دراسة تحليلية موجزة في نص الشاعر المغربي ” حاج محمد “
النص :
عشقت ذنبي ..
من خبث أيمانكم ..
ساسكر بغيضي..
واذبح وقتي ..
على قداسكم..
وانام بجنون ..
على محراب جهلي ..!!
……………..
الدراسة :
بنية فضاءالنص اللغوي تتكئ على ركنين :
الاول ـ دلالي عالي التكثيف ، متمظهراً في الاقتضاب ،عدم الترهل (( عشقت ذنبي .. انام بجنون ، …/ محراب جهلي ))،الازاحات ،الايحائة العالية (( خبث ايمانكم /ساسكر بغيضي /اذبح وقتي ،…)) ،
الثاني ـ شكلي ،يُهَيكلُهُ قِصَر الجمل ( اشارتان لمعظمها ) ، التنقيط ( للتدليل على وجود مسكوت عنه /مضمر) ، مما خلق ايقاعاً بصرياً منسجماً مع تكثيفية دلالات الركن الاول اعلاه، مع ما خلقته تتابعية اصوات حروف نهايات المقاطع ( الياء بمدها اصوات الحروف قبلها ، والميم) من ايقاع صوتي متلازم مع دلالة اشاراتها كما يلي :
ـ ذنبي ـــ مد اطلاق الشعور بالذنب وهو شعور بالأسى يحتاج لإعلاء صوت الشكوى منه
ـ غيضي ـــ ذات القصد السابق فالغيض مايحتدم في الدواخل من مشاعر الاحتجاج يُحتاج معها اطلاقها صوتياً للتخفيف عنها
ـ وقتي ـــ فبالرجوع الى مسنده ( اذبح) ، تغدو هذه الاشارة دالة على مايبعث على التوجع، وهنا يسري عليها حكم الاشارتين السابقتين
ـ جهلي ـــ سياقياً لهذه الاشارة معنى مضمر يدل على الاعتراض وهو شعور يدعو لاطلاق الصوت
ـ ايمانكم / قداسكم ـــ صوت الميم يبعث في النفس مشاعر الحزن والهم والالم وهي منسجمة مع مايمور في اعماق الكاتب من مشاعر الرفض والاعتراض + صوت النون في (جنون) فله ذات الاثر النفسي
ماسبق تفكيكه اعلاه يخص ظاهر النص وشكله، وما خلصت اليه ان فضاءه اللغوي يدخل القارئ في اجواء واقع متناقض المعاني متضاد المفاهيم ، فسياق النص ذو اسلوب يوحي ( بالروحانية ) لإكتظاظ بنيته التعبيرية بالاشارات الدينية (ذنبي .. أيمانكم .. قداسكم..محراب ) ، لكنها اشارات تتجاوز دلالاتها لتخلخل فهم القارئ ، وذلك لتضايفها مع نفيضها :
ـ عشقت ذنبي ـــ فالذنب مقرون بالاثم والغضب الرباني ومن حقه ان يُكره
ـ خبث ايمانكم ـــ فالايمان مبعث الصدق والنقاء
ـ سأسكر ـــ السكر من المحرمات
ـ اذبح وقتي ـــ قتل الوقت من الموبقات فحق الوقت ان يمضيه المؤمن بالعبادة وماينفع الناس ويعمر الحياة
ـ انام بجنون ـــ الجنون مما يلغي العقل ،ولا ايمان بلا عقل، لاسيما حين يقرن بالعزوف عن الصحو ( انام)
ـ محراب جهلي ـــ الجهل : لامعرفة وافتقاد لاسباب العلم الذي يعد من اولى اسباب معرفة الله ومن حقه ان يُحارب لا ان يُعبد ( محراب )،
نحن اذاً في اجواء عالم مزيف ، انقلبت فيه الموازين ، وامّسخت مدلالات الدوال،وماعادت الاشياء تفصح عن حقيقتها، وهذا مايحملنا على البحث عن السبب ، باستحضار المقطع ( خبث ايمانكم )المسبوق بالحرف ( من )المتضمن معنى السببية ، فيكون سبب عشق الكاتب ذنبه خبث ولا صدقية اولئك المقصودين بالضمير المتصل / كم ،وبالتالي فهم السبب في سائر انقلاب المفاهيم وامسّاخ المعاني المار ذكرها ، فمن هم ؟ .
من يكون لهم هذا الاثر السالب لمعاني الفضيلة والمشوّه لحقيقة الاشياء ، لابد ان يمتلك من اسباب القوة ما يتيح له هذا الفعل ، ومن اقوى من مدعي الايمان المؤسساتيين ؟
بذا كان الكاتب في غاية التوفيق في اختياره ادواته التعبيرية كي يرسل رسالته الخطابية بأقل اشارة ، واوجز عبارة ، واكثف دلالة ، فكان نصاً متقن الصنعة .
تحياتي / باسم الفضلي العراقي
![](https://hmidabalbalihttpabdosoufiblogspotcom201808hmidabalbalihtml.wordpress.com/wp-content/uploads/2019/07/fb_img_15630436572432285714309517189318.jpg?w=710)