُهَا وَتَعِيشُهَا القَاصَّةُ فِي عَصرِنَا الرَّاهِنِ ، وَالصُّعُوبَاتِ الَتِي تُعَانِي مِنهَا بُلدَانُنَا العَرَبِيَّةُ بِشَكلٍ عَامٍّ؛ مِنْ وَيْلَاتِ الحُرُوبِ ، وَمَشاكِلِ الانْقِسَامَاتِ الطَّائِفِيَّةِ وَالأَيديُولُوجِيَّةِ ، وَالتَّدَخُّلَاتِ الأَجنَبِيَّةِ فِي رَسْمِ مَصِيرِ الشُّعُوبِ .
( 2 )
فِي قِصَّةِ (سِرٌّ دَفِينٌ) اعتَمَدَتْ عُنْوَانَ القِصَّةِ كَعَتَبَةٍ أُولَى (عُنْوَانًا) لِلمَجمُوعَةِ القَصَصِيَّةِ ، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الطَّابعِ النَّحْوِيِّ للجُملَةِ الاسْمِيَّةِ لِلعَنوَنَةِ ، فَإِنَّنَا نَرَى لَهَا فَضَاءً صُوَرِيًّا يُوحِي بِدلَالَاتٍ وَاسعَةٍ وَمُثيرَةٍ للمُتَلَقِّيِ ، تَدفَعُهُ لِلتَّوَغُّلِ في النَّصِ؛ لِمَعرفَةِ المُرَادِ مِنْ (سِرٌّ دَفِينٌ)، كَما أَنَّهَا اعْتَمَدَتْ أُسلُوبَ السَّردِ الذَّاتِيِّ في بِنَاءِ القِصَّةِ التِي اسْتَهَلَّتْهَا بِوَصفِ الشَّخصِيَّةِ الرَّئيسِيَّةِ بِلُغَةٍ سَهلَةٍ وَوَاضِحَةٍ :
(امرَأَةٌ مِنْ قَاعِ المُجتَمَعِ تَعِيشُ عَلَى مَا تَجمَعُهُ مِنْ حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ ، لَهَا عَددٌ كَبِيرٌ مِنَ الأَطفَالِ ، مَنْ يَرَاهَا يُحَاولُ أَنْ يَترُكَ مسَافَةَ أَمَانٍ بَينَهُ وَبَينَهَا؛ لِمَظهرِهَا المُعفَّرِ بِالأَوسَاخِ ، كَانَتْ تقوم ببِيع مَا تَجِدُهُ بِأَسعارٍ رَخِيصَةٍ للمُهَجَّرِينَ فِي حَيِّهَا المِسْكِينِ)
وَصْفٌ مُكثَّفٌ لِبَطلَةِ القِصَّةِ وَمَظهرِهَا الخَارجِيِّ المُعفَّرِ بِالأَوسَاخِ ، وَحَالتِهَا الاجْتِمَاعيَّةِ في بِدَايَةِ فِكرَةِ القِصَّةِ التِي تَتلَخَّصُ بِامْرَأَتَينِ: الرَّاوِيَةِ وَبَطَلَةِ القِصَّةِ ، اللَّتَينِ تَكَادُ تَقتَصِرُ المسَافَة الفَاصلَة بَينَهُمَا؛ فَكِلْتَاهُمَا تُشَارِكَانِ زَوجَيهمَا اللَّذَينِ يُعَاملَانِهمَا مُعَامَلَةً تَكَادُ تَكُونُ سَيِّئَةً ، بَطَلَةُ القِصَّةِ تَرْوِي حِكَايتَهَا بِشَكلٍ وَاضحٍ وَبِالتَّفصِيلِ مَعَ زَوجِهَا الَذِي لَا تُحبُّهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أدائها وَإِخلَاصِهَا فِي وَاجبَاتِهَا الزَّوجِيَّةِ ، وَهَذَا مَا يَجعَلُ الرَّاوِيَةَ تَستَذكِرُ حَيَاتَهَا مَعَ زَوجِهَا كَمَا نَرَى:
(أَمَّا أَنَا ، فَقَدْ ذَهَبْتُ أُفَتِّشُ فِي دَهَالِيزِ نَفسِي عَنْ أَحَدٍ أُفْشِي لَهُ سِرَّ قَلبٍ حَفِظتُهُ لِزَوجٍ أَمْعَنَ فِي العَبَثِ في نبضاته ، وَأَسرَفَ فِي خذلانه ، دُونَ أَنْ أَستَطِيعَ البَوحَ بِمَا بِي… نَظَرًا” لأن مكانتي فِي المُجتَمَعِ لا تَسمَحُ لِي بِذَلكَ) .
نَرَى أَنَّ الرَّاوِيَةَ لَمْ تَذكُرْ سَبَبَ عَبَثِ زَوجِهَا بِنَبَضَاتِ قَلبِهَا وخذلانه لأحد ؛ (لِمَكانَتِهَا فِي المُجتَمَعِ)، وَهِيَ دَلَالَةٌ جَمِيلَةٌ تُضِيفُ إِلَى القِصَّةِ مَعنًى مَوْضُوعِيًّا وَوِجدَانِيًّا يِتَعلَّقُ بِشَخصيَّةِ الرَّاويَةِ ، وَكَأنَّهَا تُوضِّحُ أَنَّ بَعضَ الأَشخَاصِ لَا يَبُوحُ بِمَشاكِلِهِ العَائلِيَّةِ وَالشَّخصِيَّةِ؛ مِنْ أَجلِ الحِفَاظِ علَى مَكَانتِهِ في المُجتَمَعِ المَرهُونَةِ بِسَلامَةِ حَيَاتِهِ الزَّوجِيَّةِ وَمَكانَةِ أُسرَتِهِ في المُجتَمَعِ وقد تَكُونُ هُنَاكَ قِرَاءَاتٌ أُخْرَى للنَّصِّ ، كَذَلكَ نَرَى فِي قِصَّةِ (عَينٌ تَنتَصِرُ) تَبْدَأُهَا القَاصَّةُ بِأُسلُوبِ السَّردِ الذَّاتِيِّ أَيضًا ؛ لِتَروِيَ لَنَا فِكرَةَ تَأْسِيسِ جَمعِيَّةٍ ثَقَافِيَّةٍ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْخَاصٍ ، تَنتَقِلُ مِنْ خِلَالِهَا إِلَى حوَارٍ خَارِجِيٍّ يَدُورُ بَينَ هؤلاء الأَشخَاصِ وَتَتَّحِدُ فِيهِ الرَّاوِيَةُ بِشَكلٍ مُتَفَاعِلٍ مَعَ النَّصِ:
(قَاطَعَتْ مَريَمُ الحَدِيثَ الدَّائر لِتَسأَلَ طَارِق :
مَتَى سَيَتمُّ عَرضُ مَسْرحيَّاتِكُم؟
أَجَابَ: بَعْدَ أَنْ أَضَعَ عَينًا أُخْرَى!
تَوجَّهَتِ الأَنظَارُ نَحوَهُ
وَلَاحَظْنَا أَنَّهُ يُغَطِّي إِحدَى عَينَيهِ بِلَاصقَةٍ ،
وَلَمْ يَسأَلْ أَحَدٌ لِمَ إلَّا عِندَمَا أَشَارَ إِلَيهَا
قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّكَ مُصَابُ حَربٍ).
نَرَى أَنَّ شَخصِيَّةَ طَارَقٍ وَحْدَةٌ دَلَاليَّةٌ جاءت مِنْ وَحدَاتِ المَعنَى الَتِي يَقُولُهَا أَوْ تُقَالُ عَنْهُ؛ فَهُوَ مُصَابُ حَربٍ يَرْوِي حكَايَةَ دُخُولِهِ الحَربِ فِي مُلَاحَقَةِ إِحدَى العِصَابَاتِ الإِرهَابِيَّةِ ، وَأَصَابَتْهُ فِي إِحدَى عَينَيهِ الَتِي تَجعَلُ مِنهَا القَاصَّةُ مِرْآةً وَرَمزًا للنَّصرِ عَلَى الإِرهَابِ مَعَ شَفْرَةِ اللَّونِ التِي يَحملُهَا العَلَمُ؛ وَهُوَ اللَّونُ الأَخضَرُ الذِي يُرْمَزُ بِهِ دَائِمًا لِلخصُوبَةِ وَالآخَرَةِ السَّعِيدَةِ :
(سَادَتْ لَحظَةٌ سَكَتْ فِيهَا الشَّجَنُ ، تَطَلَّعنَا إِلَى وَجهِ طَارقٍ ، رَأينَا فِي عَينِهِ السَّلِيمَةِ عَلَامَةَ النَّصرِ وَعَلَمًا بِعَينَينِ خَضرَاوَينِ) .
( 3 )
فِي قِصَّةِ (الزَّائِر) تَعتَمِدُ القَاصَّةُ فِيهَا علَى فِكرَةٍ وَاضحَةٍ تَتجَسَّدُ فِي رُؤيَةٍ شَخصِيَّةٍ في مُنَاسبَةٍ اجْتمَاعِيَّةٍ تُعطِيهَا اهْتمَامًا كَبِيرًا ضِمنَ حوَارٍ ذَاتِيٍّ (المُونُولُوج المُتَدَاخل) الذِي يَمتزجُ فِيهِ صَوتُ القَاصَّةِ بصَوتِ الشَّخصيَّةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ ، وَتَجعلُ الفِكرَةَ تَنمُو لِتَصلَ إِلَى شَكلٍ يَختَلِفُ عَمَّا تَوقَّعَهُ المُتلَقِّي:
(كَانَتِ ابتِسَامَتُهُ كَشَمسِ الصَّبَاحِ ، يُطِلُّ الفَرَحُ مِنْ عَينَيهِ اللَّتَينِ تَتَجوَّلَانِ بَينِي وَبَينَ العَرُوسَينِ…
حتَّى اخْتَفَى !
هَلْ عرف أَنِّي رَأَيتُهُ ؟ …
لَا يَهمُّ
المُهمُّ أَنَّ شُعُورًا غَرِيبًا انْتَابَنِي؛ فَرَح ، دَهشَةً ، حُزْن ، لَا أَدرِي!).
وَفِكرَةُ القِصَّةِ تُصَوِّرُ لَحظَةً إِنسَانيَّةً واجْتِمَاعيَّةً يَعِيشُهَا النَّاسُ فِي كُلِّ زَمانٍ وَمكَانٍ؛ وَهِي فَرحَةُ حَفَلات الزواج وَامْتدَادُ هَذِهِ الفَرحَةِ إِلَى شَريحَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الأَقَاربِ وَالمعَارفِ وَالأَصدِقَاءِ ، حتَّى تَتداخَلَ مَعَ هذِهِ الفَرحةِ تَجلِّيَاتٌ وَهَواجِسُ دَاخِلِيَّةٌ لِشَخصيَّةِ البَطَلَةِ (وَهِي الرَّاويَةُ) الَّتِي تَرَى حُضُورَ أَخِيهَا الشَّهيدَ الدائم في نهَايَةِ القِصَّةِ؛ لتَكُونَ قَفلَةً مُنَاسبَةً وَمُفَاجئَةً للْقَارِئ وَكأنَّهَا تُرسِلُ رِسَالَةً تُؤكِّدُ فِيهَا حُضُورَ الشُّهدَاءِ فِي ضَمائِرنَا وَوِجدَانِنَا كَأنَّهُم أَحيَاءٌ بَينَنَا .
(4 )
قصَّةُ (مَلَاك جرَاح) نَرَى أَنَّهَا كُتِبَتْ بِأُسلُوبٍ سَلِسٍ وَمُشَوِّقٍ انْفَتَحَ علَى بِنْيَةٍ سيكُولُوجِيَّةٍ وَظَّفَتْهَا القَاصَّةُ فِي تَجرِبَةٍ اقْتَحَمَتْ فِيهَا العَالَمَ التَّخْييلِيَّ لِوَاقِعِ أَبطَالِ القِصَّةِ في جَانِبٍ مِنَ المُعتقَدَاتِ السَّائدَةِ الَتِي يُؤدِّي فِيهَا الاشْتغَالُ التَّرمِيزِيُّ (الخَرُوف في القِصَّة) دَورًا دَلَاليٍّا لَهَذِهِ المُعتَقَدَاتِ:
(سَأَلَهَا الرَّجُلُ صَارخًا: مَاذَا تَفعَلِينَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ المُتأَخِّرَةِ مِنَ اللَّيلِ هُنَا؟
بِصَوتٍ مُرتَجِفٍ أَجَابَتْ: جِئْتُ أَشتَرِي خَرُوفًا!
قِيلَ: إِنَّ هُنَا مَكَانًا لِبَيعِ الخِرَافِ.
لَمْ يَنتظِرْهَا لِتَبتَلِعَ ريقها ،
رَفَعَ عُكَّازَهُ وَضَرَبَهَا عَلَى رُكْبَتَيهَا).
نَرَى مِنْ خِلَالِ قَرَاءَتِنَا أَنَّ القَاصَّةَ عَلَى الرَّغْمِ مِنِ اِسْتِخدَامِهَا أُسلُوبَ الوَصفِ التَّعبِيرِيِّ الَذِي أَدَّى إِلَى حُضُورِ القِصَّةِ بِأَجوَائِهَا وَأَبطَالِهَا وَتَقَدُّمِهِم عَلَى الرَّاوِيَةِ ، فَإِنَّ حُضُورَهَا ظَلَّ وَاضِحًا فِي مُعظَمِ سُطُورِ القِصَّةِ .
( 5 )
كَانَتْ هَذِهِ قِرَاءَةً لِنَمَاذِجَ مُختَارَةٍ مِنَ المَجمُوعَةِ القَصَصِيَّةِ ، نَرَى أَنَّ الكَاتِبَةَ مِنْ خِلَالِهَا وَبَقِيَّة النُّصُوصِ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تُثبِتَ قُدرَتَهَا عَلَى تَنوِيعِ الأَسَالِيبِ التَّعبِيريَّةِ فِي تَطوِيرِ جَمَاليَّةِ تَجرِبتِهَا القَصَصِيَّةِ.

ماجدحميدالغراوي

آمنة برواضي في حوار ” مع الناقد ” /// مع الأستاذة الباحثة : الرضواني نجيمة

أمنة برواضي في حوار ” مع الناقد”
مع الأستاذة الباحثة الرضواني نجيمة.
السلام عليكم أستاذة الرضواني نجيمة.
أولا أرحب بكم، وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبدوري أرحب بكم وأشكركم على اهتمامكم بالباحثين والمبدعين وبمجال النقد الأدبي بالخصوص.
ليكن أول سؤال:
من هي الرضواني نجيمة؟
جواب:
نجيمة الرضواني طالبة باحثة بسلك الدكتوراه مزدادة بدور أكردحا، قبيلة بني توزين التابعة لإقليم دريوش، ريفية الأصل. تلقيت التعليم الإبتدائي بمدينة فاس، والتعليم الإعدادي والثانوي بمدينة ميضار ، حصلت على شهادة الباكلوريا تخصص آداب ولغات سنة 2010م ، وشهادة الإجازة تخصص الدراسات العربية، عنوان البحث “مناهج الدرس الأدبي “سنة 2013م بكلية المتعددة التخصصات بالناظور ، وشهادة الماستر تخصص “الدراسات اللغوية – مفاهيم وقضايا – بمشروع بحثي “التواصل السيميائي وتحليل الخطاب – نماذج تطبيقية -“سنة 2013م بجامعة محمد الأول كلية الآداب والعلوم الإنسانية – وجدة – وحاليا في السنة الثانية من سلك الدكتوراه، تخصص آداب اللغة العربية – مفاهيم وقضايا- بمختبر الأدب والبناء الحضاري بوجدة، إشرا ف الدكتور الفاضل محمد عبدالاوي . ومهتمة بالكتابة الإبداعية في مختلف الأجناس الأدبية؛ كالشعر والقصة والخواطر والمسرح …
سؤال:
2 – من موقعكم كباحثة ومهتمة بالنقد الأدبي كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية ؟
جواب:
فيما يخص النقد الأدبي هناك عراقيل عديدة تحول دون تحقيق أهدافه خاصة فيما يخص المناهج الموظفة في تقييم الأعمال الأدبية، ومع كثرة الإصدارات الأدبية، واختلاف الأذواق من ناقد لآخر يصعب تقييم الأعمال الأدبية’ ومستقبل النقد الأدبي في مسار التطور، مادام هناك مناهج مختلفة تعالج النصوص الأدبية من زوايا ورؤيا مختلفة.
سؤال:
3 – ما المواصفات التي يجب توفرها في العمل الأدبي ليجد صداه عند النقاد؟
جواب:
المواصفات التي يجب توفرها في العمل الأدبي ليجد صداه عند النقاد، الإحساس الصادق ومطابقة العمل للواقع، المقصود معالجة قضايا الحياة والإنسان والواقع.
سؤال:
4- بصفتكمً من المنشغلين بالبحث العلمي يمكنكم أن تحدثونا عن الإكراهات التي تعترض طريق الباحث؟
جواب:
بصفتي طالبة باحثة بسلك الدكتوراه، هناك إكراهات عديدة ومختلفة، يواجهها الطالب الباحث من بينها:
الخطوات المنهجية في اختيار المادة الأولية المناسبة للموضوع، بالاضافة إلى صعوبة التركيز على تصميم مناسب.
سؤال:
5 – ماهي رسالتكم للباحثين خاصة الشباب منهم؟
جواب:
رسالتي للباحثين والمهتمين بمجال البحث العلمي ألا يكون همهم فقط جمع المادة الأولية المناسبة لموضوع البحث، بل التركيز أكثر على كيفية توظيفها ومعالجتها والسعي إلى تقديم تصورات وآراء جديدة، تغني بحثهم العلمي.
سؤال:
6 – باعتبار أنكم زاولتم مهنة التدريس بالتعاقد مع وزارة التربية الوطنية ماهي الإكراهات التي واجهتكم؟وكيف ترون مستقبل التعليم بالمغرب؟
جواب:
زاولت مهنة التدريس بالتعاقد لمدة سنة ونصف في التعليم الابتدائي بمدرسة ميضار الجديدة التابعة لإقليم دريوش سنة 2011م كأستاذة لسد الخصاص كانت تجربة رائعة بالنسبة لي لن أنساها أبدا تعلمت منها الكثير ، خاصة مهارة التواصل الإيجابي مع المتعلمين في المستويات الأولى، واكتشاف مهاراتهم المختلفة، أهم العراقيل التي
واجهناها صعوبة استيعاب وفهم المتعلمين للدروس لكثرة المواد الدراسية.
مستقبل التعليم في المغرب سيواجه مجموعة من الإكراهات لصعوبة تطبيق المناهج التربوية المسطرة وخاصة مع جائحة كورونا، الذي يفرض التعلم عن بعد.
سؤال:
7 – لكم ديوان شعري “همسات “
كما لكم كتابات في القصة القصيرة، ومقالات نقدية متعددة. هل هناك مشاريع في الطريق؟ وإذا وجدت هل حدثتمونا عنها؟
جواب:
نعم، ألفت ديوان شعري “همسات ” سيري النور عما قريب إن شاء الله تعالى،ومجموعة قصصية قصيرة “صوت الصدى” “إني أنثى ..” “أنين دهر ” “صورة مرآة ” “دقات ساعة ” “سحر السجون “
وقصيدتي “روحي فلسطين”شاركت بها في ختام السنة الدراسية بوجدة حصلت خلالها على جائزة قيمة متمثلة في مجموعة كتب، وشاركت بها أيضا في يوم دراسي عن القدس بمركز الدراسات والبحوث الاجتماعية بوجدة سنة 2016م
وقصيدة “يومك ياغزة ” ألفتها بمناسبة يوم الأرض لفلسطين بإشراف جمعية النبراس بوجدة سنة 2019م.
والمشاركة بالقراءات الشعرية في الملتقى الخامس
للإبداع النسائي بالمغرب يوم 12-13 أبريل 2019م
فرع كتاب المغرب بالناظور .
وهناك أعمال أخرى كتابات مسرحية “أطفال العالم “وهي مسرحية تربوية ألفتها سنة 2012م وقام بتمثيلها تلامذة المستوى الأول الابتدائي، وشاركت في مسابقة الإبداع المسرحي لمؤسسة ميضار الجديدة بميضار ،وهناك أعمال أخرى مسرحية “الباب الذهبي ” قام بتمثيل شخصياتها طلبة ماستر الدراسات اللغوية فوج 2017 بإشراف أستاذ المسرح محمد البرنوصي. وهناك مشاريع إبداعية أخرى قصص قصيرة تربوية موجهة للمتعلمين في المستوى الابتدائي. وإبداعات شعرية ومسرحية؛ لأن الكتابة بالنسبة لي هي الحياة التي تعبر عن خوالج أنفسنا ومرآة الواقع نصور من خلالها أحداث الحياة. شعاري: “الكتابة أساس الحياة “
ومهتمةً بكتابة المقالات العلمية والنقدية، شاركت بها في مؤتمر الرباط سنة2018 بعنوان “أهمية الأعمال اللغوية في تطوير اللغة العربية – أعمال ومقال “اللغة العربية بين المعجم الذهني العربي”في اليوم الدراسي من قضايا المعجم في الدرس العربي الحديث يوم 16ماي 2019 م بتنظيم مختبر الأدب والبناء الحضاري ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة.
ودراسة سيميائية لرواية ” على ذمة التحقيق “للكتابة المبدعة أمنة برواضي …وهناك أعمال لغوية ونقدية ستنشر قريبا إن شاء الله.
سؤال:
8 – حصلتم على شهادة تكوين كمنشطة المسرح، كما لكم كتابات مسرحية موجهة للطفل.
ما هي العراقيل والمتعة، التي يمكن أن تصادفكم وأنتم تكتبون لهذه الفئةالعمرية؟
جواب:
لشغفي واهتمامي بالإبداع المسرحي، سجلت في ورشة المسرح التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة وكما قمت بعملية التنشيط المسرحي بمؤسسة الرياض بوجدة وحصلت على شهادة كمنشطة مسرح، وأحسست بمتعة كبيرة وأنا أكتب لفئة عمرية صغيرة، متعة الكلمات البسيطة ذات معنى ودلالة، والمتعة الأكبر في تمثيل الأدوار ببراءة وعفوية وصدق تجذب المتلقي والجمهور .
وأخيرا أجدد شكري لاهتمامكم بالإبداع الأدبي والنقدي، وفتح المجال للتواصل والحوار مع الشخصيات المهتمة بالأدب والنقد، وتسليط الأضواء على أعمالهم العلمية والأدبية … ورسالتي للجميع الاهتمام بالقراءة والكتابة، لأنهما أساس المتعة واكتشاف أسرار الحياة، والتفكير السليم لتحقيق أهدافنا التي هي سر وجودنا.
شكرا لكم سيدتي الفاضلة، وفقكم الله في مسيرتكم.
حاورتها الروائية أمنة برواضي.

بقلم : باسم عبدالكريم العراقي

من اسباب ثورتنا :

{ فصول من مسلّة العشق العراقي / تبحث عمن يكمل ترجمتها }
نُقِشَ على احد جوانبها :
شرع مواطنن بصري يسكن بيتاً طينياً في جفن حقلٍ نفطي ، بترجمة اولى فصولها، الا انه
اعتقل في اليوم الاول للتظاهرات الاحتجاجية ، ولم بُطلق سراحه حتى الآن
لأنه يرفض التوقيع على تعهد بعدم عودته للمشاركة فيها ثانيةً . ويتولى معتصمون
من شتى اماكن ومدن وادي الرافدين ، اكمال ما بدأ به …رغم تعرضهم للاغتيال ……

انسلال …/ لا اجابات ..؟؟ …. :

مَن هــ…….
غرباً ….. بصاقُ أرصفةِ الضباب ..
شرقاً ….. نُعاب [ باب ] اليباب ..
………………………………………ـم !!؟؟؟
ارتقاب !!! / لا اسئلة … :
احمَرُ الفجر* .. اورقَ …
مواسمَ ظَماء ….. وسّغب ..
…..الافواه .. تمضغُ
شهقاتِ الوجوم ..تعاقر اللهب
تزدرد .. { ميليشيا بلا لثام تختطف ابن الهيثم }
… الانين … و الصبر يحتطب
اضلاع الوجل ….لبشتجرَ في العيون
ضرامُ نبضِ الغضب ..
….( الطرقات تتربص بالخطوات )
موسم البذار ../ جواب بلا سؤال… :

…{ كتلة تطهير : عُتبة مطلوب وفق المادة 4 ارهاب
………..على ابيه غزوان تسليمه إلينا بأسرع وقت }.
..عيون الخصيب… واحات… رماد.. تنزف الحنين جمراً… لموؤودِ البعاد … فيجترح…{ دور النفط موصدة الابواب ، مشرعةُ الشبابيك } في مساجد السراب كبيرةَ إثمِ الحلم : …كأنَّ…. اباه شقُّ إيوانَ وأدهِ… وعاد على اجنحة سندبادية .حاملاً على وتينه ..{ شاهد عيان :سيدة البشارة تلوذ بجامع الفقير } للقصرِ أمَّهُ السبيةً
في ارشيف الحرائق …
…و…اذا .. اربابُ المُحول
……يسلخون عن تموزَ الفصول
منفياً من كل الحقول../ ..يـ…ـنـ. ـأ ..ى ……..القـ…ـمـ..ـر
شريداً .. يقيم لنخلته ………. مزار
بين شـ……ـطِ السّغَب……. وأُوارِ العشّار
… يخصفُ ملح جنات* القِفـــــــــــــــــــــار
على عطشِ ………. عـ…ـشـ….ــتــ….ـا…..ر
…….عـطشٌ { مستعطٍ مقيم: التومان يطارد الدولار في شارع دينار }
……….عطشٌ …/ الـ…ـ. ـر ..يـ…ـح.. تصـ…ـر.. عـ….ــر..ا…ق
…………عطش
….. لا …. رجْعاً { تعميم مذكرة اعتقال بحق واصل بن عطاء }
غيرُ الـ ……ـغُـ…
{ محاولة لثامية لتهجير الإمام الشافعي }….ـبـــ
………………..ـا…..
…{ الرميلة لاترضع صغارها }…………………ر …
…..(
فصل الحصاد ../ سؤال بلا جواب … :
الضروع … مصطبرةً تلوك الجوع
لعلَّ البسملة
لمرّةٍ … مَرَّة
تسَّاقطُ رغيفاً ..( الجياع يتجمهرون في سرادقات عزاء السنابل )
…………….. لا حَوقَلَة …
…./ عـ ……ـيـ .ـنا ..كِ…..غـ.. ـابـ……..ـتا … ..
تفتي بفجور
سنبلةَ { :توقيف ابن سيرين بتهمة تفسير احلام العصافير}
……..المطر
……………مط……..رٌ
………………..مـ…ط….
..{ انتفاضة شارع النضال تعبّد شارع الوطن }… م……، … .. .
كونها بغتْ .{ بيان : تقرر منع ( صوت صفير البلبلِ ) لأسباب امنية }
اذْ رقصتْ
على شفاهٍ قد ضوَتْ
.{ناشط مدني: المتظاهرون يبحثون عن التوأمين ماء وكهرباء تولُّد 1932}
فعذُبَ الرُّضاب
ثم شَدَتْ (عواجل فضائيات احزابية :اعتقال مندسيـ .. مخربيـ.. متظاهرين ).
من غيرما حجاب :
(( افنى واموت على البصرة)) *
وغازلتْ خور* الخفر { الكتلة الاكبر: مجهول احرق مكتبة الاصمعي
…………………….لكننا انقاذنا كتابيه ( الوحوش ) و( الشاة) }………..
فردّدَ ترنُّماً .. :
(( عودْ إلحبيبكْ عودْ ..)) ../ الـ … ـشـ…ـمـ..ـس …أ..ـمـ..ـل …
..و رقصها مفسدَةٌ
غناؤها …. ظلالةٌ ( دهس محتجين بعجلة مكافحة الارهاب …
حدُّهما وجوباً
جَلدٌ و نفي من ( الاحتجاجات تجتاح ميادين الجراحات ) الربوع
من غيرما امل ….بالرجوع ..
….و …{ عاد اخوان الصفا من منفاهم للمشاركة بالاعتصامات }
..من جديد …ذات الخُرور
لعتيدِ زمزمتهِ متوسلاً …خمودَ…وهجِ الوادي التليد ..
و…من جديد .. تضجُّ بالحسيس اقبيتُهُ الغارقة …بالبخور …
فيعيد الهشَّ.. بصولجانهِ ..على ظهور مسوخهِ العبيد …
كيما يجأروا بآلائهِ .. بين جموع … يلوكها النزوع .. :
هو من يتنزّل عليه ….وحيُ الغائبِ المحضار
بأسرار قدسي البذار …لينشرَ في قلب البوار
فرادسَ دانية الثمار … فيها زلال الماء انهار
فهو جنتكم وهو النار…. فأطيعوه مالكم خيار
….{تقرر توزيع تنور ابن المقفع على المرابد مجاناً}
… ينعبُ الصدى …. :
……………..{ تنهال على الشط ، رسائلُ كارونيةَ المبازل
……………….ملحيةَ النوازل ، ينقلها مكرهاً لحبيته حناء البساتين }
..الحشرجات التنّومية. تختلج في الصدور المشخابية
ترسم ، ميسانيةَ النشيج ،….قسماتِ هشيم البساتين البرجسية ،
…تكابر … تعتصر عنادها … لتسقيه زقزقةَ ..
ضحكاتٍ جيكورية ( هتافات بابلية الهزيم ترددها الساحة العشرينية ) ..
تحظُّ..على شرفات الوشوشات الشناشيلية ……………
…….عن مشحوف اسمر مخر طامي لجج الحرائق الهورية ..
…./ أ..يخـ …ـو ..بلا…ه .. ا..ن….خا…فكيـ .. ـف يكو..ن
حاملاً أبوذيةً اوروكية…. لثغر قيثارةٍ اورية … …
….فتصــــــــــــــــــدحَ بالوعد …… ســــــــــــــــــاحةُ سعد . … ( يفيد مراسل صحيفة جذور النور ، يهرب من القناصين …….مزدوجي الرصاصة : ثورة الصدور العارية ………….. ترفع شعار ـ الفجر الابيض )… ….. …السؤال عرف الجواب …. : …..والوعـــــــــــــــــــــــــــدُ …………..{ جاء في رسالة الجاحظ ( في استنجاز الوعد ) أن ……………..الخضراء انطلقت من حيِّها لتحرر اختها
………………………………… من منطفتها السوداء }
………………………………..عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهد … ؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
اولاً/ النص الاصلي موزع على 4 نصوص الاول/ المتن الظاهر، والثاني محصور بين
القوسين { ..} ويتضمن اشارات تاريخية و ادبية تراثية واماكن بصرية ، والثالث
محصور بين القوسين ( .. ) ، والرابع ابيات شعرية سيابية مقطعة ومحذوف
بعض حروفها لغاية رمزية معنوية ، وهذه الابيات مذكورة بعد العلامة /
والمعنى النهائي للنص الاصلي يتشكل من مجموع معاني النصوص الاربغة
ثانياً / معاني الاشارت المؤشر عليها بالعلامة * :
ـ الفجر : اشارة الى معركة احتلال العراق 2003 التي حملت اسم / فجر الغراق
ـ الخصيب و القصر : اشارة الى مدينة ( ابو الخصيب ) وميناء ( ام قصر ) البصريتين
ـ جنات : اشارة جمعية الى ( جنة عدن ) التي يرجح بعض المؤرخين انها مكانياً كانت
في موقع مدينة ( القرنة ) الحالي
ـ مامذكور بين القوسين المزدوجين (( ..)) مقاطع غنائية بصرية باللهجة الدارجة
ـ خور : اشارة الى ( خور الزبير ) و ( خور عبد الله ) البصريين
ـ سعد : ومفردة ( ساحة ) بعده ، اشارة الى ( ساحة سعد ) في البصرة وهي المكان
الذي انطلقت منه انتفاضة عام 1991 ضد النظام الشمولي السابق
ـ حيها : اشارة الى ( حي الخضراء ) احد احياء البصرة
ـــــــــــــــــــــــــــ/ باسم عبد الكريم العراقي / وادي الرافدين

بقلم : محمد حديش

{ زجل مغربي}

الخيل يا الخيل
~~~~

الخيلْ يَالخيلْ ؤُفينْ مَّاليكْ
سَخْفوكْ فَ الْمَحْرَكْ غْبابَرْ
نَخْوَةْ زْمانْ عْلاَّمْها تَرْزَمْ
السَّرْبا عْطَشْ بارودْها بْرَدْ
اليدْ مْحَرْفا هازَّا لَمْكاحَلْ
ؤُالشُّوفا ضْبابْ مْتَلْفا رْكابْ
تْبوريدا تْعَكْلاتْ فَ المَحْرَكْ
وَسْروجْ رْكَبْها مَجْمَعْ لْعَرَّامْ
الْعاوْدْ حَرْنَطْ ؤفينْ الرَّاكَبْ
لَڭْياطَنْ مْسَتْفا شَلاَّ عْيوطْ
قَجْ مًّاسَمْها الجَّيْحا العْدُوَّا
كَتْفاتْ رَواجْ ڭْوافَلْ الزْيارا
تْوَحَّشْ الخيلْ ريحَتْ لْمَحْرَكْ
يَتْبورَدْ نَخْوا وْيَتْحَيًّرْ فَرْحانْ
وْالنَّاسْ مْعَمْرا الموسَمْ هيتْ
كولْها زاهي مْقَصَّرْ تَفْجاجْ
نَشاطْ مْكَفَّحْ شْطيحْ الوَقْتْ
بَعْدْ الحْصادْ مْعَصَّرْ ڭْناطَرْ
زْغاريتْ مْزَهَزْها الموسَمْ
تْصَلِّي عْلى نْبينا العَدْنانْ
وَالْخيلْ تْبورْدْ هازَّا الرَّاسْ
عَلاَّمْ السَّرْبا عْريسْ الخَيْلْ
غِيرْ المْقَدًّمْ يْآمَرْ التْخْريجا
يْصَيَّحْ غَوْتا مْسَمْعا العْضامْ
وااالْخَيَّالا يْدِّيكْ عَالْمْكاحَلْ
ڭاد صْفوفْ الْخِيلْ ؤُتْحَكَّمْ
يْدِّيكْ عْلى لْقَرْصْ ياحَفيضْ
يااااحَفيضْ آاااضْرَبْ ضْرَبْ
طَلْڭا وَحْدا ڭَعْڭْعاتْ لْمَحْرَكْ
تْزَلْزَلْ لَكْلوبْ بَشْعيلْ الْبارودْ
دْخاخَنْ نَخْوَةْ سَرْبةْ الْجودْ
كولْشي يْصَفَّقْ يْحَيِّي الفُرْسانْ
مَحْلاها يَّامْ تْعودْ عَزْ مَنْ جْدودْ

ب͠ق͠ل͠م͠ م͠ح͠م͠د͠ ح͠د͠ي͠ش͠
م͠.ج͠.ح͠
16\08\2020

بقلم : إبراهيم عبدالكريم

قصة
الوالدين وكورونا.
مرت سنين على وفاة رب الاسرة، لا شيء يجمع شمل أفراد العائلة على عمل أو كلمة خير لحل مشكلة الإرث. كل فرد يريد النيل من أخيه أو أخته باستعمال كل ما لديه من الطرق والوسائل. صراع بين ثلاثة أولاد وفتاتين. ٲما الام العجوز فقد حار ٲمرها. في البداية حاولت وبكل الوسائل جمع شمل ابنائها لكن حينما اشتد الصراع بينهم التزمت العزلة والحياد. رجعت لتستقر في المنزل العائلي الذي عاشت فيه مع زوجها لسنين عديدة قبل وفاته. من حين لآخر تزور ابنتها الصغيرة التي مازالت تتابع دراستها الجامعية. أصبحت دون معونة ولا مساعدة مالية منذ وفاة زوجها، حتى زيارة الٲبنائ لها ٲصبحت شبه منعدمة. استحوذ الذكور على جميع ما تركه والدهم من الثروات، خاصة منهم الابن البكر المستفيد الأكبر من الوضعية المتازمة التي تعيشها العائلة. الكل يريد نصيبه، لكن حسب قوانينه ورغبته الخاصة. الضحية من هذا كله هي الأم والبنات. غالبا ما كانت الأسر تحرم العنصر النسوي من حقه في الإرث. ترك الاب ثروة كبيرة وكثيرة. مكونة من أراضي فلاحية و عقارات للكراء. اشتد الخلاف بين ٲفراد الاسرة إلى درجة التهديد بالقتل. كل مرة كانت الأم تعيد محاولاتها للتوفيق بينهم إلا أنها فشلت أمام غطرسة ٲلابن البكر الذي استحوذ على ٲغلبية الثروة كما كان يقف في وجه كل محاولة للصلح والتقسيم العادل. تدخلت جهات مختلفة لفك النزاع بينهم، بطريقة سلمية ومتفق عليها. إلا أنه دائما، وفي آخر لحظة يتم الغاء الاجتماع. سارت الأمور على هذا النهج إلى أن قرر شيخ القبيلة وبمساعدة كبار الشخصيات الاجتماع بالأبناء في منزل ٲخيهم الأكبر. لحظة هامة لفك الخلاف بين الأبناء حول الإرث. حضر كل أفراد العائلة، مع مجموعة من الضيوف والجيران.إلا ٲنه لوحظ في الاخير غياب الابن الأكبر، لم يظهر له وجود. في منزله ولا بجوار الضيوف. الكل في المنزل يتحدث عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من انتشار وباء كورونا. هذا الوباء الذي أجبر الجميع على البقاء بمنازلهم. قرار حكومي بالحجر الصحي. لما انتهى الضيوف من وجبة العشاء وشرب الشاي، سٲل الحاضرون عن سبب غياب الابن البكر. لا ٲحد يريد قول الحقيقة للمجمع، ٲلابن ٲلٲكبر طريح الفراش. لا يستطيع الوقوف على رجليه. ٲمام إلحاح الحاضرين، تقدمت ابنت الابن الأكبر إلى داخل المجمع. صاحت في وسطه قائلة” ٲبي طريح الفراش لا يستطيع الحركة” أردفت قائلة” لقد ٲصيب بفيروس كورونا”، قبل ان تنهي كلامها كان المجمع قد تفرق وبسرعة . سماع كلمة كورونا اخاف الجميع. خرجوا مهرولين. لا أحد يريد البقاء في المنزل. حتى ٲلٲحفاد رفضوا الدخول الى الغرفة التي يرقد فيها جدهم. فجاة طلت على مشارف الباب الام العجوز، اندلفت داخل الغرفة لتجلس بجانب ابنها الأكبر، صاح أفراد العائلة خوفا على الأم والجدة. حلقت يمينا وشمالا لتنظر كافة الحاضرين ثم توجهت لهم بصوت خافت قائلة”أنا من يبقى مع ابني، ربيته صغيرا الى ان كبر، والان اعتني به إلى أن يشفيه الله من مرضه”. بعدها قامت للصلاة متذرعة لله عز وجل قائلة” اللهم خذني مكانه، واتركه لابنائه، يا رب العالمين” في هذه اللحظة نظر إليها ابنها، وعيناه تذرف دموعا نادما على ما حصل بسببه، توجه اليها طالبا منها السماح على ما صدر منه في حقها وفي حق إخوته وأخواته. نظرت إليه بنبرة يملؤها العطف والحنان قائلة”كيف يمكن لام أن لا تسامح فلذة كبدها
اللهم اسمح لنا بالوالدين، اللهم ارحمهما، يا رب العالمين.
إبراهيم عبد الكريم

أخطاء سوسيولوجية في زمن كورونا / محمد عاميري

اخطاء سوسيولوجية في زمن كورونا
كان ولازال المرض مجالا وموضوعا للدراسات السوسيولوجية الحديثة التي تخصص فيها مجموعة من الباحثين في علم الاجتماع والانثروبولوجيا، سواء الأمريكيين مع مدرسة شيكاكو او حتى الأوروبيين مع المدرستين الفرنسية والالمانية، كما يعد الدرس السوسيولوجي مع علم الاجتماع الطبي او الصحي مؤطرا لازما لمثل هذه الظواهر. حيث لا يمكن الاكتفاء بالمقاربة الطبية العلاجية الصرفة وحدها، او الاعتماد على المقاربة الامنية للحد من انتشار هذا الوباء، بل وجب تداخل المقاربات والاستفادة من التنظير والبحث الامبريقي الذي سبق، قصد الوصول الى الهدف واحتواء هذه الجائحة. خصوصا وان الواقع اتبت مما لا شك فيه، ان الحد من انتشار العدوى اجدى من علاج المرض، سيرا على مقولة ” درهم وقاية خير من الف علاج”.
مما سبق يبدو جليا ان العلاج من تخصص رجال الطب والمهتمين بالجانب العلاجي الاستشفائي بعد حدوث المرض، ام الوقاية واستباق الوقوع في المرض، فهو من اختصاص علماء الاجتماع الطبي، على الاقل الى حدود ظهور لقاح فعال واكيد، – بعيدا عن المزايدات بين الدول، وتقديم المصالح المادية والاستراتيجية على حساب ارواح الابرياء.- وللأسف الشديد لوحظ مؤخرا مجموعة من الاخطاء في الفهم والتقدير والتدبير، حيث سيطر الشق العلاجي على الجانب التوعوي الوقائي، مما زل بالجميع الى انتشار تمثلات خاطئة لذى المغاربة، قد تربك وتضيع المجهودات المبذولة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

خطأ على مستوى التمثل الذهني عند المغاربة لكورونا.
خلال هذه الاربعة اشهر التي واجهنا فيها هذه الجائحة، تشكلت لذى المغاربة تمثلات سلبية على هذا المرض، حيث اعتبروا المريض مسؤولا عن مرضه، وبالتالي وضعوه في خانة المنحرف كما نَظٌر الى ذلك تالكوت بارسونز مع المدرسة الوظيفية، واصبح المجتمع يُحَمِلهُ عواقب حالته، ويبدو هذا جليا في حالة الاستنفار والخوف التي يُتعامل بها مع المريض اثناء نقله، حيث تدوي اجراس ومنبهات سيارات الاسعاف، ويطوق المنزل والحي، وتتوجه له كاميرات التصوير الهاتفية، مستغلة الفرصة للسبق و للانفراد بالنشر على صفحات التواصل الاجتماعي … ضاربين عرض الحائط الحالة النفسية للمصاب، وظروف الخوف والهلع التي تصيبه. بعد نقله الى المشفى يصبح الحي منبوذا ومخيفا بل يقاطَع تجاره وساكنيه، خصوصا اذا طوق تبعا للإجراءات الاحترازية الواجبة. اما العائلة وغير المصابين من المخالطين فقد يصبحون موضوع شك وريب واحتراز من طرف الاخرين. بعد رجوع المريض وخلوه من الفيروس قد يواجه تغيرا ملحوظا على مستوى العلاقات الاجتماعية، اذ يمكن ان يقاطع من طرف ذويه واقاربه خوفا من العدوى، بل قد يسمع ما لا يرضيه ولو على سبيل المزاح المقصود او ما يسمى ب ” الطنز” في عاميتنا المغربية ” بقيتي كدور حتى جبتيها فراسك ” بعد علينا لا تعادينا” ” عنداك تطلينا” ” حجارك يشدوك ” … مما قد يرجع بنا الى القرون الوسطى حيث كانت المقاربة السوسيوسياسية للمريض تعتمد على نفيه او عزله وفي بعض الاحيان قد يكون مصيره الاعدام والقتل، وقد أرخ لذلك ميشيل فوكو في كتابه “نشأة العيادة” للمزيد من الاطلاع. تمثل اجتماعي خاطئ قد يأزم وضع المريض، ويزيد من تدهور حالته النفسية والبيولوجية، تمثل غير سليم سيساهم من دون شك في تفكك وانحطاط العلاقات الاجتماعية والاسرية، وانتشار الفكر الفرداني ” كلى يدبر لراسوا” وهي حالة مهددة لنسق مجتمع كمجتمعنا الذي يعتمد على التضامن الاجتماعي لحل مجموعة من المشاكل التي عجزت الدولة على حلها، كالبطالة، التكفل بالمرضى والمحتاجين من معاقين، عجزة وايتام ..

خطا على مستوى المفاهيم.
من ناحية المفاهيم، انتشر مصطلح التباعد الاجتماعي للأسف حتى عند ذوي الاختصاص من اجتماعين واطر طبية واعلامين … ففي نظري المتواضع، يعتبر هذا المفهوم مجانب للصواب وهو غير لائق لبلاد كبلادنا، نظرا لما سلف ذكره من قيم التآزر المنتشرة بيننا والمعول عليها لتجاوز الازمة. فالأصح حسب تقديري هو التباعد الجسدي، لان لك مصطلح دلالاته ومنه نستنبط ردة الفعل والتمثلات الاجتماعية المنبطقة منه، ففي مثل هذه الحالات وجب التقارب الاجتماعي مع التباعد الجسدي، خصوصا وان هذه المعادلة اصبحت سهلة التحقيق مع انتشار وسائل التواصل والتكنولوجيات الحديثة من هاتف بالصوت والصورة ومواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح التواصل عن بعد، ك”المسنجر والواتساب” وغيرها… فالتباعد الجسدي املته ظروف العدوى، حيث كلما ابتعدنا عن بعضنا – جسديا وليس روحيا واجتماعيا- كلما قلت العدوى و استطعنا محاصرة المرض، وهو امر واجب ومطلوب، لكن ما الداعي الى التباعد الاجتماعي والذي يحمل في طياته ما يحمل من اثار سلبية على المريض، مما قد يدفعه الى التفكير في كونه مرفوض مجتمعيا، و قد يخلق لديه نوع من الرفض للأوامر، او تأزم حالته المادية مما يدفعه الى الخروج للبحث عن حاجياته وحاجيات عائلته، ضاربا عرض الحائط كل التعليمات الوقائية وبالتالي نشره للمرض. فكلما تواصلنا اجتماعيا لا جسديا مع المريض، كلما خففنا من ازمته وخوفه وساعدناه على العلاج والرجوع الى الحالة السوية، وبالتالي عدم نقله المرض للأخرين. فمزيدا من التباعد الجسدي ومزيدا من التقارب الاجتماعي.

خطأ على مستوى القيم
بعد ان ظن الكل ان البلد في مأمن من الفيروس، حيث كانت عدد الاصابات محدودة حسب ما ينشر من جهات مختصة، تغيرت الآية بعد العيد اذ ارتفع العدد وانتشر الرعب والخوف، وضاعت مكاسب كنا نفتخر بها بين الامم، على حد قول المثل الشعبي ” لي حرت الجمل دكو”، وبدأت اوجه الاتهام والاشارة بالأصبع توجه لهذا وذاك. وضعية كنا سنكون في مأمن منها لو غيرنا تعاملنا القيمي، وتجاوزنا الضغط والاكراه الذي يفرضه الضمير الجمعي والديني في شان عيد الاضحى، واتخذنا القرار بعدم القيام بهذه الشعيرة مادامت اصلا غير واجبة وانما سنة لا حرج في تجاوزها. او ترفعنا عن الحسابات الاقتصادية الضيقة التي لا قيمة لها امام صحة المواطن والوطن، فما استقاده الفلاح من بيع لأغنامه، يؤديه الوطن الان على المرضى والمخالطين، والامر الى حد الان لا يعرف مآله، حيث انتقلنا من وضعية مستقرة متحكم فيها، الى وضع مريب غامض واصبح القرار الاكثر سيطرة هو ” طلع للكرمة انزل شكون قالها ليك” “لا سلة لا حب الملوك”.
قيمنا لازم علينا المحافظة عليها وفق مبادئنا وثوابتنا لأنها تشكل هويتنا، لكن مفروض عليها ان تساير الركب الحضاري وان تتحدث حتى لا تهلكنا ونكون امة ضحت من جهلها الامم.
محمد عاميري
زاوية الشيخ في 22/08/2020

ميزان الحكمة // زجل // بقلم : محمد كتامي 🏌️‍♂️🏌️‍♂️🏌️‍♂️🏌️‍♂️🏌️‍♂️🐽🐽🐽🐽🐽🐽🐽

ميزان الحكمة

يا ميزان الحكمة
حكم مبين اليجور و المأجور
تغلقات المصايب بالياجور
و صبح العاصر معصور
لا عشا لا فطور
طايح منشور
شحال فلقفز من عصفور
شحال من نسر حر تيدور
المصايب من القدام و اللور
الواد حمل كلشي مجرور
حتى الرياضة معطرة عطور
أما العلم سكن فالقبور
حي و ميت فسطور
حار و فنان فالحرور
يتشوط الجار و المجرور
ريحتكم عطات اكثر من البخور
دور دور
يا مول الجمر و علي فالسور
يا خالق الطرقان و النور
وريني طريقي
واخا محجوبة بألف سور و سور
اغفرلي ذنوبي وانت الرحمان الغفور
يا رافع السموات و باسط البحور
نور عقولنا بحكمتك
و نورها بداك النور
لي ما يعرفو منك مغرور
هب هبة بريحك وكشف المستور
يا الفرحان بالدنيا
الدنيا كيف سبعة ايام الباكور
يا مالين الصورة فين الشعور
يا صحاب الهيضورة فين العشور
يا الميتين بلا قبور
يا المسحورين بلا سحور
علاش تتهاجر ألأطر
فين ميزان الحكمة فالأجور
فين؟ لا يكون المسلم مسلم حتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه
يا المغرور سول فراسك راك راجع باللور
و الله و ما صفيتي لا شربتي
و ما تنساش ما تحصد غير لي زرعتي

قصيدة من ديوان غيوانيات مجذوب
للشاعر الزجال محمد كتامي🇦🇱💖🌺💦🌺💖🌴
22/08/2020

قصة قصيرة ( في بيتنا .. مدمن ! ) بقلم : ماجدة تقي

في بيتنا .. مدمن ! …………قصة قصيرة

حديث ذو شجون
قال لي والتعاسة تبدو على تقاسيم وجهه وعيناه اغرورقت بالدموع:عندما اكتشفت أن ابني الأكبر يتعاطى المخدرات، أُصبت بالدهشة والوجع، لم تكن الحيرة وحدها رفيقتي بل منذ تلك اللحظة كاد الخوف عليه وعلى مستقبله أن يقُتلني وكيف سيواجه أسرته، عائلته، ومجتمعه الذي يعيش فيه؟
لم يغب هذا التاريخ عن بالي، ولم تمحوه ذاكرتي رغم مرور اثنا عشر عاماً عليه، ومنذ ذلك الزمن قررت مواجهة المشكلة، ومحاولة إيجاد حل سريع وفعال لها لكن كي يتوقف إبني عن إدمانه ، يجب أن يكون قراره هو في التخلص من الإدمان ، فقد عرفت أن هذا أهم خطوة لعلاجه ، يأتي بعد ذلك البحث عن متخصص، ومن ثم بذل الجهد والمال حتى يعود ابني إلى حياته الطبيعية.
فرحلة التعافى بالنسبة لعائلة المدمن تعد الأصعب والأكثر آلمًا فى حياتهم.
كنت لا أملك أدنى خبرة عما يجب عليَّ أن فعله تجاه هذه الكارثة ، هذه التجربة الأليمة كانت ولازالت للآن هي المحنة الحقيقية لي كأب مسؤول عن عائلتي وأنا لا أملك المعلومات عن الإدمان شيء ولا عن كيفية علاجه .
التجأت إلى اتباع تعليمات المؤسسة العلاجية التي وثقتُ فيها، والأخذ ب آراء المتخصصين، وقبل كل هذا الاستعانة بالله.
كانت هناك أخطاء في بيتنا وقعنا فيها دون أن ندري أن الوقوع فيها قد عمَّق المشكلة، مما نتج عنه آثار أكثر خطورة من العرض نفسه.
فقد تجاهلنا المشكلة بدايةً أنا وأمه وفكرنا أنه في سن المراهقة والفضول والتجربة لمعرفة مايفعله الحشيش في جسم الانسان هم الدافع وأن ابننا سيكون بخير عندما ينضج ويكبر .
لم ننتبه جيداً إلى رفاق السوء الذين كانوا يصطحبونه معهم إلى حفلات أعياد الميلاد المشتركة اناثاً وذكوراً وكلهم في سن المراهقة حيث الرقص واللهو والمرح ،
من هنا كانت اول خطوة في الادمان لإبني ، تجربة سيجارة الحشيش قدمت له ضيافة وهو في سن 16 سنة من أحد أصدقائه الموجودين بالحفل حيث قال لي ابني أنه شعر بالزهوِّ والسعادة وشيئاً فشيئاً أصبحت سعادته مرتبطة بسيجارة الحشيش .
في تلك الظروف البيتية الصعبة مرضت زوجتي أم أولادي كان يصيبها الخوف والتوتر الشديد عندما تشاهد ابنها وهو في حالة الهياج تخاف منه وتخاف عليه بذات الوقت ، تعطيه مايطلب من نقود وهي لا تدري أنه سينفقها ثمناً لجرعات ادمانه .
أصيبت زوجتي ب اكتئاب شديد يرافقه صداع مما اضطر طبيبها أن يصف لها الفاليوم كنوع من المسكن والمهدئ بذات الوقت ولم نكن ندري أن هذا الدواء يحدثُ إدماناً فالطبيب لم ينبهنا للأمر وتلك هي المصيبة التي وقعنا فيها فقد كان ابني يأخذ منها متى شاء وبسهولة دون أن نشعر كوننا لانعرف مدى خطورتها و أنها من الأدوية التي تحدث إدمان .
ولأحساسنا أنه بوضع صعب كان إهتمامنا به يزداد على حساب إخوته الباقين فكنا نقضي معظم الوقت في القلق عليه وماذا سنفعل لتخليصه من مشكلة إدمانه على المخدرات
ونتجاهل باقي أبناءنا الذين يحاولون جعل خياراتهم جيدة على قدر المستطاع كي يلفتوا انتباهنا لهم في تلك الفترة أعطينا ابني المال بكثرة كي يهتم بالرياضة كما كان يقول لنا وثمن دروس خصوصية التي أرهقتنا خاصةً والدته كانت تصدق كذبه لكن نتائج امتحاناته كانت لاتكذب وتدل على تقصيره في المذاكرة وضعفه الشديد في استيعاب ما يدرس وقتها أدركت زوجتي وأنا أن هناك شيئاً ما يحدث في حياة ابننا المدلل ودون أن يشعر تناوبتُ وهي على مراقبته حتى رأته زوجتي يتناول أقراص الفاليوم من دوائها الموصوف لها فأدركت أن في بيتنا مدمن هو ابننا المدلل وكان لابد لنا من مواجهته والسعي السريع لحل المشكلة هنا أنكر ابني ذلك بشدة لكن زوجتي كانت حكيمة والتقطت له أكثر من صورة وهو يسرق دواءها وعندما واجهته بالصور غضب منها غضباً شديداً وترك لنا البيت بحجة أنه لا يحق لنا أن نقتحم خصوصياته .
بحثنا عنه عند الأقارب ومن هم أصحابه دون جدوى حتى مستشفيات المدينة كلها لم نجد له اثراً فيها طار صوابنا أين اختفى هذا الشاب عشرات الأسئلة والأفكار السيئة راودتنا .
أتراه رمى نفسه في المحيط وأنهى حياته —؟
أركب إحدى السفن العابرة إلى الشط الآخر من المحيط دون أن يترك لنا خبراً …؟
لكن من أين أتى بالمال وهو لا يعمل —؟
ربما باع موبايله وتصرف بثمنه….إلخ
بعد ثلاث أيام اتصل بنا ليقول أنه محتاج بعض النقود كي يأكل وهو الآن يعيش في شاليه في مدينة على الساحل بصحبة أحد اصدقائه وهما يبحثان عن عمل طار صوابي كيف يعمل ولم يحصل بعد على شهادة البكالوريا …؟
مضى أسبوع علي غيابه عن البيت ثم عاد إلينا ليقول أنه سيكمل تعليمه فرحنا بقراره وفعلاً حصل على شهادة البكالوريا لكن معدل علاماته ليست بقدر معاناتنا وتعبنا كنا ندرس معه ليلاً ونهاراً والله لو قدمت أنا أو والدته امتحان البكالوريا في تلك السنة لحصلنا على مجموع أكبر من المجموع الذي حصل عليه فقد كان فاقدَ التركيز وغالباً كان يحاول جرنا معه لأحاديث بعيدة عن العلم والدراسة .
بعد أقل من شهرين من حصوله على البكالوريا نكث بوعده لنا ب إكمال تعليمه في الوطن وفاجأنا من جديد برغبته بالسفر لبلد آخر يتابع فيه تعليمه وقد اتخذ قرارره بالرحيل
فلن يستطيع هنا التحكم بنفسه ورفاقه يلاحقونه وهم مدمنين مثله وهو لايريد العودة للإدمان
أخذ مبلغاً من المال من أمه بقوله سيتابع دراسته بأسبانيا وقد أرسل
معلومات عن شهادته وتم قبوله بمعهد لدراسة الكمبيرتر للوهلة الأولى صدقناه لأن لنا بإسبانيا أقارب وسألناهم عن المعهد فأخبرونا بوجوده .
سافر ابني لإسبانيا عبر البحر وأخذ يراسلنا من هناك بقوله أنه يعمل بجانب دراسته وقد استأجر بيتاً بقرب المعهد ومكان عمله وليس لديه وقت لإضاعته والمواصلات مكلفة وهي تقارب دفع أجرة البيت الذي استأجره بعد فترة انقطعت أخباره ورسائله عنا وعن أقاربنا وعللنا ذلك بانشغاله المتواصل بين العمل والدراسة وشكرنا الله أن عاد ابني لرشده .
مرَّت سنة وأخيراً وصلتنا منه رسالة بموبايل برقم غير موبايله يقول أنه ترفع للسنة الدراسية الثانية ويعتذر منا لعدم تواصله معنا فقد أضاع موبايله ولانقود لديه تمكنه من شراء موبايل جديد فالحياة مكلفة ومايتقاضاه من أجرة بالعمل بالكاد يسد نفقات الدراسة ومصروف البيت المستأجر . للمرة الثانية قلنا له اذهب لأقرباءنا وخذ منهم نقود فقد حولنا لك مبلغاً كي تشتري موبايل جديد وتسندك باقي الفلوس في مصروفك.انقطعت أخباره عنا سنة أخرى لاندري عنه شيئاً سألنا أقاربنا عنه فأخبرونا أنه سجين لتنفيذ عقوبة حيازة مخدرات للإستعمال الشخصي ومشاجرة بالشارع مع بعض الشباب وألقى القبض عليه وهو في حالة تعاطي الهيروين .
بعد ضياع ثلاث سنوات من عمره بإسبانيا عاد إلينا على ظهر سفينة متجهة للوطن كان قد ركب فيها دون حيازة تذكرة فعاقبه قبطان السفينة بالعمل داخلها كحمال وما أن حطت السفينة رحالهاعلى الشاطئ حتى قفز منها وعاد يطرق بابنا معتذراً لنا عما حصل منه ونحن لم نتمكن من طرده من بيتنا رغم كل ما فعله بنا فعاطفة الدم غلبتنا وهو أخذ يتعبد الله الذي هداه يصلي ويقرأ القرآن وشكرنا الله الذي هداه وأعاده لرشده وحاولت تشجيعه بالبحت عن عمل كي يكسب مايعينه على الحياة مضت شهور يخرج من البيت بحجة البحث عن العمل الذي يتناسب مع مؤهلاته ، لكن من جديد عاد لنفس الخداع ونفس السلوك الذي كان يمارسه قبل سفره لإسبانيا ، النوم في النهار والتهرب منا أنا وأمه كي لانسأله عن أي شيئ بموضوع البحث عن العمل .
في أحد الأيام أتت الشرطة لبيتنا لتبليغ ابننا بموعد محاكمة لم يكن يخبرنا بأمر ما فعل حتى عرفنا من ورقة الاستدعاء بأنه كان يقود سيارة ليست له وهو أيضاً بحالة الإدمان وشاء القدر أن الشرطي كان يعرفني جيداً كنت قد خدمته خدمة جلية ولم ينسى المعروف فلم يزج به في السجن وأخرجناه بكفالة مالية .
وللآن كل يوم يأتي لنا بمشكل جديد ولا يريد دخول برنامج للتعافي رغم كل المحاولات التي حاولناها بهذا الشأن مرات يفكر بالعمل خارج مدينتنا نشجعه لكن لا يمضي أسبوع إلا ويعود إلينا وكأنه كان برحلة استجمام وسياحة تصرفاته أرهقت عائلتنا بالكامل مادياً ومعنوياً .
إن احتاج للفلوس ولم ندفع له ربما يسرقنا ونخشى أن تمتد يده لمال الآخرين ويسبب لنا الفضيحة والعار.
يعود في ساعات متآخرة من الليل يدخل المنزل كلص لا يريد أن يشعر أحد منا به متى خرج أو متى عاد وأنا والله غلبتُ بأمره ولشدة مايحزنني أنه لم يعد له رفيق جيد سوى رفقاء السوء والمصير المجهول خاصة بعدما قرأت أن الإدمان يؤثر ليس على إدراكه فقط بل على حياة الرجل الجنسية ليجعلها في الحضيض .
اللهم تدارك الأمر فلم يعد لي في تلك المصيبة سواك ليساعدني على حلها —-انتهت —-بقلم ما جدة تقيhttps://almountadaaladabi.blogspot.com/2020/08/blog-post_22.html?fbclid=IwAR3_t6hR1nchRZS8Rii1mENq1WkEfQtyhIj-q7FSYWjOlR0-fzyERWP2Dvg

ميزان الحكمة 🏂🏂🏂بقلم : محمد كتامي 🏌️‍♂️🏌️‍♂️🏌️‍♂️🏌️‍♂️

ميزان الحكمة

يا ميزان الحكمة
حكم مبين اليجور و المأجور
تغلقات لمصايب بالياجور
و صبح العاصر معصور
لا عشا لا فطور
طايح منشور
شحال فلقفز من عصفور
شحال من نسر حر تيدور
المصياب من القدام و الور
الواد حمل كلشي مجرور
حتى الرياضة معطرا عطور
أما العلم سكن فالقبور
حي و ميت فسطور
حار و فنان فالحرور
يتشوط الجار و المجرور
ريحتكم عطات كثر من البخور
دور دور
يا مول الجمر و علي فالصور
يا خالق الطرقان و النور
وريني طريقي
واخا محجوبة بألف صور و صور
اغفرلي ذنوبي ونت الرحمان الغفور
يا رافع السموات و باسط البحور
نور عقولنا باحكمتك
و نورها بداك النور
لي ما يعرفوا منك مغرور
هب هبا بريحك وكشف المستور
يا الفرحان بالدنيا
الدنيا كيف سبعة ايام الباكور
يا مالين الصورة فين الشعور
يا صحاب الهيضورة فين العشور
يا الميتين بلا قبور
يا المسحورين بلا سحور
علاش تتهاجر ألأطر
فين ميزان الحكمة فالأجور
فين؟ لا يكون المسلم مسلم حتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه
يا المغرور سول فراسك راك راجع بالور
و الله و ما صفيتي لا شربتي
و ما تنساش ما تحصد غير لي زرعتي

قصيدة من ديوان غيوانيات مجذوب
للشاعر الزجال محمد كتامي🇦🇱💖🌺💦🌺💖🌴
22/08/2020

بقلم : يزيد علوي اسماعيلي

★★ بــــــــــــــــــــــــاع ★★

لما وْفا لَوْفا و طفى ،
راح الصّفا و عطى بگفا
ما عاد ف بنادم عفة ★ و لا شي يليق

اللي غلب ما عاد عفى ،
و اللي ربح ما قال كفى
لَهزيل مرمي فالگفة ★ من عنقو شنيق

لومي لمن صدّ بخلفة ،
طبًع مع عدو بالخفة
عمايلو ما هي صدفة ★ بكذوب ما نتيق

باع خوه نسى و جفا ،
لما سرّ سرّو و خفى
لا وزن عاد لقدس ف كفة ★ حرقوها حريق

العالٍم ف أرض المنفى ،
و مواطن فيه الرجفة
و أمة تدفع الكلفة ★ و تاريخها عريق

« مقتطف »

بقلم : يزيد علوي اسماعيلي

فلسطين ، حتى لا ننسى / بقلم : نور أبو شامة حنيف / المغرب

فلسْطِينُ ، حتّى لَا نَنْسَى

أرَى دماً
وَ لا أرَى مَوْضِعَهْ

فَمَنْ فِي سَدِيمِ الْخَوْفِ
حَوّلَ الْجُرْحَ عَنْ فَمِي
وَ منْ هَذَا الرّخِيصُ
قَدْ زَعْزَعَهْ

أرَى الْمَدِينَةَ حَجَراً
كَادَ يُلامِسُ الْقَدَاسَةَ
ألَا فِي فَوْضَى الرّشْقِ
مَا أرْوَعَهْ

وَ أرَى وَ لا أرَى
وَ هَذَا الْوَرَى
مَا انْبَرَى
إِلّا هَذا الْفَتَى …
كًلّ الضّوْءِ
قَدْ جَمَعَهْ

رَشَقَ الْحَدِيدَ
وَ الرّمْلَ مَعاً
فَلَا الْمَدى الْكَاذِبُ
وَ لا الصّفْرُ
قَدْ مَنَعَهْ

خَرَجَ الْفَتَى
وَ الْبَطْنُ واعِدَةٌ
حُرّةٌ أنْتِ وَ أُمٌّ
ابْنُكِ هَذا لا حَدَّ لَهُ
وَ لَا لَهُ دَعَهْ

نون حاء

بقلم : أحمد نفاع / المغرب

لمن
سأفرش ظلي …

هكذا قالت
هاذي تقاسيم عزفي
تلعنُ جنون هذا الهراء
وهاذي أشجاني كبرت… لم تصغر يوماً
وهاذي سِيقان صبري التوت
وأماني الشقية
شاخت
قبل أن تثمر
نبت العشب تحت أقدامها
غفت …
طاوية على الثرى
تنتظر أن ينقشع الظلام لتزهر

قلبي
المرهف
تاه بين ألحان نشاز
وحصانُ فجري بالكاد يحبو
أغمض عيني
فيشهق حلمي المطمور
أتملاه حزيناً
على رصيف الصبر
بصمت يخيط أشرعة الأمل ليبحر

هل قلتِ لمن ستفرشين ظلك
آه …
لو تسمعين
لو رأيتِ بعينيك
كيف أتنفس غبار السؤال
تحت سقف
الوجع
كيف أني مُعلق من المؤق
على جذع يتمايل
وساعات منفاي جنازات
بمقبرة جبيني
لم تدفن
لو رأيتِ قلبي
في رقصة هباء يغزل الضياع
لا شيء… ولا شيء
يواسيني
أنتِ
من أطلب
هل تسمعيني
من أجلي صلي
لهم قولي أيضاً أن يصلوا من أجلي

أحمد نفاع/المغرب


مؤق : مُؤق العين، طرفها مما يلي الأنف، وهو مجرى الدمع، جمع: آماق …

ديناميكية الوعي بالتراث والهوية في قصائد ديوان ” لباردي والفردي ” / بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان ” لباردي والفردي ” لمحمد مهداوي “
عنوان الدراسة النقدية : ( ديناميكية الوعي بالتراث والهوية في القصائد ديوان / لباردي والفردي )
الدراسة النقدية بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

إهداء : أهدي هذه الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة المتواضعة لكل شيوخ الزجل بالمنطقة الشرقية المغربية …أهديها لكل من تعرفت عليهم ومن لم أتعرف عليهم …أهديها لكل من لازال حيا منهم ( أطال الله عمرهم ) ، ولكل الذين غادرونا إلى دار البقاء ( يرحمهم الله تعالى ) …

أولا – التقديم :

الحياة اليومية المعيشة جزء من الواقع ، فهي تنطوي على وظيفته الجمالية وعلى وظيفته التضمينية للموجودات ، فهو يتجاوز المعطى الدلالي المادي إلى معطيات أخرى معنوية كثيرة ، منها الفلسفي والفكري والسياسي وثقافي والأدبي … لا تتحدد القيمة التبادلية للعلامة في علاقة الأشياء بوجودها العياني وغير العياني ، وإنما في المساحات التأويلية التي بها نعاين ونشاهد الوجود بمنظار أوسع وأعمق .
أما الواقعية التي جذبت الفلاسفة والسياسيين والمثقفين لتأملها ، ليست سوى تمرين من تمرينات التفكر الواعي في كنه الحياة وأسرارها . هي نوع من التأمل الراغب في الوقوف على حقيقة المغزى المراد بلوغه منها ( الواقعية ) ، ومعرفة ما في واقعيتها من يقين يغرينا بالتمسك بها ، والإبقاء على أواصر البقاء على قيدها . الواقعية عالم من عوالم الثقافة الحداثية والمابعد حداثية ، ينبغي عدها حقلا معرفيا محددا من حقول علم الدلالة الذي يعيد تصنيع الواقع من أجل الحصول على فهم أكثر منطقية وجمالية .
تتموقع ووتواجد الكتابات الشعرية الزجلية في عمق عامي ، يطرح علينا عدة تساؤلات إشكالية ، تتمحور حول حمولات كثيرة ، منها حمولة الوعي الذاتي ، والنفسي ، والاجتماعي والتاريخي ، والسياسي …والزجل كفن شعري عامي حامل لدلالات أبعاد كثيرة جدا ، منها البعد الانعكاسي و البعد الرمزي ، البعد الفانتيستيكي …
سنغوص في تحليلنا ديوان ” محمد مهداوي ” ( لباردي والفردي ) من خلال قصائده التي حققت بعدا انعكاسيا للواقع الذاتي النفسي والاجتماعي والتاريخي والتراثي مع تحديد العلائق لهذه اﻷبعاد وأنواعها …
سنغوص في الديوان من خلال المدخل ” العقلاني الذرائعي ” مستأنسين بالخلفية الفكرية ل” نحن والتراث ” لمحمد عابد الجابري ، كخلفية فكرية ، مع رصد مجموعة من المظاهر الانعكاسية لواقع الكتابة المستند على الواقع الاجتماعي . والسؤال الذي يطرحه علينا الديوان هو : ” ما رسائل التراث والهوية الصريحة والمضمرة التي أراد يوصلها لنا الشاعر الزجال محمد مهداوي ؟ وما هي القوالب المثنية التي أضافها ديوان ” لباردي والفردي ” كتراكم كمي إلى التجارب الزجلية المغربية المتنوعة .

ثانيا – المدخل البصري لديوان ” لباردي والفردي ” لمحمد مهداوي .

ديوان ” الباردي والفردي ” مجموعة شعرية من صنف الزجل المغربي ، بنكهة يزناسنية ( المنطقة الشرقية المغربية ) بأبعادها اللغوية والثقافية والتاريخية . يقع الديوان في مائة وخمسة وعشرين صفحة من الحجم المتوسط . يضم ثمان وخمسون قصيدة ، متوسطة الطول ، منها : ( لباردي والفردي – شيخ لكوال – بني زناسن – الليمونة – لالة خضرا – أنا بركاني – فوقاش الوعدة – الواد – الحدود – شمعة بلا فتيلة …) وغيرها من عناوين أخرى لقصائد زجلية .
يقول الدكتور “محمد ميلود غرافي ” في تقديمه للديوان : ” …إن الشعر هنا – ديوان ” لباردي والفردي ” – رحب فسيح يسع مجالات متعددة من الحياة ، منها : السياسي والاجتماعي والجغرافي والتاريخي والإنساني بشكل عام ، ويجمع في الوقت نفسه بين ما هو رمزي في هذه المرجعيات وما هو تعييني واقعي . بين ما هو محلي جغرافيا وتاريخيا وتراثيا …” ( 1 )
أما من جوانب القوالب المثنية الزجلية فهي متنوعة ، منها القوالب الحرة التي تجاوزت القوالب الزجلية التراثية المحلية ، إذ يطلق الشاعر لقريحته العنان ، للتعبير عن مشاعره كما يجود به لسانه المحلي الزناسني الأمازيغي والعربي ، ويهواه خاطره البديهي ، فيتحرر من القيود الشعرية ، دون أن تغيب ملامحها في هذا النوع من القصائد . يقول ” محمد موح ” : ” … وجدنا له قصائد لا زال يتمسك فيها ببعض القيود الشعرية القديمة ، التي تتمثل مثلا في وحدة القافية : إما على مستوى المصراعين : (شيخ لڴوال / وفي لازمة فوقاش الوعدة …. )، وإما على مستوى الضرب فقط كما في قصيدة ” ڴلسة زناسنية ” وقصيدة ” لباردي والفردي” و التي يحترم فيها قاعدة التصريع في المطلع على غرار القصيدة القديمة ، ونفس الشيء يقال عن قصيدة ” دوّارة هاذ الدنيا ” … ” ( 2)

ثالثا – السيرة الذاتية للشاعر الزجال ” محمد مهداوي “:

  • محمد مهداوي ، شاعر وزجال وناقد وقاص
  • من مواليد سنة 1962 بمدينة أبركان
  • التحق بالمركز التربوي لتكوين أساتذة السلك الابتدائي تخصص لغة مزدوجة، بعد تخرجه منه سنة 1991 عين أستاذا للغة العربية
  • سنة 2003 التحق بإيطاليا في إطار بعثة علمية لتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية القاطنة بمدينة كاطانزارو .
  • مهامه الجمعوية :
  • رئيس جمعية المستقبل للرياضة والثقافة والفن.
  • نائب رئيس جمعية المستقبل للرياضة.
  • رئيس الجمعية السكنية لحي المسيرة.
  • نائب رئيس جمعية تنمية التعاون المدرسي بمديرية بركان.
  • عضوا في جمعية آباء وأمهات وأولياء تلاميذ ثانوية الليمون التأهيلية.
  • عضوا في إدارة منتدى نور أبو شامة حنيف.
  • مؤسس، ثم مسير، فعضو في منتدى النور للثقافة والإبداع.
  • رئيس مجلة الزجل المغربي الأصيل.
  • مشرف عام عن نادي شعراء العرب والزجل المغربي.
  • إبداعاته الفنية والأدبية
  • ديوان سنة 2017 تحت عنوان ” لباردي والفردي “،
  • ديوان ثان سنة 2019 تحت عنوان ” خليوني نحلم
  • إصدار ديوان مشترك مع نخبة من الشعراء المغاربة عنوانه ” دواية وقلم “.
  • كما شارك بقصائد أخرى في ديوان مشترك يحمل عنوان ” أقلام مشعة “
  • إصدار مجموعة قصصية تحمل عنوان ” حين يبكي القمر”
  • مجموعة قصصية للأطفال طبعت سنة 2019 تحمل عنوان (المبدع الصغير )
  • مجموعة قصصية أخرى بعنوان (فراشات تأبى الظلام ) .
  • أعماله الأدبية والنقدية :
    من أهم دواوين الفصيح المشتركة التي ترك بصمته النقدية على صفحاتها ، نذكر :
    ديوان ” همس القوافي “، ديوان ” صفوة الكلام “، ديوان ” نسائم اﻷصيل “، ديوان ” طيور مغردة “، ديوان ” أقلام مشعة “، ديوان ” سنابل الابداع “، وديوان ” صدى الوجدان “.
    ومن دواوين الزجل التي كانت له فيها مداخلات نقدية نذكر أيضا :
    ديوان ” حروف ولهانة “، ديوان ” صهيل لقصايد “، ديوان ” غزيل لكلام “، ديوان ” دواية وقلم”، ديوان ” بلابل الحروف “، وديوان ” مجاديب الحرف “.
    وفيما يتعلق بالدواوين التي تشرف بالتقديم لها وهي موزعة بين فصيح وزجل، نذكر :
  • ديوان ” حروف زاهية ” للزجال الغنائي سعيد بوطرين، من مدينة خنيفرة المغربية.
  • ديوان ” الوجع ” في الفصيح، للشاعرة خديجة بوعلي، من مدينة خنيفرة كذلك.
  • ديوان ” رجاي ف الله ” في الزجل للأستاذة السعدية الميرون من الدار البيضاء.
  • ديوان ” حروف لمعاني ” في الزجل للأستاذ حسن رواح من مدينة اليوسفية .
  • ديوان ” عكاز ومنغاز” للزجال العربي الناصري من باريس الفرنسية.
  • ديوان ” ومضات ” في الفصيح للأستاذ مصطفى نجي وردي من مدينة الناظور.
  • ديوان ” جنان لحروف ” في الزجل للأستاذ مصطفى عبسي من مدينة الجديدة.
  • ديوان ” أحلام بالأبيض والأسود ” في الفصيح للشاعر علال الجعدوني من مدينة فاس .

ربعا – العتبة الأولى / العنوان : ” لباردي والفردي “

  • العنوان من ضمن العتبات النصية الموازية لمتن النص ، له تركيبته البنائية الخاصة به ، فهو يحمل الكثير من الدلالات المضمونية الكاملة والضمنية ، وهو كذلك جزء لا يتجزأ عن النص الأصلي . تستخرج منه فحوى متن النصوص ، يقول ” جيرار جينت ” في كتابه العتبات : ” … أن النص الموازي هو الذي يجعل النص كتاب يقدم إلى القرَّاء بصفة خاصة والجمهور بصفة عامة)، والعنوان عتبة وسيطة لا يمكن الاستغناء عنها لها صلات وعلاقات مع عتبات متن النص الأخرى …” ( 3 )
  • العنوان ( لباردي و الفردي ) وحدة دلالية تتشكل من كلمتين وحرف عطف ، جملة اسمية ذاتية الشعور حاملة لبنية صوتية عاطفية نوستالجية . تذكرنا بالتراث والهوية الفردية والجماعية وبالحركة الوطنية المغربية ، وهي حركة اجتماعية سياسية ولدت مع بداية القرن العشرين ، لمناهضة الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب . فكانت القبائل تجهز الفرسان والجياد و” الفرادة ” / البنادق ، وتنطلق ” السربة ” في حركة يشهد المحرك كرها وفرها .
    أما الباردي فهو الشخص الذي يركب حصانه متسلحا ب ” الفردي ” ، أي البندقية ذات الطلقة الواحدة .
    إن العنوان يحمل في طياته المكان والزمان ، وخواطر الذات المتشبعة بوحي التذكر الذي يخلق حركية نفسية تجلب القارئ للإبحار في جمالية النصوص وأسرارها المخبوءة .
    يقول ذ . محمد موح : ” …قد يكون مصطلح ” لباردي ” مصطلحا دخيلا في التراث الشعبي المغربي ، لكنه لم يكن حكرا على الثقافة المغربية وحدها ، وإنما انتشر استعماله بنفس اللفظة أو بمرادفات أخرى في مناطق عديدة من بلدان المغرب العربي .
    وتكمن خصوصية هذا المصطلح في أنه اتخذ بعدا عسكريا إبان فترة الاستعمار الفرنسي
    لهذه المناطق ، الشيء الذي يجعلنا نفترض أن كلمة ” لباردي ” مأخوذة من Le Bombardier الفرنسية التي كانت تطلق على قاذفات القنابل أو على قاصفات المتفجرات من طائرات (avion bombardier) ودبابات (tank) وغيرها.
    ويذهب بعضهم إلى القول : إن الكلمة تجد أصلها في اللسان العربي عند حديثه عن ” البارود “، ومنه اشتقت كلمة ” البارودة ” أي البندقية ، و ” التّبُوريدَة ” ، و ” الباردية ” التي تعني اللعب بالبارود من طرف جماعة محترفة من الفرسان أثناء عروض فروسية تقدم خلال بعض المواسم والوعدات ، وهو ما يعرف حاليا بالفانتازيا Fantasia، ويطلق على هؤلاء المحترفين اسم : ” لبارديا “، وفي مناطق أخرى : ” صحاب البارود ” أو ” الخيالة “، وكانت تتمثل عروضهم في محاكاة هجمات عسكرية وملاحم تاريخية مأثورة، يستحضرون من خلالها بأس أجدادهم وبسالتهم وشجاعتهم وإقدامهم في مواجهة الغزاة العداة.
    أما مصطلح ” الفردي ” فيعني ذلك النوع من السلاح الذي يتم شحنه بمسحوق البارود ويكون جاهزا للاستعمال خلال هذه العروض ، والشائع أنه سمي بالفردي لأنه من صنف الأسلحة الفردية التي يستعملها ويتحكم فيها فرد واحد مثل البنادق والمسدسات ، على عكس الأسلحة الثقيلة كالرشاشات والمدافع التي تتطلب عملا جماعيا أثناء الاستعمال. وهناك من ينسب تسمية الفردي إلى كون أسلوب الإطلاق عليه يكون بطريقة فردية ، أي أُحادية تحدُث من خلالها طلقة واحدة بالضغط على زناد البندقية.
    ومن أهم الأسلحة الفردية التي كانت معروفة خلال فترة الاحتلال الفرنسي نجد : المُكحلة، والكربيلة (Carabine)، ولخماسية ، وساسبو (تحريف لسلاح Chassepot لصاحبه Antoine Alphonse Chassepot). أما استعمالها فيختلف باختلاف غرض كل سلاح ، ويعد ” الفردي ” السلاح الرمزي الوحيد الذي كان يتم استخدامه في تقديم عروض الفروسية….” ( 4 )

خامسا : المدخل العقلاني الذرائعي / Mentalism Theory

آلية الرؤية الذرائعية التطبيقية تعتمد على مداخل ونظريات علمية نفسية وفلسفية في تحليل النصوص الأدبية . سنغوص في تحلينا لديوان ” الباردي والفردي ” ، من خلال بعض وحدات المدخل العقلاني أو التوليدي . يقول عبدالرزاق عودة الغالبي : ” … يرى تشومسكي([1])إعادة الاعتبار إلى القدرات العقلية التي تميّز الإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى, فكل قلب هو بالفطرة صالح لمعرفة الحقائق ، وإن كان بينها تفاوت كثير لأنه أمر رباني شريف ([2])، فالفطرة إذا موجودة بوجود التفاوت بين الناس ، فالناس درجات في الفهم والاستيعاب ، فمنهم من يفهم من الوهلة الأولى في حين هناك من يحتاج إلى التكرار بالعرض ، فنظر تشومسكي بعقلانيته مادية علمية للاكتساب النصّي ، فلا يمكن أن يدخل العقل زائر معرفي ، إلا ويكون متكئًا على أحد عناصر تلك النظرية، تحتوي تلك النظرية الفكرية على عنصرين مهمين ، وهما عنصر الملكة المعرفية Competence ، وتعني الموروثات المعرفية المكتسبة أصلًا في ذهن المتلقي من معارف مسبقة طبيعية او مكتسبة ، قد تعلمها بالقصد أو بالدراسة والتربية ، أو بالبداهة السلوكية والاكتساب المعرفي ، وتلك المعارف ستكون ساندة عقلانيًّا للمتتبّع العلمي ، سواء أكان متعلمًّا أو معلمًّا أو ناقدًا أو متلقيًّا ، أمّا عنصر النظرية الآخر فهو مهمٌّ جدًّا ، كبوابة للعقل في العرض لما اكتسبه من المعارف ، وهو عنصر العرض التنفيذي (Performance) أو الإنجاز ، وهنا يقوم الناقد بالتبحّر في النقد من خلال تلك المعطيات ، وحين ينجز مهمة جمع المعلومات ووزنها , يقوم بعرضها أو نشرها من خلال تلك البوابة الفكرية العقلانية … ” ( 5 )

1 – الحكاية الشعرية : نوستالجيا الوعي بالألفاظ / الوعي بواقعية الحكاية الشعرية :

لقد تجاوز الشاعر ” محمد مهداوي ” في ديوانه الزجلي التصور الدلالي للواقع و الواقعية ، متبعا الوعي الممكن والوعي القائم . إن التصور الثقافي للواقع سيظل مجالا وحقلا فكريا للنظريات الحداثية و ما بعد الحداثية . الواقعية الحقيقية أن يصبح الفكر في عمق قضايا المجتمع في تحولاته المتصلة بالعولمة ، والإنتاج المادي ، وغير المادي والاستهلاك ، والذكاء الصناعي ، والفاعلية الرقمية للصوت والصورة … فالواقع يختزل كثيرا من أدوات الكتابة اﻹبداعية عند الزجال ” محمد مهداوي ” ، حيث أصبحت القصيدة الزجلية منفتحة على كل اتجاهات مستوى الخطاب الاجتماعي المتعدد المسالك والمسارات والذرائع ، منها خطاب الجغرافية المكانية ، وخطاب الذات / الأنا الشاعر ، والخطاب المجتمعي / القضايا المجتمعية ، و الخطابى التاريخي ، والخطاب التراثي ، والخطاب السياسي … كل هذه الأنواع جمعها الشاعر في بنية لغة عامية محلية متنامية الرؤية في داخل النصوص الشعرية الزجلية في الديوان ، مع تركيز في هذا الجمع أو الدمج على الجغرافية المكانية من خلال كلمة وألفاظ تجسد ذاتها محليا ، وتعي ذاتها ، وتعي واقعها …
يقول الشاعر ( محمد مهداوي ) في قصيدة : ( لباردي والفردي ) الصفحة ( 10 ) :
أولدي مد لي ذاك لفردي ///نعنكو راه فيه ريحة جدي
مالو ذبال وبهاك لونو ///مال وجهو كحل مصدي
أر انزيتو نحيي عظامو ///راه كان هو دواي أو عدي
كيف نرفع راسي كدام الدوار ///أوساسبو مازال يبردي
فين الصولة كدام الخودات /// فين ملات الشال الوردي
كانت الزغرتات تطلب ودك /// ؤملات الخلاخل تبوس يدي
يا الخيالة علاش نكرتوني /// مين رشاو عظامي وتشنتف جلدي
نلاحظ قيمة اللغة النوستالجية الذاتية التي تتصف بكثير من سيولة التتابع ، وكأننا أمام حكاية شعرية زجلية ، تستوعب الزمان والمكان ، وتنقل القارئ أو السامع إلى أجوائهما ( بطلها ” باردي ” أصبح عجوزا ، يتذكر الماضي وهو يخاطب ابنه / أولدي مد لي – ريحة جدي – نحيي عظامو – كان هو دواي – فين ملات الشال الوردي – علاش نكرتوني – رشاو عظامي – تشنتف جلدي …) وهذه السيولة هي لغة حوارية ( تداعي حر ) وهي تقنية من الكتابة الزجلية يتميز بها ” محمد مهداوي ” ، إذ سنلاحظ هذا التداعي الحر في مجموعة من قصائد الديوان مرتبطة بالهوية والتراث . يقول محمد عابد الجابري :” …يعد التراث الشعبي جزءا مهما من ثقافة أي أمة ودليلا على عراقتها وحضارتها يعمل على الربط بين ماضيها وحاضرها ليشكل هوية خاصة بها ، فالتراث ثقافة الشعوب المترسبة عبر العصور فمنها ما هو واضح المعالم مستمر في الوجود ومنها ما اندثرت تفاصيله وأدمجت في أنواع أخرى …( 6 )
كتابة زجلية ترقى إلى مستوى الحدث الحكائي ، لذلك نجد ارتباطا وتداخلا في هذا الحدث الحكائي بالواقعي والذاتي والنفسي والاجتماعي . قصيدة ” لباردي والفردي ” يمكن النظر إليها من زاوية النص الحكائي الشعري الزجلي ( أولدي / أر / كانت / يا الخيالة / آه يا ولدي / منين نخلي / خلي / مين كانت … ) . تعرف المنطقة الشرقية المغربية بكثرة متون النصوص الزجلية الحكائية ، فتبدأ القصيدة عادة ب ( اليوم عندي لكم حكاية ) أو ( اسمع لحكاية ) ، أو تبدا بكلمة مرادفة لكلمة ( الحكاية ) ، أو ما يدل عيها ، ويمكن أن يتناص هذا الصنف من الزجل بالقصيدة الملحونية الحكائية .
نواصل القراءة في نفس القصيدة الذي جاء فيها ما يلي :
آه يا ولدي وجد لي الرزة الصفرا /// خليني نصول ونجول ف لباس البلدي
الركاب حديد والسرج جديد /// خلي لدهم يتباهى يا وعدي
لزرك ب خوافرو يرش تراب المحرك /// فالسما نيران صفايحو تكدي
حكاية كاملة بقالب نغمي شعري زجلي يتحرك فيها نموذج بشري( الباردي ) يعانق الماضي والتراث ( الرزة الصفرا الزناسنية – الركاب – السرج – لدهم – لزرك – المحرك – صفايحو – السربة – البارود – الغياطة …) ، هي اختزال حكاية حياة الإنسان ” الزناسني ” في فترة محدودة زمانيا ومكانيا ، حيز زمني مقنن بفعل كينونة الحكاية ( الزناسني مربوط ب حبل الرجلة /// من زمان راسو عالي ، فهمو قصدي ) ، في نموذج كائن بشري متصاعد من خلال خط مبياني منطلق من لحظة الولادة التي تشحن الشخصية الذات بجوانب غنية من الواقع المجتمعي ، ومن خلال هذا الخط التصاعدي الحكائي الشعري تتبلور المواقف والرؤى على اساس ان مسالة الزمن هي مسألة نسبية تظل خاضعة لمكونات النص الزجلي في ديوان ( لباردي والفردي ) ، كما أن عناصر الحكاية الشعرية مؤطرة بالسرد . يقول ” أحمد البزور ” : ” … ومن نافلةِ القولِ أنّ علاقةَ الشّعرِ بالسّردِ قديمةٌ قِدم الشّعرِ نفسِهِا ، والقصيدة العربيّة لم تكن بمنأى عن هذا التّداخلِ والتَقاطعِ مع الأنواعٍ الأدبيّة ، من خُطبةٍ ورسالةٍ وقصّةٍ وحكاية ، بل أكادُ أزعم أنّ تداخل الأنواعِ الأدبيّة ليس جديدًا على المستويينِ الإبداعيّ والنّقديّ… ” ( 7 )
ويختم الزجال ” محمد مهداوي ” قصيدة ” لباردي والفردي ” بالمفاجأة كما هو متعارف عليه في خصائص ومميزات الأنماط الشعرية الحكائية :
ويلا جات للرحله البارود يطيعنا /// سولو لفرنسيين على توارخ جدي
مين كانت السربة تخذلني /// كنت نقاوم لفرنسيس ب وحدي

2 – الجغرافية المكانية : الوعي بالمحيط / الوعي بالذاكرة الفردية والجماعية .

القصيدة الزجلية عند ” محمد مهداوي ” لا تحول صورة عالم الجغرافية المكانية من صورة واقعية إلى صورة خيالية ، وإنما تأسس لبقائها في الواقع من أجل واقع أشد واقعية من الواقع نفسه. إن المقصود هو شحن شخصية الذات الفردية والجماعية بجوانب غنية من التراث والهوية . إن علاقة الإنسان العربي بالبيئة الشعرية علاقة عضوية ، حيث أن هويته برمتها تتغذى منها ، وهي ترتبط في وعيه بأبعاد حضارية وتاريخية ودينية وسياسية …
يقول الشاعر الزجال في قصيدة ( بني زناسن ) الصفحة: 15
سول الفرنسيس على قوة السلاح
ليوطي كال عليهم ناس واعرين
ممعاهم مزاح …
برح لي ب ناس الكرم
ؤصلي على النبي يا المداح
راه الزناسني إلى غابو عليه الضياف
غي يومين إقيسوه لرياح
يقول في قصيدة ( لالة خضرا ) الصفحة : 18
الرجولة والشموخ في الطبيعة
زادت عين الركادة فخرا
راك إلى همتي ب هاذ الجبال
لمرا تكول ليك جبت لي ضرة
علاش تخليت علي
راني حرة بنت حرة
نمشي عند والدي اليوم
وزهى انت مع هاذ العذرا
أما في قصيدة ( أنا بركاني ) الصفحة : 20 ، فنقرأ ما يلي :
أنا بركاني …
والقلب هاني
ويلا متقتش
سول ثاني …
فوسطهم عايش
لا تمولو براني
في فضاء زمني وجغرافية مكانية استطاع الشاعر أن يربط ذاته بالمجتمع من خلال عناوين القصائد التالية ( أنا بركاني / بني يزناسن / لالة خضرا / النيف زناسني …) وغيرها من القصائد الأخرى . ويربط ذاته والجغرافية المكانية بالخيال والذاكرة عن طريق النبش في الذاكرة لاستخراج المادة الأولى للتداعي الحر الذي أصبح كمجال إبداعي في معترك ميدان القصيدة الزجلية ، فالشاعر استخدم الذاكرة وأعطاها وظيفة خدمة اللحظة الحاضرة بكل تجليات طقوسها ، الذاتية ، والجماعية ، والمكانية ، والزمانية ( دان داني …يا الشيخ التنيساني / إلى بغيت لكرم / والتصوف الرباني / الزاوية البودشيشيه – يعرفها القاصي والداني – إجيوليها من برشيد – من مالي ، باريز والرماني – دان داني … يا الشيخ التنيساني ) . يقول الدكتور ” محمد ميلود غرافي ” : ” …إن شعر ” محمد مهداوي ” يظل وتيق الصلة بالنموذج الشعري الزجلي المحلي بما فيه من توظيف وافر لتراث المنطقة الشرقية ….” ( 8 )
يقول الشاعر في قصيدة ( كلسة سناسنيه ) الصفحة : 27
محلاها كلسة تقليدية /// ف تافوغالت بعد العصريه
اللوز والكرموس دايرين بنا /// العرغار ، فلايو والهندية
البراد فضه والكيسان بلار /// والنعنان مانتي من المرجيه
المنظر جميل والكلسة بدوية /// على جنب خيمتنا شلا رويه
الخيمة كبيرة ضاربة الوتاد /// تفكرني بالمقاومة المنسية
ويقول في قصيدة ” النيف زناسني ” الصفحة : 14
ؤ لعصا نشدو
بها الميزان
الركادة والمنكوشي
الصف والموال
زين الغيوان
هذا تراثنا ، هذا تاريخنا
ملو أشكال وألوان
واللي نكر أصلو
ما شي إنسان
تعد الجغرافية المكانية في الشعر عموما أحد أهم الخصائص البنيوية في القصيدة بكل أصنافها ، و مكون من مكونات هوية القصائد الزجلية في ديوان ” الباردي والفردي ” . الجعرافية المكانية هي مؤسس جمالي روحي ووجداني لقصائد زاخرة بالحياة .
يقول الدكتور ” زيدو جميل الشرقي ” : ” … فمنذ القدم و حتى وقتنا الحاضر كان المكان هو القرطاس المرئي و القريب الذي سجل الإنسان عليه ثقافته و فكره و فنونه ، مخاوفه وآماله وأسراره وكل ما يتصل به وما وصل إليه من ماضيه ليورثه إلى المستقبل … ” (9 )
يقول الشاعر في قصيدة ( أنا مغربي ) الصفحة : 60
أنا زناسني …
أنا ريفي …
أنا سوسي …
أنا صحراوي …
أنا عربي …
مندامجين في بلادي
ضد كل الأعادي
نفدي وطني …
ب دمي و ولادي
ويقول في قصيدة ( أنا سوري ) الصفحة : 62
أنا سوري ، أنا شامي
جيت نحكيلكم عن آلامي
يا ناس واش شفتو
وضعي الدامي ؟
ؤ كيفاش غتصبو
جميع أحلامي
هرسو لوحاتي
آثاري … صوامعي
وأقلامي
أجاد الشاعر التوفيق بين الذاكرة الفردية والذاكرة الجمعية ، من خلال تكاثف أنواع تعبيرية بأساليب مختلفة ، تبقي على المعنى والمفاهيم التي لها أحقية التماهي مع الهوية الزناسنية المغربية العربية التي تضمنتها القصائد التالية : ( أنا بركاني / أنا مغربي / أنا سوري / أنا فقير / عيد العمال / عيد الشهدا ) ، نلاحظ أن الشاعر يربط الأنا الشاعر بالتراث والهوية . لقد اعتمد الشاعر ركائز وجوانب مثل علاقة الإنسان بالأرض والوطن و قضاياهما الفردية الاجتماعية والوطنية. والانتماء للجذور …هذا الصنف من القصائد الزجلية عند ” محمد مهداوي ” هي تعبير وتواصل مع الآخر والانفتاح على ثقافات العالم ، كما أنها تعطي صورة عن التواجد والحضور في هذه الثقافات من خلال الموقف والهوية والتراث . يقول محمد موح : ” …فالديوان يتغنى بكفاح رجالات بني يزناسن ، وبتراث المنطقة التاريخي والجغرافي والفني ، وبتقاليد أهلها وعاداتهم التي كانوا يمارسونها في مواسم الحرث والحصاد وخلال بعض المناسبات كالأعياد والأعراس والوعدات ، كما يعرِّف بأَعلام زجلية وغنائية لا زالت الذاكرة الشعبية المعاصرة تردد بعض مختاراتها الخالدة.
ويشيد الديوان أيضا بالشيم الحميدة والمكارم المأثورة في ياث يزناسن، كالكرم، وحسن الضيافة، والحياء، والاحتشام، والغَيْرة، والحمية، والأنفة، والشجاعة، والبسالة، والرجولة، والنضال؛ وجاء كل ذلك منظوما بأسلوب حماسي ….” ( 10 )
يقول ” محمد مهداوي ” في قصيدة ( شيخ لكوال ) الصفحة : 12
كان شيخ لكوال رجل رزين مقدر /// حلقتو مدرسة كلها حكم وعبر
الشيخ المكانة ، وجدة مازال عليك كتهدر /// الساحة بلا بيك راها خاوية تصفر
مني مشاو ناس الملحون والذواقة /// التينيساني واليونسي كلشي ادهور
ولا الغيوان غي تصاور مزورة تبهر /// والكلمة غي كور وعطي ل لعور
تصنت ل مول الباسبور يا طويل النظر /// تعرف حق الميمة الغالية وموج البحر
يذهب الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه ” نحن والتراث ” ( 11 ) إلى أن الإنسان العربي بما في ذلك المثقف مؤطرٌ بتراثه ، فهذا الإنسان تلقّى ولا يزال يتلقّى تراثه منذ ميلاده ككلمات ، ومفاهيم ، كلغة وتفكير، كحكايات وخرافات وخيال ، كطريقة في التعامل مع الأشياء ، كأسلوب في التفكير … يفكر بواسطة هذا التراث ومن خلاله ، يستمدّ منه رؤاه واستشرافاته …
إن التفكير في القصيدة الزجلية التراثبة عند محمد مهداوي ، هو تذكر( كان …. ) واكتشاف ( مني مشاو ناس الملحون والذواقة ) ومساءلة واستفهام ( والكلمة غي كور وعطي ل عور ) .

3 – الديناميكية التاريخية : الوعي بالذات والمجتمع والتراث ومختلف التحولات .

إن واقع الوعي بالذات يدفع الذاكرة الفردية والجمعية لتحتفظ بأدق تفاصيل الحياة ، متمثلة في لحظاتها ومختلف تجاربها المتدخلة بوعيها للتراث ، الذي هو إرث إنساني وبشري ، لأن الفرد هو مركز الكون . إن استخدام الشاعر الزجال للجمل الوصفية يأتي كأداة لتقريب المحيط الخارجي في بعده الحضوري المادي ، لإقناع القارئ بصدق اللحظة اﻵنية الواقعية ، كما أن هذه الجمل الوصفية لا تسعى إلى تشكيل فضاء حكائي محض ، وإنما الوصف عند الشاعر ” محمد مهداوي ” هو أداة سكونية تسعى إلى إقناعنا بواقعية التجربة الشعرية ، من خلال فضاء حكائي ، تعمد الشاعر فيها دفع القارئ إلى اختراق النص أو التحاور معه من خلال فلسفة التأمل أو الفلسفة التوليدية .
يقول الشاعر في قصيدة ( لحصاد ) الصفحة : 65
يا ناس الدوار
هذا وقت لحصاد
وجدو المشكر
راه حان الميعاد
وجدو لمناجل
والصباعيات
وحضيو الواد
قبل ما تهجم عليكم
الكحيلة والجراد
ويقول في قصيدة ( فوقاش الوعدة ) الصفحة : 25
فوقاش الوعدة يا وعدي /// نتفكرو توارخ جدك وجدي
نبوسو تراب المقاومين /// ؤ نخليو البارود بالفردي
نتفكرو فين ستشهد ولدك ولدي /// ؤ فين كانت اللامبا تكدي
وتافقونت فين كانت يما ويماك /// أطيب الخبز وتشوي الفروج البلدي
كلشي حاضر يكلم التاريخ /// واللي غاب يا الخاوة يفدي
فوقاش تجي الوعدة يا ولدي /// نتكرو عوايد جدك وجدي
ويقول أيضا في قصيدة ( البراح ) الصفحة :122
يا ناس الدوار
سمعو سماع الخير
راه غادي إزوركم
القايد بولنوار
غادي وزع عليكم الزريعة
بالقنطار
يقول بشير خلف :” … إن التراث هو تراكم خبرة الإنسان في حواره مع الطبيعة ، وحوار الإنسان مع الطبيعة إذْ يعني التجربة المتبادلة بين الإنسان ومحيطه ، وهذا المحيط الذي يضم حتى الإنسان الآخر فرداً كان أم جماعة ·التراث يعني كل مفهوم يتعلق بتاريخ الإنسان في تجارب ماضيه ، وحياته وطرق عيشه في حاضره ، وإطلالته على مستقبله · أما التراث الحضاري والثقافي فهي الممتلكات والكنوز التي تركها الأولون ، حيث هي السند المادي واللاّمادي للأمم والشعوب ؛ من خلالها تستمدّ جذورها وأصالتها ، لتضيف لها لبنات أخرى في مسيرتها الحضارية ، لتحافظ على هويتها وأصالتها…” (12 )
نلاحظ أن الشاعر ” محمد مهداوي ” تعامل مع رموز وعناصر التراث والهوية بحذر حتى لا يقع في المسخ والتشويه ، كما أنه يدرك أن التراث متداخل الدلالات ( الثقافة – الهوية – المقاومة – الذاكرة الشعبية … وكل الدلالات بمختلف معانيها تثير فكرة الأرض والهوية والأصل ( كلشي حاضر يكلم التاريخ /// واللي غاب يا الخاوة يفدي
فوقاش تجي الوعدة يا ولدي /// نتكرو عوايد جدك وجدي …)
(يا ناس الدوار / هذا وق لحصاد / وجدو المشكر / راه حان الميعاد / وجدو لمناجل / والصباعيات …)
يقول الشاعر الزجال في قصيدة ( لقلم المحكور ) الصفحة : 121
يل التايه وسط الظلام
هز القلم وزمم
خلي مراكب حروفك
تعبر وتتكلم
راه الكمرة ترحب بك
تقدم ؤ زيد تقدم
لا تحشم ، لا تخمم
إلى عثر عودك
في بحر الدنيا
لجم السحاب
ركب الركاب
وتقدم ، زيد تقدم
نلاحظ أن الشاعر الزجال تجنب تشابه وتكرار الأفكار الموظفة في كل قصيدة وأخرى .
كما أن تناوله الجوانب التراثية ، ومعاني الهوية في القصيدة الزجلية ليدلنا على الأصل والأصالة والجذور والتجدد في أبعادها المعنوية والمادية ( خلي حروفك تتبورد / وسط السربة / بك الناس تتعلم / لا تحكر الضعيف / راك غدا يمكن نتندم / وتموت بقرصة نحله / ؤ يتهز سلك القلم … ) . لقد حدد الشاعر مسلكه في الكتابة الزجلية من خلال التركيز على وظيفة الفهم وتبسيط الفكرة متبعا تقنيات وأسلوب التداعي الحر دون مساس بالأصل ، بل استطاع أن يوفق بين الخط الفكري والخط والإبداعي الزجلي .
يقول محمد مهداوي في قصيدة ( أنت يا أصيل ) الصفحة : 45
أنت يا أصيل
عليك نغني لحن جميل
أنت يا أصيل
كل ما نقول عليك قليل
أنت يا أصيل
ف قلبي ما عندك بديل
أنت يا أصيل
ويقول في قصيدة ( الأضحية والتضحية ) الصفحة : 44
بسم الله أنا ضحيت
ب كبش أقرن لواجبي أديت
تعلمت درس في التضحية
لما نحرت هاذ الأضحية
يا سياسي استوعب الدرس
قبل ما يذبل الغرس
استخدم الشاعر الذاكرة ضمن وظيفتها العادية ، أي إبداع زجل سهل ممتع وممتنع في الآن ذاته . تجتمع الذاكرة التي استخدمها لحظات ترسم الذات والهامش ثم المركز (عليك نغني – نقول عليك – قلبي – اعطيني يدك = أنت يا أصيل ) . كما أن الشاعر في وعيه بالكتابة لا يسعى لتحطيم علاقات المسار الحدثي/ الحدث من أجل تشييد علاقات جديدة إراديا ، بل نجده يتبع نسقا إبداعيا خاصا تتحكم فيه توجيهات السرد الذي تحتويه القوالب الشعرية الزجلية ( ضحيت – كبش – درس في التضحية = يا سياسي استوعب الدرس )
من خلال العقد التصاعدية ، يتعامل الشاعر مع الزمن على أساس أنه حوار بين الماضي والحاضر والمستقبل . يقول الشاعر في قصيدة ( المفتاح والقفل ) : ( القفل = يا مفتاح الخير / وياك أنت حديد / سنانك عوج / واش اداك / تحل بيبان الغير ؟؟؟ )، وهذا الزمن أصبح كمرتكز لبنية سردية زجلية ترتكز على نسق وصفي وحواري ( المفتاح = بغيت نرفع عليكم الشقا / ونعلمكم حسن التدبير / نجمع شملكم / واللي صار يصير ) …
ما نلاحظه أن هذا الصنف من قصائد الديوان منفتحة على العالم الخارجي من خلال كشف الشاعر لبؤر الحكاية على بعض جوانب الحياة ( الذات ) والمجتمع وقضاياهما .

4 – القضايا الشعرية : الأنا / الشاعر الإنسان – القضايا المجتمعية .

تعتبر الأنا / الشاعر / الإنسان هي الجذر الذي يمتد في الماضي إلى تجارب وقضايا تشغل الشاعر والناس ، أما الحاضر فيصير امتدادا للماضي كتاريخ وموروث تراثي ثقافي يحوى حقائق و معلومات تاريخية ، واجتماعية اقتصادية ، أو قيم روحية ، ويصير المستقبل غاية الحاضر وقضيته الأولى . أي أن الأنا / الشاعر/ الإنسان تلعب دورا مهما في حماية ونقل معاني القيم التراثية للمجتمع ، بتكنيك شاعري متمحور حول ثلاث زوايا ( الماضي – الحاضر – المستقبل ) ، وفي عمق هذا التمحور توجد الهوية والانتماء .
لنتأمل قصيدة ( مسرح الرمضاني ) الصفحة : 81
يا سيدي أنا راجل نيه
عايش بالكرموس والهندية
أش داني لهاذ لبليه
سمع قصتي يا ولد الزناسنيه
في يوم فكرت نمثل دور
ف واحد المسرحية
السي المصطفى قدم لي هديه
دارني بطل ، حيث هو تايق في
مثلت دور الذيب
لابس جلابة ذهبية
فرزعت في الخرفان
وكليت النعجة السردية
تعبّر القصيدة الزجلية في ديوان ” لباردي والفردي ” عن الانسان بكل تفاصيل وجوده واقعه وأحلامه وانتظاراته وانتمائه وهويته وتماسه الكامل مع الآخر واندماجه مع البيئة والوجود والحياة ( دارني بطل ، حيث هو تايق في / مثلت دور الذيب / لابس جلابة ذهبيه / فرزعت في الخرفان / وكليت النعجة السردية …) اندماج بكل ما فيها من تلق ساذج ومعقد و فلسفي ووجودي وميتافيزيقي ، بعلامات تعنيه وتقصده ، ورمزيات ورموز تحمله وتعبر عنه وبه ( تبعو معاي يا خوتي هاذ المسرحية / أشنو وقع لخوكم المجدوب / كملت المسرحية والجمهور صفق علي / ونا ما قدرت نحايد لباس الذيب …) قضايا الذات وأساسيات التعايش في المجتمع تتداخل فيه سيكولوجياته وعاداته وتقاليده . قصيدة ( مسرح الرمضاني ) قصيدة زجلية تجمع بين الموقف الصادم والموقف المتصادم والموقف المتصارع ، اختلافات ممتعة تعني الأصل الذي يجمع التراث مع أسلوب المسرح والقصة والحكاية ، تحت غطاء بامتداد تفصيلي للهوية والتاريخ والحضارة والتراث الشعبي الذي يميّز كل أرض وإنسان وانتماء .
يقول محمد مهداوي في قصيدة ( مال الحرف جفاني ) الصفحة : 35
يا الخاوة مال الحرف جفاني
ؤ بسيوفو القاطعه كواني
هز علي كتافو ؤ عداني
سد علي بيبانو وطلب مني
منرجعش عندو ثاني
مال الزاي تنكرت للعشره
وعتبرتني براني
الجيم شدت الركنه
واعتبرتني شراني
ويقول في قصيدة ( الواو ) الصفحة : 37
الواو ما عندو جارو
ديما هامل على دارو
يقتل ما يقدم عذارو
يهيج وأنت ما تعرف نهارو
العلماء فيه حارو
غي ربي اللي يعرف سرارو
ويقول في قصيدة ( البير المظلام ) الصفحة : 41
يا البير المظلام
ليك ألف سلام وسلام
أنا جيتك هاذ العام
باش نعرف سرك
كولتلي هاذ الشي حرام
علاش أنت غارك
كاطع الكلام
من الواضح والجلي أن الشاعر ” محمد مهداوي يرغب في تحريك تبوتية واستاتيكية القصيدة الزجلية في المنطقة الشرقية المغربية ، فهو ينتقل من قوالب القصيدة الزجلية الحكائية المحملة بالوعي بالجغرافية المكانية والوعي بالذات والوعي المجتمع ، إلى تكنيك ينتقل بنا من مركزية الفعل المغير والمتغير الذي تحضر فيه الذات ( مال الحرف جفاني = اللام كالت لي ب صوت عالي / أنت ما بقيتش واحد من جيراني / …) ) التي تبتعد كل البعد عن التصور البسيط الذي يجعل منها مرادفا للوجدانية أو الرومانسية .
القصيدة الزجلية في ديوان ” لباردي والفردي هي تعبير عن قضايا اجتماعية مرتبطة بالتراث والهوية ، تجتمع فيه الذاكرة بالفكرة ، فتقدّم صنعة زجلية زناسنية إبداعية لها تلقائيتها الوجدانية التي تمزج الحرفية والمهارة والابتكار انطلاقا من تنوع الأغراض والمواضيع .
يقول الشاعر في قصيدة ( الحدود ) الصفحة : 42
يا واد يا ظالم يا سجان
شوف علام الخاوة
كرفرف غضبان
وعلامنا بنجتو
الخضرا حيران
قرب عندي
وياك حنا جيران !؟
ويقول في قصيدة ( سوق الظلمة ) الصفحة : 46
شوفو هذا سوق الظلمة
مكيالو خوانة وشفاره
واللي نزل ف بيرو
يغرق من ساسو ل راسو
ف بحر لخسارة
الصدق هز درابلو وهجر
خلا النفاق محزم ب رزة
يحكم حكم الأمرا
ويقول في قصيدة ( الشمعة ) الصفحة : 52
يا الشمعة حميتلك ما بي
من هموم ، علاش ما حنيتي علي
ضويتي ليلي ب نوارك الذهبية
ؤ مسولتي آش جرا لي
اسمعي قصتي
على وذنيك وصغاي لي
راه قلبي عمر
دمراتو رعود ؤ رياح قوية
تستمد قصائد الديوان الزجلي ل “مهمد مهداوي ” جماليتها وقوتها من وجود دلالات متعددة تحويها البيئة اللغوية والشعرية ، الحاملة لخطاب مضمر سردي يؤكد البراعة اﻷدبية التي تفتح الباب أمام قراءة تأويلية أسلوبية ، أو عقلانية توليدية. لأن الواقع يتجلى في ميدان الشعر كما يتجلى في ميدان السرد الذي فيه مساحات جمالية تفتحها القصيدة الزجلية وفق متغيرات العصر والتماشيا مع ضرورات الحياة ومقتضياتها .
يقول محمد موح :” … قصائد تتحدث عن معاناة الإنسان اليومية في المجتمع، وعن حرمانه من أبسط حقوقه والتعدي عليها من طرف الغير، فجاءت : (جماعة الخير)، و(قصة الأخلاق)، و(الحدود)، و(محكور)، و(محكورة)، و(الخدامة)، و(أنا باغي نحرك)، و(سوق الظلمة)، و(شمعة بلا فتيلة)، و(الطير الهايم) و(بلارج)، من أفصح القصائد تعبيرا عما يعانيه هذا الانسان من ظلم، وجور، وحكرة، وطغي، وغش، وفقر، وتهميش، و…؛ وفي نفس الوقت يقابل الزجال هذه الظواهر الاجتماعية السلبية بظواهر وصفات إيجابية تبعث على الأمل والتفاؤل بالمستقبل، كالعزم والإرادة، والصبر، وحسن الظن، والإخاء، والتضامن، والتغيير، والعمل،… قد يتحدث الزجال عن هذه المتناقضات في القصيدة الواحدة نفسها، وقد يُفرِد لها قصائد مستقلة يُكَمِّل بعضها بعضا في علاقة تناسق وانسجام، وتكامل بين النصوص بشكل عام … ” ( 13 ) .

خامسا – الخاتمة :

تتوجه القصيدة الزجلية المعاصرة نحو التراث الذي أصبح حاجة تعبيرية يفرضها الانفتاح على العالم لتأكيد الانتماء والهوية الشعرية ، مع تفرد يحيلنا في الزجل المغربي على عراقة الأصل والمنشأ ، فتستخدم الأفكار كإثبات عميق الحضور والتعايش والتوافق الفكري الحضاري ، فتتميز القصيدة الزجلية بتشكيل رؤية توفيقية للجغرافية المكانية والعادات والتقاليد والانتماء والأصل والهوية والتراث والأنا والآخر … ويتجلى كل ذلك في رمزية الألفاظ المستعملة وتطورها … يقول محمد موح :” … اتخذ الزجال من اللهجة العربية الزناسنية أداة لسانية يتواصل بها مع المتلقي، ويمزجها في بعض الأحيان ببعض التعابير والألفاظ الأمازيغية … التي تدل هذه المرة على تشبثه العميق بموروث أسلافه من الناحية اللغوية ، ناهيك باستعماله لبعض الألفاظ الزناسنية القديمة التي لم تعُدْ متداولة في أيامنا هذه … أ خيرا، يبقى الديوان ذخيرة علمية جمعت في طيها تعابير لغوية كثيرة يستعملها بنو يزناسن في سياقات مختلفة ، وتلتصق بالمعنى الذي يحمله كل سياق سواء وُجِدت فيه قرينة تدل عليه أم لا … ” ( 14 )
وأختم بنقل ما جاء في الواجهة الخلفية لغلاف ” لباردي والفردي ” :
يا اللي غزلت الصوف ب يديها
صوبت الصنعة
شكون اشريها
لما عيات غمضات عينيها
لكن لو حاولت تغزل الحروف
لفضلت غزيل الصوف
راه كل حرف يخرج من الجوف
عبارة عن أماس وسيوف
خبريهم يا شمعة عن آلامي
مين يخرس لساني
ويتبعثر كلامي
نطفي الشمعة ونعنك قلامي


الهوامش والمراجع :

1 – ديوان ” لباردي والفردي ” / التقديم / د . محمد ميلود غرافي / الصفحة 6 – 7
2 – قراءة الناقد ” محمد موح ” في ديوان ” لباردي والفردي “
3 – عبدالحق بلعايد / عتبات / جيرار جنيت / من النص إلى التناص / ص : 15 / الطبعة الأولى 2015
4 – المرجع ( 2) نفسه
5 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي / الصفحة : 155
6 – محمد عابد الجابري / نحن والتراث / ص : (55 ) / الطبعة السادسة 1993
/ أحمد البزور M.arabi21 .com7 –
8 – المرجع ( 1) نفسه الصفحة : 7
9 – زيدو جميل الشرقي / التراث والهوية / مجلة الموقف السورية / العدد 429 / 2007 الصفحة 18
10 – المرجع ( 2 ) نفسه
11 – المرجع ( 6 ) نفسه / الصفحة 22
12 – التراث والهوية … التماهي والتكامل / د . فريدريك معتوق / إشكالية التراث / مجلة الموقف السورية / العدد 429 / الصفحة 12
13 – المرجع ( 2 ) نفسه
14 – المرجع ( 2) نفسه
15 – محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي
16 – دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
17 – الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي

بقلم : مجدالدين سعودي / في استنطاق الذاكرة والعشق والكتابة / رواية ” وداعا رانقة ” د . محمد

رواية (وداعا رانقة) للأديب الدكتور محمد الوادي: في استنطاق الذاكرة والعشق والكتابة


مجدالدين سعودي – المغرب


استهلال


رواية (وداعا رانقة)، عمل روائي جميل ومكثف، من استعارة البطل حمدان لاسم البطلة وحياة كاتب طبع حياته بالعشق والتمرد ومحاولات اكتشاف الوجود…
كاتب خبر دهاليز الابداع، يحمل في قبعته الأدبية والساحرة كل أنواع الأجناس الأدبية، فهو شاعر وصحافي ومسرحي وناقد وروائي وجمعوي…
لهذا أتت رواية (وداعا رانقة) الدكتور محمد الوادي تحمل هموم المبدع وعشقه، فيتداخل السرد والسيرة الذاتية والعشق ورحلة الخروج من القرية لاكتشاف العالم…
في رواية (وداعا رانقة) تحس بالتشويق وتبحث عن رانقة محمد الوادي، فتجدها ابداعا جميلا ورؤيا ناضجة حول السياسة والحب والابداع والتأمل الفكري….


القسم الأول


الرواية ومحمد الوادي


تدور أحداث رواية (وداعا رانقة) حول البطل الكاتب المتعدد الاختصاصات الأدبية (حمدان)، وهو شخصية محورية، يستحضر ذكرياته ويحث ذاكرته على سرد أحداث الولادة وما قبل الولادة والطفولة والأهل والأصدقاء والرغبة الكبيرة في السفر وعشقه الكبير لرانقة…ويمكن القول أن رواية (وداعا رانقة) هي (قصة حب مجوسية) بطعم وأحداث وتساؤلات مغربية….


الفصل الأول : شخوص الرواية


اختار الدكتور محمد الوادي أبطال روايته المتوجين وغير المتوجين بعناية وبدقة، وكان لهؤلاء مكانة تناسبهم في عمله الروائي…

فاطمة

فاطمةهي أخت البطل حمدان والتي ماتت صغيرة ومع هذا سكنت ذاكرته: (كانت صورة أخته فاطمة هي أول الصور التي فتح عليها عينيه بعد صورة أمه وأبيه. كانت فاطمة واحدة من بنات الجنة، في الثالثة من عمرها. ذات شعر أسود كثيف، وعيون بسعة الدنيا والحلم، وبياض بشرتها يميزها عن كل فتيات القرية. أما ابتسامتها فكانت ساحرة تنزعك من وكر الشياطين الى عالم مكتظ بوهج الحياة والبراءة والحلم … الصفحة 12 و 13 ).

وفاطمة تسكن قلب وروح حمدان الذي يقول: (كلما لجأ الى السرير للنوم يتخيل فاطمة وهي تحمله على ظهرها، أو هي تشد بيده على الوقوف والمشي، أو هي تطعمه، أو هي تداعبه. كانت جد فرحة به وكأنها وجدت لها مؤنسا وحارسا… لعبة جميلة تتسلى بها بحب كبير.. أخ يبادلها الضحكات والفرح ويملأ عالمها. كانت مسرورة الى درجة الانتشاء … الصفحة 17).. لكن مرض (بوحمرون) سيأخذ فاطمة الى العالم الآخر…

الجد

في وصف دقيق يحدد لنا حمدان جده قائلا: (صباح الأحد القادم سيفتح الشانطة – الحقيبة المفضلة ذات اللون البني الداكن، وسيستخرج منها الجلباب المميزة التي لا يرتديها الا في المناسبات الأكثر أهمية، والسلهام الأبيض، والبلغة الصفراء، والطربوش الأحمر، والقميص الأبيض، والسروال الأبيض كذلك، هذه هي ملابسه الأغلى والأحسن، والتي سيرتديها الأحد المقبل قبل الذهاب الى السوق، ومنه الى قمة الجبل، ثم الى السماء. انها ملابس تليق بالعالم العلوي الذي سيزوره….. الصفحة 22 ).

كما يحلل شخصية جده قائلا: (شيخ وقور وتقي ولكنه مراوغ، يعرف كيف يقنعك، وكيف يخرجك من عالم أنت مصر على البقاء فيه، الى عالم آخر.. يعرف كيف يغير اهتمامك، وكيف يحور تفكيرك، وكيف يخلق لك آلية بديلة لآلية تفكيرك… الصفحة 16 )…

الأب

توفي والد حمدان وهو صغير: (اتجه نحو قبر أبيه. ينتقي خطواته حتى لا يدوس على قبر وينتهك حرمة الموتى…. الصفحة 29 )، وبعملية فلاش باك يقول : (تذكر حينما كان أبوه يضمه الى صدره، ويقبله ، ويركب معه على الحصان. وكان الأب يقول لحمدان سيكون لك شأن كبير……الصفحة 30).

ليليان

جنية يهودية تسافر مع حمدان في صحوته وغفوته وحلمه وبوحه والتي لا تفارقه وتدفع عنه المصائب، وتؤكد له ليليان: (رانقة التي سحرتك أنا التي دفعتها الى مغازلة أوتار قلبك …الصفحة 86). وليليان هي قارئة فنجانه وتؤكد له: (لا تقلق هذا العام عامك. ستبدع فنا قوليا، شعرا موسوما بالشعرية، ونصا دراميا مسرحيا ستختار له اسم – الرقص على الجمر – ودراسات مختلفة…الصفحة 87 ).

الأم

الأم حاضرة في رواية (وداعا رانقة)، فهي الصدر الحنون وهي التي تفهم حمدان جيدا وتعرفه فرحا أم حزينا، مهزوما أو مترددا أو منتصرا…

يحدثنا حمدان عن أمه قائلا : (كل ما كان يهم حمدان هو الذهاب الى فاطمة التي اشتاق اليها كثيرا، ولن يعدم وسيلة.كلما ذكرها، في حضرة أمه، الا وأجهشت الأم بالبكاء، وتساقطت من عينيها دموع غزيرة حتى تحمر عيناها ، ويبح صوتها، وتتألم كثيرا لفراقها… الصفحة 21 )..

شخصية حمدان

حمدان البطل والكاتب والعاشق معا…وهو كثير الأسئلة منذ صغره الشيء الذي دفع جدهالى التعليق قائلا عن حمدان: (هذا الطفل يدهشني بطرح أسئلة محرجة…أسئلة أكبر من سنه… أسئلة صعبة.. الصفحة 15). وكان جواب فقيه القرية: (طفل كباقي الأطفال، يحفظ السور القرآنية في صمت، وهو أصلا قليل الكلام، كثير الشرود. الصفحة 15)….
ويمكن تلخيص شخصية البطل والكاتب حمدان في قرار اللجنة الموقرة: (خينما بحثنا، بدقة متناهية، في أمورك السرية والعلنية، وجدناك مجنونا عاقلا.. حلاما واقعيا.. وأنت في كل الأحوال لا تعدو أن تكون مجرد مدبج كلمات، وصانع سياقات لغوية. ليس لك أن تعترض على هذا الاستنتاج، فنحن حين قررنا أن نضعك في الميزان النقدي كان في نيتنا أن نخرجك من دائرة الظل الى سماء الضوء. والآن نمنحك، تحت سلطة الحاحك وجبروت عزمك، صفة كاتب متوج. فاكتب ما تشاء. إنك تحت مجهرنا الى أن نصادر كلامك، أو نقطع لسانك. الصفحة 5).
منذ الطفولة وحمدان متمرد: (فقد أضرب عن الرضاعة لمدة قاربت الشهر حتى يئست أمه واعتبرته هالكا لا محالة. الصفحة 11 )..
ويصف حمدان نفسه قائلا: (كان حمدان وسيما وجميلا. شعره كث وشديد السواد، مصفف وطويل يغطيأذنيه وجزء من رقبته والجزء العلوي من جبينه. له عينان سوداويتان فيهما ألق أخاذ وبريق ساحر. ذو بشرة بيضاء. لا تبدو عليه ملامح البدو… الصفحة 25 ).


الفصل الثاني : الأماكن


للأماكن دلالاتها ورمزيتها في رواية (وداعا رانقة):

الدار البيضاء

الدار البيضاء الغول الكبير وهي شر لا بد منه، يقول حمدان:(في خلوته التي لا يرتاح الا فيها، يعيد ترتيب أوراقهومقروءاته، وخصوصياته على نغمات أغاني أم كلثوم التي أدمنها لسنوات. في مدينة الدار البيضاء التي لا يعشق فوضاها، وتخلفها، ونتانتها، كان مجبرا على التناغم مع حب لا يمت لهذه الجغرافيا الآثمة.. الصفحة 66).

فاس

في مدينة فاس يكتشف حمدان نفسه…
يقول: (في فاس شرب الكوب الأولى. سقته اياه فتاة من بلور، واعتقد أنها ستكون رفيقة حلمه ودربه، لكن –جنان السبيل – لم يف بوعده، وخانته البطحاء في واضحة النهار، وحولته فاس الى مولود عريان تماما من حلمه، ونبض قلبه، والشرب من ذاك المعين…
في ليل فاس الحزين شدته ذكريات الطفولة، عشق، ولد ميتا على نغمات طرب الآلة الأندلسية.. طموح تكسر – سريعا – على جنبات ضريح مولاي ادريس…. الصفحة 107 و 108 )…
وحمدان أثناء استرجاع طفولته يسترجع كل الأماكن التي عاش فيها:
(كان الطفل حمدان يروي عطشه من نهر بوشابل، صنو ورغة وسليل سبو. كما أفعى يتلوى النهر على مفاصل قبيلة اشراكة…. بينما تقبع فاس تحت أقدام زلاغ، تتربع تاونات على قمم جبلية وكأنها تراقب كل الجغرافيا مخافة أن يعود اليها المستعمر.
-المسالتة – قرية صغيرة غالبا ما تستيقظ، كل صباح، على اشراقة شمس خجولة…. الصفحة 23 )…


الفصل الثالث: الكاتب والكتابة


الكتابة روح بناءة، خلود وجمال…
وحمدان الدكتور محمد الوادي يقول:(الكتابة خطيئة.. والكتابة اغتيال ومولد جديد في نفس الآن. وهي مزعجة تماما مثلها مثل كوابيس الليالي الباردة. وحينما تكون – هذه الكتابة –عن امرأة بمواصفات رانقة تغدو جحيما.. جمرا يحرق الأصابع، ويحرق، قبلها، القلب… الصفحة 60)..
الكتابة فعل تورط: (ولأنه تورط فيها، وفي الكتابة معا…. الصفحة 61)..
ويواصل تعريفه لفعل الكتابة: (الكاتب، دائما، يتستر على العديد من الوقائع والحقائق ويترك في حياته، وحياة من يعاشرهم ومن يكتب عنهم، مناطق مجهولة، وأخرى مضببة، وثالثة غير محددة العالم…الصفحة 61) .
ولنتعرف على ميولات البطل والكاتب حمدان عن ميولاته في هذا المقطع السردي الجميل: (وفي شفتيها حمرة ميالة الى دم المقتولين غدرا. بين الحمرة ولون البؤبؤين البني الشفاف لون ثالث لم يستطع أن يحدده وهو الفنان التشكيلي، والسيناريست المبدع، والمسرحي بالفطرة والتكوين الأكاديمي، والقصاص، والاعلامي، والشاعر…الصفحة 62).
ولا ينسى أديبنا وبطلنا نحمد الوادي وبلسان حمدان أن يحدثنا عن عشقه للمسرح، فيقول: (وأن تحاصره جسارة الشغف …جدته التي وصفها في اهداء احدى مسرحياته أنها أحسن ساردة علمته كيف يحكي، وكيف يصف، ويقص، ويتصور ويتخيل، ويسرد، ويدبج الكلمات، ويؤثت النصوص، ويخلق عوالمه الخاصة…. الصفحة 93).


الفصل الرابع: الموت والوجود


الموت حدث درامي لا نعرفه متى يأتي، وحمدان يتحدث عن موت أخته فاطمة قائلا :(ماتت فاطمة. لم يكن يعرف معنى الموت. لكن ما أدركه – فيما بعد – أنها غابت طويلا. وعرف – من خلال جده أحمد – أنها ماتت، وأنها لن تعود الى المنزل، ولن يراها ثانية على وجه هذه الأرض، والموعد سيكون هناك.. في الجنة.. في السماء.. في العالم الآخر… الصفحة 13 ) .
ويواصل :(كان على يقين تام أنه قريبا سيرحل عن هذه الدنيا… الصفحة 14 )
وكذلك: (كتاب أجله يريد أن يقرأه…يريد أن يعرف متى سيرحل؟… والى أين سيكون الرحيل؟ … وكيف سيتم؟ … الصفحة 14 )…
انها حيرة التساؤلات المشروعة: (أسئلة تتناسل باستمرار…سؤال يقوده الى آخر. مع كل سؤال جديد تكبر حيرته التي أدخلته في حالة نفسية قريبة من الانطواء والانعزال… الصفحة 14 )…
وحكمة الفيلسوف يقول حمدان: (ليس الموت أقل روعة من الحياة. الصفحة 18)
ويعود لأخته فاطمة والموت: (ماتت فاطمة من غير أن تدرك معنى الموت، أو حتى معنى الغياب. وهي – الآن- طائر جميل يحلق في الجنان.. الصفحة 18…).


الفصل الخامس: الحب والسياسة
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

بخبرة الكاتب المتمرس يربط محمد الوادي خيبات الحب بخيبات السياسة خيباتنا تجاه الآمال المعلقة على سياسيي النفاق والوصولية…
يقول حمدان:(أحيانا يشبه الحب بالسياسة التي تتغير وتتبدل حسب المصلحة، الا أن الفرق الصارخ بين الحب والسياسة هو أن المحب مهما تبدل قلبه، وتغير شعوره نحو حبيبه، فان أشد ما قد يتخذه من قرارات هو الهجر. أما السياسي قد يلجأ الى الوسائل والأساليب الأكثر قذارة ونذالة من أجل تحقيق المنفعة الشخصية. الصفحة70)…
ولهذا يسافر البطل حمدان الى الخارج (تركيا):
(لأول مرة تمنى لو تكون مغادرته للوطن أبدية، فالبلاد بدأت تتدحرج، كرة الثلج، نحو الهاوية، قبضة المخزن الحديدية على السلطة والعباد، تأزم الوضع، والأحزاب السياسية لا يهمها غير اقتسام الكعكة، والطبقة المتوسطة اضمحلت وغاب دور النخب. هو لا تعنيه السياسة الا من باب الخوف على الوطن، وعلى الناس. الصفحة 95).
والبطل حمدان يتكلم انطلاقا من تجربته السياسية: (خبر العمل الحزبي ولما انكشفت له الحقيقة غادر الحلبة وكفر باللعبة لأنها غير نظيفة، وانحاز الى الثقافة والفن…. الصفحة 95 )…
وبحزن يواصل: (كان بحاجة الى أن يعزي نفسه في وطن يموت لحظة بعد لحظة. وطن تقتله السياسة بعدما قتله الاستعمار. الصفحة 95 ) …
كما تحضر جامعة الدول العربية في هذا الحوار الشيق بين العاشقين:
(- لن نجلس في مقهى حديقة الجامعة العربية، قال لها.

  • لماذا ؟
    -لم تعد تعجبني.
    -بل قل لم تعد تؤمن بالقضايا العربية. الصفحة 114 )
    في الحقيقية جامعة الأوهام العربية هي التي لم تعد تؤمن بالقضايا العربية…
    وقد صدق حمدان عندما علق: (وأن يدا ما…… تحرك أمور العرب خارج جامعتهم الصفحة 114)…

الفصل السادس: رانقة: نهاية حب، نهاية أمل


يقول حمدان للتعريف برانقة حبيبة قلبه : (فلتتأكد أنه لن يفشي سرا من أسرارهما، ولن يذكر حتى اسمها الحقيقي ، فقد احترع لها من الأسماء الرمزية ما يليق بمقامها … الصفحة 60 )..
رانقة هي عشق حمدان الكاتب والعاشق، وكل أحداث الرواية تنهل من عشق البطل لها.. وهي التي غيرت حياته: (عندما رآها…انخطف قلبه.. انقلب كيانه…أحس وكأن هذه الممثلة…ستقف على عتبة أنفاسه حاملة سيفها مهددة اياه بالقتل، وقد تكون قاتلته الفعلية…. الصفحة 67).
ولهذا يحاول: (أن يجد تفسيرا لنبضات قلبه المتسارعة، ولهذه الحالة الغريبة وغير المسبوقة التي يحسها…الصفحة 68)
انه سحر رانقة الرمز والاسم الفني لفاتنة حمدان…
ويعترف كاتبنا قائلا: (فجأة وفي ساحة الثانوية ظهرت رانقة بكل بهئها وطاووسيتها فسحرت قلبه وجعلته يرى كل النساء مختصرات فيها … الصفحة 76 و77).
ويتابع بوحه: (أنت الغيمة والعين.. الخليلة والحليلة… الصفحة 92 )…
يصف العاشق الولهان حبيبته رانقة قائلا: (كانت رانقة صغيرة كما البرعم، وكان جسدها في طور افراز نتوءاته الشهوانية، وكانت أسئلتها كثيرة ومحرجة، وأحيانا لا معنى، ولا مغزى، ولا نسق…كانت أحلامها جنونية وتبدو طوباوية… الصفحة 53 )..
ومع هذا يتساءل العاشق حمدان عن رانقته قائلا: (لا تزال رانقة غامضة. هل هي كباقي الفتيات مثل الزهريات المغشوشة والمرايا المحذبة؟ أم أنها عميقة كما المحيطات؟ أم تجمع بين كل هذه المتناقضات. الصفحة 80).
حمدان يعترف بعشقه الكبير لرانقة وعندما أرادت وداعه شعر بحزن عميق، ويصف لنا مشاعر الوداع قائلا: (من غير اخبار سابق قررت رانقة السفر.. الهرب.. الرحيل الصفحة 133).
فكان تغيير حمدان راديكليا وتراجيديا معا: (لبس حزنه الأسود وانطوى على نفسه. أصبح لا يطيق النظر في وجوه وعيون الأصدقاء والزملاء…أصبح زاهدا في كل شيء… الصفحة 136).


الفصل السابع: الوصف والحلم


يتميز الدكتور محمد الوادي باعتماده الى وصف دقيق للأحداث، وبوصفه يجعلك متشوقا لمتابعة أحداث رواية (وداعا رانقة)، وفي مشهد بليغ كان حمدان يتساءل: (دخلت ربعاء الفراش، وتدثرت، وأطفأت النور الخافت. نامت كما طفلة في ربيعها العاشر. بلا شك رأته في منامها يركض فوق جوادهالكستنائي في غابة الحب، تائها كيهودي الشتات، كعربي الانقسامات.. خائفا من عدو حقيقي أو مفترض.. من مكائد وحروب لا تتوقف.. هاربت من واقع عربي سمته الأساس القتل بدم بارد، والخيانة بنوع من الاعتزاز والفخر…. الصفحة 75).
ويصف حمدان نفسه قائلا: (كان طفلا ولوعا ومعتدا بطفولته وأحلامه الصفحة 105 )


خاتمة: وداعا رانقة


عنوان الرواية هي نهايتها …
والدكتور الأديب محمد الوادي أتحفنا بعمل روائي قوي وسافر معنا منذ طفولة الكاتب الى يوم عشق رانقة التي سكنت قلبه وروحه…


مجدالدين سعودي – المغرب


شعرية الأمكنة العربية الجريحة / بقلم : مجدالدين سعودي / المغرب

قصيدة (صدى الأمكنة) للشاعر عبد العزيز برعود: شعرية الأمكنة العربية الجريحة.


مجدالدين سعودي – المغرب


الشعر هو تأمل في الكون والتقاط كل المشاعر والأحاسيس والمظاهر التي نعيشها وتنتابنا وتحيط بنا ، والشعر كما قال الفيلسوف الوجودي هايدغر هو (وعد بالكشف) .. فيكشف الشاعر ما لا يتم كشفه من طرف الانسان العادي ويلتقط ما بين السطور والصور ، ويقتحم العالم اللامرئي والمسكوت عنه ويبصم قصائد العشق بعشق والمرثيات بحزن والسفر في الوجود بتأمل.
وذات لحظة فكر وبهاء انساني قال الشاعر الألماني هلدرلن : (ما يدوم يؤسسه الشعراء).
ومن هذا المنطلق يؤسس الشاعر عبد العزيز برعود استمرارية التوثيق والتأريخ للربيع العربي الذي تحول بين عشية وضحاها الى خريف الموت والحرب والفساد …
أمكنة الشاعر عبد العزيز معروفة ومحددة تاريخيا وجغرافيا … فكانت (الذاكرة) عبارة عن لقطات سينمائية توثق لشعرية أمكنة قصيدة (صدى الأمكنة)..
يحيلنا العنوان(صدى الأمكنة) الى أمكنة عربية دخلت التاريخ بثوراتها وحروبها ، فالربيع العربي يصادق خريفه ، والشتاء العربي تحول الى صيف قاحل مستديم ، فلا تسمع – أينما حللت ورحلت – الا صوت الرصاص ورائحة الدم وسقوط رؤوس لتحل محلها وجوه قديمة – جديدة بمسميات جديدة ، ليتدخل الغرب الذي شنف مسامعنا بمفاهيم الديموقراطية والنظام والعدل ،فتارة يتدخل لجانب قوة ضد أخرى ، وتارة لمناصرة أبناء الثورة التي – وللأسف تأكل أبناءها وخيراتها – وتارة تحت ذريعة اسقاط الفساد وهكذا ، لتعيش الأمكنة العربية الحروب والويلات وتدمير المدن والاقتصاد والمآثر والمتاحف وغيرها .
واذا كان (كارل ساندبرغ ) قال عن حكمة: ( الشعر حقيبة التذكارات غير المرئية ) ، فقد كان الشاعر عبد العزيز برعود في قصيدته (صدى الأمكنة) صادقا وحارقا في نفس الوقت ، كان صادقا لأن عين الشاعر الثالثة لا تخطئ وتجيد التصويب ، وحارقا لأن الحقيقة صادمة .
ينتقل الشاعر بين سيدي بوزيد – رمز الثورة التونسية والتي استفادت انتفاضتها من نظام ديموقراطي- وليبيا وصحاري النفط والقحط ليصل لمصر ميدان التحرير مرورا باليمن والشام …
للشاعر عبد العزيز برعود حاسة سادسة ، يستشعر الأخطار المحدقة، فتلتقط عينه الثالثة كل المظاهروالأحداث ليحولها الى ابداع شعري جميل.
فسيدي بوزيد كبقية المدن العربية ، تلتقي في الفقر والظلم والضياع ، وأتذكر الشاعر المغربي بعينه الثالثة وهو يقول في ومن مضى لكنه مستمر لحد الآن:
((مدن لانهمار المراثي مجهزة وصليل الصنوج
فلا تشعل الورد للشعراء مداما
ولا تشرع الصدر للأنبياء مقاما
ولكنها تتبرج مثل إمام القصور
ولا شيء يسمو بها إن سما غير
اسمنتها في سمو البروج” ))
فيكتب الشاعر عبد العزيز برعود:
((في سيدي بوزيد:
اشتعل الجسد نارا
فارتعش الوقت
واستضاء ليل قرطاجنة
السرمدي
يكسر المرايا الخادعه
صدق الشعراء المتهمون
بالكذب والغوايه
ومن رماد الذاكرة
انتفضت قصائد الحرية..))
وقد صدق لوركا عندما كتب : (( آه يا لها من أحزان عميقةٍ ‏لا يمكن تجنبها .. ‏تلك الأصوات المتوجعة ‏التي يغنيها الشعراء.))
وها هي (ليبيا الخراب ) بتعبير عبد العزيز برعود تعيش المأساة والثورة الدموية والثورة المضادة وثورة من لا ثورة له ، فيلتقي مع العين الثالثة للشاعر محمد الفيتوري الذي نجح في نشر صورة طاغية الزمن العربي:
(( قد مر طاغية من هنا ذات ليل
أتى فوق دبابة
وتسلق مجدا
وحاصر شعبا
غاص في جسمه
ثم هام بعيدا
ونصب من نفسه للفجيعة ربا.. ))
وبنفس العين الثالثة للشاعر عبد العزيز برعود الذي يقول:
(( في ليبيا الخراب:
أعلنت الأشجار الواقفة
فصلها الأخير من التعب
السماء توشحت بالسواد
والحقول تدثرت
بمسوح الحداد
وذابت زرقة البحر
في غيم الغضب..))
ألم يقل جبران خليل جبران بحاسته السادسة كذلك : (( نحن أبناء الكآبة. نحن الأنبياء والشعراء والموسيقيون ).
يواصل عبد العزيز برعود سفره الشعري فيواصل:
((في عمق السراب..
أشرقت شمس الصحوة
أكثر اشتعالا
تشحد صدأ هذا الغياب
علا الضجيج مدائن الرجع
الصموت.
والبنادق تلت نشيد الوداع
الأخير ))
لكن الموت ورائحة الدم تملأ ميدان التحرير الذي يعاني من بطش فراعنة آخر الزمن ، فكان ، فيلتقط أمل دنقل بعينه الثالثة كذلك منظر القتل وكأنه ما زال حيا :
((عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكا بالراية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
فيَثقب الرصاصُ رأسَه.. في لحظة الملامسة!
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء!
أسأل يا زرقاء.. ))
وها هو الشاعر عبد العزيز برعود ، بحاسته السادسة التي لا تخطئ :
(( في ميدان التحرير:
التنهيدات المعتقلة في الصدور
تحررت
الأجساد المنفلتة من الصمت
تخلت عن قشعريرتها
للأضاحي
أهدت أرواحها قربانا للوت
كي ترسم وطنا-أوطانا
بلا آلهة.
ولا يجد الشاعر عبد العزيز برعود الا مخاطبة أبي الهول:
((لم يعد لأبي الهول متسع
من الوقت للانتحار
لم يعد للأصنام المتحجرة
شمس تشرق في هذا الأفق
المتضائل
أمام قامات النخيل.. )).
تحضر العتمة وغموض التكهنات بلدا كان سعيد حتى تدخل شيوخ الخريف العربي ، فيلتجئ عبد العزيز برعود الى التقاط المشهد الدموي :
(( في اليمن التعيس:
أشرق وجه صنعاء ذات عتمه
من غموض التكهنات
من جراح التواريخ
الأرصفة تعمدت بدماء خطاها
الشوارع والطرقات
آه ياحضر موت
ثمة ذكريات أودعها الأنبياء
في عدن
ثمة وطن عالق في الشراك
وأحلام مؤجلة..))
يقول سميح القاسم في قصيدته الجميلة (ليلى العدنية):
((هذه يا أيها الإخوان، ليلى العدنية
شاءها الله، فكانت كبلادي العربية..
سقطت ليلى الحبيبة
سقطت.. باسم العروبة!
سقطت ليلى.. ولكن
قسماً! لن تدفنوها
قسماً.. لن يطمس الرمل بلادي العربية!
من دم القتلى، سنسقيها.. ونحييها..
ونعطيها حياة أبدية..
باسم ليلى!.. باسم ليل . ))
الشام مهد البهاء الانساني والحضارة والثقافة والموسيقى يرثيها أدونيس قائلا:
(( أومأتِ
جئتُ إليكِ حنجرةً يتيمه
أقتاتُ ، أنسج صوتَها الشَّفقيّ من لُغةٍ رجيمه
تتبطّنُ الدنيا وتخلع باب حكمتها القديمَهْ
وأتيتُ، لي نجمٌ ولي نارُ كليمه:
يا نجمُ ، رُدّ لي المجوسَ
فالكونُ من ورقٍ وريحِ
ودمشقُ سرّة ياسمينْ
حُبلى،
تمدّ أريجَها
سقفاً
وتنتظر الجنين ))ُ
فيكون جواب عبد العزيز برعود :
((في الشام الحزين:
صدح البحر المهتاج
في وجه نظام الرمل
أيها الجدار الأصم:
ها قد أينعت مواويل الريف
من أولى الطلقات
ومن جرح الذاكره المهمله..

ضاقت الشمس في شرفات
حلب
المطر أتعبه هذا النزيف
وفي درعا حضر الموت
يقايض الحناجر المكتظة
بالصراخ والأسئله.. ))
بطعم الخريف نختم قائلين :
يقول الكاتب السوري الكبير محمد الماغوط 😦 أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأن الشعر موقفٌ من الحياة، وإحساسٌ ينسابُ في سلوكنا..) ،لأن (الشعر غناء الانسانية) حسب محمد بنيس .
يمكن القول مع الشاعر عبد العزيز برعود أن سيدي بوزيد (النار ،الكذب، الغواية)، وتعيش ليبيا (الخراب) وميدان التحرير أصبح بدون تحرير يغلفه الموت في انتظار أن يصبح وطنا بدون آلهة ، بينما (اليمن السعيد) يغرق في العتمة وفخ الشراك العربية في انتظار الأحلام المؤجلة والشام الحزين ما زال مثقلا ومكبلا بالجراح والنزيف .
ومأساة العرب المنفيين داخل وخارج أوطانهم كما يقول المثل الروسي: ((حتى الربيع في المنفى لا بهجة له.)).


مجدالدين سعودي – المغرب


احالات


1 محمد الديهاجي : (ادريس أمغار مسناوي: شاعر الأبدية….في الحداثة الزجلية ورهاناتها )
مطبعة وراقة بلال يونيو 2016
2 د. امحمد برغوت : محمد الطوبي، شعرية الغواية والانقياد لسلطة العشق
3 الصحافي السوداني عبد الله الشيخ: (أشعار الفيتوري: رايات وطبول تزاحم آفاق ثورة السودان )


قصيدة (صدى الأمكنة) لعبد العزيز برعود


في سيدي بوزيد:
اشتعل الجسد نارا
فارتعش الوقت
واستضاء ليل قرطاجنة
السرمدي
يكسر المرايا الخادعه
صدق الشعراء المتهمون
بالكذب والغوايه
ومن رماد الذاكرة
انتفضت قصائد الحرية..

في ليبيا الخراب:
أعلنت الأشجار الواقفة
فصلها الأخير من التعب
السماء توشحت بالسواد
والحقول تدثرت
بمسوح الحداد
وذابت زرقة البحر
في غيم الغضب..

من عمق السراب..
أشرقت شمس الصحوة
أكثر اشتعالا
تشحد صدأ هذا الغياب
علا الضجيج مدائن الرجع
الصموت.
والبنادق تلت نشيد الوداع
الأخير

فانفجر الطوفان من صلب
الصحراء
وكبر الصدى في الخواء..

في ميدان التحرير:
التنهيدات المعتقلة في الصدور
تحررت
الأجساد المنفلتة من الصمت
تخلت عن قشعريرتها
للأضاحي…
أهدت أرواحها قربانا للوت
كي ترسم وطنا-أوطانا
بلا آلهة.

لم يعد لأبي الهول متسع
من الوقت للانتحار
لم يعد للأصنام المتحجرة
شمس تشرق في هذا الأفق
المتضائل
أمام قامات النخيل..

في اليمن التعيس:
أشرق وجه صنعاء ذات عتمه
من غموض التكهنات
من جراح التواريخ
الأرصفة تعمدت بدماء خطاها
الشوارع والطرقات
آه ياحضر موت
ثمة ذكريات أودعها الأنبياء
في عدن
ثمة وطن عالق في الشراك
وأحلام مؤجلة..

في الشام الحزين:
صدح البحر المهتاج
في وجه نظام الرمل
أيها الجدار الأصم:
ها قد أينعت مواويل الريف
من أولى الطلقات
ومن جرح الذاكره المهمله..

ضاقت الشمس في شرفات
حلب
المطر أتعبه هذا النزيف
وفي درعا حضر الموت
يقايض الحناجر المكتظة
بالصراخ والأسئله..

أيها الجدار الأصنم:
هو ذا الخريف القادم
من الزمن القاتم
أضحى ربيعا
يوقظ الأشجار من سباتها
وينصب فوق العروش مشانقا

في رباط الخير:
انتابت حدائق الموت
اختلاجات الحرية والندى
وحنين الوطن الصاهل
في الروح
طيور من الفرح المكنون
بميلاد الرجاء
حملتها أجنحة الريح
العفيه

كي تهدينا انتحارها الساطع
بالحلم والزغاريد
وتتعمد مع النجوم قذائفا
في وجه الظلام
فكان الفرح عيدا
عزفا
وأغنيه..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
عبد العزيز برعود
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _

بقلم : نور حنيف ( عزيزتي القارئة ، عزيزي القارئ … اصبر ؤُ اقْرا هادْ الزجلية … حيت حصّلتَكْ حاطْ صوتك اهْنا ، في شي حانوت من اثلاثَة وْ اثْلاثِينْ حانوتْ… زجلية بعنوان ( لْڭـَمْرَة ، مَاشْقَة سِيفْ خْضَرْ ) أو ( اثْلاثَة وْاثْلاثِينْ بڭرَة ) … فرجة ممتعة ) .…


نْشُوفْ لْڭـَمْرَة
مَاشْقَة سِيفْ خْضَرْ
تشُقْ عْرُوقْ لْغَيْمَة
تسْرَقْ منْ ڭـلبْهَا … ڭَـطْرَة
تْلُوحْ فْ سْوادْ لْخَلقْ … نَظْرَة …
شْكُونْ فْ الرْجالْ ،
يلْبَسْ لْمَـا
وْ شْكُونْ فِيهُمْ …
يغْرَسْ النّعْمَة
شَجْرَة منْ يَاسْمِينْ
مَاهُو منْ شَامْ
مَاهُو منْ بْلادْ لْعَجامْ
نبْتَة مْطَرْزَة
بْ عْرَقْ لكْتَافْ
تتْوَضّا بْ لفْجَرْ
ؤُ تْصَلِّي عْلَى قَبْلَة تْرَابْ
نْشُوفْ لْڭـَمْرَة هَالَاتْ
رَاسْمَة تِيجانْ لْهَامَاتْ
اللّي شْرَبْ ظَلُّو فْ كِيسَانْ الضّوْ ،
عْقَدْ حْواجبْ الشّمسْ
واللّي نْكَرْ السْمَا ، مَاتْ …
دَلّاتُو لْنْوارْ فْ الذّلْ بْلا مْظَلْ
بْلَا وَرْدَة ، بْلا نْحَلْ
بْلَا شَهْدَة ، بْلَا عْسلْ …
بْلَا زَرّيعَة …
ملِّي فَرْقُو لْڭَـاعَة ،
طَاحتْ صْبَاعُو فْ اللّيلْ …
سوّلْ عْلَى حَقّو فْ لوْدِيعَة ،
لْقَى حَقّو حَقّْ لْمُشْ ،
سْمَعْهَا ، مَا خَافْ مَا تْكمّشْ …

مَلّي شَافْ تْلَاتَة وْ تْلاتِينْ بَڭرَة فْ لْعَشّْ
ڭَـالْ : آرَا نْضْرُبْ الرّشْ

اللّوْلَا … هَازّة سْبُولَة
كَالتْ لْغَلّة ، ؤُ لْبَاقِي غْمارْ
قَشْرَاتُو لْولْدْ لْمَهْبُولَة

التّانْيَة … دَارتْ فْ كفْهَا مِيزَانْ
هَادَا خُويَا ، هَاذَا عَمّي
هَادَا عْدُويَا ، هَادَا مَاشِي منْ دَمّي
لعْبَارْ فْضَحْ لْكَفّة ، كَانْ برْهانْ

التّالْتَة … وَرْدَة ملْتَاعَة
شمّاتْ رِيحْ لْڭَـاعَة
طَاحتْ منْ كَفّة
سَدّاتْ عْلى ڭلبْهَا دَفّة
هَرْسَاتْ عْصَا الطّاعَة

الرّابْعَة … شَافتْ الظّلْمَة
ظَنّاتْهَا ظْلَامْ ظْلِيمْ
شَعْلَاتْ فْ الدّوخَة فَانُوسْ
لْقَاتْ زِيتُو دُخّانْ ذْمِيمْ

لْخَامْسَة … حْمَامَة بْلا جنْحِينْ
تْحِيضْ ؤُ تْبِيضْ ؤُ مَا تْفِيضْ
عَامْ يحْسَبْ عَامْ
ؤُ الذّمّة فْ تسْعُودْ ؤُ عشْرِينْ

لكْتَابْ ، شَرّڭْ وْرَاقْ لعْنَادْ
زُوجْ دْفُوفْ ، بْلا زْنادْ
لقْرَايَة وَلّاتْ غْنَا
لِيمْنَة … تْجِيبْ لهْنَا
ؤُ لِيسْرَة تْسَاوِي وْ تْڭَـادْ

عَمّرْ لْعَودْ لْحُرْ
مَا يتْركَبْ بْلَا بَارُودْ
عشْنَا وْ شَفْنَا
اللّي سَخّنْهَا التْرَابْ
لمَخْزنْ برّدْهَا بَارُودْ

عْرَيّشْ الزِّيتُونْ
ورْقَة منْ كْتَابْ مدْهُونْ
حسْ الشّجْرَة غْراهْ
سَرّو مَا بْقَى مدْفُونْ

مَ الرّْحَامْنَة ، خْرَجْ تْراكْتُورْ
لْحَرثْ شَلّا
لْحْصَادْ غَلّة
وْ الذّمّة ، فْ اللّي حرّكْ لْمُوتُورْ

الشّمْعَة رأجْعاتْ الظّلْمَة
شَافتْ لوْجَعْ طْوِيلْ … وَاخدْ لْكَلْمَة
ڭَالتْ : نْضَوّي عسّاسْ علْ النّعْمَة
هِيَ تحْلَم … ؤ لْعَيبْ مَاشِي فْ لْحلْمَة

السْفِينَة شَافتْ لبْحَرْ ،
مْواجُو هْوالْ
ڭالتْ ، مَا ينْفَعْ فِيهْ بْكَا
مَا يرُدْ وْجَعْنَا ، مَوّالْ
لمْجاذَفْ قْصِيرَة
وْ لْحَلْمَة كْبَرْ منْ بَالْ

هَادِي حْضَاشْ منْ تْلَاتَة وْ تْلاتِينْ
ؤُ لْبَاقِي شَافْتُو لْڭمْرَة
بِينْ بُرْجْ السْبَعْ ، ؤُ بُرْجْ الدّلْفِينْ
شِي شَادْ عَيْنُو
ؤُ شِي عَاضْ فْ النّخْلَة
شِي يعْصُرْ أرْڭَـانْ
ؤُ شِي ، قَارْصَاهْ نَحْلَة
هَادا رَاكبْ جْمَلْ
خْفَافُو دَوّاحَة
ؤُ هَادَا شَارِي فِيلْ
ؤُ جَارُو رَاكبْ تَفّاحَة
اللّي ظَنْهَا مْظَلّْ
ؤُ للّي حْسَبْها شَمْسْ نَفّاحَة
لْڭَـمْرَة دَاختْ سَوْلَتْ لهْلَالْ
شْكُونْ يِحُطْ فُوقْ الدّارْ
شَعّالَة
ؤُ شْكُونْ يِرَعّفْ بزْبُوزْ لْما
يسْقِي الصْباحْ بْغوتْ فَرّوجْ بلْدِي
يشُقْ التْرابْ
محْراثْ امْصَدّي
يِخَلّي لَالّة تفْرَحْ بْزِينْ لْخلّالَة
ترْكَبْ كُركْدأنْ
ما ترْكَبْ طُوبِيسْ
ما ترْكبْ طِيّارَة
تقْنَعْ بْ الشّدّة لْحنِينَة
تصْنَعْهَا إيدْ مْعَنْڭَـة إِيدْ
تْجِي لْڭَـمْرَة عِيدْ
تْجِي سْيُولْ هَدّارَة

هَادِي قَصّة لْڭَـمْرَة
تْغَنّي حالْنَا
ونْتَا يَا فْهِيمْ
لْغَا لكْلَامْ
لا تبْكِي مَوّالْنَا
حْسَبْ شْحالْ منْ صَوتْ عنْدكْ
ؤُ نْهَارْ الذّمّة ، لا دّيرْ بْحَالْنَا

نون حاء

دراسة نقدية بقلم : نورالدين حنيف / المغرب / رقص الأمكنة في رواية ( سماء صالحة للرقص ) / ناصر قواسمي

سماء صالحة للرقص” رواية ناصر قواسمي , في دراسة نقدية للكاتب المغربي نور الدين حنيف

رقص الأمكنة في رواية (سماء صالحة للرقص) للمبدع الكاتب ناصر قواسمي
بقلم: نورالدين حنيف (أبو شامة)

كاتب الرواية الشاعر ناصر قواسمي

تمهيد:

نحدد وجهة تحليلنا البعيد كل البعد عن استيفاء كل مكونات الخطاب السردي في الرواية أعلاه. وسنكتفي بمساءلة مكون المكان وحده داخل إمكان تعالقاته مع باقي المكونات إخلاصا لنسغ البناء، ودرءً لانزلاق نتائج التحليل في مطبات التأويل الجارف.
نعتبر (المكان) مقولة وجوديـة مرتبطة أساسا بالكائن، ومشتقة من فعل (الكينونة) التّام والمحيل في ذاته على معنـــى (وجد). كما نعتبر هذه المقولة صياغة غير مباشرة لفعل التحول، على الرغم مما يتعلق بمقولة المكان من تداعيات جامدة منظورا إليها داخل مفهوم الحيز الفيزيائي المادّي. وصفة التحول هذه تتأتّاهُ من التصاقه بمفهوم أكبر، هو الفضاء الروائي، ومن ثمّة، فهو يصطبغ بصبغته ويتلون بتلاوينه ويتحقق داخله، مُدرَكاً مرِناً متخيّلا، لا مدرَكاً ماديا جامدا.
و المكان في الرواية هو كل فضاء تخيّلي يصنعه الروائي كإطار يُجري فيه الأحداث الوقائع و المواقف، بحيث يتعذر تصور وقوع هذه الثلاثة خارج هذا الإطار المكاني الذي يمثل في الرواية ما تمثله الخشبة في المسرح، و يربو عن ذلك إلى تأطير رؤية البطل و كذا رؤية مؤلف الرواية، و تطويرها، باعتباره مكونا روائيا قادرا على حمل المنظورات المتعددة و بسطها مفككة أمام ناظريْ القارئ و المتلقي. إن المكان من هذا المنظور الروائي التحليلي لا يصبح مجرد إطار فيزيائي يحتضن الحدث و ما شابه الحدث في تجلياته السردية مع القوى الفاعلة و غيرها من مكونات العمل الروائي ، و إنما ، و أيضاً ، و أساساً ، يصبح  دليلاً أنطولوجياً على الرؤية إلى العالم ، و هي رؤية تنهضُ في منظور السارد ، على الرفض الظاهر لهذا العالم شرقاً و غرباً من جهة ، و الرغبة في تصحيح هذا العالم من جهة ثانية ، على اعتبار أن المكان يورّط الذات في أتون المفارقة الوجودية التي تقوم على التقابل و التمايز و التناقض بين مجموعة من المقولات المتضادة  ( و لكن ما يعني على نحو ملموس رفض العالم ؟ يُقدَّمُ هذا العالم إلى الوعي كفرض للخيار بين بين عدة إمكانيات متناقضة، تتنافى، ولا يعد مع ذلك أيّاً منها مع ذلك مشروعاً وكافيا. فالرفض الدنيوي للعالم، هو رفض الاختيار والاكتفاء بإحدى هذه الإمكانيات أو هذه المنظورات. إنه فعل الحكم بوضوح ودون تحفظ بنقصها وحدودها، ومعارضتها بفرض قيم حقيقية وثابتة. إنه معارضة عالم مؤلف من عناصر مجزّأة ومتنافية بفرض من الكلية يصبح بالضرورة فرضا بوحدة الأضداد) * 1 
يتجاوز المكان الروائي ما يسكن تمثلاتنا البسيطة التي تختزله في شرنقة الحيز الذي نعرفه في معيشنا اليومي، ونصوغه خارج ذواتنا كمادة منفصلة. في حين أنه في العمل الروائي يمثلُ قيمةً متخيلة مشبعة بعناصر الجمالية، ومفعمة بالحركية الروائية القادرة على التأثير في عمليات السرد، في تعالقاتها الممكنة مع الذات، التي نستحضرها هنا مقابلة لمقولة الموضوع، حيث يظل الجدل قائما بينهما ومرتكزا على سيمياء التفاعل وتبادل كل إمكانات التجلي الفني المترجم لأشكال أخرى من الوجود … من هنا إحساسنا المستمر بالمكان إحساسا جوانيا يستحيل معه تصور الذات خارج الموضوع، والمتخيل خارج الواقع.
 إن قراءة عمل روائي ومقاربته في أبعاده المكانية هو في حد ذاته دخول أدبي مغامر، يستبيح عوالمه المتخيلة. وهي عوالم تستدعي كثيرا من التداعيات، أبرزها تأسيس علاقة جدلية بين مخيال الكاتب وبين الواقع الزئبقي الذي يغوينا فعل الكتابة بولوجه، لا من باب الانعكاسية المسطحة، ولكن من باب الكشف عن رؤية الكاتب للعالم.
و من ثمّة، فالعمل الروائي هو في صميمه لغة تمارس حضورها النوعي عبر مجموعة من الشفرات الخاصة و الأكثر حميمية، تجعل المكان الروائي فضاء معلنا و مبنيا و موصوفا داخل المعنى الحامل لدينامية الحدث، و لتفاعلات القوى الفاعلة، و لتشعب عناصر التشكيل المتأزم للرواية في أبعادها الدرامية الآيلة إلى قدر الانسجام الخطابي (من الخِطاب لا من الخطابة).  من هنا، فالمكان الروائي خاصة والفضاء الروائي عامة لم يحظ بحقه في (الدرس باعتباره عنصرا مكوّنا تأسيسيا للعمل الروائي في تعادل مع باقي المكونات الأخرى مثل الشخصية والعقدة والزمن، بحيث كان يتمّ استحضاره كامتداد فيزيائي فقط، يقوم بدور احتضان هذه المكونات) * 2 

تحليل:

1 – بين يدي الرواية: في رواية (سماء صالحة للرقص) يلعب الفضاء المكاني ببعديه الرمزي والواقعي، دورا أساسيا في شدّ لحمة الخطاب السردي، لا باعتباره حيزا فيزيائيا لتمظهرات باقي المكونات السردية فحسب، وإنما وأساسا باعتباره قوّة فاعلة في هذا الخطاب، يشي بالتحوّل المبين في حساسيات القراءة النقدية للفعل الروائي الذي كان دائما يحتفظ للحدث وللزمان بنصيب الأسد في التناول القرائي. في حين أن قيمة المكان النسغية في النص الأدبي عامة وفي العمل الروائي خاصة قيمة أساسية لا محيد عنها البتّة. فالعمل الأدبي حين يفقد المكانية فهو يفقد خصوصيته وبالتالي أصالته كما عبّر عن ذلك غالب هلسا في مقدمته لكتاب جمالية المكان.
و دون تعطيل لفعل الزمن في هذه الرواية ، نقول إن القوى الفاعلة تتطور تبعا لطبيعة الأمكنة لا في تجليها الواقعي المحض ، و إنما في وجودها الفني الموسوم بقدرة المبدع ( ناصر قواسمي ) على تمثل المكان كنقطة بدء واقعية تمتزج بإحساس هذا المبدع بالجمال القمين بتحويل العمل الروائي من عملية تأريخ للحظة الحيوية إلى عمليات تخييل لهذه اللحظة ، تخييلا ديناميا يدعونا فيه المبدع ( ناصر قواسمي ) إلى اقتناص حقيقة المكان في خصوصياته المتعددة عبر مداخل مختلفة أهمها مدخل الوعي الخلّاق الذي يشعل ثنائية الذات و الموضوع وميضاً مفاجئاً سريع التدفق عبر مجموعة من التحولات الفضائية .
يعفينا المبدع من عناء التقطيع السردي و البحث عن محددات إجرائية لهذا التقطيع ، لأنه يقدم لنا الرواية داخل أربعة و عشرين  فصلا نستدعيها كالتالي وفق الترتيب الكرونولجي للسرد: ( نافذة صغيرة – الهروب – عزلة طفيفة – شمس ليلية – سماء صالحة للرقص – حزن صغير – كطير في مدى – فكرة مغلقة – كي تكون أكثر – تفاصيل ناضجة – فراش خفيف – هي عزلة أخرى – على شرفة وحيدة – حين ترتبك المدن – لا تملك ثمن الحلم – شرطان و حزن – وعي بلا وعاء – لا سبب للصعود – حظ الغريب دخان – نرد بلا أرقام – كذلك تمنو الفكرة – لا تعتذر عن شيء – وحيداً في الفراغ – تعود بلا معناك ) . 

 2 -المتن الروائي: 

في مسافات غير طويلة احتضن المبدع تفاعلات هذا العمل الروائي الموسوم ب (سماء صالحة للرقص) في مائةٍ وثلاثٍ وأربعين صفحة ضمّنها تصوره الفني والفكري لقضية من قضايا هذا الوجود المستشكل في ذواتنا الصغيرة، عبر متابعة رحلة (علي الدبس) مهاجرا من أرض الشام إلى أرض الغرب، وعبر رصد معاناته في دول العبور مثل تركيا واليونان قبل استقراره في إيطاليا وفي مدينة جنوة بالخصوص. في هذا المسار يلتقي علي بإيلينيا، و هي شابة إيطالية، ينعقد بينهما شغف الحب، و يتمكن … و يحدث أن تُصاب إيلينيا بتهتك في عمودها الفقري إثر حادثة سير، أفقدها القدرة على الحركة. في هذا الظرف العصيب، يتقدم (علي) بكل شهامة ويساعدها في محنتها ثم يتزوجها. و في الأخير تقرر إيلينيا وضع حد لحياتها عن طريق الموت الرحيم في أحد مستشفيات سويسرا بقرار فردي لا رجعة فيه، بعد أن تركت لعلي وصية مكتوبة ، مرفوقة بشيك محترم ، تنصحه فيها بالرجوع إلى أرضه و وطنه و البدء من جديد  .

3- آليات اشتغال المكان :
+ المقطع المركزي : 

عنوان الرواية هو عنوان الفصل الخامس ( سماء صالحة للرقص ) ،  و هو تركيب لغوي يبتعد فيه المبدع ما أمكنه الابتعاد عن واقعية الصوغ و بساطة الرؤية و مرآتية التخييل ، ليحمّله دور الكثافة في الكتابة الروائية المُسائلة لسيمياء الواقع \ الأرض ، انطلاقا من فعل متعالٍ تمارسه السماء الراقصة ، عبر آلية التنسيب التي تشي بأن مقولة ( الصلاح ) توحي بنقيضها ( الفساد ) و تستحث الوعي على استحضار الرقص و عدم الرقص في آن .
إن قيمة العنوان الموقعية (السماء) تشي بالتعارض الواضح مع الواقع، ومع الأرض، في توجّه سردي سيميائي يفضح الثنائية التالية: السماء ترقص في مقابل الأرض التي لا ترقص. من هنا استدعاؤنا لقراءة العنوان داخل هذا المربع السيميائي: 
سماء — أرض
رقص — لا رقص
أو:
سماء — أرض
مكان — لامكان
هكذا يتميز العنوان باستقلاليته الزئبقية كنص متعالق مع الخطاب السردي في هذه الرواية =، من حيث قدرته على الإضمار المفهوم من خلال لغة الانزياح، حيث يتم إسناد فعل الرقص الدنيوي المادي للسماء \ الدخان الميتافيزيقي، باعتبارها جوهرا في مقابل العرَض، الأرض … إن فعل الرقص كما هو قابع في تمثلاتنا البسيطة فعل يستدعي جسدا راقصا بأرجل راقصة. من هنا ثنائية النسق المعلن (السماء) و المضمر ( الذات) في شقّيْها الواصف و الموصوف … السارد و المسرود … حيث تتبدى الذات راغبة في التعالي ، بمفهومه الفلسفي ، و السمو على سيمياء الواقع \ الحضيض ، فاتحةً عواهن السرد للذات الأخرى الموصوفة كي تنتصر على الألم بقرار خرافي ، في بعدين :  الأول يتجلى في تماهي البطل مع قضية إيلينيا و التجرد في الإخلاص لها رغم ظرفية النقصان ، و الثاني يتجلى في تسامي إيلينيا على الجسد الموبوء و اختيار الموت كلحظة خلاص أسطورية . من هنا عملية دمغ السرد بدمغة التعالي سيميائيا وبشكل مفتوح على كثير من إمكانات التخييل.
+ في البدء كانت النافذة: 
وقد كانت النافذةُ مكانا جزئيا يختزل مكانا كلياً هو البيت. و كانت العلامة الفاصلة أو الواصلة بين الجزء و الكل هي علامة الريح التي استحضرها السارد قوّةً فاعلة موصوفة بالوقاحة و الصلف و البلادة (الرواية ص 03) غير معترفة بحدود المكان. ونعني بالحدود مقولة الأبواب التي تتلبّس بسيمياء الانغلاق والانفتاح، متجازوة بذلك حركيتها الآلية كوظيفة اجتماعية للولوج والخروج والستر … إلى وظيفة دلالية رمزية تُهرِّب المعنى السردي إلى أقصى حدود التأويل، حيث تتحول الريح إلى (آخر) يهدد خصوصياتنا الحميمية، ومع ذلك نحتاجه ولا نطيق غيابه. ومن ثمّة يكون هذا التجلي المكاني معنىً سرديا ممهدا بذكاء لانفتاح الذات الشرقية \ البيت، على الغرب \ الريح … قال السارد (من أجل هذا وذاك كله لا يجب أن نهمل النوافذ لأنها عيننا الوحيدة على الخارج المتاح – الرواية ص 04)
يمكن تأويل هذا المعطى السردي الواصف (إنها عيننا الوحيدة على الخارج المتاح) تأويلا رافضا لعمليات الشفط التي يمارسها البيت على الذات الراغبة في الانعتاق. قال ماكس بيكار، الفيلسوف السويسري (البيوت تشبه الأنابيب التي تشفط البشر في داخلها بواسطة تفريغ الهواء Les rues sont comme des tuyaux où sont aspirés les hommes) * 3   
و السارد في (سماء صالحة للرقص) يبدو رافضا لهذه الحياة الأليفة المسترخية المنتظرة في سلبية واضحة قدر الشفط و قدر الاندماج البليد في دواليب الأمكنة الراكدة التي تعزل المرء، و تفقده شعوره بعواصف الكون الخارجية، أي تفقده شعوره بالحياة و بمعناها (لم يكن المقرر أن نفتح الباب على مصراعيه – الرواية ص 3)

+ رقصة الهروب:

يحتمي السارد بمجن الأسئلة المنبثقة من رغبة غير واضحة في التبرير عبر مساءلة مقولة الهروب التي توحي سلبا وإيجابا بمقولة المكان، إذ لا يتأتّى هذا الفعل في الهيولى. لابد له من فضاء يمكّنه من ممارسة الهرب. قال السارد (هذا الكائن الهلامي العبث إذا ما جازت التسمية ص 6)
والمكان هنا مستحضر في سياق غير مرغوب، وهو سياق يغذيه ويثريه فعل الهروب، ويجعله فضاء قابلا للتلاشي بحثا عن فضاءات بديلة. وفي هذا المنحنى السردي، يتم اعتبار الذات غير مالكة لقراراتها، ولا قوة لها أمام جبروت الموضوع. ويتجلى ذلك داخل شرطين: شرط المكان الذي أمسى خلفية ماضوية، وشرط الفعل (الهروب) الذي أصبح حلاً بديلاً (و نمضي… كأننا لا شيء – ص 6)
تصبح الذات المحكي عنها هنا ذاتا متشيئة شبيهة بالكائنات الغريزية، تتصرف وفق ناموس فوقي لا يستشيرها في إرادتها (نعم إنها الغريزة التي تقودنا للقفز – ص 6)، وكأن السارد هنا يريد تبرير فكرة الهروب وشرعنتها وتصديقها، على احتمال أن ينبري للذات من يعارضها في قرار الهروب مسفِّهاً اختيارها ومدينا له. 
يتحول ضمير السرد من الأنا المفردة إلى الأنا الجمعية (سنهرب إذن – ص 7) وهنا يكبر حجم التبرير ويزداد. وكأن السارد يفر من تهم الهروب محولاً القرار الفردي إلى قرار جمعي، يتدثّر فيه وبه متملصاً عبره من حق الآخر في المساءلة وفي الإدانة، مادام السارد قد وزّع دم الفعل على الأنا الجمعي حيث يستعصي التأشير بأصبع الاتهام على أيٍّ كان. يذكرنا هذا السياق السردي بهروب الشباب الفلسطيني داخل الخزان في رواية (رجال في الشمس).
تتبدى لنا قمّة التبرير في التجاء السارد و احتمائه بالمكان \ الحلم، في يقظة لا في منام، عبر هذا المقطع السردي الاستباقي (كي نتمكن من تجميع ما تكسر أو تهشم في دواخلنا و نعيد تدويره و تكريره من جديد لنضعه في خزانة المحتمل إلى حين – الرواية ص 7) … والملاحظ أن السارد لم يكتف بتجميع ما تكسر، و لمِّ ما تهشّم، بل أضاف في سياق لعنة الوصف عبارات دقيقة آثمة و مُدينة في الآن نفسه. قال ( ونعيد تدويره ) في وصف يعتلي قمّة الهزء و السخرية السوداء الفاتكة بما تبقى من كرامة . ولا أدلّ على ذلك من قراءة فعل التدوير في مقامه الأصلي، حيث التدوير لا يكون إلا في المتلاشيات المحكومة بقدر القمامة. وهنا أيضا يزورنا طيف (رجال في الشمس) وهم يلقون حتفهم في آخر المطاف ويُلقى بجثامينهم في القمامة على مشارف المكان \ الحلم (الكويت).
هكذا، يتجاوز المكان حيزه الجغرافي إلى متعلقه بالمخيال الروائي المتجاوز هو أيضا لصرامة الواقع وسطحيته، بحثاً عن المعنى داخل ثنايا المادة المكانية، وهو المعنى الحامل لفعل الإدانة المنصبّة على فعل الهروب وفعل الركض عبر مقولة اللعنة (اللعنة… ألم ننتبه إلى كم ربيعا أضعنا في زحمة الركض – الرواية ص 9)

+ المكان العزلة:

العزلة مقولة لا نستوعب دلالتها إلا في نقيضها أي في الاختلاط والاجتماع، ولا عزلة ولا اختلاط في الهيولى واللامكان، بل لابد من فضاء مكاني يسمها بالمعنى. في هذا السياق، يتحول السارد من موقع المتكلم \ الأنا إلى موقع المتكلم \ المخاطب، بكسر حرف الطاء، في إطار تصور باختيني يتكشف المعنى السردي في تعدد الأصوات ويستثمرها في تشييد الرسالة السردية وبناء شفراتها الخاصة. من هنا، انزياح (سماء صالحة للرقص) من دوائر الرواية المناجاتية إلى آفاق الرواية الحوارية، وهي المثلى في نظر باختين. لأنها تمنح الفكرة حقّها في التعبير. و بالتالي، تخلق نوعا من التوتر بين الأنوات، كما هو الشأن في سياق هذه الرواية التي بين أيدينا، حيث تعدد الرؤية و الرؤية المخالفة … و هو تعدد يوفر للنص الروائي فرصا كبيرة لرصد الواقع رصدا شموليا في إطار محاورته لا تسجيله، و في إطار تنبني فيه الفكرة عبر ذاتها و عبر نقيضها أولاً بأول. قال السارد (تكاد تنفض ضلوعك عن بعضها من التوتر و النزق و أنت تبحث عن معنىً صالح للاتكاء عليه – الرواية ص12). إن مفرداتٍ من قبيل (تكاد، أنت، تبحث) كلها مؤشرات لسنية تفيد انتقال الصوت من الأنا إلى الآخر القابع في الذات، المُسائل، الواخز، المُدين، المثبت، النافي، المصحّح، المستدرك، العارف …) وحسبنا من هذا، هذا، لأن المقام مقام تأويل للأمكنة فقط، وبالتالي فالعزلة قدرٌ يجر بعده أقدارا وأبرزها سكون الذات ودخولها مراحل للتأمل وقراءة التاريخ العامر بحالات الهروب.
تفيدنا العزلة انتقالا سرديا من مكان إلى مكان، من مكان \ الحلم إلى المكان \ الواقع ، عبر جسور دلالية ترتبط أساسا بالمعرفة و الذاكرة ، حيث يعمل السرد بمكر على زوبعة استقرار قارئ الرواية في استرخائه لسلاسة التأمل والزجّ به في المكان \ المحطة … حيث بطل الرواية ينتظر وصول القطار، و حيث المكان يعج بالحياة لكنه لا يزيد الذات إلا إحساسا بالعزلة لا الاغتراب ، و بالفرادة لا الشبه ، و بالوحدة لا الاجتماع .
تعتبر المحطة مكانا لتكريس العزلة بامتياز، ومكانا لتتبع التفاصيل المرتبطة بالآخر في أدق حيثياتها، تأشيرا على الفراغ المهول الذي يسكن الذات، وتأكيدا على حجم الانتظار الذي يأكل أزمنة الذات، لكنه يغنيها ويثريها بالقدرة على الملاحظة وتتبع التفاصيل (أنظر وصف السارد لصراخ الطفل الذي استغرق أكثر من صفحة – الرواية ص15)
إن المسوغ لهذه الرؤية الواصفة الدقيقة هو ما يعبر عنه في أدبيات فن الحكي بالزمن النفسي، وهو زمن داخلي لا تتحكم فيه شروط موضوعية تقيس وحدات الزمن قياسا تقطيعيا محايدا. إنه زمن متواطئ و ذاتي خاضع لشروط سيكيولوجية تمدّ في عمره أو تقصره، تبعا لطبيعة المواقف التي يمر منها الفاعل ( l’actant ) . وفي سياق (سماء صالحة للرقص) يكون الانتظار هو الشرط السيكولوجي المهيمن والمضخّم للوهلة، والمقزّم للتاريخ، في الآن نفسه.
تخيم العزلة على فضاء الانتظار تخييما كاسحا (الساعة الآن تمام العزلة … الرواية ص 16) بل تتحول هي ذاتها إلى حالات انتظار فائضة تملك أعناق الزمان لتؤكد أخيرا قرارها بالصمت المتواصل القاضي بتوقف الزمن واشتغال الانثيال السيكولوجي لهذا الزمن فقط. 
+ المكان الموسوم بالبداهة:
يتعلق الأمر بمكان خاص جدّا هو القطار، لأنه كأي قطار نكرة لا يحمل في ذاته إدهاشا وصفيا ولا يخرج عن وظيفته الاجتماعية. لكنه في سياق (سماء صالحة للرقص) يتحول إلى مكان \ بؤرة. وعملية التبئير هذه، تتأتّاه من احتضانه للقوى الفاعلة الرئيسة في هذا المحكي، ويتعلق الأمر بشخصيتي (علي وإيلينيا) أو بالأصح، يتعلق بفضاءين مختلفين (دمشق و جنوة، سوريا وإيطاليا، الشرق و الغرب) حيث تمّ اللقاء \ البداية التي ستتناسل عنها أشكال عديدة من السرد و أشكال مختلفة من الرؤية و الرؤيا معاً. 
إننا لا نقصد بمفهوم التبئير اصطلاحه السردي المرتبط برؤية السارد، وإنما قصدنا (مَرْكَزَة) المكان و(تَنْوِيته أي جعله نواةً) باعتباره نواة خلق لكثير من أشكال التفاعلات المتفرعة في غضون الرواية. فلولا حضور مكون القطار الجامع بين علي و إيلينيا ، لما كان لهذا الانثيال القصصي بفضاءاته المتعددة من قيمة ، أو من وجود أصلا . (تجلس بقربك فتاة عشرينية تحمل حقيبة صغيرة تخرج منها كتابا أبيض لا تتبين عنوانه تماما رغم فضولك في المحاولة – الرواية ص 19)

+ مكان الانتماء وتشظي الهوية:

يستحضر السارد عبر آلية تعدد الأصوات شجرة الصنوبر ، حيث تشتغل الذاكرة بمكر واخز و وخزٍ ماكر ، تتحكّم في رقص الأمكنة بين حاضر ينفتح فيه المكان على المجهول ( إيطاليا ) و ماضٍ ينغرس في الذات انغراس شجرة الصنوبر ( سوريا ) ، و هي الشجرة  الموصوفة بالعجوز لا قدحا و لا مدحا ، و إنما تكريسا لسلطة  المكان و تجذره و انغراسه اللامشروط: ( تلك الملامح المسكوبة في قالب الجمال تعبث بحساسين رأسك النائمة على جذع صنوبرة عجوز ، كنتَ تربيها في الذاكرة فتمادت وراحت تتمدد في كل أركان الرأس وصارت محجاً للعصافير البرية وطيور الغربة البلا وطنٍ محدد – الرواية ص 26 )
لا تحيل مفردة الصنوبرة على حب الوطن وتمجيده  والحنين إليه عندما تستبد الغربة  بتلابيب الذات ، فهذا يدخل في العادة و المعنى المطروح في الطريق طرحا جاحظياً … لكنها هنا مفردة تدخل في نسغ رؤية سردية تفجّر العديد من الأسئلة الوجودية التي يطرحها المعيش اليومي في الهناك باستمرار، من خلال وضع الرغبة في قفص المساءلة الجدلية الدائمة ، في غير إجابات ، بل في شكل تهويمات تتمادى و تتمدد في وجود هذا الكائن المغترب حتى لا ينسى طبيعة الرحلة التي يمارسها في تفاصيل هذه الذات الملغزة ،  الموسومة بالرغبة الوجودية في  الخروج من الحلقات المفرغة ومفترقات الطرق المتشعبة وغير المنتهية . 
هذا التشعب الممكن في رصد طبيعة المكان يأتي جوابه في الحين بعد انسياب الذاكرة مباشرة ، و انسحابها في الآن ذاته ، إذ يلوح للقارئ ذلك المكان الواقع الحتمي و المرغوب في غير إرادة ، و المطلوب في غير اختيار ، تنتقل فيه الرؤية السردية من سديم التذكر إلى قسوة الحاضر الممتد في الذات و البادئ بتشكيل مسلسل الدراما الراقصة التي تبدأ الآن ، ومن هذه الطريق (طريق طويل يمتد أمام ناظريك من الباب الزجاجي البسيط في زاوية الطريق إلى ما لا نهاية في مدى البصر وكأنها موصولة باللانهائي الأبدي ، لكنك ستسعى  للمشي فيها بحثاً عن لا شيء آخر تضيفه إلى قوائم اللاشيء الكثيرة في خزانتك الفارغة إلا من حطب الذكريات ونحاس الوقت وماذا سيحمل الغريب معه سوى ذكريات لا تُرى ومصابيح لا تضيء في العتم ، من أجل بقاء الأرض على حالها دون المساس بكينونتها المنحازة لنفسها – الرواية ، ص 26 ) … هكذا تنرسم ملامح القسوة في صيغ تعبيرية تتجاوز دغدغة عواطف المتلقي بحثا عن التعاطف ، إلى صيغ أكثر وخزاً تُسائل في مكر وجودي لا يني يؤكد احتراق الماضي ( حطب الذكريات ) كما لا يني يؤكد حيادية الحاضر و لا مبالاته ( الكينونة المنحازة ) .
من هنا ، تبدأ رحلة الهوية ، أو بتعبير أكثر صداميةً ، رحلة اكتشاف الهوية . إن الأمكنة ، سواء ما تعلق منها بانثيال الذاكرة حيث مقولة الانتماء ، أو ما تعلق منها بالحاضر حيث مقولة الاغتراب ، لا تتوقف عن مساءلة الذات في حميميتها ( الهُوياتية ) و تركيم كل أشكال الإدانة الصامتة على عاتقها في قسوةٍ واخزة (… من أنت لتبحث عن أثرك في هذه المدينة  ، ولست سوى عابر سبيل لا أكثر ولا أقل وإن  بدوت للحظة من أهلها ؟ من تكون لتحمل الجدران صورتك أو ملامح وجهك الشرقي؟  … – الرواية، ص 27) … إنه الوجه الشرقي اللاصق في وجه الذات الساردة مثل قدرٍ و الراصد لحركيتها الباحثة عن المعنى في الأمكنة التي خلقت لذاتها كل المعنى و رسمت لوجهها خارطة وجه لا يأبه بالوجوه الأخرى و لا يكترث (تنتهز فرصة وجود المقهى على الرصيف العميق في الداخل والناس في شغل عنك كلٌّ لاهٍ في طقسه من دون وجهك الحنطي اللون، عبوس الشكل، خفيف الطلوع، كضوء فقد العزيمة – الرواية، ص 27). هذا الضوء الخافت الموسوم بالغياب، يتحول إلى ظلال في مفهومها الباهت و الذي يشي بالغياب المرير لذاتٍ تقترب من الشبحية (تجلس على مقعد منزو ٍ كأنك تبحث عن ظل لا ظلّ له يبعث فيك الطمأنينة ويحدثك أن هناك على هذه الأرض من هو أسوأ منك حظا و أكثر تعثّرا بالطريق التي بلا طريق … – الرواية، ص 27) … 
وهنا، وتحديداً هنا، يرقى التعبير السردي إلى قمّة الوخز حيث يسلخ الذاتَ حتى عن إمكان الظلّ في رسمٍ سيميائيٍّ قاسٍ ينفي عنها قدرتها على تشكيل الظلال التي تفيد فيما تفيد وجود الجسد. إن الجسد العربي هنا مخصوصاً في الجسد السوري، مخصوصاً أكثر في جسد المحكي عنه، هو جسد بلا ظل، بلا هوية، لأنه ترك ظله في الهناك الشرقي حيث الصنوبرة سامقة وظلها، وحيث الإحالةُ عميقة على أن الظل هو الانتماء، وأن بداية الجسد تكون بوجود الظل. والهوية لا تتحدد في جزئيات الكائن جسداً مفصولاً عن مكون من مكوناته مهما صغُر حجمه أو ضؤُل، مثل سياق الظل الذي يصبح تفصيلاً يسكن فيه شيطان مركزي. إن اختزال الكائن في بعضه داخل فضاءات الاغتراب هو اختزال يفضح درجة المرض الإنساني الذي يعاني منه المغترِب، و هو يتعرض في جوهره لنوع من التشويه والإغتصاب  يوصله  إلى أزمة حقيقية مع ذاته  و مع الآخر … و هذا ما يجعله  متشظيا مضطربا ، مريضاً إنسانياً ( و الشخص المغترب ، كما حاولنا أن نصفه في هذا الفصل ، لا يمكن أن يكون صحيحاً ، و مادام يخبر نفسه بوصفه شيئا … فإنه يفتقر إلى الإحساس بالذات ، و هذا الافتقار إلى الذات يخلق قلقا عظيما ) *4   
يتبدى هذا التشيؤ قاهرا في لهجة السارد وهو يصف في إدانة واضحة وجودَه المتشيئ (فأنت لم تكن سوى حدث طارئ، لا معنى له ولا تفسير لدى البعض، غير أنك شيء مرّ من هنا، ولا يستدعي أكثر من لحظة المرور فاذا توارى نُسي تماماً كقوس قزح أو كغيمة بلا معنى تحتل مساحة صغيرة في السماء بلونها الرمادي المختلف قليلا أو كثيرا عن قميص السماء الأزرق – الرواية، ص 29) 
لكن الذات الساردة تسعى دائما إلى ردم المسافات التي يصنعها هذا التشيؤ وهذا الانقهار، عبر ممارسة لعبة الذاكرة المستحضرة للجمال. والجمال هنا عنصر تعويض نفسي أكثر منه حلية سردية تملأ الفراغات الوصفية: (ما حال دمشق الضاربة في الروح كشجرة صنوبر، والأقدم من الزمان بزمان وقد مّرت عليها العصور والأزمان والشعوب ولم تزل دمشق دمشق؟ – الرواية ، ص 63 ) و في هذا السياق نجد الذات مستريحة في شغفٍ برئ لانثيالات الذاكرة و هي تستحضر شريط الجمال و الخير والحق ، كقيم قابعة في الأرض ، و في الإحساس العارم بالانتماء : المسجد الأموي ، القلعة العظيمة  ، الـبيمارستان ، المدارس ، المدرسة العزيزية ،  رفات صلاح الدين الأيوبي ، قصر العظم ،  سوق الحميدية ، قوس التترابيل ،  كنيسة المريمية ، الباب الشرقي ، متحف الخط العربي ، سوق المهن اليدوية  ، الحمامات الشعبية ، سور دمشق ، أبراج دمشق ، بيت السباعي ، كنيسة الزيتون ، مسرح دمشق ،  دار الأوبرا ، ضريح السيدة زينب ، المكتبة الظاهرية ، مقبرة الدحداح ، نصب الجندي المجهول ، ساحة الأمويين …
إن هذا الإفراط في الحنين مردّه إلى إفراط المكان الجديد في جلد الذات بقيمه المكانية والحضارية المغايرة في غير توقف، وفي غير هوادة. والأمر يزداد حدّة عندما تجد الذات الساردة نفسها في مأزق اجتماعي معيّن. من هنا اشتغال الذاكرة عبر هذا العنف المضاد لعنف رمزي آخر أكثر قوّة لما يمتلكه من حضور حضاري متسيّد، ظاهراً متسلّطاً متسيّبا كان أو خفيّاً متستراً بمظهر السكون والاستكانة الخادعة.

+ المكان العدم: 

قال السارد: (وحملت روحك ومضيت لا تدري إلى أين؟ ولماذا؟ أو كيف؟ – الرواية، ص 32) … يصوغ السارد ذاته صوغا وجوديا يتماشى سيميائيا مع هذا الانثيال الروحي القاضي بطرح الأسئلة والتنكر للأجوبة، لأن الأجوبة تقتل الأفق وتسد مداه. ولأن الأجوبة ترسم الطريق وبالتالي تحدّ من حرية التيه، أو على الأقل تتعارض مع طبيعة التيه الفارضة سياقَ العبث والعدم والخواء. و إذا كانت كل الطرق تؤدي إلى روما كما قالوا، فإن الطريق هنا لا تؤدّي إلا إلى رغبة هذا الكائن المتدثر في عباءة السارد، و الموسوم بالقهر الوجودي الممتلئ، و هي الرغبة البانية لنسق السرد بناءً واعياً باللحظة و بالزمن في غير تسجيل و في غير نسخ و في غير تماثل. الرغبة تؤسس لفعل المساءلة الفاتكة بمشروع البداهة الرامية إلى تنميط الكائن داخل دوائر الإنسانية المستهلِكة لفعل الحياة. الرغبة هنا مشروعٌ منفتح على اللاإنسان، و على اللّاظل، و على اللاأحد ، و بالتخريج النهائي ، على اللاجسد . في هذا الخواء يكمن المعنى، إذ العمار موصوف بالنهاية ، أما الفراغ الذي نفضلّه على إطلاقية العدم ، فموصوف بالإمكان المفتوح على كل الدهشات و الصدمات و المفاجآت بمعناها المباغت لا بمعناها الحالم والسعيد … ( لا طريق يؤدي إلى رغبتك  ولا جهة تعرف جهتك كأنك تمضي إلى لا أحد ولا مكان ولا ظل ّ ، وما هي الا محاولة فاشلة كسابقاتها للحصول على وقت إضافي آخر كي تستعد  للمعركة التي في خيالك ورأسك المشرع لألف خيال و هاجس – الرواية ، ص 32 ) .
يبني السارد المكان و يبنيه المكان في جدل قاسٍ جدّاً، و قاهر، و في نفس الآن هو جدلٌ محاصر بسياق الرغبة الدائمة في الحضور و في البناء و في التميّز اللاإرادي المكره لا البطل… ( وأنت تحاول ، تحاول ماذا ؟ أن تبحث عن أرض محايدة تقيم عليها عاصمتك المزعومة في خيالك وبناء جيش من العزيمة والرغبة لصعود السلم الطويل نحو أمانيك وانتصاراتك – الرواية ، ص 32 ) هذه الأرض المحايدة لا وجود لها كمكان إلا في ذهن السارد ، لأنه يعقل المكان داخل المكان ، و يعقل البديل داخل المعطى ، و يعقل الممكن ، أي ذلك الشرق المُعدّل ، داخل الكائن ، أي ذلك الغرب المدهش و القائم على مستوى الحضور الثقافي كما على مستوى الحضور الإقناعي في جدلٍ أكبر هو جدل الحضارات .
في هذا الجدل المكاني أو هذه الأمكنة الجدلية لا يمارس السارد فعل الصدمة بين الشرق و الغرب ، كما هو الشأن في ( موسم الهجرة إلى الشمال ، للطيب صالح ) و لا فعل التواطؤ بينهما ، كما هو الشأن في ( قنديل أم هاشم ، ليحيى حقي ) و لا فعل التوازي بينهما ، كما هو الشأن في ( عصفور من الشرق ، لتوفيق الحكيم ) و لا فعل الاكتشاف كما هو نسق ( نيويورك 80 ، ليوسف ادريس ) … و إنما يمارس فعل تكريس ٍ لمقول الاختلاف كمفهومٍ حضاري قائمٍ على التمايز القاسي السائر بالذات الواصفة إلى قدر التعارض المستحيل بين خصوصيتين متباعدتين كل التباعد : بين الشجرة \ الشرق ، و الجدار \ الغرب ، في سردٍ نسقي مولِّد لحالات مفارقة في الوعي بالذات و بالموضوع معاً … ( لا وجه للشبه بين الجدار والشجرة  ، فذاك لا يحتاج لشيء على الاطلاق وقد  اكتفى بجموده ووقوفه لغاية في نفس الذي بناه ، وتلك تحتاج الهواء والماء والشمس لتواصل انطلاقها نحو ذاتها التي تجهل – الرواية ، ص 33 ) … و هي الحالاتُ التي تؤدي بالذات الساردة إلى سلوك نوعٍ من المراقبة لتفاصيل الحياتين معاً في  عبث يهدر الوقت و في لاجدوى .

+ مكان الهوية و البرزخ:

في ( سماء صالحة للرقص ) لا تتقدّم إلينا الهوية كمفهوم زئبقي هيولاني عائم ، بقدر ما يحرص السارد ، على تقديمها كمعطى إجرائي ، يتموضع في المفترق الحركي لعلاقة الفرد بالمكان ، بشكل عام ، و لعلاقة ( علي ) كقوة روائية فاعلة بالفضاء الموسوم بالتشظي ، بين مكانين ، واحد يشدّ ذاكرته إلى الأصل ، و الثاني يدعوه إلى القطع مع هذه الذاكرة ، و هي الازدواجية التي ولّدت في الذات تشظياً آخر ، عنوانه الكبير الإحساس العارم بالصراع الداخلي الشديد التوتّر في غير هوادة . و قد عبر عنه المقطع السردي التالي خير تعبير (فقررتَ بكامل الغباء أن تبتعد عن الصراع المحتشد في الأركان كي يتفرع الصراع دون قصد منك فيصير صراعين لا يرحمان  ، صراعك مع الآخر الوهمي الذي غاب عن بصرك وما زال في عقلك يثير عاصفات من الجنون والبؤس والتنديد والتهديد ، وصراعك مع ذاتك التي ترى حيناً سوء ما قمت به وحيناً صوابه كأنك نهر يتفرع في كل الاتجاهات حتى يفقد مجراه ويتيه عن مصبّه بكامل الارادة والرغبة … من دعاك للهرب … – الرواية ص 46 )
و يتعلق الأمر أساسا بسردٍ روائي يحاول القفز على الذوات المتقابلة إلى مساءلة المقولات الأشدّ تقابلا ، و أقصد بذلك : المساءلة بين الثقافة و الذاكرة ، وهما في عمق النظر ، عالمان لتشكيل الهوية ، الأولى مكتسبة عنوانها أرضٌ و تاريخ و وطن (  من سلخك عن أرضك ؟ … الرواية ، ص 47 ) … و الثانية مُشَيّدةٌ ، تبدأ أبجديتها انطلاقا من صناعة قرار الهروب و الدخول في ( الآخر ) دخولاً اختياريا يستتبع شروطه الخاصّة التي تملي على الذات وجوداً هوياتياً جديداً جديراً بالتمزق الغامض الذي لا يبين فيه صاحبُه وضعَه و موقعه و قراره بالمضي أم بالنكوص (وأنت حالة من الصراع بين الوقوف والركض ، إن وقفت ستصدمك الأشياء ، جميع الأشياء الراكضة باتجاه المجهول وغير منتبهة لشيء فهي أيضاً أخبروها أن لا تقف ، لا تتأمل ، لا تفكر ، لا تتأنى ، لا تنتظر فركضت … – الرواية ، ص 48 ) . و رغم الإقبال المكثّف الذي تبديه الذات لهذا المكان الموسوم بالآخَرِية ، إلا أنه يبقى مكانا مُعاديا بتعبير باختين  ، و ضيّقاً رغم سعته الجغرافية ، و رغم رحابته و امتيازاته التي يقدّمها .
في الانسلاخ عن الأرض \ الهوية ، تتولد حالة من اللاموقف ، هي حالة البرزخ التي لا نتبيّن حقيقتها ،  أهي عذوبة ماء النهر أم هي ملوحة إرهاصات المحيط … و قد عبّر السارد بذكاء نوعي عن هذه الحالة بلاموقف الركض . و هو تعبير سردي يتجاوز فعله الحسي المرتبط بحركة الإنسان العادية ( من العدْوِ ) إلى التعبير الروائي الدرامي عن قدر غامض يلفّ حياة القوة الفاعلة المدعوة ( علي ) . و الركض كأي فعل حركي له مسار و له بداية و له نهاية ، لكنه في حالة ( علي ) هو ركض في اتجاه المجهول ، في ارتباط بحالة أخرى أكثر صدامية هي حالة اللاوعي . من هنا ، أصالة التعبير الفني الروائي وهو يرصد حركية الإنسان في لافيزياء المعقول ، حيث تتحول الهوية إلى كائن يركض في مسار مجهول ببداية مُهرَّبَة إلى نهايةٍ مجهولة ، و أكثر غموضاً ، رغم معالمها الحاضرة انطلاقا من تمثلات الغير لها و إرسالها شفراتٍ إلى الذات عبر السماع القابع في تجارب الهاربين السابقين ، و بمعنى أكثر انسجاماً : في تجارب الراكضين السابقين . 
تتبدى الهوية أكثر تشظيا و في قمّة التصوير السردي الواصف لعبثية الهرب و عبثية الركض في المقطع السردي التالي : ( وأنت تتشظى في كل الأرجاء تبحث عن بقايا من بقاياك كي تجمعها وتعيد بناءها لعلك تتبيّن ملامحها التي تحدّق في المرآة فلا ترى سوى ظلال لا تشي بملامحها – الرواية ، ص 47 ) و هنا يتجلى فعل الأرض قويا في قدرتها على  التجميع لبقايا الذات الساردة و الهاربة و الراكضة ، و هو تجميع لأشلاء قابلة للبناء من جديد لأنها هي الأصول التي تحمل جينات الهوية و لا يمكن التملص منها أو نكرانها أو التخلي عنها . و قد عبّر السارد عن هذه الأصول المتجذرة بلفظة ( ملامح ) ، و هي مفردة عربية تدل على العلامات الحقيقية أكثر من دلالتها على الظلال . نقول : ملامح الوجه أي علاماته المميزة ، سواء تعلق الأمر بخاصيات الوجه الطبيعية أم بالحالات العرضية كملامح الغضب أو ملامح السرور و غيرهما … و رغم حديث السارد عن الظلالِ المتكرر إلا أنه أوردها في سياق المرآة و ليس في سياق الواقع . و هو السياق الجديد الذي أربك هوية الذات و جرّها إلى المساءلة الدائمة و المقهورة في اتصالها بالآخر .
تحضر المرآة في تيمة الهوية لا كانعكاس للذات المغتربة ، في تشظيها بين المكان الأصل و المكان العابر ، و إنما كأداة للمساءلة كلما التقى الوجه العربي الشرقي مع صفحة هذه المرآة لا في سياق الأرض ، أي الهوية الجاهزة و التابثة ، و إنما في سياق الغربة ، أي الهوية المتحولة و المشيّدة . و هو السياق الكفيل بتحويل السارد إلى كثافة وجودية تستطعم السؤال و تستلذ المساءلة عن طبيعة هذه الهوية الهاربة الراكضة في اتجاه النهاية . و ما النهاية إلا هذا الضياع المربك لأحلام الذات و طموحاتها (يا له من ضياع هذا الذي نبحث عنه ، ويا لها من معادلة مربكة ومثيرة للسخرية والألم ، نركض لأننا نسعى للوصول وندرك كامل الإدراك عدم جدوى الركض وقناعتنا  مطلقة من عدم وجود نهاية للأمر ، ولا نستطيع الكفّ عن الركض ، تلك أحجية أصعب من أن نستطيعها ، وأن نفكك طلاسمها ورموزها كي تتكشف لنا ، كأننا نهذي ونذوي في ساحةٍ عرجاء تضيق بنا وتودّ اخبارنا بالكفّ عن النزول بها ، حتى الأماكن تضيق ذرعاً بنا وتصاب بالملل والقشعريرة – الرواية ، ص 49 ) … هكذا تتكلم الأماكن ، و تحس ، و تضيق بالإنسان ، و تُصاب بالملل ، كما أنها أماكن موصوفة بالعرج ، خروجا بالمعنى إلى اللامعنى كي يصيبَ الساردُ كنْهَ المدركات التي تنبطح أمام القارئ انبطاحا طواعيا لغوايته خارج السرد ، في لعبةٍ سردية ماكرةٍ تستبطنُ الغواية داخل السرد ، في أفق روائي تجريبي جديد و مطلوب ، و هي الغوايةُ القمينة بتأويل المكان داخل شرط الإبداع بعيداً عن كل محدد فيزيائي يقتل المعنى و اللامعنى .
هكذا ، فالمكان \ الهوية هو في أصله فضاءٌ لتمدد البرزخ بقوة ، إذ هو بالتحديد من يرافق السارد في تهويماته الوجودية المبطّنة بالسؤال الواخز ، و يجعله فريسة دائمة للتنغيص النازح من الذاكرة المعذِّبة في تقريعٍ أوخزَ من شتيمة ( اركض دون انتظار أو نظر ، لا تفكر  لا تقرر ، لا تتأمل أو تتخيّل ، ولا تحفل بشيء سوى الركض ، إن الركض رسول النجاة اليوم ، وعرّاب الروح الأخير – الرواية ، ص 54 )
+ السماءُ الممكنة :
يرتبط المكان \ السماء بإمكان تجاوز لحظات الانقهار و الاغتراب و الإحساس بوخز الذاكرة في رؤية سردية تروم تحقيق نوع من التصالح بين السارد و بين رؤيته للعالم ، و بين السارد و بين واقعه المشحون بكثير من أسئلة الرفض ، أو على الأقل ، بكثير من أسئلة الموقف الذي قد يتجاوز عتبات السلوك إلى دوائر من التأمل في الكيان الخاص و في الكيانات الأخرى .
و تأتي لحظة الحب إكليلاً لهذا التيه ، و تتويجا لهذا الضياع الفردي الخاص ب ( علي ) المتشظي و الذي يكاد يطرق أبواب العبثية لولا حضور السماء في شخص هذا الحب الذي اندلع بينه و بين ( إيلينيا ) . إن الإمكان الذي يتناوله السارد هنا هو إمكان فلسفي يروم تحويل الجغرافيا المقيتة إلى عوالم سديمية جذْلى تستطلع الآفاق كي تشرب الروح منها بعضا من مشاربها المنقذة . و لا أدلّ على ذلك من حضور  سيمياء المفردات المجاورة للمكان \ السماء ، من قبيل ( الظلال ، الأغنية ، القفز ، الطيران … أنتَ تحبّها ) و هي مفردات مناقضة تمام المناقضة لمعجم التيه و الضياع و التشرذم المسبوقة في بدايات النزوح من الشرق إلى الغرب .
إن السماء هنا صالحة لرقصة الروحين المتجاذبتين رغم التباعد الجغرافي و الثقافي و الحضاري الموسوم بالجدارية . لكنه رقص ممكن في سيمياء الوجود الكوني و القناعة بهذا الوجود في غير شعارية أو تطبيلٍ خاوٍ تنتهي صلاحياته بانتهاء مهرجانات تفعيله . المهرجان هنا سماوي الركح ، سديمي القوى ، زئبقي المتن ، عجائبي العرس ، هيولاني الجمهور ، و معنويٌّ بشدّة … يقوم هذا المهرجانُ على فعل  التأمل ، و يولّد لدى السارد مجموعة من القناعات الحياتية التي من شأنها أن تغير رؤيته للعالم . ( لِمَ لا نكون بكامل صدقنا كما ندّعي في مشاعرنا وأحاسيسنا لِمَ نحن مضطرون لأن نكذب أو نخبئ مشاعرنا في داخلنا كالأسرار ، أو كأنها جرائم ارتكبناها في لحظة سكر وعربدة ولمّا صحونا خجلنا منها ؟ ِلم لا نكون نحن كما نحن من دون أقنعٍة ونظارات سميكة تخفي ملامحنا ؟ – الرواية ، ص 88 ) … 
تتجلى حتمية السماء الممكنة في ارتباط المكان بالبرنامج السردي في رواية ( سماء صالحة للرقص ) و هو برنامج تكسّرُ خطّيتَهُ رغبة السارد في مفهومها الفلسفي المرتبط بأنطولوجيا بالتجاوز : تجاوز لحظة الشرق ابتداء من التفكير في هجرة الشام ، و تجاوز لحظة الغرب ابتداء من التفكير في العودة إلى الشام ، مما يسمح بالقول إن  التشظي هو حالة الأرجوحة الوجودية التي تمتد بين أربعة أقانيم : الروح و الجسد و العقل و القلب .  و في كل أقنوم نسجل تمكن هوية من الهويات ، هوية الأرض مع الروح ، هوية الغرب مع الجسد ، هوية المساءلة مع العقل ، و أخيرا هوية الحب مع القلب . مما يتناسل عنه تشابك غريب في شخصية السارد و هو يتتبع أطواره طورا بطور في تشكّلٍ عارٍ من كل شيء و في شفافية ثقافية هي وليدة انصهار الشرق مع الغرب في قناعات السارد .
تتجلى هذه الحتمية في انسلاخ المكان عن قدر الالتصاق الترابي ، و محاولة التعالي الروحي المجسد أولاً في تضحية ( علي ) بشبابه و هو يرتبط بفتاة غربية المنزع ،  كسيحة الجسد ،  فاقدة لكل ما من شأنه أن يكون أداة إغراء و غواية بعد الحادثة … و يتبدى ثانيا في حضور المكان \ الجنّة : ( تصلون الى المكان المنشود ، ويا له من مكان مطلّ البحر في ركن تستطيع بكل ثقة أن تطلق عليه اسم الجنة ، في تلك البلدة الجنوبية من سويسرا فوق سطح البحر، والتي تحيطها جبال الألب فتضفي عليها جمالا طبيعيا ساحراً يمكن وصفه – الرواية ، ص 138 )  و الأمر هنا يتعلق بسويسرا ، التي تحضر في سياق هذا البرنامج السردي مكسّرةً لرتابة الحكي الراغب في النهايات السعيدة بين شاب شرقي و فتاة من الغرب ، و بالتالي تتحول سويسرا من فضاء جغرافي إلى فضاء سديمي يرتبط بالخلاص ، و ينسجم مع طبيعة شخصية ( علي ) المتأملة ، و مع طبيعة العلاقة بينه و بين ( إيلينيا ) و مع طبيعة الدراما السردية التي شاء لها المؤلف هذا الاتجاه السردي ، الغائص في التجربة الإنسانية المحترقة ، سواء تعلق الأمر بتجربة ( علي ) في محنته الوجودية بين الشرق و الغرب ، أو تعلق الأمر ب( إيلينيا ) في محنتها المرضية و التي لم ينفع معها علاج ، و نفع معها الارتقاء إلى الجنة عبر مكان أرضي هو سويرا ، المكان الواهب للحظة الخلاص .
الختم :
 كيف يتوحد السرد مع الأنطولوجيا ؟ سؤال يستسيغ ذاته في قراءة رواية ( سماء صالحة للرقص ) التي ابتعد بها صاحبها عن أي تشكيل روائي يروم الحكي خارج واقعيةٍ لا تبغي تسجيلا ، و إنما تبغي تخييلا قائما على ذكاء الشعرية الروائية القائمة بامتياز على استثمار كل الممكنات الجمالية في هذا النوع الأدبي الموسوم بالبحث الدائم عن شكله المثالي . و في هذه الرواية يضعنا صاحبها أمام قضايا متعددة ، و مختلفة ، و إشكالية ، و غنية بالتوترات التي لا تدع للقارئ فرصة الاستكانة و الاسترخاء ، بل تظل تمارس عليه الوخز تلو الوخز عبر منطق السؤال الوجودي الراغب في السؤال الذي يتناسل عنه السؤال إلى ما لا نهاية . فلا ندري هل نجيب عن سؤال الغربة و الاغتراب ، عن الهوية و الانتماء ، عن الشرق و الغرب ، و الجدل الحضاري بينهما ، عن الأصول التي لا تمّحي ، عن محنة الرحيل و الخروج ، عن سلطة الذاكرة ، عن الحنين ، عن الحب و العشق ، عن التضحية ، عن الشهامة ، عن الحياة و الموت ، عن الجنة و الجحيم … ؟ … و أقول ختماً لبدايات أخرى : لا يسعنا إلا أن نقرأ ( سماء صالحة للرقص ) قراءة واعية بلحظة خلقها كي نظفر ببعض الجواب ، أما بقية الأجوبة فتظل قابعةً فينا و في ذواتنا الصغيرة أمام جماليات الحكي العربي المشخص امتيازا في هذا العمل الروائي الكبير لمبدعنا الكبير ( ناصر قواسمي ) .

 1- لوسيان كولدمان ، الإله الخفي ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، ترجمة د . زبيدة القاضي ، ط 2010 ، ص 101                     
2 – R.Bourneuf, « L’organisation de l’espace dans le roman », in Études littéraires/Avril, 1970, Université Laval,  p78
3 -غاستون باشلار، جمالية المكان، ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1984، بيروت ص 53.
4 – إيريك فروم ، المجتمع السويّ ، ترجمة محمود منقذ الهاشمي ، الطبعة الأولى ، 2009 ، ص 322 .

الشاعر والناقد المغربي نور الدين حنفي ( أبو شامة )

قراءة نقدية / نورالدين حنيف / رقص الأمكنة في رواية ( سماء صالحة للرقص / الكاتب ” ناصر قواسمي “

رقص الأمكنة في رواية ( سماء صالحة للرقص ) للكاتب الفلسطيني ناصر قواسمي

بقلم : نورالدين حنيف ( أبو شامة )

تمهيد :


نحدد وجهة تحليلنا البعيد كل البعد عن استيفاء كل مكونات الخطاب السردي في الرواية أعلاه . و سنكتفي بمساءلة مكون المكان وحده داخل إمكان تعالقاته مع باقي المكونات إخلاصا لنسغ البناء ، و درءاً لانزلاق نتائج التحليل في مطبات التأويل الجارف .
نعتبر ( المكان ) مقولة وجوديـة مرتبطة أساسا بالكائن ، و مشتقة من فعل ( الكينونة ) التّام و المحيل في ذاته على معنـــى ( وجد ) . كما نعتبر هذه المقولة صياغة غير مباشرة لفعل التحول ، على الرغم مما يتعلق بمقولة المكان من تداعيات جامدة منظورا إليها داخل مفهوم الحيز الفيزيائي المادّي . و صفة التحول هاته تتأتّاهُ من التصاقه بمفهوم أكبر ، هو الفضاء الروائي ، و من ثمّة ، فهو يصطبغ بصبغته و يتلون بتلاوينه و يتحقق داخله ، مُدرَكاً مرِناً متخيّلا ، لا مدرَكاً ماديا جامدا .
و المكان في الرواية هو كل فضاء تخيّلي يصنعه الروائي كإطار يُجري فيه الأحداث الوقائع و المواقف ، بحيث يتعذر تصور وقوع هذه الثلاثة خارج هذا الإطار المكاني الذي يمثل في الرواية ما تمثله الخشبة في المسرح ، و يربو عن ذلك إلى تأطير رؤية البطل و كذا رؤية مؤلف الرواية ، و تطويرها ، باعتباره مكونا روائيا قادرا على حمل المنظورات المتعددة و بسطها مفككة أمام ناظريْ القارئ و المتلقي . إن المكان من هذا المنظور الروائي التحليلي لا يصبح مجرد إطار فيزيائي يحتضن الحدث و ما شابه الحدث في تجلياته السردية مع القوى الفاعلة و غيرها من مكونات العمل الروائي ، و إنما ، و أيضاً ، و أساساً ، يصبح دليلاً أنطولوجياً على الرؤية إلى العالم ، و هي رؤية تنهضُ في منظور السارد ، على الرفض الظاهر لهذا العالم شرقاً و غرباً من جهة ، و الرغبة في تصحيح هذا العالم من جهة ثانية ، على اعتبار أن المكان يورّط الذات في أتون المفارقة الوجودية التي تقوم على التقابل و التمايز و التناقض بين مجموعة من المقولات المتضادة ( و لكن ما يعني على نحو ملموس رفض العالم ؟ يُقدَّمُ هذا العالم إلى الوعي كفرض للخيار بين بين عدة إمكانيات متناقضة ، تتنافى ، و لا يعد مع ذلك أيّاً منها مع ذلك مشروعاً و كافيا . فالرفض الدنيوي للعالم ، هو رفض الاختيار و الاكتفاء بإحدى هذه الإمكانيات أو هذه المنظورات . إنه فعل الحكم بوضوح و دون تحفظ بنقصها و حدودها ، و معارضتها بفرض قيم حقيقية و ثابتة . إنه معارضة عالم مؤلف من عناصر مجزّأة و متنافية بفرض من الكلية يصبح بالضرورة فرضا بوحدة الأضداد ) * 1
يتجاوز المكان الروائي ما يسكن تمثلاتنا البسيطة التي تختزله في شرنقة الحيز الذي نعرفه في معيشنا اليومي ، و نصوغه خارج ذواتنا كمادة منفصلة . في حين أنه في العمل الروائي يمثلُ قيمةً متخيلة مشبعة بعناصر الجمالية ، و مفعمة بالحركية الروائية القادرة على التأثير في عمليات السرد ، في تعالقاتها الممكنة مع الذات ، التي نستحضرها هنا مقابلة لمقولة الموضوع ، حيث يظل الجدل قائما بينهما و مرتكزا على سيمياء التفاعل و تبادل كل إمكانات التجلي الفني المترجم لأشكال أخرى من الوجود … من هنا إحساسنا المستمر بالمكان إحساسا جوانيا يستحيل معه تصور الذات خارج الموضوع ، و المتخيل خارج الواقع .
إن قراءة عمل روائي ومقاربته في أبعاده المكانية هو في حد ذاته دخول أدبي مغامر، يستبيح عوالمه المتخيلة . و هي عوالم تستدعي كثيرا من التداعيات ، أبرزها تأسيس علاقة جدلية بين مخيال الكاتب و بين الواقع الزئبقي الذي يغوينا فعل الكتابة بولوجه ، لا من باب الانعكاسية المسطحة ، و لكن من باب الكشف عن رؤية الكاتب للعالم .
و من ثمّة ، فالعمل الروائي هو في صميمه لغة تمارس حضورها النوعي عبر مجموعة من الشفرات الخاصة و الأكثر حميمية ، تجعل المكان الروائي فضاء معلنا و مبنيا و موصوفا داخل المعنى الحامل لدينامية الحدث ، و لتفاعلات القوى الفاعلة ، و لتشعب عناصر التشكيل المتأزم للرواية في أبعادها الدرامية الآيلة إلى قدر الانسجام الخطابي ( من الخِطاب لا من الخطابة ) . من هنا ، فالمكان الروائي خاصة و الفضاء الروائي عامة لم يحظ بحقه في ( الدرس باعتباره عنصرا مكوّنا تأسيسيا للعمل الروائي في تعادل مع باقي المكونات الأخرى مثل الشخصية و العقدة و الزمن ، بحيث كان يتمّ استحضاره كامتداد فيزيائي فقط ، يقوم بدور احتضان هذه المكونات ) * 2

المقالة طويلة جدّا ، للراغبين في الاطّلاع ، رجاءً الرجوع إلى مواقع نشرها في شبكة النيت في أكثر من منبر إلكتروني … أكتب عنوان المقالة فقط في محرك البحث

أمينة برواضي في حوار مع الناقد : د . أسامة البحيري / مصر

أمنة برواضي في حوار “مع الناقد”
مع الدكتور الناقد أسامة البحيري من مصر الشقيقة.
السلام عليكم دكتور
أولا، أرحب بكم، وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
وعليكم السلام
أرحب بك، وأشكر اهتمامك بمشروعي النقدي.
سؤال:
من هو أسامة البحيري؟
جواب:
أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب، جامعة طنطا، في مصر.
ورئيس اتحاد كتاب مصر فرع الغربية.
سؤال:
2 – دكتور من بين مؤلفاتكم كتاب دراسات في الأدب السعودي المعاصر.
وكتاب تشكيل الزمن في السيرة الذاتية السعودية .
وشعرية التشكيل في الرواية النسائية السعودية…
ما هو تقييمكم للأدب السعودي؟ وما مدى مشاركة المرأة السعودية في إغناء الحقل الثقافي السعودي والعربي بصفة عامة؟
جواب:
عملت أستاذا للنقد الأدبي والبلاغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة جازان السعودية لمدة عشرة أعوام ، اطلعت فيها على الساحة الثقافية والإبداعية السعودية، والتقيت كثيرا من المبدعين والمبدعات في السعودية في مؤتمرات علمية وندوات أدبية في عدد كبير من المدن السعودية، لذا فأنا على دراية جيدة بخارطة الإبداع السعودي، ومعرفة بتحولاته المختلفة، ومراحله المتتابعة، وأعلامه في العصر الحديث والمعاصر، وكان ثمرة ذلك تأليف كتابي ” دراسات في الأدب السعودي المعاصر ” الي ضم عدة دراسات في عدة أنواع أدبية كالشعر ( العمودي، والتفعيلي، وقصيدة النثر ) ، والرواية ، والسيرة الذاتية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا ، لعدد من المبدعين والمبدعات في مناطق سعودية كثيرة .
وقد تابعت التحولات الاجتماعية والسياسية الكبيرة التي مر بها المجتمع السعودي منذ مطلع الألفية الثالثة، وكان من أبرز مظاهره إتاحة المجال للمرأة للمشاركة في الحياة العامة، ومجلس الشورى، والمناصب الوزارية، وتبع ذلك انتشار الأدب النسائي، وزيادة الاحتفاء به، وبخاصة في مجال الرواية التي شهدت طفرة كبيرة في تأليفها، وانتشارها، وإقبال القراء عليها من داخل السعودية وخارجها .
سؤال:
3 – سؤال يرتبط بما سبق ما هو تقييمكم للساحة الأدبية العربية عامة؟
جواب:
تمر الساحة الأدبية العربية بكثير من الاتجاهات والتيارات المختلفة، وشهدت تطورا ملحوظا في كثير من الأنواع الأدبية، وزيادة انتشار ألوان أدبية جديدة كقصيدة النثر، والقصة القصيرة جدا، والأدب الرقمي شعرا وسردا، وذلك بعد زوال ما يسمى ب ” ثنائية المركز والهامش” بفعل العولمة والثورة الرقمية، وثورة المعلومات والاتصالات .
فالعالم العربي في بداية النهضة الحديثة وبدايات الأدب الحديث كانت فيه مراكز ثقافية وأدبية زاهرة ومستقرة في مصر والشام بفعل عوامل كثيرة من الإرث الحضاري العريق، وبكورة الاتصال بالحضارة الغربية الحديثة . هذه المراكز الثقافية والأدبية كان معترفا بها من كافة الأقطار العربية ، ويدينون لها بالتبعية والاستفادة، فكانت الأجناس والأنواع الأدبية تظهر وتزدهر في هذه المراكز الثقافية أولا ثم تظهر وتنتشر بعد ذلك في الأقطار العربية، كما حدث في الرواية، والمسرح، والقصة القصيرة .
ولكن ثورة الاتصالات والمعلومات قضت على ثنائية المراكز والهوامش، وصارت الألوان الأدبية الجديدة تظهر متزامنة في البلاد العربية في وقت متقارب، كما حدث في الأدب الرقمي، والقصة القصيرة جدا .
سؤال:
4 – دكتور لكم كتاب، العولمة والأدب العربي المعاصر و …
كيف يرى الدكتور تأثير العولمة على الأدب العربي المعاصر؟ وفي رأيكم هل ستفرز لنا جيلا كبيرا من النقاد والمبدعين يفتقدون إلى أسس الإبداع والنقد ام انها سوف تخدم الأدب العربي المعاصر؟
جواب:
كان للعولمة تأثيرات كثيرة على الأدب العربي المعاصر، فمع أنها نادت بتذويب الحدود والحواجز المكانية، وعملت على فرض النموذج الأمريكي في العالم كله ، إلا أن لها آثارا إيجابية على الأدب العربي المعاصر، فقد عملت على زيادة الإحساس بالهوية الوطنية في كل بلد عربي، وعملت كل دولة على الحفاظ على جذورها وتاريخها الرسمي والشعبي، وكان ذلك رد فعل عكسي على دعوات العولمة .
وعملت ثورة المعلومات والاتصالات على نشر الأدب العربي وترجمته، واتساع نشر اللغة العربية وتعليمها للناطقين بغيرها، وزادت مراكز وجوائز الترجمة في البلاد العربية .
وأتاحت العولمة المجال لأصوات المهمشين والأقليات للتعبير عن أنفسهم ومشاكلهم ومعاناتهم بكثير من الجرأة والحرية غير المسبوقة، وزاد الاحتفاء بالأدب النسائي، وتكريم المبدعات العربيات ، ورصد التجارب الإبداعية النسائية ونقدها، وزادت مساحة التعبير عن المسكوت عنه في العالم العربي دينيا وسياسيا وجنسيا .
سؤال:
5 – من موقعكم كناقد كيف ترون مستقبل النقد مع كثرة الإصدارات الأدبية؟
جواب:
النقد مهم جدا لاستمرار الإبداع وتجويده، وتعديل مساراته، وفتح آفاق جديدة لمغامراته. وقد شهد الإبداع العربي طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة في تعدد مجالاته، وتنوع فنونه، وكثرة المبدعين والمبدعات، وانفتاحهم على التجارب الإبداعية العربية والعالمية.
وأرجو أن ينشغل النقاد في كل قطر عربي برصد التجارب الإبداعية المتحققة في بلدانهم ، وتحليلها، وتقديمها لكافة الأقطار العربية في المؤتمرات العلمية والأدبية المتنوعة، ومحاولة رصد المرتكزات المشتركة في التجارب الإبداعية في عدد من البلدان ، لتأكيد الثوابت الثقافية التي تجمعنا، وتقديم قدوة صالحة لشباب المبدعين والمبدعات . ولعل في سهولة التواصل بين المبدعين والمبدعات في مواقع التواصل الاجتماعي ما يحقق فائدة كبيرة للعملية النقدية والإبداعية على مستوى العالم العربي كله ، وهذا هدف أصيل في المبادرة الثقافية لنشر الإبداع العربي ونقده التي تبناها اتحاد كتاب مصر فرع الغربية الذي أشرف برئاسته .
سؤال:
6 – دكتور، كتبتم عن تفاعل السرد والتاريخ في الرواية اليمنية الجديدة .
بالإضافة إلى عدة دراسات ومقالات تخص الرواية والقصة كيف يرى الناقد التطور الحاصل في السرد مقارنة مع الشعر ؟ وهل يمكن القول إن الرواية أصبحت تحتل الريادة وسحبت البساط من تحت الشعر؟
جواب:
حظيت الرواية والفنون السردية عموما بانتشار واسع ، وشهرة كبيرة، وقاعدة قرائية عريضة بفعل السينما، والجوائز المختلفة ، بما أغرى كثير من المبدعين والمبدعات بكتابتها، وحدثت طفرة إبداعية روائية في كافة الأقطار العربية وبخاصة في مجال الرواية النسائية العربية التي فازت بعدد من الجوائز العربية والدولية مؤخرا، ووجدنا عددا من الشعراء الكبار يتجهون لكتابة الرواية، وأنا أشرف حاليا على رسالة جامعية بعنوان ” الشاعر روائيا ” تتناول عددا من الروايات لكبار الشعراء المصريين والعرب .
ولكن الشعر يبقى فن العربية العريق، وما زال وجوده مؤثرا، ولعل الجوائز التي أنشئت لتشجيع الشعر والشعراء العرب تكون عاملا مهما في تطوره وازدهاره وانتشاره بين الجماهير العربية، وهذا ما تهدف إليه بيوت الشعر ومؤسساته التي انتشرت مؤخرا في كثير من البلاد العربية .
سؤال:
8 – أستاذي الفاضل أصدرتم كتبا في القصة القصيرة جدا، ولكم عدة دراسات تخص هذا الجنس الأدبي ، وكان لكم حضور قوي في المهرجان الدولي للقصة القصيرة جدا بالمغرب (الناظور ) 2016 كيف ترون مستقبل هذا اللون الأدبي ؟
جواب:
ظهرت القصة القصيرة جدا في عقد السبعينيات من القرن العشرين في مصر، وسوريا، والسعودية، والمغرب، وحققت انتشارا كبيرا جدا بفعل ثورة الاتصالات والمعلومات وسهولة التواصل الرقمي، وشهدت عدد من البلاد العربية مؤتمرات علمية وندوات أدبية حول القصة القصيرة جدا في سوريا، والمغرب، ومصر، والسعودية، وتألفت مجموعات أدبية كبيرة جدا حول فن القصة القصيرة جدا في مواقع التواصل الاجتماعي بلغت عشرات الآلاف من الأعضاء ، بما أعطى دفعة كبيرة جدا لنمو هذا اللون السردي المكثف، وشهدت دور النشر العربية في كثير من الدان طباعة عدد كبير من من المجموعات والموسوعات القصصية القصيرة جدا ، وكان لمهرجان ومؤتمر ” الناظور” الثقافي حول القصة القصيرة جدا ” دور كبير في ازدهارها ، واتساع القاعدة القرائية والجماهيرية الحاضنة لها ، وأرجو أن يعود هذا المهرجان لأداء دور الثقافي المهم .
سؤال:
9 – ما هو مستقبل الثقافة في الوطن العربي في ظل تقلص دور المثقف العربي؟
جواب:
لنكن صرحاء في أن الثقافة لا تحظى بدعم كبير على المستوى الحكومي العربي عامة، وتأتي دائما في مراحل متأخرة من اهتمام الحكومات العربية التي تتجه لتوفير المأكل والمشرب والمسكن والدواء لأفراد شعوبها . ولكننا نلفت الأنظار إلى أن الثقافة لها دور مهم جدا في الحفاظ على الأمن القومي العربي في ظل التحديات العالمية المعاصرة، وفي ظل التهديدات التي تتعرض لها البلاد العربية، فالثقافة هي التي ترسخ مفاهيم الولاء والانتماء في قلوب المواطنين، وهي الدرع الواقي من كل مخاطر العولمة والإرهاب وكل مظاهر التخلف ، إذا أحسن استخدامها ، ودعمها، ونشرها على نطاق جماهيري واسع .
وأقول دائما : إذا أقيمت منارة ثقافية في أي مكان ( متحف، مكتبة، قاعة مسرح أو سينما ـ دار نشر، أوبرا ) ، فهذا معناه القضاء على بؤرة ظلامية إرهابية يمكن أن تنشأ إذا خلت الساحة من الثقافة والتنوير .
سؤال:
10 – دكتور لقد كان للكتابة النسائية حظ من إنتاجاتكم النقدية، هل يمكن أن تلخص لنا في سطور تقييمكم لإبداع المرأة؟ وفي رأيكم هل هناك إبداع نسائي وإبداع يخص الرجل؟
جواب:
النسوية، والنقد النسائي من المصطلحات التي انتشرت وشاعت مع مطلع الألفية الثالثة بفعل العولمة وثورة الاتصالات، ووجدنا إقبالا كبيرا على الإبداع النسائي وبخاصة في الرواية في الدول العربية كلها، وشهدت الساحة الثقافية والإبداعية العربية ظهور عدد من المبدعات المتميزات في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، والنقد الأدبي، ومنحت لهن الجوائز العربية والدولية تقديرا لتجاربهن ومكانتهن الكبيرة .
وشهدت بعض الدول العربية التي عانت فيها المرأة سنوات طويلة من التجاهل وعدم الاهتمام بحقوقها، شهدت هذه الدول طفرة كبيرة في مجال الأدب النسائي، وإعطاء المرأة حقوقها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية .
سؤال:
11 – ما هو المشروع النقدي الذي يشغل بال الدكتور أسامة البحيري بعد هذا التراكم؟
جواب:
الحقيقة أن مشروعي النقدي والثقافي عموما يرتكز على ثلاثة محاور أساسية :
التبحر في معرفة التراث العربي، والاهتمام بإحياء كنوزه العلمية، والأدبية .
الانفتاح – بوعي- أمام المذاهب والتيارات الأدبية والنقدية الأجنبية، والاستفادة من ثمارها النافعة في دراسة الأدب العربي وفنونه قديما وحديثا.
الاهتمام برصد المرتكزات الثقافية والفكرية المشتركة في التجارب الإبداعية العربية.
وقد وضح ذلك في كتبي وأبحاثي العلمية التي بلغت الثلاثين، فقد درست وحققت كتب ( الكناية والتعريض وسجع المنثور و برد الأكباد في الأعداد للثعالبي، وكتاب زهر الربيع في المثل البديع للنواجي ) ، وأفدت من المناهج النقدية الغربية في كتابي ” الحداثة وما بعد الحداثة في الرواية العربية المعاصرة” و ” تحولات البنية في البلاغة العربية “، ورصدت المرتكزات الثقافية العربية في السرد في كتابي ” مقارنات في السرد العربي” ، وفي الشعر في كتابي ” دراسات أسلوبية في الشعر العربي ” .
وأرجو أن أكمل مسيرتي في خدمة النقد والإبداع العربي. شكرا لكم أستاذي الفاضل، وفقكم الله في مسيرتكم. حاورته الروائية أمنة برواضي ( المغرب )

قراءة لوحة ( ورفعنا لك ذكرك ) بقلم : د . أحمد جمرادي

الفاضل أحمد جمرادي يقرأ لوحتي ( و رفعنا لك ذكرك )
شكرا لروحك العالية

وقدر الرافع مرفوع أيضا، عندما جعل “لك ذكرك” مرفوعة بين يدي الألف السامقة في بهائها وجلالها وجمالها. نعم الألف الرافعة، وحق لذكرك الرفع في الأعالي. اكتسبت الألف هيبتها وبهاءها من نون الجلال والعظمة. وحركة الرفع وإن أتت في الزمن الماضي، فهي أبدية سرمدية في الزمان والمكان، فوقهما لا يحدها زمان ولا مكان.
وكأن لسان حال اللوحة يقول : انظروا لكاف المخاطب ذاك؛ صاحب اللواء المعقود والحوض المورود، صاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، لنرفعن شأنه وقدره في العالمين، ولم يرفع على اللوحة التشكيلية إلا وقد رفع في قلب اليد التي أنجزت وتفننت، وهي لم تفعل ذلك وحدها، إنما كيان الكائن كله شارك في ذلك كل درة من هذا الكيان. وما القصد من ذلك يا ترى؟ سؤال لا ينتظر جوابا لأن كل جواب كيفما كان ومهما توشح من بحار البلاغة وتدثر من لباس البيان لن يبلغ مبلغ ما بلغه فعل اللوحة في هذه الكليمات وهي تتسابق وتتساوق فرحة فرحة الطفل الصغير اليتيم بهدية اهديت له ليلة العيد على حين غرة ودون إشعار مسبق.
أشعر بأخي نور وهو هائم وسط هذا الطقس البرزخي تمتد يده لهذه الفرشاة وتلك المادة يمزجها ثم يفرك عينيه، يتبرم ويبدل زاوية النظر والتدقيق، وهكذا دواليك والألف الرافعة تستوي حاملة مرفوعها تحتفي به وتهيئه لناظرينا نتملى به للذكرى والعبرة، فيشتد الشوق والحنين لذاك المحبوب.
هذا ما أثارته في هذه التحفة الجميلة، كانت ذلك المعول الذي كسر جبل الجليد…
لم أتكلم عن التناسق في الألوان وحركة الأشكال المؤثثة لهذه اللوحة الجميلة، فتلك حكاية أخرى… بقلم : د . أحمد جمرادي Ahmed Jamradi

القصة رقم 12 / بقلم : ماجدة تقي

من مجموعتي القصصية كرونا الزمن الصعب

القصة رقم 12
.الحب في زمن كرونا.
سامربطل قصتي مهندس كهرباء بعد تخرجه ب 6 اشهر التحق بالجيش لقضاء خدمته العسكرية للوطن لم يتآخر عن الواجب المقدس ، هي سنة ونصف وستمضي ليعود لحياته المدنية ويرتبط بالزواج بمن اختارها قلبه لكن لسوء حظه الحرب بسورية أدت إلى الإحتفاظ به سنتين ونصف ايضاً فكانت مدة خدمته أربع سنوات .
حبيبته رفضت الزواج بغيره فقد عاهدته على أن لاتكون لغيره مهما طال انتظارها له ..
تسرح من الجيش خالي الوفاض لاسكن لديه ولامال لدى أهله لمساعدته فأباه قد توفي في بدء الحرب على سورية برصاصة قناص أصابته برأسه .لا يملكون بيتاً ومنزلهم مستأجر، بصعوبة وجهد مضني يؤمنون أجرته ونفقات معيشتهم .
هو وأمه وبقية إخوته يصارعون الحياة للبقاء أحياء ًا على قيدها ، منهم من ترك المدرسة ليساعد الأم بمصروف البيت وبقي الأمل معقوداً على سامر النجيب في الدراسة عندما يتخرج سيرفع الحمل عن كاهل اخوته والأم كي ترتاح من الشقاء الذي أصاب جسمها بالعطب لكن جرت الرياح بغير ما تشتهي السفن فالوضع الاقتصادي بسورية صعب لا توجد وظائف ولم يجد أمامه سوى العمل كسائق تاكسي براتب ضئيل لايكفي حتى لمصروفه الشخصي فكيف له ان يتزوج ممن يحبها والتي لازالت تنتظره.
حبيبته وفاء شجعته على السفر لاحدى دول الخليج .
فكر سامر بالسفر للسعودية ، هناك سيبحث عن عمل فشهادته مرغوبٌ بها ..
فما كان من والدته سوى بيع اسوارة الذهب التي تمتلكها وهي قرشها الأبيض تحتفظ به ليومها الأسود وهاهو الآن قد حان.
تلك الاسوارة كانت هدية من زوجها المرحوم حين زواجهما
سافر سامر يحدوه الأمل الكبير بمستقبل واعد له مع حبيبته التي تنتظره
مضت سنة اخرى في الغربة ولم يجد عملاً بشهادته بل عمل كاتب في مخبز كي يستطيع تحصيل لقمة عيشه وعليه الصبر إلى أن يجد العمل الذي يتناسب مع مؤهله العلمي لكن قدره السيئ كان له بالمرصاد فقد حلَّ وباء كورونا في العالم أجمع ومنها دول الخليج والسعودية ذلك الوباء القاتل السريع الانتشار والذي لم تجد الدول عقاراً يشفي منه أو لقاحاً يدرء عنهم شرَّ الاصابة به .
قررت السعودية انهاء عمل من يريد العودة لوطنه او يبقى في أراضيها يتدبر أمر مصروفه إلى ان تنتهي أزمة الوباء وتعود حال البلاد كما كانت في السابق وتمضي الشهور وكورونا لاتزال هي المتحكمة بحياة الناس وتصرفاتهم وسامر مسكين لايعرف كيف يتدبر المال حتى تكلفة نفقات العودة لسورية .
انقطعت أخباره عن أهله مدة تجاوزت الشهر ظنَّ اهله ان السبب المادي هو المانع له من التواصل مع أهله إلى أن جاءتهم رسالة من السفارة تعزيهم بوفاته لانه اصيب ب الوباء القاتل وقامت الدولة السعودية ب إجراءات دفنه —–ماجدة تقي

قصة : هذا هو حظي / إبراهيم عبدالكريم

قصة: هذا هو حظي.
كلما نظرت إلى زوجها تذكرت صورة الشاب الأنيق،الوسيم الذي فاز بقلبها منذ سن المراهقة.
“عانيت كثيرا للظفر بقلبه، انه حبي الأول، أحببته من اول مرة رٲيته” هكذا كانت تحاور نفسها كلما اقتربت منه ومن كرسيه المتحرك. احساس سيطر على خواطرها. زوجها حفيظ، اصبح معاقا، لايستطيع الوقوف و المشي على رجليه، كما أنه لا يستطيع النطق بجملة كاملة، كلامه أصبح متهدجا، من الصعوبة فهم الكلمات التي ينطق بها. أصبح سجين كرسيه المتحرك، وجوده يتوقف على زوجته وأبنائه.
حفيظ، كان موظفا ناجحا، يعمل مهندسا بالجماعة الحضرية لبلدته. يخرج في الصباح الباكر بسيارته الصغيرة المتواضعة ليتوجه إلى عمله، مسؤول عن مشاريع البناء بالمجال الحضري، جدي في عمله، يشهد له بذلك كل من صادف طريقه أو توقف على عمل له علاقة بالبناء. يتعامل مع جميع أبناء المدينة. كان موضع ثقة المسؤولين، إلى درجة أنه سمي بالإنسان الصادق الٲمين، لا أحد يستطيع مساومة جده وفنائه في عمله. ، لا يعرف معنى الخمول. يقضي ثمان ساعات في العمل يوميا دون ملل، إنسان ذو قناعة كاملة بما يتقاضى شهريا، يفضل قضاء أوقاته رفقة أبنائه وزوجته، محبا للقانون وتطبيقه دون مساواة.
هكذا كان يقضي جل أوقاته إلى أن يعود إلى بيته، ليجد زوجته وأبناءه الأربعة. يقوم بمساعدتهم في واجباتهم المدرسية. يراقب عمل ابنائه باستمرار، سار على هذا المنوال دون ملل ولسنوات عدة.
بدأت المدينة تكبر، كما كثرت المشاريع وتعددت، كثر زملاؤه في المهنة. كما تعددت معارفه، في العمل و خارجه، من حين لآخر يرافق أصدقائه لاحتساء فنجان قهوة أو شاي. كما كان يعوض أصدقاءه في عملهم إن دعت الضرورة ذلك، هو دائما في خدمة الآخرين، لا يعرف معنى كلمة” لا”، دائم الابتسامة وترديد عبارة “بسم الله”” ما اعليهش” هكذا كان يجيب كل من اعتذر له عن عمل قام به من أجله.
الكل أصبح يتحدث عن حفيظ في العمل وفي غير العمل، لا اسم يذكر إلا اسمه. محبوب من طرف الجميع.
مرت خمس سنوات، وحفيظ، يعيش على هذه الطريقة. لكن في السنوات الأخيرة، تغيرت حياته، شابها نوع من الخلل، بدٲ يترك منزله ليلا، بعد رجوعه من العمل، يغير ملابسه ويمر أمام المرآة ليهتم بمنظره و يغادر بيته دون أن يخبر زوجته عن وجهته، إن كانت لغرض العمل أو المقهى أو غيره. يركب سيارته الرباعية، الفاخرة، التي اشتراها مؤخرا دون أن يحدث زوجته عن مصدر المال، كانت سيارة فخمة، شراؤها يتطلب مالا كثيرا، هذا الٲمر حير زوجته سعاد، على العلم أن ما يتقاضاه شهريا يخصص للعيش ومستلزمات الحياة مع ابنائه. لم تتوقف سعاد عن محاورة نفسها عن مصدر تلك النقود. “ياترى كيف حصل على هذا المبلغ الضخم لشراء السيارة؟، أيكون قد سرق المال؟” لكن سرعان ما تستغفر الله، وتردد، “أن بعض الظن اثم”، تحاور نفسها قائلة:”لا بد أن ٲفاتحه في الموضوع” غالبا ما تقرر هذا لكن كلما رجع إلى المنزل إلا و يجد عذرا أو يصرخ في وجهها. أصبح يكثر ملاحظاته المؤلمة عن تدبيرها للمنزل. كل شيء تغير في حفيظ، الزوج الٲنيق، الطيب، أصبح لا يولي اي اهتمام للأبناء ولا مراقبة دراستهم. تكفلت الٲم بذلك على الرغم من أنها تجد صعوبة في مسايرة مستواهم الدراسي، لا سيما وأنها تركت الدراسة وهي مازالت بالاعدادي. هذا هو المهم بالنسبة اليها، أو كما كانت تقول حينما تسألها جارتها عن مدى قدرتها مساعدة ابنائها، تجيبها، “بكل صراحة اتظاهر بمعرفة كل شيء، وأنا في الحقيقة خائفة من أن توجه إلي أسئلة صعبة”.” “المهم هو أن يشعر أبنائي بأن هناك مراقبة”
ٲصبح حفيظ كالزائر، الضيف الذي يظهر من حين لآخر، تارة يغيب الليل كله، يغيب عن المنزل لمدة يوم أو يومين، تارة من العمل يلتحق بلياليه دون أن يسمع صوته في المنزل، تعود الٲطفال على غيابه، الا سعاد تبقى في انتظاره الى منتصف الليل. كانت خائفة على مصيره أو ما يمكن أن يحدث له في غيابه. يبدو سعيدا كلما خرج من المنزل. سعاد، الزوجة التي كان اسمها لا يفارق لسانه، ٲصبحت منبوذة، هجرها في الفراش منذ مدة، نادرا ما يقضي ليله في البيت ، يفضل النوم برفقة التلفاز في رؤية افلام سخيفة، أو في سماع اغاني منحطة.
تغيرت تصرفات حفيظ مع أسرته، اعتاد السب والشتم لٲفراد عائلته إلى درجة أنه زرع الخوف في قلوب ابنائه. لاشيء يثير انتباهه، هو حاضر كالغائب في منزله. كلما رجع إلى بيته يقوم بتغيير ملابسه بسرعة ويقف دقائق أمام المرآة ليركب بعد ذالك سيارته الرباعية الفاخرة ليذهب في اتجاه مجهول. إلى أين يتجه يا ترى؟ ماذا يفعل؟ هذا سر لم يكن باستطاعة عائلته الغوص فيه.
” واش هذي حياة يا عباد الله” عبارة دأبت سعاد على ترديدها يوميا في سرية بعيدا عن مسامع أطفالها، كانت حريصة على التزام ابنائها باحترام ابيهم، حريصة على تربيتهم تربية حسنة كما كانت حريصة على دراستهم. لابد من احترام حفيظ، “انه رب الأسرة”، هكذا كانت تصرخ في وجه ٲمها كلما تحدثت عن غيابه عن البيت وما يروج له من خيانته لزوجته. بعض الاحيان كانت سعاد، تصاب باليأس والكآبة، ترى مستقبلها غامضا بجانب حفيظ. طالما حلمت بالماضي الجميل الذي كان فيه زوجها لا يطيق مفارقتها. حين كان يخاطبها بكلام عذب، كلام حب واحترام. لاتريد الاستسلام، تحاول إقناع نفسها بان ما تعيشه، سحابة عابرة، وان الشمس ستزيل الظلام و تبعث اشعتها لتكسو منزلها. لكن كانت تدرك أن تدهور أخلاق زوجها تكمن في الإدمان على الخمر ومرافقته لمجموعة من ٲلٲشخاص، “الصعاليك”، كما كانت تسميهم. مؤخرا تيقنت بخيانته الزوجية لها، تنبعث منه رائحة عطر النساء. مما لاشك فيه انه يعاشر إحداهن في غيابه عن المنزل. سمعت الكثير عن مغازلته للنساء، كان يبيح لنفسه ما هو حرام على زوجته، ينساق وراء شهواته وغرائزه دون أن يراعي مشاعرها. سعاد، الزوجة المخلصة التي ٲحبته من قلبها، مازالت تطمع في الاحتفاظ به. تفعل كل شيء ليرجع إلى بيته، ويكون لها لوحدها. حاولت غزو نظراته و اهتمامه بالاعتناء بجمالها لكن دون جدوى. تقوم بدورها دون ملل. لكن مؤخرا شعرت بفشلها في استرجاعه وإثارة انتباهه. تيقنت ٲن مصيرها أصبح جزء من الماضي، تحول حبها له إلى كراهية، كراهية رائحة الخمر التي تنبعث منه كلما دخل إلى المنزل. تحاول اخفاء الحقيقة على ابنائها، لا تريد أن ينتبهوا إلى حالة ابيهم.
أين يقضي جل لياليه؟ سؤال تحاول تجاهله لأنه يخيفها. ابتداءا من غروب الشمس يكتسحها احساس باقتراب مصيبة ما. مازالت وفية لحبها له، هو الأول من احبت، هو أب أبنائها وهي عازمة على أن تفعل كل شيء لاسترجاع حياتها الزوجية التي فقدتها منذ مدة. ظل الأمل يغامر ها إلى صبيحة يوم الأحد من اول يوم رأس السنة الميلادية الجديدة. كان صباحا باردا في يوم شتائي صحو، انخفضت فيه درجات الحرارة منذ الساعات الأولى من النهار. لا آفاق للمطر في ظل هذا الجو البارد القارس الآتي من الشمال.
فجٲة، سمعت سعاد، طرقات على الباب الخارجي، لأول وهلة ظنت ان الطارق هو زوجها. كعادتها هرعت مسرعة لفتح الباب تجنبا لصراخه. في مثل هذه الساعة يعود من ليلته الساهرة المخمرة، ليتوجه بعد ذلك إلى فراشه لينام. لكنها فوجئت، وهي تفتح الباب، بوجود ثلاثة عناصر من رجال الدرك الملكي، لاحت معالم الحيرة على وجهها ونبضات قلبها تدق في صدرها بصوت مسموع كانه طبول الحرب معلنة عن اندلاعها، احساس لم تعرفه أبدا. بدت كما لو كانت ستصرخ لكنها ظلت واجمة، لم تخرج الصرخة من فمها، بل ولو كلمة لم تتسرب عبر شفتيها، تنهدت تنهيدة كبيرة وسقطت للوراء على الٲرض، فقدت وعيها، حملت إلى المستشفى. حينما فتحت عينيها، وجدت نفسها محاطة بكل ٲفراد العائلة التي ٲتت لمؤازرتها في محنتها. اجتمع في الغرفة كل من ٲبنائها وامها وعائلة زوجها. تذكرت ما وقع لها، أخبروها بأن زوجها بين الحياة والموت إثر حادثة سير وقعت له في الصباح الباكر من يوم الأحد، اليوم الأول من السنة الميلادية حين كان عائدا من الملهى الليلي من ليلته المخمرة برفقة أصدقائه احتفالا برأس السنة الميلادية، حالته محرجة ، فهو في خطر، دخل في غيبوبة. اثنان من أصدقائه فقدوا الحياة. قامت سعاد لتصلي صلاتها ثم نهضت من مكانها. يا لها من قوة ذهنية تمتلكها هذه المرأة، علمتها المآسي اليومية النظر إلى الامام والاعتناء بأبنائها.
لم تترك للغضب مجالا للاستحواذ على فكرها، توجهت بطلباتها لله تعالى بالدعاء لزوجها المريض.
” فقدته منذ زمن طويل، منذ ان هجرني ليرتمي في حضن امرأة ٲ أخرى”. هكذا خاطبت الحاضرين من أهلها وأقارب زوجها. ٲردفت قائلة” أما عن تصرفاته ومعاملاته، اتركه لله عز وجل القادر على كل شيء” تابعت قائلة “الحمد لله هذا نصيبي في الدنيا ” ختمت كلامها بقولها” لي أبناء يستحقون الرعاية مني” رددت كلامها هذا على مسمع الحاضرين ثم قامت لتدبر أمور عائلتها، ٲ ضحت الرجل والمرأة في بيتها، لا حيلة لها على ذلك، أصبح زوجها طريح الفراش تتحكم فيه آلة متحركة، عاجز عن أبسط حركة أو النطق بجملة مفيدة.
إبراهيم عبد الكريم.

قراءة نقدية / سعيد فرحاوي / قصة ” حنين ” لحسن العلوي ” /

شكرا أخي و أستاذي الشاعر و الناقد سعيد فرحاوي على هذه القراءة التحليلية لقصتي القصيرة ( حنين ) ..
كل التقدير و الإمتنان أخي الكريم ….

يقول الأستاذ سعيد فرحاوي :

حسن العلوي في سرد جعل من الزمن الماضي قيمة مهيمنة؛ وخاصية بنائية على اساسه ينبني الحكي وتتطور خصائص الحكاية.
قصة بلا عنوان؛ بطلها شخصيتين محوريتين شاء القدر أن يجمع بينهما عند بائع الخضر. في لقاء مجهول ؛ تحكمت فيه ارادة الصدف ليلتقي بنعيمة؛ المرأة التي تحول حالها؛ طبعا عبر الذاكرة سيتم استرجاع الماضي؛، ليتطور الحكي وتنمو اساليب القصة؛ ،من خلال صوتها تمكن من معرفة هويتها؛، وهو اسلوب سردي له وظيفته؛ لان الشخصيات تعرف إما بسماتها او بأفعالها التيماتيكية. عندما يقول لغزالة نعيمة؛ كما قال نعيمة اسطاتية؛ كلها ستشكل احالات مفيدة ودالة ستفيد في معرفة ان العمق الرابط بين الشخصيات هو عميق و عميق التجدر في ماضي قوي كان يجمع بينهما. بناء على عامل الشخصيات؛ وفعل الاحداث؛ ستتطور الحكاية بتمفصل الزمن على ثلاث واجهات:
الزمن الحاضر: زمن اللقاء الفجائي عند بائع الخضر.
الزمن القادم او المستقبل: زمن عقد موعد للقاء قادم.
الزمن الماضي: هو الزمن المحوري؛ لانه سيشكل عاملا مهما؛، به تتطور الاحداث؛ وفيه تؤسس القصة. برمتها..
في كل تحول زمني تتحول عناصر الحكاية الا الشخصيات يبقيان هما معا الحاضرين عبر كافة الافعال؛ كما يلعبان بشكل مستمر في كل الازمنة ادورا عميقة في بنية السرد. الا ان المميز هنا هو ان احدى الشخصيات ستلعب عدة ادوار؛ من جهة انها شخصية وفي نفس الوقت تؤدي دور الحاكي او السارد؛ مما يجعلنا نقابل السارد الشخصية؛ لانه يقوم بدورين متداخلين؛ مما يسهل عليه التقاط الاحداث بكونه طرفا مشاركا فيها؛ لايقدم لنا معلومات جاهزة و لا يعرفها؛ لانه حاضر بقوة في كل مراتب الحكي. لعبة الزمن بنائية؛ نجد السارد /الشخصية ينطلق من الان في علاقته بشخصية اخرى شاءت الصدف ان يلتقيا بعد غياب طويل؛ فيصبح الان نقطة الانطلاق في الحكي؛ وفي تحديد البرنامج العام الذي يحكم القصة برمتها؛ فيتفقان على لقاء في المستقبل؛ فيناقشا الماضي الذي أصبح الموضوع السردي في قصة حسن العلوي ككل . هذا الاخير سيحضر بشكل متأخر؛ لانه سيشكل اساس القصة. كل زمن يتطلب لغة خاصة به؛ المثير هنا هو اعتماد اللهجة الدارجة استجابة مع طبيعة الحدث؛ كما يعمل ان يخلق انسجامها بين ضفاف الحكي وطبيعة الشخصية؛ في تعاملها مع موضوع النقاش. مرة نجد الدارجة؛ مرة اخرى الفصحى؛ يستعمل هذه الاخيرة عندما يريد ان يتحرر من الحوار؛ كما ان الامكنة تختلف؛ على الشكل التالي:
الزمن الحالي–المكان__السوق.
المستقبل–المكان–المقهى.
الماضي–المكان متنوع ومتعدد.
طبيعي ان يكون هذا الاخير بالصورة التي رآه بها القاص؛. لانه مكان غير مستقر في زمن متعدد؛ لذلك فالزمن والمكان والافعال السردية؛ كلها عوامل تتطور وتختلف. وتستمر ؛ ليتحرر المكان وتتحول الاحداث وتتفاعل الشخصيات؛ ويبنى الفعل السردي مكسرا لغته المنطقية المعتمدة على نمط واحد لايترك حرية التنفس للشخصيات التي تسعى الخلود والاستمرار في الحياة.

سعيد فرحاوي/الصويرة(07/08/2020 يقول : ~~~~~~ حنيييييييييييييين العلوي ~~~~~~

وبينما هو يساوم ما يعرضه أصحاب العربات المجرورة من خضر التهبت أسعارها ، حارقة كشمس هذا الصباح الصيفي ، درجاتها في ارتفاع متزايد ، لا تنبئ عن انفراج ؛ اخترق أذنيه صوت نسائي يستفسر ، التفت ليسترق نظرة ، فإذا بعينيه تقع على امرأة في عقدها الخامس ، تقاسيم وجهها لم تكن غريبة عنه ، حاول نبش ذاكرته عله يهتدي إلى خيط يساعده فك ماض تشابكت صوره و ذكرياته ، لم يلو على شيء ، لم يعر للأمر اهتماما ، فانغمس ينتقي ، غير أن نبرات الصوت عاودت فضوله .. استدار هذه المرة .. تقاطعت نظرتاهما .. أحس بارتباك ، فأخفض عينيه خجلا .. بادرته :
— شفتك ماشي على برجك .. ياك شي باس ما كاين ..
— لا .. والو يا لالة .. غير تشابهتي ليا مع واحد لمرا كنت تنعرفها شحال هاذي …
أرسلت ضحكة طويلة أثارت انتباه جميع من في المكان ، ضحكة أدكت الحيرة في نفسه ، و حركت شريط ذكريات الماضي الدفين : 《هاذي ضحكة لغزالة نعيمة و ما يمكن تكون ديال غيرها 》قال في نفسه .. و قبل أن تسترسل في سؤاله ، فاجأها :
— ماشي انت نعيمة السطاتية !!؟؟
— السارجان الميلودي !!!! عرفتك من النظرة الاولى .. ما تبدلتيش كثير …
حقا صدق من قال ( ديرها ف الرجال و ترجاها و ديرها ف النسا و لا تنساها ) ، ذاكرة النساء أقوى … لم يتحدثا في طريقهما عن واقع الآن ، مرارته و عصيانه ، فما بقي في القلب مكان للمواجع ، بل لمحا فقط لوحدانية تأكل مضجعهما ، فضربا موعدا للقاء مساء يحييان فيه أياما جميلة راحت …
دخل كل بيته الصغير ، و أعد ما يسد به رمق جوع أقسم أن لا يفارقه ، في ظل سياسة لا داعي لاجترار مآسيها و نكباتها ، مادام الجميع يكتوي من نارها … حلق دقنه و أخفى شعره الأبيض بصبغة سوداء اشتراها من عطار ، و ارتدى بدلة شاركته المناسبات التي حضرها طيلة العشرين سنة الماضية ، و صب عليه عطرا رخيصا ؛ أما هي ، فاستحمت بعد أن صبغت ضفائرها بدهان لونه أقرب إلى البني منه إلى الأشقر ، و اكتحلت ، و صففت رموش عينيها ، و أرخت شعرها ، و ارتدت جلبابها الوردي الذي لم ترتديه لأكثر من حولين كاملين …
التقيا في المكان و الموعد الذي حدداه ، كانت لحظة اللقاء حارة ، و الشوق باد من خلال عبارات الترحيب التي تكررت بينهما . انطلقا في خطوات متثاقلة ، يمسكان بيدي بعضهما .. دلفا مقهى من المقاهي المصطفة بالشارع المقابل لمحطة القطار .. طلب كأس قهوة سوداء و لها عصير برتقال بارد .. حدق فيها و أطال ، كأنه يقرأ فنجان عينيها ، تاه بين تقاسيم وجهها كزائر آثار يستكشف آخر ما تبقى من معالمه ، قص شريطا بدأت مشاهده ترسم و تتراكم في مخيلته ، صوتها و هي تقول له :
— فين سرحتي يا السرجان الميلودي ؟؟
— عقلتي على ذيك ليام !!؟؟ .. كانت زينا عمرها ما تعاود ..
— و علاه كاينة شي حاجة زينة كتعاود !!؟؟ .. للي فات مات و حنا معاه …
— باقي كتغني و تشطحي يا نويعيمة .. يا زينة الفلجة و التبسيمة !!!!؟
— هههههههه .. باقي يا الميلودي .. بالليل نغني همي و ألامي و نبات على موال مرضي و سقامي ، و بنهار نشطح بين سبيطار و فرماسيان محزمة بميكا عامرة بوراق التحليلات و دوا ما لقيت لو ثمان …
— غير نساي يا الزين .. كلنا بحبل الهم مكثفين .. و في شركة وحدة مزلعين …
ينقلها إلى ماض كانت فيه سيدة مقامها ، أيام كان الكل يشتري ودها ، و يغدق عليها ليحضى بلحظة ينال رضاها ، أيام الحفلات الصاخبة عند الذوات ، حيث كان صوتها يلعلع المكان و رقصها يفتن العيان .. ذكرته ليلة تعرفها عليه .. وقتها كان شابا قد عاد لتوه من الصحراء ، جنديا على الحدود يقاتل خونة الوطن و دعاة الإنفصال ، حصل على تصريح ليحضر مناسبة زفاف ابن عمه من ابنة رئيس المجلس القروي . يوم أنقدها من ابن شيخ القبيلة الذي عاث في الحفل فسادا بعدما عربد و هدد . توالى سجل الذكريات بينهما ، كل يروي أبهى و أجمل اللحظات التي بقيت راسخة في خلده .. بعدما سرقهما الحديث و أعياهما الجلوس ، دعاها لجولة على الأقدام ، فمنذ زمن بعيد لم تطأ قدماه هذه الأماكن .. كان الجو حارا جدا كأنه يشاركهما حرارة حنينهما ، و هما هائمان ، هبت ريح شديدة تعالى معها غبار كثيف ، لمع البرق و دوى الرعد ، و أرسلت سحب السماء الركامية زخات عاصفية قوية أفسدت عليهما رومانسيتهما .. لم يلجآ إلى ملاذ يحميهما ، حتى ابتلا .. نظرا إلى بعضيهما و استرسلا ضاحكين .. كانت خيوط سوداء تغطي و جه الميلودي ، و مثلها بنية وجه نعيمة ….
الشيب و تجاعيد الزمان لا تخفيها مساحيق كشرخ البنيان لا يستر عيبه تبليط و لا ترميم ….

قراءة نقدية بقلم : سعيد فرحاوي / المغرب

عبدالعزيز برعود في قصيدة وراء المابين يشق كينونة الزمن في اعطاب مكان بلا ملامح؛ بحثا عن هوية وجود لم ينولد بعد.
هي احلام مؤجلة في وطن شاعر ؛ يكتب مرثيته صمتا متنافرا؛ فيجعل من المكان قبورا تسقي عطش الورود المنسية في زمن شاءه العبث رؤية في نسيم وراء المابين .
احلام عبدالعزيز برعود تحكمها اختيارات تتحول كلما شاء الشاعر ان يغير وسامة العالم بإرادة لا يعرف كتهها سوى رجل يتحرك بدون توقف؛ و بلا اشعار؛ هي احلام متسمة برائحة العتاب ؛ لان الرثاء في دوامة الكتابة سيصبح مميزا بثوب خاص؛ حدده الشاعر في اختيار الذين رحلوا ليصبحون صمتا في ذاكرة دائمة السيلان؛ محددا زمن الوداع الاخير وشما غير قابل للاندثار؛ كما جعل المكان شرطا في انكساراته الموزعة في لوحة البدايات؛ فيصبح الوجود في رؤية صاحبنا لحظة مخطوفة من عمر لم ينجل بعد. شاعر يكتب عن الاحتمالات بلغة الجنون ليعاتب القدر برثاء غير مألوف؛ يسبح في محيط العبور اللامنتهي؛ كما يحلم في حمق الالم المسافر في وجدان الروح؛، فتتحول الحكاية برمتها عمقا في رحلة البحث عن الامل المنتهي؛ مما يجعل من القصيدة في نظرة الشاعر ملحمة تشق غبار الفردس المموه بجنات تخفي نسائم الجحيم المتشظي؛، لذلك سماها وراء المابين. هي في الاصل محددة مكانيا؛ بالضبط في مجرة الوراء؛ بالذات في المابين؛ منا يجعلنا نختار التاويل وفق شروطه الجد دقيقة؛ ربما رأى العمق في الحياة متمركزا في دوامة الموت؛ كنهاية؛ والوجود كولادة جديدة؛ او الكتابة كشرط لبداية اخرى والقصيدة كنهاية جديدة تفتح افق بحث جديد؛ كما جعلنا نرى المتاهات بعين متأملة تخرج من مكان سفلي لتعلو بنا في واقع روحي ترونزيدونطالي؛ لا يرحم المادة؛ بصفتها معطى فاسدا غير قابل للخلود رالاستمرار؛ فتصبح الكتابة من زاوية نظر الشاعر عبدالعزيز برعود اسلوبا للصياغات من متظور فلسفي يشترط التمثلات والتأملات؛ فتنقلب المعادلة ؛ كما تقلب التصورات. لهذا ففي وراء/مكان الشاعر تنجلي الرؤيا؛ اما في عمق المابين تفتح الدائرة و يصبح كل شيء ممكنا. كلها حيثيات وجود زائغ؛ عابر ؛ ينتشي في زحمة امكنة متنوعة؛ مرة هي فردوس ومرة اخرى تتحول الى جحيم؛ فيصبح الالم دوامة في كل التحولات؛مما عجل عدة ولادات؛ تارة تكون الحياة حلما في الرثاء؛ ومرة اخرى يجعل من التيه والعبث رؤية لولادة جديدة؛ في الرثاء جحيم وفردرس وعبور اخر بحثا عن الم رحيم؛ اما الرؤيا هي هجرة نحو اللامنتاهي من احلام مزيفة؛ متشظية؛ وباهتة؛ هناك تتوزع شظايا ذاكرة منكسرة؛ تختفي الاضواء؛ كما يمتد بهتان الذهول و النسيان؛ تتلاشى الاصوات؛ يمتد الغياب حقولا في كل الافتقادات؛ يشيع الغروب؛ تسقط الارواح؛ فيصبح الأمل المفقود مقبرة في كل التجليات؛ لايتنفس الصبح؛ لا يببزغ المساء؛ يكثر الظلام؛ يعم الانكسار؛ والنتبجة الحتمية في عالم وراء المابين تصبح الاحلام تستحم بالنار؛ كما تطير العقول؛ يعسعس الليل؛ تغيب الذاكرة؛ تتلاشى الاصوات في نعيم الضياع؛ لهذا جاء وطنه متسما بغطاء خاص؛ سماه:
مرثية السفر الأليم:
في العبور الأليم
ما بين الفردوس والجحيم
ما بين علمين ولسانين
ما بين بحرين متنافرين
بحران لا يبغيان.
حقا يغلفهما الذهول..
لان الامل في تصور الشاعر هوغياب دائم في مكان مجروح؛ في امل مشروخ؛ في حلم لم يتشكل بعد؛ مادام الراجاء ليس سوى:
*رؤيا 1 :
رأيتكمو:
نوارسا هجرت بروجها(أبراجها)
هاجرت في ذاكرة المغيب
حينما انخسفت أضواءالمرايا ..
وانقشعت
أحلام على ضفاف الوهم
تستريح..
وأبحرت مراكب في زمن
مغرق في الأفول..
تتغير الوجهات ؛ كلما تتحول الرؤى؛ كما شاء القدر ان يجعل من الشاعر وجهة تخصه وحده؛ يرى العالم بصيغته؛ كما يحرك الارواح عندما يشاء :
رؤيا 2:
رأيتكمو:
أنوارا تخفت إذ عسعس الليل
أصواتا تتلاشى،بين لجج الضياع
والغياب
قبلما الصبح يتنفس
وتزهر لغة الحقول.
تتوقف المعاني والمباني؛ كما يتقطع الزمن ليصبح لحظات غير مرئية؛ لان الشاعر يبقى هو المحرك الفعلي لكل المتاهات التي يراها مناسبة لوطنه في حياة المابين؛ لان هناك تبقى الحياة مجرد:
*عبور:
من حدود الشمال
الى أقصى الجنوب..
عبرت قوافل التيه
تشيع الغروب
اما الزمن في رحلة المابين يبقى وسامة مليئلة بتقطعات ارادها الشاعر:
غذا المحيط مسقط الأرواح
والأجداث
مقبرة غزاة الأمل المفقود
اما الامل والرؤية والانشودة التي منها تتشكل الروح ؛ في نظرة برعود ليست سوى:
هي ريح الضفة الأخرى
هبت بالأصداء والأنواء
عصفت بعقول الطير
الكسير الجناح
غبش الرؤيا أعمى البصر
والنتيجة الحتمية التي شاءها الشاعر من كل توقعاته في حياة مرفوضة تبقى:
البصيرة
فاجتاحهم الموت الفجاء
كجراد الفيافي
فلولا..
فلولا..
فلولا..
اخرجهم من بصيرته؛ ليختار لهم مستنقعا يخصهم وحدهم عندما قال:
واستحالوا في اليم
كثلا مزقا
واستحالوا رمادا
في غياهب الفصول..
خرج منا ليعود الى نفسه؛ كما كتب عنا ليستقل بذاته في ذاته معلنا ثورثه الوجودية برحلة لن يتخلى عنها؛ مادام الغياب يشكل سوادا في كل اختياراته؛ لذلك ظهر النسيم في توقعاته محصورا في :
*رجفة:
مرجفين عند باب الله
وقفوا
على عتبات السواحل
مزملين بالأكفان
يرمقون منافذ الضوء
من ثقوب الليل..
وجلين كالقبرات
مستحمة أحلامهم بالنار
والرماد
بلون الأجدال والأماني
بعبق الأغنيات..
اصبح عتابه كله محصورا في عتبات الفراغ؛ كما ان كل ممشاه المتعالي في مسارات الكتابة جعل من نظرته للحياة:
*ظلال:
هم الآن نشيد العزاء
في مرثية البكاء
ظلال عبرت كالأشباح
في صمت التواطىء
أثقال أثلوا في قفر البيد
درائكا في مرمى الدبار
قراصنة الأحلام المؤجله
ربابنة المرافئ الموصدة
شاهدات لحود
على جبين الوطن
هم شجر العناد..
فتنتهي قصة الحياة في تاويل الكتابة الى :
*حلم:
أيها البحر الصراح
انا عبرناك حالمين
وما أحرقنا السفائن
وما غزونا المدائن
وما عدنا فاتحين
فلتنهض مواقف الذاكرة
من محراب وقتها
شجرا
أو عوسجا
أو صبارا
ولتزل كل بكائيات الطلول..
اما الامل ؛ كرغبة وكحلم سيتحول في طلب صاحبنا الى:
*دعاء:
أيها البحر الصراح
انا منحناك صولة طارق
وكسرنا البنادق
وأحرقنا البيارق
وأهديناك ثغر الحبيبه
فلا حول لفتوتنا السليبه
فامنحنا فيك فيء نوح
واجعل لنا في رحمك جسرا
للعبور
قد يكون ما بين الغياب
أو الحضور
أو يكون ما بين اللجة
أو القبور..
هكذا تنبني قصيدة وراء المابين؛ فترسم حدود وطن من سراب؛ تكتب الغياب قصة من رماد؛ كما تؤسس لنفسها زمنا متقطعا في تطلعات مؤجلة في احلام شاعر عابر في شرودنا. قصيدة تشق عنف الزمن؛ تحدد وسامة الحلم المجروح؛ فيصبح المكان مجرورا في دوامة الرجوع والوراء؛ اما المابين يفتح التأويل ليبقى كل شيء ممكنا في شعر يحاور الكينونات بكل التوقعات المفتوحة ؛ العابرة في شقوق كل التمزقات والانكسارات.

بقلم : فاطمة سعدالله / تونس

ماذا لو ولد القصيدُ بقيعةٍ ملساءَ؟!

أيّتُها الصّحراء..المسْتلْقيةُ أمامي..
مدًى..خاطتْه أناملُ
تعْشقُ الشمسَ..
رصّعتْه بما التقطتْه من سماء الفرح
من نجوم..
من غيوم..
ومطر…
هاهنا..ضربْتُ خيمتي العامرةَ
بحكايا الرحيل..
كم كانت تعْبقُ بشذا الهمس و..
قهْوةٍ عند الأصيل..
عند اجتماع شيوخ المصير
يرسمون حدود القبيلة
عندما..أهزُّ فنجاني
عندما..تطفو من قاع ..القاع
فقاعاتُ الذكرى
و..تسري في مفاصل الذاكرة
وشوشاتُ ضاربةِ الودع / الساحرة..

وذاك الصدى يمزّقُ وشاح البياض
عندما..أعانق هذا المدى يا صحرائي الشاعرة
أغوصُ…
أغوصُ في كلّ حبّةِ رمْلٍ حبلى دفءًا وعبيرْ
يخطفُ بصري ذاك البريق..و
ألامس جنينَ النور
ينمو..على جناح السفر..
كيْ..لا ينضب معينُ الضياء
كي..لا تصرخَ حنجرتي حافية الصوتِ
ويولد القصيدُ
خديجا..
سرابًا..
بقيعةٍ ملساء
كيْ..يمتدَّ كونك الشعري..أيّتُها الراحلة
بلا رحيل
أيتها الفيافي
كم حضنتِ من سوابح !
كم أطعمتِ من جوارح !
وأنا…
أغرسُ قدميَّ في لظاكِ
أصهرُ المسافات
أعجن طين الكلمات
وأرفع البصر صلاةَ
تماهٍ..واحتواء.

فاطمة سعدالله/ تونس (10/3/2018)

جماليات القبح / جائحة كورونا أنموذجا / بقلم : حسين عجيل الساعدي

جماليات القبح
جائحة كورونا أنموذجاً
بقلم/حسين عجيل الساعدي

﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
صدق الله العظيم
سورة لقمان/ الآية 11

الثنائية الضدية (بنية لغوية متقاطعة اللفظ والمعنى)، وظاهرة فلسفية، لها الظهور الأول كمفهوم في مجال الدراسات النقدية الأدبية للمدرسة البنيوية الحديثة، صيغ هذا المفهوم من قبل العالم اللغوي (فرديناند دي سوسير)، وقد ذهبت المدرسة البنيوية في رؤيتها إلى (إقرار الطابع الثنائي، والتركيز عليه وأعتماده أساساً متيناً لإقامة مجمل دراساتها)، وجوهر هذه الرؤية يكمن ب(الرؤية الثنائية المزدوجة للظواهر، للكشف عن علاقتها التي تحدد طبيعتها وتكونها، فهي تخلق التوازن والتآلف بين الصفات المتضادة أو المتضاربة)، “علي عبد الامام، الثنائيات الضدية في شعر أبي العلاء المعري ص41 و42”. فالثنائيات الضدية، منظومات ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ، فكرية، دينية، كونية، حياتية، متكاملة، ومتعددة، ومتباينة، ومن هذه الثنائيات، ثنائية (الجمال/القبح)، وهي بؤرة محورية جدلية قائمة، ومتجذرة في التاريخ الإنساني، تقوم على أساس من التناقض، تحمل في جوهرها عنصر التضاد بين الجمال والقبح.
وعنوان (جماليات القبح)، يحمل مفارقة، حين نضع الجمال والقبح في موضع غير موضعهما المتعارف عليه. فحضور الجمال والقبح معاً، جنباً إلى جنب، يبعث على الأستغراب، والنقاش في هذا يأخذنا إلى نظرية (جمالية القبح)، التي تطرح الكثير من الأسئلة الأشكالية، ومن هذه الأسئلة، كيف يفسر علم النفس أنجذاب الإنسان الى الأشياء القبيحة رغم ما تتركه في نفسه من نفور؟.
“سيجموند فرويد” الطبيب النفسي أول من ناقش الأنجذاب النفسي المبني على النفور، وأطلق على هذا الشعور بـ(Uncanny) والتي (تشير إلى الشيء الغريب أو الغامض الذي ينطوي على جاذبية غير مفهومة).
أن معنى كلمة (قبيح) في المعاجم العربية هو:(كُلُّ ما يَنْفِرُ منه الذَّوق السَّليم ويأباه العرف العام)، أو (ما يحقق نفوراً، وكمداً، وتقززّاً). أما في قاموس أكسفورد (الشيء المُنفر للعين، أو المنبوذ أخلاقياً من المجتمع، وغير السار)، والعكس ينطبق على كلمة (الجمال) لأنها:(صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النُّفوس سروراً أو إحساساً بالانتظام والتّناغم)، أو (ما يحقق للمتلقّي لذّة جماليّة).
مفهوم(جماليات القبح) من مفاهيم عصر الحداثة، تناولته الكثير من الدراسات الأدبية والفنية والنقدية، على أنه مادة جمالية مجردة. لأن القبح موجود في كل مكان، يتمظهر في الكثير من الظواهر والمواقف، فهو حالة وجودية وجزء من تكوين العالم الذي يقف الإنسان في مركزه. فالقبح رؤية نسبية مغايرة، تتغير عبر الزمن، وتبعاً لأختلاف البيئة المجتمعية.
الفيلسوف الإيطالي “أمبرتو أيكو” في كتابه (تأريخ القبح)، ينفي أن يكون القبح نقيضاً للجمال، بل يتخذ القبح وسيلة لإظهار الجمال، لأن هناك أشياء قبيحة تحمل في جوهرها مسحة جمالية. وهذا يخضع تبعاً لمستويات الثقافة العامة والأذواق الجمالية. فهناك من الشعراء والفنانين والفلاسفة من أنتصر لجماليات القبح، فكان لهذه النظرية حضوراً في الكثير من أعمالهم الفلسفية والادبية والفنية. وهذا الرسام الهولندي “فان كوخ” يقول: (إنَّ للأشياء القبيحة خصوصية قد لا نجدها في الأشياء الجميلة).
وإذا أردنا أن نخضع (جائحة كورونا)، متكئين على نظرية جماليات القبح، فأن هذه الجائحة تشكل تحدياً كبيراً للبشرية، وأزمة دولية، أمام عجز عالمي كبير وغير متوقع في محاربته للأوبئة، عندما ظنت البشرية بأن لها القدرة أن تنتصر، وأن تُهزم الأمراض والأوبئة. وإذا بها تقف عاجزة أمام هول ما تراه من عجز في مواجهة (فايروس) صغير مجهري، لا يرى إلا بأقوى المجاهر الإلكترونية، فايروس لا يعرف أي حدود جغرافية، ولا يميز بين دول عظمى وأخرى فقيرة، ولا بين الأعراق، ولا بين الأديان، ولا بين غني وفقير.
لقد كشفت جائحة كورونا هشاشة واقع الإنسان ومحدودية معرفته، وأوجدت واقعاً مؤلماً، تجاوزت تداعياته الآثار الصحية والاقتصادية، لتثير نقاشاً فكرياً حول منظومة القيم السائدة في العالم، ومؤشرة (أخفاق فلسفي في فهم ما تعنيه جائحة كورونا)، فهي (ليست “وعكة ثقافية”، ومناسبة “للتأمل الفلسفي”، بل هي تحدي وجودي خطير يواجه الإنسانية جمعاء).
أن جائحة كورونا خلقت عالماً جديداً في كل أبعاده وتصوراته وأنماطه الحياتية، لانها وضعت العالم أمام تحديات وأشكاليات روحية ونفسية، شكلت قلقاً وجودياً، وتهديداً للنظام العالمي الجديد المتمثل ب(العولمة) وألياتها الدولية.
نحن نعرف سلفاً أن العولمة نظام عابر للحدود والجنسيات والهويات القومية، تحيط به قوى مهيمنة على ألياته، أقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتقنياً. عمل هذا النظام على صياغة مجموعة من المكونات، شكلت إطاراً فكرياً وفلسفياً لثنائية (العولمة/المحلية أو الخصوصية).
أن الحضور المرعب ل(جائحة كورونا) شكل تهديداً حقيقياً ومباشراً للوجود الإنساني في كافة جوانب حياته، مهدداً بالأنهيار، أقتصاديات دول رأسمالية الكبرى، ذات إمكانات فائقة وعقول ومراكز بحوث ومختبرات ومستشفيات وغيرها. كاشفاً زيف النظام الصحي وضعف منظوماته في مواجهة الأزمات، واضعاً نهاية لأكذوبة النظام الصحي العالمي التي تتبجح به بلدان الغرب. لقد أطلق فايروس كورونا رصاصة الرحمة على النظام العالمي الجديد وعلى ألياته المعولمة، مما أحدث تغييراً في البنى الأقتصادية والأجتماعية والسياسية والنفسية والأخلاقية للمجتمعات العالمية، وإعاد النظر في رؤى هذه المجتمعات الفكرية والأيدلوجية. كما له تداعياته على الأتجاهات المادية والنزعات الإلحادية المنحرفة، وعجزها عن مواجهة الخالق، وقد عبر عن هذا العجز، رئيس وزراء إيطاليا “جوسيبي كونتي”، بعد أن شاهد الجثث تتساقط وتتراكم في شوارع بلاده، وعجز نظامه الصحي في أحتواء الأزمة، بقوله: (لقد أنتهت جميع الحلول على وجه الأرض .. الحل متروك للسماء). جاء هذا الأعلان بعد أن أغلقت بلدان أوروبا أبوابها، بوجه إيطاليا، فتولدت قناعة راسخة عند الإيطاليين أن التضامن والأنتماء الأوروبي المزعوم كان مجرد شعارات جوفاء ووهم لا وجود له في الحقيقة.
أما في الجانب الأخر من العالم يبرز عجزاً إنسانياً أمام كورونا، في ظل غياب تام لأمريكا – زعيمة النظام العالمي الجديد – عن المسرح الدولي وعدم لعب أي دور قيادي في مواجهة الوباء. وهي موطن العلوم الطبية الأكثر تقدماً ‏في العالم. فقد دعا الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب ” الأمريكيين إلى التوجه (للرب والصلاة) لحماية أمريكا من خطر فايروس كورونا. وكتب في تغريدة له على موقع “تويتر” أعلن فيها عن (يوماً وطنياً للصلاة) لحماية أمريكا ومنحها القوة لمواجهة فايروس كورونا، وقال: ( نتطلع إلى الرب للحماية والقوة في مثل هذه الأوقات). وتابع: (بغض النظر عن المكان الذي قد تكون فيه، أشجعك على الأتجاه للصلاة في فعل إيماني.. معاً، سوف ننتصر بسهولة).
أن السلوك الإنساني حتماً سوف يتغير، فعالم ما بعد كورونا لن يكون مثل ما قبله، سوف يشهد العالم عصراً جديداً يسمى (عصر ما بعد كورونا). وعليه، ينبغي أن ندرك أن مهما كان قبح فايروس كورونا، فأنه يخفي بعض الجمال، لأنه درس أبتلاء أو عقاب للإنسان، ليس فقط ليُعذب، وإنما ليُهذب، ويعود به إلى فطرته الأولى، انها الملجأ الوحيد له، وقد صدق من قال: (في كلّ جلالٍ جمالٌ، وفي كلّ محنةٍ لطفٌ ورحمةٌ).
أمام غطرست الإنسان وجبروته، جاءت الرسالة من أصغر كائن (فايروس)، ليبين للإنسان عجزه في حماية نفسه، وضعف قدرته أمام قدرة الله سبحانه وتعالى. فايروس جعل العالم يقف ضعيفاً، عاجزاً، مندهشاً، مذهولاً في مواجهته، محدثاً شللاً لحياة البشرية في كافة جوانبها. وفي ضوء هذه الرؤية، هل يمكن أعتبار فايروس كورونا عقاباً أو أبتلاءً إلهياً؟.
الإيمان نظام عقائدي، وحاجة نفسية للإنسان، للشعور بالأمان، فهو الإيمان بوجود قوى عظمى تسيطر على هذا الكون، وهذه رغبة غريزية، وملاذ آمن لدى الإنسان الباحث عن الخلاص والطمأنينة. وفي خضم هذا القلق المتزايد من فايروس كورونا، يمكن أن نفسر هذا البلاء على أنه قدراً محتوماً ورسالة إلهية ليتوقف الإنسان برهة من الزمن عن غيه، ويرى ما صنعت يداه.
﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ﴾، التوبة/118.
هناك من يريد (أسلمة) الفايروس وجعله عقاباً يخص غير المسلمين، وكأن المسلمين في منئاً عنه، بل هو -فايروس- حطم غرور الإنسان وأظهر ضعفه ووهم شعوره بالقوة، وأدهش مراکز الأبحاث العلمية في كبرى المختبرات العالمية، محدثاً تخبطاً سياسياً وأقتصادياً ونفسياً وصحياً، كاشفاً بؤس النظام الصحي العالمي، مزعزعاً الكثير من القناعات الفكرية والعقائدية لدى الإنسان. فرغم كونه مرض قاتل ووباء أرتقى الى مستوى الجائحة، فأنها فرصة ذهبية أن يقف العالم بأسره، وقفة تأمل لوجوده ومصيره، أنه وخزة للعقل والضمير البشري ولكنها وخزة عظيمة في محتواها، على الإنسان أن يعي درسها، ويتوقف عن طغيانه وغطرسته وظلمه وغروره.
وعلى ضوء ذلك، رب تساؤل يطرح، هل يمكن أن نتصور شكل العالم ما بعد جائحة كورونا؟
لقد كتب الكثير من محللين عن جائحة كورونا وربطها بالعولمة، وتأثيراتها، وذهبوا في القول إن النظام العالمي في ظل جائحة كورونا يبدو هشاً، وأنها القشة التي ستقصم ظهر العولمة، وتكتب نهايتها. بعد أن غيرت المقومات الحياتية في العالم، ونهشت أسس نظام العولمة، وأعادت هيكلتها، التي حسبته البشرية أساساً متيناً عصياً على الأهتزاز، كاشفاً عن مدى هشاشته. لقد أحدثت جائحة كورونا تغييرات كونية حتمية، ووجهت ضربة موجعة إلى الاقتصاد العالمي، وهزت أركانه، وأغلقت أجواء وحدود بلدان العالم في مشهد دراماتيكي سريالي لا يمكن أن يتخيله أحد في زمن العولمة، فلم يعد العالم (قرية صغيرة) كما توقع “مارشال ماك لوهان”، وإذا العالم بين ليلة وضحاها تقطعت أوصاله، وأصبح عبارة عن جزر متباعدة ومتفرقة ومتنافرة ومنغلقة على نفسها. فلم تعد حدود الدول مفتوحة، بل أغلقت تماماً، وتهاوت الأسهم في البورصات، وتراجعت أرباح الشركات المتعددة الجنسية ووو. فقد أكد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، أن جائحة كورونا في العالم، (أظهرت نهاية عهد العولمة). أما الملياردير المجري الأمريكى “جورج سوروس” أكد (أن هناك شيئاً واحداً فقط مؤكداً بشأن عالم ما بعد الوباء: لا عودة إلى العولمة، فيما عدا ذلك كل شىء محتمل).
ومهما قيل عن فايروس كورونا كونه (صناعة بشرية) أو (رسالة إلهية)، فهو يبقى رد فعل إلهي على الخواء الروحي للإنسان وطغيانه المادي، وأنكاره البعد الغيبي في الحياة، وأعلان حداثته (موت الإله). خاصة الغرب فهو في حالة من أضطراب نفسي، وفراغ روحي، بعد أن أنهكه طغيان المادة، حتى بدأ يشعر بظمأ روحي، فليس الذي ينقص البشرية اليوم الرفاهية المادية والوفرة الإنتاجية، بل هو التوق إلى الرحمة والعدل الإلهي، وإلى الإيمان بالقرية الآمنة التي أشار القرآن الكريم إليها: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ﴾، فكفروا بأنعم الله، كما عبّر عنهم القرآن:﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾. النحل/ 11.
حين يتأمل الإنسان كينونته، ويتساءل مع نفسه، من هو؟ من أين أتى؟ ولماذا خلق؟ وإلى أين مصيره؟ ومن يكون أمام قوة قاهرة تسخر أصغر مخلوق تجعله هباء منثوراً؟.
حتماً سوف يصل إلى إجابات مقنعة بعقله وقلبه وفطرته. لقد أحدث فايروس كورونا زلزالاً روحياً، هز به فطرة الانسان في أعماقه، بعدما تشبعت روحه بقضايا المادة، ومعارفه العقلية، تسبب في أحداث ضموراً روحياً له. فعلى العالم أن يتجه الى إعادة قراءة خارطة أفكاره العقلية، وتوجهاته الروحية وتنظيم افكاره الحداثوية، التي صحرت الجانب الروحي لديه. نعم أن جائحة كورونا ستترك آثاراً بعيدة المدى في سلوك ونمط التفكير البشري قبل غيرها من الآثار الأخرى.
أننا أمام هذه الأزمة الصحية بحاجة ماسة أن نؤمن، أن حلول السماء، آتية لا ريب في ذلك. (سُبْحانَكَ يا لا اِلـهَ إلاّ اَنْتَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ)، لترفع عنا هذا البلاء.

قراءة نقدية بقلم : ذ . سامية البحري / تونس

الباحثة الناقدة الأستاذة سامية البحري /تونس
تكتب عن قصيدتي . .
مطولة ( حسين مردان أمام القاضي)

الفياض يكتب عن رجل الضباب ورائد الصعلكة وصاحب القصائد العارية في زمن كانت الكلمة ترتدي نقابا …
حسين مردان …ويتحدى النقاد بمطولة تثير الجدل :
هل الفياض يؤسس للقصيدة المثقفة /النخبوية؟؟؟؟؟
الإهداء :
في بداية التكوين كانت الكلمة …
وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم. .
إلى الذي قال في سنوات الضياع والتشرد
“لن أحترم العالم مادام هناك طفل واحد منكسر العينين “
إلى شاعر التمرد ورفيق الفاقة والخصاصة وسيد الأنفة والكبرياء
إلى بودلير العراق حسين مردان. ..


1_ في مستوى بنية النص الشعري
العنونة _عتبة إلى المتن
للعنونة الوزن الذي يليق بها في النص الشعري الحديث
فهو يختزل المتن ..ويضيء الدروب نحو مسالك النص ومنعرجاته
وهو النص المختزل/أو النص القصير مقابل النص الأصلي الذي يرد في المتن
في هذا النص الشعري يستوقفنا العنوان الذي جاء على مراحل ثلاث
1_الاستعداد: وسم هذه المرحلة ب (مطولة )
دفاع حسين مردان أمام القاضي
وذلك لربط صلة بين طبيعة النص والقارئ /المتقبل
الذي يجب أن يستعد نفسيا وذهنيا للنص لاسيما أننا في زمن السرعة والابتكارات العجيبة والمصطلحات المربكة
كالهايكو..الومضة ….والقصيرة والقصيرة جدا..والجملة ..وربما سنكون في قادم الأيام أمام القصيدة الكلمة ….وهي مخترعات تنتظم ضمن توجه ايديولوجي واستعماري مبرمج …
وليست بريئة ابدا …وهذا باب كبير. …
وقد اعتقد البعض أنه قد ولى زمن القصيدة المطولة..وهو اعتقاد واهم …مردود على أصحابه. ..وهذا ما افرز قارئا مختلفا بالضرورة …
وقد أعد الشاعر الأسباب لنصه حتى يستقطب القراء
فهو محاكمة تجري أطوارها في محكمة
وهذا يتطلب الاستماع والتركيز والضبط والاصغاء إلى أصوات مختلفة
2_الدفاع :
النص الأول وهو نص مطول ..يختزل ملامح مردان الفكرية والثقافية والفلسفية والاجتماعية. .
وقد نجح الشاعر الفياض في رسم ملامح شاعر التمرد والصعلكة والفاقة والكبرياء بلغة شعرية ونسق شعري بعيد كل البعد عن النسق الاخباري المقيت أو السردي الممل
وهنا تكمن حنكة الشاعر ودوره في بناء نص شعري في شكل محاكمة تجري أمام القاضي وفي المحكمة
والطريف أن يجعل المتهم نفسه هو الذي يجري هذه المحاورة وهو الذي يتولى الدفاع عن نفسه فاسحا المجال له ليقول ما لم يقله في حياته. .أو ما لم يسمح له بقوله ربما أمام القاضي
وهي تقنية فنية ساعدت على إعادة الاعتبار لشاعر انهكته الحياة وفتك به المجتمع ..
وهذا القسم يحتاج إلى دراسة معمقة وبحث دقيق لضبط خصائصه المختلفة ..
3_ القرار :
وهو على لسان القاضي
الذي يضرب بمطرقته جبين الزمن ليعلن عن خطاب يقف حجة على عدل هذه المحكمة
وهذا انتصار من نوع آخر لصورة القضاء في هذه المحكمة
وهو تصور ينهل من واقع الحادثة أولا، ثم ينهل من رؤية استشرافية تفاؤلية تحمل رؤى جميلة ومشرقة حول القضاء في علاقته بالإبداع أو بالنص الإبداعي..
فلا ننسى أن الشاعر يمثل أمام القضاء بسبب مجموعته الشعرية “قصائد عارية ” والتي حوكمت على أنها تتعدى على المنظومة الأخلاقية والقيمية الجماعية
ما نود الإشارة إليه أن النص في مستوى البناء والعنونة والتشكيل الفني هو رؤية جديدة مختلفة
جاءت في قالب مشهدية عالية ..إذ نعثر على جملة من المشاهد المختلفة التي يمكن تصورها وتتبع اطوارها ..
وقد استدعى الشاعر كل مقومات التصوير السينمائي من حركات وأفعال وأبعاد نظر مختلفة ..
وقد نأى الشاعر بنفسه بعيدا ليقف مع المتفرج جنبا إلى جنب
رغم أنه هو الذي يدير كل الأحداث من خلف ستار
وهذه إضافة مبتكرة تحتسب للشاعر لاسيما أن الشعر يرتكز أساسا على الوظائف الثلاث وهي
الوظيفة التعبيرية حيث يتجلى الأنا / الشاعر معبرا عن مشاعره أو مواقفه أو رؤاه بتوظيف ضمير الأنا / المتكلم الوظيفة التأثيرية حيث يسيطر المخاطب / الانت للاستمالة وتحقيق المآرب
_ الوظيفة الجمالية وهي متعلقة بالنص في جوهره
وهي وظيفة لا يمكن أن يتخلى عنها الشعر مهما اختلفت الاحقاب
لأن الخطاب الشعري يبنى على تلك الجمالية التي تصنعها جملة من العلوم المختلفة كاللغة والبلاغة بكل فروعها والايقاع وصناعة الصورة الشعرية
والنص الذي بيننا قد التزم هذه التقنيات بما يخدم شكله ومضمونه ومقاصده ..(دراسة الجملة الشعرية نموذجا)

2_ بين الدفاع والقرار نص عميق كالمحيطات وتلك البحار


في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ هذه الامة المنكوبة ..وفي هذه اللحظة بالذات وأنا أمسك بالقلم لأكتب عن هذه التجربة الشعرية التي زادت يقيني أننا مجتمعات غارقة في الوحل منذ زمن ..
في هذه اللحظة يهرب القلم ..وتفر الكلمات ..
كم من الوجع ستختزل ذاكرتك أيتها الناقدة العجيبة
كم ..وكم ..وكم….!!
ربما يقتلك يوما كل هذا الوجع الذي يستوطن ذاكرتك ..
وتجارب فتك بها زمنها تستوطن رأسك الصغير ..وقلبك الشاسع كما السماء ..
وأعود لألملم كل ما تشظى داخلي ..عبر أحقاب و أحقاب..
ما أشد أن تحيا في زمن تكلس المشاعر لتكتب بمشاعر تحرق لو أطلقت أنفاسها كل ما هب ودب ..
تجارب إبداعية كثيرة أحرقت كل أوراقها قبل أن تكتمل وتبلغ عنان السماء. .
تجارب مضت غريبة ..وماتت في عزلة ..طحنتها يد الفاقة حد السحق..ونالت منها الجماجم الخاوية حد العظم
فما أكثر مصائبك يا أمتي وأشدها حرقة نكبتك بأيادي أبنائك …….!!!
حسين مردان ….!!
لا يعرفه أصحاب القصور والموائد الفاخرة ..لكن تعرفه طرقات بغداد وأرصفة الشوارع ..وقع خطاه لا يزال يعزف فوق تلك الأمكنة
الأمكنة بذاكرة لا تعرف النسيان
هلا سألت تلك الشوارع حيث مشى بحذائه المثقوب وهو يبحث عن ماهية لتلك الأشياء حوله ..!!
تلك الحياة البائسة سرقته منه
وزرعت في روحه اشواكا وسكاكين…
فثار على كل الخطوط المستقيمة..تلك التي تخدع العين والنفوس ..وهي لم تكن مستقيمة ابدا ..بل كانت تخفي الاعوجاج في أغوارها. ..
تمرد على القيم والمألوف..لأنها وهمية ..زائفة..بلا روح ..
ظالمة حد سلخ الجلد وهو حي يسعى …
قال ذات قصيدة وهو يدرك ما يقول
هذا أنا رجل الضباب ومن له
في كل موبقة حديث يذكر
هذا رجل الضباب يعلن عن نفسه ..ويحدد هويته بلا خوف ولا تردد
وكيف يعرف الخوف من عاشر الليل وسرى في الظلمة وألف العفاريت والاشباح والأصوات من كل الاتجاهات ..
وكيف لا يعرف تلك “الموبقات” وقد خبر دهاليز الليل ..؟؟
وهذه الأرض بوجهين
وجه للعتمة..ووجه للنور
وما يحدث هنا ..لا يحدث هناك بالضرورة
ذلك هو الشاعر المتشرد الذي استطاع أن يرى الوجه الآخر للحياة
وأن يراه بوضوح شديد ..
هذا الشاعر اللغز ..الذي لم يفهم ذاته ..ولا يمكن فهمه خارج السياق الذي أنتجه ..
وهو القائل ” أنا في ذاتي سر مغلق لا أرى في الناس من يفهمني ..
مثلما جئت سوف اذهب لغزا يحتويه الغموض والكتمان “
بيد أنه بالنظر في النص الشعري الذي سعى إلى إحياء ذكرى هذا الشاعر ..المتشرد ..الغامض ..حسين مردان ..
يمكن الاقرار أن الشاعر السومري عبد الجبار الفياض
استطاع أن يقارب تلك العوالم الخفية الغامضة لمردان، بالنظر في توجهاته الفكرية والثقافية والفلسفية
فالرجل لم يأت من فراغ ..
بل جاء محملا بقناعات مختلفة المصادر والتوجه ..
ونذكر بعضها مثلا الياس ابو شبكة إذ جاء ملدوغا من أفاعي أبي شبكة لما أطل على مشارف الفردوس
وأصابته عدوى التمرد والتحدي لما أستنشق “أزهار الشر ” لبودلير وأينما ولى حرفه ثمة عوالم تستفزه ليكون على ما كان عليه …
يخرج من جحيم دانتي ليعود إليه. ..
وهي مصادر حركت ذاك المارد القابع في أغوار هذا الشاعر ..الهارب من الحقيقة. .وللحقيقة وجوه مختلفة ..
لذلك كان لابد من التمرد الصارخ ضد كل المقدسات ..وأولها صورة الأم. .أو المدرسة الأولى في الحياة. .
ولابد لفهم هذا التمرد ووضعه في مواضعه فهم خصائص الخطاب الشعري عند هذا الشاعر المتمرد ..
فالنص عنده نصان/ نص ظاهر ..مربك ..صادم ..
ونص باطن يضع الحرف على الداء ..
لذلك لقي مواجهة شديدة من مجتمعه الذي وقف ضد أفكاره إلى حد محاكمته بتهمة الإخلال بنظام الأخلاق العامة ..
ولعل أكبر صدمة يمكن أن يتلقاها القارئ العادي ..الذي ألف نظاما معينا تسير عليه المنظومة الأخلاقية والقيمية المشتركة. .
حين قال :
قد رضعت الفجور من ثدي أمي
وترعرعت في ظلام الرذيلة
وهنا يتضح تأثره الشديد بالشاعر الفرنسي شارل بودلير في مجموعته “أزهار الشر”
ولفهم هذا الخطاب الشعري لابد من فهم كل متطلبات المرحلة التي أنتجته..وفهم خصائص المدرسة الفرنسية التي ينتمي إليها بودلير والذي كان له الأثر الكبير في تجربة مردان….
فصورة الأم مثلا _تقرن بصورة الحياة عموما وليست هي الأم في المعنى الضيق …
وهو ما يستجيب إلى العنوان الذي وضعه لكامل المجموعة “قصائد عارية “
فحتما عندما تمشي القصيدة عارية في شوارع التوحش والقيود والفتاوى الفتاكة ..ستحدث رجة عنيفة ..وتشعل بركانا
تماما كالأنثى..وقد نضت عنها الثوب لتغتسل..فلما تسربت إليها العيون الخبيثة من الثقب ..كانت الطامة الكبرى. ..
أو ليست القصيدة أنثى …وقد تسربلت بالجمال والنقاء والضياء …؟؟؟
وهنا تكمن القضية الرئيسة وهي محاكمة الإبداع. .محاكمة النص الذي خلق ليكون حرا. .
ولا يقبل بالأسر والقيود أبداا
فكيف إذا كان هذا الشاعر قد كرع من ينابيع الحرية وجالسهم..وسهر معهم الليالي ومشى معهم في تلك الأزقة الخاوية الباردة ..من جان بول سارتر إلى باولو نيرودا.. إلى بودلير. .ومن سار على نهجهم…
في تربة لا تعترف بالقمم. .. بل لا ترنو إلى ما وراء السحاب ..فقد تعودت على الإنحناء. .تمشي مكبة على اوجاعها وماضيها المحمل بالمآسي..وحاضرها المشروخ..ومستقبلها الضبابي …
تلك هي مأساتنا منذ زمن بعيد ..لكأن التاريخ لم يتزحزح بعد ..
وهنيئا لمن استطاع أن يكون ما يريد ..في زمن يقتل فيك الإرادة والأمل والتفاؤل . ..
إلى كل الأحرار. .تحية إجلال واكبار..ماتوا ..و ما ماتوا..رحلوا وما رحلوا ..بل هم خالدون
رددوا معي ما تركه هذا الشاعر الذي أعاد للصعلكة قيمها واصولها التي نشأت عليها في الجاهلية
“أحيا عاريا بينما تحيا ساترا ذاتك بألف قناع”
وما أقره هذا السومري في جملة شعرية تختزل النص برمته
وهي سمة تميز نصوص الفياض
“حفر الجرذ منازل رخيصة ..!!”
وما أكثر الجرذان في أمتي!
وقد اعتلت الكراسي المريحة لتمتص عيون الوطن
تقديري الكبير لهذا النص الكبير
وللشاعر الكبير رائد المدرسة الجديدة في الشعر العربي السومري الفيلسوف عبد الجبار الفياض
شاعر النخبة..والمنابر العلمية الأكاديمية
وهذه مفارقة كبيرة ..أن نكتب عن المهمشين والمسحوقين
وكل من مشى في أزقتهم بلغة أكاديمية مشفرة
ونص موغل في التخصص
وهي سمة القصيدة الجديدة ما بعد الحداثة ويمثلها الرائد الشاعر الموسوعة عبد الجبار الفياض
ولي موقفي من هذه المسألة الشائكة جدا أعرضه في أوانه ..
وأدعو النقاد الأكاديميين العرب إلى ضرورة الخوض في تفاصيل هذه المسألة الهامة لأنها ترتبط بالنص الشعري الجديد والمهام الذي يناط بعهدته …
شكرا الشاعر الكبير عبد الجبار الفياض Abd Uljabar Fyad
وأنت تبحث عن مسالك جديدة نحو تطوير النص الشعري الحديث. .وأنت تنصف تجارب شعرية قد طواها النكران
وترفع التهمة السوداء عن عاريات مردان. ..
إيمانا أن الكلمة خلقت حرة …تتنفس برئة اسمها الحرية
وشكرا جزيلا للجميع
الناقدة والأستاذة الباحثة سامية البحري


النص الشعري :
مطوّلة

حسين مردان أمام القاضي*

(الدّفاع)

أضدادٌ
تباعدُني عمّا أريد
بعد فسخِ عقدٍ بيني وبين جماجمَ فارغة
لم تبرحْ أنْ تكونَ مكيالَ شعيرٍ في بادية . . .
لم يعُدْ ذاك أمامي سوى مبلولِ ما تتركُهُ الأبقارُ في مرعى . . .
أيّها الظّانُ بنفسهِ إنّهُ يملكُ الجّهاتِ الأربع . . . ١
دعني
أُخاطبْكَ بمفرداتٍ قد لا تجدُ فيها رائقاً
يُرضي غرورَ ملك . . .
أنتَ نيشانٌ تافهٌ
يحملهُ سفهاءٌ
يجرّون أمامَهم إلى وراء . . .
أفاعٍ
تحتفظُ حتى بثيابِها المنزوعةِ
وهماً
يُخيفُ مَنْ كان لهُ قلبان في جوفِه . . .
تعساً لِما حللْنا به
يستعرضُ قوتَهُ بأحمرَ أمامَ ثورٍ أسبانيٌّ مُنفلت . . .
كنتُ خصماً لك منذُ أنْ قطعْنَ الحبلَ السّريّ
اصطبغَ وجهي بلونِ العوزِ الأغبر . . .
لم تنلْ ممّا نويتْ
ولو تغابياً بلونِ الطّاعة . . .
ما التقينا في محطةٍ واحدةٍ إلآ تصارعتْ عيونُنا من غيرِ نزال . . .
افتراقٌ على وعيد . . .
. . . . .
انفصلتُ عن عالمٍ
يُرقّعُ خيمتَهُ بقطعٍ من خلافٍ
يمزّقُ ما رُقّعَ في دائرةٍ سوداء . . .
أوزارُهُ
تحملُها متونُ التّعساء
ولغيرِهم
على ألوانِهِ يُجنى التّرف . . .
لعلّ يومي
يغفرُ لي غفلتَي في صباي . . .
نفسي أقاضي
لها أنْ تكونَ أو لا تكون
ما صرخَ بوجهِ قدرِهِ هاملت !
. . . . .
نسائي
يحملْنَ سحرَ بابل
سمرةَ سومر
في صورٍ ما شهدتْ كمثلهِا بغدادُ في سالفِ عصر . . .
يقصُرُ إحساسُ شاعر
رقصتْ قوافيهِ على شاردِ نغمٍ من زرياب . . .
يتبرجْنَ ليسَ في حضرةِ سلطانٍ
يغتصبُ يدَه . . .
ولا في سوقِ نخاسةٍ
يشطرُ آدمَ أرباعاً
أخماساً
وإنْ أنصفَ
يُنصفُه . . .
هُنّ الحياةُ كما وِلدتْ تحتَ السّماء !
. . . . .
دونَكم ما احتدمَ في قلبِ الحجّاج . . .
لن تغلقوا كوةً صغيرةً
يتسلّلُ منها القمرُ ثوباً لعاريةٍ
في حُضنِ عاشق . . .
لا يجمعُ من حديثِكم سوى زبَدٍ
لا يبلُّ منقارَ طير . . .
لستم جزءاً من فزعِه
أنتم
دودُ مقابر . . .
لِمَ تنكرون أنْ ترى عيني ما تراهُ الجّدرانُ لحظةَ عُري ؟
وتَدَعون خائنةَ عينٍ ما شاءَ لها
أنْ تسرقَ ما تحت . . .
. . . . .
قولوا عنّي ما ذهبتْ بكم حروفُ الذّم . . .
فأنا بالتّفاهةِ التي تصفون
بلغتُ عوالمَ
تحتاجون إلى سنواتِ نوحٍ النّبيّ
كي تقفوا عندَ أبوابِها متسوّلين . . .
اذرعوا بحذاءِ الطّنبوريّ بينَكم وبينَ الذّرى
إنْ أردتُم الصّعودَ إليها . . .
عجنتُ طينتي بأنفاسِ الخطيئةِ الأولى . . .
أحرقتُ وسادتي
فقد كذبتْ . . .
أيُّكم لا تصرُعُهُ روابٍ رابية ؟
جمّارٌ
يتجرّدُ عن ثوبِه ؟
لا يتلاشى في محرابٍ كانَ لباساً لآدمَ في جنتِه ؟
ما أجملَ أنْ يُمزّقَ القزُّ شرنقتَه !
لا تُفتحُ الأبوابُ بيا سمسم . . .
. . . . .
دعوني في مملكةٍ مُشرعةٍ من غيرِ حرس
لا أخشى من عرّافٍ على ماءٍ يسير . . .
أتداوى بما أفتى بهِ نديمُ صفرائهِ الدّاء . . .
ليس عندي تأويلٌ على وجوهٍ
يُداهنُ نقيضٌ نقيضَه . . .
ليس لعاشقٍ أنْ يشطرَ قلبَه
ولو قلبتْ لهُ الأيامُ ظهرَ المِجنّ . . .
معكم
إلى لحظةٍ
انفجرَ فيها الورمُ عن قيْح . . .
ودّعتُ نسختي الصّماءَ إلى حيثُ أنا . . .
ساخراً مما يمتصُّ رحيقَ نشوتِكم المبتورة . . .
أجداثاً
تتنفّسُ خوفَها بشهقاتِ غريق . . .
. . . . .
سلطانٌ من غيرِ حاجب
ينتعلُ خوفَه . . .
لا يسألُ عن أصلِ البيْضة . . .
لونِ براقش . . .
عددِ أصحابِ الأخدود . . .
اتّسعَ خرمُ الأبرة طريقاً لشبقٍ تحتَ رَماد . . .
جوارٍ متجرّدةٌ بقطوفٍ دانية
يحملْنَ عرشاً
تحرسُهُ من شياطينِ الشّعرِ عيون . . .
لا أوراقَ توت
ما لحسنٍ أنْ يُحجبَ بحجاب !
رَبّاه
كيفَ صوّرتَهُ بهذهِ الصّورةِ التي يتفتّتُ أمامَها أيُّ عزم ؟
. . . . .
نوناتٌ لي
من أفاعي أبي شبكة ٢
فيهن
كُلُّ ما سلبَ لُبَّ ابنِ ربيعة . . .
ضجّ بهنَّ دافقٌ في دارةِ جُلجُل . . .٣
أُضاجعُ أيّهنَ تحتَ رايةٍ بيضاء
لا تحتَ رايةِ فتحٍ أحمر
حصدَ من الحياةِ أخضرَها . . .
أنا
هُنَّ
خطفْنا ساعاتٍ
لا تمرُّ بها عقاربُ زمنٍ
يتلهّى ببعثرةِ ما يجمعُهُ بؤساءُ الأرض . . .
كشفتْ كُلٌ عن ساقيْها لتعبرَ لجةً ممنوعةً
فانزاحَ وقار . . .
لا تغضّوا الطّرفَ
فنحنُ كذلك
وأنتمْ بأمرِ الأمير . . .
متى تَدَعون المرآةَ تحكي ما ترى ؟
. . . . .
مُذهلٌ
سيدتي !
أنْ تعصفي بمملكةٍ من الفرعونِ إلى الحوذيّ . . .
أنْ تقذفي الممنوعَ نواةً في قاعِ النّيل . . .
مَنْ قالَ أنَّ امرأةً
يضطرمُ في جوفِها عشقٌ
تصرخُ بوجهِ نبيّ
أنتَ لي
وإنْ عانقتِ الأرضَ السّماء . . .
أبدعُ ما صنعتْهُ يدُ الله !
جوريّ
تكوّرَ
فانشطرَ سحراً
لا يُلامُ عاشقُه . . .
قِباباً . . .
أخجلَتْ ضوءَ الشمس . . .
قِواماً
سجدتْ لهُ أعمدةُ الرّخامِ قبلَ قاماتِ كهنةِ آمون في معبدِه . . .
سيدةٌ أنا وأنتَ عبد
لولا أنّ ربَكَ لم يخلِ بينكَ وبينَ نفسِك . . .
العشقُ غيّرَ هذا بذاك . . .
الأبوابُ السّبعة
لا تكتمُ شهادةً ناطقة
كانَ القميصُ صادقاً هذهِ المرّة !
. . . . .
(القرار)

بمطرقتِه
ضربَ القاضي رأسَ زمنِه . . .
العُريُّ
كانَ لباساً في جنّةٍ
طُردَ مَنْ فيها بعدَ الخَصْف . . .
ما سارَ مردانُ وحيداً في هذا الدّرب . . .
افتحوا سجنَ النّساء
البسوا البراءةَ عارياتِ مردان . . .
أدركتِ الأسماءُ أنّ معانيها لم تجفْ بعدُ على شفاهِ شُريْح . . .
دعوا الرّجلَ
قَصُرَ ما عندنا عمّا عندَه . . .
إنّهُ خارجٌ لتوّهِ من جحيمِ دانتي ليعودَ إليه
فبودلير ٤
ينتظرُهُ عندَ الباب . . .
. . . . .
كانَ معي أنا
لا يصافحُني سِواه . . .
اصطحبتُ حساني بثيابِ نومٍ
هربتْ منها الأزرار
فاستباحَ الذّهولُ بساتينَ التّفاح
فكانَ الاشتهاءُ وليمةً من غيرِ خِوان . . .
لابُدَّ من عثورٍ على زقٍّ
يُطفيءُ ظمأَ سجنٍ
ابتلعتْ أقفالُهُ مفاتيحَه . . .
ليتَ فضاءَ العصافيرِ لكُلِّ سجناءِ الحريّة . . .
حدَقاتٌ تتّسع . . .
ثمارٌ
تدلّتْ لقطاف
لكنَّ أياديَكم من دونِ أصابع . . .
تودّون فعلَ ما فعلتْ
لكنّ الجُّبنَ لا يحتلّْ القِلاعَ الحصينة . . .
حُفرُ الجُرذِ منازلُ رخيصة !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
تموز /2020

  • صدر عن دار المشرق في لبغداد قصائد عارية لحسين مردان سنة ١٩٤٩ .

القرار

لعدم توفر أركان الجريمة ضد المتهم السيد حسين مردان ،قررت المحكمة الإفراج عنه وفق المادة 155
من قانون إصول المحاكمات واُفهم علنا . “
حاكم جزاء بغداد الاولى
26 تموز 1950 ” .
١ نرام سين ملك الجهات الأربع في الحضارة السومرية .
٢ أفاعي الفردوس للشاعر الياس ابو شبكة .
٣ بركة ماء كبيرة والقصة معروفة مع الشاعر امرئ القيس .
٤ شارل بودلير 1821-1867 شاعر وناقد فني فرنسي. بدأ كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه أزهار الشر .
يبدو ان الشاعر حسين مردان قد تأثر بهذا الشاعر حتى لقب بودلير العراق .


ملاحظة :
هذا النص الشعري يقدم رؤية جديدة حول القصيدة الجديدة
ويدعو النقاد إلى التوقف والتأمل
ويمكن الدخول إليه من زوايا مختلفة . ..ولا ندعي أننا قلنا كل ما نملك حول هذا النص ..
فهو النص المتعدد في الأصوات والوجوه والنصوص والمقاصد….
تحياتي وتقديري
الناقدةوالأستاذة الباحثة سامية البحري

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة / عبدالرحمان ا

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة للمجموعة القصصية ( حين يبكي القمر/ حقول العار) . عنوان الدراسة : التوثيق التاريخي بلغة مفاتن جسد القصة القصيرة .
الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

أولا : التقديم

تضعنا المجموعة القصصية ( حين يبكي القمر / حقول العار ) لمحمد مهداوي داخل ما يسمى عند البعض ب ” قضية الأدب الوثائقي ” ، أو عند البعض الآخر ب ” قضية الكتابة التوثيقية ” ، وهما معا أقرب إلى الريبورتاج ، وأبعد من الخيال الجامح . هي قضية تطرح علينا مجموعة من الأسئلة ، منها : هل يمكن أن يكون هناك أدب خيالي دون عمق واقعي ؟ وهل يمكن أن يوجد أدب للواقع دون خيال ؟ . وهذه الأسئلة طرحت على الأدب العربي شعره ونثره قديمه وحديثه ، فطرح جدلا بين النقاد ، لكونه يصعب حده التجنيسي أو تصنيفه ، مثل “ ذات ” لصنع الله ابراهيم أو أعمال محمود درويش الشعريّة التي تدور حول جوانب من سيرته الذاتية ، وغيرهما . يقول ” منصف الوهابي ” : ” …وكان بعض شعراء الحداثة عندنا وكتابها المنظرين ، يرون أن الشاعر إنما يخذله الشعر ويخطئه التوفيق ، إن هو ترسّم في نصه جانبا من حياته أو كشف عن مطارح أفكاره وخوالج نفسه ، وكأن النص سرد تاريخي مداره على الماضي وغياب الذات المتلفّظة وليس تلفّظا يُفسح المجال ، في الملفوظ لظهور آثار تلفـّظه ، أي الإشارات الدالّة على ضمير التكلّم وضمير الخطاب ( أنا/أنت ) ، وظروف المكان والزمان ( هنا/الآن ) ، واسم الموصول واسم الإشارة ، وأزمنة الفعل وخاصة المضارع أو ( الحال ) كما كان يسميه العرب ، وما إليها من سمات التلفظ في الخطاب التي يصعب تأّويلها إلاّ إذا انتقلنا من الملفوظ إلى مقام التلفّظ ، أي إلى الضمير المتكلم وإلى مكان قوله وزمانه …” ( 1 )
فن الكتابة التوثيقية السردية هو التعبير المباشر عن كتابة سردية منطقية توثيقية شاملة هدفها تحقيق حلم أدبي أكثر واقعية . تركزت روح المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر/ حقول العار ” لمحمد مهداوي على عملية توثيق للحظات تاريخية وشريحة اجتماعية ( الأطفال ) ، في مدينة ” بركان ” المغربية ، إن هذا النوع من الكتابة يعتبر من مصنفات وسائل التذكير والذاكرة ، لكن الكاتب محمد مهداوي تجاوز أسلوب التقارير الصحفية إلى الحكي والسرد من أجل الإمساك بجميع خيوط فن القصة . وستتمحور دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة حول مفتاحين نقديين تطبيقيين ، الأول الجانب التوثيقي التاريخي ، والثاني الجانب الإبداعي ( لغة مفاتن جسد القصة القصيرة ) ، وفيها سنحاول الوقوف عند أهم التراكيب الإبداعية والفنية في القصة القصيرة الواقعية كإنتاج أدبي إنساني صادق وممتع وشيق .

ثانيا : السيرة الذاتية للكاتب ” محمد مهداوي ” .

بيوغرافيا من تقديم الأستاذ ” محمد موح ” :
( شارك الأستاذ محمد مهداوي في العديد من اللقاءات الشعرية في مختلف مدن المملكة، وتلقى عدة دعوات أدبية على الفيسبوك وجهتها له مجموعات أدبية وثقافية، قام خلالها في حوار مباشر بالرد على أسئلة المضيقين حول العديد من القضايا والمواضيع الأدبية والإنسانية والاجتماعية
كما فاز بالعديد من الجوائز التقديرية حيث توج في الكثير من المرات بالمرتبة الأولى في صنف الزجل والشعر …
كما ترجمت بعض قصائده الزجلية وقصصه إلى اللغة الفرنسية من طرف المترجمين ذ.الحسين اللياوي وذ.نجم الدين مهلة ود.يحي يشاوي ) .

ثالثا : المدخل البصري للمجموعة القصصية ( حين يبكي القمر / حقول العار ) .

المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر / حقول العار ” لمحمد مهداوي ، صادرة عن ” مكتبة ووراقة بلال / فاس ” / الطبعة الأولى / غشت 2019 . المجموعة القصصية ” من الحجم المتوسط ، تحتوي على ست وثمانين صفحة .
يقول ” محمد مهداوي ” في توطئته لقصصه ” حين يبكي القمر / حقول العار ” : حين فكرت في كتابة قصص عن مرحلة تاريخية عصيبة من ماضي مدينة أبركان طرحت على نفسي عدة تساؤلات :

  • 1: هل باستطاعتي – وأنا لم أعمل في حقول النواريوما – أن أؤرخ لمرحلة السبعينات والثمانينات بالمصداقية التي يستلزمها التوثيق الحكائي .
  • 2 : هل أدون هذه القصص محتفظا بالأسماء التي كانت عنوانا لهذه الأحداث الواقعية ، خاصة وأن أغلبهم لا زالوا أحياء .
  • 3 : هل أدخل هذه الحكايات ضمن السيرة الذاتية أو الغيرية أو الحكي القصصي السردي المألوف … كيفما كان الحال فأنا حاولت التأريخ والتوثيق لمرحلة عصيبة من تاريخ مدينتي …سأحاول قدر المستطاع ، تقريبكم من الأوضاع المزرية ، التي كانت قائمة ، مستعملا أسلوبا ، يجمع بين الأسلوب التاريخي التوثيقي والأدبي ، مع استعمال بعض تقنيات السرد المعروفة ، المبنية على التشويق والمتعة والتدرج الحكائي …” ( 2 ).
    ” حين يبكي القمر/ حقول العار ” مجموعة قصصية قصيرة لكاتبها ” محمد مهداوي ” ، تضم المجموعة ما يلي :
    ( إهداء – مكان الأحداث وسياقها – توطئة – تمهيد – تقديم – بداية زجلية / كان يا ما كان ) – أربعة عشر عنوان لقصص قصيرة ( متوسطة الطول ) ) .
    يختم الكاتب مجموعته القصصية بما قيل حولها . ونختار من بين هذه الاقوال ما قاله الشاعر ” محمد فريد : ” استغلال بشع للمعمرين واستعمار شنيع للشعوب المستضعفة في العالم ونموذج للمغرب كمستعمرة ، وليس محمية ، إنها قصة للواقع الاستحماري الذي مارسه الإقطاع الأوليغارشي والطبقة البرجوازية المتحالفة والمرتبطة أساسا بالإمبريالية العالمية وأذنابها ، ما أحوجنا لإبداعاتك المتميزة والمنحازة للفقراء ، وفضح الممارسات الغير أخلاقية والغير إنسانية …” ( 3 )
    إن مسألة الكتابة التوثيقيّة تربطنا بالسؤال القديم ، الجديد ، المتجدّد : هل قضيّة الكتابة التوثيقية قضيّة جنس أدبي أم هي أدبية جنس ؟ وهل يمكن القول بأن الأدبية هي التي تجعل لغة مصدرا تجنيسيا لمصادر الأدب…” يمكن للكاتب أو الشاعر أن يُسائل الكلام وأن يستنبط منه فكرة أو موضوعا أو عالما . ومن حقّ كل كاتب أن يستخدم كلمات القبيلة أو العشيرة أو كلمات معظم النّاس ، ولكن شريطة أن يسلّط عليها ضوءا جديدا أو يجعلها تغتسل في ماء جديد ” ( 4 )
    يقول ذ محمد موح في التمهيد في نفس الموضوع التجنيسي : ” …تتبعت كل حلقات ” حقول العار ” [ أي مجموع نصوص المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر ] ، وقرأتها بكل ما تتطلبه القراءة من تركيز وتدقيق ، ووجدتها جد مميزة إن على مستوى الاختيار ( اختيار الفكرة ) ، أو على مستوى الموضوع أو الأسلوب ، أو طريق السرد أو الحكي ، أو في كيفية خلق عنصر الإيثار والتشويق …” ( 5 )

رابعا – الجانب التوثيقي : تكامل الأهداف التوثيقية بين الذاكرة التاريخية والغلاف والإهداء في المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر/ حقوا العار “

1 – الذاكرة التارخية :

يهتم التاريخ بمجموع أحوال الناس في زمن مضى ، فيجمع معلومات حول ذلك الزمن . لذلك يمكن القول أن التاريخ بشري ، وهذا لا يعني ، كما تصوره المؤرخون التقليديون أن مادته هي بالضرورة ” الأبطال – الزعماء – الملوك … ولكن المدارس الحديثة في التأريخ لا تدرس الإنسان كفرد – رغم أهميته في صنع هذا التاريخ – إنما تدرس التاريخ الاجتماعي ، أي الإنسان كعضو في جماعة مهما كانت طبيعته ، فالتاريخ ، ليس هو الماضي فقط ، بل الماضي و الحاضر ، أي إنه “عالم ذهني يستنبط في كل لحظة من الآثار القائمة” ( 6 )
يقول ” محمد موح في شهادته حول المهمة التوثيقية التي أنجزها ” محمد مهداوي ” :” كاتب لا يعرف الملل همه الوحيد هو إطلاع الجيل المعاصر بماض قاس مرير مرت عليه أكثر من أربعين سنة …لقد حاول الأستاذ ( محمد مهداوي ) خلالها أن يجول بين الحقول ليقطف من كل حقل زهورا شائكة يصنع منها باقات جميلة من حيث الحياكة الفنية ، لكنها تترك في النفوس ٱثارا بالغة وٱلاما موجعة …” ( 7)
انجز الكاتب ” محمد مهداوي ” مجموعته القصصية لهدف محدد هو ” التوثيق ” بقالب سردي حكائي … بعيدا كل البعد أسلوب القصة الصحفية التي تعتمد الخبر والأسلوب التقريري . إن رغبة محمد مهداوي كبيرة في الحفاظ على الذاكرة التاريخية فترة السبعينات والثمانينات في مدينة بركان . لذلك اعتمد الأسلوب التوثيقي الذي هو معرفة المعنى الأساسي للذاكرة والذاكرة التاريخية
المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر/ حقول العار ” ذات قدرة توثيقية لمجتمع السبعينات والثمانينات في مدينة بركان وعلاقته ب ( بفيريما النوار ) ، يقول ذ عبدالعزيز أو شيار في تقديمه للمجموعة القصصية : ” …لقد وفق الكاتب ذ محمد مهداوي في إبراز معالم الظلم والجور المسلط عليهم ( الأطفال ) محاولا كشف المستور عن تلك الطفولة المغتصبة التي سرقت بسمتهم وأحلامهم الجميلة معتمدا في غالب الأحيان على قصص واقعية بقيت عالقة في الذاكرة …” (8 )
في واقع الأمر يمكن أن تكون المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر / حقول العار ” محاولة جادة لإثراء الوجود الثقافي بالمشاركة التوثيقية لممارسات الماضي من أجل المستقبل ، ومن أجل أن يتاح للأجيال الأدبية القادمة فعل أرقى وشرط أفضل لإيجاد العلاقة بين “التوثيق والتقدم “، لأن التقدم – كما هو معروف – هو نوع من العلاقة بحاجة الى عملية متكاملة بين الماضي والحاضر والمستقبل . إن الفعل التوثيقي عند ” محمد مهداوي ” هو ارتباط حي يجمع بين المسؤولية الأدبية والمسؤولية التاريخية ، وبين الانتماء الثقافي والغيرة الوطنية .
يقول عبدالمالك المومني : ” فيرمات المعمرين والإقطاعيين المحليين ، حافلة بشتى القصص والحكايات هذه واحدة شيقة ، نذكر رواية الصديق معمر بختاوي أطفال الليل في التجربة نفسها ( وفي نفس المدينة ) …فاحكوا يا أدباء بركان المقاومين والوطنين المخلصين والشهداء فإن لكم ما تقولونه ! …” (9)

2 – توثيقية صورة للغلاف :

يحمل غلاف المجموعة القصصية صورة بالأبيض والأسود أخذت لآلة في ” معمل النوار ” تستعمل في تقطير وعصر زهرة الياسمين ثم تصديره سائلا خارج الوطن ، ليعبأ بعد ذلك في قنينات عطرية غالية الثمن ، تعرض في أبهى وأجمل الأسواق العالمية ” .
يعود تاريخ إنشاء ” معمل النوار ” ببركان إلى الفترة الاستعمارية ، يقول ” محمد مهداوي ” : ” … المعمرون الفرنسيون وبمساعدة أذناب الاستعمار في المنطقة ، هم الذين كانوا يتعاملون مع العمال ، شيبا وشبابا ، أطفالا وعذارى ، بكثير من القسوة الغلظة . حاولت سرد هذه الأحداث الأليمة على شكل قصص ، محافظا على مصداقيتها وواقعيتها ، لأنها شهادة عينية لأناس من دم ولحم ، شكلت فترة السبعينات والثمانينات مسرحا لأحداثها المؤلمة …” (10) .
ويقول عبدالقادر ذهبية : ” إنها الحقبة المؤلمة عانى منها أسلافنا في ظل الاستعمار الغاشم ، ومن عانى أكثر وحتى الآن هي الطبقة المستضغفة التي تبقى رهينة الحاجة لكسب القوت اليومي بشتى الوسائل …” ( 11 )

3 – توثيقية الإهداء :

” إلى البراءة المغتصبة تحت جنح الظلام
في غفلة من التاريخ
وخلل في الجغرافيا “
عرفت جميع القرى والمدن المغربية ظاهرة الطفولة المغتصبة ( تشغيل الأطفال ) ، فالأطفال الصغار بخروجهم للعمل من أجل بعض الدراهم التي تمكنهم من اقتناء لوازم الدخول المدرسي أو مساعدة آبائهم في متطلبات العيش … تغتصب الطفولة حين تجد الأطفال ( بائعي الجرائد وماسحي الاحدية في المقاهي العمومية وعند مفترق الطرقات يتسولون أو يبيعون بعض الأشياء البسيطة ، وفي الضيعات الفلاحية وفي الأسواق والشواطئ …. ) إنهم أطفال صغار رأسمالهم البراءة والاستعطاف والتدلل من أجل دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع … وهم يمارسون هذه المهن قد يتعرضون لاعتداءات جسدية وتحرشات جنسية دون مقاومة إلا البكاء والصراخ . هؤلاء الصغار يبدون أكبر من أعمارهم بكثير بسبب خروجهم إلى العمل وتعرضهم للمضايقات والإجهاد . حيث يتم اغتيال طفولتهم ودخولهم مرغمين سن الرشد والرجولة ، وهذا هو الأخطر في ظاهرة الطفولة المغتصبة .

خامسا – الجانب الإبداعي : الربط بين الخط الدرامي والخط الزمني للأحداث في المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر/ حقول العار ” .

1 – الافتتاح ب ” كان يا ماكان ” / الزمان والمكان في المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر/ حقول العار ” .

كان يا ما كان في قديم الزمان .. تجعلنا نرحل في ضرب من الاستذكار السّردي للحظة تاريخية مرّت في مدينة مغربية اسمها ( بركان ) ، وحقيقة تؤكد أنّ ما حدث حدث فعلا . كان يا ما كان بها افتتح محمد مهداوي مجموعته القصصية رغبة منه في تقليب أحول السرد ، لأن فعل الزمان السردي فعل لغويّ …
يقول محمد مهداوي ( 12 ) :

كان يا ما كان //// ف قديم الزمان
حكايا تروبها //// لعجايز للصبيان
دراري صغار //// زينهم زين الكمرة
صحكتهوم صفرا //// ومعيشتهم مرة
محلاهم طيور //// نورو السيكور
الورد رحب بهم //// ب سبع عطور
هازين درعية //// بالدوم مكسية
مشاو فالريمورك /// عند الفجرية

المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر ” محاولة جادة لإثراء الوجود الأدبي و الثقافي بالمشاركة التوثيقية لممارسات الماضي السلبية من أجل بناء مستقبل أكثر إيجابية ، ومن أجل أن يتاح للأجيال القادمة فعل أرقى وشرط أفضل في حياة كريمة ، و لإيجاد العلاقة بين التوثيق والتقدم الحضاري وحقوق الإنسان ، لأن التقدم – كما معروف – هو نوع من العلاقة بحاجة إلى عملية متكاملة بين الماضي والحاضر والمستقبل.
جاء في القصة القصيرة ” اغتصاب وردة الياسمين ” ما يلي : ” لن أنسى هذا اليوم أبدا ، كان يوما مشؤوما ، تلفه الكثير من علامات الغدر والخداع ، حيث سقطت الإنسانية في الوحل ، وتلطخت براءة الطفولة بالإثم الخطيئة . لا أعتقد أن الكثير من العقلاء يستسيغ ما حدث ، إلا إذا كان عديم الأخلاق ، لقد سقطت ورقة من أوراق الخريف في عز الصيف ، في غفلة من الزمان ، وعلى مقربة من بشر لا يسعني وصفهم إلا بالغوغاء والدهماء ، فرغم تساؤلات الجميع عن كنه غيابي وسر ابتعادي عن حقول العار ، لم يجرؤ أحد البحث عني ، تساؤلات …همهمات …إشارات …همز وغمز ولمز ، لكن دون القيام بخطوة واحدة بسيطة ، ربما كانت ستنقد شرفي ، وتعيد لي أنوثتي …” ( 13 )
سرد أحداث الماضي الذي يتراءى فيه المكان و الزمان ، حيث تصبح مهمة الحكي أن يضعنا إزاء رؤية واقعية ، في جانب منها ، الاجتماعي والنفسي والسياسي … الكتابة القصصية عند ” محمد مهداوي ” لا يمكن أن تؤخذ من حيث هي وثيقة أو تاريخ حياة وعصر وجيل . إنّما هي شكل فنّي ينضوي على سرد شيق بالمعنى الواسع للكلمة ، دون أن يسوقنا أسلوب التشويق إلى القول أن صلة القصص بالحياة انقطعت ، أو هي مفصولة عن المجتمع . و” الأدب يظلّ تخيرا نوعيّا من الحياة ، على قدر ما يظلّ عملا تخييليّا ، الأمر الذي يسوّغ قولهم “واقعيّة العمل التخييلي” ، فكلّما ارتبط الكاتب بالواقع ، كلما كان أثره في القارئ كبيرا … قد يبدوَ التخييل أقلّ غرابة من الحقيقة وأكثر تمثيلا. والتمييز لا يقوم في الأدب بين واقع وتخييل ، وإنّما بين مفاهيم عن الواقع مختلفة ، وطرائق من التخييل متنوّعة…. ” (14 )
ونقرأ في القصة القصيرة ” فرحة لم تكتمل ” …لم أحس يوما بالإرهاق مثل ما حدث اليوم ، خاصة ونحن لا زلنا في فترة ما قبل الشروق ، أحسست بالإغماء ، أخذت قنينة ماء وسكبت ضخات كبيرة على رأسي ووجهي لأستفيق ، بدت لي أزهار الياسمين كالصبار ، تريد ازرادي ، وأنا أهرب منها ، أهرب ، أهرب . أغرقت جسمي النحيف في عمق قناة الري الرئيسية ، فأحسست ببعض الانتعاش ونسيت للحظات الكابران والرومي وأمي ،
فأحسست بالراحة رغم أن هروبي هذا كان قسريا ، يشبه إلى حد ما هروب الجندي المبتدئ من الخدمة العسكرية ، ألقيت بجسمي في الماء وسبحت كسمكة البوري في ماء قناة الملون بالحمري .
نظرت إلى القمر فرأيته قد اختفى وراء غيمة رمادية ، واعتقدت لحظتها أنه يشاركني همومي ، فأجبته منذ تلك اللحظة ، وأصبحت أحكي له ما بي من جراح ، فصار يخفف عني ويسليني بأنواره الذهبية . ” (15 )

2 – الجمل المؤثرة و أسلوب الحكي الواصف للأحداث :

يعتبر أسلوب الحكي الواصف للأحداث أحد أهم هذه الأبواب التي يجب الولوج من خلالها لمساءلة النصوص القصصية في ” حين يبكي القمر/ حقول العار ” وذلك لأن الحكي يستلزم الأشكال والأبنية والعلامات واللغات والأخيلة والخريطة الذهنية لكل قصة . إن الحكي يرتبط بالأساس انخراط الكاتب في الحكي القصصي بأبعاده اللغوية والفنية والدلالية و حضور الفن الجمالي التشويقي داخل القصص عموما .
إن القصة في فعل الكتابة عند محمد مهداوي في ” حين يبكي القمر / حقول العار ” جسد فسيفسائي ل ( اللغة والشخوص والأمكنة والأزمنة والألوان والفضاءات والبنيات … وهي عوالم شعبية وتراثية وتاريخية (ساحة سيدي أحمد أبركان – الموقف – سواقي ملوية – فريما السيكور – الكاشو – عاصمة البرتقال – السنديقا ( حي سالم ) – مقهى العرفة – السجن المدني – المسجد الكبير – باحة اللقلق – قنطرة وادي شراعة – مقبرة النصارى – ضريح سيدي أحمد أبركان – مستودع البلدية – لمحال – بويقشار – ، المكتب – الطحطاحة – سالم – بوهديلة …) .
مما جاء في القصة القصيرة ” فتيات الجاسمين ” : ” حين أشرقت الشمس ، سمعت فتيحة صوت لاسران ، سارعت للظفر بالمقدمة في الميزان ، الكل في طابور مستقيم الواحد تلو الآخر مصطف كما تصطف أثواب الغسيل فوق سلك حديدي ، الجميع ينتظر دوره لوزن ما جادت به أنامله من زهور ناصعة البياض . كان الرومي لوبيك Leprec ، يدخل يده في الدرعية لمراقبة مدى اثقان العمال لعملهم ، وبين الفينة والأخرى يصيح بلهجته المعرنسة ، ( لا للحشائش …لا للبرجون …لا للخش …) . لا زالت فتيحة تتذكر أنها في يوم من بداياتها في العمل ، فتش السيد لوبيك درعيتها فوجد فيها بعض الأوراق الخضراء ، انحنى أرضا وحمل حفنة من ” الغيس ” ووضعها على رأسها ، وغرس فيها نبتة ياسمين ، وأجبرها على التجول بين خطوط النوار لتكون عبرة لقريناتها …” (16 )
اعتمد محمد مهداوي أسلوب السرد الحكائي الذي انطلق من واقع حزين مُتعَب ، اشتعل فيه على تجميع أفكاره ، ومشاعر نفسيته لتصل حد الانفعال الوجداني الذي انطلق منه الكاتب ، واشتغل كذلك فيه على مشروع كتابته بأسلوبه الأدبي الذي يريده ( أدبيا توثيقيا ) .

3 – السرد المبتعد عن الإغراق في الرمزية الخانقة والسرد الممل المكرر .

وجدنا لغة المجموعة القصصية سهلة من أجل ايصال رسالة أدبية توثيقية تبين للقارئ بلا عناء ، ما تحمله تلك الرسالة من مآسي وآلام شتى ، و بصور شتى ، تضمنتها القصص القصيرة في المجموعة ، كما تميزت الكتابة القصصية بالوضوح ، والاستقامة ، والجرأة في قول كلمة الحق ….
نقرأ في القصة القصيرة ” دبابة بني يزناسن ” : ” ما أجمل أن يعيش المرء على ماضيه ، به يشحن طاقته ، بالرغم من شظف العيش الذي كنت أعيشه ، ورغم الاستغلال الفاحش الذي عانيت منه في طفولتي في حقول النوار بضواحي مدينة بركان ، إلا أنني أعتبرها ذكريات قوت عزيمتي ورفعت معنوياتي للبحث عن سبيل أرحب ، أضمن بها مستقبلي ومستقبل أولادي ..كانت ليلة ظلماء ، على شاطئ قابوياوا ، وعلى متن قارب صغير ، تم زجنا كالخرفان ، لنعبر قارة السود في اتجاه قارة البيض …” ( 17 )
مهما كانت جمالية النص المكتوب حين ينطلق من الواقع ، تكون صوره وألوانه أجمل بكثير من من النص الغارق في الخيال . يتجلى الإبداع بصورة واضحة لما يستمد الكاتب الفكرة والبناء النصي من الواقعية الحقيقية ….
لنتأمل القصة القصيرة ” الفاجعة ” : ” …اخترق سمعي صوت مدو ، هز كل كياني ، وبعثر عروق رأسي ، أربكني وأربك كل من كان منهمكا في جني النوار : إنه صوت أخي سمير وهو يصارع الموت ، إثر صعقة كهربائية عظمى … صعقته فامتصت دماءه وألقت به جثة هامدة على الأرض المبللة بالندى ، تجمع الناس والكوميس والرومي حوله أسرع الكابران حسن لتفقد أخي سمير فوجه جثة هامدة …”( 18)
استطاع محمد مهداوي ” أن يصور الخارج النفسي الإنساني ، و الدواخل ، والخلجات، والمشاعر ، بدقة وبساطة مليئة بالثقة وعدم التنكر لما حصل من خلال نقد بناء لممارسات خاطئة ارتكبت في حق الأطفال بالمدينة . يتبين من خلال المجموعة القصصية أن محمد مهداوي متحكم في البناء المعرفي التوثيقي ، والوعي الموضوعي بكل دلالاته المستمدة من حقائق الواقع ، كما تبين لنا أن الكاتب ابتعد عن حدود الذاتية الشخصية ..

سادسا – خاتمة :

إن الجمالية في النوع وليست في الكم ، والكاتب إنما يطرح الكلام بعضه على بعض حتى يظفر بغرضه من الكتابة التي تستمد موضوعاتها ، إلى حد كبير من البيئة الاجتماعية ،
لأن تأثير البيئة المحيطة والواقع ، يصدم ذائقة الكثير من الكتاب ، فتتفجر اللغة معبرة وواصفة ومفسرة بأدواتها التعبيرية المتعددة التي تحتضنها خصوصية كل جنس أدبي أو بيني . و” نحن نشاطر القائلين بأنّ بعض الصّيغ الشّعريّة وما تنطوي عليه من قدرة على الإيهام بالتّصديق والحمل عليه ؛ كان من نتائجها أن قام أكثر النّقد عندنا ، على المقاربة بين النصّ وما يذكره من وقائع وكائنات وأشياء ، حتّى كادت “الجودة” تنحصر في “ الإصابة ” بإقامة أمثلة الأشياء مقام الأشياء نفسها ….” (19) .
ونختم دراستنا الذرائعية المستقطعة بالقول أن السرد في المجموعة القصصية ” حين يبكي القمر / حقول العار ” سافر بي في رحلة إلى الماضي ، وكأني أعيشه مكانا وزمانا وأحاسيس ، خاصة وأني كنت أزور مدينة بركان في فترات العطلة الصيفية ، خلال فترة الثمانينات ، وكنت بدوري من الأطفال الذين اشتغلوا خلال عطلتهم في الفيرمات المحيطة بمدينة بركان .

الهوامش والمراجع :

1 – موقع القدس العربي / منصف الوهابي / في الكتابة التوثيقية الخيالي دون الخيال .
2 – المجموعة القصصية / حين يبكي القمر / الصفحة / 6
3 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 82
4 – قاف صاد / العدد 6 / 2007 / الصفحة / 14
5 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 8
6 – مفهوم التاريخ / عبدالله العروي / الصفحة / 35
7 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 78
8 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 12
9 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 78
10 – المرجع 2 نفسه / 12
11 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 82
12 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 13
13 – المرجع 2 / الصفحة / 15
14 – فكر ونقد / العدد 25 / يناير 2000 / الصفحة / 43
15 – المرجع 2 نفسه / الصفحة / 24
16 – المرجع 2 نفسه / الصفحة 34
17 – المرجع 2 نفسه / الصفحة 64
18 – المرجع 2 نفسه / الصفحة 54
19 – الحياة الثقافية / العدد 36 و37 / 1985 / الصفحة 71
20 – الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي
21 – محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي
22- دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
23 – الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي

برنامج : بصمة نقدية من بصمات …زكية الزيناتي

برنامج ” بصمة نقدية من بصمات ….” / البصمة : 32

  • الشاعرة والأديبة : زكية الزيناتي ….

تحية ود واحترام وتقدير للشاعرة ( زكية الزيناتي ) … تعرفت عليها في الفضاء الأزرق من خلال بعض القصص القصيرة التي كانت تنشرها قبل 2016 , أما مع مطلع هذه السنة ( 2016 ) فقد تعرفت عليها عن قرب كفاعلة جمعوية ساهمت مساهمة كبيرة في أغناء المشهد الثقافي والأدبي في مدينة البوغاز من خلال أنشطة جمعية ” عروس البوغاز للثقافة والتنمية ” وأنشطة أخرى بالمدينة … أعجبت بالكثير من القصائد الذي أبدعتها الشاعرة ( زكية الزيناتي ) ، وبعض الشذرات الشعرية ، والهايكو ، والقصص القصيرة جدا ، والقصة القصيرة … سبق أن نشرتها في مواقع التواصل الاجتماعي …اليوم استوقفتني ( جمالية الرؤية الشعرية والأبعاد الدلالية للجملة الطلبية ) في نصها المعنون ب ” انظر بعيون القدر ” …هذه الجمالية هي موضوع بصمتي النقدية …

ملاحظة : بصمتي النقدية هي فقط مفاتيح نقدية نظرية لدراسة نقدية تطبيقية تمتد لصفحااااااات …

السيرة الذاتية للشاعرة والأديبة : زكية الزيناتي

ازدادت بالدار البيضاء. لكنها طنجوية الأصل أبا وأما .
وقد عاشت كل حياتها في طنجة ابتداء من سنتها السابعة.
أستاذة اللغة العربية بالتعليم الخاص.

  • نشرت أعمالها في عدة مواقع إلكترونية، نذكر منها: موقع الفيروز – صدى الفصول – العربي اليوم – صحيفة اليوم – الاداب والفنون – موقع أشياء الثقافي – جريدة الوحدة – مجلة نجوم الأدب والشعر.
    حصلت على العديد من الشهادات التقديرية ومنها ما يخص التحكيم أيضا.
  • لها إصداران ورقيان مشتركان :
  • “هايكو غاليري الأدب” من إصدرات غاليري الأدب. سنة 2016 .
  • ديوان شعري صدر بعد الملتقى الشعري الأول الذي أقيم بجوامعة احتفاء باليوم العالمي للشعر في ماي 2018.
  • في حوزتها مجموعة قصصية بعنوان “سراديب الماضي” وديوان ” صرخات هامسة ” لم تفرج عنهما بعد.
  • هي فاعلة جمعوية فهي:
  • نائبة الكاتب العام في جمعية المعرفة.
  • كاتبة عامة بجمعية “عروس البوغاز للثقافة والتنمية” هذه الجمعية التي تعمل بجد لإغناء المشهد الثقافي بمدينة طنجة. التي يرأسها الأستاذ الزجال محمد مسلام الذي تزوجته سنة 2018 .

الأسلوب نوعان: خبر و إنشاء و الإنشاء بدوره نوعان: طلبي و غير طلبي ، أما الطلبي فهو ما يستدعي مطلوبا غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطلب ، و له صور و وظائف عديدة تختلف باختلاف نوع الجملة ودلالتها …. شكل الطلب في الخطاب الشعري عند الشاعرة ( زكية الزيناتي ) في قصيدتها ( انظر بعيون القدر ) أسلوبا مهيمنا وظاهرة جمالية مرتبطة بالرؤية الشعرية والأبعاد الدلالية للجملة الطلبية …سأبين ذلك فيم يلي :

  • الرؤية الشعرية و تكنيك شد انتباه المتلقي في النص ، وجعله متفاعلا وأكثر قربا من أهداف الطرح الشعري ….

شتت نظرات الشمس
بعيونك الشاردة
أذب ندوف الثلج بعبراتك الباردة
دغدغ أنف الغيم
وداعب خصلات المطر
مشط جدائل ا لليل
غازل السماء ولاعب الأرق

  • الجملة الطلبية كمعين يتدفق منها النفس الشعري التي يفيض بها وجدان الشاعرة المفعل للنص الشعري ، إذ نعتبر ” النص منطلقا والمرسل والمتلقي، وكل ما يتصل بهما امتدادا ” …

وارتع بطائرتك الورقية
بين جنبات قوس قزح
انفث هدير أنفاسك في أذن الموج
وزمجر مع الرياح
صفق لك وحدك..
وصدق ابتسامة النجمات الخافتة
تلك المائلات حول القمر
صدق أنك القمر

  • توحد نسق الرؤية الشعرية بالدلالة الشعرية أي أن النص فعل كائن تحققه عملية القراءة ….القارئ هو وحده الذي يستطيع تحقيق كوامن النص وتحيينها في وقائع من خلال الجملة الطلبية ..

ضع إكليلا من أقحوان وياسمين وأزهار الرمان
على رأس فزاعة طال وقوفها
حتى غدت محط الغربان
انثر بذور السوسن والريحان
على قبور سقتها الدموع ذات أحزان
صارت ذكرى وغابت بين جنبات الصبار

  • أفق رمزية التوجيه ( الجملة الطلبية ) ، أي انفتاح النص وتعدد المعاني وقابلية التأويل اللامتناهي ..

الق ألف قصيدة
واعزف أعذب لحن
وتمايل مع همس الفراش
وغرد مع صغار العنادل
لست محتاجا لتقليد الحرباء
لتغيير جلدك
فلا جلد لمن لا وفاء له..

  • جمالية الجملة الطلبية تسمح للنص بالاستمرار في العيش ، فالمعنى الشعري يستدعي مفهوم الصورة ولفظها ….

خذ من ريش طاووس منفوش
ولا تسأله عن إحساسه
فقط ضعها على رأسك
يأتيك الخبر اليقين
عد للشمس واكسر عينها
واطفئ لهيبها بنظرة منك ثاقبة
ولكني لن أرى سوى طيف
مر عبر الديار محت الريح آثار أقدامه
وتهافت اليمام على ما تناثر من فتاته
ولا مقتفي له لأثر…
فانظر بعيون القدر!

أكتفي بهذا القدر في هذه البصمة ….لنا عودة إن شاء الله في دراسات نقدية معمقة للأعمال الأدبية والشعرية ل” زكية الزيناتي “

وفقك الله تعالى وزادك تألقا ونجاحا …

تحياتي واحترامي

عبدالرحمن الصوفي / المغرب

“انظر بعيون القدر” ……..بقلم : زكية الزيناتي

شتت نظرات الشمس
بعيونك الشاردة
أذب ندوف الثلج بعبراتك الباردة
دغدغ أنف الغيم
وداعب خصلات المطر
مشط جدائل ا لليل
غازل السماء ولاعب الأرق
وارتع بطائرتك الورقية
بين جنبات قوس قزح
انفث هدير أنفاسك في أذن الموج
وزمجر مع الرياح
صفق لك وحدك..
وصدق ابتسامة النجمات الخافتة
تلك المائلات حول القمر
صدق أنك القمر
ضع إكليلا من أقحوان وياسمين وأزهار الرمان
على رأس فزاعة طال وقوفها
حتى غدت محط الغربان
انثر بذور السوسن والريحان
على قبور سقتها الدموع ذات أحزان
صارت ذكرى وغابت بين جنبات الصبار
الق ألف قصيدة
واعزف أعذب لحن
وتمايل مع همس الفراش
وغرد مع صغار العنادل
لست محتاجا لتقليد الحرباء
لتغيير جلدك
فلا جلد لمن لا وفاء له..
خذ من ريش طاووس منفوش
ولا تسأله عن إحساسه
فقط ضعها على رأسك
يأتيك الخبر اليقين
عد للشمس واكسر عينها
واطفئ لهيبها بنظرة منك ثاقبة
ولكني لن أرى سوى طيف
مر عبر الديار محت الريح آثار أقدامه
وتهافت اليمام على ما تناثر من فتاته
ولا مقتفي له لأثر…
فانظر بعيون القدر!

برنامج : بصمة نقدية من بصمات ….يزيد علوي اسماعيلي

برنامج ” بصمة نقدية من بصمات ….” / البصمة : 23

  • يزيد علوي إسماعيلي Yazid Alaoui Ismaili…. شاعرا ….

تحية ود واحترام وتقدير للشاعر ( يزيد علوي إسماعيلي …. جمعني به عشق وحب الأدب العربي والشعر بنوعيه الفصيح والعامي ( الزجل – القصيدة الملحونية …. ) ….جالست هذا الشاعر فوجدته متمكنا من أدواته وصنعته الإبداعية الذي يكتب بها الزجل على مقاييس وأوزان تميزه عن غيره …. وهذه ( القياسات والموازن ) هي موضوع بصمتي النقدية …سأبينها على المستوى النظري محافظة على سريتها أولا ، وللعودة إليها ثانية في دراسة تطبيقية لنماذج من قصائد الشاعر ( يزيد علوي إسماعيلي ) ….

لا أعلم لماذا كلما ذكرت الشاعر ( يزيد علوي إسماعيلي ) ، يحضرني اسم الشاعر ( الحاج إدريس بن علي لحنش ” ، ويحضرني في نفس الوقت ( قصيدة الحاج إديس ( الذهبية ) التي يقول فيها :

أساقي عكب النهار فوز بوقت السرور واسقبنا بين ادواح
شف الذهبية الريحا /// لبست ثوب الغروب والليل غشاها

استقوفتني اليوم قصيدة الشاعر” يزيد علوي إسماعيلي ” المعنونة ب ( كلام سلافي ) …. الجمالية الفنية التي تشدني دوما هو ( الموازن والقياسات ) التي يبدع عليها الشاعر قصائده …

ملاحظة : بصمتي النقدية هي فقط مفاتيح نقدية نظرية لدراسة نقدية تطبيقية تمتد لصفحااااااات …

وأبين هذه ( القياسات والموازن ) عند الشاعر حسب ما توصلت إليه في بحث ( تفوق مدته الشهرين ) من خلال اثني عشر قصيدة نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي …ولا أدعي أن تعرفت على كل ( القياسات والموازن ) الذي تعتبر وديان وشرايين الشاعر في الإبداع الشعري العامي خاصة وأن الشاعر يتتلمذ على يد شيوخ القصيدة الملحونية الذين نطلب الله لهم الصحة والعافية وطول العمر ….
وأبين بعص هذه الموازن والقياسات ) في الآتي :

  • القياس الأول : 1 + 1 + 1 = أي ثلاثة أشطر لها قياس واحد …..
  • القياس الثاني : 1 + 2 + 2 = الشطرين ( 2 ) لهما نفس القياس ، الشطر 1 يختلف ….

القياس الثالث : 1 + 2 + 1 = الشطر 1 و 3 لهما نفس القياس الشطر 2 يختلف …

  • القياس الرابع : 1 + 1 + 3 = الشطرين الأولين من نفس القياس 3 يختلف …..
  • القياس الخامس : 1 +1 + 1 = ثلاثة أشطر من نفس القياس …

لقد صارت الدارجة العامية أفقا للإبدال وللمغايرة عند الشاعر ، مما أسهم في انفتاح قصائده على مختلف أنواع القصص الشعبي محتديا بأنمتطها في الملحون والزجل والعيطة بأنواعها ….لقد أحسن الشاعر استخدام الثنائيات، وتوظيف المجازات والرمز، والتقعير (الانشطار)، والميتاحكي الشعري ،.. الشيء أثرى أسلوب الكتابة في تجربته الأدبية ….

اترك للنقاد والمهتمين اكتشاف العوالم الإبداعية للشاعر ” يزيد علوي إسماعيلي ” …

زادك الله تألقا ونجاحا …

عبدالرحمن الصوفي / المغرب

★ كلام سلافي ★ ……يزيد علوي إسماعيلي ..

الحرف عطفة
هواية ماشي حرفة
غزلو بقياس ، وطرزو بلون قوافي

حضنو بدفى
و طلقو يسرح بصفا
بوح من الروح ، يلا راح راه يشافي

وصف ف وصفة
بحنكة و ذوق و معرفة
شكل و مضمون ، واضح و بمعنى كافي

من دون جفا
زيّنو بلباس العفة
شعاعو يطفو ، و ما ترى نورو طافي

بصدق و وفا(ء)
و وفا في كف الكفة
و يلا العمر وفا ، الوافي الكريم يكافي

زرعو سعفة
و عنّقو بحب و ألفة
غدا يثمر ، و يملي ركان مطافي

نسجو ملفة
منقي من خبال الحلفة
و وّردو يشرب ، من حوض منبع صافي

و بلا كلفة
طلقو ف جنان الشرفا
يعلي و يطوف ، بحور سما و فيافي

و لو قليل كفى
الباهي عمرو ما يخفى
ذا قول قديم ، قالوه شياخ سلافي

يزيد علوي اسماعيلي

برنامج : بصمة نقدية من بصمات … باسم عبدالكريم الفضلي / العراق

برنامج ” بصمة نقدية من بصمات ….” / البصمة : 34

  • الشاعر والأديب والناقد : باسم عبدالكريم الفضلي …. المبدع المجدد المبتكر ….

تحية ود ومحبة واحترام وتقدير لصديقي الأديب والناقد ( باسم عبدالكريم الفضلي ) … الإنسان التي تعرفت عليه مفكرا ومثقفا و عاشقا للإبداع والتجديد والابتكار فيه ….كم تمنيت لو كانت في الوطن العربي ” لجنة إقرار للدراسات العلمية ” دورها تسجيل كل التجديدات و الابتكارات في الأدب العربي بأسماء أصحابها ، حتى لاتتعرض هذه الابتكارات للسرقة من طرف المتطفلين الذين يجوبون الفضاء الأزرق شرقا وغربا ، يسرقون وينسبون لأنفسهم كل تجديد وابتكار وهو في حقيقة الأمر ليس لهم منه شيئا …….كنت متابعا مهتما بكل منشورات ” باسم عبدالكريم الفضلي ” ، وكنت أتمنى أن تكون المواكبة والتعليق لهذه اللجنة ، لأن منشورات هذا المفكر لا تحتاج تعليقا مني أو من أصدقائه …. جمعني الفضاء الأزرق به وبالكثير من الأصدقاء من عراق مهد الحضارة ( لمدة تجاوزت العشر سنوات ) لدرجة أن الكثير من الصديقات والأصدقاء العرب اعتقدوا أني عراقي …لن أنسى فضل أساتذتي العراقيين علي فهم قدوتي ، أفتخر بهم وأعتز ، أطال الله عمر من لازلنا في تواصل بهم ، ورحم الله تعالى من غادرنا إلى دار البقاء منهم …كنت خلال كل هذه الفترة التي تعرفت فيها على ( باسم عبدالكريم الفضلي ) – ولازلت – شديد الإعجاب بكل مقالاته و منشوراته شعرا وسردا ونقدا … فمن حسنات هذا الفضاء أنه سهل التواصل بيننا وسهل علينا التعلم من بعضنا ، فكل المعارف التي اكتسبناها هي نسبية والكمال لله وحده ….

ملاحظة : بصمتي النقدية هي فقط مفاتيح نقدية نظرية لدراسة نقدية تطبيقية تمتد لصفحااااااات …

أرضية تأمل ومناقشة :

الكثير من الكتابات الأبداعية الأدبية أصبحت ترغب في تجاوز قيود التصنيفات والأنماط التقليدية ، بل ترغب في تحطيم حواجزها والحدود الفاصلة بينها ، بالرغم من أن النقد يعتبر التجنيس أساسا تنظيميا ، ووسيلة لضبطها وتصنيفا …. فمنذ أن وضع أريسطو كتابه ” فن الشعر ” الذي قسم فيه الأدب ألى ثلاثة أقسام ( ” الأدب ” الغنائي / ” الأدب ” الملحمي/ و” الأدب ” الدرامي ) راسما بذلك الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية ومؤكدا على عدم الخلط بينها….مر التجنيس بمراحل عديدة :

  • مرحلة هوراس
  • مرحلة هيكل
  • مرحلة لوكاتش
  • مرحلة الثورة على نظرية الأجناس الأدبية ( القرن
    العشرين ( مع الأسماء التالية :
  • موريس بلانشو ( موت الجنس الأدبي لصالح الأدب
    الواحد ) ….
  • رولان بارت ( المطالبة بإلغاء الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية )….

في عصرنا الحالي “… أصبحنا أمام رواية شعرية وقصة فلسفية وقصيدة الدراما …صحيح أننا الآن أمام أجناس أدبية تمتزج فيما بينها وتخترق خصوصية بعضها إلا أن الاشتغال خارج التجنيس هو بمثابة تجنيس جديد وإعلان ميلاد جنس جديد، سرعان ما يتبلور ليضع حدوده الجديدة ويدافع عنها باستماتة ويحاكم كل من يخترقها. في نظرنا، هذا أمر طبيعي ومطلوب من أجل تطور الأدب لأنه يلائم حركة التاريخ ولا يخالفها…وليس غريبا أنّ يكون التداخل الإجناسي والتضايف النوعي والاندماج الشكلي والتعاين النمطي والتقارب الصيغي، أمرا واقعا لا محالة، وحقيقة ناجزة ليس لدحضها أو التحايل عليها أساس من منطق. وما بين محصلات النظر التي تسمح بولادة جنس ما، والتفريع والتوليد لأنواع تنضوي هجينة بين جنسين أو أكثر ….. تتأتى أهمية التجنيس بوصفه قضية إشكالية على مستوى النقد الأدبي؛ بينما هي طبيعية ومعتادة على مستوى الكتابة الإبداعية التي تكفلها حرية المبدع في الكتابة. وهذه الحرية التي لا تعرف التحدد في قوالب، ولا الالتزام بسمات، لم يعد أمر تقبلها والتعامل معها كما كان في مرحلة النقد الكلاسيكي الأرسطي ….” ( منقول )

أكتفي بهذا القدر في هذه البصمة ….أقف وقفة احترام وتقدير لصديقي العزيز ( باسم عبدالكريم الفضلي ) …كما أقدم اختيارات من منشوراته لكل القراء من أجل القراءة والتأمل …لنا عودة إن شاء الله في دراسة نقدية معمقة لأحد إنتاجاته الأدبية أو الشعرية إن شاء الله تعالى .

تحياتي واحترامي
عبدالرحمن الصوفي / المغرب


…………….{……/ مجرَّةُ الحلمِ ألأخبر }…………….
عندَ النقطةِ ……..صفر ألتامَّةِ ألبـَ……………………..
..لاشيءَ قبلَها ..لاذكرى..لاهلوساتِ رغبةٍ موؤودة … محضُ فضاءٍ شاسعِ العُريِّ إلاّ………………………….. مِن رعشةٍ عذراءَ تحتويني …
أبتديءُ……
وحيداً….وحيداً…بلا مداراتِ… بلا ظِلالٍ رمادية……..لدهشتي البِدائية…
أرنو……….
لايرتدُّ إِلَيَّ بَصَري………إلاّ بصورتي…………
…………….. لاصدىً………… خلا لِزَقزَقتي…….
أزرعُ… فكرةَ كينونتي ……تنبتَ عالَماً وارفَ السَّكينة……..
أخلعُ…… أسمالَ رغبتي….. فالنهايةُ مورِقةُ الأحضان ..دانيةُ الشّفاه
…و……أشتهي أن ..أرتشفَ سُلافةَ صَحوٍ لا……..يستفيقُ……
فوق أكتافِ الخوف……
حينها ….
يرسمُ السنونو سَنا شبَقِ الرشا الذهبيةِ على أديمِ الهديرِ الأبيضِ الوجدان..
حينها…..
يغفو الأمس الممحِيُّ المُحَيّا بينَ أغصانِ النَّشوةِ …….البريئة..
حينها…..
يرحلُ النَّشيدُ الوحيدُ العَينِ إلى….
…………………….وديانِ الوَتَرِ المخَضَّبِ بأنفاسِ الغدِ المُتبرعِمِ الحِكمة…
حينها……
تعانقُ الطُّرُقاتُ المُحترقةُ الأثداءِ….. القدمَ المقطوعةِ…. بِحَدِّ الرجاءِ الأشمَط …
وترفعُ الإتجاهاتُ المتساقطةُ الأجفانِ … منذُ أزلٍ لايأتي… سوى بصرير الوجوم..
راياتِها الملوَّنةَ ….بخرائطِ مرابعِ الوردةِ البتول….فلا معنىً للغاياتِ الموسومةِ
بروالِ النحيب …. فهذرمةِ الشقبانِ الأعمى … تحصدُها أغاني الفراشاتِ
…تتراشقُ برحيقِ تِبسامي….
فَـ…
تهمسَ إليَّ….. عصافيرُ أنوارِ الأزل…… وترسمَ ….
…………………………..ملامحي على صفحةِ وجودي البِكر..
فـَ…
لاانطفيءُ بين راحتَي الأسئلةِ الدهريةِ………….الغبية…
فَـ….
حفيفُ الإجاباتِ الصّارخةِ النُّصوع……. يصدحُ في عروقِ سَرمَديَّتي…
لا..أينونةَ…
… تقذفُني في….رحمِ قوقعةِ عجوز… تتلفَّعُ بهالةِ الأسرارِ الـ..مقدَّسة…
فـَ…
بحورُ التطهُّرِ ….مِنّي…. بلا خلجان…بلا مرافيءَ تتكحَّلُ …..
بحسيسِ غُثاءِ صمتي ….صرفُ أغوارٍ بلا قاع………..
فَـ….
لقد بَعثْتُننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننني……..
…………………………………………………………………………ــياضِ.
ــ باسم الفضلي العراقي ــ


…………{ أغصانُ متاهتي }…..

لا…. لن اكونَ سوى قدرِ نفسي.. لكنْ غماماتُ الوعودِ تظللُ خطايَ.. وأنا أضعتُ ماكنةَ حلاقتي …

سأزحف.. وأزحف…حتى ……..أصلَ إليّ…، قد يسرقون دروبي لكنْ لن يسرقوا بغلتي ….

…. ــ يقولُ الراوي ذو السنامين … : ياسادة… يا نِيام.. البينُ عناق… و الخِباءُ أرزاقٌ مقدّرة… كلَّ يومٍ تدنو… من ضفةِ الولائم.. ( للحكايةِ بقيةٌ خطفَها أحدُ الحالمين)

…. كلُّ ماحولي نزعَ وجهَه… ولبس أقنعةَ المواسمِ المقدَّسة.. كيف سأعرفُ إسمي..؟؟

لأتوضّأ بماءِ ابنِ السبيل.. لعلَّهُ يُدلُّني على مَشرقِ اللهفة… فكلُّ العابرين على صراطِ الحنينِ ينكفؤونَ الى كهوفِ لوعتِهِم ولايسألونَ عن سببِ إنقطاعِ المطر عن ارضِ السناجبِ المُغنيَّةِ في قصورِ الفجرِ الأسير…

….. إنَّها ذاتُ المتاهة… وقناديلُ الصمتِ وحدَها تفتحُ مدنَ السرابِ لتملأَها سَمْناً ولَحْماً و… سنابل… وتفكُّ وِثاقَ البلابل… لكنَّها عمياء.. وقد أضاعتْ مفتاحَ قلبِها في حقولِ الريح… إذاً سأمتطي ظهرَ مغامرتي…وأسيحُ في بلادِ العُرْبِ أوطاني…. هههههههههههه جميلةٌ هذه الأوطاني…. لأُصحّحَها.. : سأقول… سأقو…ل…: بلادُ العُربِ خِصيانِ…. لكنَّ الوقواقَ سيعترض .. ويُحيلُني للمحكمةِ التي إشترتْ أجنحتَها من السوقِ الحُرة … فليعترض .. سأشكوهُ الى والي النِّعاجِ السَّارحةِ في بساتينِ الهوى العُذري… أوووه نسيتُ نظارتي الشمسيةَ في دُرْجِ أُمي المُسافرةِ بلا نَعلَيها الى حانتي الشرقية.. كيفَ سأقرأُ شواهدَ قبوري… ؟؟ لابأسَ سأمرُّ عليها بأصابعي وإن كانت بِلا بصمات… فزَخّاتُ الضبابِ تغلِّفُ لسانَ العُصفور…


{ …لا.. لاقدر }
الوجهُ عنوان
….والصمتُ سفَر
والحضنُ بركان
……والشوقُ هدَر
فهل ينهمر
…….بريقُ الوتر.؟
وقدِ انكسَر
…….شراعُ القمر
وغيلَ الشذا
…في عينِ الشّرَر
وآنَ الأوان
…….لرجمِ السُّوَر
فقدِ استكان
…….فحيحُ الصُّوَر
لجُنحِ الأمان
..في صَخْبِ الخوَر
يكون الهوى
………عناقَ الوفَر
وفُلكُ الخلاصِ
…….صراطُ الأشَر
وحلمي ترحال
……… أضاعَ الأثر
وانتِ سؤال
……… تحدّى الدهر
فكنتُ الجواب :
……….. انا المنتّظَر

ـ باسم العراقي ـ


الى ( مش كافر ..لكن الجوع كافر )
عُريُ رجاء
.. يطرق مخمليةَ نوافذ العتمة المتبرجة
بقهقهات آلهة الرقص فوق جثمان الوطن ..
يبحث في القمامة
عن كِسرةِ كرامة ..
… حوقلةُ البيادر… سنابل بسملة
والخطوات … حافية الطرقات
تهزُّ.. عروش اولياء السماء…
فتسّاقطُ …رغيفاً بقربان :
احلامٌ عذراء
تُنحر
عند اقدام ارباب الزمان
لتينعَ … حقول خبزٍ دان
…نعي ….شششششش
نعي ….شششششششش
ويحياااااااااااااااااااااا الكفن
ـ باسم العراقي ـ


( جدلية الاديب والكاتب )

من قراءاتي للتراث الادبي الانساني
في كل لغة هناك ما يسمى بالدال والمدلول والعلامة اللغوي، فالدال هو الشيء
الظاهر، والمدلول هو الشيء الباطن والأول يحيل على الثاني الذي هو المعنى
أو المسمى، المعنى المجرد، فلا مدلول دون دال. العلم الذي يدرس الدال في
علاقته بالمدلول يسمى ( سيميولوجيا) ، وأما العلم الذي يدرس المدلول يطلق
عليه ( علم المعان ) . إن علاقة الدال بالمدلول علاقة اعتباطية أي أنها قائمة
على قاعدة غير مؤسسة .في المعنى المعجمي يتطابق الدال بالمدلول، بينما
في الأدب يحدث إشكال وهو أن الدال لا يتطابق مع المدلول، وهو ما يسمى
( بالانزياح )، فالأدب كله قائم على الانزياح، ذلك أن الأدب عبارة عن رمز،
مجاز، بديع، تصوير، فمثلا كلمة كرسي حينما نوظفها في قصيدة، فإنها حينئذ
ترمز للبطش أو للسلطان وذلك بواسطة البيان، فالأدب فن صناعة القول عن
طريق المجاز ، أحيانا تكون دائرة الدال أوسع من دائرة المدلول، مثال ذلك
أدب عصر الضعف، حيث كان الشعر عبارة عن تمارين نظمية انتصر فيها
الشكل على المضمون، فكان الشكل كل شيء والمضمون لاشيء لأن العبرة
بالأول لا بالثاني. والواقع أن الأدب ( فكرة معبر عنها بالصور ) فهو يقوم
على الخيال، وعلى الرمز، وعلى تراكيب جديدة، والعدول عن اللغة النمطية
المألوفة .
عرف القرن التاسع عشر ثورة مست جميع المجالات: الفلسفة، الاقتصاد،
التاريخ.. ثورة عارمة حتى أن الفن لم يسلم من تداعياتها، فقد ظهر الفن
التشكيلي الذي يقوم على المحاكاة ، محاكاة الطبيعة، الإنسان، الحيوان، إلا
أن الحداثة رفضت هذه المحاكاة أي محاكاة الواقع، فهي تنظر إلى الفن كواقع
في حد ذاته، فتحول الفن إلى التجريدي، أي تجريد الفن من مادته، أي من
الواقع، باعتباره واقعا في حد ذاته .
لم تستثن هذه الثورة عالم الكتابة، فكانت ثورة على الأدب(مفهومه، تاريخه، وظيفته)
، حيث رفضت كلمة أدب ، ووضع بدلها مصطلح ( كتابة) ، ذلك أن مصطلح
أدب له علاقة بالماضي ، حين كان الأدباء يخدمون البلاط، فكلمة أدب لها
دلالات ميتافيزيقية(الشاعر النبي / وادي عبقر). فالأدب أصبح ممارسة
واقعية داخل اللغة،والأديب أصبح يختار ما يراه مناسبا يشبه في عمله ذاك
المخرج السينمائي الذي يختار الممثلين ودرجة الإضاءة والديكور المناسب.
.فينظم ويصقل ويوجه، كذلك يفعل الأديب الذي يجد نصوصا قديمة، وأخرى
حديثة فينظمها ويرتبها، لذلك ظهر ما يسمى ( بالتناص ) حيث يكتب بنصوص
قديمة، يصوغها ويجعلها تتفاعل ومنها يخرج لنا نصا جديدا
إذن رُفض مصطلح الأدب الميتافيزيقي، وقِيل بفكرة الكتابة لأنها ممارسة
، وهي التي تحيلنا إلى النص،حيث (الفكر= اللغة) فالأديب يريد أن تكون
أبوته كاملة على الأدب، أي هو المسؤول الأول عنه. فالأديب ليس حرا لأنه
يلجأ إلى التراث(اللغة) وهذه الأخيرة مشاعة ملك الجميع، اما الكاتب فله
هامش من الحرية يتمثل في إعادة تشكيل هذه اللغة .
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،/ باسم الفضلي ـ العراق

برنامج : بصمة نقدية من بصمات …فريدة الجوهري

برنامج ” بصمة نقدية من بصمات ….” / البصمة : 33

  • الشاعرة والأديبة والكاتبة : فريدة الجوهري ….

تحية ود ومحبة واحترام وتقدير للصديقة المتعددة المواهب ( فريدة الجوهري ) … الإنسانة التي تعرفت عليها عاشقة للأدب والشعر والفن …. جمعنا الفضاء الأزرق لمدة تجاوزت الخمس سنوات ، ومن حسنات هذا الفضاء أنه سهل بيننا التواصل ، لكن سرعان ما كان يبعدني عن كتاباتها قرصنة حساباتي الفيسبوكية ( خمس حسابات تعرصت للقرصنة ) ….أعجبت بإبداعات ( فريدة الجوهري ) الشعرية وبخاصة ( القصيدة العمودية ) ، والكثير من المقالات التي نشرتها في مواقع التواصل الاحتماعي …اليوم استوقفني مقالها المعنون ب ” ما هو الفن ….) ، ومصدر إعجابي بهذا المقال أن موضوعه سيبقى دوما جديدا متجددا مادام الإنسان عاشقا للفن والجمال ….هذا هو موضوع بصمتي النقدية …

ملاحظة : بصمتي النقدية هي فقط مفاتيح نقدية نظرية لدراسة نقدية تطبيقية تمتد لصفحااااااات …

السيرة الذاتية ل ” فريدة الجواهري “

( متخصصة في ” أدب عربي ” أديبة لبنانية

  • تكتب الشعر على أنواعه القصة القصيرة المقال قصص الأطفال والومضة.
  • حائزة عدة شهادات تقدير وجائزة ليبيا للإبداع ٢٠١٦ – كرمت من أسبوع من قبل جريدة الأسبوعية العراق بغداد .
  • تكتب في عدة جرائد ورقية وألكترونية في الخارج …
  • ترجمت عدة قصائد للإنكليزية من قبل الشبكة الدنماركية في العراق
  • اخترت مرتين سفيرة للسلام هذه السنة ومن سنتين …)

التصورات الفكرية الفلسفية تجمع في أبحاثها بين الفن والجمال ، ويمكن تقسيم هذه التصورات الفكرية إلى ثلاثة أنواع :

  • تصورات فكرية فلسفية ما قبل الحداثة …
  • تصورات فكرية عصر الحداثة …
  • تصورات فكرية ما بعد حداثة ….

سأساهم ببعض التصورات الفكرية الفلسفية النتشويه ، كإضافة لأفكار موضوع مقال ” فريدة الجوهري ” التي أعجبت بها ( الأفكار ) غاية الإعجاب…أبين ذلك في نقط الافكار التالية :

  • قدرة الفن على يعيد للإرادة قوتها بما يجعلها متمكنة وقادرة على الإثبات والاستمرار والتواجد ، وعلى الخروج من العدمية وإدامة ذاتها في إن واحد …..

وأختم بصمتي النقدية بما اختارته ” فريدة الجواهري ” وختمت به مقالها …

” ….أما الأدب والشعر فهو أروع اللوحات الفنية النابضة القابضة على الموسيقى والصورة والحرف;ونتيجة هذا الخليط المتكامل تجسدُ الكلمة. وصهرها وقولبتها في قالب جمالي ناطق.
وأستشهد هنا برائعة امرؤ القيس التي أذهلت ألعقول وحيرت الأذهان وشغلت علماء اللغة لفترة طويلة
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ ….”

تحياتي واحترامي

عبدالرحمن الصوفي / المغرب


ما هو الفن /فريدة الجوهري لبنان.

الفن عالم قائم بذاته نخرج منه من عالم المادة إلى عالم اللا مادة، هو الصور اللامرئية اللامحسوسة التي نشعر بذبذباتها داخل أبعادنا الباطنية;التي تجعل احتكاكنا بالأشياء الخارجية الملموسة أكثر صدقا وشفافية. هو أيضا تقلبات النفس البشرية وانفعالاتها المتعددة من ثورة وسكون، حزن وفرح، حب وكره، إلخ.
هو التحرر من الأشياء التي تكبل أرواحنا، مشاعرنا، وأحاسيسنا، وحتى مخيلتنا وأفكارنا لنطوف في عالم روحي أنقى وأعذب.
إنه أول وسائل التعبير عن الذات في كافة الحضارات على وجه الأرض. وقد ساهم في تطور الإنسان والرقي به من حالات الهمجيةوالبدائية. هو الإحتكاك الداخلي الخارجي لبلورة الصورة الجمالية، وهو الإدراك والتفاعل بين المحسوس واللا محسوس وإخراجه إلى حيّز الوجود.
الموسيقى هي أولى الصور المجسدة الغير ملموسة، هي التفاعل والإنعكاس لموسيقى الكون الطبيعية والتواصل الحسي مع سيمفونية الوجود ونقل موجاته الغير مرئية إلى عالم الواقع وحمل الإنسان على استيعابها والتفاعل معها وبها ومن ثم إدراكها كأي شيىء ملموس;إنه التقاط الشفافية المبدعة عبر الأثير وتجسيدها في ألحان.
أما اللون فهو هذا الإندماج الراقي للتذبذب الداخلي في احتكاكه مع الخارج، ينتقل إلينا عبر البصر ليجسد في لوحة فنية، هو هذا المزيج التنوع من الأشياء المادية والروحية والنفسية تتبلور لتعكس التفاعلات الذاتية في النفس البشرية بين الداخل والخارج في عالم قائم على الأحاسيس والموسيقى والإنطباع واللون الذي يجسد الصورة الواقعية واللاواقعية. هو دمج الحقيقة الواضحة الظاهرة مع الخيال المحلق اللامرئي ووضعه في لوحة كاملة نابضة بالمشاعر.
أما الأدب والشعر فهو أروع اللوحات الفنية النابضة القابضة على الموسيقى والصورة والحرف;ونتيجة هذا الخليط المتكامل تجسدُ الكلمة. وصهرها وقولبتها في قالب جمالي ناطق.
وأستشهد هنا برائعة امرؤ القيس التي أذهلت ألعقول وحيرت الأذهان وشغلت علماء اللغة لفترة طويلة
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ

فريدة الجواهري / لبنان


أقدم للقراء قصيدة من إبداع الشاعرة ” فريدة الجوهري ” …وهي موضوع بصمتنا النقدية في القادم من الأيام إن شاء الله تعالى …

جودي عليّ /الكامل /فريدة الجوهري / لبنان.

سكر الهوى من بسمةٍ لا تكتفي
فرمت بسهم من عيونٍ تشتفي

حتى تبرّح بالسعير فؤادنا
سارت على درب لها كي تختفي

فتبعتها أرمي السلام مضاعفا
وتسير تغنج في قوامٍ أرهفِ

قالت علامك كيف تأتي حينا
ولنا به عشقٌ وقلب يحتفي

أغرب بربك إن رآك لظننا
لا نرتوي من حبّه أو نشتفي

فأجبتها والنار تلهب مهجتي
من ذا يداوي جرح قلبٍ مدنف

يا من رمت هذا الفؤاد بلحظها
هل أنصفت عيناك إنّا تطرفي

يا أخت بدرٍ والكواكب حولها
كرمى لعينك قد حلفتُ بمصحفي

جودي عليّ بنظرةٍ مثلُ التي
أردت جناني كي أغيب وأختفي.


بقلم : عبدالجبار الفياض ( في حضرة المعري ( وطني )) .

في حضرة المعري
(وطني)

قالوا وهنــــتَ وقالــــوا عنــــكَ مُنتَهَبا
واسترخصَ القومُ منكَ الأحمرَ الخضبا

قالـــــــــــوا شربتَ الأسى أَلوانَ منبعِهِ
قالــــــــوا ضمئتَ بفيضٍ أغرقَ الشُهبا

قالــــــــــــوا وقلنا: ثمينُ البحرِ لؤلؤُهُ
هل أبدلـــــتْ أرضُنا سهواً لها قُطبا؟

هم خاطـــــــوا ليلاً عباءاتٍ مُضلّلةً
لكنّمــــا الصّبحُ أبدى أمرَهم عجبا

أحنا إليكَ يهوذا رأسَــــــــــــهُ أسِفاً
يا لابنِ آوى بمكرٍ أتقنَ الكــــــذبا

لســتَ الجدارَ الذي أخفى خزائنَهُ
إذْ أنتَ باســــقةٌ قد أسقطتْ رُطبا

ســــدّ التُرابُ عيوناً عاشرتْ ألقَاً
كنتَ السّـراجَ ولم يمنُنْ بما وهَبا

ما كانَ أنّ هضاباً تعلو في زمنٍ
متنَ الجّبالِ،إذنْ قد أنجبتْ رجَبا

السّــــــــامريّ أتى إذْ ما أتاهُ أتى
قد أضرمَ النّارَ واستجدى لها الحطبا

جاؤوا دواءً لغيرِ الدّاء يعقبُهُ
عَتمٌ أرادوهُ يطوي للذُرى نسبا

يا ابنَ المعرّةِ عذراً إنْ وقفتُ
على أرضِ المعرّةِ في سجنيْكَ مُنتحِبا

إنّي ظلمتُك في حِلّي وفي سفري
بغياً بهتُّكَ في ألاّ تكونَ أبا

لم أدرِ أَنّ زماناً طولُهُ ألمي
ويحَ، الأوائلُ قد أمستْ لهُ ذنبا

أوّاهُ من عارضٍ يعلو بسافلِهِ
بئسَ السّيوفُ التي قد أصبحتْ خشبا

بُحتْ حناجرُ واستسقتْ أباعدَها
ما هكذا الصّبرُ في الأيامِ يُصطحبا

يا ابنَ المعرّةِ فاضَ الكأسُ من كَدَرٍ
الضّرعُ جفَّ فكمْ من عابرٍ حلبا !

إنّي جنيتُ على ما كنتَ تحسبُهُ
طوقاً من الإثمِ حتى باتَ مُغتربا

مابينَ مطرقةٍ سندانُها وَعَظٌ
يقتاتُ قسراً قديدَ السّوفِ والخُطبا

إنّي وجوهاً أرى شاهتْ ملامحُها
غيضَ الحياءُ وعُقبى ما بهِ نضبا

لا لا تسلْ ما بنا ؟ بغدادُنا سُملتْ
منها العيونُ وباتَ الرّوضُ مُحتطَبا

إذْ دجلةُ الخيرِ ما عادتْ نسائمُهُ
تشفي العليلَ الذي فيه الغرامُ صبا

هذي الرّصافةُ ما للجهمِ من غزلٍ
الجّوري ذاوٍ وفي خدِّ المَها شَحِبا

ماذا عن الكرخِ هلْ عودٌ يؤانسُهُ؟
أم أطبقَ اللّيلُ جفنيْهِ لما نُهبا

بغدادُ يا ألفَها ما غيرُها شَغَلَتْ
كُلَّ الرّواةِ على ما قيلَ أو كُتبا

بغدادُ ما شاعرٌ لو كانَ في زُحَلٍ
إنْ لم تكوني بعزفٍ حرفَهُ الطّرِبا

بغدادُ لو شاعرٌ جفّتْ روافدُهُ
ما كنتِ ريّاً على صحرائِهِ سُكبا ؟

يا ابنَ المعرّةِ من بغدادَ قافيتي
تسعى إليكَ وخيرُ السّعيِّ ما نُدبا

ضيفاً حللتُكَ لا أبغي سوى قبسٍ
من سِقْطِكَ الزّندِ ما تحتَ الرّمادِ خبا

شمسٌ على بابِهمْ كانتْ تُزاورُهمْ
اللّيلُ نامَ على أعتابِهم حُقبا

لكنَّ شمسي على ضيْمٍ تُهدهدُني
لملمْ شتاتَكَ، عِرقٌ في اليَبابِ رَبا

ما خفَّ وطئي على أرضٍ تعاتبُني
موتاي تصحو إذا ما بُتُّ مُحتسِبا !

ماذا الحياةُ وإنْ دفّتْ سفائنُها
إنّي لأطمعَ أنْ أزدادَها طَلبا

شحذاً لوهنٍ بَراني في تلبُّسِهِ
لا ليسَ بغياً لمنْ مأساتَهُ رَكبا

يا ابنَ المعرّةٍ لا تقنطْ لطارئةٍ
كم من بغى وعلى أرضِ السّواد كبا

ما كان فيلٌ ليحلمَ في مسيرته
في عينِ غيرٍ وسارَ الدربَ مقتضبا

لكنّما حاصبٌ سجّيلُنا بغدٍ
يفري البطونَ على ما كانَ مُغتصَبا

لا شكوى تعصرُني خمراً بكأسِهمُ
بلْ عُدتُ أحملُني في دحرِهمْ سَببا

. . . . .
عبد الجبار الفياض
تموز 2020

بصمة نقدية : ( بين الرسم والأثر ) بيضون عبدالرحيم

برنامج ” بصمة نقدية من بصمات ….” / البصمة : 26

  • بيضون عبدالرحميم / Abderrahim Baidoun……..أديبا ……..

تحية ود واحترام وتقدير للأديب ( بيضون عبدالرحيم ) …أعجبت كثيرا بعوالم القصة القصيرة عنده …والقصة التي بين أدينا ( بين الرسم والأثر ) بمجرد ما أن تبدأ بقراءتها تدعوك لاستحضار فلسفة عوالم الحب ….

ملاحظة : بصمتي النقدية هي فقط مفاتيح نقدية نظرية لدراسة نقدية تطبيقية تمتد لصفحااااااات …

علاقتي بنصوص الأديب ( بيضون عبدالرحيم ) هي حديثة العهد لذلك كان من الملزم التعرف على عوالم الإبداع في كتاباته ، ومن خلال قراءتي قصته القصيرة ( بين الرسم والأثر ) ونصوص أخرى ، توضحت لي ثقافة هذا الأديب والعوالم التي تعتبر خزانه المعرفي في الكتابة …وإليكم بعض عوالم هذا المبدع من خلال قصته القصيرة التي هي موضوع بصمتي النقدية :

  • فلسفة الحب اليونانية والرومانية.
  • فلسفة الحب في العصور الوسطى.
  • فلسفة الحب في عصر النهضة.
  • فلسفة الحب في القرن التاسع عشر.
  • فلسفة الحب في القرن العشرين.

كما أن قصة ( بيضون عبدالرحيم ) ( بين الرسم والأثر) تدفعنا لاستحضار عوالم وفضاءات الكتب التالية :

  • طوق الحمامة في الألفة والألاف / لابن حزم.
  • الحب في التاريخ / لسلامة موسى.
  • فن الحب / لإيرك فروم.
  • مشكلة الحب / لزكريا إبراهيم.
  • تاريخ الجنسانية / لمشيل فوكو.
  • الحب في فلسفة سورن كيركوغار / لشنتال آن.
  • ستة تأملات في ظاهرة الحب / لجون لوك ماريون.
  • شذرات من خطاب محب / لرولان بارث.
  • الإيروسية / لجورج باطاي
  • المال، القوة والحب / لفرنسوا فوركيه.
  • الإباحية ليست حلا / لمريام جروسمان.
  • نظرية الجسد المحب أو الحب الجسدي/ لمشيل أونفري

كما أن الحوار القصة القصيرة ل( بيضون عبدالرحيم ) يدخلنا لا شعوريا في عوالم الحوار الثالية :

  • النظر إلى الحوار في القصة القصيرة على ضوء
    ” محاورة المأدبة ” لأفلاطون …
  • حوار الجمال والحب في تصور ” فياتشيسلاف شستاكوف ” قوله: “إن التأثير الجمالي هو الحب ذاته، فالحب هو سعي دائم وأبدي من المحب نحو حبيبه….”
  • “محاورة فيدروس” بأن الغاية القصوى للإيروس أو الحب هي بلوغ الخلود…وهو خلود يضفي على فلسفته في الحب طابعا صوفيا …
  • الرسائل التي ألفها الشاعر الروماني أوفيديوس خصوصا ( مراثي الحب/ علم الحب /’دواء الحب )…
  • دراسات هربرت ماركيوز ( الإيروس والحضارة مقالات في التحرر …) …

تحية احترام وتقدير للأديب ” بيضون عبدالرحيم ” …متمنياتنا له التألق والتفوق والنجاح في مسيرته الأدبية .

عبدالرحمن الصوفي / المغرب


قصة قصيرة : بين الرسم والاثر
بقلم : بيضون عبدالرحيم

….حين التقى بها لأول مرة هم بها منجذبا قائلا لها : ” ياملاك لك شأن عظيم في هوى النفس يستوجب معه حسن مقام وحنان أنامل فنان ولين الوان لتشكيل جسدك الناعم المكتسح الحدود والأبعاد… “

  • قالت وهي مترددة : قد يبتلعنا المقام وكلام الناس سهام وتصير اللحظة المنفلثة من الزمن إعدام….
  • و أضافت متغنجة : ” انك جدي عنيد كيف استبحت ولوج حديقة أسراري و ما بي اثام … “
  • قال مصرا : إنه ليس كالأماسي وأنت قطب الدائرة هذا المساء فاترك نفسك وتعال فبين أحصان مرسمي بر الأمان مليء بلطائف الأشعار والأنغام مفروش بالزعفران معطر بالورود على اختلاف الألوان….
  • قال ملحا مجددا : اتركي نفسك وتعال لنحيا إشراقات عاشقين في آخر لفحاتهما بعيدا عن رقباء النهار وعن عيون فقهاء الظلام قريبا من ذواتنا من جسدينا من نفسينا….
  • قالت وهي تنظر إلى عيني أعدني أن تصون حضوري بين الرسم والاثر….
  • قال وهو واثق بما يقول فالرسم يا ملاك محدود بإطار أما الأثر فيسع المكان والذاكرة والكون…ولكل لمسة فرشاة عطر وطعم وموسيقى وأنفاس وبريق أقوى من الكلام.
    أتمعن ولا أنظر في تناسق جسدك البهي وفي قسماته الرقيقة أخذت الفرشاة لأرسمك من الأعلى إلى الأسفل…
    “وجهك جبينك عيناك حاجباك أنفك اذناك وجنتاك عنقك حاجباك عنقك شفتاك نهداك خصرك فخداك ساقاك رجلاك…” إنها نظرة تجزيئية أفقدت جسدك كينونته”
    أعيد رسمك وأنت جالسة على كرسي أحمر، والساق على الساق في وضعية مثيرة، مرة رافعة يديك ممسكة بهما شعرك الكثيف المنساب على وجهك البهي ، ومرة أخرى منحنية إلى الأمام لتظهر فتحة بين نهديك المتنافرتين، ومرة وأنت تغتسلين في الحمام…أبحث عن”ارمونيا” حركاتك، انفعالاتك، نظراتك، ردود أفعالك أمام استفزازاتي، علي أجد ما كنت أبحث عنه، وليس ما تبحثين عنه، وأنت مختالة على أجنحة الرغبة تفصحين عن مكامن الاثارة فيك … إلى أن أرست الفرشاة على هذا الشكل كما ترين…..؟ فماذا ترين؟
  • قالت : مندهشة، لم أعرف أنك سترسمني كما ولدتني أمي…..
  • قال لها: وهو ينظر الى الرسم وإليها، أن جسدك غير حيادي ، إن”جسدك موهوب في السر والعلن على الاغراء… مشيتك، تمايلك ، حركاتك ، آهاتك نداء… شفتاك اشتهاء….. عيناك نافدة للإبحار بدون عودة..”
  • قالت : وكأنها صعقت ماذا ارى؟ أي رسم مجنون هذا؟ ففرشاتك ، فعيناك عرتني بنوع من الأيروسية كأيروسية”جيرار شلوسير” وخليل جبران ونزار….
  • قالت في تماه : فجرار كان منسجما مع نفسه، وجبران خليل له أسلوبه في اختيار رسوماته العارية الملائكية، كما كان “ديكاس” يسرق موضيلاته من خلال ثقب الباب…
  • قالت : متسائلة في اندهاش ، بربك لو غيرت بعض اللمسات لكان أفصل وأليق….
  • قال لها متأسفا : فأي تغيير سيحدث فرقا هائلا في تشكيل تلاوين”البورتري “من إيقاع تنفسك، ومن دقات قلبينا، ومن قبلاتنا، ومن جسدينا، فحسب “ميرلوبنتي” فالجسد موطن المعنى ، وأنا أبحث في جسدك عن معنى المعنى…ففي هذا “البورتري” وحدت بين أسلوب نزار ونبوءة جبران، ووحدت بين القلوب والأنفاس والأديان، ووحدت بين الروح والجسد….فهذا “الجسد” تعاملت معه كقيمة بعد أن كنت أتعامل معه من زاوية ضيقة محصورة في أشباع غريزتي الجنسية ليس إلا تعاملت مع جسدك كجوهر، وكذات متفردة مثيرة للمكاشفة والمتعة الجمالية….
  • قالت بلباقة متعهدة : أنت جدي عنيد ومجنون جنون “سالفادور دالي” إذ ينمحي معكما عنصري الزمكان ،ويهون معكما الحلال والحرام….

بنفس الإيقاع لها قال : إما عن بريق وجهك ، فيتعذر فهمه منذ الوهلة الاولى والثانية وربما العاشرة .. كما يصعب لمسه ما دام نفسي الطباع ، ورغم ذلك يمكن تحسسه أو حدسه : وبالتالي اعطاءه معنى ، أو بعدا، أو عمقا ، أي : معنى المعنى….
فليس العري مبتغاي ، بل ما تولد عنه من أثر، من انجذاب متنام متبادل حد الصراع… ومن رغبة سافرة بغواية انسلت إلى غياهب الذاكرة البشرية .. فانبثق بين الرسم والأثر ظل جلي ، يرافق جسدك الناعم ويمنحه فرادته، وعطره ، وموسيقاه، مكتسحا سلم الأبعاد… أما عن جمالية العري ، فهي سيمياء كمناعة فيزيولوجية – كيميائية من إغراءاتك التي صارت اعتداء . شيء فضيع أن يتغير الجسد إلى ذرة إلى جينيات ليس الا….

  • قالت : ففك وصالي من وصالك ، فقد لاح الفجر والكدر….
  • قال: مبتهجا كم الليل قصير، لم ندر متى استوقدنا انوارنا ، وطفئنا شموع الرغبة بحديقة أسرارنا ، ولنداء عشق الجمال والفن لبينا…
  • قالت :. لقد حان الأوان يا نديم ….
  • قال: …. فلكل مقام حوار وتشكيل ، كما لكل عاشق الجمال نديم و مدام …..
  • قالت : حيرانة ، اعدني ان تصون سرنا في عمق يم …..
  • قال : مقنعا إياها ، أنت أمواجه ، أنفاسه ، وإن دلفين أزرق أرحل وارتحل في عوالمك الخرافية القسمات، أتحسس جسدك وأهتز باهتزاز أنفا سك…..
  • قالت :مبهورة ، أنك لمجنون حقا ……….
  • قال : وكأنه وجد صالته ، وبكل عنفوان ، كيف لا أجن ؟ وأنت مجنونتي ، وأن مجنونك حين أضفنا بعدا ، عمقا لهذا الانجذاب المتنامي والمتبادل بيننا ، وبين الرسم والأثر، وما تولد عنه من رعشة زرقاء لن تتكرر…. كشعلة زرقاء بين يدي خليل جبران، كمناعة من اغراءاتك … فجسدك سيبقى مثار الدهشة والالتباس والالهام…..
  • فيا ملاك لا تحاول سلب ارادتي والعبث بي كما تشائين. لا تحاول إفراغي من محتواي كيفما تشائين . كفاك إغراء…فإغراؤك صار اعتداء …. صار اعتداء … ورغم ذلك سابقى محتفيا بهذا “الجسد “لأنه أكثر جمالا واكتمالا لدرجة تجعلني مأخوذا به لاكتشاف عوالمه الساحرة … ففي كل مرة يثير في خبايا جديدة ومتجددة…

بيضون عبد الرحيم 12.12.2015

بقلم : عبدالرحمن الصوفي / المغرب

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لنص محمد الطايع
عنوان الدراسة : أسئلة نقد أسىئلة الأسئلة

تحياتي واحترامي وتقديري أخي العزيز

لا يوجد نص كتبته ونشرته دون أن أكتب حوله نقدا أو انطباعا أخاطرة أو …وأتجنب التعليق بها على منشورك لكي لا يعتقد البعض أن علاقتي بك تغطي على رصانة وسحر نصوصك بكل أنواعها …أو مثل ما يفعل البعض يشكلون لوبي مجموعات يتقاسمون التعليق على تفاهاتهم …وأتحدى امثال هؤلاء أن يأتوا بنص مشابه لما كتبت …فالإبداع موهبة وصنعة وقضية وليس تسلية صارت لعبة لبعض ” الكتاب ” بين عشية وضحاها ….واهم من يعتقد أن النقد وحي يتنزل على الناقد بمجرد أن يضع كأس قهوة ويأخذ القلم بيده ، ولكنه بحث عن مراجع ومصادر يدعم ويستشهد بها طروحات مفاتيحه النقدية . النقد الذي لا يحيلنا على مراجعه ومصادره يعتبر نقدا مسروقة أفكاره / سرقة موصوفة ، وذلك ما اكتشفته عند الكثير من أشباه النقاد الفيسبوكين ، إما في تعليقاتهم على بعض النصوص أو ما نشروه وسموه نقدا

صديقي الغالي : منذ فترة طويلة وأنا أفكر في كتابة مقالة نقدية كلها عبارة عن أسئلة . والحمدلله ألهمني نصك وحقق حلمي …

صديقي الغالي : كي أكتب هذا التعليق النقدي حول نصكم ، عدت للبحث في صفخات خمس مراجع سبق أن قرأتها ، ومنها أخذت بعض الافكار واشتشهدت بها .

يعتبر التساؤل / السؤال دخيرة المعنى والشاحد للفكر بكل أنواعه ( الواقعي / المثالي / الفلسفي / العلمي / الأدبي / الثقافي ….) ، والسؤال هو وجود ونشأة وميلاد ومصير وحضور وعلاقة وموت وحياة وغضب وسعادة وحزن ….
فإذا كانت الفلسفة تطرح الأسئلة التالية :

  • من أين بدأ تاريخ الفلسفة بالضبط؟
  • من أين بدأت تاريخها؟
  • كيف بدأ الفلاسفة في التأريخ لأنفسهم؟
  • ماهي شروطها التوليدية؟
  • هل يمكن أن تعاود الظهور بشكل آخر؟
  • ما الدور الذي يمكن أن تقوم به؟

متى يتم الاستئناف؟

  • ما الجديد عن الفلاسفة؟
  • كيف يمكن تصور العلاقة بين المجتمع والكلام الفلسفي؟
  • ماهي الوظيفة الاجتماعية للفلسفة؟

هل يمكن أن تلعب دورا في سياسة الحقيقة والتصرف في السلطة؟

فكل الأدوات والحروف الاستفهامية وردت في نص ” محمد الطايع ” ، مما يعني تلتقي بالفلسفة في السؤال وتنفصل عنها في الذات / الموضوع ، أن نصه السؤال وذات نصه الموضوع . وهنا نوضح أن وظائف السؤال الفلسفي عديدة و ويمكن تنقسمها بين النظري والعملي ويتراوح النظري بين التحديد والتوضيح والتحليل ويتراوح العملي بين الالتزام والتطبيق والتغيير ويمكن تصور علاقة جدلية ورؤية تكاملية بين الطرفين.
ونفس المنجية يمكن سلكها في تحليل محمد الطايع ( التحديد + التوضيح + التحليل + الالتزام / أنا الكاتب + سؤال التغيير = العلاقة الجدلية )

إن التفكير الابستمولوحي في الذات بواسطة الذات هو أول مدخل يساعد المرء على طرح الأسئلة. لذلك دعانا محمد الطايع لنضع ونقرأ معه علامات استفهام في نهاية كل جمل نصه … هي علامات استفهام تترك تأملاتنا الفلسفية مفتوحة دائما نحو جواب اللاجواب مثل صدى صوت يرجعه جبل عظيم .

ما الذي يميز سؤال الذات المتفلسفة عن غيرها ؟ وكيف يمكن الاعتماد على الحروف في بلورة الأسئلة ؟

( يجب استيفاء ثلاثة شروط :

(1) شكل الاستفهام يجعل من الممكن عدة إجابات موثوقة.

(2) التساؤل عن السبب على مستوى العمومية والعالمي
التي تهم كل إنسان.

(3) يتم التعبير عنها بأفكار مجردة للغة.

بهذا المعنى يمكن تجميع جميع الأسئلة ضمن خمس فئات مختلفة، وهي:

(1) من الوجود

(2) المكان

(3) الوقت

(4) الترتيب

(5) السبب

(1) من؟ أي؟ ماذا؟ أي واحد؟ ما هذا؟ هل؟ (ما هذا؟) مسألة الوجود أو الهوية أو الموضوع أو الكائن.

(2) أين؟ (أين هذا؟) مسألة المكان، الفضاء.

(3) متى؟ (متى يكون هذا؟) سؤال الوقت.

(4) كيف؟ (كيف هذا؟) مسألة النظام، الإجراء ،
التنظيم، الترتيب.

5 – من أين؟ ومتى؟، ويعبر هذا الاستجواب عن قلق يجمع بين الجمال والأخلاق والتاريخ.

(5) لماذا؟ (ماذا يفعل؟) مسألة السبب والمعنى والأصل…. )

وكل الأسئلة التي وردت في نص محمد الطايع تلتقي مع وظيفة الفلسفة عبر تاريخها الطويل . وهنا نذكر المحتمل والمتحرك من الأسئلة في النص :

  • هل الإنسان حر؟
  • كيف تتأسس الذاكرة على عدم نسيان النسيان؟
  • هل السعادة واجبة على الإنسان ولازمة في الحياة؟
  • هل الوعي مجرد وهم ؟
  • هل الأنا في حاجة للغير والنحن في حاجة للآخرين؟
  • هل يمكن للمرء أن يفكر في المرأة بالكلمات ويفكر بالكلمات في صورة المرأة ؟
  • هل الفن مخيب للآمال؟

كيف يقلب الخب حياة الناس رأسا على عقب؟

هل يعيش المرء بدون شك ؟

  • هل ما زال التاريخ له معنى؟
  • ألا يجب أن ندافع عن العلم؟
  • هل يمكن للمادة أن تفكر؟
  • لماذا كل هذا الشر؟
  • هل نحن بحاجة إلى الحقيقة؟
  • السلطة: ماذا لو أحببنا أن نسيطر؟
  • هل مجتمع الأفراد ممكن؟
  • ما العدالة التي يردها الكاتب ؟
  • هل الأخلاق طبيعية؟
  • هل التقنيات تهدد الإنسان؟
  • كيف يكون المرء سعيدا؟
  • هل يمكننا تعلم التفكير مثلما نتعلم أي شيء آخر؟
  • عند تكوين الكون، ما هي آلية الانفجار الكبير؟
  • هل الكاتب موجود من الناحية التاريخية في كل حقبة؟ ماهي الأمارة التي تدل عليه؟
  • و ماذا يقصد بالقول: الإنسان ليس سوى قصبة، انه ضعف في قلب الطبيعة ؛ لكنه قصبة تفكر ؟
  • ما الوجود؟
  • هل للحياة معنى؟
  • من ماذا تكون العالم؟
  • هل يمكن أن تخبرنا حواسنا بما يدور حوله العالم حقًا؟ من نكون؟
  • هل نحن أحرار؟
  • هل هناك طريقة للعيش بشكل صحيح؟ كيف نعيش معا؟
  • ما علاقة الزمان بالمكان؟
  • ماهو جوهر العالم؟
  • كيف نجد المعرفة الحقيقية؟
  • من أين تأتي الأفكار؟ هل نؤمن بالقدر والعدل ؟
  • هل جميع تحركاتنا تحكمها القوانين؟
  • ما هو الخير أو الشر؟
  • هل يمكننا رؤية العالم من وجهة نظرنا فقط؟
  • ماهي القيم الأخلاقية التي يجب تبنيها؟
  • من أنت أيها الإنسان؟
  • هل نحن جميعا من إنتاج الخيال؟
  • هل الإنسان مجرد آلة راغبة؟
  • كيف يحافظ الناس على وجودهم؟
  1. ماذا يمكنني أن أعرف؟

2 – ماذا علي أن أفعل؟

3 – ماذا يمكن أن آمل؟

4 – ما الإنسان؟

نص الأسئلة عن محمد الطايع يمكن أن فهمنا على أنه ابحث عن حقيقة ، أو طريقة للتفكير الجيد أو كممارسة منهجية للشك الفلسفي الذي يمتحن قدرات العقل على المعرفة ويرسم حدوده الشرعية للوصول إلى اليقين …..
تحياتي صديقي الغالي ، ما قدمته فقط هو بصمة تعليق معجب اسمه عبدالرحمن الصوفي بكل ما بجود به قلم محمد الطايع …هذا التعليق هو مفاتيح نقدية لنصك / عناوين صغرى لمقال نقدي يمتد لعشرات الصفحات ….

تحية حب واحترام لكم ولكل أصدقائكم الذي وقعوا على نصكم .

وأعود معكم أصدقائي لأسئلة فلسفة الذات :

  • لماذا نريد أن نعرف؟ وهل يمكنني معرفة ذاتي؟
  • الى مدى أقدر على معرفة غيري؟
  • كيف يمكنني معرفة الواقع الخارجي؟
  • هل يمكننا معرفة جواهر الأشياء؟
  • هل يمكننا الوصول إلى الحقيقة؟.
  • هل تقول الكلمات ماهيات الأشياء؟
  • هل يمكن التعرف على الحقيقة بالبداهة، أم بالتثبت بالتجربة، أم بإعطاء أهمية إلى التأويل؟ هل يعد الجسم عائقا أمام المعرفة؟
  • هل ينقطع العلم عن الرأي المشترك؟
  • هل الرأي جاهل تماما، أو درجة من المعرفة المحتملة؟
  • هل أفكارنا متأصلة قبليا في ذهننا، أم أنها تأتي من التجربة عن طريق حواسنا؟
  • هل الزمان والمكان في ذواتنا أم في الطبيعة؟
  • فهل كل فعل هو مسألة رغبة، أم قلب أم عقل؟
  • هل يجب أن يطلب المرء المتعة أو الفضيلة؟
  • هل يجب أن نحارب الترف بالتزهد أم نطلبه وننهمك فيه؟ — هل يجب على المرء التحكم في خياله أو يعمل على تطويره وتوظيفه واستثماره؟
  • هل العاطفة خطيرة أم هي خيار مبجل في الحياة؟
  • هل يجب علينا التغلب على رغباتنا، أو تغيير نظام العالم؟
  • هل يبحث المرء عن وسيلة مناسبة أم يهتم بالغاية فحسب؟
  • هل الأنا مسؤولا عن الآخر، أم أنه عدوه؟
  • هل حريته مصدر مسؤولية أو ذنب؟
  • هل القانون طبيعي أم تقليدي؟
  • هل القوانين ضرورية للحياة الاجتماعية؟
  • هل السياسة هي علم الصالح العام وتخدم الأخلاق، أم هي فن النجاح؟
  • كيف وجدت حقوق الإنسان والمواطن؟
  • هل هي ذات مصدر متعال أم هي مشترك ديمقراطي؟
  • ما هو الصحيح والخاطئ فيها؟
  • هل الديمقراطية هي أفضل نظام سياسي في الكون؟
  • هل وجدت الدولة أساسها في الله أم في القوة أم في إرادة الشعب؟
  • ما المكان الذي يجب أن تترك فيه الدولة للحرية الفردية؟
  • كيف يتم صنع السلام بين الدول؟
  • هل يجب أن نثور ضد قوة جائرة ونقاوم الظلم بالعصيان المدني؟
  • ماذا يمكن أن أنتظر؟
  • ماهو الرجاء الذي يمكن أن يتوقعه المرء؟
  • هل الشمس تشرق غدا أم لا جديد تحت الشمس؟
  • إلى أي مدى يوجد عالم آخر؟
  • هل أنا موجود؟ كيف يمكن إثبات وجودي ؟
  • هل لدينا روح؟
  • ما علاقتها بالجسم؟
  • هل هي خالدة؟
  • لماذا يفنى الإنسان؟
  • هل يجب ألا نخاف من الفناء؟
  • هل قوة المعتقد، أم ضعف العقل؟
  • هل الفناء يحرر النفس من سجن الجسد؟
  • هل العقل يجعل الإيمان يختفي أم أنه يوجده؟
  • ما الإنسان؟
  • من أنا؟
  • هل لدي روح، أم أن فكري ينبع من المادة والحياة؟
  • هل الأنا في الأساس وعي، أم لدي وعي ولاوعي؟
  • ما هو فكري؟
  • هل يمكننا التفكير بدون كلمات؟
  • هل يجب أن نعارض عقولنا وجسدنا؟
  • هل يمكننا التحكم في رغباتنا؟
  • هل جوهر الإنسان هو الرغبة أم العمل؟
  • هل احتياجاتنا طبيعية، أكثر نفسية منها بيولوجية،
    اجتماعية؟
  • هل الإنسان حيوان اجتماعي؟
  • هل طفولتنا هي زمن الخطأ، أم البراءة، أم الانحراف؟
  • هل التاريخ البشري له معنى؟
  • هل أنا حر أو مصمم نفسيا، اجتماعيا واقتصاديا؟
  • هل يخلق الإنسان من علاقات اجتماعية أو هو خالق تقاريره وواضع مشاريعه؟
  • هل ينفر الإنسان من ذاته عن طريق التقنية؟

وفق الله جميعا أخي العزيز محمد الطايع ووفقك كل أصدقائنا وصديقاتنا الذين نكن لهم الحب والاحترام والتقدير لمجهودهم الكبير في الرقي الكلمة الصادقة الرصينة .

تقديم ديوان الشاعر أحمد بياض ( شمس الهجير ) بقلم : عقيلة مراجي

شكرا جزيلا لك أختي الفاضلة عقيلة مراجي
الشاعر المغربي أحمد بياض يصدر ديوانه الجديد

**شمس الهحير **

عن ديوان العرب للنشر والتوزيع_ مصر _ بور سعيد
تدقيق لغوي : نجاح العالم السرطاوي
تصميم الغلاف: محمد وجيه
الاتصال المسؤول الدار: محمد وجيه
للنشر والتوزيع

الشعر العربي, دراسات نقديه : عقيلة مراجي

/ازدانت الساحة الأدبية العربية بولادة ديوان شعري جديد صدر عن دار ديوان العرب للنشر و التوزيع بمصر، للشاعر المغربي المتميز أحمد بياض، وهو شاعر من العيار الثقيل، أبهر الكثير من النقاد بأسلوبه الفني المتميز، وشطحاته اللغوية على إيقاع القصيدة الحديثة. له العديد العديد من النصوص الشعرية التي تفتن القارئ بعمق التعبير والدلالة، وهو من الناشطين أيضا على صفحات التواصل الاجتمــــــاعي فيسبوك، حيث استطاع أن يخلق لشخصيته الشعرية مناخا خصبا في الأوساط الافتراضية أيضا.
الشاعر من مواليد 1956 بمكناس، المغرب، خريج المدرسة العليا للأساتذة، وأستاذ وباحث في مجال التربية والتكوين، “أتحف السّاحة الأدبية بالكثير من المؤلفات الأدبية والدراســــات الفكرية، فبعد ديوانه “مناجم في حوض الشتاء” الذي يعد باكورة أعماله الشعرية، ثم “كف على غسيل نجمة سرد تعبيري” يأتي ديوانه الثالث “شمس الهجير” ليمثل تجربة شعرية نـــــاضجة، ومتميزة ومتفردة أيضا، ويضم الديوان حوالي سبعة عشر قصيدة، تحمل العناوين الآتية على التوالي: (سواق، بيوت دون جدران، أغصان شـــــائكة، أوراق الصمت، جفن الرمـــــاد، ثوب الطريق، جسد الرمل، مدن الرخـــــــــام، حين ترتشف الأغلال حوض اليـــــاسمين، بقايا عطر، حبر ليل، شمس الهجير، أوبرا، سيل متبرج، أنثى السّبيل، تجاعيد الخنساء، صبابة) وقد قدمه له النّاقد العراقي عدي العبادي.
ويعتبر الديوان “شمس الهجير” من حيث القيمة الفنية تجربة شعرية ناضجة ومتفردة كما أسلفت، وهذه شهادة لا تزيد الشاعر شيئا في مكانته الأدبية بين شعراء العصر؛ حيث جاءت نصوصه المتفاوتة من حيث الحجم مثقلة بحمولات نفسية ومعرفية مختلفة تنفتح على الذات والآخر، وعلى الداخل والخارج، اشتغل فيها الكاتب على لغة انزياحية جمعت بين شعرية اللغة وجمالية الرمز، مما جعل قصائده تتميز بالنضج الفني والعمق اللغوي والثيماتي وصدق الشعور والعاطفة.
ويأخذنا الشاعر في هذا الديوان في جنبات الخيــــــــال، مبحرا في كل عوالم الوجـــــود، مخلخلا كل مألوف باحثا عن الجديد المثير الكــــامن في هـــــــــامش الرؤى، ورصيف الحياة ، فهو لم يقف عند حد من الحدود بل راح ينحت في جسد اللغة ما لم ينحته قبله شاعر من الشعراء، ولم يسبقه إليه كاتب فأسلوبه متميز عن كل الأساليب الشعرية الأخرى؛ حيث يتميز بالحنكة وحلاوة السبك، بدايات الدلالة عنده جلية للقارئ الماهر، ونهاياتها لا نطـــــاق لها، غهي تتعدى سلطة الزمان والمكــــــــــان، وتتضمن تجارب حياتية مختلفة تتقاطع في لحظة شعرية ما عاشها الكاتب أثناء وقبل لحظة الكتابة، ما يجعل القارئ يشعر أنه جزء من هذه التجربة الشعرية، لأن الطاقة العاطفية المتولدة من تجاور الكلمات في النص تبعث حركية كامنة في ذات المتلقي دون الوعي بحقيقة هذه الحركية أو بالوعي بها.
وقد جعل الشاعر من القميص والجسد ويوسف (عليه السلام) موتيفات نصية بارزة الحضور يمرر من خلالها أفكاره ورؤاه تجاه العالم الذي يعيش فيه، وبالرغم من أن الشاعر يبدو متشائما في نظرته، فإنه يظهر بين الفينة والفينة بعض شعاع الأمل، ويبذر في القفار بذور التفائل، حتى يمد القارئ بشحنة من الطاقة الإيجابية، كما أنه يظهر لقارئه بهيئة الحالم الذي لا ينفك يحلم بالغد المشرق رغم كل الصعاب، رغم الجوع ورغم الظمأ ورغم التيهان وسنين العجف الشاعر يحلم ولا يقطع حبل الأمل، يقول الشاعر في قصيدة “صبابة” :
“إن كان
لا بد أن تنامي
على خد الجوع
وتلتحفي شرفة الظمأ
فالبحر!
على قميص الجسد
يحضن الأنهر العطشى
ومداعبة الريح
خيالك!”

ويقول في القصيدة ذاتها :
“أنا
يا طفلتي:
نشيد
على وزرة موج
نعال صحراء
مكشوفة
أتسكع في مدن
الشرق
أبحث عن حلمي
حين تآكلت
عروق جفني”

كما يقول في قصيدة: “سيل متبرج”:
“والآتي
من صفير البوارج
سيأتي
مخبولًا
يحمل حلم الجسد
ووصية نسيها الرمل
على فانوس البحر
غربة
بجولة الفراق
إكسير حلم أبدي
هكذا الغائب
في ريح مسكونة
بالأرصاد”

ويلاحظ القارئ أيضا أثناء قراءته لنصوص الديوان التزام الشاعر بقضايا الوطن والأمة، كما يعزف أحيانا على أوتار الذات، فيبدو تارة منفتحا وتارة منغلقا لكنه في الأحوال كلها يغوص إلى العمق العميق من المعانى .
وهو يواري سوأة الروح يمر بنا على خيالات الظل في المآسي، فبيوت الشاعر دون جدران وروحه دون قميص، والرحلة حافية والجسد باهت والصمت خافت، والقمر وحده يبكي على شرفات القول، ولكن الغوث يكون من الكتابة وفي الكتابة، أين يعيش الشاعر تجربة جديدة كل مرة، لذلك هو ينادي قارئه بأن يقرأه ليفهمه، فيقول في قصيدة “سواق” وهي القصيدة التي تتصدر الديوان:
“عشرون سنة
أمام
الأبواب المستقلة
عن روح الأرض.
عشرون سنة
ذبيحة هلال القول
فاقرئيني
فالمداد
غيث الصوت
المداد
شهوة القيد
المداد
عشب الأشواق
الحافية
وجرح البحر”

ما يلاحظ على الديوان أيضا أن القصائد كلها تحمل الخصائص الفنية ذاتها فهي تتوالد من جبة شعرية واحدة في أشكال متشابهة وتتناص مع بعضها البعض شكلا ومضـــــمونا، ويمكن أن يسجل القارئ العبارات القصيرة التي تحمل التكتلات الشعورية، والصور المكثفة المتلاحقة ذات الأبعاد الدلالية المتوالدة، والإشعاعات الثقافية المنفتحة، ولعبة اللغة، ويبتعد الشاعر عن القوالب البلاغية الجاهزة والأساليب الإنشائية المهلهلة، كما نجده لا يؤثر الإيقاع الصوتي الخارجي، بل يتمركز حول إيقاعية اللفظ والصورة، وجمالية اللغة وعمق المعاني، يقول الشاعر في قصيدة “شمس الهجير ” وهي القصيدة التي حمل الديوان عنوانها :
“وتقول لي
على هلال غصن
وبحر وريث دمعة
وأعراس مدام
نتقاسمها
على رمق شمعة
وعروق صوم
أيام لنا
في رحلة الموج
وخريف الأشجار
-كم خد لك
على شرفات دمعي
حين تصحو من
ينابيع غيث شوقي ؟”
فلننظر إلى هذه الصور التي تتلاحق كقطع الليل المظلم. وإلى جماليتها ، فكيف يكون البحر وريث دمعة؟ وكيف يكون للدمع شرفات وعلى ماذا تطل هذه الشرفات؟ وهل للشوق غيث وهل هو ماء أم عطر أم شيء لا يكون إلا في عالم الشاعر ؟

حذا إن دل على شيء إنما يدل على خصوبة المخيلة عند الشاعر، فالكون كله والوجود كمثل العجينة يشكل بها الشاعر أشكالا شعرية لا تنتهي .

ولننظر إلى قوله في قصيدة “أوبرا”
” أعين تائهة
تبحث في دمية المساء
عن خليلة
وقلب باهت لعشيقة
تابوت الزكام
المتملص
من الذاكرة
بريق غامض
في عرس النسيان
حريق جفن
تاه عن الحصاد
بريق نشوة
في أحضان الموت
ضجيج الخطى
لا شجرة هناك
تنعش ناقوس الظل
نجمة هوت
من سراب النوافذ
على سماء
كف ضائع
الأقدام
تبحث عن مراهقة
الطريق
صداها منعدم
يحمل اختمار الأيام”

هو تلاعب بالألفاظ وبالمعاني، وصقل لتجربة شعرية بكلمات سكرى لا وجهة لها ولا شارع إلا ضفاف الشعر وأشرعة المعاني، حيث يبحر القارئ بلا مرساة وكل البحار تؤدي إلى الأنا وإلى الهو وإلى جدلية الحلم والواقع… بطريقة لا يمتلكها إلا الشاعر أحمد بياض.

وعموما فإن هذا الديوان الشعري المتميز يحمل بصدق بصمة الشاعر وهمــــــومه وانشغــــالاته، ونظرته العميقة إلى أحداث العصر بمختلف مرجعياتها وخلفياتها، ولذلك نجده يبدو متعبا.محهدا ومتأثرا بكل ما يحصل حوله، فتعب الشاعر نتيجة تراكمات وتكتلات شعورية أفرزها الزمن بأحداثه المختلفة. وبرغم النظرة السوداوية التي يتبناها غالبا في ديوانه، فإن جمالية الكلم والإنشاء تضفي على الديوان روعة الشعر وسحر الأدبية. فهنيئا للمكتبة العربية بهذا المؤلف الأدبي الشعري الراقي، وتحديات ملؤها التقدير والإعجاب للشاعر أحمد بياض./

# الشعر العربي # دراسات نقدية

الشاعر المغربي أحمد بياض يصدر ديوانه الجديد “شمس الهجير”
أدبياتJun 05, 2020

دراسة نقدية بقلم : عبدالرحمن الصوفي / المغرب

llدراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لقصيدة ( نكسة حزيران ) للشاعر ” عبد الجبار الفياض “
عنوان الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة : ” المدخل الاستنباطي / ( اشهد يا حزيران …. ) / بقلم : عبد الرحمن الصوفي / المغرب

مقدمة :

الشعر صنعة فن لغوي ، وتاريخ الشعر في كل بلدان المعمور هو تاريخ صناعة الكلمة التي عرفت تطورا نتيجة تطورات كبيرة عرفها مختلف العلوم الحقة و الإنسانية …. اللغة حقيقة مرتبطة بوسائل المعرفة ، وعندما تغتني وتتسع هذه الوسائل لابد من ميلاد حقيقة تستخرج وتستنبط من من ظواهر ملموسة يواكبها الفن والأدب نثره و شعره . يقول ” أوزيا ” : ” …يمكن القول وبكل وضوح بأنه من المستحيل تجاهل ارتباط الشعر بالمجتمع أو تجاهل مشكلة << أنا والآخرون >> أو رفض فكرة تأثير الشعب على المبدع …” ( 1)
كما أن ارتباط الفلسفة بالشعر يعود لبدايتهما ( الفلسفة نفسها بدأت صياغتها بالشعر ) ، فكانت الفلسفة في إرهاصاتها الأولى ردة فعل على غموض الوجود ورهبته ، فانطلقت في محاولتها الشبه أسطورية للتعامل مع الكون وفك ألغازه في قوالب وصيغ شعرية كما يعتقد ” نيتشه ” أن القول الفلسفي ، ككل محاولات القول الإنساني ، لن يستطيع الانفصال عن التعبير الشعري.

v مدخل الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة : المدخل الاستنباطي :Inference and Empathy Theory

جاء في كتاب ” النظرية الذرائعية في التطبيق ” : ” … تقوم نظرية الاستنتاج على مجال التقمّص الوجداني ، أي أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي مباشرة ، ويربط سلوكه رمزيًّا بحالته السيكولوجية الداخلية ، أي بمشاعره وعواطفه ، يصبح لسلوكه الإنساني معنىً يصبّ بمفهوم الذات ثم يتصل بالآخرين ويلاحظ سلوكهم ألمادي وعلى أساس تفسيراته السابقة لسلوكه ، يخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية…. ” ( 2 ). إن الكلام الحقيقي هو المعنى الموجود في النفس ، يقول الأخطل :

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما # جعل اللسان على الفؤاد دليلا

” … بمعنى آخر، إذا كان سلوكه يعكس هكذا من المشاعر إذا قام شخص آخر بهذا السلوك ، فهو أيضًا يعكس نفس المشاعر التي شعر بها حينما قام بهذا العمل هذا الرأي في التقمّص الوجداني يفترض أن الإنسان لديه معلومات من الدرجة الأولى عن نفسه ، ومن الدرجة الثانية عن الناس الآخرين ، فالإنسان لديه المقدرة على فهم نفسه نسبيًّا ، عن طريق تحليل سلوكه الذاتي ، ومن هذا التحليل يستطيع أن يخرج باستنتاجات عن الآخرين تقوم على هذا الأساس… ” ( 3 ) المرجع ( 2 نفسه ) … بمعنى أن حضور الأدب في نفسية الإنسان يخرجه من عمومية الناس ويدخله في خصوصية التقمّص النفسي ، وهذا ما عاد بنا إلى لحظات تذكرية تقمصية ( حزيران 1981 ) الذي يؤرخ لاحتجاجات اجتماعية شعبية شهدتها مدينة الدار البيضاء وباقي المدن المغربية … خرجنا في تظاهرتها التي خلفت عددا من الضحايا ، مما جعلها موضوع جدل حقوقي داخلي يؤرخ لمرحلة من مراحل “سنوات الرصاص… ” … ” وسقط جراء تلك الأحداث عدد من القتلى والجرحى اشتهروا لاحقا باسم “شهداء الكوميرا”، وهي كنية باللهجة المغربية تطلق على نوع من الخبز الفرنسي بعد أن أطلقها عليهم وزير الداخلية المغربي خلال تلك الفترة الراحل إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية ، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا….” ( 4 ).
ونسجل كذلك لحظاتنا التقمصية ونحن بين أسوار الجامعة المغربية ونحن نردد في التظاهرات الطلابية:

اشهد يا حزيران
في يومك العشرين
وطني انار الدرب
و النصر مشتعل
في يقظة الفلاح
في صرخة العامل
في ثورة الجمهور
يا شعبنا البطل
سعيدة يا زروال
دهكون يا رحال
مواكل الابطال
بالوعد تتصل
من مخبر المهدي
من عمر
عن روعة الاوطوروت
و باس من نزلوا
مدينة البيضاء
يا درب من قتلوا
ابناؤك الفقراء
اليوم قد وصلوا

وارتدائي قصيدة ( نكسة حزيران ) للشاعر ” عبد الجبار الفياض ” هو الطريق الذي سأسلكه في دراستي النقدية الذرائعية ، متتبعا وحدات التحليل الاستنباطي الذرائعي .

1 – حكمة اللغة عند الشاعر ” عبد الجبار الفياض ” في قصيدة ” نكسة حزيران ” :

يقول الشاعر والناقد الأدبي الفرنسي” إيف بونفوا “في اللغة العربية : ” … هي مكان طبيعي للشعر ، ولها الطاقة الجمالية تفتح الكتابة العربية على أفق لا نهائي من الموسيقى….” ( 5 ). لم يكن ” بونفوا ” وحده من استشعر تلك الطاقة اللامتناهية من الإيقاع في اللغة العربية ، بنثرها وشعرها ، فهي ليست مجرد حروف أبجدية أو كلمات مرتبة بل هي روح غامضة تستعصي على الوصف وهي كذلك خصبة التجارب الجمالية البحتة.
لنتأمل حكمة اللغة عند الشاعر في القفلة الأولى من القصيدة ( نحرث البحر !؟ بأسنان المشط !؟ / نقتات دوران الناعور !؟ لسقاية أرض يباب !؟ / خمسون عاما = النكسة العربية :

خمسون عاماً
ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط
وعلى الرّيحِ البَذار. . .
نقتاتُ دورانَ النّاعورِ لسقايةِ أرضٍ يباب . . .
لا سنابلَ
يُخيفُها منجلٌ عجوز. . .
لا بيادرَ
يأكلُ منها منقارُ طيرٍ
تيبّسَ من جوع. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نُعيدُ ذبحَ الحُسين . . .
صلبَ المسيح. . .
نُخرجُ الحلاّجَ من قبرِهِ
لنمثّلَ بهِ أيّامَ التّشريق . . .
أينَها مطرقةُ قاضٍ
تدمغُ باطلَ الحبرِ السّريّ ؟
الرّصاصُ أساسُ الحُكم. . .
خمسون عاراً

ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
اللغة حكمة عبقرية شاعر يجمع الكلمة والإيقاع ، دون أن تخرج اللغة عن تخوم المعنى، ودون أن تطغى الصورة على المعنى الفعلي ( نخرج الحلاج من قبره / لنمثل به أيام التشريق …) .
يقول الناقد الناقد الاستاذ ” أكرم ابو الراغب ” : ” … جاءت قصيدتك عبارة عن صور إن صح التعبير ـ تنقلنا من دفقة شعورية إلى أخرى تعززها وتشد من بنائيتها ، سمعت من خلالها موسيقا خارجية متمثلة في الفاظك وتراكيبك المتعانقة ، عززها في هذا الانسياب السلس الذي يريح القارئ ، ويجعله منسجما مع القصيدة دون تعثر ، أو عوائق … إضافة إلى هذه الألفاظ والبنى التي شكلت النسيج الجميل للقصيدة ، وما تحمله تلك الكلمات من دلالات عميقة تجعل من القصيدة بنائية متماسكة ومتلاحمة ، كدفقات شعورية قوية ومتلاحقة عكست عن معاناة حقيقية وتجربة شعورية صادقة . حقيقة لا يستطيع القارئ أن يعطي القصيدة حقها في قراءة عاجلة ، إذ لا بد له من قراءة متأنية معمقة لأن كل كلمة فيها تحكي شيئا ، وتصور حدثا وتروي قصة… ” ( 6 ) .

2 – موعظة وعبرة اللغة في قصيدة ” نكسة حزيران ” :

النكسة وقبلها النكبة عكستا أحداثا كانت أكبر من إمكانية استيعابها ، ومن ثم تأثير اللغة النفسي على الإنسان العربي ، سواء الأجيال التي عايشتهما أو أخرى سمعت عنها وخبرت نتائجها ….لم يسعفنا فى قليله أو كثيره ، أن الإعلام والثقافة والجدل فى بلداننا العربية ومنتدياتنا التي ظلت تردد على مدى نصف قرن تحليل أسباب النكسة وجذور الهزيمة وسبل إنقاذ العالم العربي … ودروس « النكسة » والعبر منها…لكن الذي يهمنا في دراستنا هو تكنيك الموعظة والعبرة عند الشاعر .
إن لغة الشاعر مصدرها الشعور من خلال علاقة وطيدة تجمع بين الفن والروح ، خاصة وأن الفن عند العربي لا يتنزل من آلهة يعلمنه الشعر ولكنه ينبع من أعماقه وذلك ما ترصده أخي ” الناقد الاستاذ ابراهيم ابو شندي ” حيث يقول : ” … الخمسون يا صديقي لم تعد خمسون .. بل أضحت سبعون وتزيد .. وأهل البنادق اصبحت لهم ارجل وعواكيز .. الماجدات من اهلنا اشجار تموت .. قصب من حناء الاصابع .. رتق في القلب المواجع .. شغف طفل حلم بالحلوى ولم تأته .. زنابق الورد غدت رؤوس افاع .. أصنام هي الآمال لا تموت .. والفجيعة تغزو كل البيوت .. الجداول أرهقها المسير .. والصعود للينابيع عسير .. خمسون هانت يا صديقي والسبعون تهون ..!! هناك .. في لجة الخوف الحزن جميل .. أكوام من جثث متعفنة .. في السراديب والخنادق .. في الساحات وفوق أعواد المشانق .. في الازقة وتحت الردم .. في الشوارع والمساجد .. تسمع الانين والعويل .. ولكل صوت قصة .. تتشابك الحكايات والتفاصيل .. وهناك عناوين تتصدر المشهد .. تسمى (الهزيمة) .. بل النكسة الكبرى .. !! يعصرني .. يقهرني .. ويثير في الغضب .. ذاك النداء القادم من عصابة تسمى(جامعة العرب) .. الشجب والاستنكار , والبحث عن حقوق في هيئة الامم .. وأي أمم تلك التي تكالبت على بلادكم , وتتكئ على أوجاعكم ؟ . أي نكرة انتم؟ وقد قالها فيكم شاعر العراق المظفر ماذا بعد الهزيمة والنكسة , الا المذلة والخذلان .. وهاأنتم تشربون من كأسه ولن تملوا.. !! .. .. تساوت كل المعاني .. الخوف .. الموت .. الهزيمة .. الخذلان .. ولم يبق سوى صوت واحد .. هو النصر .. ذلك يحدث غربي النهر .. ومن تبقى يعدون السنين , وعصي الجلاد .. وستبقى أمشاطهم تحرث أمواج البحر , لعلهم يجدون الأمان..!! …. هذا النضج في قصيدك يبهرني .. ويحفز في اشياء تلهمني الكلمات.. يعلمني الشوق للمفردات .. لقد أعجزتني علما بما أقول .. ورددت الي حب اللغة والابجدية .. حقا الاستاذ والصديق العزيز عبد الجبار الفياض , لقد اوغلت في عمق المعاني , ورسمت بكلماتك اللوحة المعقدة لأمة ارهقتها الهزائم .. وباتت تقتل بعضها بعضا .. أمعنت في قراءة التفاصيل بجرأة واقتدار .. سطرت اجمل المعاني وهي تنساب كشلال صاف .. اعجبني ذلك البناء الشفيق في تراكيب القصيدة , فجعل منها بنيانا شامخا .. كأنك تحمله فوق هامتك بإحساس ثوري أبي , فتخلده بشرى للأجيال .. بورك نبضك وشموخ قلمك الابي ….” . ( 7 )

خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
خمسون
ونحنُ لم نزلْ
نتعلّمُ آدابَ الدّخولِ إلى الكنيف . . .
نُصغي بانتباهٍ لقارئةِ الفنجان . . .
تفتُنُنا خطوطُ الكّفِ في شمسِ المعارف . . .
خمسون
ندسُّ الكذبَ الملوّنَ في كراريسِ الصّغار
نُقيّدُ خطوَهم في دروبِ البقاء . . .
في عيونِهم
نغتالُ عصافيرَ الصّباح. . .
من غير تبجيلٍ نَدَعهُ
يسفُّ جوعَه
من طباشيرِ سبورةِ زمنهِ الكسيح . . .

يمكن النظر لـ”النكسة” كأحد أبرز مصطلحات التهوين . كما أن مصطلح ” النكسة ” غطى على حقائق كارثية منها الهزيمة الفعلية للجيوش العربية ، وطرد آلاف الفلسطينيين من أرضهم… يقول ” هيكل ” : ” …. للتعبيرات قوة تأثيرها فى حركة الأحداث ، عندما تقول هزيمة فإن كل شيء قد انتهى ، وعليك أن تقر بما جرى وتستسلم له ، بينما تعبير النكسة يساعد على لملمة الجراح … ولتأكيد إرادة القتال من جديد …”. ( 8 )
أما البعض الآخر فيرى في مصطلح “النكسة” جريمة لتخدير الشعوب العربية ومحاولة لإخفاء حجم الكارثة التي تمثلت بأكبر هزيمة في تاريخ الحروب الحديثة ، سواء من ناحية حجم الأطراف التي خاضتها أو من ناحية سرعة الحسم أو من ناحية نتائجها الكارثية وآثارها بعيدة المدى على كافة المستويات والأصعدة.

“هوامش على دفتر النكسة” / نزار قباني

لأن ما نحسه أكبر من أوراقنا/ لا بد أن نخجل من أشعارنا إذا خسرنا الحرب/ لا غرابه لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه/بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة/ لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة”… كتب الشاعر نزار قباني قصيدته “هوامش على دفتر النكسة” عقب الهزيمة مباشرة، فانتشرت على نطاق واسع …. ( 9 ) .

3 – عقلانية اللغة في قصيدة ” نكسة حزيران ” :

يعدّ التقمّص الوجداني إحساس بالتواصل مع الآخرين مع القدرة على معايشة أحاسيسهم الداخلية ، وهي صفات يملكها الناقد الرصين ، فيقارنها استنباطًا بصاحب النص ، فينطلق من نفسه أولًا ، و من ثقافته وتجربته النقدية الأدبية الذاتية ، ويلاحق ما يجده من حالات وإرهاصات يتشابه هو و الأديب فيها ، ويكون أكثر دراية بمقارنة هذا التقمّص في الحالتين ، واستخراج ما لا يستطيع استخراجه الإنسان أو المتلقي العادي…. فينتج عن هذا التقمّص الإنساني استنباطًا لما يجول بخاطر الشاعر و يسجّله ويستنتج ويستنبط الأفكار المخبوءة ما بين السطور.
ظل الشعر و الأدب عموما والفلسفة ممتزجين ومتصلين ببعضهما منذ بداية الفكر الإنساني وحتى العصور الحديثة ، يُستخدَم الشاعر ” عبد الجبار الفياض ” عقلانية لغته للدلالة على الكتابة الخيالية والجمالية كوعاء للأفكار التي تحتويها ( نأكل سقط متاعهم بلذة إفطار بعد صوم/ نلعق أصابعنا قبل كل وليمة ) ، كما ابتعدت عقلانية لغته عن فلسفة استخدام اللغة العلمية التي تلتزم منهجًا معينًا بهدف الوصول إلى نتائج وبراهين محددة ، أي أن عقلانية لغته ذات تأثير جمالي وتعبيري ( خارطة وجع يومي / تمتد من المحيط إلى الخليج / نبيع الدم العربي بسعر حزم البرسيم في مواسم الحصاد / نطبعه وشم انتصار على جدر المساجد ) ، وهذه العقلانية اللغوية كتب بها ” نيتشه ” ( هكذا تكلم زرادشت ) ، وكتب بها ” هيدغر ” الذي يقول : ” يجب أن نمارس الفلسفة في شكل قصائد ” ( 10 ) المرجع (5) نفسه ) ، فماهية العقلانية اللغوية تجعل من الشعر مؤسسا للوجود ، وماهية البشرية أن تحيا شعرا ، أو كما تقول ” هولدرلين ” : ” … وما يبقى يؤسسه الشعراء ” . ( 11 ) ( المرجع ( 5) نفسه ) .

خمسون
ونحنُ نلهثُ وراءَ عرّابينَ
كنّا لهم طوعَ البنان. . .
نأكلُ سقطَ متاعِهم بلذةِ إفطارٍ بعدَ صوم . . .
نلعقُ أصابعَنا قبلَ كُلِّ وليمة
نكيلُ لهُم الثّناءَ بلا صِواع . . .
خمسون
وغِشاوةُ الجّنس
تحجبُ عنّا شروقَ الشّمس. . .
ماءٌ يُراقُ
كانَ في الوجهِ عزيزاً
لا يُراق. . .
تعلّمْنا فنَّ البَذاءاتِ الملفوفةِ بورقِ
التّواليت. . .
خمسون
خارطةُ وَجعٍ يوميّ
تمتدُّ من المحيطِ إلى الخليج . . .
حربٌ بين فوقِنا وتحتِنا
رَفدْناها سنيناً من غباء . . .

نبيعُ الدّمَ العربيّ بسعرِ حُزمِ البرسيمِ في مواسمِ الحصاد . . .
نطبعُهُ وشمَ انتصارٍ على جُدرِ المساجد . . .
العقلانية اللغوية فلسفة الشاعر خبرها عبر التجربة كعاشق للغته وكشاعر يكتب قصيدته التي تختلف بالضرورة عن قصائد غيره من الشعراء وفي نفس الموضوع ” النكسة العربية ” كدهشة محركة ومولدة للتفلسف العقلاني اللغوي .
يقول الشاعر” نعمة يوسف” عن قصيدة (النكسة) : ” حينما تقرأ للشاعر الجليل الأستاذ عبد الجبار الفياض ، تجده يفيض شعرا وحبا وإإنسانية ..تجد نفسك وأنت أمام ((معلقة شعرية)) أو ((مسلة شاهقة)) دونت ونحتت على جدرانها المتعددة مشحونة بأنواع الألم والوجع والمأساة بلغة تصلح لكل العصور و كأنها كتبت قبل الآف السنين وليس اليوم .. النكسة والخيبات والفشل … وأنت تقرأ النص وما مكتوب في فحواه حتى تجد نفسك تشاهد صور ورسومات تتحدث عن الملوك والأنبياء ، عن معجزاتهم وخيباتهم ، عن هبوط الديانات مع رسلها ، يكتب لنا مدونات على هذه الجدران ، جدران ملاحم الشاعر الفياض السومري المتميزة ، الشاعر الذي تمتد روحه لكل حضارات العراق السابقة ليومنا هذا ، بكل خسائرها ها ودمارها دونما هناك بصيصا للفرح والسعادة.. إنها روح السومري الشجاع الوطني …خمسون عاراً … خمسون …خمسون .. خمسون … خمسون عاما من الذل والعهر ! … هو ليس نصا أو خطابا يعبر عن إحدى النكسات التاريخية وينساب على المسامع بكل الوجع حاملا كل ((الخيبات )) ((والهزائم )) المتعاقبة التي مرت والتي لم تأت بعد …. كأنها رواية مأساوية قصيرة محملة بصور شعرية موجعة مليئة بالفقدان ، قصص تحمل رسائل إنسان وطني يشعر بغربة الوطن بين البلدان وغربته أيضا داخل الوطن ، حكايا بصور شعرية نسجت بين الخيال والذكرى والواقع … هي ملحمة أو معلقة أو مسلة
بما ورد فيها هو عبارة عن هيجان بحر من اللغة والصورة والإنسانية والمواقف الوطنية الكبرى للشاعر لمعنى النكسة والخذلان في الوطن المفقود ، هي هواجس وحنين رغبات متكسرة في ذلك الأنين والصوت الذي يدنو من خمرة الذكرى للوطن المعافى وليس الكسيح … …” ( 12 )

4- التوازن الانفعالي للغة الشاعر في قصيدة ” نكسة حزيران”

يتفوّق النقد حين يصبح مهمًّا جدًّا في مراقبة ومواكبة الأدب ، وتوجيهه نحو المسلك الأرقى ، الذي يرتفع به المجتمع فكريًّا وثقافيًّا وحضاريًّا ، لذلك تقاس مهارة الناقد وسطوته النقدية بالجانب المخبوء من النصوص الأدبية أكثر من الجانب العيني أو البصري ، وهو ما يشير له جميع فلاسفة النقد . نتقمّص شخصية الشاعر للبحث عن مفاهيم ودلالات التوازن الانفعالي للغة الشاعر الفلسفية والاجتماعية و الإنسانية … لأن الشعر حالة وجدانية تصيب الشاعر و فيها يختلف عن عموم الناس .
إن التوازن الانفعالي للغة الشاغر في قصيدته كان موجودًا قبل أن يشرع فكره في التفكير من خلال كلمتي : ( خمسون عاما + خمسون ) ( خمسون عاماً / ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط / وعلى الرّيحِ البَذار. . . / نقتاتُ دورانَ النّاعورِ / لسقايةِ أرضٍ يباب . . . / لا سنابلَ / يُخيفُها منجلٌ عجوز. . . / لا بيادرَ / يأكلُ منها منقارُ طيرٍ / تيبّسَ من جوع. . . خمسون عاماً) ، توازن انفعالي للغة الشاعر التي ترصد مصير أمة ، لأن الشعر هو اللغة الأصلية للشعور ، وهو الكلمات الانفعالية المتوازنة للغة تنطلق من مخيلة الإنسان .

خمسون
نحشو جيوبَ الغُرباءِ من جيوبِ أرضٍ
شهدتْ مهبطَ كُلِّ الأنبياء . . .
نأتي بالسّلاحِ موتاً
نجربُهُ لقطفِ أرواحِ الأقربين . . .
نعلّمُ الأخَ كيفَ يفري بطنَ أخيه؟
يحفرُ لهُ جُبّاً
ليدفنَهُ حيّاً ذاتَ يوم. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نستبدلُ حروفَ الإنحناءِ بحروفِ الخُبزِ من صناديقِ الأمم . . .
ليسَ لنا من الذّهبِ الأسودِ سوى دخانهِ الأسود . . .
خمسون
وحسابُ اللّصوصِ أرضٌ حرام
مَنْ يحاولُ تقليبَ صفحاتِهِ الحصينةِ
يموت. . .
حقائبُهُ حُبلى
تُلقي حملَها بعيداً في أقبيةٍ
تجهلُها بوصلةُ المكان!
خمسون

يرى «جيل دولوز» أن «الفلسفة بتدقيق كبير هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم» دون الاكتفاء بالتأمل الذي هو حقل يسع كل الناس ، وليس حِكرًا على الفلاسفة لوحدهم . لذلك أعتبر إن الشعر يجعلنا نرى التوازن الانفعالي للغة مألوفا في تجلياته الأولى والمدهشة ، في حين تجعلنا الفلسفة نرى الغريب مألوفًا.

خمسون
نصنعُ سيوفَاً من جريدِ النّخلِ لحربٍ في بقاعٍ خالية . . .
مهزومون حتى في نصفِ رقعةِ شطرنج
تُثقلُ صدورَنا نياشينُ الهروبِ من الحروب . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نلعنُ الأميركيَّ الذي مضى الذي حضر
الذي يأتي
ونحنُ لم نشبعْ من شمِّ رائحةِ إبطيْه . . .
هل للتّفاهةِ وجهٌ آخر ؟
خمسون

إن فكر التوازن الانفعالي للغة لا يكون فلسفيًّا دائمًا ، فهو تارة يكون فلسفيًّا، وأخرى شعريًّا، وطريقة التعامل مع اللغة هي سبب الالتباس . ( تصنغ سيوفا من جريد النخل لحرب في بقاع خالية …/ مهزومون حتى في نصف رقعة شطرنج ) . يعتمد التوازن الانفعالي للغة عند الشاعر ” عبد الجبار الفياض على الصور والمجازات والاستعارات بكثافة تجعل الفكر يلتحم مع العقلانية اللغوية ، بالرغم أن المطلوب في الشعر أن تفضل العاطفة على العقل ( هل للتفاهة وجه آخر ؟ ) ، وتنفتح على سؤال الشعر الفلسفي.

نشنقُ شفاهَ الرّفضِ على أعمدةِ أمانِ الأمّة
سلامةِ سلطانِ الأمة. . .
ايةُ أمّةٍ تمحو أسمَ الأمّة ؟
نُطعمُ القبورَ لحمَ الزّاحفينَ لكتابةِ جديدِ الأمة . . .
خمسون
ونحنُ نطوفُ بأصنامٍ
أوصلتْنا إلى وحلِ هزيمةٍ
ما بقيَ لنا بعدَها حبلُ غسيل . . .
إلى ذيلِ الرّكبِ
مُصفّدين بأغلالِ خوفٍ
رُكّبَ من خوف. . .
خمسون
نترجمُ نقيقَ الضّفادع
نردّدُ كُلّ صباحٍ صوتَ صفيرِ البُلبل . . .
نقطعُ حناجرَ هُتافٍ لوطنٍ
يتكيءُ على منسأةٍ من عصورٍ
لم يبقَ منها سوى شاهدة. . .
نرقبُ كافورَ كي يذبحَ لنا العيدَ من قفا . . .
خمسون
ونحنُ نسرقُ نحنُ
نشتمُ نحنُ
نصنعُ خناجرَ من ظلامٍ لطعنِ نحنُ
النّاسُ للأمامِ إلآ نحنُ . . .
خمسون عاما
كذبوا علينا
وما زالوا يكذبون. . .
مؤتمراتُ الجّماجمِ الفارغة
تنفضُّ ببياناتٍ فارغة. . .
تُتلى بمفرداتٍ فارغة
إلآ من وعودٍ فارغة. . .
يا للفراغِ المقدّسِ الذي نعيشُهُ بجيوبٍ فارغة !
فمتى الرّجمُ أيّتُها النّطفُ الباقية ؟
لا
لا تخرُجي الآن
فكُلُّ شيءٍ ملوّثٌ إلآ ما رحِمَ ربّي !
قالَها من قبلُ رجلٌ من العراق *
(لا استثني أحداً. . .
ربَما
الإستثناءُ اهترأ. . .
لا بأسَ
أنْ يُعادَ رتقُهُ من جديد
بعدَ أنْ استعادَ سمعَهم الأموات !!
. . . . .

الشاعر في قصيدته يترك الواقعي متحسرا إلى الخيالي ، يحاور الحلم يغازله ويداعبه ويداعبه ، بل يخلقه ويجعل فيه حياة ، ويستأنس به ، ويجعل من كل ما هو صغير الشأن أسطورة في عين الرائي/السامع/القارئ ( يا للفراغ المقدس الذي نعيشه بجيوب فارغة ! / فمتى الرجم أيتها النطف الباقية ؟) الشاعر يؤسس وجودًا آخر أكثر رحابة ، وحياة خيالية ، لكنها حيوية أكثر من حياتنا المعيشة.
إن الشاعر يخلق التوازن الانفعالي للغته ، أي أن لغته تصبح أكثر تواصلية من اللغة العادية الشعرية شريطة أن يتعامل معها القارئ بحرية. إذ تتبدل وظائف الحواس ، ما يجعل الأذن ترى ، والعين تسمع ، والصمت يتكلم ، والكلام يخرس …

الدراسة من إعداد : عبد الرحمن الصوفي / المغرب


القصيدة كاملة :

نكسة حزيران ( 5 حزيران 1967 ) / بقلم الشاعر : عبد الجبار الفياض / العراق

خمسون عاماً
ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط
وعلى الرّيحِ البَذار. . .
نقتاتُ دورانَ النّاعورِ لسقايةِ أرضٍ يباب . . .
لا سنابلَ
يُخيفُها منجلٌ عجوز. . .
لا بيادرَ
يأكلُ منها منقارُ طيرٍ
تيبّسَ من جوع. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نُعيدُ ذبحَ الحُسين . . .
صلبَ المسيح. . .
نُخرجُ الحلاّجَ من قبرِهِ
لنمثّلَ بهِ أيّامَ التّشريق . . .
أينَها مطرقةُ قاضٍ
تدمغُ باطلَ الحبرِ السّريّ ؟
الرّصاصُ أساسُ الحُكم. . .
خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
خمسون
ونحنُ لم نزلْ
نتعلّمُ آدابَ الدّخولِ إلى الكنيف . . .
نُصغي بانتباهٍ لقارئةِ الفنجان . . .
تفتُنُنا خطوطُ الكّفِ في شمسِ المعارف . . .
خمسون
ندسُّ الكذبَ الملوّنَ في كراريسِ الصّغار
نُقيّدُ خطوَهم في دروبِ البقاء . . .
في عيونِهم
نغتالُ عصافيرَ الصّباح. . .
من غير تبجيلٍ نَدَعهُ
يسفُّ جوعَه
من طباشيرِ سبورةِ زمنهِ الكسيح . . .
خمسون
ونحنُ نلهثُ وراءَ عرّابينَ
كنّا لهم طوعَ البنان. . .
نأكلُ سقطَ متاعِهم بلذةِ إفطارٍ بعدَ صوم . . .
نلعقُ أصابعَنا قبلَ كُلِّ وليمة
نكيلُ لهُم الثّناءَ بلا صِواع . . .
خمسون
وغِشاوةُ الجّنس
تحجبُ عنّا شروقَ الشّمس. . .
ماءٌ يُراقُ
كانَ في الوجهِ عزيزاً
لا يُراق. . .
تعلّمْنا فنَّ البَذاءاتِ الملفوفةِ بورقِ
التّواليت. . .
خمسون
خارطةُ وَجعٍ يوميّ
تمتدُّ من المحيطِ إلى الخليج . . .
حربٌ بين فوقِنا وتحتِنا
رَفدْناها سنيناً من غباء . . .
نبيعُ الدّمَ العربيّ بسعرِ حُزمِ البرسيمِ في مواسمِ الحصاد . . .
نطبعُهُ وشمَ انتصارٍ على جُدرِ المساجد . . .
خمسون
نحشو جيوبَ الغُرباءِ من جيوبِ أرضٍ
شهدتْ مهبطَ كُلِّ الأنبياء . . .
نأتي بالسّلاحِ موتاً
نجربُهُ لقطفِ أرواحِ الأقربين . . .
نعلّمُ الأخَ كيفَ يفري بطنَ أخيه؟
يحفرُ لهُ جُبّاً
ليدفنَهُ حيّاً ذاتَ يوم. . .
خمسون عاماً
ونحنُ نستبدلُ حروفَ الإنحناءِ بحروفِ الخُبزِ من صناديقِ الأمم . . .
ليسَ لنا من الذّهبِ الأسودِ سوى دخانهِ الأسود . . .
خمسون
وحسابُ اللّصوصِ أرضٌ حرام
مَنْ يحاولُ تقليبَ صفحاتِهِ الحصينةِ
يموت. . .
حقائبُهُ حُبلى
تُلقي حملَها بعيداً في أقبيةٍ
تجهلُها بوصلةُ المكان!
خمسون
نصنعُ سيوفَاً من جريدِ النّخلِ لحربٍ في بقاعٍ خالية . . .
مهزومون حتى في نصفِ رقعةِ شطرنج
تُثقلُ صدورَنا نياشينُ الهروبِ من الحروب . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نلعنُ الأميركيَّ الذي مضى الذي حضر
الذي يأتي
ونحنُ لم نشبعْ من شمِّ رائحةِ إبطيْه . . .
هل للتّفاهةِ وجهٌ آخر ؟
خمسون
نشنقُ شفاهَ الرّفضِ على أعمدةِ أمانِ الأمّة
سلامةِ سلطانِ الأمة. . .
ايةُ أمّةٍ تمحو أسمَ الأمّة ؟
نُطعمُ القبورَ لحمَ الزّاحفينَ لكتابةِ جديدِ الأمة . . .
خمسون
ونحنُ نطوفُ بأصنامٍ
أوصلتْنا إلى وحلِ هزيمةٍ
ما بقيَ لنا بعدَها حبلُ غسيل . . .
إلى ذيلِ الرّكبِ
مُصفّدين بأغلالِ خوفٍ
رُكّبَ من خوف. . .
خمسون
نترجمُ نقيقَ الضّفادع
نردّدُ كُلّ صباحٍ صوتَ صفيرِ البُلبل . . .
نقطعُ حناجرَ هُتافٍ لوطنٍ
يتكيءُ على منسأةٍ من عصورٍ
لم يبقَ منها سوى شاهدة. . .
نرقبُ كافورَ كي يذبحَ لنا العيدَ من قفا . . .
خمسون
ونحنُ نسرقُ نحنُ
نشتمُ نحنُ
نصنعُ خناجرَ من ظلامٍ لطعنِ نحنُ
النّاسُ للأمامِ إلآ نحنُ. . .
خمسون عاما
كذبوا علينا
وما زالوا يكذبون. . .
مؤتمراتُ الجّماجمِ الفارغة
تنفضُّ ببياناتٍ فارغة. . .
تُتلى بمفرداتٍ فارغة
إلآ من وعودٍ فارغة. . .
يا للفراغِ المقدّسِ الذي نعيشُهُ بجيوبٍ فارغة !
فمتى الرّجمُ أيّتُها النّطفُ الباقية ؟
لا
لا تخرُجي الآن
فكُلُّ شيءٍ ملوّثٌ إلآ ما رحِمَ ربّي !
قالَها من قبلُ رجلٌ من العراق *
(لا استثني أحداً. . .
ربَما
الإستثناءُ اهترأ. . .
لا بأسَ
أنْ يُعادَ رتقُهُ من جديد
بعدَ أنْ استعادَ سمعَهم الأموات !!
. . . . .
عبد الجبّار الفيّاض
5 /حزيران/ 2020

* الكبير النّواب.

الهوامش :
1 – مجلة الأقلام / عدد 11 / 1980 / الصفحة 18
2 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي
3 – المرجع ( 2 ) نفسه
4 – الملحق الثقافي / الاتحاد الاشتراكي / 16 / 3 / 1993
5 – الكرمل / عدد 25 / الصفحة 88
6 – منقول من صفحة الشاعر الفيسبوكية
8 – العلم الثقافي / 23 / 10 / 1988
9 – عالم الفكر / عدد 11 / الصفحة 45
10 – المرجع ( 5) نفسه / الصفحة 12
11 – المرجع ( 5) نفسه / الصحة 18
12 – منقول من صفحة الشاعر الفبسبوكية

بقلم : رشيد الأطرش / المغرب

…حديقتي.. ذاك الأفق …

تتفتح أوراق حديقتي الطوباوية
تتحول إلى لهب
لتنتهي في حاضري المغيب
تتدفق ألوانها في داخلي مشاعرا
تتدفق قواعدها في داخلي أحاسيسا
في كل عيد و بدون عيد!

أيها الحاضر!
عند كل غروب الشمس
تنسحب نحو الموت!
يبكي وليدك
ما تركت في قلبه الجريح
سوى عزاء قُبْلة النسيان
أيها الحاضر!
عند كل غروب الشمس
تنسحب نحو الموت!
ليستيقظ حفيدك
على أنين أسطح الليل
ضوضاء الألم و الحزن
و صمت قلب من جليد!

أيها الحاضر
موتك البطيء
يجلب الألم الحقيقي.
يشعرني باستنزاف طاقتي
يظل فكري في الغياهيب نائما
و بصري عن الأفق المشرق لا يحيد

تسقط الأمطار
تشبع جدران حديقتي الطوباوية
تذوب أساساتها ..
تجرفها المياه..تجرفها المياه
في مجرى المياه تستحم ذاكرتي..
تاخذ شكل كل الأحجام .. بدقة و تحديد.

عند الغسق ..
الوميض يضيء الهواء
لا ينتهي أبداً.
لازالت كل أوراق حديقتي
بداخلي..تتحول
تتحول إلى شهب
عند غروب الشمس
تتعقب كل ظلام شديد ..

أيها الحاضر!
استحم بدموعي..لا تنم
لتزهر كل أوراق الألوان
لتستمر ذاكرتي..
في كل الأحجام..عند كل الأحجام
تحترق رؤيتي عند الأفق
أستمع الى أنفاسي المظلمة
لابد للألم أن يستجيب
لا بد لحاضري أن يسعد كل حفيد .

أيها الحاضر !
أنا ذاك الكل في طفولتي
و هل يحفظ الطفل جسد الأم
عند الغياب؟!
أو فقط يبكي عزلته البدائية!؟
أعيش في تكوينات الماضي/وليد حاضري
تفاصيل الظلام!
لا بد للماضي أن يستفيق
لينفصل عن الأساطير
ليزحف داخل غياب الفراغ
من أجل ذاك الأفق المشرق
الذي عنه عيناي لا تحيد…!

….
رشيد الأطرش شفشاون المغرب…07/06/2020

بقلم : عبدالجبار الفياض

نكسة حزيران
(5/ حزيران /1967)

خمسون عاماً
ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط
وعلى الرّيحِ البَذار . . .
نقتاتُ دورانَ النّاعورِ لسقايةِ أرضٍ يباب . . .
لا سنابلَ
يُخيفُها منجلٌ عجوز . . .
لا بيادرَ
يأكلُ منها منقارُ طيرٍ
تيبّسَ من جوع . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نُعيدُ ذبحَ الحُسين . . .
صلبَ المسيح . . .
نُخرجُ الحلاّجَ من قبرِهِ
لنمثّلَ بهِ أيّامَ التّشريق . . .
أينَها مطرقةُ قاضٍ
تدمغُ باطلَ الحبرِ السّريّ ؟
الرّصاصُ أساسُ الحُكم . . .
خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
خمسون
ونحنُ لم نزلْ
نتعلّمُ آدابَ الدّخولِ إلى الكنيف . . .
نُصغي بانتباهٍ لقارئةِ الفنجان . . .
تفتُنُنا خطوطُ الكّفِ في شمسِ المعارف . . .
خمسون
ندسُّ الكذبَ الملوّنَ في كراريسِ الصّغار
نُقيّدُ خطوَهم في دروبِ البقاء . . .
في عيونِهم
نغتالُ عصافيرَ الصّباح . . .
من غير تبجيلٍ نَدَعهُ
يسفُّ جوعَه
من طباشيرِ سبورةِ زمنهِ الكسيح . . .
خمسون
ونحنُ نلهثُ وراءَ عرّابينَ
كنّا لهم طوعَ البنان . . .
نأكلُ سقطَ متاعِهم بلذةِ إفطارٍ بعدَ صوم . . .
نلعقُ أصابعَنا قبلَ كُلِّ وليمة
نكيلُ لهُم الثّناءَ بلا صِواع . . .
خمسون
وغِشاوةُ الجّنس
تحجبُ عنّا شروقَ الشّمس . . .
ماءٌ يُراقُ
كانَ في الوجهِ عزيزاً
لا يُراق . . .
تعلّمْنا فنَّ البَذاءاتِ الملفوفةِ بورقِ
التّواليت . . .
خمسون
خارطةُ وَجعٍ يوميّ
تمتدُّ من المحيطِ إلى الخليج . . .
حربٌ بين فوقِنا وتحتِنا
رَفدْناها سنيناً من غباء . . .
نبيعُ الدّمَ العربيّ بسعرِ حُزمِ البرسيمِ في مواسمِ الحصاد . . .
نطبعُهُ وشمَ انتصارٍ على جُدرِ المساجد . . .
خمسون
نحشو جيوبَ الغُرباءِ من جيوبِ أرضٍ
شهدتْ مهبطَ كُلِّ الأنبياء . . .
نأتي بالسّلاحِ موتاً
نجربُهُ لقطفِ أرواحِ الأقربين . . .
نعلّمُ الأخَ كيفَ يفري بطنَ أخيه؟
يحفرُ لهُ جُبّاً
ليدفنَهُ حيّاً ذاتَ يوم . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نستبدلُ حروفَ الإنحناءِ بحروفِ الخُبزِ من صناديقِ الأمم . . .
ليسَ لنا من الذّهبِ الأسودِ سوى دخانهِ الأسود . . .
خمسون
وحسابُ اللّصوصِ أرضٌ حرام
مَنْ يحاولُ تقليبَ صفحاتِهِ الحصينةِ
يموت . . .
حقائبُهُ حُبلى
تُلقي حملَها بعيداً في أقبيةٍ
تجهلُها بوصلةُ المكان !
خمسون
نصنعُ سيوفَاً من جريدِ النّخلِ لحربٍ في بقاعٍ خالية . . .
مهزومون حتى في نصفِ رقعةِ شطرنج
تُثقلُ صدورَنا نياشينُ الهروبِ من الحروب . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نلعنُ الأميركيَّ الذي مضى الذي حضر
الذي يأتي
ونحنُ لم نشبعْ من شمِّ رائحةِ إبطيْه . . .
هل للتّفاهةِ وجهٌ آخر ؟
خمسون
نشنقُ شفاهَ الرّفضِ على أعمدةِ أمانِ الأمّة
سلامةِ سلطانِ الأمة . . .
ايةُ أمّةٍ تمحو أسمَ الأمّة ؟
نُطعمُ القبورَ لحمَ الزّاحفينَ لكتابةِ جديدِ الأمة . . .
خمسون
ونحنُ نطوفُ بأصنامٍ
أوصلتْنا إلى وحلِ هزيمةٍ
ما بقيَ لنا بعدَها حبلُ غسيل . . .
إلى ذيلِ الرّكبِ
مُصفّدين بأغلالِ خوفٍ
رُكّبَ من خوف . . .
خمسون
نترجمُ نقيقَ الضّفادع
نردّدُ كُلّ صباحٍ صوتَ صفيرِ البُلبل . . .
نقطعُ حناجرَ هُتافٍ لوطنٍ
يتكيءُ على منسأةٍ من عصورٍ
لم يبقَ منها سوى شاهدة . . .
نرقبُ كافورَ كي يذبحَ لنا العيدَ من قفا . . .
خمسون
ونحنُ نسرقُ نحنُ
نشتمُ نحنُ
نصنعُ خناجرَ من ظلامٍ لطعنِ نحنُ
النّاسُ للأمامِ إلآ نحنُ . . .
خمسون عاما
كذبوا علينا
وما زالوا يكذبون . . .
مؤتمراتُ الجّماجمِ الفارغة
تنفضُّ ببياناتٍ فارغة . . .
تُتلى بمفرداتٍ فارغة
إلآ من وعودٍ فارغة . . .
يا للفراغِ المقدّسِ الذي نعيشُهُ بجيوبٍ فارغة !
فمتى الرّجمُ أيّتُها النّطفُ الباقية ؟
لا
لا تخرُجي الآن
فكُلُّ شيءٍ ملوّثٌ إلآ ما رحِمَ ربّي !
قالَها من قبلُ رجلٌ من العراق *
(لا استثني أحداً . . .
ربَما
الإستثناءُ اهترأ . . .
لا بأسَ
أنْ يُعادَ رتقُهُ من جديد
بعدَ أنْ استعادَ سمعَهم الأموات !!
. . . . .
عبد الجبّار الفيّاض
5 /حزيران/ 2020

  • الكبير النّواب .

بقلم : أحمد بياض

تلك النافذة****

تلك النافذة
على أوتار المقل
لتستريح عيناك
بلحن الصمت
كالوردة المغسولة بالدم
تمدح لحن الفراشات
وتدمع عينيك
حين تقرأ سورة التراب
حين تعيد صورة الصبا
على مرآة نجمة
وتحاكي
تجاعيد الخريف
على عزف الريح
وتمسح دموع نخلة
مخلوعة
طال دمعها
ولثم مصحفها اليتيم
شغف الحبر
على صفحة ثمرة……..
على صفحة الجمر.

ذ بياض احمد المغرب

بقلم : عب

نكسة حزيران
(5/ حزيران /1967)

خمسون عاماً
ونحنُ نحرثُ البحرَ بأسنانِ المشط
وعلى الرّيحِ البَذار . . .
نقتاتُ دورانَ النّاعورِ لسقايةِ أرضٍ يباب . . .
لا سنابلَ
يُخيفُها منجلٌ عجوز . . .
لا بيادرَ
يأكلُ منها منقارُ طيرٍ
تيبّسَ من جوع . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نُعيدُ ذبحَ الحُسين . . .
صلبَ المسيح . . .
نُخرجُ الحلاّجَ من قبرِهِ
لنمثّلَ بهِ أيّامَ التّشريق . . .
أينَها مطرقةُ قاضٍ
تدمغُ باطلَ الحبرِ السّريّ ؟
الرّصاصُ أساسُ الحُكم . . .
خمسون عاراً
ونحنُ نضرعُ إلى السّماءِ أنْ تجودَ بما أُنزلَ على قومِ موسى النّبيّ . . .
أنْ تفتحَ أمامَنا الأبوابَ من غيرِ مفتاحٍ يُدار . . .
خمسون
ونحنُ لم نزلْ
نتعلّمُ آدابَ الدّخولِ إلى الكنيف . . .
نُصغي بانتباهٍ لقارئةِ الفنجان . . .
تفتُنُنا خطوطُ الكّفِ في شمسِ المعارف . . .
خمسون
ندسُّ الكذبَ الملوّنَ في كراريسِ الصّغار
نُقيّدُ خطوَهم في دروبِ البقاء . . .
في عيونِهم
نغتالُ عصافيرَ الصّباح . . .
من غير تبجيلٍ نَدَعهُ
يسفُّ جوعَه
من طباشيرِ سبورةِ زمنهِ الكسيح . . .
خمسون
ونحنُ نلهثُ وراءَ عرّابينَ
كنّا لهم طوعَ البنان . . .
نأكلُ سقطَ متاعِهم بلذةِ إفطارٍ بعدَ صوم . . .
نلعقُ أصابعَنا قبلَ كُلِّ وليمة
نكيلُ لهُم الثّناءَ بلا صِواع . . .
خمسون
وغِشاوةُ الجّنس
تحجبُ عنّا شروقَ الشّمس . . .
ماءٌ يُراقُ
كانَ في الوجهِ عزيزاً
لا يُراق . . .
تعلّمْنا فنَّ البَذاءاتِ الملفوفةِ بورقِ
التّواليت . . .
خمسون
خارطةُ وَجعٍ يوميّ
تمتدُّ من المحيطِ إلى الخليج . . .
حربٌ بين فوقِنا وتحتِنا
رَفدْناها سنيناً من غباء . . .
نبيعُ الدّمَ العربيّ بسعرِ حُزمِ البرسيمِ في مواسمِ الحصاد . . .
نطبعُهُ وشمَ انتصارٍ على جُدرِ المساجد . . .
خمسون
نحشو جيوبَ الغُرباءِ من جيوبِ أرضٍ
شهدتْ مهبطَ كُلِّ الأنبياء . . .
نأتي بالسّلاحِ موتاً
نجربُهُ لقطفِ أرواحِ الأقربين . . .
نعلّمُ الأخَ كيفَ يفري بطنَ أخيه؟
يحفرُ لهُ جُبّاً
ليدفنَهُ حيّاً ذاتَ يوم . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نستبدلُ حروفَ الإنحناءِ بحروفِ الخُبزِ من صناديقِ الأمم . . .
ليسَ لنا من الذّهبِ الأسودِ سوى دخانهِ الأسود . . .
خمسون
وحسابُ اللّصوصِ أرضٌ حرام
مَنْ يحاولُ تقليبَ صفحاتِهِ الحصينةِ
يموت . . .
حقائبُهُ حُبلى
تُلقي حملَها بعيداً في أقبيةٍ
تجهلُها بوصلةُ المكان !
خمسون
نصنعُ سيوفَاً من جريدِ النّخلِ لحربٍ في بقاعٍ خالية . . .
مهزومون حتى في نصفِ رقعةِ شطرنج
تُثقلُ صدورَنا نياشينُ الهروبِ من الحروب . . .
خمسون عاماً
ونحنُ نلعنُ الأميركيَّ الذي مضى الذي حضر
الذي يأتي
ونحنُ لم نشبعْ من شمِّ رائحةِ إبطيْه . . .
هل للتّفاهةِ وجهٌ آخر ؟
خمسون
نشنقُ شفاهَ الرّفضِ على أعمدةِ أمانِ الأمّة
سلامةِ سلطانِ الأمة . . .
ايةُ أمّةٍ تمحو أسمَ الأمّة ؟
نُطعمُ القبورَ لحمَ الزّاحفينَ لكتابةِ جديدِ الأمة . . .
خمسون
ونحنُ نطوفُ بأصنامٍ
أوصلتْنا إلى وحلِ هزيمةٍ
ما بقيَ لنا بعدَها حبلُ غسيل . . .
إلى ذيلِ الرّكبِ
مُصفّدين بأغلالِ خوفٍ
رُكّبَ من خوف . . .
خمسون
نترجمُ نقيقَ الضّفادع
نردّدُ كُلّ صباحٍ صوتَ صفيرِ البُلبل . . .
نقطعُ حناجرَ هُتافٍ لوطنٍ
يتكيءُ على منسأةٍ من عصورٍ
لم يبقَ منها سوى شاهدة . . .
نرقبُ كافورَ كي يذبحَ لنا العيدَ من قفا . . .
خمسون
ونحنُ نسرقُ نحنُ
نشتمُ نحنُ
نصنعُ خناجرَ من ظلامٍ لطعنِ نحنُ
النّاسُ للأمامِ إلآ نحنُ . . .
خمسون عاما
كذبوا علينا
وما زالوا يكذبون . . .
مؤتمراتُ الجّماجمِ الفارغة
تنفضُّ ببياناتٍ فارغة . . .
تُتلى بمفرداتٍ فارغة
إلآ من وعودٍ فارغة . . .
يا للفراغِ المقدّسِ الذي نعيشُهُ بجيوبٍ فارغة !
فمتى الرّجمُ أيّتُها النّطفُ الباقية ؟
لا
لا تخرُجي الآن
فكُلُّ شيءٍ ملوّثٌ إلآ ما رحِمَ ربّي !
قالَها من قبلُ رجلٌ من العراق *
(لا استثني أحداً . . .
ربَما
الإستثناءُ اهترأ . . .
لا بأسَ
أنْ يُعادَ رتقُهُ من جديد
بعدَ أنْ استعادَ سمعَهم الأموات !!
. . . . .
عبد الجبّار الفيّاض
5 /حزيران/ 2020

  • الكبير النّواب .

بقلم : عبدالعزيز النضام

أياعيدُ
جِئتنا أيا عيدُ
وَفينا حزينٌ وسعيدُ
نُراوغُ أحاسيسَ قُلوبنا
وفي مُجتمعنا شريدُ
نُذيب أوجاعَ تخبُّطنا
ومطارِدنا غولٌ عنيدُ
نُحاولُ صُنعَ فَرحنا
والأيامُ ضيْقها شديدُ
فلا يُفرج عنْ هُمومنا
سوى قدومكَ يا عيدُ
وَبكعك تتزين موائِدنا
وعصائرَ شرابها لذيذُ
فتزهو نفوسُ أحبّتنا
بأُنسِها يبتهجُ الوحيدُ
طوبى لنا بِمَجْمعِنا
في حضرتكَ ياعيدُ
ياصانعَ وَحْدةَ تضامُننا
مَحبةٓ في عَلاقتها تجديدُ
تُحافِظُ على رَوابطنا
بِها يُصبحُ الإنسان سعيدُ.

بقلم : عبد العزيز النضام
بروكسل 15 يونيو 2018
مشاركة ملوك الحرف سجال مفتوح
كعكة العيد..
ومن ديوان ” عاصفة الحروف ” الصادر بجمهورية مصر العربية..12 / 2018

بقلم : نورالدين خيي

كسلى ترقص الكلمات القلم الشاعر نورالدين خيي

مسافر في الأمس
الذكرى مطفأة
على غير هدى
أمشي في الفراغات
مستعينا بالصدى و الحدس
وتكبر في غفلة مني
هذه الرغبات
أن أضيئ الكون
أن أعبث بالمسلمات
محلقا بفكري
وكسلى ترقص الكلمات
ها أنا أشكل الحبر
في هذا الأبيض المثير
الذي لطالما أغرقني
في بحيرة الحيرة الآسنة
ولجة السؤال
مستسلما تماما
للحرب الدائرة بين
المنطق المطلق
والخيال الجانح في اختيال
قد لا أبني فكرة
وقد لا أهدم أخرى
أنا هنا فقط
لأسكت هذه الأصوات
المقيمة في رأسي
وأطفئ النار
المزمنة في صدري

بقلم : عبدالكريم أحمد الزيدي

نَصِيف الرُوح
………………………..

وَتَسألِينَ لِمَ الاقمٰارُ لاٰ تَلِـدُ
حٰالَ النَجُومِ فِي أفلاٰكِها تَزِدُ

وَعَنِ الاعدٰادِ لاٰ تَأتِي بِأوَلِهٰا
رَقماً تَظَلُ إذٰا مٰا زِدتِهٰا عَدَدُ

وَكَـذٰا الايّامُ لاٰ تَرجَـع بِنٰا خَلَفاً
ثَكلٰى عَجُوزٍ لا يُرجٰى لَهٰا أمَدُ

وَذِي الاحلاٰمُ مِن أيدِينٰا نُضَّيِعُهٰا
مِثلَ الرّبِيعِ أذٰا مٰا عٰادَ يُفتَقَدُ

كَأنِي وَأنتِ تَسألِينَ وَمٰا أنٰا
جَدْياً بِمٰا تَهوٰى تَفعَلُ الأُسُدُ

بِاللّهِ مٰا جَدوٰى مَتٰى عُرِفَت
أشيٰاءَ إِنْ تُبدٰى حِينَهٰا كَمَدُ

وَمٰا تَدرِي نَصِيفَ الرُّوحِ أَنِّي
بِغَيْرِكِ لاٰ أرضٰى هَوىً أبَدُ

أسٰاوِي فِي هَوٰاكِ العُمرَ كُلِّه
وَمٰاذٰا بَعدَ بَذلِ العُمرِ يُجتَهدُ

وَأنِي مٰا أمِنتُ الصَبرَ فِيكِ
وَلاٰ يَوماً وَجَدتُ الهَزلَ مُلتَحدُ

قُولِي وَإنْ طٰابَت بِذِي نَحِسٍ
دُنيّاً فَمٰا جٰادَت لَهُ رَغَـدُ

لاٰ تَسألِي إِنِّي خَبَرتُ اللَّظـٰى
فِرَقاً مِنَ الضِيقِ أطوِيهٰا وَتَتَحِدُ
…………………………………
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق/ بَغداد

بقلم : عبدالجبار الفياض

بغداد

من أينَ لعرّافٍ
تخطّى عتبةَ الظّنِ
أنْ يُحلّقَ بما لم يبلغْهُ خيالُ فيلسوفٍ في أروقةِ أثينا ؟
شاعرٌ
هامَ في أوديةِ عبقر سنينَ طوال ؟
أن يلمَّكِ سِفْراً
يرى صفحتَهُ الأخيرةَ بما وفَتْ بهِ حروفُ الأبجديّة . . .
يا لهذا الذي لا يضيقُ إلآ ليتسع . . .
ليأتِ بعدَهُ ما يأتي
فلنْ يفضَّ مِسكَ ما خَتَمتْ !
. . . . .
أيُّها الغيمُ المهاجرُ
قفْ . . .
بغدادُ
تستحم
فخائنةُ عينِ الشّمسِ
تخرقُ ثقوبَ الأستار . . .
قد لا يُريدُ الحُسنُ أنْ يبوحَ بما أخفتْهُ أوراقُ التّوت . . .
أيّتُها الشّهرزادُ التي لم يسكتْها صباحٌ عن مُباح . . .
من غيرِ قِماطٍ
ولدتِ
قرّةَ عينٍ لأٌمٍ
أرضعتْ تحتَ فارعاتِ نخليهِ سوادَاً
بسطَ يداً لزُغبِ طيرٍ حتى . . .
ما أغلقَ باباً لطالبهِ
ولو كانَ حاصباً لباسقاتِ رطبِه !
. . . . .
ربَما
تشقّقَ الشّعرُ يوماً من جفاف ،
لخصبهِ من رضابٍ من لُماكِ يعود . . .
ربَّ زمنٍ أغبرَ وجهاً
أدار
لا يُكملُ دورةَ اسمهِ
إلآ أتاكِ بكُلِّ ما اعتذرَ بهِ النّابغة !
كيفَ للياليكِ أنْ تنسى فتيةً
جمعوا شفيفَ غزلٍ من أوديةٍ
لا يهيمُ بها إلآ شاعرٌ جُنَّ من وَلَه ؟
علّهُ
يأتي لمها رصافتِكِ مهراً
لم يأتِ بهِ جنٌّ زمنَ سليمانَ النّبيّ . . .
. . . . .
هتفَ الخليع *
عليكم
أفرغتْ ما غلا من قواريرِ سحرِها بغداد . . .
حينَ يفتحُ الفجرُ عينيهِ
لا يرى الأجملَ إلآ على مرايا دجلتِها السّلام . . .
قد تبتلعُ حمائمُها هديلَها يوماً
لكنَّ حزنَها لنْ يسيلَ على خدِّها دمعة . . .
رُبَما
كنتم من قبلِ هذا حَجَراً
لم تنبجسْ منهُ عينُ ماء . . .
فأصبحتمْ من فيوضاتِ حُبِّها تملؤونَ قلوباً
خلتْ من نبضاتِ وَجد . . .
. . . . .
يُيمّمُ الشّعراءُ صوبَها كعبةَ شعر
يفيضونَ منها بمسّّ من عِشق !
دونَكم ما وهبَتْ لها ملائكةُ الحُسن . . .
صِلوها
أينَ ما ذهبتْ بكم أين
فمسافاتُ العشقِ بأنفاسِه . . .
هل كانتْ صحراءُ المجنونِ إلآ راحةَ طفل؟
ليتَ التّرحالُ يكسرُ عصاهُ في ديارِ معشوقِه . . .
دعوا لياليَكم
تصنعُ فجراً آخر . . .
فللشّعرِ
كُلّما اظلمَّ عصرٌ
شروق !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
27 / 5 / 20

  • لقب اشتهر به الشاعر العباسي الحسين بن الضّحاك .

بقلم : د . محمد الإدريسي

نِيرون و عَرَبِسْتان
ماتَ الحارِقُ
خَلَدَتْ المحْروقَة
روما شُيِّدَتْ مِن جَديد
تَعيشُ عَهْدَها السَّعيد
كَمْ نيرون عِنْدَ العُرْبان
حَرَقوا النَّسْلَ و البُلْدان
زَرَعوا الظُّلْمَ و الحِرْمان
كَمْ تَحَمَّلْتَ أيُّها الانْسان
مِن أعْمال وَرَثَةِ الشَّيْطان
لِنيرون روما واحدةٌ حُرِقَت
في قَهْرِسْتان الآلاف خُنِقَت
عُيونٌ لا تَرى إلاَّ ما أُمِرَت
رِياحٌ الظُّلْمِ الهَوْجاءُ هَبَّت
رَأَيْنا كَيْفَ المَسْتورَ عَرَّت
فَضائِحَ العُقودِ و السَّنَوات
جاءَ هامان بالدّين الجَديد
اِبْنُهُ سَنَّ و قَنَّنَ التَّجْديد
لِمُعارضيه النّارُ و الحَديد
أحَلَّ تَناوُلَ الخَمْر
أحَلَّ لُعَبَ القِمار
المُفْتي لا يُتْقِنُ العَرَبِيّة
مِنْ مَدارِس التَّلْمود العِبْريَّة
أخَفُّ الضَّرَر قَتْلُ الاخْوَة
صَهْيونِيُّ الهوى
بالنَّازِيَة يَتَباهى
بالفاشِيَة دَهّى
بالعُنْصِرَية اِلْتَهى
يُؤْمَرُ فَيُطيع
يُخَدِّرُ القَطيع
أُسْلوبٌ فَظيع
زَغْرَدَ المُذيع
حِصْنٌ مَنيع
هَمّازٌ سَميع
الخَطيبُ مِن الصَّهايِنة
يَوْمَ السَّبْتِ بَدَلَ الجُمُعَة
حائطُ المَبْكى و السُّنَّة
لِمَناسِكِ الحَجِّ و العُمْرَة
الأحَدُ لِلتَّرفيه و السَّهْرة
تُقَدَّمُ كُلُّ أنواعِ الخَمْرَة
الجُمُعَة إعْدامات بالجُمْلة
باقي الأيّام الأعْمالِ الشّاقَّة
بالدِّماء كُلُّ الأرْضِ تُسْقى
تُقْطَعُ الرُّؤوسُ عِنْدَ الضُّحى
أما أشْبَعَتْكُم بَعْدُ كَثْرَةُ الدَّم؟
منْ عَلَّمَكُم فَنَّ الاجْرام؟
مَن أصابَكُم بهذا الزُّكام؟
حَتّى في الشَّهْر الحَرام
شَهْرِ التَّسامُحِ و الصِّيام
شَهْرِ الصَّدَقاتِ و القِيام
شَهْر أهْلِ الذِّكْرِ و الوِئام
دُوَيْلات عِبْرِيَةٌ في انْسِجام
تَتَحالَفُ مِن أجْلِ الانْتِقام
تَعْبَثُ في الأرْضِ مُنْذُ أعْوام
آلِهَتُهُم آلِهَةُ الشَّرِّ لا تَنام
عادوا إلى عِبادَة الأصْنام
الإنْسانُ المُغَيَّبُ بانْتِظام
إن فِقْتَ يَوْماً مِن سُباتِك
تَرى مَنْ يُخَطِّطُ لِحَياتِك
مِساحَةُ التَّفْكيرِ إذا تَقَلَّصَت
تَموتُ العَزيمَةُ تَبْقى الرَّغَبات
ما بالرَّغبات تُهْزَمُ النَّكَبات
المَقْموعُ لا يَصْنَعُ الانْتِصارات
بقُوَّةِ العَزيمَةِ تُسْتَرَدُّ الحُرِّيات
كما بالعِلْم تُبْنى الحضارات
طنجة 01/06/2020
د. محمد الإدريسي

بقلم : عبدالعزيز أبو رضى بلبصيلي

قصيدة بعنوان:. ليتني جمادٱ.
بقلم عبد العزيز ابو رضى بلبصيلي.

ليتني جمادٱ
أتماسك صلابة وعنادٱ.
أستخف بوديان الغضب
وهي تجري..
وأغرس في الأرض أوتادٱ.
ليتني نباتٱ
بجذور عميقة أزداد ثباتٱ
فسيول الحنق تنخر صبري
لا تستكين بثاتا.
ليتني طيفٱ
لا أكسر ولا ولا أعصر
أختفي مع ٱلامي ولا أظهر
وأكتفي به ذاتٱ.
ضاق القلب بما جمع
ليس فيه بعد متسع
حفروٱ فيه أجداثٱ.
أرى ضباعٱ جعلت دمنا مشاعٱ
أجهزت على كل الأحلام
واغتالتها تباعٱ…
يحسبوننا أموتٱ.
صعب السباحة ضد الثيار
لا قيمة لعود بلا أوثار
من الرمال تشيد قصرٱ
وخبث الورى موج
يحطم حلم الحب أشتاتٱ.

بقلم عبد العزيز ابو رضى بلبصيلي.
ٱسفي.. المغرب..4.6.2020

بقلم : هشام حسنابي / المغرب

«غربة المثقف»

يقول أبو الطيب المتنبي «ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِه وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ» ، و يقول أيضا الشاعر العباسي إبن المعتز « وَحَلَاوَةُ الدُنْيَا لِجَاهِلِهَا وَمَرَارَةُ الدُنْيَا لِمَنْ عَقَلا».

غربة المفكر من نتائج فرادته ، لأن غربته عن محيطه الإجتماعي ليست خيارا و لا هي سبب ، بل هي نتيجة توغله بفكره إلى مستوى أعلى من منسوب الوعي السائد من حوله ، هذه هي الغربة الحقيقية غربة الفكر غربة الوعي لا غربة الجسد ، ولهذا يغدو هذا الإنسان وحيدا لا يساير الناس لا في أفراحها ولا أقراحها و لا يشكوا حتى لأحد منهم ما هو به ، بعد أن فقد حس الإنتماء إلى ثقافته الجماعة ثقافة القطيع ليعيش حسرة خسارتهم بالنقمة عليهم و على أوهام السعادة التي أفرحتهم فأحزنته
لذلك يعيش كل عبقري و كل مفكر و كل معمل للعقل بحرية مأساته الفردية عبر تفكيره الدائم بما لا يفكر به الآخرون أبدا.

ولكن هل من حق المفاضلة بين مأساة المعرفة و سعادة الجاهل هل يمكن ان يحيى من اكتشف زيف ما كان يعتقده حقا، أن يعود إلى زيف حياته الإجتماعية السابقة ؟ بصراحة أقول لكم إن الأمر يكاد يكون مستحيلا لأن مشاركة الفرد أفراح الجماعة و اطراحها سيكون بمثابة تسوية لا واعية لما سيؤول إليه أمر موافقته على ما يتفق معه ، و لذلك سيبقى الصراع بين رغبتهم و رغبته بين ما يريدوه له و ما يريده لنفسه ،، سيكون الصراع بين إرضائه لعقله من ناحية و مصالحة كيانه الإجتماعي العام من ناحيه أخرى ، صراع لابد أن يحسم بخيار من إثنين أطإما تغييب وعيه و تفكيره و الإنخراط مجددا في كنف القطيع و إما الخروج إلى صقيع كيانه الفردي الخاص.

نيتشه بما يملك من حساسية مفرطة و تمرد جامح منذ الولادة لم يتردد أبدا في سلوك الخيار الثاني فأسرع فارا إلى وحدته إلى حيث يستغني بعقله عن مجالسة البشر ، المنقادين بهدى إيمان ميتافيزيقي ، أسقطه هو بالضربة القاضية ، لم يعد نيتشه قادرا على التواجد في محيط يجد نفسه فيه محاصرا بسيل من المواقف و الآراء المتفقة بالإجماع على مدح ظاهرة ما ، صنما عقليا ما، فكر أو عقيدة قديمة تفوح منها رائحة عفن السنين لا يراه هو أهلا للمدح و الثناء ، مما يجعله هذا الموقف أمام خيارين أحلاهما مر كما يقال ، و أما أن يتكلم و سيجرفه بالتالي لا محاله تيار هيجان القطيع الثائر، و إما أن يلوذ بالصمت الممتليء حسرا على ما يواجهه من قمع الجموع المغيبة العقل و الإرادة الغفيرة و ليس أبلغ من نيتشه كي يصف لنا حال الإغتراب الفكري هذا حال غربة المثقف المفكر المستنير و إشكالية الإنتماء و نعمة الجهل ، ففي رسالة بعثها إلى أخته إليزابيث سنجد نيتشه يشكو حاله ، حال من أوصله عقله و أوصلته ثقافته الواسعة إلى إفتضاح أوهام الحقيقة التي كما يقال لم تبقي له من صاحب.

يقول نيتشه مخاطبا شقيقته اليزابيث « أين هؤلاء الأصدقاء القدامى الذين كنت أشعر معهم في السنوات الماضية أننا متقاربين كليا و الآن يبدو لي أنني كنت أنتمي إلى عالم مختلف عما هو الآن ، و يبدو لي أننا أصبحنا لا نتكلم نفس اللغة ، أشعر أنني أصبحت غريبا و منبوذا ، أتنقل بينهم هنا و هناك و لا أجد أي من كلماتهم أو إهتماماتهم يثير شغفي، أصبحت صامتا لأن لا أحد منهم يستطيع فهم حديثي ، إنه لأمر رهيب أن تلتزم الصمت بينما لديك الكثير لتقوله ، هل خلقت لحياة العزلة أو لحياة لا استطيع فيها التحدث مع أحد ، إن عدم القدرة على تبادل أفكاري مع الآخرين هو أسوأ و أفظع أنواع العزلة على الإطلاق ، إن الإختلاف على الآخرين هو أقسى و أفضع من أي قناع حديدي يمكن للفرد أن يعزل بداخله »

فهذه هي كلمات نيتشه ، هذا هو نيتشه إنسان جنى عليه عقله حينما دفعه بلا هوادة نحو إغتراف معرفي واسع مما لا يتفق أبدا و خصوصية مجتمع أضيق من أن يستوعب عبقرية بحجمه او بحجم موقفه من حياتنا التي عكر صفوتها فكدرها بمعول نقده و تقويضه لحقائقنا من خلال إفتضاح و تعريته لهشاشة منظوماتنا العقدية و الأخلاقية ، و أن ما تؤمن به ما هو إلا أكذوبة خلقناها بأنفسنا لنريح أنفسنا من داء وجودنا الناقص ابدا

وإذا كان الإستغراق و النوم في الوهم جميلا من حيث أنه يريحنا من مشقة التفكير فاغن جنون نيتشه كان لإنعدام نومه نتيجة لأرق و قلق منعاه من أن يغمض له جفن طيلة حياته ، و ما سبيل نيتشه إلى النوم و كم يستطيع أن يصمد في سباته و إلى أي حد هو قادر على مواجهة صوت الأحكام الجاهزة و المبرمة بحق تمرده على ما تحيى به الجماعة ! فكان أن ٱختار فيلسوف المطرقة ، اليقظة الفكرية، التي جنحت به أكثر فأكثر إلى هذيانه الجنوني هذا الجنون جنون نيتشه الذي ما هو في حقيقته إلا صخب أسئلة كبرى ، إما أن توصلك إجاباتها إلى الجنون و إما أن تسلم عقلك و تطفيء وعيك و تقف في مكانك كي تموت غيظا و أنت تبتسم.

هشام حسنابي

بقلم : هشام حسنابي

ويلات جبران خليل جبران
«كتاب حديقة النبي»

عندما أذكر إسم جبران خليل جبران أول ما يرتسم على مخيلتي على الفور صورة رجل مرهف الحس ، لكن في نفس الوقت يملك من الصلابة الشيء الكثير و أراه و أتخيله يحمل بين يديه معولا و قد انحنى إلى الأمام قليلا و كأنه يريد أن يستجمع كل قواه ينهال بعدها بالمعول ضربا و تهديما على بناء قديم متصنم عاث فيه الفساد و يخيم عليه شبح التخلف و الجهل و استوطنه الظلم و الاستبداد

في الحقيقة أردت من هذه الصورة الرمزية أو من هذه المقدمة الرمزية أن اوضح بعض المعالم الكبرى لنتاج جبران الأدبي و الفلسفي و الفكري الذي أثار و تعاطى مع أزمات و إشكاليات زمانه و واقعة و التي من الممكن أن نختزلها في ثلاث كلمات رئيسية هي الألم ثم الثورة و من ثم محاولات خلاص يائسة

الواقع الذي عبر عنه جبران خليل جبران كان الواقع الذي تناوله الأدب و فترة أدب النهضة العربية بشكل عام آنذاك كان واقعا سيئا متدهورا متخلفا ، و على كل المستويات خاصة في المقام الأول على المستوى الحضاري قياسا بالغرب المتطور في ذلك الوقت ، و هذا الواقع السيء المتردي كان قائما و كان نتيجة لحقبة تاريخية طويلة تمتد إلى البدايات الأولى وصولا إلى معرفة الفترة بعد الرشدية ، طبعا اذا كنا نتحدث عن واقع جبران السيء في عصره و ما سبقه مثل أساسا و نتيجة لنظام الإستبداد العثماني الذي توقف منذ الحضارة العربية التي خلفتة في ذلك الوقت لكن هذا الإستبداد حال دون ظهوره و نضوجه مرة أخرى دون تطوره لفترة طويلة من الزمن

فجبران في ظل هذه الصورة الكبيرة ركز إنتاجه الفكري و الأدبي نحو مضمونين رئيسيين إستهدف الأول إصلاح الواقع تغير معهما وجوه و إزاحة كل الترسبات القديمة لعل هذه الأمة تستفيق من سباتها الحضارري الراكد منذ أمد طويل ، و استشرف الثاني شق طريق المستقبل و إرساء قواعد بنيانه أو بناءه و تقدمه و ازدهاره و هذا أمر أكيد ليس مطلقا بالأمر السهل ، طبعا في ظل كل التعقيدات و الأزمات و الإشكاليات ، و لا ننسى تسلط الماضي بكل جموده و أفكاره و عاداته و تقاليده لذلك سنجد أن جبران تنبأ بأن الآتي من الأيام لن يكون مزهرا لورود التفائل ، ما لم نشمر عن سواعدنا لإزالة كل الشوك من طريق سيرنا و تقدمنا إلى الأمام أو صعودنا إلى الاعالي

في الشق الأول، تكلم جبران عن ندمائه سواء في الرابطة القلمية أو أقرانه من المفكرين و معاصريه، أنهم أدوا رسالتهم إلى العلا بغض النظر عن تقييم هذه التجارب و مدى نجاحها و تأثيرها على الواقع الذي كان قائما لأن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو الشق الثاني شق المستقبل الذي سنجد أن جبران خليل جبران رسم لنا خارطة من مثل خارطة طريق مستقبلية و ألف من تسع ويلات ، إذا ما إستطعنا تجنبها فسنكون كما يرى أمة أو اوطان تكون قادرة بنفسها على إنتزاع دور و مكان لها تحت ظل الشمس و في ركاب الدول المتقدمة

يقول جبران في نص الويلات الموجود في كتاب حديقة النبي:
ويل لأمة تكثر فيها الطوائف و المذاهب و تخلو من الدين
ويل لأمة تلبس مما لا تنسج و تأكل مما لا تزرع و تشرب مما لا تعصر
ويل لأمة تحسب المستبد بطلا و ترى الفاتح المذل رحيما
ويل لأمة تكره الشهوة في أحلامها و تعنو لها في يقضتها
ويل لأمة لا ترفع صوتها إلا إذا مشت في جنازة ولا تفاخر إلا بالغرائب و لا تثور إلا و عنقها بين السيف و
ويل لأمة سائسها ثعلب و فيلسوفها مشعوذ و فنها فن الترقيع و التقليد
ويل لأمة تستقبل كل فاتح بالتطبيل و تودعه بالتصفير لتستقبل آخر بالتطبيل و التزمير
ويل لأمة عاقلها أبكم و قويها أعمى و محتالها ثرثار
ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء أو قبائل و كل قبيلة فيها تحسب نفسها أمة

فكما استمعنا هذا ما نطق به جبران منذ أكثر من مائة عام ،هذه هي ويلات جبران التسع و نستطيع أن نرى الرجل كان سابقا لعصره و زمانه و للأسف في نفس الوقت كل ما حذر منه نعيشه اليوم فنحن اليوم كل ماذكر جبران نحن تلك الأمة التي تحدث عنها جبران نحن هذه الأمة أو تلك الأمة التي كثر فيها المذاهب و تفشى في كل مفاصلها و أوصالها على حساب بعض المفاهيم السامية التي تحملها بعض الأديان في داخلها كالمحبة و التسامح و الرحمة كل هذه المعاني السامية و ضعوها جانبا و دخلنا في عصر المذاهب و في عصر النزعة المذهبية لا بل أكثر من ذلك نحن أمة مذهبية بإمتياز حتى و صل بنا الأمر لذبح بعضنا البعض لمجرد إختلاف ديني أو فقهي ، و نحن أيضا أمة تماما كما حذر جبران اليوم تلبس مما لا تنسج تلبس من الصين من تركيا من أوربا من كل دول العالم و تأكل أيضا مما لا تزرع أمة تعيش على القمح الأمريكي، على الطعام المستورد أمة تستورد كل إحتياجاتها إبتداءا من الإبرة إلى الطائرة تستورد كل شيء من الخارج و هذا بالطبع ما غمز منه جبران كما يقول المثل «من يأكل من خبز السلطان لابد من يترك بسيفه» فجبران كان يحذر من إرتهاننا لمن يطعمنا أو ممن نشتري منهم إحتياجاتنا خاصة الأساسية ،لكن بالمقابل أيضا نحن أمة تنتج السواد تنتج البكاء الكراهية التطرف التخلف الجهل و تصدر الإرهاب و المجرمين و المتسولين و في أحسن الأحوال نحن أمة تصدر خيرة شبابها إلى البحر ليكونوا وجبات مجانية لحيتانه و قروشه ،و نحن أمة كنا و مازلنا تاريخيا و حاضرا أمة تمجد مستبديها تفاخر بفاسديها تكرم لصوصها و يتبوأ السفلة في أرفع المناصب بينما شرفاءها يخضعون داخل الزنازين الإفراطية تحت الأرض وووووو حدث و لا حرج.

ترى لو عاد جبران إلى الحياة مرة ثانية و شاهد حالنا اليوم تراه ماذا كان سيقول ماذا ستكون ردة فعله؟

أكاد اجزم أنه سيوسع لائحة ويلاته لتصل ربما إلى التسعة و تسعين بعد المائه أو حتى بعد الألف و لربما لسان حاله سيقول ويل لهذه الأمة التي اتخذت الجهل صنما يعبد ، ويل لهذه الأمة التي يحكمها جهلة القوم وسفلته ، ويل لهذه الأمة التي نبذت علماءها و قربت سفهاءها ويل لهذه الأمة التي لا يعلو صوتها إلا للراقصات و لا تتغنى لرجولتها الا أمام العاهرات ويل لهذه الأمة التي لا تقرأ ، ويل لهذه الأمة التي لا تنتج لا تخترع لا تشارك في البحوث العلمية ويل لهذه الأمة التي تباع فيها الأحذية في المحلات الفخمة بينما تباع فيها الكتب على الأرصفة ويل لهذه الأمة التي تعيش عالة على العالم ويل لهذه الأمة التي تضحي بشبابها من أجل شيبها ويل لهذه الأمة التي يديرها و يصنع مستقبلها الغرباء ويل لأمة تتآمر على بعضها البعض و يستقوي كل فريق منها بالخارج على الفريق الآخر ويل لأمة ما فعل بها حكامها و ساستها و أصحاب القرار فيها مالم يفعله غاز أو مستعممر عبر التاريخ ، ويل لأمة يأكل نصف شعبها من قمامة النصف الآخر ويل لهذه الأمة التي إذا غضبت اليوم غيرت حالة الواتساب أو كانت ردت فعلها عبر تغريدة أو هشتاك لو أردنا أن نكمل لاحتجنا إلى صفحات و صفحات ،للأسف حاضر مزري جدا و اصلا تاريخنا في جزء كبير منه مخزي على أمل أن يتغير هذا الحال في المستقبل خاصة مع نقطة الضوء تلك المنبعثة من آخر النفق التي أعني بها ما يحصل من حراك شبابنا و شعبنا على مستوى الوعي الذي عبر عنه برفض الدجل و الخرافة و استخدام الدين مطية ، الذي يستحق أن نراهن عليه و على هذا الوعي المتجدد المتطور طبعا لعله يغير حال هذه الأمة إلى حال أفضل و إلا سيلعننا التاريخ و يلعننا كل هؤلاء العباقرة و سيصفنا هذا التاريخ بأبشع الأوصاف و سينعثنا بأقدح النعوث

أخيرا تحية لجبران خليل جبران هذا العبقري الذي تنطبق عليه المقولة الشهيرة وعلى غيره من العظماء
«لا كرامة لنبي بين قومه ».
هشام حسنابي

بقلم أخي الفاضل : أحمد أبويبس / المغرب

بكُل ثَمن………………… معك ياوطن

قال : نسيتْ…….. قلت:ـ ما نسيتْ…
قال :ـ نسيتَ أن الشتا جَـثَا ناسكا فوق حريق، بلا حطبِ
والصيف صاغَ الصقيع يختال الوفَا في أهبةٍ للهرب،
وأنت ماض في النوى تشدو الدّوَى في منبعِ الشمس والشُّهُبِ
قلت:ـ طيِّب….لكن،ما نسيتُ أني من صلب وطن حبيبِ، فاتن العُجْم والعرب.
صفْـوُ البلدان، ……..زهْـوُ الألوان …
فليعش نديا، يَصْفُ الردى فيه كالذهب

قال: ــ …..دعك تطحن المساحيق خمرا، وتشْـتَـمُّ الأعاصير عطراً…..
ياخفيف الرجولة والشنبِ …..
قلت :ـ ليت الآهات تصرَّفت لوحدها دون إذني، فشكَـتْـكَ اللهَ غيضا ببُكاءِ نحِبِ
قال :سَلْـهُ إذن عن رائحة المطر ،عن نغمة الوتر
ها هي حادَتْ مسَارَك، شقَّت وَقارَك… مزقت أغصان الحنايا بالهوس والعطبِ
قلت :سأريك :ـ فدَعْنِي وشأني ، واسمع ياقليل الأدب:
سأنشده بشارة الخير:جنانُ تمُورٍ رُطَبِ :
ـ أيا أريج الود ، يا سَنَدي !
أشهق النهار فيك ياحسبي
أزفر الظلام أشلاء بلا أربِ
فأينك ؟ ـ ما بخلتَ يوما عن طلبِ …. :
ــ أسقني كأس غناء ، وطبْطِبْ على كتفي بريش ثناء وَهِبِ
ـ ها الشمعُ انتفى تحت خمائل الأمطار،
والنور انقشع بعيدا عن خيمة النهار،
والغمُّ أدمى القوارير وأضحى جاثما على قلب حارق كاللهب…
ـ أيا حقول الشهوة اُرقُصِي ،
فَضفِضِي…….فالأحباب ناموا في غواصة المسار،
رجاءً…اُدْهِـنِـيني وميضاً دافئا ممزوجا بسوائل المحار
فالقلب أضحى يابسا ….. ما استطاع انصهارا في الغيوم ولا السُّحُب
……….. ……….
الروح انكمشت وغاب النغم…الصمت اشتاق للمدائح والدّعَمْ
والسكينة اشتهت الشدى ….توزعت أثيرا فوق ربوة النِّعَـم
فَـــآهٍ يا وَصْل !! اليومَ أستجديكَ حبّاً في الأهل والقُرُبِ ….
بالله يا موطن الأجداد: احضُـنِّي بالغفران ، ودثِّرْنِي بأغصان الثوار….
اُسقُطْ يا مطر، اغسل أثاثي ، ورمِّمْ أعضائي بسفايف النوار
فالذاريات باقيات ،والأمل مأمول لم يَخْـبُ ولم يَغِـبِ …… أحمد ابويــــبــــس: ذات مساء ...الـيابــان

دراسة ذرائعية مستقطعة / بقلم د . عبير خالد يحيي

التطرّف الجنسي والديني والسياسي وأثره في المجتمع العربي
دراسة ذرائعية مستقطعة عن رواية ( مصحف أحمر) للروائي اليمني محمد الغربي عمران
تقدمها الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

مقدمة:
صار الأدب صدى لصيحات المجتمعات التي ألجمها الظلم والطغيان, وعاث فيها الفساد حروبًا, بعد أن تخلّت الصحافة عن هذا الدور, بانزياحها عن الحيادية, وبعد أن فقد المؤرخون مصداقيّتهم وكتبوا تاريخًا يمجّد المنتصر, مع أن الحقيقة أنه لا انتصار في حروبٍ الخصومُ فيها أبناء البلد الواحد. والأديب هو الرسول الذي كلّفه ضميره – نعمة الله عليه – بتبليغ فحوى تلك الصيحات, برسالة يكتبها مدادُه الآتي من سيالات عقله, إلى نهايات جوارحه, تشهدُ له وعليه مستويات وعيه وإدراكه.
وكلّ ما عدا ذلك من أدب, هو رفاهية لم تصل إليها مجتمعاتنا العربية بعد, ومع ذلك يقتنصها الأديب اقتناصًا ليصفَ بها جمالَ مكان أو لحظاتِ فرح أوغرام, مسروقة من مغارة علي بابا بغفلة من الأربعين حرامي.
السيرة الذاتية للكاتب:
محمد الغربي عمران, ولد في ( ذمار)عام 1958 وهو كاتب قصة قصيرة, روائي وسياسي يمني معروف بروايته المثيرة للجدل ( مصحف أحمر) وهو أيضًا وكيل سابق لصنعاء, درس التاريخ وحصل على الماجستير في هذا التخصص, كتب خمس مجموعات قصصية, وترجمت قصصه إلى اللغتين الإنجليزية والإيطالية وقد وردت في مختارات بلغات أجنبية مثل البرتقال في الشمس ( 2007), وبيرل ديلو اليمن( 2009), يرأس نادي القصة اليمني ( ال مقه)
مساميره الروائية على حائط الأدب:
مصحف أحمر(2010) – مملكة الجواري- الثائر – الطريق إلى مكة- ظلمة يائيل( فائزة بجائزة الطيب صالح دورة 2012) – حصن الزيدي وهذه الأخيرة فائزة بجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع للعام 2019
التبئير:
إنّ من قرأ أو يقرأ رسائل الغربي عمران عبر رواياته- وأحدّد منها حصن الزيدي ومصحف أحمر- سيجد بسهولة أن مرتكزها وبؤرتها الثابتة هي الطغيان السلطوي بكل أشكاله وانتماءاته, كفعل ثابت بشدّته وكتلته, على الرغم من تداول فاعليه على ذات السلطة, يقابله الكفاح المسلح كردّ فعل يُفترض أن يكون مساويًا لذاك الفعل بالشدّة ومعاكسًا له بالاتجاه, في معادلة فيزيائية مقرورة, ولكن الحقيقة لا توازي النتيجة في مجتمع يقترض ويقلّد تجارب مجتمعات أخرى تختلف عنه في كل شيء ولا تتساوى معه إلا بالظلم الواقع على كليهما. حول هذا الموضوع تحديدًا يبثنا الغربي عمران أفكارَه التي قد نتفق معه فيها أو نختلف, لا يهم, فلا سلطة لأحد على أفكار مُؤتَمنة.
وتلك بؤرة الأديب التي تحوي الأرضية CITION)) المدروسة بشكل متوازن بين التماسكCOHESION والترابط COHERENCE بين أجزاء النص, حيث تبرز روايته بحيثية نص متكامل في البناء الفني والجمالي.
أما بؤرة النص – وأعني هنا (مصحف أحمر)- فهي تبحث في جوهر التطرّف, التطرّف في كل شيء, سلبي أم إيجابي, فنسبية أينشتاين أقرّت فلسفة الثنائيات في الفلسفة العامة, بتثبيت جانبين متناحرين واحدهما يبرز الآخر, كم من أسود يُبرِز أبيض, وكم من طويل يبرز قصير… ,هكذا, ويثبت الجانبين المرئيين والملموسين بما يقابلها من اللامرئيات بنظرة واقعية ذرائعيًّا, وأي مغالاة في أيّ من قطبَي تلك الثنائيات هي تطرّف.
المستوى المتحرّك:
إن المغالاة في قطبي تلك الثنائيات ( التطرّف) برزت جليًّا في الشخصيات التي اختارها الكاتب بعناية لتمثّل كل التيارات المتصارعة, ف ( سمبرية) حينما تطرّفت في تيارها الاشتراكي – وكان وقتها من أبرز التيارات التي تبنّتها حركات التحرّر الأممية- مارست الفاحشة ( السحاق) وشذّت جنسيًّا, وإيمانها أنه من ضمن الحريات, رغم أن نشأتها كان نشأة ملتزمة دينيّا, والحال ذاته عند (فطمينا) وهي أم الشيخ, وعند خادمتها (شخمنا), وكانتا تنتميان للتيار السلفي, انتماء نشأة فقط, ولربّما عانتا من التهميش والتجهيل والتسطيح والتبعية, النشأة التي أقصت المرأة إقصاءً مقصودًا في مجتمع ذكوري بحت, تحت سلطة الدين والقوامة, ولا يبتعد( تُبعة) عن ذات التطرّف عندما انقاد واستسلم – وهو الغرّ- للممارسات الجنسية الشاذة لمن يسمي نفسه ب(مولانا), الذي كان متخفيّا تحت خيمة الدَرْوَشة الصوفية, في محاولاته الغريبة في استمناء الفتى, ليكشف لنا الكاتب أن هذا الرجل( مولانا) فاقد لعضوه الذكري, مبرّرًا ومشبّهًا ممارساته الشاذة تلك – والتي هي نوع من الاعتداء الجنسي- بمداعبة الأم لطفلها حتى يهدأ, فالحوار الدائر بين الفتى (تُبعة) ومن يلقبونه ب( مولانا), ينقل لنا عبره الكاتب المغالاة في فلسفة الامتلاك:

  • مولانا لا أستطيع أن أنام إن داعبني أحد.
  • حتى لو تزوّجت؟
    صدمني بمنطقه العجيب.. استجمعت شتات فكري.. هل أحدّثه بجنون هذه الظلمة .. أم بنور خوفي؟
  • حتى لو تزوّجت.
  • ما الضير إن داعبتك.. أتراني ضارًّا ؟
  • لكن المداعبة ترهقني.
  • الأم حين ترضع وليدها تداعبه بأصابعها.. هل ترهقه؟ … صفحة 95
  • …. فقط بعض الوقت وأتركك بعد ذلك لتنام .. أنت تمنحي متعة عظيمة .. إحساس بالامتلاك .. أنا لا أفكر كما يفكر الآخرون .. ولا أريد أذية أحد…. صفحة 96
    لنجد أن نظرية سيغموند فرويد في إحالة السلوكيات البشرية إلى الجنس حاضرة وبشدّة عند الكثير من الشخصيات في هذه الرواية, هنا يفتح الكاتب (تابو الجنس) بإيحاءات ذكية ومبرّرات فلسفية ومنطقية لمتقضى الأرضية أو التربة النفسية البور, العطشى لأي ماء حتى ولو كان عكرًا, كل من أُجبِر على الوقوع تحت وطأة هذا الشذوذ صار عبدًا لثنائية: الجسد ( غريزة الجنس), والمعتقد الذي يعتنقه الشريك ( شخنما – مولانا), وكلا الشريكين يدعو ضحيّته إلى تقليده, مولانا كان من أهل الله بظاهر المعيشة, لكنه على علاقة بالجبهة الوطنية, كأحد عناصر استخباراتهم, وقد استعبد تُبعة وأوقعه في شرك معتقده :
    يقول تُبعة :
    شعرت بأني أسير لهذا الرجل …صفحة 95
    قال لي ( مولانا): – انظر هيئتي .. قلّدني في كل شيء …..صفحة 89

أما شخمنا فخادمة عند أم الشيخ السلفي, تتبع سيدتها بشذوذها, وتستعبد سمبرية بتفجير غزائز الجنس المشبوب في جسدها الجائع, تقول سمبرية:
أنامل شخمنا تجوس بشرتي.. همس ماجن .. فقدت السيطرة على خجلي.. انكفأت على جسدي .. تهمس في أذني بكلمات لا يجيدها أفحش الذكور .. كلمات تستثير غرائزي .. تدعوني إلى تقليدها … صفحة 313
الكاتب لا يستهجن, وإنما يضعنا في موضع الحكم, ومع توالي الصفحات -وبشكل غير مباشر- يشارك القارئ في الاستهجان, وبشجن غريب.
ومضة من ضمير تجتاح عقل سمبرية, لكنها سرعان ما تخبو, بعد أن استمرأت الشذوذ, وعاشت في فوضى المشاعر الإنسانية, وأغارت على غرائز الأنثى فغيّرتها, طارحة سؤالها الفلسفي, موحية بإجابة لا تنطقها صراحة:
داهمني شعور مخيف, شعور من فقدت توازنها, من تقف على مفترق طرق, قيم تهتز, ومشاعر تتولّد, أجلس إلى أمي بشعور مغاير, أنظر إلى من حولي بمشاعر مختلفة, أسير في الشوارع بقلب جديد, أتأمل العابرات كما لو لم أعد أنثى, أعشق تقاطيع بعض الأجساد … أسير بين الجموع بنظرات مختلفة, أسأل نفسي : ماذا لو تجاوزت النساء عقد الجسد بالمزيد من تدليله؟
لم يتورّع عن دخول (تابو الدين) –والتابو بولونيزية تطلق على المحظور في نظر المجتمع – ونفذ نفوذَ الشعرة من العجين من بين الديانات الثلاث, اليهودية و المسيحية والإسلامية, دون أن يخدش شيئًا فيها, ولاحتى من قشرتها, وتلك براعة فكرية سردية أدبية تُحسب لهذا الكاتب العملاق, وحتى المعتقدات الوضعية لم يتناولها إلّا بحذر شديد, متمسّكًا بشعار أطلقه على لسان الجدّ (العطوي)المقاوم: أنا مؤمن, ولست مسلمًا,لأن الإيمان أشمل وأعلى من الإسلام, والإحسان أعلى من الإيمان, وتلك نظرة إنسانية بالدرجة الأولى, تتجاوز المنظور الديني, هذا القول مسنود إلى الآية الكريمة في سورة الحجرات:} قالتِ الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخلِ الإيمان قلوبكم{, ملخص دعوته كانت فصل الدين عن السلطة, فكان علمانيًّا بامتياز.
يتحدّث خادم المسجد عن العطوي صاحب المصحف الأحمر الذي جمع فيه التوراة والإنجيل والقرآن, قائلًا:
… لم يكن العطوي يتبع مذهبًا بعينه, ولم يكن الحوار معه تقليديًّا, أعلن لهم منذ البداية أنه يستوعب الإسلام كما يستوعب اليهودية ومثلها المسيحية, يصف نفسه بالمؤمن وليس بالمسلم, ويبرر لهم أن الإسلام جزء من الإيمان وأن الإيمان اختص به أولو العلم والحكمة وسعة الاطلاع, والإسلام اختص به العامة من الناس, لم يكن العطوي يشبه أحدًا ممن سبقوه, كان تأثيره على من جاءوا بهم من رجال الدين واضحًا, بل أن أحدهم طلب منه بقوله : زدنا. … صفحة 353
كان مصحفه الضخم الذي يحمله معه مثار اهتمام الجميع, حين اكتشفوا أن ذلك الرجل يهتم بمعتقدات شتى, منها مبادئ لديانات عدة.. ومنها: الزرادشتية.. الصابئة.. البوذية.. الكنفيشوسية.. والمانوية .. وقد حاول مقارنة نصوصها بالكتب السماوية.. ما خطّه على هوامش صفحات مصحفه الأحمر…. صفحة 354
وقد لبس الغربي عمران الرداء السياسي بطريقة أنيقة, تناول فيها حيثيات الصراع السلطوي في بلاده, المتجذّر من الإمامة إلى النظام الجمهوري, ويراه بعدًا واسعًا غير قابلٍ للتحقيق إلّا بفرض الفوضى المتولدة من شيوع المصلحة والتشرذم الاجتماعي, والبحث عن المنصب, والالتصاق الديني, مبرزًا ذلك بالقيمة القدسية الكبيرة المعطاة للتيار السلفي المرتبط بمصلحة السلطة السياسية ارتباطًا وثيقًا, ما جعل للتيار الديني اليد الطولى للتسلط والطغيان على أفراد الشعب, فكان صراعًا داميًا بين طرفين غير متكافئين, السلطة السياسية والسلطة الدينية ومن يؤيّدهما, وأفراد الشعب من الأمميّين الذين أبهرتهم حركات التحرّر في العالم, وتحديدًا الثورية الاشتراكية بأفكارها التي كانت تقليعة في ذلك العصر, وكانت النتيجة مزرية لكلا الطرفين, فقد على أثرها الوطن الكثير من أبنائه, حدث هذا في وطنه بشكل قاس جدًّا, في فترة السبعينات في محاولة توحيد شطري اليمن, والتي انتهت في أواخر مارس من العام 1979بتوقيع اتفاق الكويت لإنهاء النزاع, وما زال الصراع مستمرًا في بلده باختلاف أطراف الصراع, صراع لا يقبله وطني علماني كالغربي عمران, فكان وطنيًّا بامتياز أيضًا, ولكنه وطنيّ مُغيّب برمزية اختفاء البطل (العطوي) مسجونًا طوال حقبتين طويلتين من الزمن في السراديب السرية للنظام الحاكم, طوال فترة السبعينات من القرن العشرين, ثم بداية الألفية الثالثة من القرن الحالي الحادي والعشرين. وهذا انعكاس سردي وفكري يضعه الكاتب في كينونة الجد البطل ( العطوي) لما يحمل في صندوقه العقلي من أفكار تنويرية يرفضها المجتمع العربي.
تقول سمبرية في مذكراتها كاشفة نفاق السلطة الحاكمة في العام 2006:
…. أبرزت وسائل الإعلام الرسمية زيارة البعثة ( بعثة أوروبية مهتمة بالحقوف الديمقراطية والجندر) لليمن وإشادتها بالمناخ الديمقراطي وما تحقق للمرأة في عصر الوحدة .. أبرزت صحف المعارضة زيارة البعثة لمجموعة من السجون في عدة مدن مدعمة بالصور .. ومنها صنعاء وتقريرها عن أوضاع المساجين خاصة في السجون السرية .. زارت عدة مخيمات للاجئين الأفارقة في عدن.. بعد أن أكملت البعثة زيارتها لليمن استقبلها الرئيس .. الذي أكد بأن اليمن خالية من أي سجين سياسي….. صفحة 355
وأما عن العمالة والنفاق السياسي الذي تفشّى بين أفراد الجماعات الثورية, والتي هزمتها الخيانات المتكررة للقيادات التي كانت تحكمها وتأتمر بأوامرها, وتُوقِف تقدّمها كلّما قاربت النصر, فقد تشرذمت وفقدت مصداقيتها, وبدت مساقة كغيرها من الحركات الهزيلة وراء أطماعها السلطوية, التي لم تفلح باقتناص إلّا الغث منها, تقول سمبرية في مذكراتها أو رسائلها التي لم ترسلها لابنها ( حنظلة) لأنها أصلًا لا تعرف عنوانه:
تبعة انتظمت أخباره.. صحف معارضة .. ذكرت قبل عدة أسابيع أن مجموعة من الأحزاب الصغيرة قد أعلنت تشكيل تحالف وطني فيما بينها .. وأنها أعدت برنامج حوار سياسي مع مختلف الأحزاب الأخرى….. فجأة ظهر تبعة على شاشة القناة الأولى ليعلن في مؤتمر صحفي عن دخول التحالف في حوار سياسي مع حزب السلطة عن طريق التحالف معه.. لأول مرة أشاهد تبعة منذ وداعك .. كان كالأراجوز..كرافته حمراء ..كوت فضفاض.. وجه استعاد عافيته أو هكذا بدا لي..يلعن في كلماته الرفاق السابقين .. يتهمهم بالعمالة. …. صفحة 357
ونظر الغربي عمران إلى المستقبل, فتناول الفوضى (الهدّامة) وليس الخلّاقة- كما أسمَوها- التي حرّكت جميع الأطراف, وكان التطرّف المذهبي والطائفي أهم منعكس سلبي, حيث انعكس على السياسة الحقيقية, وجعلها ادعاءات وصولية لبلوغ السلطة, وتلك صبغة عربية شاملة أرست دعائم التفكك في المجتمعات العربية, واستمرار رهيب للتشظي فيها, بعد أن سمح هذا التيار المساق من دول الهيمنة الغربية إلى تكوين فئات مناوئة للعروبة والأوطان, وأنتجت حروبًا بالوكالة والنيابة, ولا تزال تنهش في جسد الطفل العربي والجيل العربي المعاصر بشكل عام, فجاء ( حنظلة) -سليل الأم ( سمبرية) والأب (تُبعة) الاشتراكيين- بشهادة (متطرّف إرهابي داعشي) مطلوب لوكالات استخباراتية دولية لأكثر من بلد, قام بأعمال إرهابية فيها, بدلًا من أن يأتيهم بشهادة الطب التي أرسلاه من أجلها للدراسة في العراق, معرّجًا على حرب العراق في العام 2003 التي أنتجت بشكل عام الدمار والموت والهجرة والتهجير, ليكتمل الخراب بربيع عربي حصد الأخضر واليابس في بلاد اليمن وسوريا والعراق وليبيا وتونس.
يقودني ذلك إلى استنتاج هام : أن الفكر الذي يحمله الكاتب الغربي عمران متسلسل من لجانب منطقي يتعاكس مع سلوك المجتمع العربي المتردي الحالي, وهذا يقودنا نحو تناقض رهيب سوداوي الملامح اصوره الكاتب بعمق عبقري إنساني على أداء شخصياته السالفة الذكر.
تقول سمبرية في آخر رسالة لابنها حنظلة :
شخنما زارتني مؤخرًا وأخبرتني أنها سمعت بأن اسمك ورد ضمن أسماء وصور عرضتها إحدى القنوات الفضائية لمطلوبين من قِبل عدة دوائر استخباراتية .. قالت أنهم رصدوا جائزة مالية مغرية لمن يدلي بمعلومات عنك وعن زملائك.. بعد عملية تفجير إحدى السفارات هناك في دولة بعيدة.

من عادة الغربي عمران أن يومض ومضةَ أمل لم أجدها في هذا العمل, إلّا إن كانت أمنية (سمبرية) قابلة للتحقق, وما أظنها تتحقق في هذا الجيل, إلا إذا قامت ثورة فكرية ثقافية واعية مدروسة على أرضية الواقع العربي وليست مستمدة من تجارب شعوب أخرى مختلفة عنّا.
تقول سمبرية وهي التي قامت بمهمة السارد عبر رسائلها لابنها (حنظلة) والتي كانت اقرب إلى المذكرات منها إلى الرسائل, يساندها تبعة برسائل كان يرسلها لها ليجعلنا نقف على أحداث لم تشهدها سمبرية, في تكنيك سردي منطقي, طالما أن الكاتب لم يستخدم السارد العليم, وإنما اختار السرد ووحّده بتقنية الرسائل والمذكرات التي لا تخلو من المونولوج الداخلي الذي أنهى فيه الكاتب الرواية :
لم يعد لوجودي معنى إلا بوجودك .. سأظل أنتظرك بعد مغيب كل شمس عند فراش أمي.. وسأواصل الكتابة إليك.. سأكتب كل التفاصيل الصغيرة دون تنميق.. ولا خوف .. سأكتب كل مشاعري .. وسأتخيّل طرقات كفّك على الباب .. وأتخيّل وجودك جواري.

الأسلوب والتقنيات السردية والجمال:
استخدم الغربي في سرده تقنية الرسائل, بأسلوب السهل الممتنع, وهو من أرقى درجات الأسلوب الواقعي, كما استخدم الأسلوب التقريري المباشر عند حديثه عن الأحداث السياسية.
التشويق يبدأ عنده من العنوان ويستولي على مساحة التشابك السردي كليًّا حتى النهاية, متنقلًا بخفة بين المحاور السردية الثلاث( محور التوليد ومحور التكوين ومحور المعارضة ) حتى يصل بنا بتشابك صراعي إلى نقطة الذروة ثم ينفرج بشكل مفتوح ليتماهى مع الوقائع التي لا تزال تحدث ضمن منطق الحقيقة ومنطق السرد, فهنا حقق الكاتب العبقري حقيقة الثلاثية السردية الذرائعية وهي : أن الحياة أوسع من الأحداث لذلك الأحداث تعيد نفسها بشكل ثلاثي, بين أحداث الحياة وتجربة الكاتب وتجارب الناس, لذلك ينتقل بشكل راق بين الزمن الماضي والحاضر لتحقيق تلك الثلاثية المشتركة بين الواقع والسرد, مستخدمًا تقنيات سردية متنوعة, وكان للحوار مساحة- وإن صغرت- لكنها جاءت بتوظيف متمكّن, حوارات قصيرة فصيحة, وملخصة لسرد الكثير من الأحداث…
عندما قرأت الوصف الجميل للأمكنة, الجبال والحصون والأغوار والوديان والجروف, تخيلتها, وبحثت عبر النت عن صور لهذه التضاريس اليمنية, واندهشت عندما وجدتها مطابقة تمامًا للوصف الذي قرأته وتخيلته.
حصن عرفطة يوم ولدت.. حصن يضم عشرات الأسر .. يقف وحيدًا على لسان صخري.. يشرف على فضاء وادي سحيق.. تتفرع حوله الوديان الغائرة.. سكانه في تكاثر دائم منذ مئات السنين.. مساكنهم شبيهة بأعشاش الطيور.. تتداخل في جهات وتتبعثر في جهات أخرى .. دور متلاصقة .. طوابق متداخلة.. أسطح في مناسيب مختلفة .. يدخل السكان ويخرجون من بابه الكبير .. يسيرون في أوردته المتعددة .. أزقة وزرائب.. سلالم حجرية في كل اتجاه …. صفحة 30
الخلفية الأخلاقية:
أما عن الخلفية الأخلاقية فلم يَحد الكاتب عن المنظومة العالمية, فلم يدعُ إلى طائفية ولا إلى عرقية أو عنصرية ولم يخرق منظومة الأعراف ولا العقائد, بل سلّط الضوء على أخطار التطرّف نابذًا إياه بكل أشكاله.
في الختام :
أحيي أديب الغربي عمران على هذا العمل, متمنية له المزيد من الإصدارات الإبداعية.

دعبيرخالديحيي

6 مارس 2020

دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د . عبير خالد يحيي

حرية المرأة في أتون السلطة الذكورية
رواية (سكينة ابنة الناطور) للأديبة السورية الدكتورة سلمى جميل حداد أنموذجًا
دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي
مقدّمة :
النظام الأبوي أو كما يُعرف باسم البطريركية Patriarchy : هو نظام اجتماعي في العادة يرتكز على العادات والتقاليد, يشكل بمقتضاه أكبر الذكور أو الأب سلطة مطبقة أو جزئية على الزوجة أو أولاد وخصوصًا الفتيات, ويشكّل الأخ كذلك سلطة على أخته أو والدته أحيانًا, وأحيانًا تكون تلك السلطة لولي الأمر.
في البداية استخدام المصطلح في القرن 17 كان له معنى إيجابيًّا يتعلق بالخصال الحميدة لحامل اللقب, ثم تطوّر استخدامه بشكل سلبي, في إشارة إلى القمع الممارس من قبل بعض رجالات الدين المسيحي, حتى دخول القرن 19, عندما استخدمته الحركة النسائية للإشارة إلى خضوع المرأة ورضوخها للذكر.
ولأنها دائرة مفرغة يقلّد الأبناءُ بمرور الوقت الأبَ في التحكّم, فتبدأ بتسلّط الأخ على أخته, ثم أمّه, ثم بعد الزواج يتسلّط على زوجته, ثمّ ابنته, في الوقت الذي يربّي فيه ابنه على أنه وريثه. ويبيت أمرًا تلقائيًّا أن تقلّد الفتاة الأم في خضوعها وضعفها وقبولها بسطوة الرجل, ونتيجة هذه العلاقة التسلّطية يختفي الحوار والنقاش, فيتحوّل الأشخاص إلى آلات تنفّذ ما يطلب منها, المجتمع البطريريكي فيه الرجل كالإله و بينما المرأة نصف إنسان, تخضع لكل سلطة داخل الإطار الهرمي الذكوري الأب – الأخ- الزوج- الإبن.
يشير هذا المصطلح إلى هيمنة الرجال على الأنظمة الثقافية والاجتماعية, وهذا هو الجانب الذي يهمّنا, والذي تناولته الكاتبة في روايتها ملقية الضوء وبشدّة على الحجم الكبير –وأحيانًا المطلق- لهذه السلطة التي يمكن أن تكون من الأب والأخ في الوقت ذاته, بعيدًا عن نيابة أحدهما عن الآخر, والتي تطال الأم والأخت وحتى زوجة الأب, بتفويض أسري يخضع له المجتمع ولو على الاضطرار, فيقبل هذا السلطة حتى لو وصلت إلى حدّ الأذى الجسدي الجسيم, بل حتى لو وصل إلى حدّ القتل في بعض المجتمعات التي لم تحقّق فيها منظمات حقوق الإنسان إلا منجزاتٍ قليلة, ومنها مجتمعاتنا العربية للأسف, والتي يشكّل فيها هذا النظام إشكالية تكون سببًا رئيسيًّا في تخلّفها.

تنويه: هذه الرواية فازت مركز ثانٍ في جائزة دمشق للرواية العربية للعام 2016 تنظيم اتحاد الكتاب العرب السوري في الدورة الأولى للجائزة. والرواية صادرة عن دار الفارابي – بيروت 2014

السيرة الذاتية :
سلمى جميل حداد
أستاذة جامعية سورية حصلت على درجة الدكتوراة في الترجمة من جامعة هيريوت وات في اسكتلندا, وهي تنظم الشعر باللغتين العربية والإنجليزية, وتكتب الرواية بالعربية وتقوم بوضع المعاجم الثقافية العربية والإنجليزية إيمانًا منها بالعلاقة الوثيقة بين اللغة وحاضنتها الثقافية. صدر لها خمسة دواوين بالعربية والإنجليزية كان آخرها ( الرجل ذلك المخلوق المشفّر) عن دار البشائر بدمشق2010, وعدة دواوين أخرى منها:

  • أحبك ولكنني – دار الفارابي – بيروت 2015
  • جوف الليل – دار البشائر – دمشق 2010
  • تسونامي وعروس البحر ( بالانجليزية) – دار طلاس – دمشق 2006
  • البجعة البكماء ( بالانجليزية)- دار طلاس- دمشق 2005
  • ظلال الماضي ( بالانجليزية ) –دار الفكر – دمشق 2002
    وعدة روايات منها :
  • أكمليني يا نائلة / دار الفارابي – بيروت 2018
  • سأشرب قهوتي في البرازيل / دار نشر الفارابي – بيروت م 2015

سأدرس هذا العمل عبر المستويات الذرائعية التالية :
أولًا- – المستوى البصري و اللساني الجمالي External and Linguistic Level::
نبدأ بـ :
-1المدخل أو الاتجاه البصريExternal Trend :
عمل مطبوع ورقيًّا بالحجم المألوف حاليًّا للرواية, مسطور على حوالي 333صفحة من الورق الأصفر, طباعة جيدة بالمجمل, وخط واضح ومريح, وتنسيق مطبعي جيد, تم فيه مراعاة علامات الترقيم بشكل لابأس به.
الغلاف الأمامي كأوّل عتبة بصرية :
مقسوم إلى نصفين, النصف المنتمي إلى الحاشية الجانبية عبارة عن لوحة فنية تجريدية مرسومة أو مطبوعة على خلفية صفراء فاتحة, نميّز فيها وجه لفتاة تناصف فيه الجمال والشقاء, حصة الجمال فيه عين سوداء واسعة, يعلوها حاجب كالسيف, وأنف يستدق باستقامة لينتهي بأرنبة حادة, تعلو شفاهًا رقيقة. هذا النصف صافٍ بلون الخلفية الأصفر, بينما النصف الشقي تغيب فيه الملامح تحت لون الدم…
ضربات مستقيمة لريشة حملت ألوانًا متصارعة بين الأسود والأحمر القانئ والأخضر الكفني والأصفر المضيء والأبيض الثلجي, تشكّلَ منها شعر الفتاة وصدرها, هذا الصراع اللوني والشكلي البصري معبّر تمامًا عن فحوى وموضوع العمل الأدبي الحاضر بين أيدينا, صراع يتعاضد فيه الحزن والعنف والموت والمرض والجهل والضعف والعجز لقتل الطموح المتوثّب في صدر فتاة تكافح لتحرير نفسها وأمّها وأختها الصغيرة من سلطة أب وأخ أكبر يحاولان كسرها بحرمانها من العلم الذي اتخذته سلاحًا ثم هدفًا للحفاظ على ديمومتها. النصف الثاني من الغلاف, والمتجه نحو الحاشية الحرة جنس العمل ( رواية), يعلوه -وباللون الأحمر – اسم الكاتبة ( سلمى حداد), وتحته باللون الأسود والبنط العريض والمتوسط العنوان : سكينة ابنة الناطور
الغلاف الخلفي: مقطع سردي منتقى من الرواية, تجتمع فيه معظم المستويات الذرائعية التي سأدرس من خلالها هذا العمل, والذي فيه تلخيص وموضوع هذا العمل, أختار منه الفقرة التالية :
حسمت سكينة أمرها وقرّرت أن تدفع فاتورة المعرفة, فزرعت على مداخل أيامها أحلامًا, واستمطرت النور من ثقوب الأبواب وشقوق الغيمات, ومخرت كسمكة فتية عباب المتوسط دون أن تلتفت إلى الوراء. فهل يتركها الوراء تعلق عناقيد ضوئها على أعناق عتمته؟ وهل تتمكّن من نخل شوائب طفولتها عند مداخل أفكارها ومخارجها وهي الناشز عن بيئتها؟ وهل تعيد جدولة أحلامها بعد أن قطفت عسل بعضها على حساب بعضها الآخر؟ وهل ذنبها الوحيد أنها كانت أكبر مقاسًا من محيط خصر بيئتها ؟
يعقب أو يلي ذلك المقطع السيرة الذاتية للكاتبة .
العنوان كعتبة عينيّة ثانية : سكينة ابنة الناطور
جملة اسمية من مبتدأ اسم علم ( سكينة), وخبر مضاف ومضاف إليه ( ابنةُ الناطور).
العمل مقسم إلى تسعة فصول, الفصول السبعة معنونة بأسماء شخصيات أسطورية : أفروديتا- ايروت- بجماليون- نرسيس- سيزيف- باندورا- أخيل. ليأتي الفصل الثامن تحت عنوان : التقمّص بداية أم نهاية؟ ثم الفصل التاسع بعنوان: كل عام وحرّيتي بخير
تجنيس العمل: رواية اجتماعية نسوية, ينتمي للمدرسة الواقعية تحت نظرية الفن للمجتمع.
-2 المدخل أو الاتجاه اللساني Linguistic Trend ::
وهذا المدخل هو مدخل الدوال والمدلولات والمفاهيم التركيبية والجمالية واللغوية و توابعها الاشتقاقية, وحتى تحليلاتها الفونولوجية، والمرفولوجية والسياقية, حسب المنظور البنيوي التواصلي الذرائعي…..
تتحدّد من خلال هذا المدخل:
• الثقافة الأدبية الشاملة للكاتب:
إن أي عمل إبداعي رصين لا بدّ له من أن يعكس ثقافة كاتبه, حيث يسكب الكاتب مكتسباته الثقافية المخزونة في وعاء ذاكرته حبرًا على صفحات عمله الفني, فيغدو بياض الصفحات زئبقًّيا عاكسًا كالمرآة, وكلّما كانت المرآة جيدة الصقل, ومادتها الزئبقية جيدة الطلي, كلما كانت أكثر جودة في نقل رسالة الكاتب للمتلقي, لقد استخدمت الكاتبة من مخزونها الثقافي الجانب الميثولوجي بشكل كبير, ووظّفته في حبك روايتها عبر الفصول السبعة الأولى في روايتها التي تتألف من تسعة فصول, ونجحت على مدار الفصول التسعة في المقاربة بين البطلة وأفروديت, حيث أصبحت أفروديت الهدف الذي تسعى البطلة إلى بلوغه, نستعرض بعض المفردات والجمل والتراكيب الدالة على ذلك, بالإضافة إلى القصص الميثولوجية التي كانت الكاتبة تسوقها في بداية كل فصل:

  • نامت سكينة فحلمت بأفروديتا الشقراء تناديها بلغة لم تسمعها من قبل, لكنها فهمت من تعابير وجهها وحركات يديها أنها تدعوها للعيش معها في أعالي جبال قبرص بعيدًا عن أبي جاسم وابنه جاسم.
  • كانت أفروديتا إلى جانبي في كل مفاصل حياتي شاهدة عيان على دموعي, ولولا وجودها معي ما تمكّنت من تجاوز الأزمات التي عصفت بحياتي وكادت تقتلعني من جذوري.
  • استفاقت سكينة من رحلتها إلى جبال بارناس, معقل إيروت وأبولون ودافنا وشجرة الغار, على صوت تحية العلم القادم إلى أذنيها الغارقتين في الحلم ….
  • لقد خيّب الموت رجاءها بعد أن كانت تعقد الآمال عليه بصفته نهاية لعذاب تعجز الحياة عن تطويقه ووضع حدٍّ له, من وجهة نظرها. فهل سيكتب لها الشقاء السرمدي في الممات مثلما كُتب لها في الحياة؟ وهل ستكون نهايتها مثل نهاية سيزيف؟ بيدَ أن سيزيف عاش حياة هانئة واقتصر شقاؤه على الممات!
  • هذا ما كان ينقصني, أسدّد فواتير سعادة جاسم وضرائب أنانيته المقززة حتى آخر لحظة من عمري الشقي, فليذهب إلى الجحيم هو وأقارب أمه الشمطاء . الله لا يرحم فيها ولاعظمة ولا مفصلًا , ما جنينا من ورائها إلّا مصائب باندورا.
  • ساعديني يا هديل أرجوك! أريد أن أتخلّص من كعب أخيل, لاأريده أن ينتصر علي ّويكون سبب موتي.
  • …. سكينة ابنة وليد وأفروديتا وجبال قبرص الشامخة. هديل ! ابتعدي من هنا يا حبيبتي ! لا تقتربي من نرسيس, إنه وغد حقير ! سوف يسلط كلابه عليك.
  • اقترحت عليه أن نتحدّث باللغة العربية التي أعشقها فكان أن ندمتُ ندامة الكسعي, وسرعان ما تراجعت عن اقتراحي قبل أن يشنق سيبويه نفسه على أول شجرة نخيل يصادفها لدى سماعه يتكلم العربية.

• المعرفة الأكاديمية بالأجناس الأدبية:

وهذه المعرفة ملموسة من خلال استخدامها وتنويعها بالتقنيات السردية المعاصرة, وقد أكّدت الكاتبة على تلك المعرفة عندما علّلت استخدامها لساردين في العمل, حيث أعلنت على – لسان البطلة- تقسيمها للرواية إلى قسمين, الأول باستخدام السارد العليم بضمير الغائب, والثاني باستخدام السارد البطل بضمير المتكلم, تقول سكينة في حديث بينها وبين صديقتها هديل وهي تطلب منها طبع الرواية ( مذكراتها):

  • لقد قسّمتُ مذكراتي إلى قسمين: ما قبل باريس وما بعدها. في الجزء الول استخدمتُ صيغة الغائب و:أنني أتحدّث عن إنسانة أخرى. هل تعرفين لماذا يا هديل؟ لأنني كنت في تلك الفترة سجينة الخوف المقيت, ……. لم أكن أنا, كنت غريبة عن نفسي وعن كل ما يجري حولي,….أما الجزء الثاني فقد كتبته بلسان حالي لأنني كنت قد بدأت حركة التمرّد على الخوف بعد أن انتهيت من معركة إثبات هويتي ….
    وعندما تسألها هديل لماذا لا تعود إلى الجزء الأول وتعيد كتابته بلسان المتكلم الراهن لتكون المذكرات مكتوبة بصوت متناغم منزوع الخوف, فالأديبة سلمى حداد تعلن أن بطلتها تكتب ( مذكرات ) والمذكرات ينبغي أن تكون بلسان الكاتب صاحب المذكرات, تجيبها سكينة بسؤال فلسفي وجوابه المباشر, ويعقبه تعليل:
  • وهل يعكس كل واحد منا صوتًا متناغمًا واحدًا في مسيرة حياته كلها؟ في جوف كل منا تقبع أوركسترا من الأصوات المتناحرة على السيادة والأصوات التي سقطت بالتقادم . لا أريد أن أكون استثناء من التناقضات البشرية, فأنا في النهاية إنسانة عادية مرّت بالكثير من الخوف, وأريد أن تعكس مذكراتي هذا الخوف بكل صدق وشفافية بعد أن تحرّرت منه. كما أنني لا أريد أن أخدع قرّائي بأن أسقط تجربتي وقوّتي الحاليتين على مرحلة من حياتي لم أكن أتمتع فيها بتلك الدرجة العالية من الخبرة والشجاعة !

تكلّمت عن التناص في تحليل ( نقد ) القصص, والدراسات المقارنة لتكشف لنا عن الذات الناقدة :

  • جمعت الكثير من المعلومات حول قصص الأطفال في اللغة العربية, وأنهيت الفصل المتعلق بالتناص في القصص التي قمت بتحليلها.
  • كنت مشغولة بالتدقيق ببرنامج المؤتمر الذي يقيمه قسم اللغة العربية في شهر تشرين الثاني من العام نفسه تحت عنوان: قصص الأطفال في اللغتين العربية والفرنسية دراسة مقارنة

• البنية اللغوية من مفردات وتراكيب وسياق:
إن المفردات والألفاظ التي استخدمتها الكاتبة سهلة ومتداولة, مفهومة وبعيدة عن الحاجة لاستخدام القاموس للوقوف على معانيها, إلّا أن البراعة كانت في نظم تلك الألفاظ والمفردات في التراكيب والجمل, فقد اعتنت الكاتبة بالنظم وكأنها تشكّل جملها عبر اختيار مفردات متجانسة وتنضيدها بتركيب سحري لا مجال فيه للخطأ النحوي, بل صورة ناطقة وحيّة وكأننا نرى المشهد مرأى العين, لننظر إلى التركيب التالي :
رنّ جرس الهاتف, فانتصبت أعصاب وليد كما المسامير. انقضّ على السماعة انقضاض النمر على فريسته, رافعًا إياها إلى أذنه بسرعة الإعصار.
نلاحظ أن المفردات من أفعال وأسماء في غاية البساطة والسهولة ( رنّ- انتصبت- انقضّ- جرس الهاتف- أعصاب- المسامير- السماعة- النمر – فريسته- الإعصار ) نظمتها الكاتبة في جملة فعلية نظامية ( فعل وفاعل) أتبعتها في الجملة الثانية بحرف جر( الكاف) الذي يفيد التشبيه و( ما) المصدرية ( كما المسامير), الثالثة بالمفعول المطلق ( انقض انقضاضَ النمر ), والجملة الأخيرة ( رافعًا إياها إلى أذنه … ) جملة اسمية حالية. هذا النظم والنحو الذي تتميز به اللغة العربية هو أوضاع سحرية تنتظم بها المفردات بتجانس وتوافق وتناغم جميل جدًّا, يجعل الكلام كائن حيوي نشيط محسوس بكل الجوارح.
هناك بعض الألفاظ التي اقتربت من اللهجة الدارجة بقصدية إضفاء الواقعية المعاصرة:
مثل : ( جاكيت شاموا- مثل بيضة الديك- بنطالَي جينز- ستايل- عيرة بعيرة- الكرسون- سبع البرمبو- الكاسيتات, تبولة, استبنة, شطّي مطّي- قباقيب غوار …..)
وهناك حوار أوردته الكاتبة باللهجة الدمشقية على لسان ( هديل) وهي تتحدّث على الهاتف من باريس مع ابنها ببيروت, العمل الأدبي نقديًّا يجب أن يرتقي باتجاه الرقي اللغوي, انطلاقًا من المبدأ الذرائعي (الأدب عرّاب المجتمع) أي على الأديب واجب تشذيب ذوق المتلقي بحوار أو بأسلوب سهل ممتنع مبسّط, لكن لا يتجه نحو المحلّية اللغوية, لأن المجتمع العربي يرتبط بلغة واحدة ويختلف بمئات اللهجات, لكن على اعتبار أن ذلك لم يرد بحوار وإنما ورد في انعطاف حَدَثي جلب انتباه قلم الكاتبة نحو اتجاه اجتماعي يرتبط بخيوط الوطن البعيد, حيث أشارت الكاتبة إلى ذلك قبل أن تورد الحوار:
سمعتها تتحدّث إلى طفليها بطريقة مشبعة بالأمومة حسدتها عليها وعليهما…… وكانت العبارة الدمشقية
“تقبرني يا ماما اسمع الكلام ولا تعذب تي تي” تكاد تتردّد على لسانها بعد كل جملة.
الأهازيج والأغاني المدرسية النمطية, أيضًا أتت بها الكاتبة باللهجة المحلية, ولكنها نقلتها ضمن أقواس :
” يا شوفير ادعاس بنزين على المية وتسعة وتسعين, يا شوفير دوس دوس الله يبعتلك عروس حلوة بيضة من طرطوس ما بتاكل إلا مكدوس- “
” قِيم سطُول وحطّ سطول الشعب الوَرّاني مسطول “
وكان لأغاني عبد الحليم حافظ حضورها الفني العربي المميز في البيت الباريسي:
أنا كنت هواه وحبيبو روحي وقلبي حواليه لو كان الدمع يجيبو كنت أبكي العمر عليه
ضي القناديل والشارع الطويل
ظلموه ظلموه القلب الخالي ظلموه
أيضًا أوردت الكاتبة أمثالًا شعبية :
( الرجل بالبيت رحمة ولو كان فحمة- يعني نكاية بالطهارة……- أميّ لا يعرف كوعه من بوعه….)

• البنية الإشارية ( الدلالة والمفهوم ):
من يقرأ هذا العمل سيجد العديد من الدلالات ومدلولاتها الكثيرة التي تبقى في مراوغة مستمرة داخل حيّز التأويل, ولا يوقف مراوغتها إلّا المفهوم الذي يؤطّر المدلولات المرئية المدركة بالحواس الخمس وهي محدودة, وغير المرئية ( الخيال والرمز ) غير مدركة بالحواس وهي غير محدودة, وهذا التأطير يكون في الفسحة الإيحائية في الدماغ, فالمفهوم يشمل المرئي وغير المرئي بفرق أن صورة المرئي وغير المرئي تكون مفهومة من الدماغ مسبّقًا. لنأخذ الفقرة التالية كمثال:
لم يكن ما تشعر به جوعًا للأكل بل نهمًا للأمان الذي كان وما يزال يتمثّل لها بصورة الرجل ابتداء بالأب مرورًا بالزوج, وربما الابن حين تصبح عجوزًا. لقد أسدى أبو جاسم وابنه الأغر أكبر معروف لي حين قزّما صورة الرجل في ذهني إلى أقصى الدرجات, فعشت حياتي بعيدة عن رومانسية تشييد تماثيل الفروسية, أما الأستاذ وائل فقد دمّر حياتها حين أدى دورًا أبويًّا رائعًا فما كان منها إلا أن كافأته, لا شعوريًّا, بأن نحتت له, وبالتالي لكل رجل يدخل حياتها من بعده, تمثال فروسية برتبة خيّال. لم تكن لتدرك أن زمن الخيول التي تحمل على ظهورها الفرسان قد ولّى إلى غير رجعة, وأنه يتعيّن عليها أن ترضى بالواقع المرير وتتوقف عن تفصيل بذلة رجالية واحدة لكل المقاسات .
الدلالة: صورة الرجل .
عقدت الكاتبة مقارنة عن عن صورة الرجل بذهن امرأتين, إحداهما ( سكينة) وقد عانت من تسلّط الرجل عليها ( أب – أخ) حدّ الاعتداء, ما جعلها تفقد أمانها معه, فما عادت تنشده عند غيره, وبذلك فقدت رومانسيتها, لإيمانها المجمل بأنه لا يوجد رجل يملك ( الأمان) ليعطيه, وبين المرأة الثانية (هديل) التي تنعّمت بذلك الأمان عند أبيها, فظنّت أنها ستلقاه مع أي رجل قد ترتبط به, ما أوقعها بين فكي إشكالية, الرومانسية الحالمة بمواجهة المزاجية الرجولية الواقعية مع أول رجل ارتبطت به, تزوّجت منه وخانها مع أخرى, ففقدت أمانها.
المفهوم : المغالاة في ذات الأمر( صورة الرجولة), السلب المطلق والإيجاب المطلق, والنتيجة التي قادت إلى الشطط .
فالأولى : قزّمت صورة الرجل بخاصية الرجولة ( الأمان) بذريعة تجربتها الشخصية الواقعية, فألغت رومانسيتها.
والثانية : عملقت صورة الرجل الرمز برومانسيتها, فطُعنت في أمانها على أرض الواقع.

• البنية الجمالية ومتعلقاتها البلاغية – علم البديع وعلم البيان
كثرت الصور البيانية وخصوصًا التشابيه والاستعارات في الرواية, نستعرض بعضها:

  • مشاعرها تجاه جاسم كانت متداخلة ككرة صوف أوقعها حظّها العاثر بيد حائكة خرقاء (تشبيه)
  • نظرت سكينة إلى يدي أم مرزوق فرأتهما كأشجار دُلب الخريف ( تشبيه)
  • انهمرت العتمة باكرًا في المساء, فلفّت خيوطها جدران البيت الصغير ( استعارة)
  • كانت تسبح شبه عائمة في بحر من الأفكار السوداوية حينًا والملونة أحيانًا حول المحيا والممات ( استعارة) ثانيًا -المستوى الأخلاقي Moral Level

إن الأفكار هي نتاج ما أثمر من بذور منغلقة على مدخراتها, ملقاة في تربة العقل, لا ندري مسبّقًا مستوى الجودة فيها, فإن أنتشت وأثمرت, بان الغث من السمين, وأفكار الكاتب أو الأديب حينما يطرحها على الورق تكون رسالته المكتوبة والمقرورة التي تشهد له أو عليه, يذرّها على ما تطهوه الحياة في وعاء الإنسانية, ويحرّك المغرفة لإنضاج الطبيخ, وذُرورُه إمّا مطيّبات تسهم في إزكاء الطعام الإنساني, أو سموم تقتل من يتذوّقها, ولذلك تعتبر مسؤولية الكاتب عن أفكاره مسؤولية كبيرة, ويجب أن تكون محكومة بأخلاقيات الإنسانية, وبتلك الرسالة الإنسانية نجّاه الله من مصير الشعراء والغاوين, ولن يستطيع الأديب أن يصارع شرور المجتمع لكنه يستطيع أن يحصرها في أضيق مكان ممكن بأدبه وأخلاقياته, فلا ينشر الإباحية, ولا يروّج للأفكار المنحلة, فالإبداع لا يكون في حرف فاجر, وإنما في كلمة طيبة, والمتعة الفنية لا تكون في عمل رخيص يكون مدعاة للتفكك الأخلاقي والانحرافات النفسية, وإنما في عمل قيّم يلقي الضوء على الآفات الاجتماعية ويحاول معالجتها قدر الإمكان, أو على الأقل يحيلها على مؤسسات مجتمعية لتتحمل مسؤوليتها, “لذلك فإن أفكار الكاتب لا بد لها من خلفية أخلاقية تصون الأدب من الانحراف وتحارب الإسفاف والتحلل الأخلاقي في الأدب ….. وهذا ما تدعو له الرؤية الذرائعية بمستواها الأخلاقي المتمثّل في” :
1- البؤرة الفكرية الثابتة أو التبئير الفكري Static Core:
تطرح الكاتبة في هذا العمل موضوعًا اجتماعيًّا يعتبر من أبرز الآفات الاجتماعية التي ما تزال تفتك بالكثير من المجتمعات العربية رغم دخولنا عتبة الألفية الثالثة للميلاد, وهو موضوع السلطة الأبوية الديكتاتورية وسلطة الأخ الأكبر, هذه السلطة المترافقة بالعنف الأسري والأذى الجسدي والنفسي, والجهل والتجهيل, والآثار المصيرية السلبية المتولّدة عنه, وتدعو الكاتبة وبشكل فعلي وعبر بطلتها إلى مقاومة هذه الآفة, على اعتبار أن النفس الإنسانية أمانة الله عند الإنسان, وعليه أن يحافظ عليها بضمان عزّتها وأمنها وكرامتها وسلامتها ضدّ كلّ من يحاول الاعتداء عليها تحت أيّ مسمّىً كان.

2-الخلفية الأخلاقية للنص أو الثيمة :Theme or Moral Background
ولم تتعرّض الكاتبة بأي كلمة بذيئة بحق الأب, وإن عابت عليه أفعاله المشينة بحق أمّها وحقّها, وكانت متوازنة في كيل دواخلها الكارهة لأفعال وتصرفات أخيها المستغل الأرعن. كما طرحت موضوع دعم المؤسسات الاجتماعية التي تُعنى بالمُعنّفين أسريًّا, عندما أوصت بطلتها أن يكون ريع روايتها التي ستنشر بعد موتها وقفًا لمؤسسات اجتماعية تُعنى بالمُعنّفين أسريًّا. ومن خلال قراءاتي لثلاث روايات للأديبة سلمى حداد وجدت أنها كاتبة تُعنى بالهمّ الإنساني الاجتماعي, استراتيجيتها مشبعة بالظلم الاجتماعي الواقع على المرأة العربية بشكل خاص, ابتداءً من المحيط الأسري وانتهاءً بالمجتمع.
ومن هذا المستوى الأخلاقي وبؤرته الستاتيكية أنطلق إلى باقي المستويات, إلى المستوى الديناميكي:

ثالثًا– المستوى الحركي في التحليل Dynamic Level:
ندرس في هذا المستوى التجربَتَين السردية والجمالية .
 التجربة السردية : من خلال دراسة:
-1التشابك السردي وعناصره التالية:

1- العنوان : سكينة ابنة الناطور
قد يبدو العنوان للوهلة الأولى وكأنه عنوان لفيلم أو مسلسل مكسيكي أو تركي مدبلج للغة العربية, يكون فيه اسم البطلة أو البطلة متصدّرا بالعنوان, ولكن من يقرأ الرواية سيستنتج أن العنوان يلخص تلخيصًا متقنًا موضوع الرواية الذي دار بين قطبين ( المبتدأ والخبر), أولهما (سكينة) التي لم يكن لها من اسمها نصيب في الحياة, فلم يعطها القدر من السكينة إلا الاسم, والقطب الثاني هو ( الناطور) الذي انتمت له سكينة بالبنوّة, والذي كان القطب السلبي الذي لم تستطع (سكينة) الإيجابية القطب إلّا أن تنجذب إليه مكرهة, قد جاهدت حتى تخرج من مجاله المغناطيسي, متجهة نحو القطب الشمالي ( إلى فرنسا), حتى ظنّت أنها تحرّرت منه إلى الأبد, لكن القدر شاء أن تموت سكينة وهي مستكينة إلى انتصارها, ولو قُدّر لها أن تحيا ستصاب بالخيبة, لأن الناطور كان أوّل من ورث تركتها التي حرصت كل الحرص- وهي تتخذ تدابيرها القانونية قبل وفاتها – على ألا ينال – لا الناطور ولا ابنه جاسم- أي شيء منها.
2- الاستهلال أو المقدمة : مقدمة زمانية فقط , نيسان 1975
3- الزمكانية : زمن الرواية الأحداث امتد من العام 1975 وإلى ما قبل نشر الرواية بحوالي سنتين, أي للعام 2012, وهذا ما أكدته هديل في الفصل الأخير :
مضى عامان يا سكينة, وها أنذا في يوم رأس السنة أسند ظهري إلى شاهدة قبرك وأتحدّث إلى حجر …
أما المكان : في مدينة دمشق ( مدرسة جواهر المستقبل – مزة فيلات غربية – بيت الناطور- دار النشر بالبرامكة- جامعة دمشق – الحميدية محل بكداش…)
ومدينة باريس( البيت – جامعة السوربون- ساحة التروكاديرو- حديقة وقهوة لوكسمبورغ ….)

4- الحبكة :
يبدأ التشابك السردي بمثلث الصراع الدرامي الذي تخطّ قاعدته العنوان والمقدمة, ثم يقطع القاعدة من نهايتيها محوري التكوين (الذي يحمل الشخصيات الإيجابية سكينة- أم مرزوق – مرزوق – هديل- وليد- وائل…) ومحور المعارضة (الذي يحمل الشخصيات السلبية الناطور- جاسم ) من صراع هذين المحورين تتولّد الأحداث على محور التوليد الذي يتعامد كارتفاع على القاعدة,
قصة فتاة تدعى سكينة من بيئة فقيرة جدًّا, تعيش في أسرة مكونة من أب وأم وخمس أخوة ذكور, الكبير جاسم هو أخ غير شقيق, أخ من أب, وأخت صغيرة, الأسرة تسكن في بيت مكوّن من غرفة واحدة ومطبخ وباحة خارجية صغيرة متصلة بباحة مدرسة (جواهر المستقبل الثانوية) المجاورة بباب صغير, والدها ناطور في المدرسة, وسكينة طالبة بكالوريا أدبي في ذات المدرسة بمنطقة المزة في دمشق, ووالدتها تعمل مستخدمة في ذات المدرسة أيضًا, وتبيع سندويشات الفلافل للطالبات, وفي أيام العطلة الأسبوعية تعمل بالأجرة بتنظيف منزل الأستاذ وليد الجار الأرمل الأربعيني الذي يطلّ من شرفة منزله على باحة دارهم وباحة المدرسة, تجمع بين سكينة وهديل وبعض وطالبات أخريات هواية قراءة الأساطير, فيتحيّنّ الفرص للاجتماع في وقت الفرصة والنقاش وتحليل القصة الأسطورة المختارة من قبل هديل, والتي توزعها عليهن مطبوعة على الورق, فوالدها الأستاذ وائل يملك دار نشر في منطقة البرامكة, تميّزت سكينة بنبوغها في مادة اللغة العربية, وأحبت مدرّسة المادة كحال كلّ الطالبات, ولكن المعلمة كانت معجبة بنبوغ سكينة تحديدًا, عانت سكينة ما عانته من صلف بعض زميلاتها وتعييرهنّ لها بفقرها, ولكن هديل كانت لهنّ بالمرصاد, تغدق على سكينة الكثير من الحب من خلال صداقة خالصة, وتتشارك معها ما يتيسر لها من هدايا يأتي بها والدها من سفرياته للخارج, أول زجاجة عطر لامس جسم سكينة كانت هدية من هديل( وسترد سكينة لهديل الهدية لاحقًا زجاجتي أوبيوم سان لوران توصي لها بهما بعد وفاتها) . مشكلة سكينة الكبرى كانت مع أخيها جاسم الذي جاء إلى بيتهم كالقضاء المستعجل, عندما ترك القرية التي كان يعيش فيها مع جدته أم أمه, التي ربته بعد أن توفيت والدته بعد ولادته, جاء إلى العاصمة ليدرس الحقوق, وأطلق له أبو جاسم يده ليتسلّط على زوجة أبيه( أم مرزوق) وأختيه سكينة وحسنة الطفلة ذات الست سنوات و التي منعها من تلقي التعليم كيلا تتمرّد مثل أختها سكينة التي حصلت على الشهادة الثانوية, والتي قاست المر, وتحمّلت الضرب المبرح من جاسم وأبيه في سبيل إخراجها من المدرسة, وتزويجها من أول عابر بدارهم, وحاولت جاهدة أن تقنع أخاها مرزوق الذي كان مأخوذًا بلعب كرة القدم بأن يأخذ الشهادة الثانوية على الأقل, لكنه يفشل, فيُساق للخدمة العسكرية, بعد أن يضع في قلب جاسم شيئًا من الخوف يوم هجم عليه وكال له الضربات ردًّا على اعتدائه على سكينة وأمها, يستغل جاسم غياب مرزوق في الخدمة العسكرية ويتفق مع أبيه على منع سكينة من تلقي التعليم الجامعي, فيأتي الأستاذ (وائل سعيد) والد هديل ليبرم مع أبي جاسم صفقة, وهي أن تسجّل سكينة في الجامعة وتقوم هي وابنته هديل بمساعدته بتنسيق الأعمال المعدّة للطباعة في الصباح وبعدها تذهبان كلّ إلى جامعتها, هديل في كلية اللغة الإنكليزية, وسكينة في كلية اللغة العربية, والمقابل مبلغ شهري يدفعه الأستاذ وائل لأبي جاسم الذي تقاسم المبلغ مع ابنه جاسم, في دار النشر تلتقي سكينة مع وليد الذي اعتاد أن يشرب قهوته الصباحية مع أستاذ عامر, يستمر الوضع على هذا المنوال حتى السنة الأخيرة في الجامعة, سنة التخرج, حين تسمع سكينة حديث جاسم وهو يعقد صفقة مع أبيه على تزويجها من ابن خاله معلم التمديدات الصحية بنظام (المقايضة), أي كل منهما يتزوّج أخت الآخر, يباغت جاسم سكينة وهي تعلّم حسنا مبادئ القراءة والكتابة فيقوم بضربها ضربًا مبرحًا, ويصدر أوامره بمنعها من الخروج من البيت, ليأتي أستاذ وائل من جديد, ويغري جاسم بمبلغ شهري يستزيده فيه بخسّة, مقابل أن يسمح لسكينة بإكمال سنة التخرج, أما حسنا فقد خافت ورفضت من بعدها أي محاولة للتعلّم. في تلك الأثناء, لا يملك وليد نفسه وقد شغف بسكينة, فيعرض عليها الزواج, ويخبرها بماضيه بمنتهى الصراحة, الذكر الوحيد لأسرة ارتأى والده أن يعلمه الهندسة لمعمارية في باريس, وهناك تزوج من كريستين واكتشف أنه عقيم, ماتت زوجته بحادث سير, وعاد إلى دمشق ليؤسس فيها شركة إنشاءات تولى ابن أخته بلال إدارتها وهو يضبط عليه الكثير من السرقات لكنه لا يواجهه بها, إلى أن قرّر أن ينهي ارتباطاته ويعود إلى باريس, وإن وافقت سكينة على عرض الزواج, تسافر معه وتكمل الماجستير والدكتوراة هناك, وجدت سكينة في ذلك العرض نجاة من واقعها المرير, سيما وأن هديل ستغادر مع أسرتها إلى بيروت, ودار النشر ستغلق, وجاسم وأبو جاسم سيعودان للتسلط عليها وإرغامها على الزواج من ابن خال جاسم.
تعود سكينة بعد تلقيها عرض وليد إلى البيت مأخوذة بأحلامها, فتنسى ربط شعرها الذي يتطوّح طويلًا غجريًّا أسود( ذلك الشعر الذي ستفقده لاحقًا وستستبدله بباروكة), وتنسى أن تمسح عن وجهها رتوش ( الماكياج ) الخفيف, تدندن أغنية لعبد الحليم فتباغتها شدّة عنيفة من شعرها متسببة بألم صاعق في رقبتها وتهوي على ظهرها وتجّر مسحولة على الطريق لتغيب عن الوعي.
5- العقدة:
يتقارب محورا التكوين والمعارضة باتجاه محور التوليد, ويتصاعد التشابك والصراع, لتلتقي المحاور الثلاث في ذروة مثلث الصراع وهي الذروة التي نسميها بالعقدة, التي تحكيها سكينة بتقنية الاسترجاع حينما تلتقي بهديل بعد سنوات طويلة في باريس :
كان جاسم يراقب سكينة ويسير خلفها, وكانت النتيجة كسر ذراعها اليمنى وتشوّه كوعها, وإصراره على تزويجها من ابن خاله عند انتهاء الامتحانات على أن يرافقها إلى الكلية ويعيدها مخفورة إلى البيت. تخبر سكينة أمها بأمر وليد, فتصاب بذعر شديد, واعتراضها على أن ابنتها لن ترزق بذرية, أكثر من اعتراضها على فارق العمر بين وليد وبين سكينة, فتكذب سكينة عليها وتخبرها أن المشكلة في زوجة وليد السابقة.
يأتي مرزوق في إجازة إلى البيت, ويجن جنونه عندما يجد وجه سكينة متورمًا ويدها في جبيرة, فيجهز مسدسه ليقوم بقتل جاسم حال وصوله, تحاول كل من سكينة وأم مرزوق تهدئته, ثم تقوم أم مرزوق بإقناعه بفكرة تهريب سكينة من البلد بعد عقد قرانها على وليد, يقتنع بعد جهود جبارة, واضعًا في حسبانه عدم قدرته على حماية سكينة بحكم عدم وجوده بالبيت في أغلب الأوقات, في المساء يهدّد جاسم بأنه سيكسر ساقه وقدمه إن فعلها مرة أخرى, وبحجة الذهاب إلى الطبيب للكشف عن يدها المكسورة تذهب سكينة ومرزوق وأم مرزوق ووليد إلى المحكمة لعقد القران, ثم إلى الهجرة والجوازات لإصدار جواز سفر لسكينة ويستكمل وليد المعاملات للحصول تأشيرة دخول إلى فرنسا.
6- الانفراج والنهاية :
بعد العقدة, ينقلب الصراع باتجاه الانفراج, وينقلب مثلث الصراع إلى مثلث انحسار يتقابل مع مثلث الصراع السفلي بزاوية الرأس لكل منهما( العقدة), في مثلث الانحسار تبدأ الأحداث بالتلاشي باتجاه النهاية ( قاعدة المثلث العلوي) التي يتعامد عليها أيضًا محور التوليد كارتفاع, وكذلك يتباعد محوري المعارضة والتكوين بانقلاب اتجاههما لينتهيا على قاعدة مثلث الانفراج العلوي عند النهاية, التي ينحسر تواجد الشخصيات باتجاهها حتي لا يبقى غير شخصية وحيدة هي التي تضع النهاية.
وليد وسكينة يسافران إلى باريس, تحصل سكينة على الكتوراة, وتصبح مشرفة على طلبة الدكتوراة في جامعة السوربون, يموت وليد بعد سنوات عديدة من زواجهما, وتصاب سكنة بسرطان نقي العظام وتتعالج منه بجلسات عديدة, تفقد شعرها الغجري الطويل نتيجة العلاج, وتستبدله ب( باروكة), تنظم جامعة السوربون مؤتمرًا تكون هي من منظميه, تكتشف أن طالب الدكتوراة اللبناني الذي تشرف على أطروحته يحدثها عن صاحبة دار نشر تدعى هديل سعيد, تتأكد أنها هديل صديقة عمرها الدمشقي, فتدعوها إلى المؤتمر, وتستقبلها في بيتها, وتحكيان الكثير من القصص, هديل سافرت مع أسرتها إلى بيروت وتزوجت هناك من ابن عمها (عامر) طبيب الأسنان, وأنجبت منه بنت وولد, ثم اكتشفت أنه على علاقة مع ممرضة إنكليزية كان يعرفها أثناء دراسته في انكلترا, وأن هديل في مرحلة نفسية حرجة حيث طلبت الطلاق ولم تحصل عليه, يتدهور الوضع الصحي لسكينة, فتطلب من هديل أن تنشر لها ما كتبته من مذكراتها, وأن تجعل ريع المنشورات في خدمة مؤسسات تُعنى بالأشخاص الذين تعرضوا للعنف الأسري, تقوم بكل التدابير القانونية لتجيير تركتها لأمها وأخوتها واستثناء والدها وابنه جاسم, وتقدم لمرزوق على فيزا للحضور, فيحضرها في مرحلة سكرات الموت, توصيه بإيصال سلامها لأم مرزوق, فيتمتم أنت من ستوصلين سلامي لها, ويخبر هديل أن أم مرزوق ماتت في حادث سيارة بعد سنتين من هروب سكينة, وأن أبو جاسم تزوّج بعدها زوجته الثالثة, وأن حسنا تزوجت في سن الثالثة عشر وأنجبت العديد من الأولاد, وجد المحامي الفرنسي إرباكًا عند تنفيذ الوصية في حيثية أن أم مرزوق التي خصّتها سكينة بقسم كبير من التركة منها متوفية, وعليه يتم توزيع حصتها شرعًا على ورثتها, ويأخذ أبو جاسم حصة الأسد منها, وهو ما كانت سكينة تجاهد وتتخذ التدابير الكثيرة للحؤول دون حدوثه.
7- النهاية:
تضعها هديل( الشخصية الوحيدة التي تبقى بعد تلاشي الأحداث وانحسار الشخصيات), التي نعرف منها أنها عادت إلى زوجها مختارة, فهي أضعف من أن تمتلك الشجاعة للعيش دون زوج, ونشرت مذكرات سكينة بعد أن غيّرت في الأسماء بناء على نصيحة والديها لكي تبقى سكينة كبيرة في عيون قرائها وطلابها, تزور قبر سكينة لتجد عليه إكليل ورد أحمر حديث العهد بالذبول, وعلى الأغلب هو من الدكتور مبروك المغربي الأصل, الذي شغف حبًّا بسكينة لكنها لم تمدّ له الطريق بأكثر من مسافة الصداقة.
…..حاولت متابعة السير غير آبهة لتمزّق جوربي فشدّتني القشة إليها من جديد. انحنيت بعجالة لأحرّر ساقي منها وأتابع فراري من عقر الموت, فوجدتها ناتئة من إكليل ورد أحمر جميل حديث العهد بالذبول يحمل بطاقة بيضاء كُتب بخط فوضويّ صغير: je t’aim, Sukie .

محاور التشابك السردي في النص الأدبي السردي
-2 كيف بنَتْ الأديبة الحدث الدرامي؟
استخدمت الكاتبة في بناء الحدث الطريقة التقليدية مقدمة – عقدة – نهاية, كما أنها استخدمت الطريقة الحديثة بعرض الحدث من لحظة التأزم أو العقدة لتعود إلى الماضي Flashback لتروي ما انقطعت عن سرده في فترة الهروب من دمشق إلى باريس, تسرد سكينة لهديل تفاصيل ذلك الحدث يوم تلتقيها في باريس, تقول:
….. في طريق عودتي إلى البيت نسيت أن أمسح المساحيق عن وجهي, كما فاتني أن أجمع شعري الغجري…. وبينما أنا على مقربة من البيت أفكر في كل هذا وأدندن بصوت شبه مسموع أغنية لعبد الحليم , كان جاسم يسير خلفي ويراقبني دون أن أشعر به. هجم عليّ من الخلف وسحبني من شعري على طول الرصيف إلى البيت حيث انهال عليّ بالضرب المبرح ……
استمرت(سكينة) بالاسترجاع Flashback حتى الصفحة نهاية الصفحة 263, لتبدأ بعدها (هديل) أيضًا باسترجاع الأحداث التي مرت بها من بعد هروب سكينة :
ذهبنا كما تعلمين إلى بيروت وأقمنا لمدة أسبوع في بيت عمي بالأشرفية ريثما استأجر والدي بيتًا في المنطقة نفسها…….
واستمرت بالاسترجاع حتى الصفحة 268
لجأت الكاتبة أيضًا إلى التلخيص أو الاختزال في الأحداث والزمن.
كما استعانت أيضًا ببعض التقنيات مثل مجرى اللاشعور Stream of consciousness , في لحظة الاحتضار:
_” أيها الموت النبيل ! تعال إلي! حرّرني من أشواقي إليك, أنا سكينة التي ما كان لي من اسمي نصيب…. سكينة ابنة وليد وأفروديتا وجبال قبرص الشامخة. هديل ! ابتعدي من هنا يا حبيبتي! لا تقتربي من نرسيس, إنه وغد حقير! سوف يسلط كلابه عليك. ابتعدي من هنا ز ابتعديز لا احب مخلل اللفت, لا أحب مخلل اللفت, كم مرة يجب عليّ أن أقول ذلك؟ من انت ايها الشاب الوسيم؟”
وكذلك الحوار الداخلي:
…. قالت في سرّها : لن يكون الموت أقسى من العيش في بيت الناطور ومعه, لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون أقسى منه أو حتى أكثر فجائية وأشد مجهولية, وماذا لو تعادلا يا سكينة؟ وماذا لو كان أقسى من الحياة يابنة الناطور ؟ لا تعرف! لا تعرف!
وأيضًا الذكريات Memories :
…. لم أكن يومًا طفلة ولم أجادل يومًا ولم أشارك يومًا في رحلة مدرسية, كنت أقف وراء الباب الحديدي الذي يفصل جواهر المستقبل عن بيت الناطور وأراقب بعينين نازفتين الفتيات وهن يقفزن بفرح إلى الحافلة, يحملن بأيدهن ما لذّ وطاب من طعام وحلويات ومكسرات وأنواع عصير وتبولة تفوح منها رائحة النعناع الشهي الذي لم يُخلط بعد…..
-3 أما عن سردية الحدث: فقد استخدمت الكاتبة:
طريقة السرد المباشر: قدّمت فيها الأحداث في صيغة ضمير الغائب ( سارد عليم) حتى ما قبل الهروب (العقدة) . وبهذه الطريقة عرضت الكاتبة الشخصيات بالطريقة التحليلية وهي الطريقة المباشرة التي يعنى فيها الأديب برسمها من الخارج واصفًا تصرفاتها وشارحًا عواطفها وأحاسيسها بأسلوب صريح تكشفت من خلاله شخصيته وتوجيهه لأفكار شخصياته وفق الهدف والحاجة التي أرادهما. لكن بالحقيقة كانت البطلة ( سكينة ) هي نفسها السارد العليم.
بعدها سردت الأحداث بضمير المتكلم ( السارد البطل/ سكينة/ – السارد المشارك / هديل/) , وهنا عرضت الكاتبة الشخصيات بالطريقة التمثيلية: وهي الطريقة غير المباشرة, منحتها الكاتبة فقط لسكينة وهديل, حين أكسبها حرية أكثر للتعبير عن نفسها وعن ميولها وأفكارها وعواطفها.

-3 وأما التجربة الإبداعية السردية عند الكاتبة :
تمثّلت باستخدامها استراتيجية السرد القصصي من داخل السرد الروائي :
لقد أدخلت الكاتبة في بداية كل فصل من فصول الرواية نصوصًا سردية, وهي عبارة عن نصوص ميثولوجية بصيغة القصة القصيرة, بمعنى أنها وظفت سردًا جانبيًّا لقصص قصيرة لتعطي لكل قصة من تلك القصص وظيفة كوظيفة الشخصيات, أي جعلت تلك القصص تعبّر عن أدوار الشخصيات الفنية في الرواية بوظائف فلسفية توضح مصير الإنسان المسجون بين فكي الشر والخير, وأحكمت الربط والحبك بينها وبين عناصر البناء الفني في الرواية, وجعلت هذا الربط ممتدًا إلى نهاية الرواية, فقد أسقطت صفات تلك الشخصيات الميثولوجيا على الشخصيات الفنية في الرواية, فأفروديتا هي مثال تحتذي به سكينة في بحثها عن الحب والاحترام ودائمًا ما تردّد: ” أين أنتِ يا أفروديتا”, ” أفروديتا! أهذا أنت يا أفروديتا؟ ضحكتُ في سريّ لقد تمكّنت من تعليمها العربية بعد أن كانت لا تتقن غير اليونانية…. جزاك الله خيرًا يا أميرة أساطيري ” , وأم جاسم وما جاء منها ( جاسم) لم يكن إلا مصائب (باندورا). كما أن سكينة ستتحرر من الخوف عبر تخلّصها من ( كعب أخيل): “…. لو كنت خضعت للخوف لما تمكّنت من تحقيق أي شيء في حياتي ويوم تتحررين أنت من خوفك سوف تذوقين طعم السعادة الحقيقية بنكهة نعناع الحرية. ساعديني يا هديل أرجوك! أريد أن أتخلّص من كعب أخيل, لا أريده أن ينتصر علي ويكون سبب موتي”

 التجربة الجمالية : البناء الجمالي :

 الأسلوب:
ناوبت الكاتبة بين الأسلوب الواقعي الذي استخدمته في سرد الأحداث, وبين أسلوب السهل الممتنع في الوصف الداخلي والخارجي:
” كان الليل طويلًا واستحضاريًّا بامتياز, فبدا وكأنه عصيّ على خطوط الفجر, زارتني فيه أم مرزوق بشراسة القطة التي تدافع عن صغارها حين تستشعر الخطر. كانت يدها, بالرغم من كل الجفاف والتشققات, دافئة وحنونة, تنتقل فيها برشاقة أمومية من خدي الأيمن إلى الأيسر فذقني فجبيني وكأنها تلبس فيها قفازًا من حرير….. ورأيت بأمّ عيني أسنانها الذهبية تلمع في ظلمة الليل حين منحتني أكثر الابتسامات وداعة ودفئًا في أرجاء عالمي السيبيريّ. الله يا أم مرزوق ما أروع حضورك حتى عندما يكون سيد الأوهام.”

مع ملاحظة اللمسة الفلسفية العميقة التي لا يغفلها ذهن وهي تعالج مواضيع: الموت والحياة, الخوف والألم, التقمص بدايته ونهايته, المرأة والرجل:
“…. أوتظنين أن الخوف الضعف حكر على النساء؟ …. لا يغرّنك شاربا الرجل وعضلاته المفتولة, أؤكد لك أنه يخاف من الوحدة كما المرأة, ولكنه لا يصرّح بمخاوفه وضعفه حفاظًا على كبريائه الزائفة هو الآخر, وإلا كيف تفسرين اندفاعه للزواج؟ لا تقولي لي الجنس, فهو يستطيع الحصول عليه خارج إطار الزوجية لو أراد… لكن خوفه من الوحدة هو الذي يدفعه للإسراع في الزواج بالرغم من كل ما يحمله الزواج إليه من أعباء ومسؤوليات إضافية قد يكون في غنى عنها لولا خوفه هذا. إن الخوف سمة بشرية لا يحتكرها جنس دون آخر……”

 الحوار:
الحوارات الخارجية وجدناها على شكل أسئلة قصيرة, لكن أجوبتها طويلة نوعًا ما, ذلك لأن الكاتبة طرحت عبر الحوار قضاياها الهامة, والآراء المتعلقة بها, كما طوت عبرها العديد من الأحداث بطريقة التلخيص.
الحوارات الداخلية :أيضًا كانت طويلة, تداعى فيها الخاطر تداعيًا انسيابيًّا حرًّا.

 الصور الجمالية :
اعتنت الكاتبة برسم صور جمالية حيّة, متحرّكة, وأوكلت إليها مهمات سردية, وهذا لافت جدًّا, ففي تلك الصور لخّصت الكاتبة الكثير من السرد, وطوت الكثير من الزمن, كما كثّفت الكثير من الوصف, نستعرض بعض الأمثلة :

  • لقد انتعل عامر أنوثتي وكرامتي بما فيه الكفاية
  • لقد أَوْحَدَني قدري في كل شيء , حتى في موتي
  • صدر سكينة, مقبرة جماعية لغضبها وألمها وإنسانيتها وفتات أحلامها
  • كان المكان لا يزال في مقتبل العمر حين ترجّلت من الباص عائدة إلى البيت
  • سلحَفَ الوقت بطيئًا كئيبًا باتجاه تشرين الثاني, التهمت روايتي ( عواصف الغربان) جلّه
  • اتخذت قراراتي وفوّة بندقية الزمن في رقبتي المستوى النفسي Psychological Level:

1- المدخل السلوكي: Behaviorism Theory:
وهو مستوى نفسي، باعتبار الأدب نوع من السلوك الإنساني، الذي يفرز بين طياته محفزات تتطلب استجابات آنية و مؤجلة التنفيذ, المحفز(stimulus) والاستجابة (response) أو الفعل(action) ورد الفعل (reaction) أو السؤال والجواب، لكي نتوصل إلى أعماق الأديب، من خلال نصّه، وإلى أعماق النص من خلال تقمص موجودات الأديب الظاهرة بالتوازي النفسي، وهي حالة من التداعي والاندماج بين شخصية الأديب والمتلقي أو المحلّل…..
وحدات التحليل السلوكي النفسي:
تكون بشكل تساؤلات وإشكالات وسلوكيات:
كان هناك الكثير من التساؤلات الميتافيزيقية :
منها التساؤلات الحائرة والتي لم تستطع أن تحدّد لها أجوبة, حول التحوّل والتغيّر المفاجئ الذي يطرأ على الزوج اتجاه زوجته حينما تقتحم حياته أنثى ثانية, وهي تساؤلات تجرّ ورائها- في معرض محاولات الإجابة عليها- تساؤلات أخرى في ماهية الذات الإنسانية وطبائعها, والجدل حول استاتيكيتها أو ديناميكيتها, وهديل تحاول أن تجد الجواب بشكّها بقدر أنوثتها هي, تقول:
” هل كان يخدعني طوال تلك المدة من الزمن, أم أنه كان فعلًا رائعًا وتحوّل بين ليلة وضحاها إلى وحش أناني كاسر؟ ام أنني فعلًا مسترجلة ولا أصلح لأن أكون أنثى ؟ لست أدري. ترى ما هي الثغرة التي سهوتُ عنها فدخلت منها تلك الشمطاء؟ يا إلهي! لا أذكر أنني تركت بابًا واحدًا مفتوحًا للتسلل! ماذا حدث , وكيف تسللت تلك الأفعى إلى حياتي؟”
تجيببها سكينة بتحليل منطقي من واقع المشاهدات الواقعية المتكررة, وبالتناص من التجارب العديدة لمن عاش ومن يعيش ومن سيعيش تلك التجربة بحذافيرها, كسيناريو معاد في كل الأفلام السينمائية:-” لا تشغلي بالك يا صديقتي بهذا النوع من الأسئلة الميتافيزيقية, لأنك لن تجدي لها جوابًا. حين يقرّر الرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أخرى فثغراته في جيبه. لا تظني للحظة واحدة أنه بحاجة إلى ثغرات زوجته كي يبرر خيانته له, فهو لا يتردد في تحميلها ذنوبًا وآثامًا لم ترتكبها قط….. ويهيّئ نفسه والمجتمع الذكوري معه لعملية انسحاب تكتيكي رخيص في إثر إصابته بوعكة نذالة ” .
تساؤل عن البداية والنهاية ولا جواب :
“الولادة ليست البداية كما الموت ليس النهاية “! أين البداية إذًا وأين النهاية؟ لا أعرف”
تس?

بقلم : عبدالكريم أحمد الزيدي / العراق

ما لا يعرفه الشعراء
(باب الخاتمة)
……………………………………………

قبل البدء بهذا الباب ، اود ان اثير مفهومين أدبيين لطالما يثيرا حفيظة الشاعر والمتلقي على السواء وهما ، بيت القصيد والضرورة الشعرية واللذين يغفل عنهما الكثير في الكتابة او القراءة للأدب العربي وخاصة ما في الشعر .

وبيت القصيد في معناه كما أشار اليه من سبقنا اليه ، على انه احد ابيات القصيدة الشعرية الأكثر جزالة ومعنى وتركيبا ، وهو احسن الابيات وأنفسها وقد يأتي في بداية المتن او ربما يأتي قبل خاتمته ويذهب الكثير الى ان هذا البيت الشعري هو ما قصده او ابتغاه الشاعر في القصيدة وقد يغني بمعناه كل القصيدة وسرها ، وبالنسبة لي فاني أشبهه بالطعم الذي يبقى على لسان المتلقي بعد تذوقه القصيدة ويكفي مضمونه ومعناه القصيدة الكاملة ، ومن دلالاته ان نجد في تاريخنا الأدبي الكثير من الابيات التي خلدت وعلقت في الأذهان دون غيرها من الابيات الشعرية .

اما توصيف الضرورة الشعرية والتي لا احبذها في رأيي الخاص لانها تضعف من بنية وقوام القصيدة واعتبرها ضعفًا انساق اليه الشاعر ليبرر هفوة او قصورًا في الإتيان بالتام والكامل من المعنى والبناء ، وهي عمومًا ظاهرة لغوية اختلف الكثير في تفسيرها وضرورتها وأنها حالة يضطر الشاعر اليها اضطرارا في البناء لبيان المعنى وتوصيفه ، وهي لا تظهر في الشعر النثري او التفعيلة الواحدة لان حرية التصرف هنا واردة ولا مبرر لاضطرار الشاعر اليها .

والخاتمة في القصيدة الشعرية محلًا تنتهي فيه كل معاني الوصف والإشارة والترتيب ، وتتوقف عنده مسيرة النص ودلالاته وألوان التشويق واستعراض القوى الإبداعية ومجمل لبنات البناء وقوة الملكة وغزارة الطبع والإغراق ، ولهذا لابد للشاعر ان يبذل غاية جهده في إتقان وضعه وجماله .

والخاتمة عادة تأتي في اخر بيت شعري او اكثر بقليل ينظمها الشاعر بحسب مهارته وتمكنه لا يحتاج بعدها الى مزيد من النظم والكتابة بما تغني القصيدة بتمام معناها واكتمالها ، ومن الملاحظ كما وجدت في الكثير من النصوص الحديثة لشعرائنا ان الكاتب لا يعود بنظرة ثاقبة ودقة في تضمين خاتمته بما استهل به من النص وما أراد في متن القصيدة من خلاصة ليضع اخر لمساته في ختامها ، وهذا مأخذًا حسيًا ومعنويًا يظل فيه النص ضعيفًا مهما بلغ في قوة استهلاله وتوصيف متنه .

وعلى هذا فان على الشاعر التركيز بدقة اعلى وتمحص اكبر وتدبر خالص عند ختام نصه الشعري ولربما اكثر حرصًا وعطاء من استهلال القصيدة على أهميته التي ذكرناها انفاً ، ومن تجربتي الخاصة فاني افضل ان يستقي الشاعر من ألفاظ ومعاني وحس الاستهلال ليوظفه بحذر وتأنٍ في خاتمته دون استهداف اللفظ بعينه كلما أمكن ذلك ، ولعل في قصيدتي (هاتِ يديك ) مثالًا على ذلك والتي استهليت بها بالبيت التالي :

هَاتِ يَدَيْك أَرَى فِي خَطِّها قَدَرِ
وَأبْقِي بِعَيْنِك سِرًّا حِفظُهُ وَزَرِ

وعدت لختامها بالبيت التالي :

هَات يَدَيْك لِعَلِيٍّ حِينَ انْظُرُهَا
تَأتِي يَدَيْك بِمَا لَمْ يَقْضِهِ قَدَر

على هذا فان الكاتب يجب ان يضع جل اهتمامه في خاتمة قصيدته التي يلخص فيها ما يؤول اليه نصه والغاية من كتابته ليريح به فكر ونظر المتلقي عناء المتابعة والجري في جمل ومفردات ومعنى النص..
وهنا يظهر جليا مهارة وحنكة وفطرة الكاتب وقدرته في اخراج نصه بافضل ما يمكن ويريح بالتالي متلقيه.

أتمنى ان اكون قد أضفت لكل المتابعين معلومة تفيد أهل الشعر وعنوانه ، ومن الله التوفيق .
……………………………………………..
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد

بقلم : عبدالجبار الفياض

القادمُ من الشّرق

أيّها الامبراطورُ الأصفر . . .
في كُلِّ مدينةٍ رايةٌ بيضاءُ
في بقعةِ ألم . . .
قُطعتْ رؤوسُ شوارعَ
ألقتْ حملَها على أرصفةٍ
خلتْ بعدَ صَخْب . . .
أفواهٌ
هربتْ حروفُها إلى عزيزِ ما أسرّتْ . . .
عيونٌ
تتحدّثُ بطلاسمَ مُقفلة . . .
الموتى
يغادرون بأسماءٍ ملوّثة
أسقطوا كلَّ ممالكِ النّملِ بلا أسلحة . . .
تراجيديا
إعدامٌ دونَ عصبِ عيون . . .
لم يُتركْ فؤادُ أمِّ موسى فارغاً !
أكذا تنتهي رحلةُ سفنٍ ولمّا تبحرْ بعد؟
نهاياتٌ
يقفُ عندَها الذّهولُ مذهولاً !
. . . . .
أيُّها الأصفرُ
دعني أرَ فيك ما رآه نبيّ في ضعفاءِ عصرِه . . .
مُرْ جنودَك
أنْ يرفقوا بتعساءِ الأرض
هم ميّتون
وإنْ لم يُدفَنوا . . .
فقد سبقكَ لقبرِهم مَنْ لُعنَ بفمٍ جائع
بدمعةِ يُتم . . .
مَنْ تبرّأ من ميّتِهم الثوبُ الأخير . . .
أيُّها الغازي
لقد بلغتَ عصبَ التّحدي . . .
عيالُ اللهِ
يشقون . . .
ينزفون . . .
لكنْ
باقيتُهم باقية
لهم وبهم
يتغيّرُ وجهُ الأرض !
. . . . .
كُسرَ الصّليبُ المعقوف
مُزّقتْ قائمتُهُ الزّرقاء . . .
لم تبخلْ مقابرُ المنبوذين أنْ تضمَّ روحاً
تشوْفَنتْ
لتكونَ الأعلى
ولو على سلّمٍ أحمر . . .
تهالكَ أنْ يُعيدَ ما أكلَ عليهِ الدّهر . . .
لبسَ ثوبَ امبراطورِهِ العتيق . . .
حسِبَ مَنْ سواهُ قطيعَ ماعزٍ
بعصا سيّدٍ لمسود . . .
للقذارةِ أصنامٌ
تُعبد
لابدَّ من فأسٍ
يبعثرُها جُذاذاً
لا تُعادُ لها صورتُها الأولى . . .
. . . . .
العالمُ
ليسَ هذهِ الخارطةَ الشّوهاء . . .
هذهِ الأسماءَ القاتمة . . .
الخطوطَ اللّعينةَ التي يُشنقُ عندَها الزّمنُ حينَ يضيقُ بهِ مكانُه . . .
لا
لقرونٍ
تشابهتْ في حقولِ البقر . . .
وَهَبتْ نفسَها كُلَّ شيء
ليس لداليةٍ أنْ تملأَ كؤوسَ غيرِها . . .
ما أبقتْهُ
ظلٌّ مُحترقٌ في غُرفِ الفَناء . . .
نمْ
أيُّها اللّيلُ
لتتفتّقَ أكمامٌ بعدكَ عن قصائدِ حُبّ . . .
الأَمامُ لا ينظرُ إلى خلفِه
شعلةً أولومبيةً في دربِ السّلام . . .
لمّا يزلْ آدمُ
يزرع
يقطف
لكنّهُ
يرفضُ أنْ يُخرجَ تقويمُهُ عن حسنِه !
. . . . .
عبد الجبار الفياض
نيسان / 2020

بقلم : عبدالكريم أحمد الزيدي / العراق

ما لا يعرفه الشعراء :
(باب الاستهلال )
……………………………………………

تنتقل ملكية الشعر بعد طبعه او نشره من كاتبه ليصبح ملكًا مشاعًا للآخرين ، وهذه حقيقة لابد ان يستدركها الشاعر قبل ان يتخلى عن ملكية ما كتب .

هذا الإيجاز الذي وددت الاستهلال به لانتقل الى صراع ابدي بين ذات الشاعر وما يخط به بنانه ، فالقلة من أدباءنا لا ياخذوا بأقلامهم قبل ان تستفرغ قريحة وجدانهم ما حفظوا من المكنون، بمعنى ان النص الشعري لا زال في ولادته وان الكثير من الحس يعصف في الخلد ليجد ممرا سالكا لخوضه، وهنا البداية الصعبة للكتابة التي تتطلب التروي والحرص فالاستهلال بشيء هو النور الذي يأخذ الى حيث المبتغى.

اود هنا التذكير دائما الى الخيار الصح والتأني في انتقاء الحدث وترتيبه ومن ثم المباشرة في انتقالاته ، والحس الذي هو مصدر الإلهام لابد من توظيفه صحيحًا لنهج وصيغة النص ، وبالعودة الى أهمية وثقل الاستهلال بالقصيدة الذي هو مصباح الاستدلال ومفتاح الدخول لمضمون غرضها وتوصيفها فأنه من الضروري استباق الجمل الشعرية بريع وغلة مدرارة من النهم اللفظي والفصاحة اللغوية بمزيج من المفردة المنتقاة بعناية حرفية وبوهج من الإثراء النطقي والدلالي الذي يستشعر فيه المتلقي بعذوبة حس المعنى ولباقة تمثيل الصورة .

فالمتلقي والقارئ على سواء لا تشد نظرته وترهف سمع أذنيه كل مضامين البلاغة والفصاحة وجزالة معنى الشعر مالم تكون صياغة الاستهلال بالنص حاضرة ومؤثرة ، وهنا على الشاعر تحفيز كل حواسه وما تجود به ضالته للوقوف على أهمية هذه الصورة وإطارها لتوظيفها بأجمل ما يمكن من انتقاء اللون والصبغة لرسمها في لوحة النص ، كما يفعل الفنان بآلته وأوتار عوده وتطويعها تمهيدًا للضرب عليها واحياء موسيقاه بما يستجذب معجبيه.

ان استهلال النص باختيار على هذا الأساس يمهد للشاعر كل وسائط التعامل باختيار البحر والوزن والقافية وانتقاء حروف الروي التي على تحديدها يبدأ بناء النص ونظمه ، وكأنها الخطوة الأولى لمسيرة التكوين والخلق لمتن النص ومضمونه وقصته ، التي لا يختلف بناؤها كثيرا عن موضوعة النثر والمقال والرواية باعتبار ان القصيدة بمعناها هي قصة فعلية لحدث يختاره الشاعر لايصال رسالته .

وعلى هذا يكون مفهومنا الصائب بان الاستهلال في النص سيكون اللبنة القاعدة لبناء باقي الأسس التي تستند عليها اركان نظم وصياغة القصيدة الشعرية .

أتمنى ان اكون قد أضفت لكل المتابعين معلومة تفيد أهل الشعر وعنوانه ، ومن الله التوفيق .
……………………………………………..

عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد

بقلم : عبدالكريم أحمد الزيدي / العراق

ما لا يعرفه الشعراء
( باب المتن)
……………………………………………

قبل الانتقال الى متن القصيدة الشعرية وتعريفه وصورة بناءه ، وددت التلميح الى ان الاستهلال في النص لا يقتصر على البيت الاول منه ولربما يزيد عليه اعتمادا على موضوعة النص ومضمونه ، اما المتن فانه يعرف اصطلاحيًا بانه الظهر من الشيء وهو الأصل الذي يشرح ويضاف اليه الحواش وهو كل مابين العمودين في معناه الشعري .

فالشاعر هنا في المتن يضع كل ما يريد توصيفه ويضطرب في حواسه وتضطرم ناره وتفيض جوانبه ، وهو لا يأتي لوحته الشعرية بكل هذا الكم من الحس والتخمة مرة واحدة ، بل عليه ان يجدول كل هذا وفق ترتيب ممنهج يفرضه عليه حدث النص الشعري في الوقت والمكان والجو العام لبيئة كتابته .

ان توظيف ترتيب حدث النص الشعري وتدوينه في المتن يتطلب من الشاعر احتواء الفكرة اولا وآلية أسلوب توصيفها بما ينسجم مع مساحة وحجم ومدى احداث النص ، ولا يهم هنا تسلسل الوقع الحدثي بكل دقته وحركته لان الشاعر بمقدوره ان يعيد كل هذا في ترتيب النص بعد اكتمال الصورة النهائية له ، فيؤخر من بيت ليقدم اخر بدله وحسب ما يتطلبه ترتيب الأحداث ، وقد يضطر الى حشو بعض المواقع بين أوصال المتن بِما يزيد الحدث وضوحًا واكتمالا ، وهذا يسمح ويهيئ للمتلقي جوًا مريحًا ومقبولًا لاستيفاء ضالته التي ربما يصعب تلقي تفصيلها دون المرور بهذا الوضوح .

ولما كان المتن هو الأصل في بناء ونظم النص الشعري فلابد اذا من التمعن والتدبر والحرص لتحصين شكل وهيئة هذا الأصل ، ويأتي هذا من خلال العديد من الأدوات التي يماز فيها مهارة وتمكين الكاتب وتوظيف فطرته وخبرته في استخدامها بشكل متكامل ودقيق .

والأدوات التي أعنيها هنا هي مجموعة المكونات الأساسية في نظم النص وإخراجه ، اضافة الى استخدام المحسنات اللفظية والبديع وكل ما يعين النص الشعري في التكامل والتفاضل وتمام الخلق، ان توظيف هذه الأدوات في النص تعتمد بشكل أساس على الكفاءة والمهارة والخيال وحسن التدبير للكاتب وموهبته وأسلوبه .

وكل هذه ممكن ان يجمعها الشاعر الفطن في جمله الشعرية اذا احسن توظيفها ، فالحس مثلا هبة ذاتية أستطيع وصفها كالتوابل والنكهات التي تضاف الى مادة الطبخ لتزيدها تذوقًا وطعما وقبولًا مثل قول الشاعر:

واذكُروني عِنْدَهَا وَقْت الْمَسَا
كَي تَرَى نُورَ ضِيّاها عُتمَتي

والوصف مساحة يتحرك عليها الشاعر فيقرب للقارئ الملامح والشكل وحتى المكان وما حوله كمثل استيعاب البصير وتخيله لصورة او حدث يتعذر عليه رؤيته او إبصاره كما في قول الشاعر :

‎شعرها ليل يفوح ألمسك منه
‎خدها ألعنبر لوضيعت دربي

‎ثغرها توت نما في صحن بدر
‎لحظها برقٌ سنا في ودج صب

والتشبيه أيضا مادة غنية يتناولها الشاعر لتقريب هذه الصورة الى ما يماثلها ويحاكيها في الخلق والشكل كما في قول الشاعر :

ضِياهُ مِن بَعِـيدٍ نارُ حُسـنٍ
فَكَيفَ إذا دَنـى مِنا نَراهُ ؟

اما الإشارة فهي اداة طيعة بيد الشاعر يصيغ على شاكلتها اي صورة او معنىً يعين بها المتلقي على الفهم والاستدلال كما في قول الشاعر :

كليم الروح يألفُ كل وجعٍ
كثوب الحر يُستَر فيه كَرها

اما التصوير الذي يختلف في معناه عن الوصف الذي يعني وسيلة التعبير عن ملامح وصفات الشيء بينما يعني التصوير استشعار الصورة ورسم تفاصيلها وكل ما يحيط ويؤثر فيها ، وهو مجازاً الأقرب تصورًا للمعنى والاستدراك الذهني والحسي الذي يتم المعنى ومفهومه كما في قول الشاعر :

جَرَفَت عَلَى شطئانِ مَشهَدِنا
حُلْمًا بَنَيْنَا وَذَا مِن رَمْلهِ أَثَر

وللبيان فان الأدوات الشعرية لها مفاهيم ومذاهب اختلف في توصيفها من سبقنا اليها وصاروا يتحدثون فيها عن الإيقاع والطربية وموروث اللفظ وتعبير المعاني وغيرها بعيدًا عن معناها الذي تطرقنا اليه ، وربما كان السبب في هذا التباين هو التجديد ومحاولة التحرر من القالب والقيود الذي يتطلبه واقعنا الشعري الحالي ، وفي نفس السياق فان انتقاء المفردة اللغوية وفصاحتها في النص يضيف له بلاغة وقوة لفظية بعيدة عن مفردة الإيحاء والترميز التي صارت في نصوص شعرائنا المحدثين نمطًا مستهجناً وغريبًا على موروثنا الأدبي واصله ينفر عنه الكثير من القراء والمتلقين .

وهنا لابد من التذكير عن الابتعاد التام للتقليد او النقل عن الغير لان هذا يضعف النص بدلًا من إثراءه وتمكينه ، ويحجب الكاتب او الشاعر من الإبداع والتألق والإتيان بالجديد من بطون فصاحة وبلاغة ثراء لغتنا العربية ، ناهيك عن بيانها كحشو لفظي بين مفاصل المتن الشعري وقوائمه ، فالشاعر الحذق يمكنه ان يعيد الصياغة واللفظ بما هو قريب من معناه وصورته ليتجنب بذلك الوقوع في هذا المطب الصعب .

وسنحاول في باب اخر ان نستدرك المزيد من الأدوات التي تبقى لوازم النص التعبيرية في المتن لإخراجه بشكله النهائي المقبول .

الامثلة الشعرية التي وردت في المقال جاءت بناءا على طلب احد الأساتذة المتابعين في تعليق لزيادة الفائدة والتقريب للمعنى وهي من نظم كاتب المقال نفسه .

أتمنى ان اكون قد أضفت لكل المتابعين معلومة تفيد أهل الشعر وعنوانه ، ومن الله التوفيق .

……………………………………………..

عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ