بقلم : إبراهيم عبدالكريم

جزء من السيرة الذاتية تحت عنوان:
هجرة الى الجحيم
بعد مد وجزر، وبعد رسائل عديدة بعث بها إلى الإدارة العامة المكلفة بالطلبة، وتلك التي كان يتلقى عليها باستمرار رفض الجهاز المكلف بالمهاجرين بمدينة تروا، وصلته أخيرا رسالة انعتاق من باريس تُخطِره بأحقّيته في إضفاء وضعيته القانونية وبحقه في البقاء بفرنسا لمتابعة دراسته بها، وذلك ما حصل في نهاية الأمر، لكن كيف يمكنه أن يعيش مغتربا في بلد لا مؤونة له فيه ولا معونة، وكيف يمكنه إعالة نفسه بنفسه وتدبير نفقات حياته اليومية ولوازم الدراسة والسكن والتنقل.

لم يأت إبراهيم إلى فرنسا مصحوبا بمنحة دراسية، ولم يكن مرتاحا أمام هذه المعضلة التي لا بد أن يجد لها مخرجا، كان يعلم بأن عائلته التي تركها وراءه غير قادرة على تحمل ولو نصيب ضئيل من التكاليف المادية التي تلزمه لتدبير شؤون حياته في هذه البلاد. ولما كانت الحالة هذه، بدأت بعض الأصوات ترتفع لمطالبته بتغيير برنامجه الدراسي، والعيش عيشة المهاجرين، أصوات أخرى تلح عليه بالزواج وتكوين أسرة جديدة، لكنه رفض ذلك وبدأ يفكر في استقلاليته حتى لا يعترض طريقه أحد ويمنعه من متابعة دراسته التي كانت هدفه الأسمى الذي هاجر من أجله، وفعلا من أجله كان لابد له أن يباشر في البحث عن عمل ولو لساعات قليلة، يوفّر له دخلا ماديا، ويمكِّنه من إيجاد سكن يتحمل نفقاته بنفسه. كان يؤمن بأنه لو جمع بين العمل والدراسة سينجح في تخطي كثير من العقبات، بل قد ينجح في كليهما، فكثير من الطلبة الذين يعرفهم يُوَفِّقون بين الاثنين دون استياء من أي حالة من الحالتين، بل تراهم يشتغلون بصفة منتظمة، يوفرون لأنفسهم دعما ماديا يضمنون به حياتهم المعيشية، ويسدّون به فاتورات سكنهم، وفي نفس الوقت يدرسون.

كانت الأزمة المادية أكبر عائق في حياة الطالب في الداخل فكيف بها في الخارج، مِن الطلبة مَن فشل في البقاء بفرنسا لأنه لم يستطع تخطي هذه العقبة التي تحول بينه وبين تحقيق هدفه المنشود، كثير منهم ترك دراسته وتحوّل إلى عامل يعمل سرّيا في مصنع، أو يزاول مهنة تجارية، أو في شركة متخصصة في الأعمال الحرفية، كالصباغة، والسباكة، وغيرها من المهن الشاقة التي يزاولها العمال غير الشرعيين.

بدأت آثار المأساة والمعاناة تظهر على الطالب إبراهيم، وأخذت تراوده شكوك وأفكار سلبية، وبدأ ناقوس العودة إلى البلد يقرع أذنيه، بصوت عال في بعض الأحيان، لكن سرعان ما طرح المنطقُ نفسَه عليه، ماذا عساه أن يفعل لو عاد القهقرى ورجع إلى بلده مهزوما؟ بلدِه الذي دفع بالملايين من أبنائه إلى مغادرته كَرْهًا في اتجاه بلاد المهجر، كان منهم المتعلمين وأصحاب الشواهد العليا، ناهيك بالحرّاكة من أبناء الشعب الذين لم يحالفهم الحظ في إنهاء دراستهم، فاختاروا المجازفة بحياتهم، عبروا البحر جماعات على متن قوارب مطاطية، منهم من لم يًكتَب له أن يصل إلا جثة هامدة دفنت بمقابر مجهولة الهوية، أو بمقابر أخرى أُطلق عليها اسم “مقابر العار” بجنوب إسبانيا، ومنهم من ابتلعه البحر وبقي دون جثة.
فرنسا 20/10/2020
إبراهيم عبد الكريم

نُشر بواسطة abderahmanesoufi

مهنتي فلاح أزرع الخير وأحارب كل طفيليات الشر الضارة ..

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ