بقلم : عبدالرحمن بكري / المغرب

قوارير حنين

نازعتني
في طيفك الغابر
شهقة تورطت
في
حلق
السنين
كبحت على تلال الصحو
براعم فجر ..
ما لبثت أن تحولت في عيني
مخلفات ندوب
فوق جسدي
توسدتني
كف جلاد
في رحلة حصاد
لم تنج منه
إلا قرنفلة
اعتقلتني
على أبواب العبور
أترقب بفارغ الصبر
ورقة من نور

عبدالرحمن بكري

شعر : أحمد صداق

من البحر الوافر

ركِبْتُ عُبَابَ وافِرِهَا فَرَاقَا
وَرَقّ لهُ الفؤادُ هَوىً وَشاقَا

خَيَالَ حبيبةٍ جَنَحَتْ جُمُوحاً
وتَسْعَى بالعِناد لنَا فِرَاقَا

وكيْفَ الحبُّ لَاذَ بِقَلْبِ فَحْلٍ
يُقارِعُ أخْطَلَ الشِّعْرِ شِقاقَا

وحاكى قيْسَ عامِرَ منْهُ وجْداً
وَلَاحَقَهُ الرِّكابَ مَدَى السِّبَاقَا

ايهوى من سرى للحتف حتما
وقد عرى لها قدما وساقا

ويعْمَهُ في الغرام فتى ويعمى
فيشرب مرها كأسا دِهاقَا

وإن تسألْ سِلِ الملتاع فيه
قِوَى الفكر مارحُبَت وضاقا

وكم اهل الهوى سألوا فتاهم
وكم سألوا عمن مات اشتياقا

إذا مات الفتى اقمي العزاء
وفكي عن معاصمه وثاقا

أحمد صداق
فيرونا…ايطاليا

دراسة تحليلية موجزة بقلم : باسم عبدالكريم الفضلي / العراق

[ النص الرسالي / (امرؤ القيس يبحث عن وجهه ) انموذجاً ]
للشاعر” د . صاحب خليل ابراهيم” ـ العراق
ــ دراسة تحليلية موجزة ــ
النص
***
أيها الملك الضالُ مَنْ ,
يا تٌرى ضلّلكْ ؟
أهو الحبُّ أم نكتةٌ ,
أمْ زمانكَ قد ضيَّعَـكْ ؟ !
أم رياحُ القبائل هاجتْ ,
فدار الفلَكْ . . ؟ !
قلتَ شعـراً : (قفا نبكِ ) ,
مثل النساء
وحدك الآنَ تبكي ,
وجمر الغَـضا ,
جللك ْ . . ! !
بيد الدهر كندة صارت
عَـفاءً
نرى منزلكْ !
كندةٌ . .
أنكرَتْ
شعـبها . . !
غـادرَتْ ,
صوتَها ,
والمليكُ هلَكْ . . ! !
……………
الدراسة الموجزة
********
النص يبعث رسالةً مشفّرة الى زعامات العرب اليوم ، وكما سيظهر فحواها التفكيك المرَّكز لاشاراته في ادناه ، ومقاربة الدلالات التي سنحصل عليها منه ، واستدعاء المسكوت عنه :
ـ امرؤ القيس (احالية خارجية / التراث الادبي الجاهلي )
ملك ( ورث العرش عن ابيه المقتول ) ، كل امجاده الماقبلية تهتك ومجون ، فهو متوج لاعن جهد او رغبة صميمة في خدمة ( الرعية / الشعب )، بل وصلت اليه السلطة المطلقة دون عناء كونه ولياًً للعهد لاأكثر، وفق سنة ( اجتماسياسية ) اقرتها تقاليد موروثة ، لامجال للخوض فيها هنا .
ـ الضال : احالية خارجية ايضاً : من صفات امرئ القيس ، عرف بالضليل لإضاعته سبيل الرشاد والحكمة للسبب اعلاه
ـ كندة ، ( قفا نبك ) : احاليتان خارجيتان كذلك : الاولى لمملكته التي ضاعت لاحقا ، والثانية لمعلقته المعروفة
بنية النص الدلالية :
تتركب البنية الدلالية من مفصلين :
الاول / نداء محذوف الاداة مكتفٍ بالمنادى عليه ( أيها الملك الضالُ )
الثاني / ماسد مسد جواب النداء (بيد الدهر كندة صارت عفاءً )
هما اذاً متمفصلان بقرينة / شاهد ، زماني معاصر ( زمن حياة الشاعر المستدعي لذلك التراث ) ، وهذه القرينة يتضمنها سؤال كبير : كيف يتسلط على رقاب الناس من لايجيد سوى لغة المجون والكاس ؟
تتعزز(لاجدارة) موضوعة ( ولاية عهد الوريث ذي البطولات الخمرية/ احالة لسيرة امرئ القيس)بقول الشاعر مستفهماً :
(…….. مَنْ ,
يا تٌرى ضلّلكْ ؟)
هو عرضة للتضليل لعدم امتلاكه حصانة الوعي والتراكمية التجاربية الحياتية ، فمن المضلِّل :
( أهو الحبُّ أم نكتةٌ )
قد يكون ادمانه ممارسة الحب مع كل من تقع عينه عليها ( الاحالة السابقة )او طرفة كان يطلبها من صحبه المتسكعين معه / المقاربة المعنوية : انصرافه عن المعنى الحقيقي للحياة .
او قد يكون السبب قتله الوقتَ بما لايجدي :
( أمْ زمانكَ قد ضيَّعَـكْ ؟ ! )
او… هو الصراع القبلي :
( أم رياحُ القبائل هاجتْ )
ويجيب الشاعر عن اسئلته :
( فدار الفلَكْ . . ؟ !
قلتَ شعـراً : (قفا نبكِ ) ,
مثل النساء
وحدك الآنَ تبكي ,
وجمر الغَـضا ,
جللك ْ . . ! !)
اياً يكن السبب ، فإنَّ مآلَ وريث المُلك، والذي كل مؤهلاته ( كأسٌ وغواني ) ، سيكون الى انقلاب الحال ( فدار الفَلك ) .
وفقدان الحبيب والوطن { احالة ( قفا نبك ) الى سياقها الخارجي / المعلقة } : ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) .
والبكاء لذلك وحيدا كالنساء ، تغطيه مجامر اللوعة والحسرة التي تذكره بدياره الضائعه :
الدلالة اللغوية لجمر الغضا : جَمْرُهُ يَبْقَى زَمَناً طَوِيلاً لاَ يَنْطَفِئُ ، يَكْثُرُ فِي مِنْطَقَةِ نَجْدٍ ./ نجد مضارب قبيلة ومهد امرئ القيس ، ذكرها الشاعر للموضعة الحدثية
المقاربة المعنوية العامة للبنية الدلالية للمفصل النصي الاولى ، هي ماسكت عنها المفصل نفسه ، وكمايلي :
من يتصدى للزعامة وحكم الناس وهو ليس منهم ولامن رحم معاناتهم، لن يكون اميناً عليهم،سيضيعهم وسيُضيع الوطنَ ، ومهما طلب عون الاخرين ومؤازرتهم لدوام سلطانه ، فسيخيب مسعاه ، كونه فقد دعم شعبه اياه , ليظل معزولاً وحيداً بلا ناصر. اما المفصل الثاني فهو اسقاط الماضي الزعاماتي المذكور بآثار خرابه ، على الواقع الحاضر :
( بيد الدهر كندة صارت
عَـفاءً )
كندة … لم تَصِرْ عفاءً بذاتها ، بل بسبب ( مُصيِّرٍ ) وهو فساد الحاكم ، فدهر الخراب يمكن ان يعيد نفسه ما استمرت الزعامات المفروضة على الشعوب فرضاً لا اختياراً ، كذلك الحال مع ( انكرتْ ) و ( غادرت ):
(نرى منزلكْ !
كندةٌ . .
أنكرَتْ
شعـبها . . !
غـادرَتْ ,
صوتَها )
فالوطن لاينكر ابناءه ، ولايغادر صوت احتجاجه ، بل هو الحاكم من يظهره بهذا المظهر ، الحاكم الذي سيفنى :
(والمليكُ هلَكْ . . ! !)
ويبقى الوطن
وهذه هي فحوى رسالة النص بعد ان فككت شفرتها ، رسالة لكل زعيم ، حاكم ، مهما كانت صفاته ، من لايختاره شعبه ، فيضيع الاوطان ، ولن بعثر على ( وجهه / عتبة النص) ، مهما بحث في صفحات المعاني الوطنية
ـ باسم عبد الكريم الفضلي / العراق ـ

بقلم : د . محمد الإدريسي / المغرب

جامِعَةُ الدُّوَلِ الطّاغِيَة
تاريخًها مِن قَوْمِية
إلى انْبِطاحِية
اِنْتَهَتْ عِبْرِية
مُومِياءٌ مُحَنَّطة
بِعَقاقير فِرْعَوْنِيَة
سَكَتَت دَهْراً
نَطَقَتْ كُفْراً
تُسَبِّحُ باسْم الحُكَّام
تُطيعُ أَمْرَ الحاخام
اِلْحَقوا لِيبْيا
غَزَتْها تُرْكِيا
نَسَتْ سورْيا
اليَمَنَ و مَنْ دَمَّرَها
العِراقَ و مَنْ حَرَقَها
تذْرِفُ دُموعَ التَّماسيح
على قَتْل المَسيح
تُتْقِنُ الخِدْلانَ الصَّريح
الدُّبُّ الأبْيَضُ يَسْقي بالدَّم
بِلادَ العَرَبِ بِكُلّ الاحْتِرامٍ
يَقْتُلُ الأَعْرابُ المُسْلِمين
يُذْبَحُ الإيغور في الصِّين
الجامِعَةُ بَلَعَتْ لِسانَها
لِلأعْداء قَدَّمَتْ مَفاتِنَها
أهْدَتْ بَكارَتَها
على شاطِئ الدَّعارة
في لَيْلَة رَأْسِ السَّنَة
حَبّاتُ العِنَبِ تُسْكَبُ الخَمْرَة
على مائدَة اغْتِصاب السُّلْطَة
تَجْتَمِعُ البَرْلَمانات المُزَوَّرة
تَحْتَ قُبَّةٍ مُزَخْرَفَة
تُهَلِّلُ لِقَراراتٍ قَديمًة
غُيِّبَتْ الشُّعوبُ المَقْهورَة
جَنْبَ الأصْوات المُطَبِّلة
و رضا نَتِنِ الصَّهْيونِيَة
دُجِّنَتْ الصَّفْوَة
لا تُساوي غُرْزَة
في حِذاء السّادَة
طنجة 03/01/2020
د. محمد الإدريسي

قراءة نقدية بقلم : سعيد فرحاوي / الجزء 1 و 2 /

قراءة نقدية لديوان وفاء ام حمزة انكول كلمتي (الجزء الأول والثاني).
ج1.
وفاء ام حمزة في ديوان ( نكول كلمتي)، بين ذات عمقها الغياب وروح اساسها الحضور ،بحثا عن صياغة جديدة لاعادة التأويل في كتابة زجلية تحدد العطب في زمن مغشوش.
ان المتامل لصورة الغلاف ،بحثا عن العلاقات الخفية لتجليات المعنى في عوالم وفاء ام حمزة داخل ديوان سائب سيصطدم بانعراجات خاصة ، جد مثيرة، من زاوية ان البناءات التركيبية والتوليدية التي تسعي انتاج الدلالات داخل العمق الشعري ، ستوقفنا عند خاصية انكسار الزمن ، بصفته اول خاصية تشكل الانفلات ،هو انكسار من جهة وانشطار لدوران وجودي عام،بمعني هي دوامات تؤسس التيه كلعبة لغياب الزمن الغير مرغوب فيه، لانه في العمق هو دوامة للتشظي بالمفهوم المطلق لمعني النفي والالغاء. هنا ستجعلنا وقاء تسبح في بحر دورانها بكلمة تغزل الخواء فينا ، او تضعنا في جغرافيتها بنفي تام في بوصلة التجلي.كلمة ام حمزة تتسرب وقتا مضببا غير مكشوف ، لانه باهت، كما تجعلنا خارج حساباتها بالغاء محدد لايحسب دقات جرس متقطع في قلبها، لان الحياة في خساباتها الصغري تشكل وعيا متدليا في هروبها من شقوق حياة فارغة.كلها معان ستجعلنا نفهم ان الغياب في كلمة شاعرة اساسه مسار حياة برؤية خقيقية جد دقيقة في تحديد معني الحقيقة في عنوانها كامرأة اولا تكتب اسرارها بوعي تام ، ثم كانسانة ذاقت مسرات حياة باسلوب كشفت عن سرلبه. ان الكتابة في رؤية الشاعرة هي حياة تتلولب برقصات خاصة في نظراتها، لذلك كتبت ماتراه ملائما لتعبها.اي ام حمرة شاعرة تري ماتريد وتكتب ماتشاء خلما في اعطابها اللامحدودة ، فخرج الديوان من بوصلة صورة ترتدي الزمن المعطوب، لتحيل علي هشاشة حياة بصور تعبيرية دالة .ذاك مانراه في ابتسامة ام حمزة وهي تلهو بلعبها داخل كتابة ، لتفجر الانشطار بحماقات خاصة ، اي تتجول في حديقة تعبها بازهار تصفر كلما شاء قدرها ان يجعل منها وردة في قنجيل التعب، فقط لتلد بوحا بارادتها كشاعرة تنتج الضباب بفرح مزيف ، تقول:
صفارت تبسيمة الوقت
وركب التيه
علي ظهر ليام
لعقل هاج هبالو
كحل عينيه بسواد الليل
ؤ سوك برضاب ظلامو … ص 21.
من حجاب كلامو …
النتيجة كما تقول :
نتفت لمعاني
من حجاب كلامو
تلف الري وشوار
وتحجبت زينة كلامو
ؤماعرفتش واش مازال تزغردت الشمس
ف عرس نهارو ص21/22 .
فتبقي الدوامة في عرس امرأة هي سؤال وجودي شكي بدرجة عالية من التعالي في النظر المنكسر. فأم حمزة ارادت أن تطل علبنا من سرابها الخاص كلما اسعفها تطلعها ان تتمظهر خارج فهمها المحتلف لنظنرنا البسيط. اي ان اطلالتها تعيج التأويل لصياغة الحياة بلفسفة مغايرة لما يراه الانسان البسيط الغير مؤهل ان يرافقها في رحلتها الغير عادية ، فنصبح امام جوامة تفيد سءال هوية وبحث عن كينونة غير موجودة في المعادل الموضوعي لتحققها ، لأن الحقيقي في تصورها الفلسفي اخرجها من ارض طائشة لتسكن الشمس وتركب القمر ، فتغني بأوتار موسقية لحن وجود يعني ذاتا بروح مغايرة ، فقط لترسم صناعة تسكعها عبر بوابة جد مجددة في رؤية محتلفىة ، لأن الشاعرة ارادت اخراج كلمتها من حقل يزهر العتاب ، ينتج العطب ، اي امراة تتمظهر بلباس وجدانه غياب وعمفه فراغ برؤية ثاقبة تهدف اعادة تأويل العالم من منظور معاير ومختلف.لذلك كلما رافقنا ام حمزى في رحلتها المتسمة بحزن خاص الا ووجدنا رائحة فهمها للمحيطات القريبة منها تغمرها اذواق خاصة بها، شكلت جمبعها اخلاما لاختياراتها التي تنتج نسيجا من اختيارها، ربما كلها جاءت كعوالم لدوامة الحياة كما تراها الشاعرة عنجما خرجت من افتقاجنا المنهزم.فكان انشطارا لعنوان الاعطاب في وطن بوحها، فخرجت كاشفة عن هذا التيه عندما قالت : هي لعنوان…ص 21. فكانت كلمتهافكانت كلمتها عبارة عن تجل شاعرة ، أو احالة علي قصيدة تخرج السراب من جوف الافتقاد ، أو امبثاق رؤيا تعري عن المنهزم فينا ، بل جاءت القصيدة ديوانا باشراقات تكتب الفوضي ، تعري عن المغترب فينا والذي لانعرف مصدره ولاندرك عنوان تواجده مادمنا لانفهم فراغنا الذي جعل منا عنوانا في قصيدة ذات تبحث عن موقعها في جغرافية الفراغ السائب والمتشظي فينا . ان الحياة في كتابة أم حمزة جاءت بتمظهرات جد مغتربة ، لانها شكلت بداية لكل التمفصلات في وجود معطوب، وهو ماجعلها تقول : صفارت تبسيمة الوقت… ص 21.فتصبح الذات ، بصفتها العنوان ، اشارة لكل التوقعات ، او لوحة لجميع الغيابات ، في زمن ذابل شكل بضاعة باهتة كأوراق خريف عابر ، اي ذات بأبعاد مغشوشة، ترشق الاوهام ، تخرج الزمن سياقه الذبيعي ، فتجعل من العنوان بداية لنهاية جديدة للاعطاب التي لاحصر لها، فتصبح الكتابة ، بناء علي هذا القهم عنوان ذات تكشف عن كل اشكال المتاهة ، تعري دلالة السراب ، ترسم الغياب ، في اعماق مجروحة تسعي الانعتاق ، بحثا عن خلاص غير موجود.
ج2.

وفاء ام حمزة تكتب سيرة الزمن على بساط كلمة ترابها سراب وريحها وشم على جبين توحيمة في نسيم الغياب.

كل كلام له وقعه الانسيابي على النفس الطاىشة ‘الهائجة كالطيور التي لاتعرف مصدر هجرتها عندما تتيه بحثا عن غياب يخفي خوفها من المجهول ‘ بشكل ادق ‘ سيصبح الكلام الذي يبزغ من حرقة الغرس الذي اصفر عوده يرسل خفقانه دمعا على جذور محبة غائبة تخفي شمس التحلي فيها. هي رساله خفاؤها يقذف ماهية تشكلها امواجا تترامى في كل الاتجاهات بدون رقيب’ لذلك اقتحمت افق انتظارنا شاعرة تغزل صمتها صهدا لرماد بلا استشار تنا ‘ كل ذلك بحثا عن عمر بلا محددات قد يقودها إلى عالم لاتعرف فيه كينونتها كهيولى من إنتاج تقاطعات لاارادية في وجود مرفوض. كلها إشارات شكلت الغازا مسترسلة اهلتها ان تذهب إلى خوائها العميق ‘ لتقول:
لحبق
اللي عروشو صفارو
يتسقى من عروق لمحبة ص 23…
وكأنها تعي جيدا اننا أصبحنا في الزمن المؤجل الذي نحباه نعاتب مجهولا ما في مسارها المتعثر بدون ان ندرك أسرار هذا العنف الذي يلد سرابنا كلما شئنا ان نخرج منا بحثا عن خلاص غير حقيقي.
كلام وفاء يخرج من زمن التوثر ليكتب عن التوثر ألذي مهدت له صورة الغلاف ‘ بصفته العتبة المنطلق ألذي يضبط الزمن بتركه يتحرك بصيغة خارج المعقول’فيصبح اللامعقول هو المحرك لكل التوثرات التي تنقلها الرسالة في النصين معا بتواز جد منضبط’ كل نص يمهد للآخر لينولد بالطربقة التي أرادها الفنان ان تكون وعيا بمعنى الجنون’. فنجد الفنان في اللوحة يكتب التقطعات على الزمن الهارب’ و الشاعرة في التقاط هذه الجزئيات تعيد تأسيس الحياة بفهم مختلف عن وعينا’ داخل نمط هذا الزمن السائل’ فتخرج المتاهة لتجعل منها موضوعا في تقاطعات المعنى داخل كلام أرادته ان يكون تيها منفجرا ليصبح موضوع كتابتها’ فنفهم كخلاصة تحيلنا علي تأويل انتمائنا لنظرتهما معا (التشكيلي والشاعر)’ ان الحياة في زمن الصورة’ سواء داخل اللوحة أو عمق الديوان’ إنهما معا يؤسسان لحياة أخرى مؤجلة في وعيهما المرتبك ‘ ونحن نعبر نهر هذه التأويلات مازلنا لم نعتر بعد على حدود وطن من رماد يمهد لسفر مشترك ‘في عمق سوريالي يجمع بين شتات أفكار تتشكل ببطء في دوامتهما معا وهما يتحركان لكتابة فهم يحدد طبيعة دورانهما في مكان واحد ‘ ليعيشان سويا في التعالي المطلق’ خارج الزمن الهارب من وعي شاعرة وهي تحبو على سرير حبيق عمر غير مؤهل ان يلتقط أجزاء صغيرة تبحث عنها لتكون بديلا لعمرتحققها في حياة أفضل’ كما تحيلنا الرؤيا على فلسفة فنان أوقف الزمن ليعيد النظز فيه .
كلها احالات تجرني ان أقف عند مجرات الصورة التي اختارتها ام حمزة لوحة لديوانها’ لأبحث في عمق العلاقات التي تؤسس وطن الكتابة في الانتمائين.
إذا ما عدت إلى اللوحة’ سنجد ابوشامة يوقف تفكيرنا في مجال الزمن لنعيد البحث عن معنى جديد لصياغة تشكله’ وهي احالة شكلت مرجعا لما أرادت وفاء ام حمزة التعبير عنه في خطابها(نكول كلمتي)’ لأنها كلمة موضوعها رحلة في حياة زمن بلا معنى كما شاؤه ابوشامة سرابا لصورة خارج اوطاننا’ فقط لأنه تجل زمن في حياة العبث داخل كتابة بلا معنى’ تكتب عن مجال خارج مجراتنا المعاشة.
الكلمة حياة من سراب ‘ و وجود يتحرر من مسالك غضب ينمو خارج إرادة ذات تتحول وحدها بلا محددات’ هي ارهاصات بوح يتذفق في ديوان / جاء بعنوان مستفز في زمن امتطى حصان التيه. هي ذات تحبو على رحاب روح بمعنى يغير المجاري.المكبلة في ديوان وفاء ام حمزة ليحرق متاهة تزين رائحة الليل بثوب مضبب. ان ديوان ام حمزة هو اشارة بلغة التعب’ انبزغ ببداية غريبة( هي كلمة..)’ أو لعنة’ربما عنوان التعب بلغة الزجل’ هي كتابة تسربت ماء يفيض شذرات حياة بلا روح ‘فكانت :
صفارت تبسيمة لوقت…
ربما ان الشاعرة تريد توثيق أوراق ظهر الايام ‘ فتغيرت الواقعة لتخرج من رحلة العقل’ فهاج سياجه حمقا وجنونا ‘ فتغيرت مسارب العيون سوادا’ فلم تعد لها القدرة على ادراك الهارب من زمنها الساقط في رؤياها’ فخرجت من شعاع النور ‘ فقط لتعرف معالم زهر القمر الذي يغيب ماتبقى في الراقد فيها’ ‘ فخلصت إلى نهاية قالت فيها :
اش نكون انا منك؟
الا خديتي مني الحياة
كيف نقدر نهرب منك؟
وجمرتك ف مايا طفات..
فتصبح الكلمة التي أرادتها وفاء ام حمزة رسالة في ديوان مغترب في ذات طائشة مجرد حكاية حياة تنمو تارة وتتوقف تارة أخرى ‘ فيتحول الأمل متعة والحزن رجاء والسخط غيرة بصيغ شعرية تنقل الجراح بلغة الجمال وبقبح الرجاء الهارب من نظرات متقطعة’ في وجود ابله ومضطرب. /يتبع.

بقلم الناقدة الذرائعية : ابتسام الخميري / تونس / الجزء الثاني

الجزء الثاني من الدراسة الذرائعية للناقدة التونسية ابتسام الخميري
5)التّيمة و مقياس الدّقة في الإبداع الشّعريّ:
لا شكّ أنّ مبدعنا قد تشرّب عشقا لوطنه حدّ الهوس، تغلغل الماضي في عروقه كالدّماء، تشبّث بالعادات و التّقاليد، بالقيم النّبيلة، فحمل مصيره راية و انكتمت الآهات و الجراح غائرة، إذ ينظر أوجاعه و يتأمّل ليرى على مدى البصر أوجاع الوطن العربي تنسكب ممتزجة بالدّماء
و الدّموع… و هو المرهف الحسّ المدرك للعوامل المحيطة به، فانبرى يئنّ و يتألّم حينا و يرسم الواقع كمؤرّخ أمين حينا أخرى… و يتنبّأُ بمستقبل غير واضح المعالم كنبيّ يأمل في صحوة إنسانيّة عساها تشرق؟؟؟ بين الوجع و الأمل شعورا عاشه شاعرنا و هو المحشور في الألم ينتفض، ” كي يعبر في الفجر”.
مشاهد واقعيّة غاية في القتامة و الشّجن حرّكت الوجد، العاشق ليئنّ، فكانت ” تأمّلات في تراتيل النّاقة”. و لعلّ المستقبل أفضل؟؟ قدّم لنا عملا محبك اللّغة و متعدّد الصّور، خاصّا به ضمّنه رؤاه الفكريّة و الإيديولوجيّة.
أ-مقياس نقد المعنى:
لا ريب أنّ ” تأمّلات في تراتيل النّاقة” هي خلجات نفس الشّاعر المترعة صدقا عندما نضعها تحت مجهر نقد المعنى وفق النّظريّة الذّرائعيّة، و من هذا المنطلق نجد ثلاث مقاييس لها أهميّة بالغة في علاقة وطيدة فيما بينها لا تنفصل عن بعضها:
°مقياس الصحّة و الخطأ: المؤكّد أنّ شاعرنا قد ذكر لنا بصور شعريّة واقعا قد أحاطه في تلك الحقبة الزّمنيّة بكلّ تفاصيله، من وجع عربيّ و وجع خاصّ تجاه وطنه المغرب، فكان صادقا في مشاعره دون زيف أو خطأ، و الجدير بالذّكر أنّه رسم لنا أوجاعه و آماله بكلّ صدق. حيث يمكننا أن نستحضر الفترة التّاريخيّة آنذاك لنتأكّد من مدى صدقه و ابتعاده عن الخطأ. فبدا كأنّه مؤرّخ حينا و سياسيّ حينا أخرى… بذات حالمة تصبو لغد أفضل و هو المجذوب الشّاعر الواعي و هو رجل السيّاسة المحنّك.
°مقياس الجدّة و الابتكار: الجدّة و الابتكار يبدوَان من خلال عنوان الدّيوان حيث الغرابة
و الإدهاش يسكننا: ” تراتيل و النّاقة” انزياح لغويّ مميّز منفرد جديد… فالنّاقة بما تعنيه من دلالات و رمزيّة ( الصّبر، التّحمّل) ترتّل الكلام في تناسق… مع عناصر الإدهاش بين قصائد الدّيوان جعلت من الأثر ابتكارا في عالم الشّعر خاصّة و قد تنوّعت الصّور الشّعريّة لنلامس بعض خصائص الشّعر الصّوفيّ مع تنوّع المعاجم اللّغويّة ( معجم دينيّ، معجم فلسفي…).
تعلّق بالصّحراء و تفاصيل العيش فيها: الخيمة، النّاقة… و هو ابن المروج الخضراء؟؟
الأساليب المختلفة المعتمدة بالأثر من انزياحات لغويّة طريفة جمع فيها بين مضادين ( الدمّ، الحلم/ فاكهة الرّمل/ أشجار الملح…) قد نلمس أسلوب السّرد (قال/ قالت/ قالوا) لم يؤثّر على البنية الشّعريّة بل أضفى عليها نوعا من التّجدّد و الابتكار الخلاّق.
°مقياس العمق و السّطحيّة: حتما كلّ القصائد الّتي تضمّنها الدّيوان ذات عمق و دقّة من حيث المواضيع الّتي تناولها شاعرنا: إنّها قصائد قدّت بلغة غاية في القوّة و التّميّز و الرّفعة برغم وصف الشّعور (الألم و الوجع) هي موغلة في العمق، لوحات فنيّة نقلت لنا واقعا عربيّا مؤلما في فترة محدّدة كأنّي بها كتاب تاريخ يُجسّم ما حدث بتفاصيله، بأوجاعه، فقد حذق شاعرنا فنون الرّسم بالكلمات فشكّل لنا مشاهد متّصلة بالواقع منبثقة من مكنونه عميقة المعنى و هي رسائل موجّهة للقارئ ليتعرّف فترة زمنيّة و من خلالها نتعرّف على إيديولوجيّته، من خلال المعاجم اللّغويّة الّتي اعتمدها… فهو يدعو إلى نهضة و صحوة إنسانيّة في العالم العربي و هو الإنسان المسكون بالماضي المجيد و القيم السّامية و الأصالة يحدوه الأمل الّذي يطفو من حين لآخر.
ب-مقياس نقد العاطفة:
لا يختلف اثنان أنّ شاعرنا القدير ذي القيم النّبيلة و الأخلاق الرّفيعة يملك عاطفة غائرة في الصّدق، فهو الّذي تربّى عليها فامتلك ناصية الأدب، هو العشق السّرمديّ و الوله بعشقه اللّامتناهي لبلده، لوطنه المغرب و هو المسكون بالعطاء على الدّوام.. حملنا معه على متن مركب العشق لنرفل في الماضي و ما حواه من قيم و أخلاق سامية و عادات عربيّة أصيلة و دفعنا إلى أن نُطلّ على الحالة الاجتماعيّة و السّياسيّة، في تلك الفترة، الّتي عاشتها كلّ الشّعوب خاصّة الوطن العربي و تحديدا “حمص” و قد مرّر إلينا عمق عاطفته و صدقها فهو المتألّم الموجوع الملتاع و إن كان للأمل نصيب…
°°مقياس الصّدق و الكذب: ليس هنا مجالا سوى للصّدق و قد لمسناه على مدى قصائد الدّيوان جميعها في تناسق لطيف جمع بينها رغم المعاناة و الحالة النّفسية للشّاعر فهو المشتاق دون شكّ، و هو الشّاعر.. و هو المجذوب… و هو ما تميّز به الشّعر الصّوفي حيث التّعبير الرّمزي و الحبّ الإلهي و الحديث عن باطن النّفس و أسرارها.. فكانت اللّغة و الرّمز و الخيال و الإشادة برجالات الوله من ركائز هذا الشّعر.
°°مقياس الضّعف و القوّة: بدء من لوحة الغلاف و تناسقها مع عنوان الدّيوان نستشفّ قوّة جامحة تجذب إليها القارئ حتّى يتصفّحه و يغوص بين سطوره متسربلا مع اللّوحات الفنيّة المرسومة بكلّ حبكة
و إجادة في انتقاء مفرداتها المزركشة المأخوذة من عوالم مختلفة فتشدّك إليها بكلّ سلاسة و هي القصائد المنغرسة في المشاعر الإنسانية الشفّافة الصّادقة، إنّها قطعا قصائد في درجة عالية من الصّدق، فلمبدعنا ” قدرات لغويّة هائلة و إمكانات تعبيريّة فذّة مكّنته من هدي رموز و إيقاع و انزياحات، ضمنت لديوانه أن يتربّع مصاف الإنتاجات الخالدة.” (9) و هي جرأة لا مثيل لها إذ يلج هذه المواضيع الحياتيّة.
6)المدخل الجماليّ:
عندما نطبّق النّظريّة الذّرائعيّة في دراستنا لديوان: “تأمّلات في تراتيل النّاقة” لصاحبه الدّكتور الشّاعر “أحمد مفدي”، نجد أنّ المدخل الجمالي و البناء الفنّي هو مدخل جدّ هام حيث نرصد من خلاله الموسيقى و الصّور الشّعريّة و درجة الانزياح نحو العاطفة ثمّ التّجربة الإبداعية و هي المراحل الّتي نروم إتباعها:
أ-الموسيقى الشّعريّة:
لقد حوى الدّيوان إيقاعا موسيقيّا داخليّا و خارجيّا شدّنا إليه فاستمتعنا به و شنّفت آذاننا، ترتيل من تراتيل الوجد الآبق الأخّاذ، موسيقى عذبة سافرنا معها على سلّم الإبداع و التّميّز في عالم الرّوحانيّات، عالم مبهر حيث العشق و الوجد و الصّبابة تعكس لنا عمق الوجع و الألم للظّروف آنذاك… و لربّما مأتاه الوعي بما هو كائن و مدى إنسانيّته و هو القائل: “كأسي مترعةٌ… تشكُو من هجرِ العشّاقِ..”
كان الأثر غوصا في عمق التّجربة الإنسانيّة الخالدة ارتأى إثراء هذه الصّور الشّعريّة بلغة جدّ مفعمة بالمعاني المؤجّلة و الرّمزيّة ذات الدّلالات المتنوّعة التّي تهديك عدّة أفكار و رؤى في كلّ مرّة تقرؤها…
ما كان عزفا قد تعوّنا نوتته و وزنه و إيقاعه، ما كان تمسّكا بقواميس الشّعر و بحوره الخليليّة المتعارف عليها بقدر ما كان عزف منفردا جديدا و الحال أنّه ما ابتعد عن المعجم الدّينيّ فأغلب المفردات قد انتقاها من بعض الآيات القرآنيّة ( ألهَمهَا، دحّاها، تقواها، طغواها، سوّاها..) و المعجم الصّوفي ( المعراج إلى اللّه، المعراج إلى السّدرة، مسراه الأبديّ، راهب الدّير، ناسكة، معبدها الوثنيّ، العاشق، الوجد، الأوردة، ألواحا، المجذوب، أقبية الذّكر، الزّهد، الكهنة، ببردته، فراديس الذّكر…) مع استعمال الأسطورة في مناسبتين( العنقاء، المرأة المستنجدة بالمعتصم: “وامعتصماه”)
أ لَسنا أمام معزوفة فنيّة متعدّدة الإيقاعات؟؟ كأنّها معزوفة بيتهوفن الخامسة تأخذنا معها دون استئذان في انسياب جميل هادئ حينا صاخبا حينا أخرى… هو جوّ متنوّع متغيّر… عشق و جمال، بكاء على الأطلال، أمل و يأس، مزيج غاية في الظّرف بين عذوبة الكلمة و جمال المعنى و قد استعمل شاعرنا:
-استعمل السّجع: في عدّة مواطن من الدّيوان نلمس هذا الإيقاع المحبوب المتميّز في الكلمات التّالية: عشيّا/ نديّا/ شهيّا/ حفيّا/ تمسسْ/يتجسّسْ/ الشّمسْ/ اللّمسْ/ تتوجّسْ/ الغسقِ/ الأرقِ/ النّزقِ/الشّفقِ/أتعبها/ أسراها/ مأواها/ لمنفاها/ معبدها/ لمرآها/ بقاياها/ دحّاها/ خطاها/ يهواها/ سوّاها/ تقواها/ أركسها/ طغواها/ إشارهْ/ إثارهْ/ أمارهْ/ قيثارهْ/ دوارهْ/ احترقا/ انفلقا/ النّزقا/ الألقا/ الحلمِ/ الكلمِ…
-استعمل القافية: تكرار حرف الهاء المشبعة (ها) يجعلها مثل رجع الصّدى، مع تكرا ر المقاطع المغلقة السّاكنة و المقاطع القصيرة ( بالضمّ أو الكسر) في أغلب الحروف الّتي اعتمدها شاعرنا.
-استعمل أفعال في زمن المضارع: دلالة على الاستمراريّة و التّواصل الزّمني في الفعل انتصارا منه للغد: إنّه تواصل للحياة: تتنفّسُ، أشيمُ، تُومئُ، تَشكو، أهيمُ، يُرقلُ، أسقي، يتوجّسُ، تَسفي، تفري، تغتبقُ، ترعَى، تُصلّي، تحكي، تستبقُ، تُرتّلُ، تُزبدُ، تزهرُ، تُزمّلُ، ترقبُ، تزّاورُ، أتسلّلُ، أعبرَ، أشتاقُ، ينساحُ، تُفكّرُ، ينتابُ، أحدّثُ، تصحُو، تصبُو، تغازلُ، تؤزُّ، يعبرُ، يلتقطون، يغتبقون..
-استعمل الضّمائر صراحة: ضمير الغائب المؤنّث (هي) ضمير المتكلّم المفرد (أنا) و الجمع ( نحن) ضمير المخاطب المؤنّث (أنتِ) و المذكّر ( أنتَ) كما يبدو لنا في بعض الأحيان ضمير المخاطب للجمع و الغائب (أنتم، هم).
-استعمل زمن الماضي: كان للزّمن الماضي حضورا واضحا جليّا ليوضّح وضعا أو حالة كانت في تلك الفترة: ارتعتِ، قال، قالت، عبرَ، شربتْ،هربَ، اندسّ، باع، حاصرها، صاحَ، مرَّ، احمرّتْ، أزهرَ، غاضَ، انفضَّ، انكسرَ، تاهت، مالت، احترقتْ، بكى، انكسرتْ، فقدتْ، مارَ، مالوا،نضجتْ، ارتشفت، انفرطَ، سمعوا، قرؤُوا…
-استعمل صيغة الأمر: صيغة تدلّ على رغبة شاعرنا الجامحة في التّغيير و الثّورة: دعوها، فكّرْ، دعْني، علّمني، اغْسلْ، عشْ، تكبّرْ، اهنأْ، أخرِجْني، تمهّلْ، كفّي، كوني، اثبتْ، اخلعْ، اخْتبِئي، انْتفِضي، انْتظِري، انْساحي، ارتقبي، قولي، اغْفرْ، تيهي، دَعي، دعيني، احْتَسِبِي.
-استعمل التّشبيه: رام شاعرنا القدير اعتماد صيغة التّشبيه في معنييه الاثنين: الإيجابي و السّلبي قصد إقرار صفة ما يريد إيصاله لنا من معنى: فشبّه “حمص” كالنّخلة، كالطّفلة، كعرجونٍ.. و تواصل التّشبيه في عدّة مواطن بالدّيوان: كالبركان، كأنفاس التّنين، كالأوهام، كخرائبَ، كالنّسمة، كفراشات طفولة شعب، كالدِّفْلى، كأشجار الملح، كالطّفل المذعور، كصغار البجع، كهواها، كالنّورس، كالأشباح، كطاحونة ليل، كزنبقة، كالحلزون، كالوهم، كالنّملة، كسائحة، كعين غزالة، كالخيمة، كالزّلزال، كأفعى..
-أسلوب نداء: استعمل الدّكتور “مفدي” النّداء المباشر في عدّة مرّات و قد اقترن بالتّكرار: يا عاذلتي، يا قبّرة الوادي، يا عفو التّاريخ، يا أحذية الجند، يا قبّرة النّسيان، يا سيّدتي ( 5مرّات)، يا سارية الجند، يا وطني، يا نخلة حمص، يا أمَمٌ..
-استعمل أسلوب إقراريّ تأكيدي: أشيمُ أنا، إنّي في عتبات الزّهراء، هيَ ناقة من يهواها، فأنا محشورٌ، فأنا أشتاق، إنّي لا أعرفُ، أنتِ السّاقيةُ الجندْ، إنّي غارقةٌ في الزّيفِ، فأنا الأخرسُ، أنا وحدي، فأنا أتسكّعُ بين قصائد شعر، أنتِ النّخلةُ آتيةٌ، أنتِ الوهجُ، أنتَ العاشقُ و المعشوقُ، هي جوهرةٌ، إنّك خارجةٌ للتوِّ شهابًا، أنتِ المعراجُ، إنّكِ بالوادي، هيَ حارسةُ الأبوابِ، هي تعلم خاتمة الشّوطِ بأنساقِ مراميها، إنّكِ لا تغنينَ (رعاة الصّمت)، إنَّ الوطنَ المحروس بغابات سوالفه، إنّي أغسلُ في عتبات الفجرْ، إنّ الأوطانَ تعيش كزنبقةٍ، إنّي لم أر، إنّي أعلمُ، أنا الأسْنَى، إنّكِ في الكأسِ تغُوصِينَ، أنا المجذوبْ..
-استعمل الأسئلة الاستنكاريّة الاستهزائيّة في عدّة مواطن بالدّيوان لا يبغ إجابة بل هو يترجم لنا حيرة عاشها و هو المسكون بالوجع: ” فمنْ يشربها نخب عناقيد شهيًّا؟، هل كنتُ أنا المشتاقَ بوادي النّاقة..؟ من يرقل ناقته..؟ هل أسقي ظمأ الغيم..؟هل تكفي رشفةُ أنفاسِ الصّبحِ عن اللّمسِ..؟ أ حِماها محظورٌ؟ هل سنم النّاقة أوهامٌ مكسورةْ؟ أ يغازله؟ من باع الكأس..؟ كيف تفكّر بالمحوِ حرافيش زقاق العدمِ؟ هل تدرين..؟من كان يمانع في هذا الوصل؟من أخرس جند المعتصم..؟ هل يلتقط التّاريخ الدّاعر بعض شظاياها..؟ هل تشتاق إلى قبلة عشقٍ و هيامْ..؟ من قال الحارسُ يسرق شقشقة الصّبح..؟ هل كانت تحرس بالشّطآن فراخ البجع..؟ أ يبيعونه في السّوق رماد السّدر نفايات..؟ كيف يشمّ فراديس الذّكر بقلعته؟ هل يتسلّل بين الأنسام..؟
-استعمل الاشتقاقات: استأنس شاعرنا بالاشتقاقات ليحدث لنا إيقاعا موسيقيّا رنّانا: عشيّا، نديّا، شهيّا، حفيّا/ الشّمسْ، اللّمسِ/ الغسقِ، الأرقِ/ تغتبقُ، تختنقُ/ يهواها، تقواها، طغواها/ حزينا، يقينا/ أمارهْ، دوارهْ/ احترقا، انفلقا/ القمرُ، القدرُ/ ظنوني، شُجوني/ حرفا، ألفا/ الشّغبُ، التّعبُ/ تطهّرْ، تكبّرْ/ الفقراء، الشّعراء، الأمراء/ يندحرُ، يدّخَرُ / ثُمالهْ، حمالهْ، رسالهْ…
-استعمل صيغة النّهي: توزّعت صيغة النّهي على أغلب قصائد الدّيوان فنجد: لا تمسسْ، لا تلوي، لا تتركُ، لا تختنق، لا تعرفُ، لا تهتمْ، لا أعلمْ، لا أتفرّجْ، لا تبكي، لا تهمي، لا تسري، لا تلوي، لا تلعنْ، لا تغسلُ، لا تحزنْ، لا أدري، لا يحزنكَ، لا تنتحرُ، لا يدري، لا أشربُ..
-استعمل معجما دينيّا: مفردات من القرآن الكريم استعملها شاعرنا الفذّ و أخرى تحيلنا عليه أو كذلك من المعجم الصّوفي: سوّاها، تقواها، زاهدة، تصلّي، ترتّل، معبدها، دير الرّاهب، تعويذها، السّكرة، ألهمها، مسرايَ، السّجدة، ناسكة، العابد، تطهّر، المعراج إلى اللّه، المعراج إلى السّدرة، شياطين، جنّ، الدّير، صحف، ألواح، الأصنام، القرآن، أوراد المجذوب، المسد، الكهنة، خمورا، قترهْ، فراديس الذّكر، بردته..
هكذا كان الدّيوان معزوفة ثريّة النّوتات و المقامات و الاستعارات.
ب-الصّورة الشّعريّة:
تفرّد و تميّز في ديوان: “تأمّلات في تراتيل النّاقة” المتنوّع الإيقاعات و الصّور الشّعريّة ذات البهاء و الرّوعة فانجر أمامنا معين لغة رافلة في الذّوق الحذق: ألواح عشر تحمل مشاهد مسرحيّة قدّت من لدن رجل ماسك بتلابيب اللّغة، واع لما يحيط به فتنصهر روحه و تتألّم و تئنّ و تنكتب قصائد واقعيّة: دعوة لصحوة أو يقظة يرتجيها لعل الغد يتغيّر و يكون أفضل، فالمجتمع العربي له من الماضي ذخرا يقيه من الهزّات و يهبه دعما و درعا ليصمد و يلملم جراحه و يحقّق الاستقرار.. مشاهد تنبض حياة و قد تضمّنت عدّة انزياحات و دلالات رمزيّة جعلت منه ديوانا يحمل صورا بديعة مستفزّة للذّاكرة العربيّة.
ج-درجة الانزياح نحو العاطفة:
المؤكّد هي عالية النّسبة حيث أنّ الموسيقى و الصّور الشّعريّة الّتي طرحها بين أيدينا شاعرنا القدير، مع درجة رقيّ و علوّ اللّغة، هي غاية في الإبداع و الرّوعة. ابتكار من ريشة فنّان بامتياز انتقى أدواته لصنع موسيقى جدّ راقية و جيّدة و مميّزة نادرة الوجود مصحوبة بصور شعريّة ثريّة بالدّلالات والمعاني على مختلف الأصعدة ( إيديولوجيّا و فكريّا) ليسمو بنا إلى العلاء و الارتقاء الإنساني… أليس شعره شعر يدعو إلى القيم النّبيلة ؟ و التّمسّك بها؟؟
إنّه الدّكتور” أحمد مفدي” صاحب العاطفة الجيّاشة و الصّادقة في أسمى و أرفع درجاتها، هو المتألّم لحال العروبة العاشق لوطنه و هذا العشق هو الخلاص من السّبات و من المعاناة. هو الهائم المشتاق المجذوب المحشور في الوجد يتسلّل ليعبر في الفجر أملا و ضياء و نورا… إنّه العاشق يركب صهوة العاطفة الفيّاضة اختار معجمه بدقّة عالية.
د-التّجربة الإبداعية في الدّيوان:
إنّ التّجربة الإبداعية في الدّيوان ” تأمّلات في تراتيل النّاقة” هي تجربة مميّزة مختلفة نفضت الغبار على نمط قديم من فنون الشّعر العربيّ الصّوفي، مضيفا لمساته الإبداعيّة بداية من عدد القصائد العشر لكأنّها الألواح العشر.. ثمّ هي قصائد على غير البحور الشّعريّة ذات إيقاع طربنا لوقعه أيّما طرب.. و على جواد مغربيّ أصيل قادنا إلى صدق مشاعره و نبل قيمه… لجامه لغته المميّزة المكتنزة معاجم غنيّة، دالّة على ثقافته المتجذّرة في الأصالة و العمق، فكان له الارتقاء الإنساني… انقدنا إلى عالمه دونما صعوبة ننهل من معين عشقه اللاّمتناهي… نحيّيه على هذه القمّة في الإبداع التّصويري و البلاغي و قدرته على إيصال مشاعره إلينا.
7)المدخل اللّسانيّ:
يكشف لنا ولوج المدخل اللّساني أنّ ” تأمّلات في تراتيل النّاقة” ديوان رصين بامتياز حيث قصائده العشر التّي تضمّنها كانت في تناغم بديع مع الإيقاع الموسيقي الهادئ الصّاخب في ذات الوقت، لغة متينة ذات معان عميقة مصحوبة باستعارات مكنيّة و تصريحيّة و تمثيليّة خدمت المعنى… وظّف السّجع بدرجة عالية كذلك اعتمد الشّاعر الجناس: ( عشيّا، شهيّا، نديّا، الشّمسْ، اللّمسْ، الغسقِ، الأرقِ، النّزقِ، الشّفقِ، الشّغبُ، التّعبُ…)كما أنّ التّشبيه لم يخل منه الدّيوان ( الطّفلة، كالعرجون، كالنّسمة، كالدّفلى، كأشجار الملح…) إضافة إلى الأزمنة الثّلاث المتواجدة من ماض و حاضر و مستقبل، زد عليه صيغ الأمر و التّأكيد و الأسلوب المباشر كان من أهمّ سمات القصائد ( يا عاذلتي، يا سيّدتي..) مع بروز ضمائر مختلفة أهمّها ضمير المتكلّم ( أنا) مقابل ضمير الغائب المؤنّث (هي) ليجعل منها المحرّك الرّئيسيّ لأحداث هذا الدّيوان.
إنّه ديوان جمع بين العزف المنفرد( الألم و الوجع) و المشهد الحاضر، مثّل إبداعا فريدا من نوعه له مكانة هامّة كإضافة غير مسبوقة كشعر جمع بين خصائص الشّعر الصّوفي و الشّعر السّياسي مترعا بلغة غاية في التّميّز و التّفرّد..
8)المدخل السّلوكي:
” لكلّ فعل ردّ فعل مساو له في القيمة و معاكس له في الاتّجاه” لقد تأكّد هذا المبدأ العلمي و نحن نخوض تفاصيل ديوان ” تأمّلات في تراتيل النّاقة” لما تحمله قصائده من كشف واضح للسّلوك النّفسي و الإيديولوجيّة الّتي اختارها شاعرنا و قد فاز بهذا الاختيار عندما نقل إلينا و بصدق عميق عن مرحلة تاريخيّة هامّة لا في المغرب فقط بل و في الوطن العربي و في مدينة “حمص” ، فارتأى إلّا أن يؤرّخ لها موظّفا مخزونه الأدبي و الدّينيّ و أيضا قاموسه الأخلاقي بالإضافة إلى إضفاء لمسته السّحريّة باستدعاء مشاهد مسرحيّة تنبض حياة..
و لئن استندت قصائد الدّيوان إلى خصائص الشّعر الصّوفي فإنّ شاعرنا قد أضاف لمسته الخاصّة لتبرز لنا بوضوح جليّ خصائص الشّعر السّياسي، متخلّيا عن الكتابة القديمة ( الشّعر العمودي ذي التّفعيلة الواحدة) محافظا على الإيقاع الموسيقي الواحد.. و ما كثرة المعاجم الكلاميّة بالدّيوان سوى كشف واضح عن تشبّع شاعرنا بالبلاغة و حبكته اللّغة و امتلاكه ناصيتها، و مدى عشقه لهذا المعشوق ( الوطن) لهو نابع من جذوره الرّاسخة في القدم.. في العادات و التّقاليد و الأخلاق و القيم.. ذلك هو الحبّ و العشق الّذي يحدوه و لأجل هذا الحبّ المميّز من النّوع الفريد نراه عاد للكتابة ليضع قاعدة راسخة كالوتد لا تخرّ.. لنسير على خطاه نحو العطاء و الحبّ و السّكينة و الرقيّ متجاوزين كلّ المعوقات مهما كانت..
9)المدخل العقلاني:
بدا الدّيوان بما احتواه من قصائده العشر دعوة صارخة لتبصّر الواقع و التمعّن فيه و ضرورة اليقظة عسى يكون المستقبل أفضل رغم ما اكتنزه في أعماقه و صرّح به من ألم ممضّ تجاه هذا الواقع، نداء مباشر للوطن ” يا وطني” لعاذلته ” يا عاذلتي” و” يا سيّدتي” رافضا للأخلاق الّتي بات يلحظها من عربدة و زيف و فتن و ضغن وهو العاشق، لقد تسربلت ذات الشّاعر مع الوجد كحسّ نبيل حتّى بات الغاوي المجذوب يتبع طريق الوجد ليتطهّر و يبلغ الحلم المورود… صور شعريّة تنمّ عن إبداع و حرفيّة فائقة… عزف على أنّاة ناي مرهف فكان النّصّ رصينا في أعلى درجاته خاصّة وضوح رسالته القيّمة: إنّه يدعو للعشق بأسمى معانيه، للإخلاص، للوفاء و العطاء اللّا مشروط للذّود عن الوطن…
لعمري هي دعوة موجّهة إلى نخبة معيّنة بذاتها… أَ ليس أصحاب الأقلام المبدعة من يخاطب الدّكتور “أحمد مفدي”؟؟ ألا يتوجّه بخطابه هذا إلى أصحاب القرار من السّياسيين وهو السّياسي الّذي خبر تفاصيلهم؟؟ أم عساه يتوجّه إلى فئة الشّباب المعطاء لتفهّم قيمة الوطن و الذّود عنه؟؟ لا سيّما بعد أن خبر أغوار عوالمهم و كشف خباياهم فلاذ بالابتعاد عن الكتابة لكنّه لم يطق صبرا…
لقد عاد ليسكب آلامه و شجونه الممضّة لما شهده العالم آنذاك و ربّما يكون في الغد مسحة أمل ؟؟؟ حقل محمّل معاناة و قسوة لكنّه يرتقي عنه، بالغوص في حالة روحيّة ربّما تنجِده منه؟؟ حتّى يغرق في فراديس الذّكر و يشحن روحه قوّة و بقاء ليتسربل مع الواقع… هو حقل يستحقّ المضيّ فيه بخطى ثابتة، القيم الإنسانيّة الصّادقة النّبيلة هو ما يجب أن يكون عليه هذا الحقل: حقل الأدب و الفنون.
10)المدخل الاستنباطي:
لوحات فنيّة قدّت بريشة فنّان بارع مبدع في تناسق و تناغم هي “تأمّلات في تراتيل النّاقة” للشّاعر المغربي الدّكتور “أحمد مفدي” الّتي جاءت في قصائد تفوح شعورا و إحساسا صادقا أراد من خلالها أن ينتصر الحبّ، العشق في أسمى درجاته… بما هو شغف و وله… بما هو إخلاص و تقدير و عمل… بما هو عفّة و قداسة و وعي.. بما هو يقظة و شجاعة و عدم استسلام… راية حملها شاعرنا ناصعة صدقا لنخبة بعينها.. نخبة الواعين المسؤولين… ثلّة من المجتمع الّذي ينتمي إليه… ذلك ما يريده أن يكون و ما اعتماده على القاموس الدّيني خاصّة و الصّوفي ( ألهما، تقواها، راهب دير، معبدها الوثنيّ..) إلّا رغبة منه دفينة لملامسة ذلك العالم المترع عشقا و هياما في خطّ مواز للأخلاق و القيم و التّشبّث بالماضي .. فالصّحوة آتية رغم أنّ الجرح غائر و الحيرة طوّقته فانكسر الفرح لكنّ الضّوء و النّور يراقصان الأحلام قد تورق؟؟
ولئن احتضنت الصّحراء الإطار المكانّي العام لأغلب القصائد ثمّ كانت الرّبوة و الانعراجات و الرّبع و القرية و السّوق و المعبد و أبواب المدائن.. فإنّ شاعرنا قد أخذنا معه دون تذكرة في سفرة لغويّة بديعة إليها، (الصّحراء) و غصنا في أعماقها فنجح أيّما نجاح في رسمها وهو ابن المروج الخضراء، مدينة التّين و الزّيتون بيد أنّ هذا الاخضرار قد ولّد حيويّة و طاقة أخّاذة في الكلم فكان سيّد اللّغة بامتياز.
رحلة زهد و يقين و إنشاد من نوع خاصّ: فكان الرّقص و الدّفوف و الحُداءُ و وشوشة الطّير و دندنة خرير و أصوات رعيان كلّها إنشاد المجذوب يناشد الأشواق و الوجدان و الدّفء، هو ليس سحر هذيان هو لحن النّشوة و تاريخُ صحائفَ وجدٍ و بعض آيات القدر في الزّمن الصّامت المخصيّ إذا أظلمت اللّيلة و حلّت أستار اللّيل و لبس خوذته أيّام الحرُم؟؟ ربّما تحملنا نجمات الفجر كي نعانق شقشقة الصّبح
و يكون مسرانا الأبديّ و المعراج إلى اللّه.
11)المدخل الرّقمي:
إنّه المدخل المهمّ جدّا باعتبارنا نطبّق النّظريّة “الذّرائعيّة” في دراستنا لديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة” لصاحبه الشّاعر المغربيّ الدّكتور الفذّ “أحمد مفدي”. من خلال المدخل الرّقمي بما هو تحليل رقمي علميّ قويّ يتأكّد لنا مدى رصانة النّصّ وقوّته، على هذا الأساس سنعبر حقولا دلاليّة اعتمدها شاعرنا مرتّبة، منتظمة، متناغمة مع بعضها البعض، بخبرة عالية و حبكة مميّزة:
-دلالات الجمال: أحداق –بساتين –تزهر –نشوى –المرح –عبق –وردا –شقائق نعمان و بهاء –تورق – زهر قرنفلة –أزهارا –فلّه –القمر –الصّفو –لماها – جلّنار –نشوى –شفتاي – عينيك – ثغرك –السّاقين –عيون
-دلالات الطّبيعة: وادي –مفازات –الغيم – الشّمس –غيوم –أنهار – الرّبوة –النّخلة –مرعاها –أرض العرب –الرّيح –الماء –الأفلاك –البيداء –السّدرة –النّاقة –الرّمل –الصّحراء –شهابا –الأقمار –أشجار الأكمه –رمادا –العترة –غيمة –الطّين –الأكوان –أمواج النّهر –البحر –الجبل –حدائقك –أحجار الوادي –جبل الرّضوى –الأسوار – الصّفصاف –المطر –الرّطب –الدّيَم –الأحراش –الأرياف –جبل الشّيخ –أشجار الملح –البرق –الدّوّ –الخلجان –الأنهار –الجذع -فاكهة الرّمل –عاصفة الأنواء –التّلّ –أعشاشك – نجوم –الحيطان –الشّطآن –مطرقة –أوتاد –الجمر –الأنواء – أشجار البلّوط –غابات –الصّبح – الفجر –نواميس –غابات
-دلالات التّديّن و التّصوّف: زاهدة –تصلّي –ترتّل –معبدها –دير الرّاهب –تعاويذها –السّكرة – ألهمها –تقواها –الرّاهب –أيّام الحرم –مسرايَ –السّجدة –ناسكة –تطهّرْ –العابد –دحّاها –سوّاها –القرآن –الرّوح –الأوثان –الرّكّع –أوراد –شهود –السُّبحة –كأس الذّكر –ببردته –أقبية الذّكر –المسد –الواحد الصّمد –الزّهد –الكهنة –خمورا –الرّدّة –قَتره -المعراج إلى اللّه -السّدرة –عين حور –شياطين –جنّ –الرّوضة –رهق –إثم –صحف –ألواحا –الأصنام –مسراه الأبديّ
-دلالات الزّمن: عشيّا –غسق اللّيل –أسمال التّاريخ –اللّيل –الصّبح –الغلس –الغسق –النّزق –الشّفق –غيهب الظّلام –الفجر –اليوم –مساء –الآن –الأيّام –الظّلمة –صباحا –غروب الشّمس –منذ الأزل –الآتي –السّاعة –الماضي –الغفوة
-دلالات الموسيقى: قيثاره –مغناك –يشدو –دفوف –رقص- نواقيس –حداء-إنشادي –وشوشة طير –أنغام السّهر –يغنّي –يدندن –خريرا
-دلالات الأمل: الأحلام –الضّوء –الحلم المورود –بشائر إصباح –الألق –الفرح –الأمل –نشوى –دنياك –فرحا –أغنية النّصر –تورق –تزهو –النّور –جذلى –الإشراق –الصّحوة –مفتونا –يحلم –إنشاد
-دلالات الألم: هجر العشّاق –تشكو –الأرق –السّقم –حمل أتعبها –حزينا –رمادا –وحيدا –الضّيم –صرعانا –فيوضي –شجوني –وهن –ناكصة –الوهم –فزع الأحلام –وحدي –حيرة –الحيرة تخنقني –الوزر –رنين الحزن –ألم –عناقيد سهاد –الموتى –الجرح –عواء –نباحا –وجع –الدّمّ –جمر لظاها –عاصفة الرّعب –الجرح الغائر –يعوي –أشجان –مهيصة أوهام –صقيعا –القرح –الهلع –نواحا غيومي
-دلالات الأخلاق و القيم: الزّيف –أسوار سخائم –الوهم –الغيّ –على خجل –عربدة و عناد –خطيئة جارية كاذبة –أزلام العفن –الضّغن –بلا همم –صلفا –حُزق –حرّاس العدم –سرقوا –الطّاغوت –العطن –بهاء القيم –أنهار العفن –الرّيبة –الإحنِ –الرّيْن –السّحت –الفتنة
-دلالات الحبّ، العشق : عشقت –الأشواق –العشق –الوجد –هياما –العشّاق –الدّفء –أحاسيس الجذب –العاشق -الوجدان –النّجوى –هوى -المعشوق –الواصل بالموصول –الحبّ تهوى –الغاوي -قافلة الأشواق –لحن النّشوة –عشّاق السّحر
-دلالات اليأس: أبواب المنتقم –أجراس النّدم –السّأم –ثقافات الحزن –آهات الوطن –العتمة – زمن التّيه –رعاة الصّمت –السّادر –نواقيس الحزن –سرداب الموت –أمير القتلة –فزّاعات هوس –الرّجفة –أعماق النّفق
-استعمل التّشبيه: كالخيمة –كالبركان –كسحابة وهم –كالطّفلة –كالنّسمة –كأنفاس التّنين –كالأشباح كعين غزالة –كسائحة…
-استعمل النّداء المباشر: يا عاذلتي –يا سيّدتي –يا وطني
-استعمل صيغ نحويّة كالأمر و النّهي
-استعمل أسلوب تقريري: أنا/ إنّ، إنّك
-استعمل الأسئلة الاستنكاريّة الاستهزائيّة.
هكذا يكون مجموع العبارات الدّالة على التّصوّف و التّديّن مع دلالات الأخلاق و القيم بالإضافة إلى دلالات الأمل مجموعها 94 على 10 معدّل 9.4 من 10 يكون الدّيوان قد حقّق أعلى درجة من الرّصانة لما حواه من مشاعر عظيمة راقية لا يمكن العيش دونها من لدن فنّان قدير متمرّس في اللّغة.
الخاتمة:
رحلة وجد و عشق عبر المفردات، الجميلة المميّزة الّتي تحتاج الغوص في معانيها لتفهّمها، و الصّور الشّعريّة الأكثر إبهارا لنا و سحرا من نوع خاص، ذات الوقع الرنّان مع مزجها بين الحداثة و القدم على أجنحة الحسّ الصّادق و الأمل المتوالد للحياة و الوطن بالرّغم من الوجع و الألم و الحالة الّتي مرّ بها العالم العربي و المغرب خصوصا، فذلك سيحمل نقطة ضوء لغد مشرق بصحوة قد تجيء و شاعرنا هدّه الإعياء فتسربل مع الوجد يقطر صبابة و هي نسائم الإصباح لسوف تأتي…
حبك لنا الشّاعر الدّكتور “أحمد مفدي” خيوط قصائده فبدت قطعة فنيّة مطرّزة باللّغة و الحنين للماضي المجيد برنسا يقينا من الوكسة فنستيقظ مترعين بالأمل و قد أفزعنا نداؤه “يا وطني” فمن منّا لا يعشق بلده، أرضه كلّ تفاصيل العيش فيها و لا شكّ هو حبّ الانتماء إليه… ورايته غد سوف يأتي مزهر؟؟ بلا منازع ديوان يضاف إلى المكتبة الثقافيّة العربيّة بكل افتخار و عن استحقاق.
المراجع:
1-“الرّؤية الشّعريّة” لمحمّد الهادي بوقرّة
2-حوار مع الدّكتور أحمد مفدي
3-مركز الجزيرة للدّراسات
4 “مزايين الإبل” سعد الصويان، الرّياض المجلّة العربيّة 2008
5- مجلّة “المسار” التّونسيّة
6-“التّاريخ و ما وراء التّاريخ” للد. عبد الحكيم الكعبي (أكاديمي عراقي مقيم في ليبيا)
7-“رحلة التّاريخ في قياس الوقت” لحواس محمود سورية
8- “المواطنة و القبيلة و خيار الدّولة الحديثة ” لعمر فوزان الفوزان
9-” دراسة ذرائعيّة لقصيدة القمر الأحمر للأستاذة المغربيّة مجيدة السّباعي.
أ-ديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة” للدّكتور أحمد مفدي.

بقلم الناقدة الذرائعية : ابتسام الخميري / تونس / الجزء الأول

ننشر هذه الدراسة الذرائعية الهامة للناقدة الذرائعية التونسية ابتسام الخميري على جزئين
والدراسة منشورة كبحث في الكتاب النقدي المشترك عن الأعمال الشعرية للدكتور والشاعر المغربي أحمد مفدي

حركة التصحيح والتجديد والابتكار في الأدب العربي
لجنة الذرائعية للنشر

تشذّي الذّات و انتصارها للوجود و الوطن
دراسة تحليليّة ذرائعيّة لديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة”
للشّاعر المغربي: دكتور أحمد مفدي
بقلم الذرائعية : إبتسام بنت عبد الرّحمان الخميري من تونس
المقدّمة:
ما فتئ الشّعر يعدّ من الأجناس الأدبيّة المحبّبة للعديد من البشر رغم ما اكتسح الحياة اليوم من تقدّم و تطوّر تكنولوجي و علمي… فالشّعر بما هو كلام جميل منمّق، ما يزال يجذب إليه السّواد الأعظم من النّاس لما يتضمّنه من موسيقى داخليّة و خارجيّة تحدث نغما يحرّك الإحساس و تشنّف له الآذان البشريّة، إنّه مرآة عصره يعكس لنا إيديولوجية قائله و يعرّفنا حالته النّفسيّة و الاجتماعيّة…
منذ القديم كان الشّعر العربي فنّا من الفنون تنوّعت أغراضه و اختلفت… حيث برز الشّعر الصّوفي كأحد أنواع الأدب الصّوفي و هو شعر روحي وجدانيّ ظهر بعد شعر الزّهد و الوعظ… و بعد انتشار مظاهر التّقوى بين الفقهاء و المحدثين و الأدباء… الجدير بالذّكر إنّ هذا النّوع بلغ ذروته في الشّعر العربيّ مع ابن الفارض و ابن العربي و اتّضحت معالمه في القرن الثّالث هجري، في النّصف الأوّل منه تحديدا. من أشهر الشّعراء المتصوّفين جلال الدّين الرّومي و أحمد بدوي و شهاب الدّيم ابن الخيمي
و الحلاّج و عفيف الدّين التّلمساني و رابعة العدويّة…
من هذا المنطلق سنتناول بالدّرس ديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة” للشّاعر المغربي الدّكتور” أحمد مفدي” لأنّ هذا الدّيوان ينضوي تحت هذا النّوع من الشّعر الصّوفي و باعتبار صاحبه قد جمع بين جماليّة اللّغة و صدق العاطفة( تجاه الوطن خاصّته: المغرب، و الوطن العربي، حمص) و قوّة الفكرة و علوّ الموسيقى الشّعريّة… لقد أتى الشّاعر الفذّ في ديوانه هذا على أهمّ خصائص الشّعر الصّوفي من تعبير رمزيّ هيمن في جلّ أبيات الأثر إضافة إلى الحديث عن باطن النّفس و أسرارها و عدم الاحتفال بالفخامة و الجزالة، فكانت ركائز الشّعر الصّوفي المملوكي بارزة في “تأمّلات في تراتيل النّاقة”.
إنّه لا يفوتنا أن نشيد بالشّعر السّياسي الّذي نجد ملامحه بين ثنايا هذا الدّيوان عندما سعى شاعرنا إلى التّعبير عن رأيه السّياسي فيما يجري حوله من أحداث و تبيان زاوية نظره الخاصّة و موقفه من ذلك الوضع عندما وصف الأحداث الّتي جرت في سوريا (حمص) و حجم المعاناة الّتي عاشها الشّعب…
لقد كشف لنا معجمه الكلاميّ عن إيديولوجيّته: إنّه رقيّ الفكر الإنسانيّ من صدق مشاعر تجاه الذّات( الأنا) و الآخر، تجاه الوطن(الصّحراء) متمسّكا بالماضي المجيد متحسّرا على الحاضر “البليد” آملا في مستقبل أفضل و أرقى… و ذلك لن يكون إلّا بالتّشبّث بالأصالة و الأخلاق القيّمة النّبيلة فيتحقّق علوّ الذّات و رفعتها في المقابل تنطفئ جذوة اليأس و القنوط و المتاهة العظمى التّي تهيمن على نفسية شاعرنا…
إنّنا أمام مدرسة شعريّة حافلة بالمفردات الممشوقة المختارة و بالدّلالات و المعاني الرّافلة في الوجوديّة، تأخذنا عبر المعجم الدّينيّ حينا و الأخلاقي حينا أخرى (مدينة الأخلاق من منظور فلسفيّ) لنحلّق في سماء كون من نوع خاصّ قدّ من معجم الطّبيعة بما هي البقاء و الانتصار للأرقى و الأجمل… بقاء القيم و الأخلاق و التّرفّع عن السيّئات و الكره و الحقد… هو حبّ البقاء و التّشبّث بإنسان ينتمي إلى عصر يكتنفه الرقيّ، في مكان جدّ أرقى: إنّه الوطن، وطن يسري في البدن كما تسري الدّماء في العروق.
“تأمّلات في تراتيل النّاقة” ديوان مشبع بعدّة قيم نبيلة من خلال قصائده المحكمة البناء و الصّور الشعريّة البديعة و اللّغة المميّزة جعلته ديوانا في غاية الرّصانة و الصّدق…
سنقوم بدراسته وفق النّقد الذّرائعيّ كنظريّة جديدة لصاحبها عبد الرزّاق عوده الغالبي، و هي نظريّة علميّة تحليليّة علميّة تعتمد على مداخل محدّدة و علوم نفسيّة و نظريّات فلسفيّة في تحليل النّصوص الأدبيّة، هذه المداخل سنأتي عليها بإذن اللّه في ديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة” للشّاعر الفذّ الدّكتور “أحمد مفدي”.
في البداية سنتعرّف على شاعرنا:
-التّعريف بالشّاعر:
أحمد مفدي:
-أديب و شاعر مغربي من مواليد 11نوفمبر1948 غفساي في جهة فاس مكناس في شمال المغرب، تقع في جبال الرّيف.
-عضو اتّحاد كتّاب المغرب منذ عام 1973
-حاصل على دبلوم الدّراسات العليا(دكتوراه السّلك الثّالث) في الآداب و العلوم الإنسانية من جامعة سيدي بن عبد اللّه بفاس سنة(76/1/ 1975)
-في سنة 89/90 حصل على دكتوراه دولة في الآداب و العلوم الإنسانية من جامعة محمّد الخامس بالرّباط.
-سنة 1975 حصل على الإجازة في العلوم القانونيّة.
-أستاذ التّعليم العالي.
-أشرف و أطّر و ناقش عشرات الدّكاترة.
المسار الجمعويّ:
-مؤسّس و رئيس جمعيّة النّهضة القرويّ
-رئيس الاتّحاد العام لطلبة المغرب(فاس)
-أسّس جمعيات كثيرة رياضيّة و اجتماعيّة و ثقافيّة.
-عضو في منظّمة الآداب الإسلامية العالميّة.
المسار السّياسي:
-له مسار طويل في التّأطير و التّكوين في مجال المدن المغربيّة.
-مفتّش حزب الاستقلال بفاس و عضو اللّجنة المركزّية أيّام الزّمن الجميل للسّياسة.
-أنتخب نائبا لرئيس المجلس البلدي لمدينة فاس.
-أنتخب رئيسا لجماعة زواغة الحضاريّة.
-أنتخب رئيسا للمجموعة الحضريّة لبلديّات فاس 1992 حيث أسّس ربيع فاس للشّعر العربي.
-نائب برلمان لأكثر من ثلاثة عقود.
من آثاره:
1)من البحوث:
-الشّعر العربي في الصّحراء المغربيّة جذوره التّاريخيّة ظواهره و قضاياه في ثلاث أجزاء.
-تحقيق و تقديم ديوان الأبحر المعينيّة في بعض الأمداح المعيْنيّة للشّيخ الأديب النّعمة ماء العينين في أربعة أجزاء.
-الرّحلة البغداديّة(تسع ليال في بغداد)
-شعراء النّهضة و أعلام الفكر في صحراء المغرب ما بين القرن السّابع عشر و التّاسع.
-مئات القصائد الّتي نشرت في المنابر الثّقافيّة و ملاحق و مجلّات داخل الوطن و خارجه.
2)في الشّعر:
-من قفر السّماء 1969
-في انتظار موسم الرّياح 1972
-الوقوف في مرتفعات الصّحو 1990
-صهيل العشق 1996
-قطوف الوجع(شطحات الإفتاء)
-تأمّلات في تراتيل النّاقة 2014
-سيّدة الإشراق 2015
-يا ريح الجنّة هبّي 2015
-شطحات ديك الجنّ 2016
-هودج العشّاق 2018
-الفطماء 2018
-أنا من أكون 2018
-لباس الشّفوف 2018
-مقامات العاشقين 2019
3) في الإعلام:
-أنتج ثلاثة برامج ثقافيّة لإذاعة “فاس” طيلة عشر سنوات و هي:
أ-بيوت اللّه
ب-هذا الكتاب
ج-من أقوال العرب
كلّ برنامج استمرّ ما يزيد على ثلاث سنوات.
إنّ النّظريّة البراغماتيّة تعطي النّصّ الأدبيّ و الشّعريّ قيمة مختلفة من نوع خاصّ. معتمدة على مراحل علميّة و نفسيّة لذلك سنبرز:
1)البؤرة الثّابتة للدّيوان:
إنّ ديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة” يدعونا إلى الغوص في ذات الشّاعر المترعة أوجاعا الرّافضة لكلّ ما هو موجود في تلك الحقبة الزّمنيّة (2014) و ما عاشته الإنسانيّة من فقد للقيم و الأخلاق و العروبة.. فيحملنا معه على مركبة مجاديفه اللّغة المميّزة المكتنزة رموزا و دلالات بصور جماليّة غاية في الحبكة و الحنكة بذات الوقت.
إنّه الاستغراق الذّهني أو الحالة الّتي كان عليها مستسلما لذكريات ماض تليد… فيبدو اتّصالا إلهيّا عن طريق الإشراق الوجداني لكواكب مصطفّة بهيئة ناقة مع تناسق المفردات و المعاني. نلاحظ أنّ شاعرنا “يؤثّث عالمه الشّعريّ كما يراه متحدّيا جمود الواقعيّة السّطحيّة المباشرة بفعل الخيال السّاحر و الرّؤية الشّعريّة الجديدة فإذا القصيدة بوح كوني و مناجاة صوفيّة تسمو بمفردات الكون في عروج مدهش.”(1)
إنّه يمرّر لنا عاطفته و مشاعره الصّادقة و الفيّاضة و ذاته الحاضرة (الذّات العليا) الواعية
و الّتي هي على يقين تامّ بما يحيطها فلا تنصهر فيه بل ترفضه و تدعو إلى الصّحو… فإذا كونه الشّعريّ قد قُدَّ منه العالم: الصّحراء، النّور، الظّلام، الأرض، الماء… و كينونة الأنا تُظهر الذّات المتكلّمة محورا أساسيّا بدلالة البوح… نستنتج أنّ هذا منحى صوفيّ تتحلّل فيه أنا المتكلّم بفعل العشق فيما يضمّنه الكون الشّعريّ…
إنّ شاعرنا قد وظّف انزياحات و استعارات و تشبيها غاية في الرّوعة فإذا بنا نلمس مفردات من المعجم الدّيني (توظيف مفردات من القرآن الكريم) و الأسطورة أحيانا و الفلسفة أحيانا أخرى فيحيلنا ذلك إلى تعرّف عمق تجربته إضافة إلى أسلوبه المباشراتي تارة الرّمزيّ تارة أخرى…
الدّيوان جملة من الصّور الشّعريّة الملغّمة لغة راقية، أسلوب خاصّ يجعلنا نحلّق معه في حقل المشاعر الصّادقة المحمّلة بالقيم و الأخلاق السّامية حيث يرفض السّائد من سحت و زيف
و ظلم: إنّه يعيد للشّعر ألقه فنستحضر البحتريّ حين قال:
و الشّعر لمحٌ تكفي إشارته و ليس بالهذر طُوّلت خُطَبُه
إذن نحن أمام “تأمّلات لحظة مشبعة بالألم و الوجع العربيّ، هو يقوم على استجلاء الماضي
و استنطاق الحاضر العفن الّذي يهيمن فيه الجاهل و يسود المأمور و هو كذلك النّبوءة بالمستقبل.”(2)
إنّ كلّ هذه العوامل من لغة و صور شعريّة و دلالات و معاني مؤجّلة جعلت من الدّيوان كنز للمكتبة المغربيّة و العربيّة… حيث جاءت قصائده رصينة ممتعة ، هي رحلة في عرسات الوجود تستهدف تقوية الهويّة تأسرنا بين سطوره في مكان حاضر بإطناب (الصّحراء) كالطّود المنيع.
2)المدخل البصريّ:
” تأمّلات في تراتيل النّاقة” ديوان شعريّ للدّكتور المغربي الشّاعر “أحمد مفدي” من الحجم المتوسّط ورد في مائة و سبعة و أربعين صفحة، تضمّن عشر قصائد و هي: 1-تراتيل النّاقة في خرائب المعبد. 2- فكّر لي فأنا لا أفهم. 3- أطلال حمص و حواريّة الجبلين. 4- الأحذية السّوداء و أعراس العرب. 5- واحات أشجار الملح في الزّمن الآتي. 6-عشّ القبّرة و بوّابات الرّيح (جزء1). 7- عشّ القبّرة و بوّابات الرّيح (جزء 2). 8-أميرة القتلة. 9-خيمة المجذوب و أحباب الألق (جزء1). 10- خيمة المجذوب و أحباب الألق (جزء 2).
صدر الدّيوان عن مطبعة آنفو-برانت سنة 2014.
قبل الولوج إلى محتوى الأثر نتوقّف عند الغلاف حيث تظهر لنا لوحة فنيّة احتوت صحراء لم تكن رمالها صفراء ذهبيّة بل بألوان ترابيّة (البنيّ و درجاته) مع وجود بقعة لأزرق سماويّ في أعلى اللّوحة يمينا، كأنّي بها بقعة من السّماء في صحراء وقت الغروب، مع وجود ظلال لنوق تسير متّجهة نحو اليمين و قد كُتب عنوان الدّيوان باللّون الأصفر بما يحمل هذا اللّون من معاني و رمزيّة كالغيرة و المحبّة المفرطة لهذا المكان (الصّحراء). فالصّحراء بما هي أرض واسعة فقيرة الماء هي مناطق شاسعة لا نبات بها تملؤها الكثبان الرّمليّة تسير فيها خمس نوق نحو اليمين و على ظهرها أناس مختلفة الشّكل و الحجم: قد تكون لأطفال أو لنسوة أو كهول…
على هذا الأساس نسجّل حسن انتقاء اللّوحة فتبدو موظّفة أحسن توظيف لتأخذنا إلى عالم التّأمّلات في تراتيل النّاقة…
عنوان يبعث فينا حيرة و رغبة جامحة لإيلاج أغوار هذا النّصّ و نحن نروم إيجاد إجابة أو إجابات لأسئلة تصطكّ و تصطدم بالذّهن، أَ ليس شاعرنا هو المتأمّل؟؟ ففيما يتأمّل تحديدا؟؟ خاصّة و أنّ اسمه كتب بلون الصّفاء و النّقاء بلون الأبيض الهادئ ليكون الضّمير المضيء بين سطور الدّيوان… إنّه المتأمّل في هذه الكوكبة من النّوق المارّة من أمامه… فلماذا ظهرت خمس نوق تحديدا؟؟ و لماذا اختلفت الظّلال؟؟
“تأمّلات في تراتيل النّاقة” جملة اسميّة مركّبة، المبتدأ: تأمّلات، الخبر ورد مركّب جرّ
و مركّب إضافي في نفس الآونة ليوضّح لنا لمن هذه التّراتيل؟ إنّه تأكيد و إقرار الموضوع المتّصل بالتأمّلات، فتأمّل في الأمر بمعنى تدبّره و أعاد النّظر فيه ليتحقّقه و هذا الأمر جاء محدّدا: إنّه تراتيل النّاقة، فالنّاقة أنثى الإبل و الّتي يصر ضرعها و لا تحلب أيّاما حتّى يجتمع اللّبن في ضرعها ليظنّ من يريد شراءها أنّها غزيرة اللّبن، نجدها تدرّ علينا تراتيلًا…
أمّا التّراتيل اسم، جمع ترتيلة، مصدر رتّل و هو تجويد رعاية مخارج الحروف و حفظ الوقوف و إرسال الكلمة بسهولة و استقامة، و لئن كان المتعارف عليه هو ترتيل آيات الذّكر الحكيم و تأديتها بتلاوة منغّمة و بصوت حسن و أداء متواتر يختلف عن التّجويد…
فإنّ شاعرنا يحيد عن المألوف ليكون التّرتيل للنّاقة، هذا الحيوان الدّال على الصّبر و الجلد يصدر عنه ترتيلا… فما الّذي سيرتّله؟؟ أَ و ليس عبورها في جماعة يتبع بعضها البعض الآخر ترتيلا؟؟
إنّنا أمام عزف منفرد لشاعر موسيقار من نوع خاصّ يضعنا أمام كونه الشّعريّ الخّاص من البدء ليكون الإهداء في حدّ ذاته بؤرة تتكدّس فيها عدّة معان لها علاقة وطيدة بما حواه الدّيوان و طوّقه: إنّه إهداء للعقول المرهقة المتعبة المتمعّنة في هذا الوجود و إلى الخانعين الخائفين و إلى الّذين انصاعوا للأوامر فلا عقول و لا رأي لهم… عساه يبحث عن العقول المتنوّرة الرّاصدة الفاعلة في التّاريخ؟؟ فلم يهمل الإنسان مهما كانت درجة فعله في الحياة.
إنّ الدّكتور “أحمد مفدي” يكشف لنا بوضوح غريب محور اهتمامه: فتنكشف من خلال عناوين القصائد الّتي يتضمّنها الدّيوان: إنّها ألواح عشر تنطلق من تراتيل النّاقة في خرائب المعبد لتنتهي عند خيمة المجذوب و أحباب الألق، تنطلق من التّأمّل في خراب المكان( المعبد) هذا النصّ جاءنا في خمس صور شعريّة دلاليّة و تمتدّ الصّور الشعريّة في بقيّة النّصوص لقرابة العشر صور حينما نصل إلى خيمة المجذوب أحباب الألق في جزأين، كان المكان حاضرا بإطناب ( القرية، الأحراش، حوشه..) لينتهي إلى الوطن. هذه الصّور الشعريّة الواردة بالقصائد العشرة تتراوح بين الخمسة و العشرة صور كأنّي به يتمسّك بالفرائض الخمس للإسلام و بالألواح العشر…
إنّ رصدنا للمشهد الظّاهريّ و الشّكليّ للأثر يجعلنا أمام مسرحيّة شعريّة ذات عشر فصول متماسكة مترابطة المعنى بحبكة و دراية عميقة للشّاعر، متلائمة الألفاظ و المفردات و السّياقات الشّعريّة…
حيث أنّ الدّكتور مفدي قد جعل حرف الهاء الضّمير المتّصل للمؤنّث الغائب يلحق آخر الأفعال و الأسماء قافية تطغى على أغلب قصائده، فأسند أغلب الأسماء و الأفعال لضمير غائب مؤنّث جاء في 54 مفردة( يشربها، يسكنها، أتعبها، أسراها، مأواها، معبدها، دحّاها، خطاها، سوّاها، تقواها، رؤاها، صداها، يسلّيها، يعزّيها، لظاها، لماها…) بينما تأتي الأفعال المسندة لضمير المتكلّم: أنا، في مرتبة ثانية بعد ضمير المؤنّث الغائب( هي) ثلاثون مفردة فقط ( يصاحبني، كأسي، يقيني، يميني، وحدي، دواتي، حروفي، إنشادي، حنيني، غيومي، قلمي، تخنقني، جنوني…) مع تكرار عاذلتي (6 مرّات) و ظنوني (5 مرّات) وطني ( 5 مرّات) ليؤكّد لنا قيمة الأنا الذّات العليا و درجة فعلها… و لم تقتصر القافية على هذا الحدّ بل نجد حرف القاف يحتلّ المرتبة الثّانية من حيث عدد المفردات (43 مفردة) مع تكرار كلمة الغسق (4 مرّات) الألق ( 5 مرّات) النّزف ( 3 مرّات) علما أنّ القاف هو الحرف الحادي و العشرين من حروف الهجاء العربيّة و هو في الأصل مجهور أصابه التّهميس في معظم الألسنة الآن و هو أيضا شديد، مفخّم مخرجه من اللّهاة مع أقصى الحنك الأعلى شبيه بحرف الكاف، كما نلحظ أنّ القافية قد جاءت حينا مقطع مغلق ( الأشواقْ، الأبواقْ) و حينا أخرى جاء القاف مقطعا مشبعا ( احترقَا، انفلقَا، النّزقَا، الألقَا) و كثير من الأحيان جاءت القافية مقطع قصير: مرفوع أو مكسور ( الغسقِ، الأرقِ، النّزقِ، الشّفقِ، تغتبقُ، تختنقُ، يحترقُ، تأتلقُ، القلقِ، الودقِ، الألقِ، الحبقِ، الغدقِ، الحدقِ، النّفقِ…) فكان التّفخيم للزّمن (الغسق، الشّفق…) وإعطائه قيمته العليا لدى شاعرنا… إضافة إلى الحالة النّفسيّة الّتي يريد إيصالها لنا: القلق و الاختناق و الأرق..
تجدر الإشارة أيضا أنّ ديوان “تأمّلات في تراتيل النّاقة” قد تضمّن حرف الرّاء كقافية (27 مفردة) و هو الحرف العاشر من حروف الهجاء و هو صوت مجهور مكرّر و من الأصوات المتوسّطة المائعة و يصدر من طَرْقِ طرف اللّسان لحافة الحنك الأعلى عدّة مرّات،
صوتيّا: هو حرف لسانيّ لثويٌّ رخوٌ، ينطق بتكرار الاتّصال و الانفصال السّريعين لكلّ من مقدّمة اللّسان و اللّثّة و هو حرف مهجور لأنّ الوَتَرَيْنِ يُحرّكان الهواء الخارج، فاختار شاعرنا حرف الرّاء قافية لمفردات معرّفة بالألف و اللاّم في أغلبها للتّأكيد على الصّفة و ضبطها:
( القدرُ، القمرُ، الفكرُ، السّهرُ، الوزرُ، البقرُ، الطّيرُ، الوبرِ، الغجرِ، الفجرِ، النّهرِ..) مع استعماله أفعال في صيغة المضارع قافيتها حرف الرّاء: ( تنهمرُ، تنتحرُ، يندحرُ..) مع مقاطع مغلقة
( اتفكّرْ، تتحسّرْ، تطهّرْ، أتفكّرْ)
إنّ شاعرنا الفذّ قد وظّف عدّة حروف أخرى تنتهي بها قافية قصائده على غرار: الميم والنّون و الهاء في خمسة و عشرين مفردة ( الحلم، الكلم، الوهم، العدم، الرّسن، الوسن، العفن، الوطن، إشارهْ، إثارهْ، أمارهْ، قيثارهْ، دوارهْ، مرساهْ، لملقاهْ…) كما وظّف التّاء المغلقة (24 مفردة) مثال ذلك (الخمرةِ، السّدرةِ، الحضرةِ، مترعةٌ، ماكرةٌ، النّاقةِ، بالسّكرةِ، اللّعنةِ، المخمصةِ، الظّلمةِ، مئذنةٍ، سائبةٍ، قرنفلةٍ، ناسكةٍ، كزنبقةٍ، أقنعةٍ…) لنجدها مفتوحة ( سقطت، متاهات، تداعت، نبوءات، انبطحت، الكلمات) ثمّ نجد اللّام ( 16 مفردة ( الوصلْ، تتعجّلْ، فتمهّلْ، الحملُ، الأملُ، دجلُ، التلِّ، الأزلِ، نزالا، سؤالا، وبالا، خبالا…)
كذلك نجده قد اعتمد حروفا أخرى قافية مثل حرف الباء و الهمزة و السّين فالياء و الفاء لينتهي بحرف الجيم الّذي كان أقلّهم مفردات ثلاث فقط، و حرف الجيم هو الخامس من حروف الهجاء و هو مجهور مزدوج و مخرجه من أوّل اللّسان مع الحنك الأعلى و قد يحرّف عن موضعه إلى أقصى الفم فيقترب من الكاف أو القاف و يصبح شديدا كالجيم القاهريّة، و قد يحرّف إلى وسط الفم فيقترب من الشّين أو الزاي و يصبح رخوا كالجيم الشّاميّة.. ( العوسجْ، الهودجْ، لا أتفرّجْ)
أمّا الميم فهو الحرف الرّابع و العشرين من حروف الهجاء و هو مجهور متوسّط و مخرجه من بين الشّفتين و هو أنفي يتسرّب الهواء معه من الأنف.. مثال ذلك أورد لنا الشّاعر ( أوهامْ، الأسقامْ، الأصنامْ، الأزلامْ، هيامْ، الشّامْ، مقامْ، الشمّ، الذّمم، القيَمِ، نغمٍ، تنهدمُ، كالوهمِ، النّدمِ، السّأمِ..) فراوح بين المقاطع المغلقة و القصيرة و الإشباع مع تنوّع القافية… فاعتمد كذلك حرف النّون و هو الحرف الخامس و العشرين من حروف الهجاء و هو أيضا مجهور متوسّط و مخرجه من طرفيْ اللّسان مع أصول الثّنايا العليا و هو أيضا أنفيّ إذ يتسرّب الهواء معه من الأنف مع اللّثة العليا و امتداد النّفس من الأنف ( الوهنِ، الإحنِ، الظّعنِ، الوثنِ، العطنِ، المحنِ، النّهريْن، السّاقيْن، الرّيْن) مع تكرار كلمة الوطن ( خمس مرّات) العفن( أربع مرّات) و غيرهما. و لا يفوتنا ذكر حرف الألف كقافية أوردها شاعرنا همزة في آخر المفردة بعد مدّ ( الأنواءْ، الأملاءْ، البيداءْ، الورقاءُ، البدءِ، الأضواءِ)
إنّ تنوّع القافية أحدث عزفًا من النّوع الخاصّ تفرّد به شاعرنا فبدا عزفا مترعا بالوجع و الألم ببعض الأمل حيث جاءت مفردة أحلام مرّة واحدة و كذلك الأمل في حين كانت الغلبة لمعجم المشاعر من ألم و أسى( الهلع، الوجعِ، حزينهْ، صناعهْ، الفقراءْ هباءْ…) و تنوّع هذه القوافي بين المدّ و التّقصير تخلّله النّداء المباشر في عدّة مناسبات:
“كيفَ الملقَى يا عاذِلتِي…” ص 22 (أ)
“يا عاذِلتِي…
عنْ مسْرايَ إذا المدُّ تحدّى
سورةَ ذاتي… ص24 (أ)
و يتكرّر النّداء” يا عاذِلتي” ص 26/ص 28/ ص31/ ص 36 و نجد أيضا تكرار للنّداء المباشر: ” يا قبُّرَةَ الوادي”:
هل ترضيْنَ…
يا قبّرةَ الوادي إنْ
قبسَ اليومَ رَعاةُ الأفلاكِ شِهَابًا
منْ أنْؤُرِ هذا الدّفْءِ المسجورِ
إذا صارَ يبابا…؟ ص 22 و كذلك يتكرّر نداء يا قبّرة الوادي: ص 93/ ص 95/ ص 99 ، هذا و نلمس نداء مباشر يتوزّع على كامل صفحات الدّيوان: “يا نخلة حمص” ص 41/ “يا ابنة عاتكةٍ” ص 46/ “يا جبل الشّيخْ” ص 49/ “يا حمص” ص 55 و ص 56/ “يا أممٌ” ص 60/ “يا عفوَ التّاريخ” ص 64/ “يا أحذية الجند” ص 66 / “يا قبّرة النّسيان” ص 100/ “يا سارية الجند” ص 116/ “يا وطني” ص 133 و ص 137/ بينما يكرّر النّداء “يا سيّدتي ” عدّة مرّات:
“يا سيّدتي…
إنّي لم أرَ في الملْهى…
أو في صُحُفِ التّاريخِ
و قدْ نُسِختْ…
قاتلَ أمْلاءِ النّهرِ” ص 115 (أ)
كما نجد “يا سيّدتي ” تكرّر في الصّفحات التّالية: ص 117/ ص 118/ ص 119/ ص 120
“يا سيّدتي…
إنّكِ في الكأسِ تَغُوصينَ
كسَائحَةٍ تسْبَحُ في الأضْوَاءِ…
و ترْشِفُكِ الأَنْسامُ كَعَيْنِ غَزالهْ… ص 139
تنوّع النّداء المباشراتيّ ليدخلنا إلى كوامن ذات الشّاعر، الذّات المتقلّبة المتألّمة المترعة حيرة، بحثا عن التّغيير، عن النّسيان، عن الرّسوخ في الأصالة و التّشبّث بالمكان:
“يا حمصُ جفوني تسكنها الأملاءُ” ص 55 (أ)
“يا وطني…
فانْداحتْ فيكَ سقاماتُ البرْدِ
علّ العابرَ يسْبُرُ ذاكرةَ التّاريخِ…
و ينتشلُ الشّرفة منْ نارِ المسدِ… ص 137 (أ)
من خلال هذا النّداء نجد جملة من الأسئلة الاستنكاريّة التّي تضمّنها الدّيوان و هي تكشف عن موقف الشّاعر الرّافض لما هو موجود إذْ يقولُ:
“هل كنتُ أنا المُشتاقَ بوادي النّاقةِ
و الفجرُ أتى يتجسّسْ…؟
إذْ قالَ مُزاحٌا…
من يُرْقِلُ ناقتَهُ…؟
هلْ أسقي ظمأ الغيمِ مفازاتٍ تسْكُنُها
هَسْهَسَةُ النّخْلَةِ حتّى
هزّتْ في الحضرةِ
أعراشا منْ سعفِ الشّمسِ” ص 8/ ص 9 (أ)
و نلمسُ عدّة أسئلة استنكاريّة: “هل ترضيْن…” ص 22/ أَيُغازلهُ…؟ ص 25/
“هل يلتقطُ التّاريخُ الدّاعرُ بعضَ شظاياها…؟
هل يُسْمعُ من يعْشَقُ-في مسراهُ-الصّمما…؟ ص 52 (أ)
“أَتطلّ على أكتاف سُقاةِ الممشَى
من مرجِ البحر…؟” ص 78/ “أرُؤُوسُ شياطينِ ذُؤَيْباتِ الجنّ تداريها…؟..” ص 79 (أ)
“أَ تعاتبُ حُرّاسَ العدمِ..؟ ص 82 (أ)
” هل تشتعلُ الذّاتُ إذا حلّتْ
في ذات الصّفوةِ ممّن وصلُوا…؟ ” ص 83
“من قال الحارس يسرقُ شقشقة الصّبحْ…؟” ص 85 (أ)
” لكن هلْ يأتي
من خاض البحرَ بلا سفنِ…؟ “ص 92 (أ)
” هلْ تدرينْ
أنَّ وِساداتِ الأفْلاكِ
نجومٌ تتلوَّى حَلزونًا…
إيلامًا…
و تؤُزُّ الحيطانَ منَ الوجعِ..؟” ص 96 (أ)
كما نجد مواطن أخرى لأسئلة استنكاريّة: ص 98/ ص 108/ ص 109/ ص 111/ ص 116/ ص 120/ ص 121/ ص 125/ ص 127/ ص 130/ ص 137/ ص 140/ ص 144.
و كان التّشبيه حاضرا متوّجا القصائد يزيدها بهاء بمفردات بديعة من معجم الجمال انتقاها شاعرنا ( كالنّسمة، كفراشات طفولة، كالنّورس، كزنبقة، كعين غزالة، كالطّفلة) مع مسحة الألم المنتشر بين سطور الدّيوان: كخرائب ص 70/ كالبركان ص 63/ كالطّفل المذعور ص 79/ كالأشباح/ كالوهم ص 131 (أ)
هو الإنسان الّذي يتأمّل الواقع المرير، الممتزجة مشاعره بين الجمال و القبح، بين الأمل و اليأس، بين التّمسّك بتلابيب ماض مجيد و حاضر مؤلم، الإنسان يعيشه بلا هويّة، بلا عروبة، بلا وطن، لكنّ الأمل في غد مشرق مرتسما بلا شكّ…
3)البيئة الشّعريّة:
إنّ الظّروف الّتي عاشها شاعرنا في تلك الفترة قد أثّرت أيّما تأثير فانعكست بين سطور “تأمّلات في تراتيل النّاقة” و لا سيّما تلك الحقبة التّاريخيّة سنة 2014 و ما سبقها، حيث عاشت بعض الدّول العربيّة آنذاك ثورات و تغيّرات سياسيّة و لعمري ما عاشته سوريا (حمص) كان له بالغ الأثر على نفسيّة شاعرنا فكان الوجع مضاعفا و هو الإنسان الواعي المحنّك حيث كان له مسارا سياسيّا طويلا في التّأطير و التّكوين… هو مؤسّس ربيع “فاس” للشّعر العربيّ… هو ابن مدينة ” فاس” تحديدا مدينة “غفساي” و هي مدينة تابعة لإقليم تاونات في جهة “فاس” مكناس في شمال المغرب، و تقع في جبال الرّيف، هي مدينة يغلب عليها الطّبع القرويّ، محاطة بمجموعة من التّلال و الجبال المكسوّة بأحراش و غابات تضفي عليها جمالا و رونقا خصوصا خلال فصل الرّبيع، و تشتهر بالتّين و الزّيتون و بالفنّ الشّعبيّ الشّمالي، يعرف أناسها بالطّيبة و الكرم، هذا المكان الّذي نشأ فيه شاعرنا إضافة إلى دراسته و تخصّصه و مساره السّياسيّ و الجمعويّ جعله يطلّ علينا بهذا الدّيوان (سنة 2014) و قد كان آخر أثر له “صهيل العشق” الصّادر سنة 1996 فكان الإطناب في الألم و الحسرة على واقع العالم العربي ما فجّر قريحته و هو صاحب البرامج الثّقافيّة طيلة عشر سنوات.
لا يفوتنا أن نعرّج عمّا حدث آنذاك في العالم و في العالم العربي خصوصا، سنة 2014 هي سنة الأوجاع، حيث تعلن قوّات الدّولة الإسلاميّة في العراق و الشّام السّيطرة على مدينة الفلّوجة و أجزاء من مدينة الرّمادي في محافظة الأنبار، أمّا في غرب إفريقيا فقد انتشر وباء أودى بحياة الكثير، و كانت سنة بداية الاحتجاجات البحرينيّة أو ثورة البحرين( 14 فبراير) كما شهدت عدّة كوارث و أمراض ( شلل الأطفال بالعراق و سوريا ) و انفجارات في نيجيريا ( مقتل 118 شخص) ثمّ سقوط طائرة الخطوط الجويّة الجزائريّة و مصرع 116 راكب…
كما شكّلت سنة 2014 ” مسارا سياسيّا و أمنيّا مضطربا في ليبيا، و انسداد بالمشهد السّياسي بالجزائر و سعي لتجاوز المرحلة الانتقالية في تونس و محاولة لإنجاح تجربة شراكة الإسلاميين مع الملكيّة بالمغرب و ديمقراطيّة بعباءة عسكريّة في موريتانيا، و أوضاع أمنيّة معقّدة تجلب خيارات خارجيّة عسكريّة إلى المنطقة تلك محصّلة المشهد في المغرب العربي.”(3)
لقد عرف المغرب أحداثا استثنائيّة خلال عام 2014 على المستوى الأمني و السّياسيّ حيث عاد شبح الإرهاب نظرا لتدهور الأحوال الأمنيّة في بلدان الجوار خاصّة ليبيا، فرفع المغرب حالة التّأهّب الأمني إلى أقصى درجاتها منتصف شهر أغسطس (آب) و ما فتئ هذا البلد يحذّر من خطر المجموعات الإرهابية في منطقة السّاحل و الصّحراء… كذلك نسجّل الحوادث المفجعة الّتي تمثّلت في وفاة سبعة و أربعين شخصا بسبب الفيضانات في المناطق الجنوبيّة للبلاد…
كلّ هذه العوامل المحيطة بالشّاعر جعلت منه مؤرّخا في قصيدة “أطلال حمص و حواريّة الجبلين” و قصيدة ” الأحذية السّوداء و أعراس العرب” واصفا لأحداث واقعيّة، إنّه يكتب لغرض ما و قضيّة معيّنة يريد إيصالها، هو الإيمان بضرورة التّغيير للأفضل رغم شحنة الوجع و الألم.
4) الاحتمالات المتحرّكة في النّصّ: شكلًا و مضمونًا:
تململ وجعا ممزوجا بالحيرة و الحسرة فكان بمثابة اتّصال باللّه عن طريق الإشراق الوجدانيّ، متأمّل في أسرار الطّبيعة مستغرق التّفكير فيها، بهمس جميل مؤلم يأخذنا معه و الاستغراب يسكننا: “تراتيل النّاقة” فنستحضر آية قرآنيّة من سورة “ق”: “إنّ الّذينَ اتّقُوا إذَا مَسّهُم طائِفٌ منَ الشّيْطانِ تأَمّلُوا.” صدق اللّه العظيم. و تنبثق رؤاه للكون و الحياة من معين الذّات الصّادقة الصّافية المتألّمة المتأمّلة، الماسك ناصية اللّغة فانفجر نهر مداه بوصلة تكشف لنا بعض ما تمعّن و ارتاب، متمسّكا بأصوله العربيّة الأصيلة حيث ترتع النّاقة و هي “الزّاهدة” لا تتركُ مرعاها” ص 10 (أ)
إنّ ابن المروج المخضرّة يميل إلى طقس الجنوب فينتقي منه مفرداته (النّاقة، النّخلة، الشّيح…) هي اللّوحة الّتي أراد رسمها فأبدع الرّسم. الإبل و النّخيل هما الأكثر تحمّلا و تكيّفا مع البيئة الصّحراويّة، و تتحوّل النّاقة إلى مثال الصّبر و التّحمّل و التّكيّف مع الصّحراء، هي رمز لكلّ ما هو نبيل و ما هو مأساويّ في خضمّ تلك الحياة و ما هو رمز الحنين، فالنّاقة حيوان رؤوم لا تطيق فراق حوارها و لا أليفها، لذلك نجد أغلب الشّعراء يبثّونها مكنوناتهم، فأمكننا القول هنا بأنّه “شكّلت الإبل وعينا اللّغويّ و ذوقنا الأدبيّ و حسّنا الجماليّ و لنا شعراء تغزّلت بها من طرفة إلى الرّاعي النّميري إلى ذي الرّمة إلى العجّاج إلى ساكر الخمشي إلى خلف أبو زيد، فلا ننسى أجمل ما في القصيدة الجاهليّة ذلك المدخل الّذي يسمّونه الرّحلة أو وصف النّاقة و الّذي يسمّيه شعراء النّبط (الإركاب)(4) و هنا يصرّح لنا شاعرنا عن الحمل الذي أرهقها و أتعبها:
“السّنمُ الأسْنَى حمْلٌ أتعَبَها… ص 12، رغم تحمّلها و هي الّتي تتميّز بقدرتها على العيش و البقاء في بيئات شحيحة الموارد لا تستطيع غيرها من الحيوانات العيش فيها. إذن الإبل و معها النّخيل هما الأكثر تحمّلا و الأقدر على التّكيّف مع بيئتها الصّحراويّة و تربتنا الفقيرة و مناخنا الجاف.
قال تعالى: ” أَفَلَا يَنْظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ.” ها هي تتوجّع إذْ:
“تحكي عنْ فَزَعِ الأحْلَامِ و تَسْتَبِقُ الأفْلَاكَ/ لمنْفَاهَا” ص 13 (أ)
“النّاقةُ مأمورهْ…
فدَعُوهَا
قدْ تُوغِلُ في الْبيْدَاءِ، و ترْكَبُهَا
فِي السَّيْرِ هَواجِسُ ماكِرَةٌ…” ص 14 (أ)
هي الثّكلى فتفوق درجة تحمّلها و صبرها مداه فلا تستطيع التّحمّل: “هاربَةً، أَتَعُدُّ خُطاهَا…؟ ” هو عدم قدرتها على تحمّل التّعب الوجوديّ و الأرق فيتحوّل مرعاها قيودا و سلاسل تكبّلها، هي المتشبّثة بالمكان: “لا تترُكُ مرْعَاها…” ص 10، بيد أنّ المكان قد بات محظورا:
“أَحِماهَا محظُورٌ…؟
لا تُدرِكُهُ العَيْنُ” ص 11 (أ)
تصبح العاجزة الضّعيفة ” لا تعرف كيف تصدُّ الصَّخَبَا…” ص 17 فيصرّ لنا الشّاعر بضرورة تركها على حالتها الأولى، البدائيّة فلا حول لها و لا قوّة:
” فدعُوها
بخَرَائب معبدها ترعى” ص 18 (أ)
ما كانت النّاقة سوى بعض العرب الهائمين و ما كان سوى انزياح لغويّ انتقاه دكتورنا ليرسم لنا رحلته الوجوديّة في تلك الحقبة الزّمنيّة، و هو النّاهل من منابع العلم و المعرفة يعتريه الوهم و التّيه، تعتريه الحيرة فيهجره العقل الرّاجح” المفكّر” و تسكنه الآهات و الزّفرات فيقول:
“فكّرْ لي… إنْ كُنْتَ حَزينًا…
وَ يَقِينًا…” ثمّ يواصل البوح:
“فأنَا مَحْشُورٌ
في زاوِيَةِ الْوَجْدْ…
أتَسَلّلُ مَخْفِيًّا في غَيْمَةِ إسْرَاءْ…” ص 21 (أ)
أتعبته الحياة، اللّغة المغموسة في السّهوِ، العادات، الظّلمة، لكنّه يبحث عن بقعة ضوء، ومضة أمل:
“إنْ هَرَبَ الضّوءُ منَ الأقمار سدًى…؟
و انْدَسَّ كأفْعَى في المَسْطُورِ، فدُلِّينِي
عنْ سَفَنٍ…
كيْ أعْبُرَ بالأشْهَى
منكِ إلَى وَطنِي” ص 23 (أ)
لقد تحمّل أوزار الوجع الوجوديّ لكنّه انتفض شبقا للحلم، للأمل و يحاول أن يعيد للشّعر مجده التّليد فمن ذاته تنطلق “بشائر الإصباح”، هو الرّافض لحال العرب ينتفض و يحاول كشف المستور (الوجع، الألم) بأسلوب استنكاريّ استهزائيّ يعلن:
“يا عاذلتي..
كلماتي انتفضت
في الحومة كيْ لا
تسكُنَ أصقاعَ مجازِ الحُلُمِ…” ص 26 و يورد لنا حوارا بينه و بين “عاذلته” فيسأل:
” هل تدرينَ
-إذا عُدْتِ غداةَ السّكْرَةِ شارِدَةً
منْ باعَ الكَأسَ و في
فمِهِ ملْعَقَةٌ منْ حِمَمٍ…؟” ص 27 (أ)
لكنّ شاعرنا وسط هذا الألم و الإدراك بما هو موجود يفقد النّطق، الكلام:
“فأنا الأخرسُ
لا أعرفُ كيفَ أحدّثُ ذاتي…” ص 28 (أ)
هو الشّاعر المتألّق المتكلّم صاحب الحرف المتميّز، هو الدّكتور الفذّ يعجز عن الكلام: “شفتايَ تحَمّلتا أنواءَ بهاءِ الكَلِمِ…» ص 26 فلماذا هذا النّفور؟؟
لقد اختار الصّمت، إنّه المترع بالآلام و الحزن يركن للصّمت حيث يرى لا فائدة من الكلام فيحطّم أقلامه:
“قد حطّمت الأقْلامَ مساءً…
و توارت في وهنٍ
بسديمِ العِشْقِ دواتي…
فمشَيْتُ حثيثًا
خلف غُبارِ الوَهْمِ الهاربِ منْ
مأوى، أسكنتُ به بعضَ سُباتي…” ص 29 (أ)
قمّة اليأس و القنوط قد بلغهما الشّاعر فتزداد و تتوالد حيرته و تعبه فلا فائدة ترجى من الشّعر أو الكلام و لئن كان لزاما النّسيان كطهر للرّوح المتعبة، يقرّ أنّ الفكر الواعي بما يحيطه هو المتألّم: “الفكرُ وَباءٌ و عناءْ” ص 32 و مع ذلك يتفاقم ألمه و يعظم خاصّة أنّ النّاس، القوم في جهلهم يرتعون: “القوم نيامٌ، و الحبل تراخى…
و أنا وَحْدي…” ص 32 (أ)
إذا، سبب ألمه و وجعه الدّفين هو وعيه بمصير الآخرين ” و تاريخُ الأمّةِ صار مزاداتِ اللّعنةِ و القومةُ تنتحرُ” ص 34 (أ)
إنّ ما أسلفنا ذكره من حالة الوطن العربي في تلك الفترة ( سنوات 2012و 2013 و 2014) هو ما سبّب له الألم، حالة الوجع العربي تلبّسه الشّاعر فيغوص في أعماق ذاته:
“أخرجني من حيرة هذا الزّمن المَسْبِيّ” ص 35 “الحيرة تخنقني” ص 36 “إنّي لا أعلمُ ” ص38 (أ)
-أطلال حمص و حواريّة الجبلين: هو وقوف على أطلال المجد لمدينة قد تحوّلت ” فانكسر فيها الفرح” ص 41، شبّهها الشّاعر بـ “النّخلة” بما هي رمز الحياة و أوّل القاطنين على الأرض، فتتجاوز بحضورها المجال الطّبيعيّ باعتبارها نوعا من أنواع الشّجر الّذي ينمو في الصّحراء
و يناسبه المناخ الصّحراوي، و تتجاوز المجال الزراعي باعتبارها مصدر رزق لممتلكيها لتلج مجال المقدّس و ترتبط بالمعتقدات، فشعوب كثيرة اعتبرتها رمزا متعدّدة الأبعاد و التجليّات.”
(5)
و لئن ارتبطت دلالات النّخلة الرّمزيّة عند أغلب الشّعراء بالحياة و الولادة، نجد شاعرنا الدّكتور “أحمد مفدي” يجرّدها من الحياة حيث يقول:
” يا نخلةَ حمصٍ، لا سعفٌ فيكِ و لا بلحُ…” ص 41، نظرا لما حلّ بحمص من ظروف سياسيّة و اجتماعيّة قاسية، يصرّ شاعرنا على الأمل في غد أفضل، حين يستدرك الوضع المزري معلنا عن قدوم المرح:
“لكنّكِ أنتِ النّخلةُ آتيةٌ
من جبلِ الرّضْوَى…
حيثُ الصّفوُ تسنّى و المرحُ…
إذْ يومضُ في عينيْكِ رنينُ الحُزْنِ
و في يُسراكْ
ألمٌ و عناقيدُ سُهادْ…” ص 41/ ص 42 (أ)
تواصل مستمرّ في أمل أكيد قادم و إن جاء على مهل، و قد أشار إلى عدم فوز مسعى المبعوث الأممّي “كوفي عنان”:
“كفّي عن رحلةِ (كوفي)
تاهت رحلةُ (كوفي) في الدّوِّ هباءً…” ص 43 (أ)
لكنّ الأسطورة تخرج: “فالثّائر يخرج “عنقاءَ” هذا الطّائر الوهميّ اللاّوجود له، هل هو قنوط الشّاعر من الثّورة على الوضع؟؟؟
-حمصٌ… يا ابنة عاتكةٍ: تصبح حمص الجميلة، الكريمة، ابنة الشّاعرة و عمّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، تحميها و تهتمّ بها ملائكة العلياء لذلك يأمرها بعدم البكاء حيث ستتألّق و تكون سيّدة الوطن:
“لا تبكي حمصُ… أنتِ الوهجُ…” ص 45 (أ) و يأمرها بالصّمود و عدم الاستسلام و التّحلّي بالقوّة رغم العذاب الّذي تعيشه و يشهده العالم.
و لكأنّ الشّاعر يتبنّى مقولة المرأة المسلمة الّتي كان قد أسرها الرّوم في إحدى المعارك، حرّك على إثرها الخليفة المعتصم آنذاك جيشه لتحريرها إذ يقول:
“وامعتصماه” ص 46 فأيّ معتصم ينادي؟؟
“فالصّدعُ يُراقبُ في الأريافِ، و في
زاوية الأحراشِ صداهْ…
و يجرُّ الجُرحَ بلا سَقَمِ…” ص 47 (أ)
-من جديد يحدث شاعرنا حوارا بين “حمص” المدينة المنكوبة و بين ” جبل الشّيْخِ” و هو الجبل المحتلّ من إسرائيل، يشخّصهما و ينصّبهما حبيبين، ثمّ يدعو الجبل للثّبات و يكرّر الأمر ليؤكّد عليه و أنّه سينتصر لوجود ” رفاق”:
” اثبت جَبَلَ الشّيْخ…
فبينَ الأحراشِ رفاقٌ
فرّوا من دنس الظّلمة فيكَ-إليكَ…” ص 48 (أ)
و يحمل حلم اللّقاء به…
نلمس تأرجح بين الوجع و الحلم، بين اليأس و الأمل، فالشّاعر يعيش حالة غير ثابتة: هو الألم الحاضر للزّمن في تلك الفترة و هو الأمل في مستقبل أفضل و غد مزهر تنمحي فيه الأوجاع
و تندمل الجراح لأنّ الماضي قد حوى قوّة و عظمة:
“وامعتصماهْ…
حمصٌ أرملةٌ في أممٍ…
فقدت كلَّ خُصُوبَتِها…” ص 51 (أ)
مع أنّ الأمل في صحوة الإنسان تطوّقها الحيرة و التّذبذب، كأنّ الرّؤية تبدو غير واضحة إليه:
” هل يلتقطُ التّاريخُ الدّاعرُ بعضَ شظاياها؟؟”
-كانت كالطّفلة تلهو عاشقة: هي الطّفولة و البراءة و حالة العشق ذلك ما كانت عليه حمص، هي الماضي المزدهر يتحوّل كلّ ذلك ليمتزج الحلم بالدّم:
” تغتسل ( المغموسة) في الدّم بالأحلام.” ص 52 فأيّ تغيّر هذا باتت عليه و هي التّائهة في بحر الهوى حاضنة عذارى الشّام متجاوزة الظّلام؟؟
-إنّ الشّاعر يحمّل التّاريخ مسؤوليّة ما حلّ بمدينة ” حمص” إذ تحوّلت من حالة عشق إلى حالة حرب، ثورة و دماء، فيقول: ” و الجدران تمارس مكر التّاريخ” ص 54 و يضيف:
“حين تسلّل من عفن التّاريخِ و منْ
لعنة أحقادِ الماضِي من أغواهُ الملَقُ…” ص 57 (أ) و يواصل:
“تبصقُ في محبرةِ التّاريخِ، و أحداقِ الخُطَبِ…” ص 58 ليعلن:
“قولي يا أممٌ للتّاريخ، إذا التّاريخ صحا
ماذا بقي الآنَ من القيم…؟ ” ص 60 (أ)
لئن كتبت القصيدة في جوان 2012 يمكننا القول بأنّها كتابة بمثابة التّأريخ لتلك الفترة الزّمنيّة
و ما عاشته سوريا و أغلب مدنها و لا سيّما مدينة “حمص” من معاناة سكّانها و دمار و قد:
” ارتجّ الشّارعُ من لهبِ الشّعبِ منارهْ…” ص 55 (أ)
فهو يدعوها للانتفاضة فالفجر آت: “فانْتفِضِي… و انْتَظِري في الفَجرِ مَساري…” ص 55
” وسَيرقُصُ وادينَا…
للثّوْرَةِ في الأبْوابِ و يكتبُ ما
بينَ المَوْجِ حكاياتِ ظُنُونِي…” ص 56 (أ)
-و يتواصل حضور كلمة التّاريخ بين سطور الدّيوان و تطغى في قصيدة:
-” الأحذية السّوداء و أعراسُ العربِ” و هي مواصلة لوصف الوضع المزري للعالم العربي إذ يستمرّ الألم و الوجع ممتزجا مع شحنة الأمل رغم العتمة، و عدم وضوح الرّؤية:
” مَسْرَانَا دَلَجٌ في اللّيلِ إذَا
يَحْدُونَا الأمَلُ…
لَكِنْ في الصّبْحِ نَغِيبُ عَنِ الضّوءِ، و يبقَى
ما اسّاقَطَ منَّا دَجَلُ…” ص 64 (أ)
فهل تراه الأمل ينتصب مع ظلمة اللّيل تماما مثل الأحلام أو الأفكار الّتي تعترينا و حالما تنقشعُ الظّلمة تغادرنا الآمال مع الأحلام و تبقى مجرّد هواجس ليليّة؟؟؟
-” يا عفوَ التّاريخْ..” يستنجد شاعرنا حيث يتوجّه إلى التّاريخ مستعملا نداء مباشرتيّ و يكرّر النّداء ليرسم لنا الحروب الّتي عاشتها المدن العربيّة من ثورات و انتشار ” رائحة المسكِ، تعطّرُ أرصفةَ الموْتَى…” ص 68. هم الشّهداء و نضالات الأحرار تودّ التّخلّص من ” الوثن” باحثة عن التّغيير فتصبح أوهاما يراها شاعرنا، لا منفذ لها و لا أمل:
” كالأوْهامِ، تُلَوّحُ بالأعلامِ
و ترسمُ خارطةَ الأحلامِ…” ص 69 (أ)
العشق الممنوع للحريّة ربّما؟ إلى الإنسانية، أساس الوجود يمتزج بالموت ” في أذْرُعِ هاويةِ الرّقصِ على صهوات التّاريخِ” ص 71 ” إذا التّاريخُ تعفّنْ…” فأعراس العرب مترعة بالدّماء
و الأحزان جرّاء الثّورات…
يواصل الشّاعر العزف على وتر الأحزان و الشّجون نوتَتُه واقع عربيّ مرير في قصيدة:
-“واحات أشجار الملح في الزّمن الآتي” فالآتي أشجان و طوفان الحزن و عناكيب قُرَحٍ ” في أعطاب العرب” ص 81 (أ)
و كأنّه يصل آخر رحلة وجوديّة: هو القنوط فلا أمل و لا حلم يسكنه و هو على يقين تامّ و دراية و علم بغد مترع في العتمة: ” هيَ تعْلَمُ خاتِمَةَ الشّوْطِ بأَنْسَاقِ مَرَاميهَا…” فيؤكّد:
” لمّا شَرِبَ، اللّيْلَةَ كأسَ الوَجَعِ…
لمْ يَبْقَ سوَى الآهاتِ صَفيرًا و عَويلًا…” ص 83 (أ)
بالرّغم من أنّ شاعرنا قد بدا في غير هذا النّصّ يحمل الأمل درعا واقيا يحصّنه، يفيض الوجع في “واحات أشجار الملح”، و لعلّ اختياره لمفردة “واحات” دلالة على اتّساع المكان و الفيض من الشّعور، فالواحة بما هي أرض سهليّة شاسعة يكثر فيها النّخيل، و هي بقعة خضراء في الصّحراء أو في أرض قاحلة و أصبحت كذلك بسبب وجود الماء و الأشجار المعمّرة كالنّخيل… تتحوّل هذه الأخيرة لتصبح أشجار الملح، فأنّى للملح أن يكون أشجارا؟؟ و الملح هو كلوريد الصّوديوم يستخرج من ماء البحر بعد ترقيده و تبخيره في الملّاحات و يمكن استخراجه من طبقات الأرض الملحيّة، نجد شاعرنا يخالف المتعارف عليه من أنّ الأشجار: جمع شجر، و هي نبات يقوم على ساق صلبة و قد يطلق على كلّ نبات غير قائم لتكون أشجار الملح عوض أن تكون أشجار مثمرة… فيقول:
“أشجارُ المِلحِ المُورِقِ
تَخْرُجُ من طين لزبٍ…
تمرحُ فيه عناكيبُ القُرَحِ…” ص 80 (أ)
و يقول: ” أشْجارُ المِلْحِ من ورقٍ…” ص 81 ” و غوايةُ حارسِ أشجارِ الملحِ مُسجّاةٌ” ص 87 (أ)
يطمح الشّاعر و يصبو إلى الفرح لكنّ الأوجاع تتفاقم فلا يستطيع إليها سبيلا:
“تهوَى…
أن تحترقَ كلَّ ثقافات الحزنِ و آهات الوطنِ..” ص 87 و لا مجال للأمل:
” ما زال الفجرُ إلى الآنَ أسيرًا لمْ ينقَشِعِ…” ص 87 (أ)
-يعتمد الدّكتور “مفدي” في ديوانه هذا عبارة ‘التّاريخ’ في عدّة مواضع فنعرج على مفردة التّاريخ بما هي كلمة لها في اللّغة العربيّة عدّة معان، فهي تعني ” تحديد زمن الحادثة باليوم و الشّهر و السّنة كتاريخ الميلاد و تاريخ الاستقلال… كما تعني سير الزّمن و الأحداث أي التّطوّر التّاريخي كقولنا تاريخ تونس و تاريخ فرنسا… و لها معنى ثالث فهي تطلق على عمليّة التّدوين التّاريخي أو التّأريخ و ما فيها… فهي تعني تاريخ الرّجال أو سيّد الرّجال…”(6)
فيبدو لنا شاعرنا مؤرّخا ينقلنا معه في سفرة دامية مؤلمة:
-فالزّمن الآتي ألم و أشجان و قد شبّهها بالدّفلى و هي نبتٌ مرٌّ للتّعبير عن شدّة المرارة و عمق الأسى ” هو الّذي يُلملمُ أسمالَ التّاريخ…” ص 8 يكرّر مفردة ” الزّمن الآتي” ( ص: 59/ 77/ 80) ” وجع الزّمن المخصيّة ” ص 64 و لعلّه في تكرار المفردة و ذكرها صراحة تعبير صريح عن درجة و مدى خوفه و خشيته ممّا هو آت، من مستقبل قد يكون مغايرا لما يرتجيه أو يتوقّعه شاعرنا؟؟؟ ” فالزّمن هو شعورنا باستمرار حياتنا الدّاخليّة و الأشياء من حولنا و هو أحد أبعاد خبرتنا المتوافرة و واقعنا الّذي نعيشه ” (7) كما أنّه هناك زمن فلسفيّ أو نفسيّ لا يخضع للقياس لأنّه زمن شخصيّ نستخلصه من أعماق نفوسنا، من هذا المنطلق فإنّ ضرورة معرفة شاعرنا الدّكتور الفذّ و تجربته الوجوديّة هي المفتاح لولوج الدّيوان و استقراء رموزه و أقنعته.
-ما الذّي حدث سنتيْ 2012 و 2013 ليجعل قلم شاعرنا ينبض ألما و وجعا ينسكب على الورق؟؟ إنّه فقط بعض دغدغة الذّاكرة لنسترجع ما تميّزت به سنة 2012 من كثرة الأحداث على شتّى المستويات و في مختلف دول العالم، خاصّة الأحداث المتعلّقة بالنّزاع الدّمويّ المستمرّ في سوريا و التّوتّرات في الشّرق الأوسط، و ما كانت سنة 2013 أقلّ تأزّما بل تفاقمت أزمة اللّاجئين السّوريّين و استمرّت تداعيات الحرب في سوريا في التّأثير على المحيط العربيّ و الإقليمي ناهيك على نفسيّة شاعرنا العارف بشتّى تفاصيلها..
” قد يُقنُ في مجْراهُ و مرساهْ
أنّ الغوصَ على مقربةٍ منه بلا سفنِ…
رَقصٌ لصَبايا الشّامِ هُنا…
قدْ جئنَ لِمَلقاهْ…
لكنْ في المجرى أمواجٌ من مسدِ…” ص 86 (أ)
-” عشُّ القبّرةِ و بوَاّباتُ الرّيحِ”: لا شكّ أنّ شاعرنا يرسم لنا حالته النّفسيّة الّتي عاشها بكلّ صدق ممتهنا اللّغة وسيلته لدغدغة شعورنا لأن نقاسمه خلجات مكنوناته: كيف لا؟؟ و نحن عشنا تلك الفترة الصّعبة؟؟ إنّه يجسّد لنا مقولة: “إنّ الشّعر مرآة عصره” و أنّ الأدب مأساة أو لا يكون” و هو ما حدا به أن يهطل ألما بلغة فريدة ميّزته فكان ” كالطِّفلِ المذعورِ منَ الرَّسَنِ” ص 79 (أ)
كان منذ البداية يعيش لحظة مخاض، يعيش لحظة اختناق و لوعة، فمن أين يبدأ العويل أو البكاء أو سكب آلامه و جراحه؟؟ و هو الذّي يرى الجراح تتوالد و تتفاقم في كلّ مكان و في أيّ زمان فيقول لنا: ” تتنفّسُ أنداءَ العِشقِ، أراكَ، عشيًّا…
تتنفّسُ تكبيراتِ الوجْدِ هُيامًا…
في غسق اللّيلِ ندِيًّا…
و أشيمُ أنا زهرَ حفيفِ السّدرةِ
في كأسِ الخمرةِ…
تومئُ لي لا تَمسسْ…
كأسي مُترعةٌ…” ص 7 (أ)
يتحوّل إلى مؤرّخ أو شاعر سياسيّ ينقل لنا أحداث من واقع جدّ مرير، جدّ محزن، و بين الوجع و الوجع يقبع بع?

بقلم الناقدة الذرائعية : عبير خالد يحيي

ديموغرافية أدب الرحلة في النص الموازي المعنون ب ( الملتقى)
للكاتبة / وفاء ابراهيم عرار/
دراسة ديموغرافية طبقًا للمستوى المتحرك في الرؤية الذرائعية
تقدمها الناقدة الذرائعية د. عبيرخالد يحيي

• مقدمة :
تنقسم النصوص المكتوبة بحسب الأسلوب الذي تكتب به إلى قسمين أساسيين, وهما :
الأدب fiction, واللا أدب non fiction أو الأدب الإخباري( التقريري العلمي).
وينقسم الأدب fiction إلى : 1- الشعر 2- السرد
وينقسم الأدب إلى : شعر وسرد
وينقسم السرد إلى الأجناس السردية التالية التالية :
– الرواية
– القصة القصيرة
– القصة المكثفة
– المقامة
– المقالة
– المسرحية
– الخاطرة
– الرسالة
– القص المقالي
– المقطوعة السردية
– الحوارية السردية
– أدب الرحلة

وينقسم أدب الرحلة إلى جنس أدبي روائي ( يحتوي على بناء فني), وإلى مشاهدات ديمغرافية ( عندما يكون خارجًا عن السرد الأدبي).
إغناء:
نعني بالديموغرفيا خروج أدب الرحلة من خيمة العمق الأدبي الخيالي والرمزي باتجاه الإخبار, ويختص بهذه الحالة البينية علم الديموغرافيا.
وعلم الديموغرافيا (علم السكان أو الدراسات السكانية): فرع من علم الاجتماع والجغرافيا البشرية الذي يقوم على دراسة علمية لخصائص السكان من حيث العدد والتوزيع والكثافة والتركيب والأعراق ومكونات النمو( الإنجاب والوفيات والهجرة), نسب الأمراض والحالات الاقتصادية والاجتماعية, ونسب الأعمار والجنس ومستوى الدخل وغير ذلك في إحدى المناطق….. وتمثل الدراسات السكانية الطريقة المبدئية لفهم المجتمع البشري….
وهذا العمل الذي بين أيدينا, والمعنون ب ( الملتقى ) هو نص موازي, لأنه كتاب ( مسلوب الجنس, ينتمي إلى جنس يوازي الجنس الأدبي وأحيانًا يلتقي معه, ليس جنسًا من الأجناس السردية) وليس نصًا(شبيه بالنص وليس نصًّا), فهو مشاهدات عينية تختص بالجماليات اللغوية علينا نقده بشكل علمي, وهو ينتمي إلى مشاهدات ديموغرافية مقارنة لرحلة بين بلدين مختلفين جغرافيًا واجتماعيًّا وعمرانيًّا وجماليًّا, غربي وشرقي, بين الولايات المتحدة ( لوس انجلوس) وبين جمهورية مصر العربية( القاهرة – الأقصر – أسوان- الاسماعيلية- السويس), حيث قامت الكاتبة ( وفاء ابراهيم عرار) الدمشقية المتزوجة من مصري والمقيمة في أمريكا, بتسجيل مشاهداتها الديموغرافية بشكل عيني عن طريق عدسات التصوير بصور مختلفة, وتسجيل حرفي بقلمها الذي يقع بين التقريرية والأدبية.
فإذن هذا العمل جنسه أدب رحلة في إطار مشاهدات ديمغرافية .

• السيرة الذاتية للكاتبة :
وفاء ابراهيم عرار الملقبة ب وفاء لطفي في أميركا, كاتبة مصرية من أصل سوري, درست في جامعة دمشق في كلية الحقوق, تخرجت من جامعة اللونج يتش بكاليفورنيا كاخصائية أطفال في علوم الطفل, ومقيمة في كاليفورنيا, مارست التدريس في المدارس الأمريكية والعربية في الولايات المتحدة الأمريكية, متفرغة للكتابة والترحال حاليًّا.

• الاستراتيجية :
أرادت الكاتبة في مشاهداتها الديمغرافية هذه أن تحقق هدفًا مقارنًا بين محل سكنها الأمريكي ومحل منطلقها العربي, فكانت عيونها كاميرا تلتقط لكل مشهد صورتين مقارنتين ومختلفتين في البيئة والمنحدر الديموغرافي, وهذه الحالة- أقصد الديموغرافية- تميّز أدب الرحلات عن بقية أجناس أدب الروي( الرواية والقصة القصيرة والنوفيللا).
فهي تعقد هذه المقارنات بالسلب والإيجاب منذ أن وطئت أقدامها أرض مصر, والبداية من مطار القاهرة الدولي, من غياب أول صدقة من صدقات الترحيب عن وجوه موظفي الاستقبال المصريين, الابتسامة التي لا يمكن أن تغيب عن وجوه موظفي الاستقبال في موطنها الأمريكي, مع ذكرها للسبب البارادوكسي( المعاناة – الرفاهية), وكأنها تكتب مقالة عن اختلاف السلوكين العربي والغربي, تقول:

” مررنا بحواجز التفتيش على جوازات السفر, وفوجئنا بأن الابتسامة غابت من وجوه الموظفين من كثرة المسؤوليات والمعاناة التي يعيشها هذا الشعب, ومن كثرة التحديات التي تواجهها البلاد.. تحدثت إلى أحد الضباط, فروى لي كيف أنه نُقل إلى المطار بعد أن دمّر الإرهابيون عربته الخاصة, وكيف خرج منها سليمًا.. فقلت في نفسي كم نحن في المهجر مرفهين.”

• الموضوع: الديموغرافية:
في المشاهد الديموغرافية في أدب الرحلات, يجب أن يلبس الكاتب هذا النوع من الأدب السردي بثوب علمي يشمل الجغرافية والاجتماع والتاريخ والعمارة والهندسة وما شابه من العلوم الأخرى, يذكرها الكاتب بشكل حقائق علمية, وبمقارنة ديموغرافية بين البيئات المختلفة, مُقِرًّا بوجودها واقعيًّا وبأسلوب أدبي, وتلك محاولة صعبة لا يستطيعها إلا من أتقن الأسلوب الأدبي بعمقه الخيالي وبمباشرته التقريرية, لذلك أجد أن الكاتبة قد جاهدت كثيرًا في ترسيخ تلك الحقيقة المزدوجة بالمزج بين الإخبار والعمق الأدبي بشكل عفوي ينمّ عن موهبة عفوية لبلوغ التشويق بمقبولية مناسبة.
ولكن كاتبتنا في موضوعها هذا لم تمس جانب الرحلة الأدبي ببنائيه الفني والجمالي, حيث سلكت سلوكًا مغايرًا, سطّحت كتاباتها بشكل مذكرات عن مشاهداتها اليومية في تلك الرحلة, وسجلتها بعدسة الكاميرا والمعلوماتية وسنذكر بعض تلك المشاهدات بالتفصيل, ولا أدلّ على ما ذكرته آنفًا من قولها في بداية هذا العمل العبارات التالية:
” كان ذهابي إليها- مصر- لأتعرف على الناس في كل أنحائها, وأعيش معهم, ولأروي ما شاهدته عيناي, ولأحوّل ما أراه من صور- جميلة كانت أم قاسية في بعض الأحيان- إلى شريط ذكريات ينبع من عبق الماضي الجميل, لأنسج منه حكايات رأتها عيناي في كل مكان وطأته قدماي.”

• المستوى البصري:

العتبة الأولى – الغلاف :
الغلاف الأمامي: صورة فوتوغرافية للأهرامات, وعنوان العمل ( الملتقى) بالبنط العريض, وتحته اسم الكاتبة ( وفاء إبراهيم عرار) وتحت الإسم تجنيس العمل ( أدب رحلات) وسنة الإصدار ( 2015).
الغلاف الخلفي: صورة لمعبد فيله في جزيرة أجيليكا في أسوان. مع فقرة تلخص وتصف فحوى الكتاب, أقتص منها ما يلي:
” هذا الكتاب يروي كيف أن جذورنا تأخذنا إلى البعيد, إلى أبعد الذكريات, لنعانق الأرض…
وكيف أن حبنا للأرض يحملنا من غربتنا إلى الوطن لأنه مرسوم فينا, في أغانينا حتى لو تبنينا لغة أخرى, وواقعًا آخر, فالحنين يرمينا ويحملنا على العودة إلى الأم والرض التي تركناها لنروي كل الحكايات القديمة والحديثة, من هنا, من أمريكا.”

العتبة الثانية- هي العنوان:
( الملتقى) : ويعود إلى عنوان المؤتمر( مؤتمر الملتقى الرابع للشباب المصريين المغتربين) الذي دُعيَت إليه الكاتبة مع ابنتها ضمن الوفد الأمريكي وبمشاركة من قبل وزارة الشباب والرياضة المصرية في والمنعقد في الفترة من 22 ديسمبر 2014 وحتى 2 يناير 2015, حيث تجولت الوفود الشبابية -الآتية من مختلف الدول الغربية- في القاهرة والأقصر وأسوان والاسماعيلية والسويس, ومن خلال تلك الرحلة سجلت الكاتبة مشاهداتها الديموغرافية, فكانت الحصيلة هذا العمل.
يقع العمل في حوالي 122 صفحة من القطع الصغير, حافل بالصور الفوتوغرافية من مشاهدات اجتماعية وطبيعية وعمرانية وتاريخية حضارية للأمكنة المذكورة.

الإهداء : بسيط , خاص وعام :

الإهداء
إلى جميع المصريين المغتربين ..
إلى كل من جاء إلى الملتقى ..
إلى جميع العاملين على نجاح هذا الملتقى..
إلى الشعب المصري الأبي

والاستهلال :
كان تلخيصًا لهدف الكتابة, وتحديدًا للباعث والمحفز الذي كان الاستجابة له كتابة هذا العمل, تقول فيه:
” أردت أن أكتب عن مصر التي أعرفها, فوجدت أن مصر أكبر مما كنت أتصورها, وأني أجهلها.
قبل أن أبدأ الرحلة كنت منشغلة في فكرة السفر لأجتمع مع كل المصريين المغتربين القادمين من جميع أنحاء العالم, لنتعارف على بعضنا البعض, ولنوضح للعالم بأن مصر أأمن مكان يمكن أن يعيش عليه إنسان.”

حوى الكتاب على عدد كبير من الصور الفوتوغرافية ( حوالي 67 صورة) تنوعت بين صور اجتماعية, وطبيعية, وعمرانية, وتاريخية حضارية, وصور شخصية للكاتبة مع شخصيات سياسية وثقافية التقت بهم في رحلتها هذه, وصور لشباب الملتقى في أمكنة ومعالم أثرية, وكانت هناك بعض الصور المأخوذة من محرك البحث غوغل لأماكن تم منع الكاتبة زمن معها من التصوير فيها, مثل المعبد عزرا اليهودي في مصر القديمة. وكذلك مقبرة رمسيس الثالث والتي استعاضت الكاتبة عن تصويرها مباشرة بالصور التي كانت تباع على شكل موسوعة في محلات لبيع الآثار المصنعة للسائحين, وأرفقت الكاتبة مع هذه الصور الفوتوغرافية شروحات أدبية, وشروحات معلوماتية, ويعتبر ذلك تكنيك خاص بتلك الكاتبة التي استطاعت التفرّد بابتكار هذا الأسلوب التواصلي مستفيدة من منتوجات التكنولوجية الحديثة, حيث اختلفت مشاهدات الكاتبة عن المشاهدات الكلاسيكية التقريرية, بوجود آلة التصوير, وموسوعة غوغل المعلوماتية.
تحدّثت الكاتبة عن رحلتها التي استغرقت حوالي أسبوعين, بكل أحداثها اليومية ومشاهداتها وانطباعاتها, ثم وجهت رسائل شكر إلى أشخاص بأسمائهم وأوصافهم, ولم تغفل عن ذكر الصعوبات التي واجهتها لاستخراج رقمها القومي, ثم أنهت كتابها بجملة من المدركات والنتائج الواعية التي أوصلتها إليها هذه الرحلة العجيبة التي استولت على لبّها فأبهرته, وعلى عقلها فملأته حكمة وعلمًا ويقينًا, تقول :
” تتعود عيناي كل هذا الصخب ولكن الأماكن في مصر الحبيبة تشدني وتبهرني لشعوري بأن هناك حياة فيها دفء وحب, وتارة فيها قسوة من الفقر.. لكن المدن في جميع أنحاء العالم مليئة بالناس من كل الأجناس فمنهم الفقير ومنهم الغني ومنهم المتوسط الحال, والقاهرة عينها لا تنام كما في لوس أنجلوس, بل تبقى عينها ساهرة على ضفاف النيل , وفي كل مكان.. وأنا ما زلت أعتبر مصر هي أأمن مكان يمكن أن يعيش عليه الإنسان…
وتحيا مصر”.

• التكنيك:
قلنا أن الكاتبة ابتكرت تكنيكًا خاصًا بها, وهو إحلال الصورة الفوتوغرافية في مشاهداتها الديموغرافية لتكون بديلًا للوصف الجغرافي في أدب الرحلة الكلاسيكي, وأرفقتها بشروحات أدبية تارة, ومعلوماتية تارة أخرى, تثبيتًا لحقائق علمية ديموغرافية, وبذلك قامت الكاتبة بتسجيل مشاهداتها الديموغرافية بشكل مرئي عن طريق صور عدسات التصوير, وتسجيل حرفي بعدسات القلم, محاولة منها كتجربة عصرية بإدخال الصورة الفوتوغرافية كبينيّة مع الصورة المكتوبة, وسنأخذ بعضًا من تلك الصور بالحالتين لنعيش معها رحلتها:
اخترت أربع صور عن بينيّة هذا التكنيك:

1- مشاهدات طبيعية :

استطاعت صورة نهر النيل في القاهرة التي التقطتها من الطائرة أن تثير فيها جملة من المشاعر سكبتها على بياض الصفحة السابقة لصفحة الصورة, بجمل تقترب إلى الأدبية أكثر من التقريرية:
” … حلقت الطائرة فوق مدينة القاهرة بشمسها الدافئة المشعة على أراضيها الخصبة الخضراء, وصحرائها الذهبية الملساء, عندئذٍ أدركت بأنني في بلد النيل والأهرامات, زمن تقتُ إلى لقياه.. زمن غير الزمن الذي تعودته عيناي, فيه غبار وتراب السنين المترامية فوق المباني القديمة والشوارع المكسوة بالإسفلت..
كنت أشعر وأنا أنظر من الطائرة بأن النيل عظيم وكبير أكبر مما كنت أتصوره, وكذلك المباني المحيطة على جانبيه التي تكاد تزيده جمالًا وعظمة. كنت أعتقد بأن رائحة الماضي تصل إليّ وأنا من على متن الطائرة.”

2- مشاهدات اجتماعية:
حينما وجّهت الكاتبة عدستها باتجاه المستوى الاجتماعي تألّمت, وقارنت ديموغرافيّا بين بلديها, مصر وأمريكا, فكانت مثقلة بتعاسة الواقع الاجتماعي المصري المسكون بالفقر والجهل والمرض, تنشرالصورة التالية وتمدّها بشروحات واقعية تقريرية بإرهاصات لإنسان عربي مخلص لجلدته, ولم تسلخها الغربة مهما تعمّقت فيها, تقول:
” رأيت بيوتًا ومباني غير مكتملة مسكونة من زحمة الناس, كان كل منها يروي حكاية ومعاناة.. الجوع والفقر والجهل.. تلك أكبر مشاكل مصر.
رأيت الغسيل على أسطح المباني أو متدلي من الشرفات , والشوارع تضج بكثرة الأصوات والأغاني المدرجة في أكثر المحلات .. والباعة المتجولون منتشرون في كل مكان فلا يوجد رصيف ليمشي عليه إنسان, فتارة تعلوه السيارات المصطفة, وتارة أخرى حفر وانكسارات في طوب الأرض, أو بائع متجول احتل المكان وفرش بضاعته على الأرض”.

3- مشاهدات عمرانية :

وهي من المشاهدات التي لاقت عند الكاتبة إعجابًا شديدًا, وإن كان لها عليها بعض الملاحظات الطفيفة, أبهرتها دقة وسرعة إنجاز هذه المباني التي اختلط فيها الحديث بالقديم تحت مظلة العراقة والفخامة, ودقة البناء وسرعة الإنجاز, تقول:
” كما رأيت مباني عريقة وفخمة تتسم بالفن المعماري الحديث في شوارع متسعة وأحياء نظيفة, وكذلك أبنية قديمة مزركشة لها طابع أثري وفني قديم, فقط تحتاج إلى تحديث, تجمع الحاضر والماضي الجميل.
كما لفت نظري في القاهرة عظمة بناء المنشآت والفنادق المخصصة مثل دار المشاة ودار المدفعية ودار المدرعات ودار الدفاع الجوي, فجميع هذه الدور فنادق رائعة في أصول البناء والفخامة من حيث الإنجاز.

4- مشاهدات تاريخية وحضارية :

عند الحديث عن المشاهدات التاريخية والحضارية استخدمت المعلوماتية التاريخية, مع الشروحات التقريرية, هذا ما أرفقته مع صورة وادي الملوك في مدينة طيبة القديمة (الأقصر):
” …. يقع وادي الملوك في مدينة طيبة القديمة على الضفة الغربية لمدينة الأقصر. وهو عبارة عن مقبرة قديمة فيها مقابر الأشراف, وهي أكثر من 411 مقبرة محفورة في الصخر. دخلنا ممرات ودهاليز طويلة وسلالم مرفوعة عى أعمدة داخل الغرف, وعلى الجدران رسومات وزخارف وصور بأجمل الألوان نقشت بأيدي الفراعنة تحكي حكاياتهم اليومية, وقد عثر على 62 مقبرة وعشرون هوة ولم يتنهِ العمل بها, سبع منها في وادي الملوك الغربي الكبير , وبقيتها في وادي الملوك الشرقي, كما تم اكتشاف مقابر لأولاد الفراعنة….”

• التجربة الإبداعية للكاتبة :
هل هي تجربة متكاملة, أم مختلطة, أم ناقصة؟
هي ليست تجربة متكاملة لأنه لا يوجد فيها بناء فني, لكنها تجربة عصرية لم يمسها أحد من قبل, تفردت فيها الكاتبة بالجمع بين عين العدسة والعين البشرية ةعين القلم لتكوين صورة واحدة تشرح إرهاصات الكاتبة الإنسانية.
عندما نقول عن نص سردي أنه أدب يجب أن يكون متصفًا بصفات الأدب, وأولها :
1- أن يكون جنسًا أدبيًّا, كأن يكون قصًّا أو رويًا أو مقالًا, لأن الأجناس الأدبية تحمل صفة الأدب
2- والمنجز الأدبي يحتوي على عناصر الجنس الأدبي وهي :
– البناء الفني: الذي يحوي الزمكانية والصراع الدرامي والعقدة والانفرج والنهاية إذا كان رويًا أو قصًّا وبجميع أشكاله, سواء أكان أدبَا روائيًّا أو أدب رحلة .
لم يتواجد من هذا البناء في هذا العمل إلا الزمكانية, فهو عمل مسطّح يقع بين المقال والمذكرات, لكنه يجرنا نحو أدب الرحلة بشكله الزمكاني العام, وتكوينه الداخلي, لذلك تبنى الديموغرافية كخيمة يتقي بها الانزلاق الكامل نحو التقريرية.

– والبناء الجمالي : وعناصره هي :
السرد, والأسلوب, الشخصيات , الحوار, والجمال اللغوي وعلم الجمال
3- الأسلوب: يجب أن يحمل العمق الأدبي ( السيمانتيك والبراغماتيك)
كما أنها ليست ناقصة, هي تجربة مختلطة بين التقرير والعمق الأدبي, حيث عملت الكاتبة بين حالتين, بين الأدب والتقرير, ولو مالت نحو التقرير كما فعل ابن بطوطة لأصبحت جغرافية, لكنها مزجت بين الأدب والتاريخ والجغرافية و العلوم البشرية بأسلوب أدبي, لإقرار الحركة التبادلية للأدب مع العلوم المحيطة به, بذريعة أن كل العلوم تُكتب بالأدب كوسيط لغوي لها, وتلك العلوم تحيط بالأدب بشكل تبادلي, استطاعت أن تمزج بين الكلاسيك التقريري والديموغرافية الحديثة بأسلوب أدبي حديث, وهذه نقطة تحسب لها, هي وقفت في منتصف الديموغرافية الأدبية, قدمت من بلد تقيم فيه, ونزلت في بلد تنتمي إليه, أي قسمت بين مساحتين, عليها أن تجد العلاقات الإنسانية والعمرانية والجغرافية والتاريخية والجمالية بينهما, وهذا عمل معقد يجب أن يحمل صاحبه عيونًا كعدسة الكاميرا ليعطي صورًا مختلفة أو متقاربة, ليضع نفسه كمحور مشترك بين بيئتين, البيئة المصرية والبيئة الأمريكية, وأن يظهر درجة انبهاره في أيهما. وقد نجحت الكاتبة -إلى حدّ ما- في ذلك.
• الجانب الأخلاقي :
كانت مفردات الكاتبة وألفاظها مهذبة تنتمي إلى الخلق العربي أكثر منها للأخلاق الغربية, لم تذم عرقًا, أو تتدخل في صراع ديني أو مذهبي أو طائفية, فكانت درجة الأخلاق في نصها عالية في مقياس المنظومة الأخلاقية الإنسانية العالمية.
• الخاتمة:
بعد سفري الطويل في هذه المشاهدات السينيمية, أجدني وضعت رأيي الذرائعي في كل صغيرة وكبيرة من هذا الموضوع البيني الذي يجمع بين العلم والأدب, على قدر مبلغي من العلم, لذا أقدم اعتذاري عن أي هنّة أوغفلة أو هفوة بدرت مني, التقصير مني والكمال لله وحده, وتحية احترام وتقدير وثناء على جهد الكاتبة وفاء ابراهيم عرار في إنجاز هذا الكتاب.
#دعبيرخالديحيي

بقلم : سلوى محمد بونوار

🧚‍♀️نحلة
وفراشات🧚‍♀️

مِنْ مهرولة مسرعة
جاءني خبر..!!
يامن تنامين نومة الثمل
الا تعلمين المستتر..؟؟!!
انه يمازحهن تحت ظل
فاكهِ يتظلل….**
حواليه هن يتناثرنْ..
سمراءهن شقراءهن ..
الطويلة والمعتدلة …**
هيا لتري اليقين
المستطرْ…؟؟!!
تبسمت بمكر..
واجبت دعيهن..
يحلمن ..**
رجل هو له حق النظر..
والمتعة وبعض السهر..**
انه مثل بستان زهر
لاعتب عليه
سحره عبق ..
يشد إليه كل الأعينْ. ***
ما أعيب إلا القلب إن
جانبنا وعنا رغب..
او فينا زهدْ..
انهن كالفراشات…
اي…
مزركشات متلونات..!؟؟
لكن العبرة بمن
يغرقه عسل..؟؟
انهن البلهاء والخرقاء..
لايتقن فن الارتواء ولا مهارةالجذب..!!؟؟
آخرهن الشظى واللهب ….**
يتطايرن
ويقفزن..**
لكن الرزانة في النحل..
تمتص الرحيق..
من جوف الورد..**
من الجبال والسفح..
مسعاها جد
شهدها بُرء…**
زكاها الرحمان في
اللوح والكتاب…
والفراش ذكره في هول
القيامة
واليوم النحِس ..**
أُكلهُ
غير مجذوذ
واهن مبثوت.؟؟**
ياعديمة الافهام،،
انا المتجذرة في الجنان …
انا ربوته اليانعة..
و شجرته الغناء..**
هنَّ فرع مهما
علا ..للسقوط آيل…
لهن بضع سويعات..**
وانا له في كل وقت
وأوانْ…**
هن موسم ويندثر**
ولي هو على مدار
الزمان…
صيفا وشتاء..**
لامنعٌ ولا انصرافْ…**
ب✍سلوى محمد
بونوار

بقلم : أحمد بياض / المغرب

من ديواني الثالث
*شمس الهجير*

/جفن الرماد/
شيع البابليون
حصن الورد*:
هياكل شموع
على الصليب.
تعبث الريح
بتعب الأوراق؛
متاهة
في سرايا الليل.
غاب تيموز
عن ريش الزهر.
أنين مساء فارغ:
مدام جرعة الغروب…
شفتاك الرتيبة
تتلو
رماد شوقي؛
وأنا الغريب
في ترميم الذاكرة؛
أقتل الصمت الرتيب
برواية آخر أسطورة:
هذيان
على نجمة الريح…
آخر نسمة
عتيقة:
شهادة طفل.

ذ بياض أحمد المغرب

*أشير إلى حداىءق بابل تم هناك تناقض فعلي…..
تحيتي

بقلم : باسم عبدالكريم الفضلي

…..{ انتِ عراق مؤجل ..} ………
حين التفتْ هزيع هشيمي
لامنيات الافياء الوارفة الظلال
.. ، و كانت خطوتك من حيث لازمان .. سوى انت..
مسرى الوعد .. ،
لم ير ذات الصدى للآن ..
وايماءتك
.. انعطافة ركوني الدهري
.. لسر خلودي الابدي
… و … لامكان ….
..اندياح صدفوي لضوئك
..فاذاي اتلمس انطفائي
غضوناً متعكّرة السواقي
في وجه حقيقتي المذرورة
في فيافي الخطوط الحمر
…. لاغير وصية بتيمة خلفتها صبوتي
بان ارتعاشتي تنام بين اشواك
شغاف شفاهك أليلجمُها
… حواريو الفردوس المحرَّم
… على طيور قُبلتي / اين كنتِ ..؟؟
… ثم / اين انا ..؟؟
وانا
بداية النهايات …
وانت
نهاية البدايات …
…ثم / لِمَ جئتِ ..؟؟
(الماذا ) ..حين تُنقَّى
من ادران الاشتهاء …
تتعفّر في بحور الرجاء …
…/ متى / اين / ……؟؟؟
اصفرارية الخلجات
ذكرىً حنون
تستمريء الانعتاقَ المغلول الفم
………………../ دوامة رمادية الشفاه ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ/ باسم عبد الكريم الفضلي ـ العراق

بقلم : أحمد الشاهدي أرميل

قصيدتي

((( سنة سعيدة )))

سيل من التهاني
بالسنة الميلادية
فيض من الأماني
بلغة شاعرية
لأمة تعاني
التفرقة والتبعية..

يا أمة يعرب
استكنتِ للسبات
ارتحتِ للشتات
وذبيحةً رقصتِ
للنغمة الغربية..

في كل عيد
تحكين
عن ماض بعيد
وتاريخ مجيد
وتغفلين
عهدك الجديد
عهد المهانة والتشريد..

يا أمتي
متى تستعيدين
مجدك التليد ؟
وترفعين الهامة
علية من جديد!!

جرح الشام
دم و صديد
وبلاد بلقيس
ماعادت اليمن السعيد
والعراق الشامخ
لوحدته تهديد
ليبيا المختار
جرحها كل يوم يزيد
و تونس الخضراء
تحاول التعافي
بلا دعم ولا سنيد..

يا أمة أهلها
بين طريد وشريد
أعُقمٌ أصابك
فعجزت عن رشيد
لا !!! و تولى أمرك
عاجز و قعيد…

صرت عاهرة
شرق وغرب
بجسمك
يفعل ما يريد
ما يجدي البكاء ؟
ما يجدي النحيب ؟
على أمة تفرقت شيعا
وتقول هل من مزيد ؟

أبعد هذا
تهانينا بالعيد السعيد
تهانينا بالعام الجديد
وقد ذُبِحنا
من الوريد إلى الوريد….

بقلم : أحمد الشاهدي أرميل.

بقلم : عبدالعزيز أبو رضى بلبصيلي

قصيدة بعنوان:…..لحظة في الأزل ……
بقلم عبدالعزيز أبو رضى بلبصيلي.
آسفي… المغرب.

كان لنا مع الأزل موعدا
بالأمس أهدانا كتابا جديداً
إستقبلناه بالإحتفال و الأمل.

كتاب صفحاته عذراء
سيطويه التاريخ كالبثراء
سريع الخطوة لا يعقل.

صفحاته أيام ستملأ
والمسيرة من الآن تبدأ
موكب دموع أو نسيم من القبل.

فلأي ضفة ستلجأ
أنت حر…من حيث المبدأ
أختيار حسم…لا يعطل.

هي سنة…كالكتاب
إما نعيمٱ…أو عقاب
يدمع العين كالبصل.

وقد تتهم كف القدر
بالإفتراء.. والإدعاء..والجور
وتحمله …ما يحصل.

لننثر الورود في الصفحات
ونهتف…بعشق تحيى الحياة
فالعمر ثوب في تسلل.

ونوقع عنوانا بالسعادة
فرحة بعمر و عبادة
رزق من الخالق لأجل.

فالعمر أروع هدية
تطفئ روحه مقلة باكية
ونحن ضيوف لحظة في الأزل.

بقلم عبدالعزيز أبو رضى بلبصيلي.
آسفي… المغرب..3.1.2020.

بقلم : سعيد محتال

يوما ما
يوما ما سأهجر الألم
سأرسم قلبه بلون الدم
أرمي به في جُبّ اليأس
يحيا بمفرده بين ركام الهمّ
يرتجف تمزقا كحبات الرمل
يتغذى على ملوحة ماء البحر
يتذوق مرارة الفقد
ولن يتذكره أحد،
أُلقي عليه القيود
من فوق الشمس
يأبى حضور جنازته
جن وإنس
سعيد محتال

بقلم : ربيعة الزيات

—- لست بشاعرة ——-

لست بشاعرة كما ينبغي
وها أنذي اذم شعري
أتبرأ من هذا الإحساس
الجاثم على صدري
ليت شعري اي احساس حرم
واي حروف من خداع قدم
في بناء روح
بهذا العفن
في أسطورة البقاء
يخلع رداء البراءة
مسخا… دميم الملامح
كوجه بائعة الهوى
في صباحها الكئيب
ليت شعرا دون شعور
هذا الغبي في كف البلادة
يرجو التئام الجروح
بنظرة شفقة
من غريق
يستنجد بقش
ويح شعر يكتب الحب
باحمر الشفاه
على مرايا الملاهي
وطاولات القمار الملونة
وعلى جيوب السكارى
أيها اللقيط المتخلى عنه
قصدا. .
بين بقايا بعض البشر
لن تعترف بك كتب الاحساس
لن تعترف بك سريالية المهابة
لو كنت حرا كما يدعى
لكتبت الحرية بدم الشهيدة
لتوقفت الحروب البليدة
و لبست الإنسانية
رداء الكرامة
لو كنت نثرا كما يقولون
لنثرت الحب والوئام
لينبث السلام
و يعم الرخاء
في وطني
……. والشهامة
لو كنت فصيحا لفككت
عقدة الصمت
لتوحد الكلمة
وتصير فلسطين حرة ابية
أيها الرخيص كقطعة هشيم
هوت في مكان سحيق
تبا لك ولعقمك الأبدي
لا حريتك المسلوبة
أيها السجين
في جب الخبث
لا لنثرك أيها المنثور
كعقد رخيص في الوحل
داسته أقدام البغاة
لا لفصاحتك البكماء
الأمية الجاهلة
بقواعد الإنسانية
لا لن اكتبك حبا
في بؤرة الحروب
والأحكام السلبية
لن اكتبك كرامة
على جبين الأبرياء
ولا حقا في كف الشرفاء

لانك لست اهلا للشرف
بعد أن كتبت
على خد الوقاحة
انتصارا. ……
سحقا لاحساسك المنعدم
انعدام العدل في زمن
مساحيق التجميل….
…بقلم ربيعة الزيات…..

بقلم : عبدالرحمن بكري

حلم .. عبر

والحلم إذ عبر …..
ذاك اللقاء
على رصيف اللهفة
تذوب الحواس خلف الشمس
تترقب طيفا زأر ..
من عبق السماء
بعض من تفاصيل الصبح
والصيف يلتحف إزاره
يحصن مكاسب الفرح
والزمن يطل من موقعه
يشهد ولادة فجر
في مدائن الوصال
أزرق يمتد في البيضاء
يستعيد بعض من الصفاء
لعناق انصهر …
والبحر على مرمى بصر
تتربص بنا أمواج هذا الزوال
تأخذنا صخب الاصطفاق
إلى مآذن الشرق
يسابقنا الشفق
في اعتناق السفر
أرسم ملامح الصورة
في مسالك الغير
نتوسد حلمنا في الأفق
بسمة في وحدة الوطن
لعل لقاءنا يتكرر
ونعقد تمائم الأمنيات
بخيوط تعاند الريح
في شموخ الشجر

عبدالرحمن بكري

قراءة نقدية بقلم : Boubakr Hafsi

قراءة نقدية : لقد ٠٠ مات الحفار !
بقلم الاستاذ : Boubakr Hafsi
قراءة رائعة للناقد المقتدر بوبكر حفصي فكك فيها رموز النص وفتح مستغلقاته برؤيته النقدية الثاقبة وتصوراته الفلسفية الخاصة ، شكري استاذي لقد جعلتني أنظر ما كتبت بمنظور آخر .
——————القراءة ——————————-
كثيرة هي الأشياء التي تتعايش معنا ولا نوليها الأهمية التي تستحقها من تناول إبداعي ، وأن تحتل مكانة في اختيارات المبدع من حيث هي موضوع بحث لا يقل متعة وإثارة هذه المرة يضعنا Salah Hachcham
في مواجهة الحفار :
الحفار بما له من ثقل دلالي يخبرنا بنهاية الحفار ،وأية نهاية لما تثيره فينا من انقلاب للمشهد ، إذ كيف لمن مارس النبش والحفر والردم لزمن طويل أن يكون هو نفسه من ستمارس عليه نفس الأساليب!
تتراكض الاحتمالات وتتعمق الدهشة ، ونحن نتلقى الخبر . يدخل مبدعنا في مطاردة الإشارات والدلالات العاكسة للحظة تقبل الخبر
ليجف الريق ،ويتلاشى البريق ، ويضعنا في مواجهة أخطر الأسئلة وأقربها إلى الذهن
كيف مات الحفار ؟
وهو الذي خلناه لا يصلح للموت وقد نتمادى في المبالغة وتقدير الأسماء والصفات ،السؤال الاستفزاري يسرع من نبضك ومن نسق السياق والبناء النصي لندخل ومبدعنا في لعبة تساقط الفرضيات :
أهو وهم أم هم تحمله بين ضلوعك ؟
لا يقف عند دهشة النفس، وبريق العين المختفي لينزل بنا الكاتب صلاح هشام درجات السلم درجة ، لنتحسس وإياه الأطراف نأخذ نفسا لمواجهة الهلع ونحن في حالة نزول وصعود لا ينتهي لا خلاص منه إلا بالفرار من كابوس الحقائق ومحاولة التنصل من صرخات الذاكرة !
لا حل إلا بتغيير أرشيفها هو وحده الضامن للاستمرار في مواجهة مطاردات وإلحاحات السؤال.
تتسارع الاستدراجات كاساليب وتقنيات يتبعها مبدعنا لممارسة سلطة الحكي ، وشد انتباه المتلقي.
الإجابة تأتيك في ضوء القمر، قد تعتقد إلى حين كونها الحقيقة والحقيقة قد تتحول بدورها إلى وهم حينما نبالغ في الوثوق بها تحاصرك الحمى والهذيان المحموم، يضعك في مواجهة الأنت تواجه خطر الاعترافات ،أنت أمام شمس العالم: شمس داخلك وكأن الشمس التي نلمحها ليست إلا ظاهرة فيزيائية لا غير والشمس الحقيقية هي تلك التي تستوطن أعماقنا،هي حالة المكاشفة والمصالحة والعري التام ونحن نقف أمام المرآة بلا تزييفات ولا أدنى رتوش كما نحن، حيث تغيب الألوان والمساحيق أن تتوقف عن أي محاولة تجمل
لا زرقة بحر لا أرض لا سماء لا هدير أمواج لا صخب لا ضجيج .
أنت فقط من أجل مهمة وحيدة في مواجهة لسؤال يطاردك كظلك:
من قتل الحفار ؟
فمن سيدفن موتانا إذا مات الحفار ؟
هل نحن أمام موت جماعي محقق؟هل نحن أمام انتحار كوني كدعوة شوبنهاور في مثل هذا التورط الجماعي!!!! ؟؟؟
أنت وحدك من ستنفذ مهمة الحفر ومن ستلقي بنفسك إذ لا خيارات أمامك تتهاوى كل احتمالات التراجع عن لعب نفس دور الحفار ففي غيابه كلنا حفارون إذ يستنجد مبدعنا بخليل حاوي:
عمق الحفرة يا حفار!
عمقها لقاع القرار!
يتوسل Salah Hachcham بكل شئ من أجل اختلاق نص يعج بالرموز وبالإحالات والاستعارات والاقتباسات.نص وجودي ليتعداه إلى ما هو معاش ولحظي في زمن تناسلت فيه الرداءة وغزت واكتسحت رياح الدمار كل شيء
البحث عن الخلاص أمام فرضية موت الحفار محاولة فاشلة بالأساس.
قد تحشر مع أطفال السياب تسعى جاهدا للخروج من أنقاض السؤال الذي انهال عليك فجأة وكدس من فوقك ركاما كثيرا غطتك الأتربة وحجبت عنك ضوء آلشمس،عليك أن تستحضر نشيد المطر نشيد الأطفال الأبدي
تتواتر الأسئلة وكل سؤال يفضي بك إلى إجابات لا تقل خطورة!
نص متاهة لا يقرأ إلا بانفعال وتوتر كبيرين!
———————————————————
خاطرة : لقد مات الحفار!
بقلم الأستاذ صالح هشام !
يجف ريقك ، يتلاشى بريقك ، يتحجر سؤال عريض ٠٠٠ غليظ على شفتيك :
-كيف مات الحفار ؟
يتكوم السؤال على نفسه أمام عينيك ، تحار في أمره أهو وهم أم هم تحمله بين ضلوعك ؟
تتكور الإجابة على نفسها ، تنغلق ذاكرتك ، تسود سراديبها ، يغبر أرشيفها ، ويمحى ما علق على جدارها ، تستعصي عليك الإجابة فتضيع في متاهات السؤال من جديد :
تفرك قبضتيك ،تأخذ نفسا عميقا ٠٠ تسترخي ، تعيد التنفس عميقا ، تغمض عينيك ، تقطع حبل صلتك بواقعك!
تأتيك الإجابة ، في ضوء القمر ، تخبو وتضيء وتتلاشى تماما ٠٠يحضنك هذيان محموم من جديد !
تغمض عينيك : إنك أمام شمس العالم ، شمس في قلبك :
لا زرقة بحر ، لا مستقرا ومثوى ، لا هدير أمواج ! تتصورها في قلبك ، في جوارحك ، في كل خلية من خلايا ك ، دماغك يصيبه الاهتراء والصدأ ، تبحث فيه عن حقيقة ضائعة في نفسك :
-من قتل الحفار ؟
عالمك مثخن بالجراح ، شمسك تغرب في قلبك ، يأتيك همس عبد الرفيع الجواهري :
غربت شمس العالم في القلب !
فاحفر قبرك ، مات الحفار !
تتساءل :
– فمن سيدفن موتانا إذا مات الحفار ؟
-احفر قبرك، احمل نفسك، ادفن نفسك بنفسك، فقد مات الحفار !
عمق حفرتك، عمقها لقاع القرار ، يجيبك خليل حاوي:
عمق الحفرة يا حفار !
عمقها لقاع القرار !
حقيقة موت الحفار نجمة ، بقايا نجمة ، شظايا نجمة ، مدفونة خلف المدار ، و أنت مكسور الجناح ، لا حول لك !
لا تأسف ، ربما موت الحفار نهاية العالم ، نهاية الحفر ، لا قبور ، جثتك أولى بها النسور ، حقيقة عالم محموم :
تخرج من قوقعة نفسك ، تبحث عن خلاص مستحيل تحشر نفسك في جموع أطفال السياب ، تتلمس فيهم براءة طفولة تنشد غيثا ، تنشد حياة ، لا تشعر بموت الحفار ، تجهل يوما قادما ستحفر حفرة قبرها بنفسها ٠٠
تند س في جموعهم ، تشعر بالراحة والارتياح ،تنشد نشيدهم ، نشيدا فيه حياة ، فيه أمل :
يا مطرا يا شاشا !
خبر بنات الباشا !
يا مطرا من ذهب !
تكتشف جمال حقيقة عالمك المجنون، في جمال مطر من ذهب يسقي البهيمة ويحيي الحقل ، يصون جمال الجمال في نفس إنسان ضائع ، هائم ، يبحث عن الحياة :
رقصا على الضباب !
قبضا على السراب!
تشعر بإنسانيتك ، معذبة ، لاتجني إلا العذاب ، تريد الخلاص من وهمك ، من همك ، تحتمي بالأطفال تمسح خيبتك بأسمالهم٠٠ تطلب السقيى، تطلب قتل ( الوهم / الهم ) في نفسك الضائعة ، تبحث عن حقيقة إنسانيتك ، في نشيد الأطفال ،علك تجمع شتات نفسك ، المتشظية من عذاب السؤال :
آشتى تاتا… تاتا!
آوليدات الحراثة !
يا ربي اعطينا الشتا !
تقاوم صراخك المكتوم ، وتبحر بعيدا مع الملاحين ، يروقك هدير الموج ، وقعقعة الرعود ، وبريق البرق ،وتنتشي بصياح نوارس البحر ممزوجا بملوحة رضابه ، برذاذه الناعم ، بحر ممتد إلى ما لا نهاية ، تهبط وتعلو مع الموج ، تنسى ، همك ووهمك : لحظة زئبقية ، تسلم ..تستسلم .. ترضخ ، لحقيقة وهم الحقيقة ،لحقيقة هم الحقيقة !
تترك نفسك تنساب في جداول الزمن ، علك تعثر على إجابة شافية لسؤال تحجر على شفتيك حتى أصابهما التشقق:
-من قتل الحفار ؟ من سيدفن موتانا ؟
هل في جمجمة قديمة طواها النسيان ؟ ، هل في كتاب مصفر مهتريء ؟ هل في مكتبة الموتى ، هل في شظايا جسم طفل بريء غذرت به قذيفة غادرة طائشة ؟
لن ترتاح ، و لن تريح نفسك وغيرك من حر السؤال !
قد ينبلج الفجر يوما في نفسك ، وتشرق شمس قلبك ٠٠ لكن احفر حفرتك ، فقد مات الحفار ، فلا دافن ولا مدفون بعد اليوم ، نفسك تملكها منك شر لا مفر منه ، فنفسك رعيتك ، وأنت راع مسؤول عن رعيتك !
بقلم الاستاذ : صالح هشام
–السبت 9 نونبر 2016 —

بقلم : حسن رمزي الناصر

صراع الشوق ……

العشق يقتل والتزلّف يخدع
والقلب دونهما حفيّ يدمع

يتناوبان فراق سٌهد مروّع
هذا ينوح بها وهذا يجزع

يغدو لأذرف من أنين مودتي
وينوء وجدي بالبكاء فأخضع

يحلوالهيام لفاضل أو خاسئٍ
مما بدا يُفري وما يتضوّع

تتعمّق الأبار في قيعانها
دهرا ويلحقها الزوال فتمنع

ردّو بكايَ إن استظلّت فرحة
دَمَعت تذرّ وقد تهاب فتقمع

قد بت أعزف كل حب نازح
حتما طغى الشوق الذي قد يصرع

رمزي الناصر

بقلم : محمد الزهراوي أبو نوفل

أشْتاقُك

ثِقي..
أنَّني ما دُمْتُ
أحْيا لا أدْري
كمْ سَأظَلُّ
أشْتاقُك؟
إذْ لا حيلَةَ
لي أمامَ غِيابِكِ
الأبَدِيِّ وَأنا
ضالٌّ كغَجَرِيّ..
بَيْنَ كُلِّ
سيقانِ النِّساءِ
كعاشِقٍ كوْنِيّ..
حائِرَ الرّوحِ
أوْ مَسْلوبَ
الإرادَةِ؟..
أشْتاقُكِ أنْ تَأْتِيَ
مِنْ سورِيّةَ المَغْبونَةِ..
عابِقَةً بِشَدى الْياسَمينِ.
مِنْ قَنْدهارَ الفَيْلَسوفَةِ
صُحْبَةَ زَرادُتش.
مِنْ مِصْرَ الفَراعِنَةِ أوْ..
بِلادِ هوميرَ بِالإلْياذَةِ
فَأرى أنّكِ..
تُطِلّينَ عَليّ مِنْ
فَوْقُ بيْن النّجومِ
وَأنا في عُمْقِ
بِئْرِ يوسُفَ ..
علّكِ تُلَبّينَ
لَهْفَةَ الْقَلْب؟!
فَمِنْ شِدّةِ صَبابَتي..
أكْدَحُ حَتّى أراكِ.
وَيالَيْتَ لَوْ
تَتِمُّ الرّؤْيةُ يابَهِيّة.
وَأُطْمَئِنُ الرّوحَ..
كَما في الشّرْقِ الْقَديمِ
يا أبْهى النِّساءِ..
بِأنّني أراكِ؟!

محمد الزهراوي
أبو نوفل

بقلم : صاحب الغرابي / العراق

ياصبر أيوب على بلواه

صاحب الغرابي…العراق

في كل تيهٍ ضوابط تلمم عن الشطط شوارده

موزعين على مفارق الأجيال كالمصابيح

محطّات تضبط السير من الضياع

فإذا هم كما هي الديمة من الغمام(1)

هاهي عصا موسى تلقف مايأفكون

قد فعلت كما تفعل الشرارة في قلب البراكين

تساقطت ثمار فاسدة عند اول هبة ريح

بدأت هكذا كيوم الجمل بعرقبة عسكر (2)

لازالت هموما توجع حتى الموتى!

عند خاصرة الضوء

أمر دونه خرط القتاد (3)

صرخات وجع

يقبح في مثلها الصبر الجميل

دناءة الثعالب

ذباب يرمي بنفسه على كل كأس

انَّ السهم الذي انزلق عن قوسه لم يعد ملكا للكنانة

وضع في عنقه طوقا لايمكنه نزعه

أرأيت كيف أخذ بعضهم يموج يومئذ في بعض؟

ولكنك هارون وهو الملك!

حرَّك لها حُوارها تحن (4)

شمَّر يا ابن يحيى(5)

أليست الجريمة لاتؤدي إلا إلى الأبشع؟

والذي يأتي به السيف

تذهب به الرياح العواصف

الشرارة الخفيفة ربَّما صارت صلاّما (6)

والثلمة من السيل ربَّما أغتر بها

فصارت بحراً عظيماً

أعمران يرجى من خراب؟

يا صبر أيوب على بلواه

أستيقظ أيها الصباح الغفور

في الظلمة الشاحبة

فأن الفجر يحمل إليك تباشير الضياء

كنجمة الصبح

عيد سيحلّ يومه الضاحك غداً…

أيرتجى أبصار من أعشى؟؟.

………………………………………………………………………..

(1):مَطراً يَدومُ سُقوطُهُ بِلا رَعْدٍ وَلا بَرْقٍ .

(2):اسم جمل معركةالجمل.

(3)القتاد: نبات صلب له شوك كالإبَر من الفصيلة القرنية.

(4):الحُوَار: ولدُ الناقة، وهذا المثل قاله عمرو بن العاص لمعاوية .

(5):هو وزير هارون الرشيد خالد بن يحيى البرمكي وحامل خاتم السلطة.

(6):الصلاّمة:الفرقة من الناس أو الأمر الشديد.

الصور المصاحبة : ( محمد الطايع – عبدالرحمان الصوفي – يزيد علوي اسماعيلي ) بقلم : يزيد علوي اسماعيلي

★ مَا هَمَّكْ ★★

كْلاَمِـــــــــي مَا هَمَّك لمَّا حْكِيتْ أَنا فِي هَمَّكْ

كُلّ مَانَا نَدْوِي تْدَّاعِي نْبَـــــــاهَة وْ فْهَـــــامَة
★★

لَمَّا كُنْتْ نْصِيحْ كُنْتِ نْـتَا تْشَــــــــــــالِي بِكُُمَّكْ

لاَ كْلاَمِي هَمَّك وْ اليُومْ مَا بْقـَــــــاتْ لِكْ زْعَامَة
★★

أَوَّلْ مَـــــا طَحْتِ طِيحَة مَــــا لْقِيتِ مَنْ طـَمَّـكْ

هَزُّوكْ فُوقْ الرُّوسْ وْ لاَحُوكْ فِي وَسْط ْ قْمَامَة
★★

مَـــــا يْنَفْعَكْ مْلاَمْ وْ لاَ عْتَــــابْ عْلَى مَنْ ظَلْمَكْ

وْ مَنْ تَــــاقٓ فْ ظَالَم ٓمُحـَـالْ وَاشْ تَجْدِيه ْنْدَامَة
★★

لَمَّــا كُنْتْ نْبُــــوح كُنْتِ تْلُـــَـوحْ بْالسَّمّ فْ دَمَّكْ

بـــُوحِي مـَــا هََمَّكْ مَدْفُــونْ رَاسَكْ كِيفْ نْعَامَة
★★

كُـنْتِ بِالْبَلْـيَة مَرْفُـــــوعْ طُــــولْ يُومَكْ مْصَمَّكْ

نْهِيتْ و ْكْلاَمِي مَا هَمَّكْ تْخَالْ فْ الْبُــوم ْحْمـَامَة
★★

جْفِيــتِي كُلّ حْبِيـــبْ وْ مَــا بْقَى صْدَرْ لِكْ يْضَمَّكْ

مَــا بْقَى عْسَلْ فْ شَهْد مَنْ يُومْ هَجْرَاتو شــَامَة
★★

رَاكْ خُــــويَا وْ صْدِيــــقْ وْ وَلْد ْعَم ّدُمِّي مَنْ دَمَّكْ

مَهْمَا كَــــــانُو لِكْ أَغْلاَطْ لاَ لِي عْلِيكْ مْلاَمَة
★★

يْـــلاَ لاَحَكْ الَعْدُو فْ الْبِير ْحْبَــــالْ الدَّم ْتْـلَمَّـكْ

كْفُــــوفِي مَمْدُودَة إيْلاَ تْعُـــود ْسَــــالَمْ بْسْلاَمَة
★★

لَـــٰـــــكِنْ نْوَصِّيكْ لاَ تْــتِيــقْ فِي بْهِيــمْ مْجَمَّك ْ

ذَاك ْمَن ْ بَاعْ قْـلَمْ وْ كْذُوبْ قـَــــالْ أَنُّـــو عْلاَّمَة
★★

★ يزيد علوي اسماعيلي ★

بقلم : عبدالعزيز أبو رضى بلبصيلي / المغرب

قصيدة بعنوان:. أشرقت الشهيدة (شهيدة فلسطين)
قصيدة/إهداء لعائلة القحطاني.. بمناسبة الإفراج عن الأسير المجاهد .. الشيخ طه ..والد الشهيدة..مع أرق التحايا..لأم ياسين السرطاوي..مع التهاني.

بقلم: عبدالعزيز ابو رضى بلبصيلي.
آسفي… المغرب.

أشرقت يا فلذة كبد إحترقت
فوق ربى فلسطين أورقت.
يا شهيدة الحق المغتصب
صرخة بالصمود ماسحقت.
لدمائك الزكية نور وضياء
كل ربوع الوطن له حدقت.
كل النساء ثكلى وكيف لا
قلوبهن بالدعاء نطقت.
أنت في موكب الشهداء
والأرض بأريجك عبقت.
وداعاً يا شهيدة الحق
يا نخلة في المجد بسقت.
لك في العلا عرش نبل
يا عروسا بالإباء تمنطقت.
شعب أعزل لن يدل أبدأ
يد الإعجاب له صفقت.
المجد لفلسطين أبدي
كلما شمس الأرض أشرقت.
يد الغدر و حتمأ ستكسر
مهما طغت و فسقت.
نحن قوم لانخشى بطشا
وإن الهزائم تلاحقت.
لنا عشق للشرف المروم
من أجله سواعدنا خلقت.
نحن أمة خير وجمال
به سادت بادرت وسابقت.
بجرة قلم لا يمح تاريخ
أمجاده نفائس تعتقت.
فكيف يمحى بكف جور
وله مروج الثرى رقرقت.
لنا موعد مع النصر قريبا
وسنرى البشرى غدا تحققت.
وداعا يا شهيدة الوطن
العين بالدمع إغرورقت.
لن أفيك حقك…عذرا
مهما الحروف تجملت وتنمقت.
وناصية القريض خجلى
مهما تكرمت و أغدقت.
لكن من كرومها أحييك
وقد لانت لي ووافقت.
من أرض المغرب أعزي
عزاء فيه المشاعر تسابقت.
مد من حزن وجزر أسف
لكن على وطن حر إتفقت….
وأهنئ الشيخ على فك أسره
فالشهامة عن جدارة استحقت.

عبد العزيز ابو رضى بلبصيلي.
المغرب آسفي..29.12.2019

قراءة نقدية / بقلم : سامية البحري / تونس

لعبة التشظي في النص الشعري الحديث/شمس جيكور للفياض
بقلم : سامية البحري / تونس

الإهداء : إلى روح فقيد المدرسة الشعرية الحديثة الشاعر الرائد بدر شاكر السياب

كلما قرأتك _يابن جيكور_ أستنشق عطر الوطن والقصيدة !!
أستعير من الشمس خيوطا من ضياء..لأنظم عقدا فريدا..!!
تصدير :
يرى بدر شاكر السياب أن الشعر الحديث طاقة إبداعية مختلفة إذ يعتبر أن الشعر الحر أكثر من اختلاف عدد التفعيلات بين بيت وآخر
و أنه بناء فني جديد و إتجاه واقعي جديد جاء ليسحق الميوعة الرومانتيكية و أدب الأبراج العاجية و جمود الكلاسيكية كما جاء ليسحق الشعر الخطابي الذي إعتاد السياسيون و الإجتماعيون الكتابة به.
________ في سفر الدخول /نبحث في المعنى عن المعنى :
*عند العتبة: شمس جيكور
للعنوان حضور بالغ الأهمية في النص الشعري الحديث ،فهو يختزل النص ويلمح إلى معالمه الكبرى
وفي استقراء العنوان نلاحظ انه ورد مركبا إضافيا يتكون من لفظين:شمس /جيكور
شمس___ مصدر الإضاءة بالنسبة إلى الأرض. .يعطيها الشحنة الحرارية التي تخصبها..ويذهب العتمة ..وهو دال على مكون ضمني هو النهار ..وكاشف لجدلية الليل والنهار ..وهي حكمة إلهية سطرها بمقياس ..
جيكور : إحدى مدن البصرة .وهي تحيل على تربة احتضنت عدة دلالات عبر الاحقاب التاريخية
يأتينا العنوان محملا بالرمز ..متوسلا الإيحاء. .لفتح إمكانات مختلفة لقراءات عديدة ..
وانخراط المركب في سياق الخطاب الشعري يجعل من المفردتين في انخراط مباشرة مع مع خصائص اللغة الشعرية التي تبطن أكثر مما تظهر ..وتخفي أكثر مما تقول..
عند إذن علينا أن نلملم ما تشظى في النص لنكتشف ملامح شمس جيكور وهويته ..
فهل سنعثر على تواشج بين العتبة والمتن..؟؟

عندما يلتقي الكبار :
بين الفياض والسياب وشائج وتناغم واختلاف وائتلاف…
بينهما برزخ..لكن يلتقيان ..
وذاك البرزخ ليس سوى الزمن ..فلكل زمانه..ولكل عصره
وذاك اللقاء كان عند نقطة اسمها العراق ..!!
وبين الزمان والمكان يولد المقصد
ويتجلى الجوى والهيام
وتكون المعشوقة واحدة ..!!
كيف يكون اللقاء ..والمعشوقة واحدة ..؟
وتلك المعشوقة “هم بها موج متصاب”
ما كانت بغيا
لكنها ذهبت معه إلى الضفة الأخرى
تلك هي القصيدة
وتلك هي المعشوقة التي هام بها الشعراء ..
وتسابقوا في سبيل الفوز بودها
فتأتيهم في كامل فتنتها بلا شرط ولا مهر

عندما تعشق القصيدة
تتعرى ….!!
أي صورة تربك العقل والفكر ؟
تتعرى القصيدة في حالة العشق
كأنها المغتسلة عند النواسي وهو يرقبها و يرتل :

نضت عنها القميص لصب ماء
فورد خدها فرط الحياء
وقابلت النسيم وقد تعرت
بمعتدل أرق من الهواء

وفي خضم هذه الصورة الاحتفالية بالقصيدة
تتآلف كل المكونات لتعضد هذه اللوحة المفعمة بالدلالات..
(الرطب /التوت الأسود / داليات الكرم ..)
ويخرج عصفوران ليلتحما بالمشهد بين الفجر وليل مخمور..
فينبثق الدال المركزي للنص برمته وهو “جيكور”
تتناسل منه كل المكونات ..
تلك هي لعبة التشظي في النص الحديث
عندما أتشظى ..أتناسل..من كل شظية تخرج خلية ..في كل خلية صوت متمرد..
هكذا حدثت القصيدة عند الفياض !!
ويشهد على هذا التشظي المتقن ذاك التلاحم بين علوم ومرجعيات مختلفة
ففي قصيدة الفياض يسكن التاريخ جنبا إلى جنب مع الأسطورة
تلتحم الأصوات الشعرية تراتيل سنفونيات قادمة من الزمن البعيد ..
تعاضدها الفلسفة والدين .
فكيف يتجاور كل هذا الزخم دون أن يكون الزلزال؟
وإذا زلزلت القصيدة زلزالها ثمة أفلاطون وأيوب والغفاري والذبيح ويوسف الجميل ..!!
في القصيدة فقط يلتحم الأنبياء بالفلاسفة..
لأن الفاعل هم الشعراء
فالشعراء يتبعهم الأنبياء والحكماء
وشمس جيكور ..نبي رحل ..ولم يمت ..ولن يأفل ابدا ..
لذلك لا رثاء ..لا رثاء..
فحروف الرثاء
لا تسد ثقوب رئة عاشقة
والفحم لا يرسم حمامة بيضاء
ولابد لبرومثيوس أن يفعل فعلته تلك..
برومثيوس سارق النار..أعطى الحضارة لإنسان يتدثر بالوحشية ويعتنق قانون الغاب ..
برومثيوس يتحدى كبير الآلهة زيوس ..فينتهي معلقا في جبال الالمب ينهش كبده نسر عظيم فتنبت من جديد
هكذا كان السياب ..هكذا كان شاعر المضطهدين..رغم الفقر ورغم المرض ..حمل الرسالة بكل صدق ..الرسالة بكل أبعادها الفكرية والاجتماعية
وانتهى وحيدا في غرفة فارغة بعيدا عن وطن عشقه عشقا عذريا
وما نال منه سوى التهميش والاغتراب ..رغم ثقل هذا الوطن حضاريا واقتصاديا
انتهى يصغي إلى أزيز الباب
ويرى وجه أمه المعفر بالتراب وهو يلوح بالرحيل ..
هكذا المخلصون في كل درب
وهكذا العاشقون الذين اعتنقوا الصدق والنقاء والطهر والبراءة
هكذا ينتهي الشعراء في بلاد العرب
وهكذا يقتحمهم الردى
تحت أسواط الغربة والفراغ والضياع ..وصوت الرياح ..وأزيز الباب ..
وتلك الأصوات القادمة من عمق الفجاج..!!
تخرم قلبه الذكريات
وغرام ملتصق بشناشيل البصرة
وهنا نصغي إلى “غربة الروح”
في آهات السياب في مجموعته الشعرية “شناشيل ابنة الجلبي ”

يا غربة الروح في دنيا من الحجر
والثلج والقار والفولاذ والضجر

وتمتزج هذه الآهات مع آهة أخرى مثل الجمر في قصيدة غريب على الخليج

واحسرتاه…فلن أعود إلى العراق !
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟
وأنت تأكل إذ تجوع؟ وأنت تنفق ما يجود به الكرام على الطعام؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع !!

وينعطف قلب الفياض الشاعر في هذه المنطقة من الخطاب الشعري ليلهج بالسؤال ،وفي القلب لوعة وفي النفس حسرة
كما كل عراقي كتب بدمائه عن الوطن والغربة والحرمان

بغداد
أين رقة لياليك الألف؟
أتضنين بما فوقها مرهما لجروح؟
…………..
لست غريبا على الخليج…..!!!
وهنا يتراءى الجرح مفتوحا ..عميقا..عمق تاريخ بغداد
بين الشاعرين الفياض والسياب
شمس جيكور للفياض ..الشاعر الذي يتقن فلسفة الجملة الشعرية
يصوغها بأسلوب شعري يتماهى مع مع ما يتطلبه الشعر الحديث من تلوينات في منعرجات النص ..
قصيدة متدثرة بثقافة موسوعية ..ثرية كثراء التربة التي أنتجتها..
كتبت بفكر عميق وقدرة فائقة على توظيف الرموز ..
قصيدة تحتوي شمس جيكور بكل أبعاده. .
لحظة ..بلحظة..
وتغتسل بأنشودة المطر ..

مطر ..مطر..مطر..
في كل قطرة من المطر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد

يا بن جيكور !!
استفق …انهض من غفوتك ..
ثمة قادم يقرأ تفاصيلك بلا عرافة ولا قارئة فنجان ..
هذا ابن اوروك يخلخل أبواب القصيدة ..يهز عرشها.. ويعلمنا أن النفاذ إلى عمق تلك المفارقات وضبط إرهاصات التحولات الكبرى التي ستشهدها القصيدة العربية بات أمرا ضروريا
وهذا الفيض من الفياض قد فاض على الساحة الثقافية
فهل يكون الطوفان؟ ؟
ذاك الطوفان الذي يطهر ..ليبني من جديد ..
كما رسم السياب غارسيا لوكا
في قلبه تنور
النار فيه تطعم الجياع
والماء من جحيمه يفور
طوفانه يطهر الأرض من الشرور

ضبط الفياض على قبر السياب ملتاعا..حزينا..
يرتل آيات ناي أوجعه الأنين. .
واحزن منزل الأقنان حين يفتقد الضياء
تنازعت مع البقاء من غير شهود
في ليل يضيق
كما ضاق بروحك العراق
مطر ..
مطر..
أحببته
أحبك المطر ..
سلاما
حين شيعك وحده المطر !

هكذا تلتقي الأعلام ..وهكذا تتحد الدوال في سبيل خلق جديد ..
وهكذا تتناغم المدارس الأدبية عندما تلتحم الكلمة بالكلمة بعيدا عن الصراعات بكل ألوانها
وبعيدا عن النكران والجحود. .
ثمة شاعر أعطى من روحه للشعر والوطن دون مقابل ..
ثمة شاعر أضاف للأدب العربي وللشعر العربي خاصة
فكان منارة اقتدى بها الكثير ..
بل كان مدرسة لها روادها وأعلامها
وثمة شاعر آخر تتلمذ في تلك المدرسة واعترف بالجميل..
وقرر أن يواصل المشوار بكل ثبات ودراية ومعرفة ..
وأن يمشي على الجمر ..ويتوغل في الواقع بكل تفاصيله ..ليعري ذاك القبح الساكن في أعماقه بطريقة فيها من الجمالية الكثير ..
وإذا كان هيدقير يقول ” أن نتفلسف هو أن نتساءل عما هو خارج النظام”
فإني أقول “أن نشعر ..أن نمارس فعل الشعر هو أن نكسر النظام في ذاته ..لإعادة تركيبه وتنظيمه ..وأن نجرب كل المسالك الممكنة التي تؤدي بنا إلى عالم اللاممكن ..
فالقصيدة لابد أن تتحرك فوق الأرض المتحركة..ولا تخشى السير فوق الدروب الملغمة..
ثمة عوالم تحت تلك المناطق الوعرة لم تكتشف بعد ..
والقصيدة كفيلة بهذا الإنجاز العظيم
أحييك الشاعر الفيلسوف عبد الجبار الفياض
وأنت تحمل على عاتقك كل ثقل التجربة الشعرية الجديدة بكل ملامحها
وتثبت أن الشعر حي لايموت
وأن الشعر شجرة شامخة جذعها ثابت و أغصانها تعانق السماء

القصيدة إمرأة جميلة…متمردة ..
تحب الماء وتعشق الضياء
هكذا تكون ..أو لا تكون
فسبحان الإله وقد براها
كأحسن ما يكون ..!!
___________في سفر الخروج/ لا سبيل إلى الإمساك بالمعنى في النص الشعري :
لا سبيل للحديث عن المعنى الواحد في النص الشعري عامة وفي النص الشعري الحديث بصفة خاصة
فثمة معان متخفية في عمق النص ووراء الظلال ..
والبحث عن “معنى” في النص الإبداعي يجب أن ينطلق من التنكير لا التعريف ..
فمتى عرفنا “المعنى ” قيدنا النص الشعري وأوثقنا قيده ..
في حين أنه فرس جموح يأبى اللجام..
ويعشق الارتحال في بيداء لا تعرف الحد ..
هكذا الشعر ولد ليكون صوت هذا الوجود ..
وهكذا هم الشعراء خلقوا ليطاردوا الفكرة في المطلق. .
بلا جدران ولا أسوار ..
وهكذا القصيدة مخاض شديد لاتعرف متى يأتيك ..
ومتى ينتهي ..!!
والشاعر السومري عبد الجبار الفياض شاعر ينتمي إلى هذه الطبقة من الشعراء ..
يمتلك القدرات الكاملة التي تمكنه من الخوض في النص الشعري الحديث بكل اقتدار ..
يمسك بالآليات الجديدة بحكمة ..
فيصرف الانزياح والصور والتكثيف واللغة والدهشة والغرائبية
والمرجعيات التاريخية والأسطورية والدينية ..تصريفا دقيقا ..
ويحسن توظيف اللغة الشعرية بما يليق بالمقام الذي يتحرك فيه ..

ولغة الشعر منغلقة..عادة..بلا تضاريس..فهي أقرب ما تكون إلى اللغة الكيميائية منها إلى اللغة باعتبارها اللسان المتفق حوله للتواصل بين أفراد المجتمع الواحد ..
وهو ما أثبته في مشروعي النقدي حول القصيدة العمودية المعاصرة
إذ كانت اللغة الشعرية هاجسي الذي دفعني إلى البحث والغوص في أغوارها ..
والنموذج في ذلك مدونة الشاعر العراقي الكبير ضياء تريكو صكر
“فالشعر عنده هو اللغة وقد أضاف إليها من صميم وجدانه وهو توغل في ما وراء اللغة ..
واللغة الشعرية هي عالم منفرد بذاته يقوم على جملة من الخصائص التي تميز الشاعر عن الآخر
وقد انتهيت إلى أنه ثمة لغة وراء اللغة لا يراها إلا من يكتب بمداد من الروح ويسافر في رحم الحرف ويتوغل وراء الكلمات ..
حتى أن النص الشعري يصبح بمثابة الطبقات المرتبة بانتظام ضمن نسيج النص الشعري ..
فهي كحبات العقد الواحد اذا سحبت حبة تناثر ما بقي ..
وانحل العقد ..وفي ذلك نظام محكم ..يؤكد أن الشاعر نظام ماهر ..ومهندس متقن لصنعته الشعرية ..
إذ اللفظ يجاور اللفظ في تناغم عجيب ..تربطه علاقة تركيبية ودلالية بالسابق واللاحق من الملفوظ الشعري في كليته.. ”
( Le discours poétique entre la sémiologie et la chimie de l’esprit / le poète Dhia Seger /Acte2/ALWATeD/par Bahri samia)

ويبقى الرهان على قصيدة النثر
يتطلب قدرا كبيرا من التكوين العلمي الدقيق وإجادة اللغة والقدرة على التوغل في الواقع لترصد كل التفاصيل بعيون ثاقبة إلى جانب كل ذلك يجب اكتساب عدة آليات كالانزياح والتكثيف والدهشة والغرائبية وصناعة الصور الشعرية بطرق جديدة وغير مألوفة والاعتماد على ايقاعها الداخلي إذ لم تعد تستند إلى الإيقاع الخليلي الذي يتأسس على مفهوم البيت الشعري والقافية والروي ووحدة البحر بل كل لحظة من لحظات القصيدة الجديدة وكل تقنية من تقنياتها تصبح عنصرا مشاركا في تشكيل الإيقاع الداخلي ..

والنص الشعري عند الفياض مبحث كبير يستند إلى مرجعيات مختلفة ويقوم على جملة من الأسس الموضوعية والعلمية ويرسم مستقبله بكل إتقان وموضوعية
لذلك نرى أن الفياض يحمل لواء التجربة الشعرية الجديدة بكل ملامحها وهو يعتبر مرجعية هامة في المدرسة الجديدة أخذ يؤسس للواقعية الجديدة في الشعر
تلك الواقعية التي تمتزج بالغرائبية
إذ نرصد الغرائبي/ الفانطاستيكي في الواقع المترهل بأسلوب شعري دقيق ولفظ مبهر وعذوبة تصوير
ويعتبر هذا المزج بين السريالي والواقعي في قصائد الفياض تجاوز لكل المدارس السابقة له في الشعر ..
والجدير بالذكر أنه ينهل منها ويتجاوزها في آن ..
وهنا يكمن الإبداع والابتكار الذي يحمل الاضافة والتجديد
فكل جديد ينشأ وجوبا،في رحم القديم ..
ضمن تلاقح ثقافي فكري بين المدارس الإبداعية الأدبية
وهنا نؤكد أن مدونة عبد الجبار الفياض تفتح بابا بل أبوابا عديدة لمباحث نقدية تطبيقية أكاديمية يمكن أن تكون المنهل الثري للنقاد الأكاديميين
ومن أهم هذه المباحث
مبحث في النص الشعري عند الفياض: المرجعيات والآليات وأفق التوقع
وهو _لعمري_ مبحث غزير يمكن أن يثري المدونة النقدية العربية في قادم الأيام
لكنه يشترط أن يكون الباحث ناقدا أكاديميا ثريا معرفيا يعرف جيدا المدونة النقدية العربية ومنفتحا على المدارس الغربية بمختلف توجهاتها ..
وأدعو من هذا المقام النقاد الأكاديميين العرب إلى ضرورة الخروج من أسوار الجامعة وجدران المكاتب لانصاف هذه التجارب الشعرية الكبيرة بفرعيها الكلاسيكي والمحدث التي تقدمها المدرسة العراقية خاصة
هذه المدرسة الضخمة التي تعد المنجم الثقافي المدجج بالإبداع من القريض إلى النص الشعري الحديث. .
وهذا ليس بالغريب. .فالشعر أصله عراقي،قد شرب من النهرين حتى الثمالة ..وتغذى من الرطب الندي …!!
تحية تقدير تليق بهذا المبدع الشاعر السومري عبد الجبار الفياض
وتحية شامخة للعراق الأبي
القلب النابض للأمة العربية
وتحية تقدير لكل من حمل القلم بصدق ..فكان قلمه في حدة السيف في ساحات الوغى ..!!
شكرا الشاعر الكبير عبد الجبار الفياض على هذا النص الفخم
هكذا يكرم الكبار الكبار! !
على ضفاف القصيدة:_____
تحية إلى رائد القصيدة الحديثة بدر شاكر السياب رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه ورزق الشعر الحديث جميل الصبر والسلوان
وهو يتلوى من الأصوات الدخيلة
وقد أصبح مرتعا .. لكل من هب ودب ..
في زمن فوضى الكلام
قمر وبدر :
بالأمس حين مررت بالقصيدة
سمعتك يا بدر
وكنت دورة اسطوانة
دورة ممتدة رنانة
رأيت فيك وجوه الكادحين المعدمين
وسمعتك تنادي
أيتها الوردة البرية
أتقرئين ؟
أنشودة المطر الحزين
المعبد الغريق
الأسلحة والأطفال تشاهدين
وحفار القبور المتعب من الجثث
تهفو نفسي إلى الشناشيل
الشمس أجمل في قصائدك
والظلام ..!!
حتى الظلام في عينيك أجمل
فهو يحتضن الأنين

الناقدة والأستاذة الباحثة سامية البحري
. . . . .

شمسُ جيكور
جيكور
لدجلةَ غنّوا . . .
للنّيلِ رتّلوا . . .
لبردى صافحوا . . .
لكَ
جمعوا خضيلَ الشّعرِ باقةَ حُبّ . . .
أيُّها الصغيرُ بينَ الكبار
ولدتَ بحراً
فسقيتَ فرسانَ ضادِكَ حتى في أيام ٍ
ظمئَ فيها شطُّ العرب . . .
لبستَ ما يلبسون
غنمتَ ما غنِموا
وزدتَّ كيلَ بعير !
. . . . .
غُرفةُ الأنشودةِ الماطرة
كيفَ أباحوا لأنفسِهم أنْ يدخلوها دونَ سجدةِ شِعر ؟
جدرانُها مُشبعةٌ بأنفاسِ قصائدَ
توحّمتْ برطبٍ برحيّ
توتٍ أسودَ . . .
أثداءِ دالياتِ الكَرْم . . .
كانَ لا يدخلُها إلاّ رائحةُ الطّلع . . .
عصفوران يتسافدان . . .
فجرٌ مُتسلّلٌ من قبضةِ ليلٍ مخمور . . .
يتنفسُهُ قصيدةً
همَّ بها موْجٌ مُتصابٍ
ما كانتْ بغيّاً
لكنَّها ذهبتْ معهُ إلى الضّفةِ الأخرى . . .
عندما تَعشق القصيدةُ
تتعرّى . . .
. . . . .
جيكورُ
مرآةُ صباحِه
تقرأُهُ وجهاً مُنبعجاً بألآمِ الطّين
بأوجاعِ نازحٍ
تخرُمُ قلبَهُ الذّكريات . . .
انشطار
بينَ حبٍّ ضائعٍ في بغداد
وغرامٍ مُلتصقٍ بشناشيلِ البصرة . . .
يا ويحَ
مَنْ رفّتْ لهُ شعورُ غوانيه
ما حملتْهُ عطورُ نهودِهنَّ إلى الصّين . . .
أحرقَ زيتَهُ القَرويَّ ثوبٌ قشيب . . .
ما شاءَ أنْ يرى حولَهُ مشقوقَ لوز
نافرَ تفاح
فنناً
أسكرتْهُ ريحُ صِباه . . .
رُجَّ ما كان محبوساً تحتَ خجلِهِ الجنوبيّ
لينتهي كُلُّ شيءٍ إلى لاشيء . . .
لسنَ كصويحباتِ ابنِ أبي ربيعة
يطوقنْهُ قمراً لا يخفى . . .
بغدادُ
أينَ رقةُ لياليكِ الألف ؟
أتضنين بما فوقَها مَرهماً لجروح ؟
. . . . .
إيهٍ
أيُّها العاشقُ ظلَّ نخيلِه . . .
المسافرُ برائحةِ السّعفِ المبتلِّ بحباتِ المطر . . .
لا لعينِكَ أن ْ يُغادرَها دمعُ الرّحيل . . .
تسكبُ حُزنَكَ شعراً
في أعماقِ طقوسٍ ممنوعة . . .
ما كنتَ تعلمُ أن َّ مركبَكَ الذي أبحرَ بلا أشرعة
يعودُ من دونِ ربّانهِ إلى مرفأِ المعقل *. . .
يختصرُ آلامَ الزّمنِ الخائب قافيةً
تيبّست على شفاهٍ
صبغتْها سكرةُ موتٍ في منازلةِ سيفٍ وقصَبة . . .
. . . . .
فيكَ
تناهتْ خيبةُ عشبةٍ بابليّة
حتى طرقتَ بابَ أيوبَ النّبيّ . . .
هممْتَ أنْ تذهبَ للغفاريّ في عزلتِه
مُثقلاً بهمومِ وَطَنٍ
أحببتَهُ فضاءً
لا يحدُّهُ خيالُ افلاطون في مدينتِهِ الفاضلة . . .
لكنّهُ
أسفَاً
لم يمنُنْ عليكَ بقليلٍ من فيضِ رافديْه . . .
كنتَ صبوراً حينَ تَلَّكَ للذّبح
وما فَدّاك . . .
يا لعيونِ السّماءِ ترى
الأبناءَ يعقُّهم آباءٌ طيبون !
. . . . .
لستَ غريباً على الخليج
لكنْ
في نشيجِكَ تأوهاتِ وطن
تُمزّقُهُ رغائبُ ملوكٍ إذٌ يدخلونَ قرية توسّدت أحلامَاً بعينِ عاشق . . .
مَنْ لأنفاسِكَ المتقطّعةِ أنْ تَهَبَ لترابِ أُمِّكَِ سجدتَك الأخيرة ؟
الموتُ بعيداً دَيْنٌ لا يُوفّى . . .
حروفُ الرّثاء
لا تسدُّ ثقوبَ رِئةٍ عاشقة . . .
إنَّها طقوسٌ
تجمعُ غباراً بعدَ عاصفة . . .
وجهاً عن كذبِ أخوةِ البئرِ تشيح
ذلكَ حقّ
لولا أنَّ نزراً منهُ كانَ خفقةَ حبّ
لتغيّرَ مسارَ الألمِ الرّاقدِ على وسادةِ الشّفقةِ في مَشفياتِ الغُربة . . .
لكنَّ فحماًَ لا يرسمُ حمامةً بيضاء !
. . . . .
أوّاه
أبا غيْلان
اقتربَ ألم ُ برومثيوس من ذروتِه في روحِكَ المُتعبة
لم يسمعْكَ إلاّ الخليجُ صدىً
يبحثُ عن أُذن . . .
تنزعُ حزنَكَ الداكنَ على ساحلِهِ مرثيّةً
تُبكيكَ
ما بقيَ بيتُكَ الكبيرُُ يغرقُ في ظلام
أمسيتَ نسياً منسيّا
بجوارِ ابنِ سيرين الذي غمّهُ حلمُكَ المقبورُ معك . . .
. . . . .
انحدرتْ من رُبى جيكور شمس
تشربُ غروبَها الأخير . . .
أيُّها الرّاحلُ عبرَ صبرِ الأنبياء
أكذا ؟
في لحظةٍ
يتكوّرُ فيها العراقُ زفرةً
بعدَ شهقةِ احتضار . . .
هلآّ توانيتْ
فلَكَ شناشيلُ
قصائدُ
أمانٍ تحتَ شُرفةِ المطر . . .
أراكَ تُوصيها ليدٍ بحرقةِ قلبِ أُمِّ موسى تحتضنُ العراق !
. . . . .
وا حُزنَ منزلِ الأقنانِ حينَ يفتقدُ الضّياء
تنازعتَ مع البَقاء من غير شهود
في ليلٍ يَضيق
كما ضاقَ بروحِكَ العراق . . .
مطر . . .
مطر . . .
أحببتُهُ
أحبّكَ المطر . . .
سلاماً
حينَ شيّعَكَ وحدَهُ المطر !

عبد الجبار الفياض
كانون اول/ 2018

*إحدى مدن البصرة وميناؤها الأول.

___________

بقلم : محمد الزهراوي أبو نوفل

العندليب المخمور

قل لها..
أنا عندليبها
المخمور بالعشق
أيها الساقي.
قل لها ..
وإن أردت أن
تعرف أو تسمع
فصيح القول عن
حالي فاعلم أن
حضنها الموصوف
راحةٌ للروح.
ولا راحة لي..
دون أن أحظى
بشراب غدَقِها
الموْفور ورؤْية
الوجه الحبيب.
وإن لم يكُن..
وبقيت مخفية الوجه
بأحْجِبة من السّدُم
أو وَهِي وراء
النّوافذ سوف أبقى
غَنيمَة لِلسّهَر والسُّكْرِ..
طَريدَةَ لِلضنى أو
صيدا آخر لِلضّواري
ووُحوش الجماال.
قل لها يا السّاقي..
أنِّيَ مِن أجلها صُلِبت
ومِن أجلها كان
الشعرُ زَلّتي..
لكِنّها راقتْ لي
فماذا كنت أصنع
أمام القدِّ المَمْشوق
مثل رُمحٍ..
أمام مهْوى القرط
كما عِندَ نفرْتيتي..
أو أمام بياض
البطْن المُتْرَع
بآيات الكمال..
والوَجه الذي ينْدى
حياءً كالهلالِ .
هذه حكايتي..
مع ذات الرِّدْف
المليك والعينين
الجارِحتيْن ..
ولو أنّها أعْلى
من مَقامي..
لا أدري كيف
ورَدت ْعلى
ذِهْنِيَ ألمُعْتِمِ..
كيف تعلقْتها
صبيّا حتى الآن
وأنا على حافة
العُمرِ أو كيْف
ملأت عليّ فراغ
الحانة في صورة
أمّ الكتاب ؟

محمد الزهراوي
أبو نوفل

بقلم : عبدالرحمن بكري

في حكاية غيمة

تتملص غيمتي من دوائر الاحتواء
تلف يقيني الموسوم
ببللها المارق
فوق ربوة النهدين
تحاكي سر انفلات الريح
كما تتقوى أجنحة الطير
عندما يتراءى لها ضياء الشمس
خارج الأقفاص
هكذا تهادنني قوافل البعث
في أحوال هذا البشر
يلتهم نعمة العابرين
ويرمي بعيدا سلال التمار
في غمرة النكران
حين عبرتْ على سبيل التأويل
تداري وجعا في محبرة الصمت
اِرتكن على هامش الوصل
بمدادي الحارق
أنتحب على وسادة النائمين
منذ سنين
أبحث على وطن الانتماء
أحتار في خطوي
على مدارات السكتيْن
سديم يسار ..ويمين
تدونني ساعة الانفصال
في ختام .. الجسر
على بوار التوهان

عبدالرحمن بكري

بقلم : ذكي عبدالرحمن

الحاصل و ما فيه .
^^^^^^^^^^^^^

ثقنا بيكم ف لبدو
قلنا الله على فجوة
لنفوس معاها ترتاح

قاسينا الهم و نكدو
اشكينا صدمتنا لقوة
و شكانا مشى مع لرياح

من ناس اقبلكم صدو
بمعاش و شلا ثروة
و ما شفنا معاهم ارباح

قلنا الماضى مشى عهدو
وجاوا ناس ورع وتقوى
جاونا باغين الإصلاح

يهمدوا لفساد و صهدو
يقضيوا عليه بقوة
وبان وعدكم ما فيه مزاح

كيف ما نفرحوا و نسعدو
وعاد يامس كنتو قدوة
وصوتكم يلعلع صداح

رافضين الوضع و ضدو
البديل لحقوق تتسوى
راسمين طريق النجاح

وصلتوا ابوابكم اتسدو
لقيتو ف الكرسي نشوة
و ما بقات رغبة ف الإصلاح

لا حد فيكم صان وعدو
عاد يراوغ يتلوى
و لفساد ظفر بالسماح

غير زاد اتقوى زندو
انتشر بحال العدوى
والأزمة ما بغات تنزاح

أملنا مات ف مهدو
مشى الحلم وجات الصحوة
الكل سكت من التبراح

نسى وعدو شاد ف شهدو
ذاق البنة لحلوة
و بدا لعصير ف لجباح .
:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛:؛
عبدالرحمن ذكي.

بقلم : فاطنة جليدي الشاعرة

قبلت عين الشمس
مشطت ظفائرها
معفرة ببخوراوراق تناثرت
بقايا سنة هل خريفها
لوحت لها بكل الاماني
نستها على عتبة الانتظار
غازلتها بدمعتين بعد القبلة
الا ايتها الشمس الصفراء أما تذكرين
كم حضنتني وانا انسج قصائدي
محملة بما يطفح في كياني
شيفرات روحي ساحت على البياض
فتقت بكارته بكل المعاني
ثارة ثورة ….وثارات دموعا نزفت
على قشيب الحياة اليائسة
وكنت تبتسمين بخبث وصفراوية
ترخين جدائلك الذهبية خيلاء
تلوحين للغد وانت أكثر بؤسا
تجوبين المدارات ….وتتحسرين
دموع الحزانى ترشفينها بصمت
السماء تتكبدينها وتتفرجين
كسوفك خجل تلونه حمرة الشفق
وباستحياء العذارى تغادرين
وكتاب ذكرياتك به الاف الحكايا
الا ايتها الشمس عذرا
فأنت ليس لديك اختيار
بقدر تسيرين… ووراءك ليل
..ليل بهييم قد ينتهي إلى الفناء
خذي الامنا ….امالنا …احلامنا
على شفا جمعتك الاخيرة
إلى العام الجديد القادم
واوصه أن يكون رحيما
وابزغي في فجره الوليد
ربيعا يدوووووم ويدووووم

بقلم : محمد بنجدي / المغرب

لست أنا
من صاغ الياسمين قصيدة في نبضي
لست أنا
من هام ربيعا في عمري
اعذريني
فالمشاعر ياسيدتي
كالعصافير
و الأحاسيس يا سيدتي
كالأساطير
اعذريني
إن جعلتك آلهة عشق في قلبي
إن جعلتك قُدّاس حب في نبضي
يا سيدتي
لست أن من دق الباب
ولا فتح الباب
بل هو الخافق الولهان
انتزع المفتاح ورسم القدر في الأقدار
يا سيدتي
اعذريني إن قبلتك خارج السياق
فالسهم قد أصابني يوم اللقاء
انتشى الدم الفرحة في النقاء
يا سيدتي
أضحيت مجنونا
مفتونا
أسيرا في خلوتي
أرسمك على جدار الزهد الصوفي
يتهمونني أني عشقتك
خارج اللغة القديمة
خارج أشواك القبيلة
خارج أسوار المدينة
اعذريني إن أحببتك خارح الضجيج المادي
فأنا يا سيدتي عاشق صوفي
أريد الجسد العرفاني
أصلي على السجاد الأنثوي
لا أحد سيفقه قولي
فالكلمات بسيطة
والعبارات بسيطة
لكن الخطاب أسير القبيلة
لذاك عشقتك عشقا تجاوز عقل العشيرة
اعذريني
لم تنته القصيدة
يا حاء الحبيبة…
عنوان القصيدة ” عشق القصيدة”
محمد بنجدي
المغرب..

بقلم : حسن صبي

گولوا لي شكون هاذ المزغوب
لي گال الحب غير حماق وهبال
گول لي واش مطالع ع الگلوب
ولا نتا لي مصفي الناس بالغربال
عمرك حبيتي و لا كنتي محبوب
وجاي تنمق وتزوق وتزور المقال
شحال منا ومنكم فاهم بالمقلوب
شحال فاهم الحب الصافي محال
وشحال من وحدة حاسباه سبوب
وكتبة وحروز عند العطار و الدجال
وشحال منهم حبو ضحك وكذوب
يبين الحب وهو على الهروب عوال
و الحب العفيف من الله موهوب
وسر مكنون فقلوب النسا و الرجال
حسن صبي…..

دراسة تحليلية بقلم : باسم عبدالكريم الفضلي

ـ جدلية الذكورة / الانثى الانسانة ـ

دراسة تحليلية في القصة القصيرة

“من معلقات جالاتيا” للاديبة ” زينب بوخريص”

حلق الوادي/ تونس

نص القصة :

**********

ذات صباح ربيعي ملهم، استفاقت باكرا، كانت الوانها تبهت ، والاطار يفقد بريقه ، راحت تبحثت عنه بعينين حائرتين ،رأته كما هو عليه منذ عدة ايام خلت ، منهمكاً برسم لوحته الجديدة، عازفاً عنها ،غير آبه لوجودها،،،ثارت حفيظتها، أضطرمت نيران الغيرة في قلبها. تساءلت فيما بينها وبين نفسها:

( تُراه ملَّني و انطفأت في فؤاده جذوة هيامه بي ؟ أم هو حب جديد يشغله عني كعادته ؟ ، لا كفاني سكوت ، ماعدتُ اطيق هذا الجحيم)

لاول مرة تشعر ان الزجاج الذي اقامه بينه وبينها يتكسر على وقع زفراتها المتسارعة ، فخاطبته بكل ماوأدته في اعماق روحها من لوعة :

-هل شغلتك لوحتك الجديدة عني؟ أراك مهتما بها دون سواها؟

هل تيمك حبها، فأنستك هيامك القديم بي ؟؟

اصابه الذهول مما سمع ،رمقها بنظرات مستفهمة، فأضافت:

– كم تركتني حبيسة سردابك المظلم الآسن، لاأميز فيه بين الليل والنهار،، أدغشت حياتي .. لم ألمح من النور ،إلا ومضات تسربها اليَّ ثقوبٌ غفلت عن اخراسها في سقفه ، وكثرما نسيتني هناك تخنقني عفونته ، ورطوبته تكتم أنفاسي . حتى بهتت ألواني الزاهية ، و سرق بهجتها القتام.

نظر إليها غير مصدق ماتناهى إلى مسامعه.

استرسلت وعبرتها راحت تترقرق :

– اتذكُر .. كلما كنت تخرج من المنزل توصد دوني الابواب ، لأظل وحيدةًأجتر حزني وألمي،أرزح تحت نير سأمي و مللي. وددت لو رافقتك مرة واحدة في سفرك وما اكثر اسفارك ، كى اشعر بانتمائي للحياة و أعانق الوجود ….لكنك تصر دائماً على أن تقيدني بهذا الإطار الذهبي، المزخرف.

أنت تعرف أني أتوق إلى المعالي. فلماذا تصادر طموحي؟؟؟ تحشرني في زاوايا لااباليتك حين لاتحتاجني ، أو تصلبني على جدران اهمالك الخرساء .

استفزه كلامها، فقال لها مستنكرا:

-حرصت على اصطحابك معي إلى كل معارضي، كنت أتباهى بجمالك الأخاذ. تمسكت بك ولم أتنازل عنك رغم كثرة الإغراءات، كل ذلك لأني أحبك جدا.

أجابته بلهجة واثقة:

-كلما أثثت بي أروقة معارضك أحسست بالذل والهوان في نظرات مدعويك نحوي ، كلها تنضح مزيجاً غريباً من الإعجاب والدناءة. يحاصرونني بوقاحة … متفحصين ثنايا جسدي… كأنهم ينهشونه بلمساتهم ومداعباتهم حتى أكاد أصرخ من حقير افعالهم …

تدعي الإباء و الشموخ…و ترضى بامتهاني ؟؟

أمضيت أياما بلياليها بل أعوام تتفنن في رسمي ،أنا سليلة مجد، بعد قصة حب عجيبة بينك وبين فرشاتك. انتقيت ألوانك المفضلة ثم مزجتها بخيالاتك الفياضة شهوة . لتنجب صورتي حسب مقاساتك انت ، بعد ولادة متعسرة.

أجابها مستغربا:

-أنت تقرين اذن بحبي لك و تعبي في خلقك؟

ـ إذا كنت تحبني فعلا، فلماذا تقيدني ، انت تحب ذاتك فقط ، تتودد الي حين تشتهي قضاء حاجتك مني ، خلقتني من اجلك لا من اجلي …

أود ترشف قهوتي الصباحية معك… نصغي معا إلى موسيقى الوجود…أتوق إلى ضمك طويلا … أتوسد ذراعك و أفترش صدرك الوثير: أصيخ الى دقات قلبك و أرقص على ايقاع نبضك الجميل.

ثم انطلقت منها صرخة هادرة:

ـ انا ارفضك ، ارفض قيودك الذهبية ، سأحررني منك ومن هذه اللوحة اللعينة!

استيقظ فزعا،،، ألفى نفسه في مرسمه. نظر إلى لوحتها ، وجدها قد تمزقت.

…………….

الدراسة :

*********

المبدع الحقيقي موقف من الاشياء ، ومنها عدم انسياقه وراء النقل والتقليد الاعمى لآثار ونتاجات (فن -ادبية) لها حضورها المشرق في الذاكرة الانسانية الثقافية ، ليوهم اشباه المثقفين من قراء وبتواطؤ نقاد مدعين او مأجورين ، بابداعه المنتحَل ، بحثا ً عن شهرة زائفة اومكسبٍ مادي او معنوي رخيصين

فبهذه الموقفية تتأكد حقيقة الذات الابداعية الملتزمة ( اعني بهذا ان ذات المبدع ملتزمة برؤاه ومشروعه الابداعي حسب )، والقاصة زينب تعاطت بموقفية ملتزمة مع حكاية ( بجماليون ) وهي من الآثار الادبية الشهيرة في الميثولوجيا الاغريقية ، مازالت ثيمتها الى الوقت الحاضر تعالج مسرحياً وفيلمياً سينمائياً ، باشكال حديثة وصياغات تعبيرية معاصرة متعددة ، منها مسرحية لبرنادشو بذات الاسم ، واكثر من فيلم بعنوان سيدتي الجميلة، لكن دون المس بأصل الفكرة (البجماليونية ) وهي عشق صانع الجمال لما صنعه
( اعني هنا عشق النحات لتمثال امرأة اسماها لاحقاً جالاتيا )

فالقاصة بالتزاميتها الرؤيوية قلبت المعادلة وجعلت المعشوقة هي العاشقة لمن اوجدها من بنيات افكاره وخياله الفنان ،مع تغيير هوية البطلين حيث جعلت النحات رساماً في قصتها ، والتمثال صورة مرسومة من قبله مبقيةً على اسمها ذاته ، فما السر الكامن وراء قلب مضمون ومعنى اسطورة بهذا الزخم من

العالمي من الشهرة والاشتغالات الفنية الواسعة عليها ، ولأيةغاية …؟

نبدأ بعتبة القصة العنوانية ( من معلقات جالاتيا )

باحثين عن مفتاح لفك مغاليق النص للعثور عن اجابة لذالكما السؤالين

بنية العتبة الدلالية :

ـ المعلقات : اشارة ذات سياق مقامي خارجي / الادب الجاهلي

ودلالتها المعنوية : تلك القصائد العربية الجاهلية الطوال التي كانت تعلق على الكعبة .

المقاربة الدلالية لها مع تضايفها مع جالاتيا : موضعة جالاتيا

مكانياً في البلاد العربيةً ،اي ان القاصة جاءت بهذه الاشارة بقصد الايحاء للقارئ ان بطلة

قصتها عربية الهوية والمكان ولاشأن لها بجالاتيا بجماليون الاغريقي ة

والاشارة مسبوقة بحرف جر ( من التبعيضية )للتدليل على ان القصة

ستستعرض جانبا محدداً من الصراعات ( الحياة / وجودية )المستعرةفي اغوارالذات الداخلية للبطلة ، وما جعلنا نقرر انها ( صراعات )

بهذه البنية النفسية المتوترةانفعالياً ،هو مقارباتها المعنوية

للبنى الدلالية والتركيبية لصراعية مضامين عموم المعلقات

حين نلج لعالم المتن وبمرور سريع عليه نكتشف ان القاصة اختارت

فضاءً لايوحي بأي اثر او اشارة لمجال مكاني عربي السمات والدلالات

،بل هو مؤثث بعناصر ومركبات فنية للاشتغالات الرسمية( لوحة ، اطار

معرض ، فرشاة ، الوان ) ثم اعلنت في المقطع الاخير من قصتها

عن ماهية الحيز المكاني لهذا الفضاء حيث ذكرت انه( مرسم )،

وهو مكان يتوازى اشتغالياً ابداعياً ، مع الفضاء المكاني

للاسطورة( مَنْحَت / اسم مكان من نحت ) فكل منهما رحم يتشكل فيه

احد اثار الفن التشكيلي ( الرسم والنحت ) ً

، ولعل حرص القاصةعلى ايجاد توازٍ بين فضائي حدثها القصصي

والحدث الحكائي لتلك الاسطورة هو ماحملها على اختيار ( المرسم )

كمكافئ مكاني للمنحت ، فهي قاربت بينهما دلالياً ) كلاهما مكان

للخلق الفني )، ولم تماثلهما وصفاً و نتاجا ابداعياً )حيث ان هناك

فروقات ظاهرية تشكيلية وتركيبية بين ماينتجه المرسم / صور ، وماينتجه المنحت / تماثيل )وذلك لسببين :

– الحفاظ على الجو العام للاسطورة التي وظفت القاصة رمزية بطلتها

جالاتيا ( الانثى التي اوجدها/ خلقها انسان وفق مواصفاته الجماليةلاشباع حاجاته البايو حياتية )كمرتكز دلالي لفكرة قصتها

– شيوع ومألوفية ( المرسم ) في الحياة الثقافية العربية مقابل

ندرةولاانتشارية ( المنحت ) كمكانين للاشتغال الفني

القاصة اذاً هيأت مسرح / ميدان الصراع ، لعرض فكرتها وسيرورتها الحدثية ، وهو كبناء شكلي اغريقي يماثل ميدان صراع الفكرة البجماليونية ، اما

قصديته المضمونية فتعالج موضوعة ( الذكورة ) المهيمنة على وعي الرجل العربي في فوقانية تعامله مع المرأة كما سيكشفه متن النص

في سيرورة حدثه القصصي .

بذا عرفنا المفتاح الذي هيأته العتبة العنوانية ، ليساعدنا على فتح مغاليق النص والتعرف على حقيقة مقاصده ومن ثم معناه النهائي

بنية القصة الفنية :

يتكئ اسلوب القصةعلى عنصرين رئيسين / ساقوم باستدعاء الشواهد النصية الموازية دلالياً لما سيتولد عن تحليل وتفكيك هذه البنية من مقاربات معنوية :

1ـ الحوار : يحل في هذه القصة محل (السرد) في وظيفة الابلاغ عن مضمونها وعرض احداثها والقاصة اختارت ان تبدأ قصتها من ( ذروتها ) الحدثية ( العقدة ) التي تسبقها بالتوطئة ادناه ،( الفاصة استخدمت ضمير الغائبة / الهاء ، كي تكون محايدة في وصفها الاحداث وبطلتها في هذا المقطع والمقطعين التاليين له ) :

(( ذات صباح ربيعي ملهم، استفاقت باكرا، كانت الوانها تبهت ، والاطار يفقد بريقه ))

يرسل هذا المقطع رسالة فالصباح الربيعي اشارة الى تفتح وديمومة الحياة ، يقابلها بداية افول شباب وحيوية البطلة / اشارتهما : شحوب الالوان و فقدان البريق ، بهذه الاشارات مهدت القاصة للتوتر الحدثي التالي :

(( رأته كما كان عليه ، منذ عدة ايام خلت ، منهمكاً برسم لوحته الجديدة، عازفاً عنها ،غير آبه لوجودها،،،ثارت حفيظتها، أضطرمت نيران الغيرة في قلبها ، تساءلت فيما بينها وبين نفسها ))

التوتر السابق يبدأ بتحديد ملامح الذروة في هذا المونولج الداخلي :

(( تُراه ملَّني و انطفأت في فؤاده جذوة هيامه بي ؟ أم هو حب جديد يشغله عني كعادته ؟ ، لا كفاني سكوت ، ماعدتُ اطيق هذا الجحيم))

والذي اسقط حاجز عزلتها الابكم ، فاصبح صوتها مسموعاً :

(( ولاول مرة تشعر ان الزجاج الذي اقامه بينه وبينها يتكسر على وقع زفراتها المتسارعة ، فخاطبته بكل ماوأدته في اعماق روحها من لوعة ))

2ـ شخصيتن مشفّرتي الدلالة:

الاولى الشخصية الرئيسية ( المحورية ) / صورة جالاتيا وهي بطلة القصة ، وقد أنسنتها القاصة مستخدمة ضمير المتكلمة( تاء الفاعلة ، انا / الظاهر والمستتر ) ، لتسرد على لسانها وقائع و فكرة قصتها من خلال اشراكها في حوار مع الشخصية الثانية الثانوية / الرسام ،

ولنتوقف قليلاً لتفكيك شيفرة هاتين الشخصيتين واستدعاء الشواهد النصية الموازية معنوياً لما سيتولد من تفكيكنا من دلالات :

وسأبدأ بشخصية الرسام لغاية ستتضح لاحقاً

الاشارة / رسام : لها دلالة سياقية فنية ، فهي صيغة مبالغة من / رسَمَ

والرسم : فن تصوير الاشخاص و الاشياء المرئية، اما

بمحاكاة منظورهما في الواقع ،او ابتكارهما من نسج خياله ، وهنا يكون الرسام ( خالقاً وموجِداً ) لأشكاله الصورية ،

وبالاحالة داخليا على بجماليون / تمثال جالايتا ، تغدو دلالةالرسام هنا( خالق / موجد) لصاحبة الصورة،

وبالافادة من مفتاحية العنوان / جالاتيا = امراة عربية

يكون الرسام هو الرجل العربي الذكوري الذي يتحكم بوجود المرأة ويشكل حياتها، فهي في نظره محض صورة / جسد :

((ـ أمضيتَ أياما بلياليها بل أعوام تتفنن في رسم صورتي ))

وقبل ان تسترسل تدس القاصة بذكاء هذه الجملة خارج السياق القصصي ليبلغ التوتر مداه :

(( فأنا سليلة مجد ))، لتذكِّره انها انسانة حرة ، ذات عِزَّةٍ ورِفعة وشرف

والمعنى المسكوت عنه هنا : ليس للرسام اي فضل في حقيقة وجودها ومعناها الانساني .

ثم يعود الحوار الى سياقه لتستأنف حديثها مذكّرةً اياه انه اوجدها وفق ضوابطه الجمالية العصية التحقق / بلغ التوتر ذروته :

(( بعد قصة حب عجيبة بينك وبين فرشاتك. انتقيت ألوانك المفضلة ثم مزجتها بخيالاتك الفياضة شهوة . لتنجب صورتي حسب مقاساتك انت بعد ولادة متعسرة ))

،ولانه يعتبرها من ممتلكاته الخاصة ، فهو يعزلها عن عالمها الخارجي ، بسجنها في قبو محرماته المعتم الضيق الحدود / تكافئ دلالة اطار اللوحة :

(( – كم تركتني حبيسة سردابك المظلم الآسن، لاأميز فيه بين الليل والنهار،، أدغشت حياتي .. لم ألمح من النور ،إلا ومضات تسربها َ ثقوبٌ غفلتَ عن اخراسها في سقفه ، وكثرما نسيتني هناك تخنقني عفونته ، ورطوبته تكتم أنفاسي . حتى بهتت ألواني الزاهية ، و سرق بهجتها القتام.

نظر إليها غير مصدق ماتناهى إلى مسامعه.

استرسلت وعبرتها راحت تترقرق :

– اتذكُر .. كلما كنت تخرج من المنزل توصد دوني الابواب ، وحيدةًأجتر حزني وألمي،أرزح تحت نير سأمي و مللي.. كم وددت أن أكون رفيقتك حينما تسافر بعيدا،، كى أرى وجوه الحياة و أعانق الوجود ….لكنك تصر دائماً على أن تقيدني بهذا الإطار الذهبي، المزخرف.))

0وهو يذهّبَّ ذلك الاطار متوهما انه بهذا سيخفف عليها من ثقل قيده :

((..لكنك أصررت على أن تقيدني بهذا الإطار الذهبي المزخرف ))

ويتباهى بنفيس جمال ما ( يمتلك ) بين اقرانه ً،دون اكتراث لانسانيتها وكرامتها :

((-حرصت على اصطحابك معي إلى كل معارضي، كنت أتباهى بجمالك الأخاذ. تمسكت بك ولم أتنازل عنك رغم كثرة الإغراءات، كل ذلك لأني أحبك جدا.

أجابته بلهجة واثقة:

-كلما أثثت بي أروقة معارضك أحسست بالذل والهوان في نظرات مدعويك نحوي ، كلها تنضح مزيجاً غريباً من الإعجاب والدناءة. يحاصرونني بوقاحة … متفحصين ثنايا جسدي… كأنهم ينهشونه بلمساتهم ومداعباتهم حتى أكاد أصرخ من حقير افعالهم …

تدعي الإباء و الشموخ…و ترضى بامتهاني ؟؟ ))

وحينما يتظاهر بحرصه على حبها ، ترد عليه متهكمة فاضحة حقيقة خلقه اياها:

(( ـ إذا كنت تحبني فعلا، فلماذا تقيدني ، انت تحب ذاتك فقط ، تتودد الي حين تشتهي قضاء حاجتك مني ، خلقتني من اجلك لا من اجلي …))

وتؤكد عدم تقديره قدرها وانتقاصه من قبمتها الانسانية :

((أنت تعرف أني أتوق إلى المعالي. فلماذا تصادر طموحي؟؟؟ تحشرني في زاوايا لااباليتك حين لاتحتاجني ، أو تصلبني على جدران اهمالك الخرساء ))

اما حاجاتها ورعباتها العاطفية المشروعة، فلايجوز لها الافصاح عنها فهذا يتعارض مع سياق الاعراف الاجتماعية فهي ( مخلوقة)كي تلبي حاجات خالقها فقط :

(( ـ أود ترشف قهوتي الصباحية معك… نصغي معا إلى موسيقى الوجود…أتوق إلى ضمك طويلا … أتوسد ذراعك و أفترش صدرك الوثير: أصيخ الى دقات قلبك و أرقص على ايقاع نبضك الجميل ))

وتقرر اعلان ثورتها عليه وتحرر من قيوده القاسية / حل العقدة :

((ثم انطلقت منها صرخة هادرة:

ـ انا ارفضك ، ارفض قيودك الذهبية ، سأحررني منك ومن هذه اللوحة اللعينة!

استيقظ فزعا،،، ألفى نفسه في مرسمه. نظر إلى لوحتها ، وجدها قد تمزقت.

البنية الزمانية للغة النص يتداخل فيها الزمن الماضي والمضارع مما يعني تليد فكرة الذكورة في التاريخ العربي واستمرارية هيمنتها على الوعي الجمعي حتى الوقت الحاضر ..

ـ باسم عبد الكريم الفضلي العراقي ـ

زجل : محمد مسلام / المغرب

دخلت بحر الكلام
كتبت و تكلمت بالمفيد
القيت فوجهي المواج
الريح و العجاج
بحر عامر بالألغام
مابقا فين نزيد
رويت شلى كلام
جف المداد من القلم
و الكلام فالواقع
عمرو مايتسالى
اللي بغا يفهام
و اللي ما بغا يتكالى
مجدوب ولا هلالي
كلامي واضح مفهوم
على الزمان المعلوم
وامواليه
ياللي فبحر الهموم
كتعوم
لا تبقا فالزمان تلوم
إدا باغي تنجا
عمل بالجد و المعقول
خللي اللي بغا يقول
امشي فالخير رد بالك
من الطريق العوجة
لا تتبع الريح يديك
كل مرة تلقاك موجة

بقلم : عبدالرحمن بكري / المغرب

في حكاية غيمة

تتملص غيمتي من دوائر الاحتواء
تلف يقيني الموسوم
ببللها المارق
فوق ربوة النهدين
تحاكي سر انفلات الريح
كما تتقوى أجنحة الطير
عندما يتراءى لها ضياء الشمس
خارج الأقفاص
هكذا تهادنني قوافل البعث
في أحوال هذا البشر
يلتهم نعمة العابرين
ويرمي بعيدا سلال التمار
في غمرة النكران
حين عبرتْ على سبيل التأويل
تداري وجعا في محبرة الصمت
اِرتكن على هامش الوصل
بمدادي الحارق
أنتحب على وسادة النائمين
منذ سنين
أبحث على وطن الانتماء
أحتار في خطوي
على مدارات السكتيْن
سديم يسار ..ويمين
تدونني ساعة الانفصال
في ختام .. الجسر
على بوار التوهان

عبدالرحمن بكري

بقلم : مجدالدين سعودي

قصيدة(ما زلت أتبع الريح) لخديجة بوعلي ،شاعرة البهاء الانساني

مجدالدين سعودي

برولوغ

خديجة بوعلي ، شاعرة مبدعة ومتألقة ، تكتب بشاعرية قوية وأحاسيس انسانية رائعة ،تمتاز بالتفرد والتميز في كل قصائدها ، وهذا ما نلاحظه في قصيدة(ما زلت أتبع الريح) التي خصصنا لها هذه المقاربة النقدية المتواضعة…

في العنوان:(ما زلت أتبع الريح):
هو اصرار على مواصلة مشوار الحلم والتحدي معا ،بدون كلل أو ملل والتشبت بالأمل في عمليات البحث المتواصلة وعدم الاستسلام أمام كل الأبواب المغلقة رغم الانكسارات والضباب الكثيف وغيره الشيء الذي دفع عبد الكبير الكانا الى كتابة التعليق التالي:(
هذا قدرك شاعرتي.. عشقت الضوء، فانبثقت من دائرته خيط شعاع يصارع كتل الظلام .. فقدر الشاعر ألا يمر من الأبواب المفتوحة . بل أن يصارع لفتح أبواب مغلقة .. وسيلته في ذلك صهوة حروفه وبساط خياله .. وتلك لعمري، رحلة النور في زمن الظلام .
نص جميل، يغري بقراءات وتأويلات ممكنة .. دام لك ألق الحرف ووهج الإبداع أستاذة خديجة بوعلي .)

في القدرة على الكفاح
—–
هي قدرة كبيرة لمواصلة طريق البحث للذات الشاعرة الصامدة والمتشبة بالأمل :
(مازلت اتبع الريح
أفرد اجنحتي
فتنكسر من جديد .)
وتواصل الذات الشاعرة قائلة:
(مازلت أقتفي خطوات
نورس شريد .
اختبِئ في دفء جديلة
تعانق مد زبد كثيف .
ذرات رمل أقتفي ،
حملها جزر …
الى الهناك البعيد .)

في الهناك البعيد

في قصيدة (ما زلت أتبع الريح) تستعمل الشاعرة قاموسا من المدى البعيد واختراق السحب البعيدة :
(مازلت أشهر الالوان
في وجه الضباب الكثيف .
أعيث الوان الطيف
على ظلال من صقيع .)
وتواصل قائلة:مازلت اغالب نظرات
مبعثرة على الرصيف .
تغتال الوقت …تسحقه
بفنجان فراغ ثقيف .)

في الأحلام ومحاولات تجاوز دون كيشوت وطواحين هوائه
—-
الذات الحالمة تعي أنها دخلت مرحلة الحلم بواقع آخر رغم كل العقبات وبعض اليأس الذي يتسرب لقلبها:
(مازلت اورط احلامي ،
في ركوب صهوة الجليد .
اوزع الوهم على امتداد
الوريد …
مازلت ابذرني بنفسجا …
فسائل قمح طري …
بين اثلام الجلاميد .
فالى متى ساظل…
دونكشوطا يقارع
الطواحين ؟!)
—-
خاتمة

الشاعرة خديجة بوعلي تمتاز باختيار تيماتها وتنوعها وقدرتها على ابداع شعر انساني جميل.

مجدالدين سعودي – المغرب

نص( ما زلت أتبع الريح) للشاعرة خديجة بوعلي

مازلت اتبع الريح
أفرد اجنحتي
فتنكسر من جديد .
مازلت أقتفي خطوات
نورس شريد .
اختبِئ في دفء جديلة
تعانق مد زبد كثيف .
ذرات رمل أقتفي ،
حملها جزر …
الى الهناك البعيد .
مازلت أشهر الالوان
في وجه الضباب الكثيف .
أعيث الوان الطيف
على ظلال من صقيع .
مازلت اغالب نظرات
مبعثرة على الرصيف .
تغتال الوقت …تسحقه
بفنجان فراغ ثقيف .
مازلت اورط احلامي ،
في ركوب صهوة الجليد .
اوزع الوهم على امتداد
الوريد …
مازلت ابذرني بنفسجا …
فسائل قمح طري …
بين اثلام الجلاميد .
فالى متى ساظل…
دونكشوطا يقارع
الطواحين ؟!

خديجة بوعلي

بقلم : همون بوسهال / المغرب

—— أشواك العوسج ——

لسنا قطـعانا لـقدرهـا تساقُ…
ولا خـرفانا دمـاؤها يـراقُ…
نحن للجراح بلسم وترياقُ…
لسلم لمحبة في الله اشتياقُ…
………………………….
أرض لم تنصـفنا بما رحبت…
سماء لم تطهرنا بما أمطرت…
نفاق نفس لوامة ومـا كسبت…
خيانة تربة غدارة وما أنبتت..
………………………….
نتعـرى وشوق أرضنا السليبة…
نتلتـهى بثـدي أمـنا الـــحزينـة…
نتسلى بحروب رومـا القديمـة…
نتحرى أخبار الأوس الـدفينـة…
نتمنى خراب الخزرج اللعينـة…
نتهاوى كأضغاث أحلام رتيبة…
…………………………….
جثمت على صدورنا العناكب….
وعلى سواحلنا تذبل المراكب…
فترى إلى أين المفر؟؟؟؟؟؟؟؟
……………………………
همون بوسهال دجنبر2019
وسنة سعيدة بالفل والياسمين لكل الأصدقاء والصديقات..

بقلم : أحمد الشاهدي أرميل

******* ((( همسات قلبية ))) *******

أيها الساعي بين الحواري
تمهل فَرُبَّ التمهل سلامة
دبيب النمل رغم صغره
يثير المرء ويزعج عظامه
والماء في الوادي يجري
ولا شيء يصمد أمامه
هي الأهوال مهما عظمت
تشد للإنسان قوة عزامه
هو ذا ناموس الحياة
الشدائد تمنح القوامة
فلا تبتئس إن عم بلاء
أو ساد ظلم فله ختامه
وكن عوناً و يَدُ دعمٍ
لبائس رماه البؤس بسهامه
فذاك السمو و التشريف
لرائد خير يعرف مهامه
يا مرحبا إن زانك فضل
وكنت للإحسان علَامة
كن داعي حُبٍّ و سِلْم
تَصِرْ للخير دليله و إمامه
وانشد في الحياة المكارم
ولا تخش في الحق ملامة
إن السعادة حين تنشدها
في الخير تجدها بلا ندامة.

بقلم : مرشدة جاويش

عودةٌ أخرى لأوزيريسْ..
من بحرِ الضياعِ
أطلقَ الليلُ فراشاتي
ولائمَ للجياعِ
وأنا أصافحُ فوقَ كفِّ الشمسِ
كثبانَ السنينْ..
هي شهقةٌ للشمسِ عبرَ مواجعي
أغرتْ رئاتُ السوسنِ الضوئي
أوتارَ النوافذِ في دمي..
فمسحتُ في جسدِ الربيعِ توهمي
نغماً تعاورُهُ الصلاهْ..
قد كنتُ أُخرجُ حشرجاتِ الضوءِ
من رئةِ الصباحِ
وأرسمُ في الشغافِ معاركي
شجراً تطاولَ وهو يمشي
باتجاهِ البحرِ
بالسرِّ المُباحْ..
أنا لن ألومَ البحرَ
والشفقَ الذي ما إنْ تكوَّرَ
في فراشِ الشعرِ
حتى الإرتواءْ..
ومازالتْ قلائدُهُ تُطلُّ من الثرى
واثقَ الليلِ وممشوقَ الكلامْ..
آثمٌ ظلي..
وظلي راحَ يبتكرُ
اشتعالاً..
يوقظُ في براكينِ الحريرِ شقاوتي
ويفكُّ زرَّ الحبرِ من شهدِ الرُّخامْ..
متسكعاً في شارعِ الرغباتِ
يطلقُ عروةَ الأيامِ جهراً
من فساتينِ الخواءْ..
ويروحُ
يجلسُ مستقماً
فوقَ عرشِ الماءِ
فالظلُّ يأخذني إلى ظلي
قمراً تمسَّحَ في رذاذِ الصبرِ
بين الانعتاقِ وبين أقفاصِ السلامْ..
الكونُ لي قلمٌ سيبقى
طالما الرغباتُ تدعوني
بصوتٍ من زفيرٍ
إلى الزحامِ
إلى الزحامْ..

بقلم : سعيد فرحاوي

ههههههههههه

لأنك أنت انا
ذاك الذي كأنني قبل
ان أولد…
الذي لا أريده أن يكون
طرفا حيا في انايا…
اعرفه بعيدا عني
بلا أنايا…
إذن’ انت انا
يا أنا في انايا …
ياتلك…
يا انايا
تلك التي كنت أريدها
ان لا تخرج عن طوعي
ضجيجي… ..
بلا وسخني..
مااردلني.
اهههههههه
انا موجود في غيابي
يا انت الذي أنت انا..
اتركني
وأخرج
بلا سؤال…
تدحرج مبتسما
متوجا بانتصارك…
ياغريب في
غيابي….
يا غريب
يا انا
في عزلتي…
وحدتي
يا أنا…
ههههه
اخرج بلا سبب
ياانا
مني…
بدون سؤال…
بلا جواب…
بلا احتيال!!!

دراسة نقدية بقلم : خوله رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم
الرّؤية النّقدية المقدّمة من قِبلي خولة رمضان لقصيدة ( جراح الوطن ) عبر برنامج في ظلال النّقد ….
لقصيدة الأديبة المتألقة الشّاعرة المصرية الراقية : نسرين بدر

إلى عشاق النقد الأدبي

اخترت لكم
قصيدة {جراح الوطن ) للشٌاعرة المتألقة
نسرين بدر .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
لمحة عن حياة الشّاعرة كما كتبت عن نفسها :

أنا نسرين بدر من مصر تخرجت من كليّة دراسات إسلاميّة متزوّجة عندي ثلاثة أولاد ذكور أحببت الشّعر وكتبته منذ الصّغر لي ثلاثة دواوين اثنان شعر فصيح والثّالث شعر عمودي به مائة قصيدة على كافة البحور والدّيوان الرابع في الطريق للانتهاء منه إن شاء الله . تعلمت العروض على يد مدرسين مختصين منذ أربع سنوات أحب من الشّعراء أحمد.شوقي والمتنبي.

وإليكم القصيدة :
جراح الوطن
**********
جـرحُ الـمـآسـي هــزّ أركـانَ الـوتَـرْ
تَشقى كَمَن بالحينِ كانت في خَطَرْ

رجـْعُ الليالي أصـبَحـت تُبـكي الدُنا
تاهــتْ نفـوسـاً تدَّعي خـَوفَ القدرْ

أمسـي يُناديـنـي ليُـنـسـيـنـي غدي
طافتْ مروجٌ مـن ضنىً نَحو البشرْ

إنِّي رأيتُ الجـُرحَ فـي صـدري بكى
ظُلـماً فأنهـاري مَـتـى تَسـقـي الزَهَرْ

حَارَ النُهى فـي غفـوةٍ يَنـسى الردى
لكـنْ تَغـافـى الكـلُّ كـم عـانـى الأثرْ

الروحُ تَهـوى السّلمَ مرسى موطـِني
قـلـبـي يرى زيفـاً سَــلا كـلَّ الحــذرْ

لـولاكَ يـادمــعــي لـمـا دارَ الــرّحـى
قـيـداً ولا تمـحـو الدِمـا مـاءَ المـطرْ

وادي اللـظـى يـدنـو إلـى أعـمــاقـنا
ذاكَ الردى قد جــاءَ مـن ذاكَ الشـررْ

طـــوقٌ ونـارٌ فـي لـيـالٍ قــد هــوتْ
تأتـي لـمــنْ يدنــو لـهـا بيـنَ الحـُفـرْ

نامـي عـيـوني أنتِ ما ذُقـتِ الـهـنـا
دمـعـاً بعـينـي فـي سُـــهادٍ أو سـفـرْ

نُجلي شـمـوساً قــد ترازتْ بالــورى
بالـغـدرِ تـقـسـو مـالنا نَخفـي العِبــرْ

بقلمي نسرين بدر

الرّؤية البصريّة للقصيدة :
قصيدة من الشّعر العمودي المعنونة بجراح الوطن ، مكونة من أحد عشر بيتا كل بيت من شطرين على وزن واحد وهو وزن بحر الرّجز بقافية موحدة . وحرف روي الراء الساكنة .
واختارت الشّاعرة التسكين لحرف الرويّ المكسور إعرابيا في أغلب أبيات القصيدة باستثناء البيت الأخير والذي هو مفتوح إعرابيا .

القصيدة من الشّعر الرومنسي الوجداني غلبت عليها العواطف الوطنية .

دعونا نلقي نظرة على ما يختبئ خلف النص من ظلال وانعكاسات .

الشّكل البصري للنصّ : قصيدة عموديّة على بحر الرّجز تتكوّن من أحد عشر بيتا. عنوانها : جراح الوطن
تتكون من ست تفعيلات في كل بيت .
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مستفعلن

يمكن أن نقول أنها قصيدة وجدانية رومانسية إنسانية مع مسحة رمزية من خلال بعض المجازات … سنتأكّد من
هذا الأمر بعد التدّرج في تناول أبياتها .
أبدأ من عنوان القصيدة :
جراح الوطن
هذا العنوان تركيب مكوّن من كلمتين مضاف ومضاف إليه، شبة جملة ، الكلمة الأولى تشير إلى مآسي الوطن وجراحة الدّائمة لأسباب ربما تختبئ بين السّطور وسنلاحظها أثناء تحليل النّص.
ثم أسند هذا المضاف للوطن فهو مسند إليه
إشارة خفيّه أنّ الوطن ممزق الأركان كاد أن يتهاوى بسبب سيأتي لاحقا.
وكلمة جراح جمع جرح إشارة لكثرة السّلبيات والمآسي التي يعيشها أبناء الوطن ومنهم الشّاعرة ، في وطن ممزق بسبب
ألاعيب السياسة .

الصّورة الكليّة للقصيدة :
—————————
نص من الشّعر الوجداني الوطني الإنساني القومي بلمحة سياسية رمزية ..
حرصت الشّاعرة فيه على إيصال عواطفها من خلال الكشف عن السلبيات المتعددة التي تراها على الصعيد : النّفسي والمجتمعي الوطني والفكري والإنساني .

نبدأ من بداية القصيدة

المعاناة الدائمة من المأساة على الصعيد الوطني والمجتمعي حيث سادت آثارها وهزت الرأي العام فقالت :

جـرحُ الـمـآسـي هــزّ أركـانَ الـوتَـرْ
تَشقى كَمَن بالحينِ كانت في خَطَرْ

رجـْعُ الليالي أصـبَحـت تُبـكي الدُنا
تاهــتْ نفـوسـاً تدَّعي خـَوفَ القدرْ

المعاناة النّفسية تتجلّى هنا بالتيه العام
والخوف الدّائم من الأقدار وما تجيء به في حياتنا من هموم ومفاجآت .
وصل الأمر بأن الأمس وهو يمثل الزمن الماضي الجميل يتنكر من غد الشاعرة .
فهل قصدت الشاعرة نفسها فقط ؟
بالتأكيد هي تقصد أمّة بأكملها .
تتضح وطنية الشاعرة ومشاعرها المجتمعية نحو قومها الذين غفوا لينسوا ما يلاقيه
وطنهم من ردى وموت محقق لمن يعيش على أرضه.
جعلت الشاعرة الآلام التي طافت على أجسادهم كالمروج في اتساعها .
فقالت :
طافتْ مروجٌ مـن ضنىً نَحو البشرْ

ثم وصفت غفوة عقلها
الذي لا يتحمل ما يحدث من ظلم .فقالت :
حَارَ النُهى فـي غفـوةٍ يَنـسى الرّدى
فهل هي الوحيدة في هذا الأمر ؟
‏لا بالطبع
فبعد هذا جمعت الكلّ في غفوة جماعيّة لنسيان ما رأوه من قبح ومجازر وامتدّ الجرح لصدر الشّاعرة كرمز وطنيّ ومجتمعي للمعاناة ..
‏شاعرتنا تتكلم بضمير المتكلم الذي عمّ القوم كافّة ، فلم تعد قادرة على إنقاذ أزهارها كصورة رمزيّة جميلة معبّرة لعجزها كمواطنة عن تغيير مجرى الأحداث المأساوية في وطنها ، فوصفت هذا العجز عن طريق الأسلوب الإنشائي ، ووظّفت الاستفهام الرّمزي فقالت : فأنهاري متى تسقي الزّهر ؟ إنّها صورة من البيئة التي تحيا فيها ترمز لفقدان السّيطرة على تسارع الأحداث ، تتأمل شاعرتنا بهذا الاستفهام تغييرا سيحدث مستقبلا :
فقالت في هذا المعنى :

إنِّي رأيتُ الجـُرحَ فـي صـدري بكى
ظُلـماً فأنهـاري مَـتـى تَسـقـي الزَهَرْ ؟

حَارَ النُهى فـي غفـوةٍ يَنـسى الرّدى
لكـنْ تَغـافـى الكـلُّ كـم عـانـى الأثرْ

إذن هي تفجّر قضية سياسيّة وقوميّة ومجتمعيّة ، إنها قضيّة فقدان الأمن القوميّ والمجتمعيّ ، ما أقساه من وضع عام ينطبق على شعب بأكمله ! بل أمة كاملة على مسار خريطتها الجغرافية . فالعقل بات في حيرة فاختارت الشّاعرة النّسيان والتّغافل والنّوم المفتعل فربما تنسى الموت الجائر الذي حلّ بأبناء شعبها .
تكرار سيناريو القتل والدمار جعلها تختار غفوة تنسيها الرّدى .
فهل تطول الغفوة ؟
وهل هناك صحوة تغيير للواقع المرّ ،؟
هي اختارت غفوة من النّوم .. والغفوة رمز للزمن البسيط الذي لا يطول ، لكن ما بال الجميع يتغافى ؟ فقومها قابلوا الأمر بالتّجاهل ، وعدم الاهتمام ، ربما حرصا على حياتهم من المساءلة القانونية ، وهذا حال الشعوب المغلوبة على أمرها .
يعتاد البشر على وضع ما ، حتى لو كان فيه الظّلم ونهب للحقوق الوطنيّة .
وقد يمضي عقد من الزمان قبل أن يحصل تغيير في حال الأمة .

فكم عانى أفراد مجتمعها من آثار التّغافل والسّكوت عن الحقّ وكم سكتوا عن المطالبة بشرعية العيش في مجتمع نظيف يخلو من العنف والظّلم وغيره من السّلبيات.

وتابعت الشّاعرة تأكيدها على مطلب وطنيّ بدءا بروحها التي تهوى السّلم والأمن الذي اعتادت عليه في السابق . لكن الأمر
‏خارج عن إرادتها وسيطرتها فقد لبس قومها لباس الزيف والأمن الكاذب . وهنا إشارة إلى ألاعيب السياسة ودورها في إحداث وضع آمن كاذب ، فالأحداث تتسارع من تحت الطاولة والمفاوضات تستمر لصالح
‏السّياسة المرسومة عالميا .
‏فقالت في هذا المعنى :
‏الروحُ تَهـوى السّلمَ مرسى موطـِني
قـلـبـي يرى زيفـاً سَــلا كـلَّ الحــذرْ


‏ ولم يعد بمقدور المواطن إلا الرّضوخ والبكاء فقط تعبيرا عن الألم ، وتستمر عجلة الحياة بالسّير قدما كما الرًحى ، مما يعطي المواطن تذكرة سفر ليكمل حياته في عالم السّلبيات دون أن ينبس بكلمة لكن الدّمع هو المؤشر الوحيد على الرفض النّفسي لما يحدث .
‏فقالت في هذا المعنى :

‏لـولاكَ يـادمــعــي لـمـا دارَ الــرّحـى
قـيـداً ولا تمـحـو الدِمـا مـاءَ المـطرْ

ما دلالة ماء المطر ؟
ماء المطر يستمر بالنّزول وهو رمز وكناية عن الواقع الذي يضطّر فيه النّاس لدفع عجلة الحياة بعملهم الدّائم وسعيهم لطلب لقمة العيش فينسون في خضمّ الحياة مآسيهم ويتأقلمون مع واقع بغيض .
‏ أمّا الدّماء فهي رمز للعنف والظّلم الذي لا يوقف عجلة الحياة . هذا تشبيه تمثيلي واستعارة تمثيلة منتزعة من الطبيعة بدلالة
‏ المطر .

لمن تنسب الشّاعرة أفعال العنف ؟
—————————————
تنسبها لمن يشعل الفتن ، ويثير الطائفيّة .
لكن لم تكشف الشّاعرة هذا الأمر بشكل مباشر بل بشكل خفيّ .
فاعتبرت الموت الجماعي من أسباب ما تشعله الفتنة من عنف يستشري أثره إلى القلوب الضّعيفة ، ويدخل الأعماق فتُزهق الأرواح .فقالت في هذا المعنى :

وادي اللـظـى يـدنـو إلـى أعـمــاقـنا
ذاكَ الردى قد جــاءَ مـن ذاكَ الشـررْ .

لاحظوا كلمة الشرر واللّظى ، والرّدى
تؤكد الحرب الّتي حصلت . فهي من مفردات الحرب الحقيقية .

وربما تقصد الشاعرة أيضا الحرب النّفسية والإرهاب النّفسي ، ودليلي على هذا المعنى قولها ،وادي اللّظى يدنو إلى أعماقنا .

فهذا الأمر يتعلق بمقدار الظّم والقهر المجتمعي وسلب حقوق المواطن ومحاربته في لقمة عيشه ، كل هذا يؤدٌي لموته بعيدا عن الحرب الحقيقية . إنّها حرب من نوع آخر تسلب لذّة الحياة من النّفس وتؤدي للموت قهرا.

ولي مأخذ بسيط شاعرتنا على عبارة ( قلبي يرى زيفا سلا كل الحذر )
فلم أجد لجملة : (سلا كل الحذر )أي توافق مع معاني المقطع الشعري والفكرة الملازمة للبيت المذكور .
فقالت في هذا المعنى :

الروحُ تَهـوى السّلمَ مرسى موطـِني
قـلـبـي يرى زيفـاً سَــلا كـلَّ الحــذرْ

لـولاكَ يـادمــعــي لـمـا دارَ الــرّحـى
قـيـداً ولا تمـحـو الدِمـا مـاءَ المـطرْ

وادي اللـظـى يـدنـو إلـى أعـمــاقـنا
ذاكَ الردى قد جــاءَ مـن ذاكَ الشـررْ

وهل هناك أقسى من أن تستمر نار الحرب والعنف النّفسي لتلاحق الإنسان حتى تصل إليه أيضا بعد الهلاك والموت ، فربما الحفر هي القبور. لهذا تجرّدُ الشّاعرة من نفسها ذاتا تخاطبها وتدعوها للنوم ونسيان الألم للتّعويض عن لحظات الهناء المفترضة حينما يسود السّلم والعدل . فقالت في هذا المعنى :

طـــوقٌ ونـارٌ فـي لـيـالٍ قــد هــوتْ
تأتـي لـمــنْ يدنــو لـهـا بيـنَ الحـُفـرْ

نامـي عـيـوني أنتِ ما ذُقـتِ الـهـنـا
دمـعـاً بعـينـي فـي سُـــهادٍ أو سـفـرْ

ثم ألقت الشّاعرة باللّوم على الجميع فهم شركاء في اختيار رموز الوطن ورؤسائه ، الذين يتولّون زمام الأمور ، والدّليل استخدامها لضمائر المتكلم بقولها نجلي شموسا .
وكأنها تقول :
نحن من نخلق التّسلط والظّلم برفعنا لأشخاص لا يستحقون التّمجيد ، هذا داء مجتمعي لأنّ النّاس تنعق بالألقاب البرّاقة وترفع أشخاصا هم بالأصل جلّادون لكنّهم مزيّفون . وعلى راي المثل 😦 يتمسكنون حتى يتمكّنون ) .
تجعلهم الشّاعرة كالشّموس في عطائهم ، ثم بعد الوصول للسّلطة يكشّرون عن أنيابهم
وتظهر منهم صفات الغدر والقسوة ويستمر السّكوت عليهم خوفا من العواقب الوخيمة . فهل يستحقّون حقا التّمجيد حتّى بعد أن تمادوا في استخدام المناصب كوسيلة لنهب الوطن ومحاربة المواطن ؟ وكما قال المثل : على نفسها جنت براقش . فهذه الشموس شموس غدر وخيانة وتسلّط .
فقالت في هذا المعنى :

نُجلي شـمـوساً قــد ترازتْ بالــورى
بالـغـدرِ تـقـسـو مـالنا نَخفـي العِبــرْ

علاقة النص بالمواطن العربي في عصر الربيع العربي :

————————————-
القصيدة وطنيّة انطلقت من الذّات والنّفس التي تخصّ الكاتبة إلى نفس كل مواطن يعيش في وطنه الممزّق …. ثم أفاضت على النّص عاطفة إنسانيّة وقوميّة … تكتنف جميع النّفوس البشريّة التي تعيش في مجتمعات مزقتها الثورات … ودليلي من النّص كلمة البشر في قولها :
أمسـي يُناديـنـي ليُـنـسـيـنـي غدي
طافتْ مروجٌ مـن ضنىً نَحو البشر

الشاعرة تتطلع لتغيير الجذور وبناء وطن آمن بعيدا عن الخوف .. ….
انهمار الأحاسيس والمشاعر الإنسانية
في النّص .. شيء رائع يرد في نفس كل إنسان يحتاج للعيش في ظلّ الأمن المجتمعي .
تتابع منطقيّ موفّق في المشاهد من بداية النّص لنهايته ففي البداية وصفت المآسي التي رافقت ثورات الربيع العربي وتأثيرها القويّ في إيجاد بؤرة ثابتة للنّص .

البؤرة الثابتة :
——————
‏ألا وهي التأثير النفسي للمآسي في صدر المواطن منطلقا من ذات الشاعرة .
‏ظهر المواطن كأرجوحة في مهب الريح
‏يحاول جاهدا التأقلم والجري لتحصيل لقمة العيش . فقالت : لولاك يا دمعي لما دار الرّحى .
‏فالدموع تتبعها حركة دائمة وجري للوصول إلى التغاضي والراحة المفتعلة بالنوم والنّسيان .وهنا نقطة التٌحول من البؤرة الثابتة إلى المتحولة .

البؤرة المتحوّلة :
‏ —————–
هل. وُفقت الشاعرة بالتّعبيرعن ذاتها ؟
استطاعت الكاتبة نسرين بدر أن تنقلنا
لحالتها الشعورية من خلال وصفها النّفسي .. بكاء ودموع ودماء مما اضطّر المواطن لأخذ غفوة تخديرية تنسيه صور الموت والسلبيات التي يعيشها.

وهذا النوم له دلالته . فالكاتبة تلقي بظلال
حالتها الشّعورية على الطبيعة من حولها وهي تحتاج للتنفيس عن دواخلها.
فجاء هذا عن طريق الإسقاط اللّاشعوري
على مظاهر الطبيعة في بيئتها وعلى المواطن الذي يشاركها العيش على أرض الوطن .

الرّمزية في النّص
———————-
ما هو وادي اللظى ؟
وادي اللظى والمقصود بها الحرب تدنو من أعماقها وتقترب لتجعلها في اضطراب دائم وربما ترمز بهذا التركيب لمن سقط فكريا وذاتيا بين من تآمر وسقط في حفر المؤامرات العفنة .

صورة فنية تمثيلية فيها تشبيه وتشخيص
فالحرب لا ترحم احدا وتقترب إلى أعماقنا لتقنص حياتنا ، كل هذا بسبب شرارة حقد مثلتها رصاصة من يد حاقد لتستمر من حولنا حروب عفنة سببها الغدر والخيانة …
هذه صورة تترجم حالتها الشخصية التي تمثل كل المواطنين .
وتتناسب رمزية وادي اللّظى مع رمزية
انتزاع الأمن المجتمعي وما ينتج عنه من خوف بسبب الحروب فقد كشفت عن الأسباب التي أدت لهذا الوضع فالمواطن هو من يوصل الرّموز الوطنية للسلطة ويسكت على كل ما تقوم به . فلم تجد الشاعرة إلا النوم محاولة لخلق أمن مفتعل ونسيان ما يحصل .

البلاغة والخيال :
———————
وظّفت الشّاعرة خيالها وصورها البيانية لخدمة الأفكار .
ومن هذه الصور صورة مجنّحة للمآسي فقد شخّصتها ونقلتها من المعنويات للمحسوسات
نلاحظ كيف أنّ الجرح هزّ أركان الوتر ،
والوتر رمز للقوس أو آلة العزف ، وهي أشياء محسوسة ، فالوتر لا يهتز لوحده ، فإن قصدت به القوس فدلالته الثّورة التي تبنّاها الشّعب وإن قصدت به آلة العزف فدلالته ذلك الفن المعبّر عن أوجاع الشّعب.
إنها بصورة أدق تلك الكلمات الأدبية الرّمزية التي يتبناها أصحاب المواهب والتي تعبر عن المآسي ، نجدها قد لُحّنتْ وصدحتْ بها حناجرهم مرافقة بآلات العزف . فقالت في هذا المعنى :

جـرحُ الـمـآسـي هــزّ أركـانَ الـوتَـرْ
تَشقى كَمَن بالحينِ كانت في خَطَرْ

هذه الصورة واحدة من مجموعة صور شهدها النّص .

ولا أريد الإطالة حتى لا يملّ القارئ فقد استعرضتُ جملةً من الصّور البلاغية في المقدّمة.

أدب ما بعد الربيع العربيّ :
————————–
هذا هو الأدب الحديث والذي رافق الثورات العربيّة وما بعدها ونتج عن مخاض الحروب المفتعلة ،والطّائفيات البغيضة ،وتدخل الغرب في الشؤون الدّاخلية للأمة العربية وغيرها من العوامل .
ولا شك أنّ المتغيرات أو الانقلابات أو الكوارث يتبعها تغيّر في الفكر الأدبي، وربما احتدام حتى في علاقة الأديب مع المتغيرات التي حدثت. ويمكن تحديد بداية هذا الفكر الأدبي من بعد الأحدث المعاصرة للأمة العربية من متغيرات بدأت في العراق بعد عام ٢٠٠٣م وما حدث بعدها مما سميّ بالربيع العربي ، الذي اشتعلت ناره بداية الأمر في تونس العرب.

ألف شكر أديبتنا الرّاقية نسرين بدر على هذا النّص الذي يعكس الوضع الحالي للشعوب العربية والوضع النّفسي للمواطن العربي في عصر الثّورات المعاصرة . كنت مثالا راقيا للأديبة التي تحرص على نقل صورة فكرية وشعورية صادقة يصعب التّعبير عنها بدقة وخاصة أنها مرحلة انتقالية بين جيلين شهدا
متغيرات صعبة .
وأودّ أن أشير إلى أن منشوري هذا رؤية لما وراء النقد .لهذا اسميت حلقاتي في ظلال النّقد .

كان معكم خوله رمضان .. تحياتي وقوافل الشّكر والامتنان .

بقلم : محمد بوعمران / المغرب

***************نزيف ***********

باقاتُ وردٍ ذابلٍ ،

شمسٌ شاحبة ،

جسد يتلقى سوط البرد من ثقوب ثياب رثة

رجل يبكي في صمت رهيب حظه….

لوحات شكلتها أنامل فنان حزين

بالأبيض والأسود .

تمرد على الألوان

تأمل ،

تألم ،

تدمر.

رش اللوحات بالأحمر،

فبدت ملتهبة

حارقة

كالجمر

انسابت قطرات الأحمر

من الأعلى الى الأسفل

نازفة

بلون الدم

هاله المنظر

اقبل وادبر…

تأمل

تألم

تدمر

تساءل

هل الأحمر اخطر؟

وهل الاخضر اجمل ؟…

***********محمد بوعمران /مراكش*******

بقلم : عبدالرحمان الصوفي / المغرب

رسالة أدبية
تحية احترام وتقدير لكم صديقي ” الناقد ” الأدبي ( ع.ن.ب) الذي علق على قصيدة نشرت على صفحة مجموعة أدبية فيسبوكية ، وتعليقه كالتالي : ( قصيدة الغموض سيد المضمون فيها ، تحتاج لفكفكة بعض الجمل المبهمة ) صديقي الناقد قرأت تعليقك على النص أكثر من مرة ، ما تبين لي أنك لم تمنح النص فرصة التعرف عليك ومخاطبتك باللغة التي لا تكلفك عناء لفهمها ..النص كائن حي لغوي القراءة الأولى فقط من باب التعارف وتلزمك قراءات كثيرة كي يستأنس بك النص ويقبل بك قارئا أو متذوقا أو متأملا أو ناقدا …أما إن كنت تقصد ب ( فكفكة ) النظرية التفكيكية ، فهذه النظرية صارت إلى العدم وماتت مع الحداثة …صديقي ” الناقد ” للغموض والشعر حكاية لها بداية وليست لها نهاية ..أتمنى أن تكون قرأت أشعار ” محمد عفيفي مطر ” الذي يمثل قمة الغموض في الإنتاج الشعري العربي – رأيي الخاص – لأني أعتقد أن الغموض بالنسبة للشعر ، أشبهه بغموض الشعر بالنسبة للغة .

الغموض لا يقتصر على الشعر ، فالكثير من النصوص الفلسفية الصوفية والنصوص المقدسة تتسم بالغموض ، ونحن لا نبعدها جانبا ، ولا نسقطها من حياتنا ، لأنها غامضة . فالغموض يكاد يكون سمة النصوص الباقية لا الزائلة . وليس الغموض معظلة تأويلية جديدة . فكل مفسر مثلا لنص ديني أو دنيوي عليه أن يتعامل مع تعدد المعاني أو تضاربها أو غيابها …اسمح لي بأن أخبرك صديقي ” الناقد ” أن كثيرا من النقاد المفسرين قاموا بدراسات تطبيقية عن ظاهرة الغموض باختيارهم لنصوص صعبة جدا ، وحللوها تحليلا دقيقا ، بحيث أقنعوا القراء المحافظين والمتحفظين بالثراء الدلالي لهذه النصوص ، ووجهوا المتلقين إلى احتمالات المعنى فيها . صديقي ” لن أطيل عليك بذكر أسماء هؤلاء النقاد ” . وأقدم لك اسما واحدا للاستئناس ، الناقد ” وليم إمبسن ” وله كتاب ( سبعة أنواع من الغموض ) .
كانت رسالتي إليك إشارة فقط للبحث في المواضيع التالية :
– اللغة والغموض
الكلام والتفسير
التفسير والغموض
التأويل والغموض
وحين تنتهي مبحثك هذا تأكد أنك لازلت بعيدا جدا عن علم النقد ، فهذا الأخير ليس هو التفسير وليس هو التأويل ..
تقبل تحيات صديقك عبدالرحمان الصوفي

بقلم : أحمد المنصوري

طواحين دون كيشوط
تدور.
تحارب الرياح والفراغ
ثم تدور.
وهو يعض بأسنانه على الرحى
لكنها تدور.
تقتلع النواجد وتطحن الشفاه والجباه
وتدور.
تموز جاء يجر الرياح.
والسنابل عطشى
تنادي الجياع
وهم موتى في وطني
ينهضون من قبورهم ويصلون
يسبحون باسم الطاغوت.
وفي الوحل يركعون
و حولهم العنقاء تلتقط
ما تبقى من حب ومن حلم
وهي ترقص مذبوحة
من فرط الهزيمة.
وأرى أيوب يلأمُ جراحه
ويغني الفجيعة. ..
ﻻ شيء يوقف انحدارك
سيزيف نحو الشموخ.
فالطواحين ﻻزالت
في المنحدر تدور
ﻻزالت تدور وتدور.
22/12/2015
*أحمد المنصوري *

بقلم : محمد بوعمران / المغرب

*******************المثقف عزيز****************
كل شوارع المدينة وازقة احيائها القديمة والحديثة تعرف وقع خطواته وهو يعبرها جيئة وذهابا وفي كل الاوقات والفصول. وجه مالوف لذى اغلب رواد المقاهي المصطفة على الشوارع الرئيسية بل حتى تلك المركونة في الازقة الجانبية .
يمر مسرعا وهو يحمل محفظة جلدية قديمة يظهر ان لونها الاصلي اسود ، محفظة ممتلئة لدرجة اصبحت كوسادة وثيرة لم يعد فيها مكان لتلك الاوراق والمجلات التي تابطها ، مجلات قديمة تحمل تواريخ تعود لعقود من الزمن …
حين يدلف الى مقهى يختار محاوريه ممن يلمس في محياهم وهندامهم ما يوحي بانهم من المولوعين بالمطالعة والنقاش الفكري ،وغالبا ما ينجح في تكهناته وتكون اختياراته موفقة …
في كل مقهى له اصدقاء خصوصا من رجال التعليم الذين اعتادوا على زياراته واستانسوا بوجوده بينهم وبطريقته الخاصة في طرحه للمواضيع ومناقشتها…
عزيز اسم معروف ، شخصية مثيرة للتساؤلات المحيرة ، يتقن اللغة الفرنسية والانجليزية قراءة وكتابة وتحدثا ، هو من جيل من الطلاب المغاربة الذين درسوا في الجامعات الفرنسية وهو لا يتردد في فتح حفظته ليدلي بجواز سفره القديم وشهادة اجازته في علم الاجتماع ، لكن ما يثير الاستغراب هو مزجه للمواضيع بشكل يصعب على المستمع له فهم قصده ، وحين يعرف بان خطابه لم يصل يبسط الامر ويشرحه بمنطق يحملك الى عالم فكره الذي يتداخل فيه الخيال الواسع بالاستدلالات من اقوال كبار الفلاسفة وبالمراجع والمصادر المهمة للفلسفة والفكر مما يجعلك تتابع حديثه علك تمسك بمضمون مداخلاته الغنية والغريبة في ان واحد…
عزيز يجعلك تتساءل حول سلامة عقله ، بل يدفع بك الى التساؤل حول الخط الفاصل بين الجنون والوعي ، هذا الكم الهائل من المعرفة الذي يحمله في ذاكرته ، وهذا الشغف الكبير بالمطالعة ، وهذه الطريقة في التعبير عن الراي التي تاخدك اليه بالرغم من ضبابيتها جعلت كل من صادفوه يحاولون تحليل شخصيته لكن لا تظهر لهم منها سوى جواز سفره وشهادة اجازته في علم الاجتماع التي حصل عليها قبل ان وجود الجامعة بمدينتهم بعقود من الزمن…

*********محمد بوعمران /مراكش********

[
](https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2549487868605835&set=a.1772028539685109&type=3&av=100006339392263&eav=AfZFQQn3wWLFfYhI1kZOKItTASiXJd_QowUp_0SgcQclRnQa4ybVoO4tGM-nMctU6QM&eid=ARDRvjo8nKhqeJdelbP0XhtVzgKJK9BW1_V7YHRhkgMz-bZKRYeu93gYV96Mtk560Dv0nncXbbxDAqC2)

مظاهر السرد / بقلم : صلاح أنياكي أيوب

مظاهر السرد في شعر سعيد محتال
” همسات قلب حائر” أنموذجاً
صلاح انياكي أيوب

موطئة:

إنّ دراسة الخطاب الأدبي لا بدّ أن تمر عبر تأطير النصوص أجناسيا حتى تتضح خصوصيتها ومن ثم يسهل على الدارس استنطاق هذه النصوص وفق رؤية واضحة وزاوية اشتغال أوضحَ. إن ديوان ” همسات قلب حائر” هو مجموع قصائدَ شعريةٍ تتغنى بهموم الذات وهي المتشظية، المنكسرة والحائرة.

إن لهذه القصائد أوجه تجديد عديدة، أهمها في نظري، امتدادات السرود بين النص والنص الآخر، في تواتر يختلف من حيث القوة والمساحة التي تشغلها هذه السرود. فإذا كان السرد( طريقة الحكي) خاصية نثرية لها امتداداتها الطويلة في الأدب العربي عبر بوابات متعددة كالقصة والرواية والحكاية الشعبية والمقامة، فإنّ تداخل الاجناس الأدبية فيما بينها، جعل من بعض الخصائص تنتقل من جنس أدبي إلى آخر.

التقاطع الأجناسي في” همسات قلب حائر”

يبقى ديوان سعيد محتال أنموذجاً لهذا الاحتواء الأجناسي، أو ما يمكن أن يطلق عليه” توطين الأجناس” الذي تبنّى الشاعر من خلاله خصائص البنية السردية وحوّلها إلى عنصر شعري تتفاعل ضمنه عوالم الشخوص، والأمكنة، والأزمنة، وزوايا النظر المختلفة، لتشكّل من نصوصه بؤرة ترقّب شعري يحاول أن ينفصل ما استطاع، عن غنائية القصيدة العربية القديمة.

إن هذا التحوّل في الرؤية والأدوات يعلن صراحة أن النصوص الحديثة تأبى الانحصار داخل قوالب محددة. إنها غير قابلة بطبيعتها للاستنساخ ما دامت قادرة على أن تنمو، وأن تتمدّد خارج نطاق القيم، والكينونات المفتعلة/ الجنس الأدبي الأصلي.

لقد استفادت تجربة سعيد محتال من تكامل المعارف وهجنة الأجناس الأدبية، لتكتسب وعياً يتفاعل مع المحيط والذوات المختلفة والقيم الأدبية المتعددة جاعلا من خاصية السرد بعداً جماليا يسم أغلب نصوصه، بعدما جعل من دينامية الحكي ملمساً شعريا جاذباً لما حوله.

في القصيدة الحديثة لم يعد السرد إضافة معيبة للعمل الشعري، بل أضحى عنصر غنى ينضاف إلى موروث القصيدة، وهذا ما صرح به الناقد عبد الناصر هلال في كتابه ” آليات السرد في الشعر العربي المعاصر”، إذ يقول:
” بالإضافة إلى مكونات الخطاب المجازي الذي يعد سمة قارة في النوع الشعري، أخذت التقنيات السردية تمارس حضورها وحركتها في بنية النص”، وهذا، تماهيا مع الطبيعة الانسانية الميّالة إلى منطق السرود.

في الديوان ” همسات قلب حائر” يصبح الحكي علامة مجاز تخلق عبر تقاطعاتها أدبيةَ النص الشعري الذي استلهم موروث الحكي من تاريخنا العربي المليء بعجائب المحكيات، ليُوطّنه بثقله الدلالي في صيغة مجزوءات سردية تتخلل ما بين الفينة والأخرى، أقاليم النصوص، لتبوح بشكل مسترسل بما يعتمل من حيرة داخل ذات الشاعر، الذي انتصر للسرود بعدما ضاقت رحاب القصيدة بتصوّرها القديم عن التعبير عن كمّ الضيق الذي بات أكبر من المجاز نفسه.

فكان لابدّ للشاعر وهو المضطلع على أحوال ما يحيط، ذاتاً ومحيطاً، أن يُبلور حضوره السردي عبر تنويعات الضمائر المستعملة، ما بين غائب ومخاطب ومتكلم حريص على أن يُبلغ الأشياء، والأسماء، والألوان بصوته الخاص الذي لا يشبه صوتاً آخر.

مصادر الرؤية الشعرية في شعر سعيد محتال:

عبر تناصات موحية كشف الشاعر عن ينابيع مقروئه من ثراتنا الأدبي، حيث يتبدى للقارئ حضور السرد تيمةً فضلى في شعرنا العربي القديم. إن سعيد محتال سليل المعاناة والمآلات الضائعة، عبر هذا التناص بين نصوصه ومتون شعرية أخرى، يحيلنا إلى استحضار روائع من شعر امرئ القيس. فعلى سبيل التّدلال، نقرأ بعضاً منها:

( أفاطم مهلا بعد هذا التدلل وإنْ كنت أزمعتِ صِرمي فاجملي.)
( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الـــدخول فحومل.
فتُوضحَ فالمقراةِ لم يعف رسْمها لِمَا نـــسجتْـــها من جنوب وشمأل
ترى بعْر الأرْآم في عرصاتها وقـــــيعـــانِها كـــأنه حـــــبّ فُلفل)

إنّ استحضار صوت امرئ القيس في بعض نصوص شاعرنا هو اعتراف صريح بأن تاريخ الشعر العربي صيرورةٌ، وأنّ الشعر الحديث هو نتاج تراكمات شعرية وليس خروجاً من رحم العدم.

في شعرنا القديم يتقاطع السرد وشعرية البناء والتصور. بنفس الخطى سار سعيد محتال لينْظم نصوصه الشعرية المنفتحة على السرود التي لم تنقص من عنفوان الشعر وألقه، بل أسهمت في إغناء القصائد وخطابها بأسْر الحكايا وسحر المحكيات.

لقد استطاع الشاعر أن يعيدنا بذكاء إلى مربع القصيدة القديمة بتصوره الحديث بعدما افتتح بعض نصوصه بمطالع تكاد تقترب ممّا كتبه امرؤ القيس، كنص ” حلم تائه”:

( قفا نبك
على هذا المآل
أحلامنا ضاعت وراء الجدال/ ص:73.)

أو في ثنايا نص:
( أفاطم تمهّلي
أيقظي ليلى واخبريها
أني بحبّها غير متيّم/ ص: 35.)

مكونات البنية السردية في الديوان:

بهذا الرجوع إلى مدارج النصوص الكبيرة يذكرنا الشاعر سعيد محتال بمكانة السرود في نسج بُنى النصوص الشعرية. تلك البُنى التي استعانت بمكونات البنية السردية من راوٍ ومرويّ، ومرويّ له.

لقد كان الشاعر في أغلب نصوصه راوياً وثيق الصّلة بما يرويه، ينقل الحدث ويخبر عنه. تارة بضمير الأنا المتكلم( حلمتُ/ بأرض الجنان/ ووطن/ يعشق النسيان…(سراب/ ص 34))،( … جئتُ إلى هذا الوطن/ في هدوء وسكون/ أوّل ما علّموني/ علّموني الكلام( لا جدوى من الكلام/ ص56))، وتارة أخرى بضمير الغائب( زال الليل/ وما زال الفجر/ يحمل بدراً/ يطارد أشباح الظلام../( زحمة الليل/ ص 72))، وفي مواضع أخرى يطالعنا ضمير المخاطب ناتئاً من بين صروح السرود( افتح سجلّك لا تكابرْ/ كن أنت السند…/ كن ما شئت/ واكتسب الأدب(لا تكابر/ ص 75))،( قفا نبك/ على هذا المآل…(حلم تائه/ ص 73)). غير أن الملاحظ في خضم هذه الضمائر، أنها جميعَها، تصطف لخدمة صوت الراوي الوحيد: صوت الشاعر الذي يتخفى أحياناً وراء هذا التعدد حتى يجعل من صوته صوت العالم ككل، بمواجعه وهمومه. هذه المواجع والهموم العاكسة لصخب الذوات الحيارى، هي ما شكّلت مروي/ محكي ديوان” همسات قلب حائر”. إنّ المروي هو حكاية الشاعر، حكايا قلبه المتلهف للخروج من عتمة الغيم والظل والخريف إى مباهج السماء، والورد وحنين السعد. ضمن هذه البنية يتعدد المروي له، فحيناً تطالعنا المرأة( فاطم، ليلى) عبر أسمائها المختلفة متلقياً تتقاذفه خطابات اللوم والعتاب، والتقرب، والاعتذار وحيناً آخر، يصبح الزمن بحجمه الشفيف متلقياً آخر لآلام الشاعر وشكواه( أتعبتني أيها الزمن الحزين)، ( ما بال الحياة لا تلد/ سوى الأرق والحنين)، بينما يبقى القارئ إجمالا، أهم المتلقين لذا المتن الشعري عبر تعدده. إنه المروي له عن قصْد ما دام الأدب/ الشعر عموماً، يبقى إجابة لأسئلة مختمرة في أذهان الناس.

خلاصة:

لقد احتفى الشاعر بشكل كبير بالسرود عبر توطينها في ثنايا قصائده. الجميل هنا في هذا التوظيف، هو أنه لم يسئ إطلاقاً لشعرية نصوصه. لقد طعّم قصائده بأجزاء من محكيات أنعشت مخيال القارئ عبر تواتر سردي قصير المدى لا يُدخل نص سعيد محتال في نطاق النثر وقيمه، بل يجعل هذا القارئ يستشعر مباهج الحكاية في قوالب محكي شعري.

بقلم : عبدالرحمن بكري

بين لهفة .. وحيرة

في مدارات لهفة الانتماء
خارج ثنائية القطبين
تجوب سفينتي في محيطات الأمس
تضاريس سبخة الملح
وندف الثلج
وزبد أمواج البحر
تترقب على مضض رصيف الإرساء
الرؤية تحجبها كثافة الضباب
عند وجهة سواحل المرجان
وسفينتي طالت رحلتها
بين طائرات الورق.. وفرص الشوق
ما زالت تعانق مجدافين
يعتورهما رجفة التلف
وآفة الخرف
وصوت حيرتي نشاز
يعترض طقوس الربان

يمتد ظلي حدود هذا المساء
إلى حدود النجدين
تطوق إبحاري تراتيل السماء
بوصلتي تاهت
بين حيرة ..وتوجس
فأقتفي عبور النوارس لعناق الشمس
أغسل دمعات صبري
على حذافر أمل متصل
في حمرة الخديْن
وكلما زادت حتمية السؤال
عن فواصل الشبق .. وسور القتل
أمتطي رياح الحرف
و ما بين الجنبيْن
أتقلب على شواظ النيران

عبدالرحمن بكري

بقلم : عبدالجبار الفياض

حين تزني القصيدة !

متى
تزيّنتِ بمساحيقِ ليلٍ
ليسَ في جفنِهِ للتّعساءِ إلآ صبحٌ مسروق . . .
بشفيفٍ
لا يكتمُ شيئاً عن مفاتنَ
دنتْ قطافاً ليدٍ
ورثتْ سيفاً من ثقيف . . .
بمنكسرِ رقصةٍ غجريّة
أمامَ كبيرٍ من سُرّاق الزّمنِ الخائب
تصابتْ عروقُهُ
فزنى . . .
أفرغَ كُلَّ اعوجاجِهِ رصاصاً في مُنعطفاتِ أرصفةٍ
ألفتْ ظلَّ العشقِ الوطنيّ . . .
سكبتِ فضلةَ كأسِهِ في محرابِ نهدينِ قربةً إليه . . .
عالَمٌ
ما كانَهُ لصيقُ أرضٍ يوماً
ولو بسانحِ خاطرة . . .
فنشوةٌ بعدَ انحناءٍ
إنطفاء . . .
. . . . .
اشتهاءٌ مسكوبٌ على ساقٍ مُتجرّدة . . .
دعوةٌ لخلوةٍ في مخدعِه . . .
دخلَ قريتَكِ كما الملوك إذْ يدخلون . . .
لم تبقَ بقعةٌ من أرضٍ حرامٍ بعيداً عن لمسةٍ ماجنة
الكلابُ
تلغُ حتى في الماءِ الآسن . . .
وبعدَ أنْ وضعَ نشوتَهُ في بقعةٍ رماديّة
مدًّ يدَهُ
ليدسَّ بين فخذيْكِ كيسَ دراهمَ
سُكّتْ من عَرَقٍ مجهول . . .
فرَحاً تهلّلتْ منكِ أساريرُ رِضا
تحلمينَ بفارهِ قصر
بعرشٍ مُذهّبٍ
يحملُهُ مخصيّون نصفُ عُراة . . .
اتّسعتِ الشّقةُ بينكِ وبين أزقّةِ الطّين . . .
أصابكِ غرورُ الذين تملأُ أُنوفَهم رائحةُ التّرفِ السّلطانيّ . . .
الإماءُ
لا يسألْنَ عن أبعدِ من صمت . . .
عيونٌ
يسجدُ فيها خنوعٌ أبله
ترقبُ إيماءةَ ما على المملوكِ أنْ يفعلَه . . .
. . . . .
إنْ كانَ ذاك
فبيني وبينكِ مأربُ
يسدُّ منافذَ التّنفس . . .
ارجعي
أيَّتُها الرّيحُ الآتيةُ من وحلِ أضدادٍ مُتفسّخة
لا قدَمَ إلى ما تشتهيهِ زانيةٌ من سدوم . . .
لستُ من ديدانِ مُستنقعاتٍ
لا يرى فيها وجهَهُ القمر . . .
لم أتعلّمْ يوماً لغةَ النّقيق . . .
سآوي إلى داخلي
ففيهِ ما رآهُ رجلٌ من غِفار
وآخرُ
يهمسُ لدخانِ سيكارهِ أسرارَ الثورة !
. . . . .
اشهدي
أيَّتُها المفتونُ بها قلبي . . .
إنّي بريءٌ من حروفي حينَ تتوحّمُ بسِقطِ مَتاع . . .
رغيفُنا
مدارٌ لا يدخلُهُ شقيّ
رهنَ نصفَهُ عندَ سمسارِ صفقاتٍ
تجرُّ يومَنا إلى ما يجرُّ كسوفٌ شمسَه . . .
نقتسمُهُ
لإسكاتِ غائلةِ جوعٍ مُندسٍّ في شقوقِ الطّين . . .
يقتسمُنا
بينَ رفضٍ وموت
ولا غيرُها صفحةً لحياة . . .
حينَ يشتعلُ الجّليدُ
فللنّارِ إسمٌ آخر !
. . . . .

عبد الجبّار الفيّاض
ديسمبر/ 2019

بقلم : محمد بنجدي / المغرب

سرّ في الأطلال

على أرض خضراء، مرّت الفتوحات والغزوات، بصمات فكر وتعدد الثقافات، في التربة امتصاص مبدع للموروثات، في الماء حياة قديمة عريقة، تأبى التلاشي و الذوبان، تأبى الموت المجاني. على خصر الشلال، تجلسُ امرأة من حليب الغيم، تعشق السؤال الجريء، تنام عارية على أوراق الربيع، تنام في حبري، اسمها مريم، في اسمها يسكن التاريخ المنسي، يُهَمْهِمُ الهامش المخفي، القابع تحت ضلع جدي…
–يا مريم
أتدرين أنك نجم مضيء في سمائي
أنك الضوء الساكن فضائي
علامات ورموز تهزّ مجازاتي
يا مريم
في طهرك آيات الرحمان
تحت ظلك أشجار الزيتون والرمان
تحت ضلعك ينسج الربّ خيوط الحب
وسحر الأنفس والآفاق
مشكاة نور أنت
زهراء ضوء أنت
أنت الأنا وفي الأنا يسكر العشق والهوى
أيها المدى
ضع الصدى على صدر النوى
يا مريم
على سجاد الفراش يسجد الملاك
يمشي الخافق في الملكوت والأفلاك
من هناك عشقت أناك
أتدرين يا مريم
أنك النجم والحمام
أنك الغيم واليمام
شرود عينيك رذاذ مطر وألحان
رمشك ذباح
رمشك ذباح
يرقص الفراش
يُشِعُّ الضوء في المكان
زمانك يا مريم هو عين الزمان
–يا نبض الريح وأريج الروح
يا من سكنت جُرْحِي وجُرْحَ الروح
أنت المفتاح الحزين
و سرّ البئر وصراخ الأنين
تحتَ الأنقاض يَئِّنُ الياسمين
في صَمْتِهِ عوالم مخفية
في نُطْقِهِ إشارات سِرِّية
أيّها العاشق المجنون
ارسم حَرْفِي بكل الألوان
اجعلِ النونَ انفجاراً للأسرار
لا تخشى النار
في المدينة هياكل وجماجم
فلاسفة و عرفاء أحرار
تحت المعاني القديمة يسكن الناي
يعزف الأغاني الجديدة.
– حبيبتي…
كلما لمحت عينيك انساب الشرود شلالا في نبضي
تدفقَ التاريخ أنهارا في أوردتي
– حبيبي…
كلما لمحتُ عينيك انساب الغناء القديم في جوفي
كلما أحسست دفء حبركَ
في كهفي أدركتُ كنهَ العصفور المهاجر إليك
كلما لمحتُ صورتك تداعى الحبّ على وجنتيك
– على جسدكِ نِسَاءٌ يَغْتَسِلِنَ بالماء النرجسي
على أَثْدائِهِنَّ أجراس الكنائس
على خِصْرِهِنَّ انحناءات التلال و الجبال
شموخ الفكر والعلم المنفي
أراهما في حضن الأمهات المضطهدات
– أتدري يا حبيبي
أنك تُشعلُ نيران جسدي
تضيء عوالمي
أراك نجماً يخترقُ كهفي
تحتَ هذه الأطلال الجميلة
وسط هذه الاخضرار
أراك زهرا وأريجا
وردا وحبيبا…
– أتدرين يا حبيبتي…
أنّك الأنا التي تسري في الأعماق
أنك الأنثى التي تمشي عروسا
في الظل وتحت الأنفاق
لا أرى سوى الربيع المتدفق فصلا على خدّ التراب
على جرح النعش في الماء
المكان يرقص بين الدلالات والمدلولات
بين العلامات والإشارات
تحت الأطلال نصوص بليغة
واستعارة حزينة
الصور الذهنية مُحاطة بالأشجار
الصفصاف والعرعر
اللوز والزيتون
التفاح والرمان
مكان جميل يشهد ميلاد عشقنا
انتعاش حُبّنا
ميلاد حكاية غريبة
رواية جديدة
مطموسة تحت أروقة التاريخ اللامكتوب…
–يا مريم
متي ترسو المراكب وترقص الأسماك على وجنتيك؟؟…
متى يغفو الربان عاشقا على نهديك
و يرسم المسار على حلمتيك؟؟…
يا مريم
في سحر عينيك
أشتهي الجنون
اشتهي الشرود
أصيرُ بريقا في مقلتيك
لآلئ ضوء على شفتيك
يا مريم حين تخجلين
ترسمين البسمة ضياءً للياسمين
شعرك أسود يداوي كل عاشق مسكين
يا صاحبة الدلال والجمال
يا عاشقة الشعر والنثر
ضعي العطر على صدر الخيال
حبيبتي…
متى يسكرُ فيك نبيذي
ويرتعش فيك عنبي وتيني؟؟
أنت قدحي وخمرة عيوني
مريم…
متى أصير عصفورا طائرا حرا فوق حلمتيك؟؟
أراهما برجين لمراكب جنوني
عاشقك أنا…صدّقيني
اقتليني على نهديك مزّقيني
حبيبتي
في عينيك يكمن سرّ وجودي
ينمو شرودي
ضياعي وسحر الجفون
هل تعلمين أنك الياقوت والمرجان؟؟
أنك اللحن والريحان
أنك الانبعاث الذي بعثر كل الأوراق
قدرٌ ساقني إليك
رسم صورتي على وجنتيك أجمل قصيدة وأجمل مرآة
أرى من خلالك انعكاسي
قلتِ لي يومها
أنك توأم روحي
مريم قبليني ولا تبالي
ضعي القبيلة بعيدا عن حقيقتنا
ضعي العشيرة بعيدا عن ذواتنا
اسمعي نبضي وسط الفنجان عرافة
تقرأ كف الرمان
تعالي و انظري إلى عشقي وسط التراب
ينضح ماء وسط الشلال
أنت تمثال حريتي وضياء قصيدتي
–أنا وأنت رواية و ألف حكاية…
عشقنا اختراق اخضرار…
احتراق أيقظ الجذور من الأوراق
الأشجار
الصفصاف…الزعتر والعرعار…
ترانيم العنب
تراتيل التين في سحر الأقداح
–حين تنطقين
أصيرُ خمرا في الغواية
أسكرُ لحنا في الحكاية
يذوب الشيطان عشقا في الرواية
وسط الخيال أصيرُ شمعة
وسط المجاز أصيرُ نغمة
أكتب القصيدة على نهدي الموال
يتيه العقل منّي
يبتعد عنّي
يأتي الخيال أميرا نحوي
أصيرُ أنت في دَفْقِي
تنساب الكلمات
تسكرُ العبارات
أشيد قصرا من أسطورة المفردات
أولِّدُ المعنى من أجنحة الفراشات
في سحر العيون
يتلاشى الزمن والوجود
يتجلى الشرود عشقا في الخلود
نصيرُ قصيدة
نصيرُ إله إيروس
ماذا أفعل بك يا امرأة الجنون والدلال؟؟
سحرتني رقصات الرمش والعيون
ثمالة عاشق وسط الشعر
وسط النثر وسحر الفنون
–حبيبي…
حين تغفو الحروف وتدنو الرموز
أصيرُ قصيدة حرّة على لسان عاشق مجنون
اقتربتُ من شفتيها، ارتعشتْ رعشة استسلام، نامتْ في السكر آية…قالتْ…
– أخافُ عَيْنَ قبيلتنا… تذبحنا إن علمتْ لقاءنا
– الأشجار الكثيفة وبقايا الأطلال الجميلة
توأم السماء
توأم الماء
لا تخافي الأنياب
ستنمو الأزهار…
لتحمي عشقا تَقَدَّسَ في الأعماق
– حبيبي…
ارسمني سردا ماتعا في نصّك
اجعلني رواية لعصرك
اجعل مفرداتي تاجا فوق رأسك
ارسمها من خلالي لوحات فنّ تشكيلي
مُشَفّرَة بالبنفسج والألوان الهاربة
اجعل التكاثف والتداخلَ رموزاً
تُضيء عقلَ شعبي الأسيرَ
– حبيبتي…
على جسدك ينمو المسرحُ الفوكوي
يَنْضَحُ النبشُ الآركيولوجي
الحفرُ في النهد تَحْطيمٌ للقيود والأغلال
الحفرُ في الكهف استنطاقٌ لمخطوطات الأجداد
رسما الطريقَ بالسيف والرماح
– حبيبي…
في موت الإنسان تخرجُ الأفكارُ من غياهب الخيمة والرمال
تبوحُ من خلاله بوحَ الفتنة والاقتتال…
– قال نيتشه.
في موت الإله تموتُ التمثلات والتصورات
تنهار انهيار الجليد في الرمال
في البقايا ميكانيزمات اشتغال
تتحرّك في الخفاء
تُعيدُ إنتاجَ نفسها ومن خلال السياق
تلبسُ ثوبا جديدا
قابيل وهابيل يهمهمان خلف الكلمات والألوان
الخطيئة و نزعة الخلود والبقاء
الإنسان الحيوان يرسم اللسان ذئابا أو بلابل غناء
– حبيبتي…
في قبيلتنا وعشيرتنا صراع على الأرض والماء…
يسجدون للرب والقلب مليء بالكره والأحقاد…
نفاق اجتماعي…نفاق ديني وقناع سياسي
في التأويل تكرار وألف أصنام
يعبدونه على سجاد التمثلات
على سجاد التصورات…
– حبيبي… يجب أن أعود إلى بيتنا… لقد تأخرنا…
–مريم… لقد سمعتُ صوتا هناك…اختبئي…
– يا إلهي… لقد عرفوا مكاننا…سيقتلوننا…
في هذا الزمن الحزين، يجتاحنا الخوف اللعين، ضممتها على صدري، دَفَنَت رأسها في موتي، سيف القبيلة ذبّاح، لا رحمة فيه ولا شفقة، رفضوا زواجي بمريم، قالوا ابن عمّها أولى منّي، في الإرث مصالح اقتصادية وميزان قوى، لا علاقة للسماء بالأطماع الأرضية، فاطم تعشقني ولا تبالي بالتفاهات، تنزع نحوي، تريدُ رسمَ عالمي بلا خرائط ولا ثقافة بالية، نحن خارج سياقهم، خارج لعبتهم الدنيئة… فجأة بدأ الصوتُ يخفتُ تدريجيا، انتابني الفضول لأعرف ماذا يجري؟؟…
– حبيبي… إلى أينَ أنت ذاهب؟؟
– ابقي هنا… لا تتحركي من مكانك…
– لا…لا…لا… لستُ جبانة… أريدُ الموت في سبيل عشقنا…
كسّرا الصمتَ بقدميهما، اخترقا الأشجار الكثيفة، يمشيان بخطى الحمام، يداه اليسرى تُعانق يدها اليمنى، فاتنة ساحرة، شعرها أسود سواد الإثارة والجنون، مسدول على كثفيها، حركاته والريح الهادئة سيان، يرسمان الاخضرار والجمال، رشيقة وعميقة، كلما التفتُ إليها أصابني العشق مرتين، لا أستطيع الابتعاد عنها، هي روحي وتوأمي…
– حبيبي… توقف…
– ما بك؟؟…
– قَبِّلْنِي قبلة التراب واجعلْ من لساني حرقة تنعى حزن السماء…
رفعتُ رأسي إلى صوت الحمام، دنوتُ منها دُنُوَّ اليمام، أغرقتُ نفسي في كأس الغرام، قبلتها قبلة الظل والظلال، فجأة كسّر الصوتُ حديثَ العشق والعشاق، اختبأنا خلف شجرة كبيرة، نسرقُ النظرات من بعيد…
– حبيبي… إنه الرجل الأمريكي الغريب…
– إنه مايكل سميت…
مقطع من رواية ” أنين جمجمة”

بقلم : باسم عبدالكريم العراقي

{ فصول من مسلّة العشق العراقي / تبحث عمن يكمل ترجمتها }

نُقِشَ على احد جوانبها :

شرع مواطنن بصري يسكن بيتاً طينياً في جفن حقلٍ نفطي ، بترجمة اولى فصولها، الا انه

اعتقل في اليوم الاول للتظاهرات الاحتجاجية ، ولم بُطلق سراحه حتى الآن

لأنه يرفض التوقيع على تعهد بعدم عودته للمشاركة فيها ثانيةً . ويتولى معتصمون

من شتى اماكن ومدن وادي الرافدين ، اكمال ما بدأ به …رغم تعرضهم للاغتيال ……

انسلال …/ لا اجابات ..؟؟ …. :

مَن هــ…….

غرباً ….. بصاقُ أرصفةِ الضباب ..

شرقاً ….. نُعاب [ باب ] اليباب ..

………………………………………ـم !!؟؟؟

ارتقاب !!! / لا اسئلة … :

احمَرُ الفجر* .. اورقَ …

مواسمَ ظَماء ….. وسّغب ..

…..الافواه .. تمضغُ

شهقاتِ الوجوم ..تعاقر اللهب

تزدرد .. { ميليشيا بلا لثام تختطف ابن الهيثم }

… الانين … و الصبر يحتطب

اضلاع الوجل ….لبشتجرَ في العيون

ضرامُ نبضِ الغضب ..

….( الطرقات تتربص بالخطوات )

موسم البذار ../ جواب بلا سؤال… :

…{ كتلة تطهير : عُتبة مطلوب وفق المادة 4 ارهاب

………..على ابيه غزوان تسليمه إلينا بأسرع وقت }.

..عيون الخصيب*… واحات… رماد..

تنزف الحنين جمراً… لموؤودِ البعاد …

فيجترح…{ دور النفط موصدة الابواب ، مشرعةُ الشبابيك }

في مساجد السراب

كبيرةَ إثمِ الحلم :

…كأنَّ…. اباه شقُّ إيوانَ وأدهِ… وعاد

على اجنحة سندبادية

.حاملاً على وتينه ..{ شاهد عيان :سيدة البشارة تلوذ بجامع الفقير }

للقصرِ* أمَّهُ السبيةً

في ارشيف الحرائق …

…و…اذا .. اربابُ المُحول

……يسلخون عن تموزَ الفصول

منفياً من كل الحقول../ ..يـ…ـنـ. ـأ ..ى ……..القـ…ـمـ..ـر

شريداً .. يقيم لنخلته ………. مزار

بين شـ……ـطِ السّغَب……. وأُوارِ العشّار

… يخصفُ ملح جنات* القِفـــــــــــــــــــــار

على عطشِ ………. عـ…ـشـ….ــتــ….ـا…..ر

…….عـطشٌ { مستعطٍ مقيم: التومان يطارد الدولار في شارع دينار }

……….عطشٌ …/ الـ…ـ. ـر ..يـ…ـح.. تصـ…ـر.. عـ….ــر..ا…ق

…………عطش

….. لا …. رجْعاً { تعميم مذكرة اعتقال بحق واصل بن عطاء }

غيرُ الـ ……ـغُـ…

{ محاولة لثامية لتهجير الإمام الشافعي }….ـبـــ

………………..ـا…..

…{ الرميلة لاترضع صغارها }…………………ر …

…..(

فصل الحصاد ../ سؤال بلا جواب … :

الضروع … مصطبرةً تلوك الجوع

لعلَّ البسملة

لمرّةٍ … مَرَّة

تسَّاقطُ رغيفاً ..( الجياع يتجمهرون في سرادقات عزاء السنابل )

…………….. لا حَوقَلَة …

…./ عـ ……ـيـ .ـنا ..كِ…..غـ.. ـابـ……..ـتا … ..

تفتي بفجور

سنبلةَ { :توقيف ابن سيرين بتهمة تفسير احلام العصافير}

……..المطر

……………مط……..رٌ

………………..مـ…ط….

..{ انتفاضة شارع النضال تعبّد شارع الوطن }… م……، … .. .

كونها بغتْ .{ بيان : تقرر منع ( صوت صفير البلبلِ ) لأسباب امنية }

اذْ رقصتْ

على شفاهٍ قد ضوَتْ

.{ناشط مدني: المتظاهرون يبحثون عن التوأمين ماء وكهرباء تولُّد 1932}

فعذُبَ الرُّضاب

ثم شَدَتْ (عواجل فضائيات احزابية :اعتقال مندسيـ .. مخربيـ.. متظاهرين ).

من غيرما حجاب :

(( افنى واموت على البصرة)) *

وغازلتْ خور* الخفر { الكتلة الاكبر: مجهول احرق مكتبة الاصمعي

…………………….لكننا انقاذنا كتابيه ( الوحوش ) و( الشاة) }………..

فردّدَ ترنُّماً .. :

(( عودْ إلحبيبكْ عودْ ..)) ../ الـ … ـشـ…ـمـ..ـس …أ..ـمـ..ـل …

..و رقصها مفسدَةٌ

غناؤها …. ظلالةٌ ( دهس محتجين بعجلة مكافحة الارهاب …

حدُّهما وجوباً

جَلدٌ و نفي من ( الاحتجاجات تجتاح ميادين الجراحات ) الربوع

من غيرما امل ….بالرجوع ..

….و …{ عاد اخوان الصفا من منفاهم للمشاركة بالاعتصامات }

..من جديد …ذات الخُرور

لعتيدِ زمزمتهِ متوسلاً …خمودَ…وهجِ الوادي التليد ..

و…من جديد .. تضجُّ بالحسيس اقبيتُهُ الغارقة …بالبخور …

فيعيد الهشَّ.. بصولجانهِ ..على ظهور مسوخهِ العبيد …

كيما يجأروا بآلائهِ .. بين جموع … يلوكها النزوع .. :

هو من يتنزّل عليه ….وحيُ الغائبِ المحضار

بأسرار قدسي البذار …لينشرَ في قلب البوار

فرادسَ دانية الثمار … فيها زلال الماء انهار

فهو جنتكم وهو النار…. فأطيعوه مالكم خيار

….{تقرر توزيع تنور ابن المقفع على المرابد مجاناً}

… ينعبُ الصدى …. :

……………..{ تنهال على الشط ، رسائلُ كارونيةَ المبازل

……………….ملحيةَ النوازل ، ينقلها مكرهاً لحبيته حناء البساتين }

..الحشرجات التنّومية. تختلج في الصدور المشخابية

ترسم ، ميسانيةَ النشيج ،….قسماتِ هشيم البساتين البرجسية ،

…تكابر … تعتصر عنادها … لتسقيه زقزقةَ ..

ضحكاتٍ جيكورية ( هتافات بابلية الهزيم ترددها الساحة العشرينية ) ..

تحظُّ..على شرفات الوشوشات الشناشيلية ……………

…….عن مشحوف اسمر مخر طامي لجج الحرائق الهورية ..

…./ أ..يخـ …ـو ..بلا…ه .. ا..ن….خا…فكيـ .. ـف يكو..ن

حاملاً أبوذيةً اوروكية…. لثغر قيثارةٍ اورية … …

….فتصــــــــــــــــــدحَ بالوعد …… ســــــــــــــــــاحةُ سعد *.

… ( يفيد مراسل صحيفة جذور النور ، يهرب من القناصين

…….مزدوجي الرصاصة : ثورة الصدور العارية

………….. ترفع شعار ـ الفجر الابيض )…

…..

…السؤال عرف الجواب …. :

…..والوعـــــــــــــــــــــــــــدُ

…………..{ جاء في رسالة الجاحظ ( في استنجاز الوعد ) أن

……………..الخضراء انطلقت من حيِّها* لتحرر اختها

………………………………… من منطفتها السوداء }

………………………………..عـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهد … ؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش :

اولاً/ النص الاصلي موزع على 4 نصوص الاول/ المتن الظاهر، والثاني محصور بين

القوسين { ..} ويتضمن اشارات تاريخية و ادبية تراثية واماكن بصرية ، والثالث

محصور بين القوسين ( .. ) ، والرابع ابيات شعرية سيابية مقطعة ومحذوف

بعض حروفها لغاية رمزية معنوية ، وهذه الابيات مذكورة بعد العلامة /

والمعنى النهائي للنص الاصلي يتشكل من مجموع معاني النصوص الاربغة

ثانياً / معاني الاشارت المؤشر عليها بالعلامة * :

ـ الفجر : اشارة الى معركة احتلال العراق 2003 التي حملت اسم / فجر الغراق

ـ الخصيب و القصر : اشارة الى مدينة ( ابو الخصيب ) وميناء ( ام قصر ) البصريتين

ـ جنات : اشارة جمعية الى ( جنة عدن ) التي يرجح بعض المؤرخين انها مكانياً كانت

في موقع مدينة ( القرنة ) الحالي

ـ مامذكور بين القوسين المزدوجين (( ..)) مقاطع غنائية بصرية باللهجة الدارجة

ـ خور : اشارة الى ( خور الزبير ) و ( خور عبد الله ) البصريين

ـ سعد : ومفردة ( ساحة ) بعده ، اشارة الى ( ساحة سعد ) في البصرة وهي المكان

الذي انطلقت منه انتفاضة عام 1991 ضد النظام الشمولي السابق

ـ حيها : اشارة الى ( حي الخضراء ) احد احياء البصرة

ـــــــــــــــــــــــــــ/ باسم عبد الكريم العراقي / وادي الرافدين

دراسة نقدية : بقلم ( باسم عبدالكريم العراقي )

{التجنيس والنوع الادبي لنص / ضجيج ضوء}

للاديب الشاعر والقاص المغربي ـ حسين الباز ـ

النص ( ضجيج ضوء )

**********”*********

..أسدل عليه الستار،،يحب النور معاقرة الظلام لينطفئ،ضجيج مكرومغناطيسي يتسرب لأذنيه ، كان شعاع ضوء خافت يعبر شق نافذته،، أخذ يتقلب بين الروح والجسد، فقد البوصلة إلى روحها..!

_تعري لأراك موطني..! (قال لها)

_ لا موطن بصدرك لجسدي.! ( ردت )

..العشق جسد ممتد على سرير، يأوي الرعشة ، ينبض القلب،يطيل عمر الوقت، دائم العطش، يهوى الهمس و اللمس …!

.. ضوء متسرب لضميره ، خفقان أشرعة الغرف تتدلى ، يجذف للريح بأجنحة متكسرة ، على رضابه انتحر الكلام موجة لليم ، أضاع شفاهها..!

..غرف سرمدية بنوافذ للأمل مشرعة ، و لا يبزغ منها غير ضجيج أمس، كل الأقدار مترصدة، واقفة دونما كلل،لا تعبق باليائس، بالمنتحر، بالفاشل، تقف له سدا منيعا، تقلب مواجعه، تفتح الأبواب غرة،، يمر من يمر، و تقفل..!

..ما يعكر صفو الضمير فهو ضجيج ، و لو كان خرم ضوء من عتمة إبرة..!

_حسين الباز/المغرب_

………………………………

الدراسة :

********

القراءة الأولية لهذا الأثر الأدبي ، تكشف لنا عن خصائص بنيته الفنية التالية :

1 ـ توفر عنصر الموضوع : وهو مستمد هنا من ثقافة الكاتب

2 ـ وجود فكرة : اساسها وجهة نظر الكاتب وموقفه من الحياة بما فيها من متناقضات ومشكلات انسانية متعددة ( فكرية ، سوسيولوجية ، سياسية .. الخ ) ، يريد الكاتب ايصالها للمتلقي

3 ـ سردية الاسلوب، ببنية لغوية متعددة العناصرمثل/ التكثيف الوصفي والصوري، أنسنة الأشياء، الخيال ، الرمز ،الإيماء والتلميح

4 ـ وحدة الحدث ، والمكان والزمان ،

5 ـ تحقق عنصر الحبكة ، وان بنوعها ( المفكك ) فلهذا قصدٌ دلالي كما سأوضحه لاحقاً

6 ـ وجود عنصر الصراع ، وهو هنا داخلي ( معتمل في اعماق الشخصية المحورية في النص )، وهو صراع ادّى بتشابكه الى خلق ( عقدة ) ، مهيمنة على عموم النص ( عقدة ممتدة) / بلا حل ( نهاية مفتوحة ) ، لغاية سأتطرق اليها لاحقاً ايضاً

7 ـ وجود شخصية / بطل القصة : المشار اليه بضمير الغائب المتصل مرةً ، كما في

( عليه ، أذنيه ، نافذته ،ضميره ، رضابه ، له ،مواجعه ) ، والضمير المستتر بتقدير/ هو، مرةً اخرى كما في الفعلين ( اخذ ، فقدَ )،

7 ـ وجود الحوار ( وان كان يتيماً ) المكثف الاشارات وبازاحات حادة

8 ـ سطح النص متعدد المقاطع ، بأطوال مختلفة / تعددية الايقاعات البصرية

ان توفر كل هذه الخصائص الفنية ، في هذا الاثر الادبي ،تجعله متقاطعاً لغةً فنية

وبنيةً اسلوبية مع هذه الاجناس الادبية :

* قصيدة النثر فهي بإيجاز : قطعة نثرية موجزة ، موحّدة، ، بإيحائيه غير محدودة ، لها إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على تتابعية الألفاظ ، وتكاملية الصور .

*الخاطرة الشعرية لانها : تعبير عما يجول في خاطر الكاتب ورَوعه من مشاعر وعواطفَ خاصة بالكاتب ( انفعالاته الوجدانية ) ،في شكلٍ أدبي يكثر فيه استخدام التزويق اللفظي والتصوير المكثف ، والايحاء ، فهي وليدة لحظتها، حيث انها تُكتبُ عند حدوث الشيء أوبعده بقليل . والغاية منها التأثير على مشاعر المتلقي ، لذا فانها

يمكن ان تُلقى منبرياً لإحداث ذلك التاثير بصورة اسرع واوسع.

* الأقصوصةً : كونها غاية بالقِصَر في الغالب ، لاتتجاوز كتابتها سطراً

واحداً او اسطراً قليلة ،فهي أشبه بالومضة ،الخاطرة او اللقطة القصصية ، وعناصربنيتها الأسلوبية : الإيحاء ، شدة التكثيف و الأختزال .

غائية مضمونها ، يغلب عليها طابعَا السخرية ( الهجاء اللاذع و الفكاهة السوداء ) والمفارقة ( جمع المتضادين / النقيضين )، ليشكلا اهم مركبات بنية رسائلها الخطابية المنتقدة للظواهر والاحداث (العامة / الخاصة ) السلبية والاستلابية للمعاني الانسانية .

لوجود كل هذه التقاطعات البنيوية و الخطابية ، فإن التجنيس الأدبي لذلك النص هوانه ( قصة قصيرة )

وبغية التعرف على نوعها سأقوم بتحليل نصها اعلاه وتفكيك اشاراته وبنيته الدلالية :

وسابدأ بعتبة القصة / عنوانها ( ضجيج ضوء ) :

القراءة السطحية للجملة بدلالتها النحوية تشير الى / شبه اضافة ، فالمفردتين نكرتين تولَّدَ من تقاربهما معنى شبه معلوم ، فالضجيج غير معروف المصدر ولادرجة شدته وكذا الضوء ،الذي جهلنا لونه بالاضافة لما سبق ، كما ان هذين المتضايفين لم تنشأ بينهما اية علاقة معرفية ، تاريخية او آلية ، مما يحققها التضايف الحقيقي ، كما ان حذف (المبتدأ) من جملة ( العتبة )..زاد من ضعف تخصيص الخبر ( ضجيجُ ) بما بعدها ( ضوء ) ،اما الدلالة المعنوية للاشارتين / ضجيج ، ضوء فتفكيكهما :

ـ ضجيج : دال مدلوله اللغوي : جعجعة ، ضوضاء عالية من الأصوات غير المفهومة ..غير مرغوب فيها ، وهي اشارة إحالية خارجية ( خارج السياق النصي ) ، سياقها العلمي / علم البيئة يحدد دلالته : انه من ملوّثات البيئة / التلوث الضوضائي

المقاربة الدلالية : فوضى / عدم اتساق صوتي يثير النفرة والانزعاج

ـ ضوء : دال مدلوله : النور ، فضوء الشمس : ما يشيعُ منها من الانبلاج حتى المغيب وهي اشارة احالية خارجية ايضا ، سياقها العلمي / الفيزياء :

طاقة مشعة تجعل الاشياء مرئية ،اي انه مسؤول عن حاسة الإبصار.

المقاربة الدلالية : انتظام / اتساق اشعائي يُسبب الرؤية ( لولا انتظام الاشعاع لما حدث الابصارالواضح )

بتجميع الدلالات المتحصلة من التفكيك :

فوضى / لااتساق صوتي مسموع + انتظام / اتساق اشعائي مرءٍ = تقابل نقيضين

المعنى الظاهر للعتبة : لا دلالة معنوية لها / لغة بيضاء

اما تاويل المعنى العميق لها :

الضجيج والضوء مثيران متباعدان ، لحاستين مختلفتين / السمع والبصر ، شبه تضايفهما في العتبة ، اخرجهما لغةً من السياق الدلالي المعنوي ، الى لاسياقية ايحائية ، رسَمَ / شكّل صورةً ( صوت مرئية ) خيالية منفلتة من منطقية الوعي ، بإحداث تداخل ( تراسل ) حسي ، بين اشارتين مختلفتي الدلالة مما يجعل العتبة ميتاواقعية القصد ، عبثية الرسالة ، لاتمثل مفتاحية نصية للقارئ ، مما يوحي اليه انه سيدخل عالم قصة مختلفة موضوعاً وفكرة مع ما عرفه سائداً من مضامين ورؤى فيما قرأه من قصص قبلها ،وان البنية الدلالية لهكذا عنوان ( ضجيج ضوء ) متقاطعة مع المألوف ، لغةَ ، اتساقاً دلالياً و تركيبيا ،و مارقةً من حدود جمالياتها الفنية ، و هذا التركيب العبثي للعتبة وما تبعثه من ايحاء هو من خصائص القصة السريالية ،فهل نحن امام قصة من هذا النوع ؟ سأعرض ادناه ،على عجالة، الخصائص الفنية لبنية القصة السريانية ، ومن ثم اقوم بعقد المقارنة بينها وبين الخصائص الفنية لقصتنا التي ستحددها قراءتي اياها لاحقاً . فان تحقق التقارب بينهما ، فهذا يعني ان القصة سريالية ، وان لم ، فسيكون لقصتنا تصنيف نوعيٌّ اخر .

خصائص بنية القصة السريالية :

1 ـ مواضيع القصص السريالية وهيكليتها الفنية :

تدور حول ابراز التناقض في الحياة الواعية ، و التحرر من سيطرة العقل ومنطقية احكامه وقياساته الفكرية ( الايديولوجيا ) في التعاطي مع الاخر الموضوعي ، لذا فليس هناك (مواضيع) وفق ماهو محدد في الفن القصصي المعروف ، وعناوينها لا تمت بصلة اليها ( عتبة اللاعتبة ) فهي هذيان ، في عوالم غرائبية منفلتة الخيال ، كاسرة لحدود الواقعي / اللاواقعي ، لاهيكلية فنية لها ، اذ لاوجود لوحدة العمل الادبي ، ان هو إلا مزاج انفعالي يسود فضاء القصة، ومقدمتها / المطلع ، منقطع عما بعده ولايمهد له ، لانهاية ، عموم الشكل فوضى بنائية لايفهم منها شيئا الا بتأويل اشاراتها و رموزها انطباعيا بعيدا عن كل منهجية تحليلية

2ـ افكار واحداث القصة :

البحث عن ( الحقيقة)، باللجوء الى اللاوعي / اللاعقلانية ، فهي عندهم مكبوتة في اعماق النفس البشرية قابعة في العقل الباطن للفرد وأحلامه وذاكرته ، و إبعاد اي وجود للعالم الخارجي / الآخر( الجمعي والافكار الموروثة) ، فهي افكار منغلقة ، لاتواصلية ، لامعنى لها غرائبية الاشارات والدلالة فهي مثلا تؤنسن غير العاقل و الفاقد الحياة ، وبالعكس ، وتُنطقُ ما لاينطق ، الخ

3ـ اللغة وبنيتها الفنية :

تلقائية آلية دون تدخل الوعي ، متدفقة بلا منطقية او انتظام سياقي لغوي او دلالي فهي خارج نطاق الجماليات والاخلاقيات وضوابط الرقيب الداخلي ( الانا العليا ) او الخارجي ( الاحكام والقياسات المؤسساتية ) الممثلة بالقواعد والمعجمية اللغوية ، لذا فهي ترفضها وتثورعليها من خلال افقادها معناها، وهدم سياقاتها الزمكانية والصوتية ( لاايقاعات منتظمة وفوضوية نبرية / صوت الحروف في الكلمة) وغيرها ، وكسر علاقة الدوال بمدلولاتها

ومن خصائصها الدلالية :

العبث، الفوضى،الهدم، العدمية،التضاد ، اعتماد التداخل الحسي والخروج بالواقعي الى مافوق الواقعي وبالعكس ، لرسم صورها

4ـ بؤرة ثيمة القصة السريالية ( موقفها من الاخر ) : رفض العالم و النظام الاجتماعي لانهما يصادران ( الحقيقة ) ويكبلان الوجود الفردي باغلال أحكامهما وقياساتهما العقلية الاخلاقية القامعة لحريته الكاملة

قراءة بنية القصة بقصد تحديد خصائصها الفنية :

تبدأ القصة بجملة فعلية مبنية للمجهول :

* “أسدل عليه الستائر”

القراءة السطحية لبنيتها النحوية :

الاشارة الفعلية / أُسدل : دالة حدثية ماضوية البدء مستمرة الحضور انياً

دلالة على تواصل الاثر وديمومة حدوثة / المقصود بإشارة الضمير المتصل / الهاء ) مؤجل الهوية ، غير محدد الملامح

قراءتها العميقة ( التحتانية ):

مطلع او مقدمة القصة غير مفهوم ، غامض ، لايمهد او يؤسس لبناء توقعٍ ما، لما سيلي من احداث/ بداية توحي بالتمرد على هيكلية البناء القصصي المتعارف عليها .

مما يقربها من الخصيصة السريالية رقم /1 ( المقدمة لاتمهد لما بعدها )

ثم تأتي بعدها العبارة :

* “يحب النور معاقرة الظلام لينطفئ ”

فراءة سطحها :

الاشارتان / يحب ، معاقرة ، احاليتان خارجيتان ، سياقهما الاجتماعي ينسبهما الى جملة الافعال الانسانية ( مع اعتبار ان الانسان ارتقى بمفهوم الحب من مرتبة الحاجات الغرائزية البحتة ،الى مصاف العواطف ، مما لم يغادره الحيوان )، الكاتب اذاً قام ( بأنسنة) ماهوغير حي / النور ، بجعله يشارك الانسان فعلَين من أفعاله الحصرية ( يحب ، معاقرة من / يعاقر ) ،

القراءة التحتانية : النور بدلالاته المتعددة يبحث عن الانطفاء /اي نقيضه ، عن طريق الهروب بالمعاقرة / عاقر : فعل تحولي من الواقع الى اللاواقع باللجوء الى وسيلة واعية ( تناول الخمر) ، الصورة هنا :

غير منطقية مركبة من ركنين متقابلين / لاواقعية المعنى

مقاربة القراءتين معنوياً :

لاعلاقة سببية او ارتباطية بين العبارتين السابقتين ، حيث لايوجد مسوغ لإعتبار ذلك الضمير المتصل يعود على ( النور ) ، فالإنسدال يكون على مصدر النور لا ( عليه )

وهنا تقارب ملموس مع ذات الخصيصة السابقة ( لاوجود للوحدة الفنية ) وكذلك مع الخصيصة 2 ( انسنة غير العاقل او الحي) و3 ( الخروج بالواقعي الى اللاواقعي ، الهدم )

واذا ما حللنا سطح بنية العبارة الثالثة :

” ضجيج مكرومغناطيسي يتسرب لأذنيه ” .

نجد ان الاذنين تحولتا لجهاز استقبال اصغر موجات الاتصال ، يتسرب ضجيجها اليهما من لامكان !! مع مجهولية المصدر، و الفحوى ، مما يغرق العبارة بالغموض / خلل واضح في بُنيَتَيها النحوية والدلالية / افتقاد العبارة للجمالية التعبيرية

كما أن علو صوت و نشازية وقع حروف مفردة ( مكرومغناطيسي ) ، لاسيما اصوات حروفها ( الكاف ، الغين ، الطاء ) في سياق العبارة الصوتي ،سبب نفور و فوضى ايقاعية مع صوت ( الجيم / اخر حرف في المفردة التي قبلها ) ،حيث طغى صوت الكاف على صوت الميم قبلها ، وكذلك التعثر النغمي الذي تستشعره الاذن عند الانتقال من الوقف عند اخر حروفها ( الياء الساكنة ) الى انسيابية الصوت عند تلفظ ( الياء ،التاء وسين / المتتاليات والمتحركات بذات الحركة / الفتحة ) في المفردة التي بعدها / يَتَسَرب

مع كثرة التوقفات الايقاعية الداخلية بين حروفها ( وجود الوقف بالسكون بين كل حرفين فيها وكما يلي بعد فك تشديد يائها قبل الاخير : مكْروْمغْناْطيْسيْيةْ )، هذه التوقفات المطفئة لإنسيابية نطقها تجعل بنيته صوتية ( اعني سلوب إيّاه )مضطربة الاتساق بشكل تمجه اذن القارئ / لاجمالية ايقاعية

القراءة العميقة :

لاجمالية تعبيرية + لاجمالية صوتية ( فينولوجية ) = تركيب دلالي صوتي مشوّه وغير مفهوم المعنى ، وصورة رسمها خيال منفلت من كل ضابط او مقياس جمالي او فني .

وهذه القراءة متقاطعة مع ذائقة المتلقي ،

هنا تقارب شديد مع خ 2 ( غرائبية الاشارة والدلالة ) و3 ( هدم السياق

الصوتي / فوضوية نبرية )

وتستمر قراءتنا لتصل العبارات المتتالية :

* ” كان شعاع ضوء خافت يعبر شق نافذته ” ،”أخذ يتقلب بين الروح و الجسد “،” فقد البوصلة إلى روحها..!”

البنية الدلالية :

الاشارة / خافت متعارضة مع الاشارة / يعبر = ضعف البنية التركيبية / حبكة العبارة مهلهلة

فعبور ( شق ) يتطلب شدة الشعاع

الاشارتين / الروح ، / الجسد : معرفتان غير مخصوصتين ، فتعريفهما (بأل) لم يزل مجهولية من يعودان عليه ؛ جسد وروح من ؟ مع فقدان الترابط الدلالي بين هذه العبارة والعبارة التي قبلها / كسر الترابط الحدثي ،

الاشارتين / البوصلة ، روح : أحاليتان خارجيتان ،سياق الالى الفيزيقي متعارض مع سياق الثانية الميتا فيزيقي / الغيبي ( الروح مفردة افتراضية الدلالة، غير علمية )

الاشارة ( ها) / ضمير الغائبة المتصل : دال ( حَرْفي ) بلا مدلول / لااحالة داخلية ماقبلية ولا مابعدية ، تحدد ماهية الغائبة التي يعود عليها / ضعف البنية النحوية ، وانعدام الترابط الدلالي مع العبارة ماقبلها

العبارات الثلاث فيها تقارب بين مع الخصيصة 2 / لاتواصلية دلالية، لامعنى لها ، وخ 3( لا منطقية ، لا انتظام سياقي لغوي او دلالي / هدم / تضاد )

وما ان نستأنف قراءتنا حتى يباغتنا هذا المقطع الحواري :

_تعري لأراك موطني..! (قال لها)

_ لا موطن بصدرك لجسدي.!(ردت )

فنتفاجأ ببنية لغوية عقلانية الاتساق ، مترابطة دلالياً مما يجعلها متعارضة مع لاواقعية بنى الحدث ، وعبثية الدلالات المعنوية ،في مجمل لغة المقاطع السابقة

فالاشارة ( المحاورة) تعني لغةً :

الديالكتيك / الجدل المنطقي ، بين طرفين ،يدافع كلا منها من خلاله عن وجهة نظره

في موضوع ما ، حيال الاخر، اي انها فعل عقلاني تشاركي غائي اختار الكاتب للتدليل عليه طرفين / اشارتين ، خارجيَّتي الإحالة / سياق معجمي ، هما :

ــ محاوِر(هو) / الاشارة( قال) : من فعل القَوْل وهو : الكلام / اللفظ ، قال به اللسان على ترتيب .

الترتيب = السياق / الانتظام العقلاني ، وهو مقابل الفوضى / فهو غير سريالي

ــ محاوِرة (الضميرالمستتر/هي) ، فاعل ( ردتْ على ) ،وهذه اشارة فعلية مركبة من:

ردَّ + تاء التأنيث + على

حيث تعدى الفعل بحرف الجر ( على ) الذي( حدد معناه) وجعله فعل اجابة ، لذا اصبحت دلالته :

رَدَّ ت عَليه : أجابَتْهُ

المقاربة الدلالية للمحاورة اعلاه :

جدلية منطقية غائية = هو / عاقل + هي / عاقلة ( لان إنتفاء صفة العقلانيه عن احدهما ينفي صفة المنطقية عن المحاورة) فتفقد معناها ،مما يعني ان الجدلية منطقية وليست سريالية.

فهل اراد الكاتب ان يختبر لاانطباعية قراءتنا، و موضوعية تحليلنا لمقاطع القصة ،

فجاء بهذا المقطع ككابح ، لنحد من سرعة تكوين قناعاتنا النهائية في تحديد نوع قصته

ومدى سريلتها من عدمه ، واذا ما فرغنا من قراءة مقاطعها اللاحقة ، وقد تحصلنا منها على ذات التقاربات مع القصة السريالية ( كما حصل مع المقاطع السابقة ) ،فهذا يستدعينا الى اعتبار ذلك المقطع ( بؤرةَ القصة ) / كونه يشكل اضيق مجالاًتعبيرياً يختزل بكثافة رؤية الكاتب ( الكاتب هنا حاضر في القصة بدور الراوي بدلالة استخدامه الضمائر الغائبة المتصلة والمستترة للمذكر والمؤنث كما تطرقتُ لذلك قبل قليل ) مما سيمكننا تحليلها / تفكيكها ، لاحقاً ، من توليد مقاربات دلالية تسهم ، من خلال تضادياتها / تواصليتها ، مع التقاربات المقطعية اعلاه، في تعرفنا على ملامح موضوع القصة والاستدلال على فكرتها ومعناها النهائي ، مما يجعلنا اكثر موضوعية عند تحديد نوعها .

و سأقوم بقراءة مقاطع الجزء مابعد البؤري ادناه ، قراءة يصح معها تعميم نتائجها

ومقارباتها الدلالية والمعنوية ، على باقي مقاطع القصة ، لتشابه البنى اللغوية والاسلوبية بينها ، الا ماتقتضيه الحاجة للاستشهاد ببعض فقراتها في القسم الاخير من الدراسة :

(..العشق جسد ممتد على سرير، يأوي الرعشة، ينبض القلب،يطيل عمر الوقت، دائم العطش، يهوى الهمس و اللمس …!) :

“لسهولة الاشارة لكل مقطع ساقوم بترقيمه بوضع/ حرف م ورقم يدل على تسلسله في هذه

القطعة كما يلي : المقطع الاول : م1 / الثاني : م2 ….الى اخر مقطع / م6”

اولا – القراءة التحليلية للبنى الدلالية :

أ – م1

تفكيك الاشارة / العشق :

هو دال حسي فرعي ( مُنتَج ) ، يوحي بدال اصيل ( منتِج ) له مركب :

عاشق + معشوق

له اكثر من مدلول منها :

*مدلول لغوي فرعي معناه : شعور جارف بالمحبة نحو ( محبوب ما ) ، يوحي بمدلوله اللغوي الاصيل : الحب بعنف وشدة

دالة الحب = شعور تشاركي ( متبادل) بين المحب والمحبوب معاً ، كل منهما ينتجه ( يولّده ) في وجدان الاخر

المقاربة المعنوية :

العشق مُنتَج عاطفي ( انفعال شعوري ) ينتج عن:

مثير / باعث له ( معشوق )+ مستجيب / مستلم له ( العاشق )

*مدلول إحالي خارجي / سياق علمي ( سايكو ـ بايولوجي ) :

يُعرَّف علمياً: هو توتر انفعالي داخلي في الذات الانسانية ( تولُّدُ إثارةً الغريزة الجنسية تزيح الاستقرار/ باعثة للتوتر) بسبب شدة شهوة (حاجة شديدة لاشباع تلك الغريزة ) عاشق/ مثار جنسياً ، لنيل المراد ( بلوغ الاستقرار الداخلي المزاح)

من خلال اتصاله ( مواقعته جنسياً ااشباع حاجته تلك ) بالمعشوقة / المثيرة / المسببة لاثارته بعينها الدلالة المعنوية : عاشق (محب ) + معشوق (محبوب) = عشق (شعور مفرط بالمحبة )

– المعنى المكوَّن من اعادة تركيب الدلالات المتحصل عليها من التفكيك :

هناك خلل في بنية الدلالة التركيبية للمقطع المذكور ( م1 )، مردّه عدم تناسقية مدلول

( العشق ) الفرعي والاصلي الخارجيين ( الخارجي ( شدة الشهوة لنيل المراد ..) وكذلك مقاربتهما المعنوية ( نيل المراد من المعشوق / دوام السعي واستمرارية المحاولة للوصول لحالة الاشباع الغريزي ) ، مع الاشارتين ( ممتدّ / متمطٍ : خمول وكسل ) و ( سرير / الانطفاء الحركي )

المذكورتين في سياق هذه البنية ، فهما متضادتان .

ب – من / م2 … الى / م6 :

– لاملامح للبنية الزمنية ، ماخلا مراوحة اشارات ( الآن) / يأوي ، ينبض ، يطيل ، يهوى) بدلالات ماقبلية المعاني، بجمودية ايحائية / لارمزية ، وانعدام الزمن في / م1

– لا ايحائية اشاراتية ، خواء الدلالات اللغوية ،

ثانياً ـ عدم اتساق البنية الدلالية السياقية :

اللاتماثل / لاتقارب الدلالي بين اشاراتها ، كما في :

العشق ( حسي غير مرءٍ ) / جسد ( مادي مرءٍ)

العشق ( اشارة لحركة مستمرة ) / ممتد ( اشارة للكسل والخمول )

العشق ../ يأوي الرعشة = لارابط دلالي ، علاقة كيفية بين اشارتين متباعدتي

الدلالة تضادية مع الاحالة الخارجية السياق العلمي المذكور اعلاه :

العشق / الرعشة = فعل / نتيحة : العشق يسبب الرعشة عند التعبير عنه جنسياً

ثالثاً – فوضى البنية الصوتية :

الايقاع النبري للحروف المهموسة الاكثر تكرارا في مفردات المقاطع الستة وهي: ( س ، ق . ش )

ليس على نسق نغمي منسجم مع ايقاع تلك المجهورة :

( ل ، ، د ، ط ، ع ، ر )

على سبيل الاستشهاد : كما في ( العشـ/ق/ /جـ/ـسد ) توالي ( القاف ـ الجيم ) وقْعٌ صوتي ثقيل ممجوج ،

مع خنق الصوت ( قمع الاسترسال وتوالي الايقاع ) بكثرة الوقف بالتسكين :

لو كنبتا مفردات ستة المقاطع كما نافظها ( تكرار الحرف المشدد وحذف همزة الوصل وكتابة نون ساكنة بدل حركة التنوين ) فستظهر تلك الوقفات المقطعة للسياق الصوتي لغاية عبثية لاتخدم الترابط ( الصوت معنوي ) للمفردة ، وعموم سياقها المقطعي ، وتهدم جمالية تعانق البعدين ( المرئي / المسموع ) لصورها المتخيلة ،وهذا ما ستوضحه كتابة تلك المفردات كمايلي :

(..الْعِشْقُ جَسَدُن ممْتدُدُنْ علىْ سريْرِنْ، يأْوِرْ رَعْشَهْ، ينْبضُلْ قلْبْ،يطيْلُ عُمْرلْ وقْتْ،

دائمًلْ عَطشْ، يهوَلْ همْسَ ولْ لَمْسْ …!)

نجد تقارب البنى اعلاه مع خصائص اللغة القصية السريالية التالية :

– خصيصة رقم ا : التحرر من سيطرة العقل واحكامه المنطقية / لاوحدة فنية للعمل الادبي / لاهيكلية فنية

– خصيصة رقم 2 : غرائبية الاشارات والدلالة / لامعنى

– خصيصة 3 : اللغة لامنتظمة نحوياً ولاسياقياً / خارج نطاق المعجمية المعنوية ، والجماليات البلاغية / لاسياق زمكاني / فوضوية بنيتها الصوتية

وهذا التقارب مع مضمون وهيكلية القصة السريالية وبنيتها اللغوية ، سيجده القارئ في باقي مقاطع القصة حتى نهايتها المفتوحة المنسجمة مع لامضمونها و( لاعتبة) عتبتها ،

وهذه التقاربات هي ذات ماتحقق مع المقاطع السابقة ،

قراءة تفكيكية تكميلية لبؤرة القصة :

عطفاً على ماتوصلت اليه ، فيما تقدم ، من مقاربة دلالية لحوارية البؤرة ،

ساقوم بتفكيك بنية اشاراتها ومن ثم اعادة تركيب الدلالات للحصول على مقاربات معنوية تساعدنا في تحديد معناها التحتاني ، مما سيمكننا من التعرف على ملامح موضوع القصة والاستدلال على فكرتها ومعناها النهائي ، وهذا سيجعلنا اكثر موضوعية عند تحديد نوعها

كقصة قصيرة : .

[ ــ تعرَّي لأراكِ موطني..! (قال لها) ]

(هو ) / وفق قراءة تحليلية لتلك البؤرة :

اشارة لأي غائب ( الغياب هنا مقصود لغرض التعمبم وعدم حصر القصد بمخاطب محدد )

– التعري : خلع الملبوس / مايحجب الجسد ، التجرَّد منه . التخلَّصَ .

وهو اشارة للتخلي عن شئ ملحوظ او محسوس / التخلي عن خلق او عادةٍ ما

– ضمير المخاطبة / الكاف ، له دلالة رمزية بدليل تعدد اشاراتها :

هي عارية = وطن مرءٍ

اذاً / هي محجوبة = وطن محجوب

بازاحة المتغير والابقاء على الثابت بكون معنى الرمز:

هي = وطن

لكن / هي ضمير يعود على كائن حي وهو زائل (بالموت) غير دائم ، على العكس من الوطن

لذا ( هي ) هنا = قيمة مطلقة وبما انها لاترى الا بالتخلي عما يحجبها ( وهذا الفعل يحتاج ارادة بالتخلص من الحجاب ) فالمقاربة الدلالية تكون :

هي = ثورة

القراءة بالارتكاز على هذه المقاربة

( هو ) يبحث عن وطن عارٍ عن كل ما يحجبه عنه ، ومن مرادفات هذا الفعل / يمنع ، يصد ، يَحْرم

فمن يمنع هذا الغائب عن الوطن ويحرمه منه ؟ هنا تتولد مقاربة دلالية اخرى :

هو العاشق لوطنه = مثيرباعث لقلق ( اخر ) فيحرمه من معشوقه/ يُغيّبه عنه

ومن يملك ارادة التغييب عن الاوطان لابد ان يكون سلطوي / زعيم اوحاكم طاغٍ ( فهو يحارب عشاق الوطن والوطن في عرفه ملك له وحده )

بإختزال المقاربة :

هو = دعوة للثورة على الطغاة

فتكون المقاربة القرائية لماقاله ( لها ) :

هو ( يدعوها ) لخلع جلباب الخنوع والخور ، والثورة على حكامٍ طغاة يذلون الوطن

والناس ، ويطبل ويزمر لهم اعوانهم و اتباعهم ويعلون ضجيج (المفردة العتباتية الاولى ) زعيقهم مسبيحين بإسمه ، مهللين لملاحم بطولاته وامجاده ، فهو ضوء( المفردة العتباتية الثانية ) الحق والعدالة ، يشع امناً ومحبة ، فيبدد ظلمات الخوف

فتجيبه متعجبةً ( ! ) بقصد استفزازه :

[ ـ لا موطن بصدرك لجسدي.!(ردت عليه) ]

النفي يقلع اليقين من جذوره بالحرف ( لا ) الذي ينفي جنس المنفي بعده ( موطن )

فهي تشك ان يكون قادراً على حمايتها ( من الدلالات المقابلة للتعري / التجرد مما يقي الجسد) ،فهو ( غائب ) / الغياب مكافئوه الدلالي : ترك المكان

ولانه عاشق مثير لحنق من امتلك الوطن ( المقاربة الدلالية اعلاه ) ، فغيابه كان اضطراراً لا اختياراً .. لكنها … عدَّته هروباً :

المقاربة الدلالية /

عاشق تخلى عن معشوقه = خذلانه وخيانته اياها

الشاهد النصي (فقدَ البوصلةَ الى روحها )

فان تعرت له عما يحجبها ، وبانت لعينيهِ بكل تفاصيل اسرارها ، لن يكون مؤتمناً على عهدها، فعشقه ( الاشارة اليه : صدرك / مستودع المشاعر) غير جديران يكون دريئةً وملاذاً لها يمنع عنها من يصادرها ويستبيحها ، فهو عشق لايجيد القُبل / مقاربته :

ترجمة الشعارات الى افعال 😦 على رضابه انتحر الكلام …..، أضاع شفاهها..! )

لتبقى اسيرة زنازين سماسرة عهر الطغاة :

(..غرف سرمدية بنوافذ للأمل مشرعة،، و لا يبزغ منها غير ضجيج أمس،)

وبين ( قال .. ) و ( ردت عليه ) تستمر جدلية الثورة المؤجلة ، وتظل ابواب الرهان على قدوم بروميثيوس ، لاتُفتح إلا لمن ينهش جسدها في تلك الغرف الزنزانية :

( تفتح الأبواب غرة،، يمر من يمر، و تقفل..! )

تحديد نوع القصة :

علينا الاقرار ان الكاتب تعمد زرع تلك ( البؤرة ) في جسد قصته المتشظي دلاليا ، اللامنتمي لعقلانية وهيكلية الفن القصص ، وجماليته الفنية ، ليرسم لها ملامح نوعٍ قصصي جديد ، اميل الى تسميته ( القصة مابعد السريالية ) ، فهي بسائر عناصرها الفنية ، و ادواتها التعبيرية وبنيتها الاسلوبية ، ترتدي لبوس السريلة للنفاذ من حواجز الرقيب الذي يُخدع بعبثية مظهرها الخارجي ، وجنون ثرثرتها اللغوية، المفككة عبارةً ، الممسوخة دلالةً ، المقطعة سياقاً، الآفلة زماناً وتزمناً ، على متون خرائب هيكلها الفني ، فيرفع لها عارضة ممنوعاته، لتجتاز حدود محرماته بهدوء ، دون ان يجد حاجةً لتكليف عيونه بتقصي سجل حُسنِ ( سيرتها وسلوكها ) ، ولاتدقيق اوراقها الثبوتية ، فلا خوفاً من مضمونها ولا افكارها على المؤسسات السلطوية ، او شمولية الحكام ، فدوالها شاردةٌ مدلولاتها من المعاجم ، عدمية المعنى ،عبثية ، منغلقة ، لاتواصلية ، مضيَّعَةُ العنوان فلا عتبة لها، لابداية ولانهاية ، تنفذ بأمان .. لتدخل الوعي فتبوح له بسرها الرافض لكل ما في الحياة من زيف وخداع ، ومصادرة للاوطان والانسان ،

ـ باسم عبد الكريم الفضلي / العراق ـ

درسة نقدية ذرائعية مستقطعة / عبدالرحمان الصوفي / المغرب

دراسة نقدية مستقطعة ذرائعية / عنوانها : الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي ) في القصة القصيرة المعنونة ب ( وأقعقع له بالشنان ) ل” صلاح هشام ”
الدراسة من إعداد : ذ . عبدالرحمان الصوفي ( طنجة / المغرب

– الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي )

1 – المسار السردي الأول ( السارد الناضج = الطفل ” المشاغب ” )

القص القصير فن أدبي منثور يسرد فيه الكاتب أحداثا معينة ، تجري بين شخصين أو عدد من الأشخاص ، يستند فيها القص على الوصف والتصوير ، مع التشويق ، حتى يصل الكاتب بالقارئ إلى نقطة تتأزم فيها الأحداث وتسمى ( العقدة ) ، فيتطلع معها القارئ إلى الحل الذي يأتي في النهاية ، ويشترط في القصة من الناحية الفنية أن تحتوي على ثلاثة عناصر ، أولها تمهيد للأحداث ، والثاني عقدة تتأزم عندها الأحداث ، ثم خاتمة ويكون فيها الحل . القصة القصيرة تصور جانبا واحدا من الحياة ، ويكون التركيز فيها إما على الحدث أو على الشخصية ، ولا يعنى فيها الكاتب بالتفاصيل وقد لا يلتزم بالبداية والنهاية ، وقد تدور أحداث القصة القصيرة على مشهد واحد ، أو حالة نفسية ما ، أو لمحة متخيلة ما …. يقول ” هشام صلاح في مقالة له عنوانها ” القارئ بين النص المفتوح والنص المغلق ”
: ” …. فالكاتب المميز يوحي ولا يصرح، يستفز ذوق وذائقة المتلقي وينتظر منه دائما رجع الصدى ليعكس إبداعه ،وفي بعض الأحيان يكون القارئ قادرا على تصحيح بعض التصورات والمفاهيم التي يعتمدها الكاتب ، فهو جدير بتوقيع شعرية النص، وأخص هنا النص المميز الذي يمتح من الرصيد الثقافي والمعرفي الإنساني ويغترف من ذاكرة الماضي والحاضر ، (في بعض مقالاتي قلت إن النص الإبداعي دافع من دوافع تنمية القدرات المعرفية للقارئ وتنمية مهارته في البحث والتنقيب ، لأن الذي لا يعرف أو لم يبحث في الرمز بالأسطورة ، أو الرمز بالتاريخ أو ماشابه ، لا يمكنه أن يقرأ نصا للسياب أو أدونيس ، والقاريء الذي لا يعرف التناص أو تقاطع النصوص لا يمكنه أبدا أن يقرأ (لإدكار ألان بو ) وهذه فقط أمثلة بسيطة ! ” . تبدأ أحداث القصة القصيرة ” وأقعقع له بالشنان ” ( من وحي شغب الطفولة ) بما يلي ”

( – أنا حمزة ، أنا الأمير ، أنا عاشق السيف والفرس، أنا السالب وردة العرب، وأنا مسلوبها، أليس كذلك يا صبيي٠٠٠ يا عمر٠٠٠ يا عيار؟
وألوح بعصاي في الفضاء، وأنا أمتطي عمودا كان دعامة بيتنا القديم، وأحلق كطائر مذعور في فراغ ممرات بستان الصبار الضيقة، دون أن أعير أشواكه المسننة اهتماما، وأتغنى بنتف من أشعار (مهردكار) ذات تحرش بفارس العرب٠…)

ركز ” جون بياجه ” على المكونات القاعدية لتمثيل الأشياء والخبرات لدى الطفل وقدرته على استدعاء واستحضار مخزونه المعرفي عند الضرورة . فطفل ” هشام صلاح ” استحضر سيرة ” الأمير حمزة البهلوان ” التي كان يستمع إليها المغاربة في مدنهم وأسواقهم وهي تروى على ألسنة الحكواتيين وخاصة قبيل امتلاك عامة الناس جهاز التلفاز ، أما حين دخل هذا الجهاز المنازل فقد أصبحت تستهويهم أفلام ” رعاة البقر ” التي أنتجتها هوليود ، وكانت تقدمها شاشة التلفزة المغربية خلال فترة السبعينات وبداية الثمانينات ، وأفلام أخرى تاريخية عربية مثل ” سيرة عنترة بن شداد العبسي ” وغيره ، كما كانت قاعات السينما في تلك الفترة تقدم أفلاما صينية عرفت متفرجيها بالتنين الصيني الأسطوري الذي يحتل مكانتة في وجدان وثقافة ونفسية الإنسان الصيني . فلاغرابة إذن أن يصير الطفل ” المشاغب ” ممثلا يقدم عرضه فيلبس الدور الذي يحتضنه .

2 – المسار السردي الثاني ( الطفل / سيرة ” الأمير حمزة البهلوان ) / التراث :

علامة التجنيس في كل الأجناس الأدبية ( قصة قصيرة ) ، لا تكتفي بتعويض الأشياء والإحالة عليها بناء على المواضعة ، بل تعمل على تحديد وجودها كذلك ، كما تفرض تحليل الجنس الأدبي ( القصة القصيرة ) بشمولية أكثر لأنها جزء من عملية عامة تشارك فيها مختلف المتغيرات التي بقتضيها كل حدث تواصلي ويتجلى ذلك في القصة القصيرة المعنونة ب ( وأقعقع له بالشنان / من وحي شغب الطفولة ) ، يمكن أن نمييز فيها بين وحدات متفاصلة تقوم بينها تقابلات دالة ( شغب الطفل / شغب الكتابة عند الرجل الناضج ) ، وبين ” القصة القصيرة ” عند صلاح هشام و ” وسيرة ” الأمير حمزة البهلوان ” السيرة الشعبية التي تعد من أشهر السير تماسكا وإحكاما تروي فصول دراما حرب طاحنة بين القومية الفارسية والقومية العربية ، بطلها حمزة العرب ، سيرة كانت تروى شفهيا على ألسن الحكواتين في الكثير من المدن المغربية وأسواقها …. ” أقعقع له بالشنان ” مثل عربي يرمز لممارسة طقسية محددة كما وردت عند الشاعر ” النابغة الذبياني ( كأنك من جمال بني قريش // يقعقع بين رجليه بشن ) ، وقال الحجاج : ” ما يقعكع لي بالشنان ” … الطفولة هي الفترة الزمنية من عمر الإنسان التي تبدأ بولادته وتمتد حتى رشده وهي ” مرحلة الارتكاز الأساسي في بناء الشخصية الإنسانية وأبعادها وأنماطها ” . طفل الكاتب ” هشام صلاح ” يتمتع بقدرة فائقة على التخيل الذي صارت انفعالاته فيه راغبة في التأر كرد للاعتبار للذات …

(…. لذلك كنت ترى جسدي النحيل- دوما – مطرزا بندوب تأبى أن تندمل، فعصا ذلك المعلم الأرعن تخضب بناني، وبلا انقطاع٠ ربما لأنه لم يكن يعرف عن حمزة شيئا، كالرحى يطحن ما أمر بتمريره إلى عقولنا الصغيرة، وكالببغاء يردد على مسامعنا إملاءاتهم الرعناء٠
في كل حصة، يرشحني- دون خجل – للرسوب، فيسخر مني أغبياؤه لأنهم من فصيلته، فهو الغبي بوزرة بيضاء مكوية، وهم بأقدام حافية متشققة، أسطوانته صدئة، لا يتوانى في ترديدها على مسمعي في كل لحظة وحين….) .

انفتاح القصة القصيرة على الذات هو دخول في إعادة الاعتبار للمنسي والمهش ، بوصفه تجربة قابلة للتأمل وفعلا راغبا في إعادة تشكيل وتشييد الكينونة واستجلاء أبعاد الذكريات العالقة في تجاويف الماضي … يقول ” هشام صلاح ” :

” ….فالكاتب المميز يوحي ولا يصرح، يستفز ذوق وذائقة المتلقي وينتظر منه دائما رجع الصدى ليعكس إبداعه ،وفي بعض الأحيان يكون القارئ قادرا على تصحيح بعض التصورات والمفاهيم التي يعتمدها الكاتب ، فهو جدير بتوقيع شعرية النص، وأخص هنا النص المميز الذي يمتح من الرصيد الثقافي والمعرفي الإنساني ويغترف من ذاكرة الماضي والحاضر ،(في بعض مقالاتي قلت إن النص الإبداعي دافع من دوافع تنمية القدرات المعرفية للقارئ وتنمية مهارته في البحث والتنقيب ، لأن الذي لا يعرف أو لم يبحث في الرمز بالأسطورة، أو الرمز بالتاريخ أو ماشابه ، لا يمكنه أن يقرأ نصا للسياب أو أدونيس ، والقاريء الذي لا يعرف التناص أو تقاطع النصوص لا يمكنه أبدا أن يقرأ (لإدكار ألان بو )وهذه فقط أمثلة بسيطة ! …” .

3 – المسار السردي الثالث : السارد / الثراث

دخول السارد إلى الذات الثقافية مختبرا المخزون الثقافية باعتبارها ٱلية ناظمة تساهم في استدعاء مختلف القيم الرمزية والتخيلية والتحليق والذي يساهم بدوره في الكتابة على مستوى الصور والرموز والإيحاءات البانية للذاكرة الجمعية الشعبية في البادية التي تدور فيها أحداث القصة القصيرة .

( …. فتنت بالفرس والفارس حد الجنون، ومن فروسيته أستلهم فروسيتي: سيفه عصاي، وفرسه عمودي، كيف لا ؟ وقد خبرت روائع سيرته الشعبية، أتقمص شخصيته، وهو يراقص مقبض سيفه البتار في قبضته الفولاذية، و يشرح جثث الأبطال شرائح لحم مقدد٠ وبين سطور أشعاره، أتلصص عليه، وهو يتغزل بمفاتن معشوقته الحسناء( مهردكار)التي اختارها ملكة قلبه دون بنت أسطون، وأنا أقتدي في ذلك بالظريف عمر العيار٠
لذلك كنت تراني-كل خميس أسود- أقرفص على قدمين متورمتين، فعشرات الجلدات لا تشفي غليل ذلك الأرعن المنحوس٠ أ أحفظ سيرة حمزة، وأتقن التلصص عليه في أشعار معشوقته، وأعجز عن حفظ عملية ضرب، أو قصيدة من اختيار تافه بذوق ذلك التافه؟ فماذا تساوي تفاهاته أمام تحليقي عقابا أو صقرا أو نسرا فوق جثث أبطال أشداء فتك بهم سيف حمزة العرب في ساحة الوغى؟ فهذا المنحوس المتعوس وكل مدرسته لا يساويان نتفة من أشعار بنت الأكابر (مهردكار)، أو طرافة من طرائف خفيف الظل عمر العيار …)

وهكذا يتضح أن العلامات داخل النص/ القصة القصيرة متوحدة في تشكيل العالم الصغير عند الطفل والعالم الشاسع عند الكاتب الذي تحمله ثقافة شعب مغربي وأمة عربية . ونشير إلى أن تقطيع العلامات للواقع ليس قارا وثابتا ، بل هو متغير ومتحول تبعا لتغير الحاجات العلمية والمعارف والقيم في كل ثقافة من الثقافات .
فالدال في ” وأقعقع له بالشنان ” من خلال علاقته بالمدلول ، هما متلازمان يمتلكان وجودا ماديا ملموسا ، ويدرك من خلال مجموعة من المثيرات اللمميزة في النص ، ويحيل على مرجع يخص الكاتب ، وهو السند المادي التي تقوم عليه العلامة في النص القصة القصيرة ل ” صلاح هشام ” . كما أن المرجع ( سيرة الأمير البهلوان وشخصياتها و رعاة البقر و عنترة العبسي ، والتعليم المغربي في فترة تاريخية …. ) يطلق على الأشياء التي تحيل عليها العلامات في التجربة الواقعية والمحتملة والمتخيلة . يمثل التخييل الوسيلة التي تتحدث بها القصة القصيرة عن الواقع ، فإذا كانت العلامة فيها تملك مدلولا ، وتحيل على مرجع ، فإنها لا تملك معنى إلا عبر التخيل ، الذي يكسبها دلالتها التي أدمجت في سياق الحكي ، الذي له وظيفة التخييل الذي قد يكون واقعا راهنا أم تاريخيا أم مجتمعيا أم خياليا …فيصبح التعدد الدلالي رسالة فنية ، وذلك ما استمتعنا به به ونحن نقرأ ل ” هشام صلاح ” ، قراءة دفعتنا للعودة للبحث في مراجع وكتب طالها الإهمال في زمن عزف الناس فيه عن القراءة .

إعتذار : أعتذر للقراء وللأديب ” صلاح هشام ” على تقديمنا دراسة مستقطعة ذرائعية بمدخل واحد للقصة القصيرة ، فلو درسناها بجميع المداخل لغطت صفحات ولاستخرجنا في كل مدخل لؤلؤا من بحر ” وأقعقع له بالشنان ” .

عبدالرحمان الصوفي / المغرب

=====================================

وأقعقع له بالشنان: قصة قصيرة٠
بقلم : صالح هشام/ المغرب٠ ( من وحي شغب الطفولة )
– أنا حمزة ، أنا الأمير ، أنا عاشق السيف والفرس، أنا السالب وردة العرب، وأنا مسلوبها، أليس كذلك يا صبيي٠٠٠ يا عمر٠٠٠ يا عيار؟
وألوح بعصاي في الفضاء، وأنا أمتطي عمودا كان دعامة بيتنا القديم، وأحلق كطائر مذعور في فراغ ممرات بستان الصبار الضيقة، دون أن أعير أشواكه المسننة اهتماما، وأتغنى بنتف من أشعار (مهردكار) ذات تحرش بفارس العرب٠
فتنت بالفرس والفارس حد الجنون، ومن فروسيته أستلهم فروسيتي: سيفه عصاي، وفرسه عمودي، كيف لا ؟ وقد خبرت روائع سيرته الشعبية، أتقمص شخصيته، وهو يراقص مقبض سيفه البتار في قبضته الفولاذية، و يشرح جثث الأبطال شرائح لحم مقدد٠ وبين سطور أشعاره، أتلصص عليه، وهو يتغزل بمفاتن معشوقته الحسناء( مهردكار)التي اختارها ملكة قلبه دون بنت أسطون، وأنا أقتدي في ذلك بالظريف عمر العيار٠
لذلك كنت تراني-كل خميس أسود- أقرفص على قدمين متورمتين، فعشرات الجلدات لا تشفي غليل ذلك الأرعن المنحوس٠ أ أحفظ سيرة حمزة، وأتقن التلصص عليه في أشعار معشوقته، وأعجز عن حفظ عملية ضرب، أو قصيدة من اختيار تافه بذوق ذلك التافه؟ فماذا تساوي تفاهاته أمام تحليقي عقابا أو صقرا أو نسرا فوق جثث أبطال أشداء فتك بهم سيف حمزة العرب في ساحة الوغى؟ فهذا المنحوس المتعوس وكل مدرسته لا يساويان نتفة من أشعار بنت الأكابر (مهردكار)، أو طرافة من طرائف خفيف الظل عمر العيار٠
لذلك كنت ترى جسدي النحيل- دوما – مطرزا بندوب تأبى أن تندمل، فعصا ذلك المعلم الأرعن تخضب بناني، وبلا انقطاع٠ ربما لأنه لم يكن يعرف عن حمزة شيئا، كالرحى يطحن ما أمر بتمريره إلى عقولنا الصغيرة، وكالببغاء يردد على مسامعنا إملاءاتهم الرعناء٠
في كل حصة، يرشحني- دون خجل – للرسوب، فيسخر مني أغبياؤه لأنهم من فصيلته، فهو الغبي بوزرة بيضاء مكوية، وهم بأقدام حافية متشققة، أسطوانته صدئة، لا يتوانى في ترديدها على مسمعي في كل لحظة وحين:
– هذا العام، سيفقص بيضك يا خنزير البرك الموحلة، فوق ذلك الكرسي الذي تأكل منك مساميره الصدئة ٠
لكن، ها أنا -اليوم – أغرز أصابعي في عينيه الذابلتين، وأفند كل مزاعمه، وبفخر أرفع رأس أبي عاليا بين أقرانه، وأنتزع – قهرا- الزغرودة من أفواه متطفلات حينا٠ ها أنا- اليوم- أتوج رأس القائمة، وأخربش بأظافري حكمته الغبية المنقوشة على عصاه الغليظة ( العصا لمن عصا)، فأضمد جراحا باتت عميقة الغور في كل أنحاء جسدي النحيل٠
نجاح باهر لم أذق طعمه منذ سنتين، أعود منتشيا به، فألوح بعصاي وأجري كالمجنون في متاهات بستان الصبار كعادتي٠ يعود أبي هذا اليوم مبكرا من السوق، يجر حلمي وراءه، كيف لا وقد حققت له حلمه، وأخرست أفواه الجيران وسكان قريتنا؟
يعود يجر جحشا كوحش بري، لونه داكن، لكنه يميل إلى الرمادي، أشبه في قوامه الممشوق بأبجر عنترة العبسي، أو بفرس فارس بادية الحجاز، أرمقه بإعجاب كبير، ويخترقني بعينين واسعتين متوجستين٠ يشدني أبي من يدي، يضغط بعنف على معصمي، وبابتسامة عريضة لا تخلو من رضى يقول :
– خذه يا بطل، إنه لك، ومن هذا الجحش الجميل إلى حصان أدهم إن شاء الله٠
ودون أن أشكره أو ألتفت إليه، وبشغف كبير أحكم قبضتي على هذا الوحش البري، وأنا أتمتم كالأحمق:
– هذا حصاني، فأنا جدير به، وبالقوة انتزعته منك يا أبي، ومن ذلك المعلم المنحوس٠
أقاوم فرحة عارمة، لم يكن قلبي الصغير قادرا على استيعابها: أبي يفي بوعده، ويتوج فروسيتي بهذا الأشهب الأغن كما توجت رأسه بنجاحي٠ و أملي أن لا يكون جامحا جموحا عنيدا، وأن يكون مطواعا، لتكتمل فرحتي وتتحقق أحلامي٠
أدور حوله، أتفحصه جيدا، فأفتتن به، وأتقرب منه لأكسب ثقته، يلصق عينيه الكبيرتين بالأرض، ويضغط على ذيله بين فخذيه، ويبسط أذنيه خلف جمجمته المستطيلة كرأس تنين صيني، فأتوجس خوفا من ردة فعله، أقترب منه كثيرا، أتلمس فروته، أجدها حريرية ناعمة الملمس، فلا يبدي حراكا، أطمئن إليه، ويطمئن إلى رفقتي، وقبل أن أمتطيه تعن لي فكرة جهنمية خطيرة، لكنها غبية:
أن أضع بين فخذه شنانا، أربطه على ظهره، فقعقة الشنان تفزع قطعان الخراف، وهو لن يكون أصلب منها قلبا وأقوى عمودا، فعندما يتحرك الشنان يفزع المسكين ويرتعب، فتتحسن مردوديته عدوا وقفزا، ولم لا؟ فهو لا يقل أهمية عن فرس فارس العرب الذي كان أسرع منه البرق٠
علبة سردين قديمة أحشوها بحفنة حصيات، أعيد إغلاقها بإحكام، وألصقها ببطن جحشي بخيوط أمررها تحت بطنه ثم أشدها على ظهره، فيصبح بجاسوسي جاهزا للتحليق بي في متاهات حلمي الأبله:
كل حركة من حركاته تقعقع الشنان، يتحول – بقدرة قادر- طائرة بأربع محركات نفاثة، فيطوي البيد والبراري تحت سنابكه طيا٠
أبسمل، وبحذر شديد، أقفز كالمارد فوق ظهره الأملس بدون سرج ولا لجام، تتحرك الحصيات في قلب علبة السردين، يصاب المسكين بنوبة رعب شديدة، يرفع قائمتيه الأماميتين إلى أعلى حتى يستقيم واقفا ويعانق الفضاء، يقفز يمنة ويسرة، وينط كالهر في كل الاتجاهات، وأنا أتمسك بقوة بشعيرات عنقه التي لم تطل بعد٠
يدور حول نفسه كخذروف، كقط يريد قضم ذيله، فأمعن في شد شعيرات عنقه شدا كرعاة البقر، وفكرة سقوطي نحو الهاوية تتملكني، فيزداد قلبي انتفاخا٠
تزداد قعقة (الشنان) حدة، تتوتر أعصاب جحشي، فيبحث عن منفذ يخلصه من حملي الثقيل وغير المرغوب فيه، وأنا على ظهره أتأرجح، وأميل حيث يميل، لكني به عالق كالعلقة٠ ينفلت كالرصاصة الطائشة قاصدا أضيق ممرات بستان الصبار الكثيف، وبسرعته الجنونية كوميض البرق يسد أمامي كل أبواب النجاة بجلدي٠ يختار هذا الغبي / الذكي أضيق المسالك وأكثرها أشواكا، وفي نيته الحمارية: أن يلحق بجسمي أضرارا جسيمة٠
أشعر بوخز الأشواك في جنباتي كالإبر أو لسعات العقارب، أرخي- مضطرا – شعيراته، علي أخلص نفسي من هذه النار الحمراء، فتتلقفني الأرض دودة بلا حراك، مغشيا علي، يتبخر حلمي بين الأشواك، وينتقم مني جحشي شر انتقام، و تبتلعه كالشبح كثافة بستان الصبار ، وهو يعدو ٠٠٠يعدو ٠٠٠ فارا بجلده كفأر مذعور٠
تنزل الأصوات على مسمعي نشازا ثقيلة، تبدو بعيدة جدا كتردد الصدى في قاع بئر عميق ، لكني بعد مشقة وجهد كبير أميز منها صوتا، أظنه مألوفا: إنه صوت أمي، ترغي وتزبد وتولول، وهي منهمكة في استئصال تلك الإبر من جسدي، أحبس- على مضض- أنفاسي لاجتناب صفعاتها الغاضبة، وكل شوكة تنتزعها من جسدي النحيل بأنات مكتومة، وتأوهات آلام حادة لا تطاق٠
وفي أوج غضبها، تكيل لأبي الشتائم بعدما انسحب من هذا المشهد المأساوي، وهو يغالب دموع ضحكاته الهستيرية، ويحبط الأرض بحذائه الثقيل٠ تنفض أمي يديها مني، وتتركني أتجرع مرارة آلامي وحدي، وهي تردد على مسمعي بغضب شديد :
– لأنزع كل هذه الأشواك من جسدك العفن، أحتاج إلى أكثر من جلسة يا فارس الزمان، يا حمزة، يا بهلوان٠

————————————————————————–

بقلم : عبدالجبار الفياض

(من العشرين إلى تشرين)

هذا العراقُ وأنتَ العائمُ الزَبدُ
لا يُنكرُ الشّمسَ إلآ مَنْ بهِ رمدُ
فضلى المكارمِ من تسنيمِ منبعِها
تأتيهِ طوعاً على أعتابهِ تفدُ
تبقى الجّبالُ على الوديانِ شامخةً
مأوى النّسورِ يماري يومَهم حسدُ
نُبّئتُ أنَّ حثيلاً غاضَهُ غضبٌ
كيفَ العراقُ وتُعلي سورَهُ زندُ؟
إيّاهُ أدعو إلى تقليبِ ما سلَفتْ
فيه المواضي من الأمجادِ تحتَشدُ
من أينَ يُبدى؟ ونورُ البدءِ سومرُهُ
ما فاضَ فيهِ فلا فاضتْ بهِ بلدُ
أمسكْ عناناً، فهذي بقعةٌ شرُفتْ فيها الرّواسي وحتى ما دنَتْ خُددُ
هل فاتكَ السِّفرُ في العشرينِ وقفتُه
أحنى لهُ الدّهرُ هاماً باتَ يرتعدُ؟
أمْ قدْ نسيتَ متونَ الخيلِ إذْ عكفتْ
صوبَ الحتوفِ وفيها الأشوسُ الطّرِدُ؟
دعْ عنكَ ذاكَ ، فهذا يومُهُ وبهِ
ندّتْ عروقٌ وفيهِ أورقَ الوَتدُ
. . . . .
لملمْ شتاتَكَ ، هذا لاؤُهُ قَسَمٌ
لم يألفِ الضّيمَ إلآ باتَ يتّقدُ
قد تجثو قهراً على بغدادِهِ ظُلمٌ
لكنَّ فجراً قبيلَ الطّلقِ قد يلدُ
هذا عراقٌ عسيرٌ عندَ نازلةٍ
لكنّما السّيفُ من ألطافهِ يعدُ
تلكَ العِجافُ وقد ولّتْ بما عصَفتْ
جادَ السّحابُ ومُدّتْ للبَذارِ يدُ
لا يحجبُ الشّمسَ غيمُ عارضٌ وبهِ
نزرٌ من القَطرِ جدْبٌ ما لهُ حَصدُ
يبقى الكبيرُ على منوالِ رفعتِهِ
لينَ القناةِ لإخوانٍ وإنْ جحَدوا
لكنْ ، حذارِ بغاةَ الشّرِ ، طيبتُنا
سُمٌّ زعافٌ إذا ما مسّها نكدُ !
. . . . .
دارَ السّلامِ ، وماروّى ثراكِ دَمٌ
في غيرِ يومٍ كهذا فردُهُ عَددُ
هذا هو العشقُ إنْ مُسّتْ لهُ هِنةٌ
لا يرتضي طارقاً للنّومِ قد يفدُ
يا رافعَ الصّوتِ في تحريرِها قرُبتْ
منكَ الثّريّا وقد صلّى هنا (أُحدُ)*
يكفيكَ عزّاً صريعَ العشقِ ما بقيتْ
بغدادُ خالدةً يزهو بها الأبدُ
أنعمْ بها شاهداً تُروى شهادتُهُ
عن فتيةٍ صدَقوا في عشقِهم ، فَفَدوا
هم صاحبوا الموتَ في ظُلماءِ هيبتِه
قد غالبوهُ بروحٍ شفَّها جَهدُ
هَبّوا خِفافاً على جمرِ النّداءِ لظىً
إنْ خرَّ نجمٌ فقد زادَ الفِدى مَدَدُ
داسوا على سُررِ طالتْ بها حقَبٌ
بئستْ عروشاً وما من خلفها سجَدوا
ما أجملَ الفتحَ محمولاً على غضبٍ
من فتيةٍ قد تفادوا الأرضَ فاتحدوا
يبغونَها عمداً يعلو البناءُ بهِ
لا تسبقُ الرّيحُ عزماً شدَّهُ عضدُ
إنّي أرى تتراً يسعوْنَ في كَدرٍ
لكنّ موتاً دخرنا قبلَ أنْ يردوا
الشّعرُ يُعذَرُ لو شُحّتْ مواردُهُ
ذي قارُ أكبرُ إنْ جالتْ بها الأُسُدُ
. . . . .
عبد الجبار الفياض
تشرين ثان / 2019

* المطعم التركي .

.

بقلم : سعيد محتال

ارحل
ارحل ارحل
ارحل أيها الظل
ارحل من غير ضجر
عبر ضفاف عتبات الامل
لا تنتظر جسر الخطيئة والألم
فصرخة ارهقتها ذكريات الضجر
تخطت الاوجاع ومستنقعات الكدر
تسبح طليقة على ذبذبات صوت القمر
ارحل واتركني من دونك كالاسير
لا الشمس خلفك تسير ولا القمر ينير
ارحل من غير إذن أو بعد حين
ستجد في طريقك صوتي الحزين
جف ريقه من كثرة العويل
ارحل أيها القلب الجريح
فالعمر وإن طال قصير
ما عاد البكاء يجدي الضرير
ولا الشموع تنير له الطريق
ما عاد الخوف من الرحيل
مادام العود قريب
صار حلما لكل أسير
ولا الرحيل يغذي الالم
فيا قارئة الفنجان
لا رائحة قهوتك ملكت المكان
ولا الكأس ابتسم له الزمان
كيف أركض خلف السراب
او أسأل عن سر رحيل فارس أحلام
يجري ويركض مخلفا الاسقام
الاكوان امتلات بصياح الانام
ألا تخبروه ان هنا الامل هنا الامان
أيهجر قلبا أخلص له طول العمر
الحزن عليه لن يزيد الا الهم
وجهته تيه عميق
لا الصراخ يعيده ولا البكاء
ما عاد الحزن دواء قلب جريح
يبحث عن بيت يأويه
وعمن يضيء له الطريق
سعيد محتال

أحمد بياض

من ديواني الثالث*شمس الهجير*
يتواجد والحمد لله في جميع الاقطار العربية

تجاعيد الخنساء ******

تطفو
على المحيا
تترجم
فراغ المقل؛
حلة رمادية,
وسديم
يحمل الآهات
الساكنة
في مدن الفجر.
فاضت حناء الأنين
على نجمة الزغاريد
أين السبيل؟!!!!!!
تلال مارقة
على وشم الجوع…
تعود ليلى
بأعراس الشتاء؛
وخلف الأسوار
ريح مهزومة
وبكاء…..
أعراق ليل
تخدر
موجة الصمت.
امتحن
جسد البداية
عندما
يشقه المنفى
وتعيد الواحة
غسيل الصحراء.

ذ بياض أحمد المغرب

بقلم : أحمد بياض / المغرب

قطاف المنعرجات

نغمة شادية على خد قبلة عروس الريح………….
من هناك : رماد زنزانة ‚ هواء التعب وفراشة المغيب…………..
سأناولك صوتي ‚ حين يسدل السكون ستاره على زهرة السماء ويتراقص الأطفال بدمية الموت٠
لم نتعارف بما فيه الكفاية……..ساعة على مهد أسطورة; لم نجتني من لذة الوصال إلا لحظة الوداع الأخيرة٠
ليبقى على سواحل رموش عينيك وحي الأطلال…….
هكذا أنتِ ‚ وهكذا أنا في شهوتي الممزقة٠
سيتورّد الشوق حين تطفو مناجم الدمع من غيث الأشجار وخلايا زيتونة‚ سأرتشف ما بقي من مدام فنجان نديمي الذي غاب وراء كفّ البحر ولحاف الجدار…………
لشهر آذار القادم من سفوح الجبال
للموت القريب على مطر الريح
للسحابة الماضية إلى قفطان الجليد
للطيف المختمر على مرايا التجاعيد
لخلاياك المدفونة في استحياء على كفّ الرماد المتهرئ
للمكان المفقود في نعش الذاكرة
للبحر والموت
للبحر والدم وولادة القمح والسنابل المأجورة
للنهايات المصلوبة على شفرة الوصول
للتعب الموروث على شقوق الأقدام وغبار النعال
لقصيدة أخيرة على شفرة برزخ فاصل بين نشيد الوصول ورغامة الذاكرة
لصيحة روما القريبة- البعيدة‚ على حدائق النار وعشب اللهيب
لآخر ضوء على ثدي الشموع
لضوء القمر وهو يعانق سعال السحاب
لكِ:
خلخال أضلعي ورعشتي المتماسكة بحنين التراب
لكِ:
هذا الوادي المخمور في زهرة الليل‚ والبحر المولع بالفراق
لكِ:
جناح طائر يكسّر السماء
الديمومة الخانقة في مزرعة الأنفاس
لكِ:
أول زهرة على غصن التفاح
لكِ:
شقاء الحروف واتساع الكلمات
ليس أمامكِ:
إلا نوافذ على قدم البحر
والإبهام المنحني في صبح الولادة
تفاحة مقضومة
ويدان ترتعدان
وريحان
وقمر متسوّل بين الرماد والدخان

ذ أحمد بياض/ المغرب/

بقلم : د . محمد الإدريسي

أيُّها النَّاس
أسْتَسْمِحُكُم لَحْظَة
لِأَكْتُبَ قَصيدَة
عَن عُرْبانٍ باعوا القَضِيَّة
جاء بَعْضُهُم مِن أُمٍّ بَغِيَّة
طَفَتْ الخِيانة
على سَطْح الدَّنِيَّة
على زَغاريد جامِعَة
قيلَ إنَّها عَرَبِيَّة
الأصْلُ أنَّها عِبْرِيّة
لَكِن مُتَخَلِّفَة
على بَيْع المُروءَةِ
النَّخْوة
مُسَكِّرَة
ذُكورٌ بلا رُجولَة
قال مُمْتَهِنُ الحِجامَة
لَيسَ لَهُم زيادَةٌ لِلْخِتانَة
لِأُحَدِّثَكُم عَن مَلْحَمَة
آخِرُ رِجالِ هذه الأُمَّة
حَرائرُ النِّساءِ في غَزّة
إنَّ النَّصْرَ صَبْرُ ساعَة
أيُّها الجائعُ اعْرِفْ مَن جَوَّعَك
مَن أفْقَرك
مَن سَرَقَ أحْلاَمَك
مَن باعَ وَطَنَك
تَذَكَّر مَن أوْجَعَك
مَن بالصَّواريخ اسْتَهْدَفَك
مَن بالطّائرات قَصَفَك
مَنْ مَوَّلَ الهُجومَ عَلَيك
مَن اِنْتَصَرَ لِلصَّهايِنَة ضِدَّك
مَن خانَك
باعَ أرْضَك
مَن طَمَرَ أحْياءً أوْلادَك
مَن أهْلَك عَشيرَتَك
مَن أغْرَقَ دَماً وَطَنَك
مَن هُما فِرْعَوْنُ و اِبْنُ هامان
اِبْنُ فايِد و مُزَوِّرُ العُمْلَة
عُمَلاءُ الصَّهْيونِية
عُلَماءُ الشّيْطَنَة
سَجِّلْ يا تاريخُ أوْ زَوِّرْ التَّسْجيل
فالنِّسْيانُ مُسْتَحيل
إيّاكَ النِّسْيان
أيُّها الإنْسان
حَرِّرْ الوِجدان
على قَلَمي بالتَّذْكير
عَليْك بالتحْرير
طنجة 25/11/2019
د. محمد الإدريسي

باسم الفضلي العراقي

دراسة تحليلية موجزة لنص الشاعر والناقد العراقي ” عباس باني ”

((هل وبقية التكوين))

****************

أرفع كفوف الماء

أناشد غرقي

أرسم دوائر الضوء داخل روح النهر

هنا مرت روحا قبل ألف ظل

هنا تبعثرت أرخبيلات التيه

عند مساء بلا شجر

الماء يتكسر بيدي

حين أرفعه إلى عطش جلجامش الذي عاد توا

ببطاقة الأوكسجين من رئة المجهول

قد غرق بالقطرة الأخيرة من تنفس القمر

فأين أول وجهي أجد وجهك

محفورا

في المدى

في الشجر

في المرايا

في دروب الضوء

في عيون الفراشات

في وجع أصابعي حين تبحث عنك في الفراغ

كأحجية لا يعرف طلاسمها إلا قلبي حين يرتد إليه بريد الشرايين

أنت وجه نهار يتغذى على مطر ذاكرة السماء

حين تأتين

يأتي النهار غاسلا صمت روحي

ويأتي الهواء عابرا قارات الاختناق

ويأتي نبيا جديدا في كفيك

وأتي أنا إلى أنا

لأستطيب من أفلاكك في مسارات روحي

وحين تأتين

أتي أنا أعزلا من جسدي إلا بعض مقاسات على قدر كفك

لأني تكونت من أضلاعك قبل خروج حواء من ضلع آدم

أنت طوفاني دون الجبل المعصوم

فهل أقول الكفر حين أقول أنت المعنى لروحي

فهل أقول الكفر حين أقول أنت المعنى لروحي

هل……..؟؟؟؟؟

وهل أنت قمر الله في ليلي …!!!

………………………..

الدراسة

********

ازاحات بداعي الكشف عن عالم برئ، يراه ( من رؤيا ) الشاعر :

(( فأين أول وجهي أجد وجهك

محفورا

في المدى

في الشجر

في المرايا

في دروب الضوء

في عيون الفراشات))

عالم ينشده فيما وراء واقعه الماقبلي الحاضر،كما تؤكده هذه الصور المشفرة ، الحركية

للتدليل على استمرارية حضور تلك الماقبلية :

( أرفع كفوف الماء) :

ارفع / حاضرية زمانية + كفوف الماء / ماضوية مكانية ( الماء ماقبلي الوجود )

= واقع حالي ( الواقع الان ) ماقبلي

( أناشد غرقي) / (أرسم دوائر الضوء داخل روح النهر) :

كذلك بالنسبة لأناشد و ارسم + الغرق ،الضوء والماء ماقبلية= ذات الواقع اعلاه

( هنا مرت روحا قبل ألف ظل ) / ( هنا تبعثرت أرخبيلات التيه ):

هنا/ مكانية حاضرية + مرت،تبعثرت/ماضوية زمانية + قبل/ ظرفية ماضوية= النتيجة اعلاه

(عند مساء بلا شجر) / ( الماء يتكسر بيدي ):

مساء / ظرفية انطفائية ( انطفاء الزمن الحركي للحياة بدلالة رمزيتها ( الشجر ) المنفية

الماء / ماقبلي + يتكسر / حاضرية زمانية + بيدي / ظرفية مكانية حاضرية

جمع التفكيكين السالفين = حاضرية واقعية ماقبلية

(حين أرفعه إلى عطش جلجامش الذي عاد توا ) :

ارفع / حاضرية زمانية

جلجامش / ذاكرة جمعية + عاد / ماضوية زمانية + تواً / ظرفية حاضرية=

ذاكرة حاضرية

باستدعاء حاضرية ( ارفع) = ذاكرة جمعية ( الذاكرة ماقبلية بذاتها ) مؤكدة

( قد غرق بالقطرة الأخيرة من تنفس القمر )

غرق + الاخيرة + القمر/ اشارات متعلقة بجلجامش = سياقية ماقبلية

واقع يحاصر ذات الشاعر باللامعنى ،لاوجود :

( في وجع أصابعي حين تبحث عنك في الفراغ )

فهو واقع خالٍ عارٍ زمكانياً ، من أيِّ اثر لها ( فراغ )، مهما توالى البحث في احشائه

عن صدى او ظل لها ، فما من جدوى غير ألم الخيبة :

فأصابعه ، وهي اشارة الى ( آلية / وسيلة) الاستدلال والتعرف على كنه وماهية المحسوسات

المادية ، قد بلغت من الاعياء والتعب في رحلة بحثها ، حد الـ(وجع) / ازاحة دلالية عن قِدَم و

بحثه الرؤيوي عن ذاته ،التي جسمها ( شيّأها ) مادياً / عنكِ ، لتناسب السياق الدلالي لـ( اصابعي )

، ذات متقاطعة مع ماقبلية واقع آخروي ،لايعي سرّها ،فهي عنده مطلسمة ، :

( كأحجية لا يعرف طلاسمها إلا قلبي )

وسنقف على سر هذا التقاطع بينهما،بالتعرف عن المسكوت عنه في باقي عبارات النص ادناه

التي يرسم فيها الشاعر ملامح ذاته كما يتمناها في عالم رحيقي غارق بالنور والبراءة ،

وساشير باقتضاب الى ذلك المسكوت عنه امام كل عبارة :

( أنت وجه نهار يتغذى على مطر ذاكرة السماء) / الآخر أفول ينهل من جدب ذاكرة المكان/ الواقع

حين تأتين / حين ترحلين

يأتي النهار غاسلا صمت روحي / يحل الليل يعفّر صراخ استلابي

ويأتي الهواء عابرا قارات الاختناق / ويحل الاختناق

ويأتي نبيا جديدا في كفيك / ويحل داعي ضلالةٍ عتيد دونك

وأتي أنا إلى أنا / وارحل انا مني

لأستطيب من أفلاكك في مسارات روحي / لأتجرّع مُّرَّ غربتي

وحين تأتين / حين ترحلين

أتي أنا أعزلا من جسدي إلا بعض مقاسات على قدر كفك / ارحل حاملاً روحي اليك

لأني تكونت من أضلاعك قبل خروج حواء من ضلع آدم / فأنت سر وجودي قبل الوجود

أنت طوفاني دون الجبل المعصوم / الآخر فنائي

استدعاء المسكون عنه ابان بشاعة وجه ( الواقع / الآخروي ) السالب لمعنى ذاته ، المصادر

لرفيفها حرةً في مديات الانعتاق من قيود ماقبليته العتيدة .. المؤطرة بالمقدس بدلالة ( نبياً،

حواء ، آدم ، الطوفان ، الجبل العاصم )

فيطلق صرخته بوجه هذا السجّان الصّدئ الاغلال :

(فهل أقول الكفر حين أقول أنت المعنى لروحي

فهل أقول الكفر حين أقول أنت المعنى لروحي

هل……..؟؟؟؟؟

وهل أنت قمر الله في ليلي …!!!)

معلناً ان ذاته المتحررة من واقعه المنكفئ على الماضي ، هي معناه الحقيقي ، وهي من

تضيء روحه في دامس ليالي غربته الوجودية

والاستفهام هنا / هل اقول ، هل انت : خرج عن معناه الحقيقي الى المجازي ، الاول

لإفادة النفي / ما اقول ، والثاني للاضراب / بل انت ( خلت الجملتان من علامة السؤال ؟ )

اما في ( هل ……… ؟؟؟؟؟) : فحافظ الاستفهام على حقيقة دلالته ، فالاشارة الايقونية

(….. ؟؟؟؟؟) هي دالة رمزية مدلولها اراد الشاعر ان يشرك القارئ في تقديره ،وهو

لايخرج عن كونه تلميحاً ( للآخر) الذي سيعتبر ان الشاعر قد قال كفراً، فهذا الاخر قد نصّب

نفسه ناطقاً بإسم الله ، محتكراً لقدسيته ،وتكرار علامة السؤال / ؟ ،هو بقصد التأكيد على

اعتراض الشاعر على زيف مايدعيه ذلك الآخر

وبهذا تكون عتبة النص ( هل وبقية التكوين ) قد مثلت مفتاحاً دلالياً ساعد على الولوج الآمن

الى بعض منعرجات النص المفصلية وتفكيك اشاراتها :

هل : يفيد نوعَي الاستفهام الحقيقي ( التصديقي حصراً ) والمجازي

بقية التكوين : تشكُّل الوجود / وهو هنا وجود الذات ، والشاعر بسبب ( التزامه الديني ) سبق

مفردة / التكوين ـ بكلمة / بقية ، بمعنى انه يشير الى ان الله هو المكوِّن الاول لكينونته ، وما

ذهب هو الا الى تصوّر / الخلق الشعوري ، لبقية ذلك التكوين / ذاته الحرة

………….باسم العراقي

بقلم : حسين الباز

بان شق الهلال

كم سنظل نصفق للأطلال

كم سنمكث غارقين في الوحل

وهذا الوهم علقناه على أعناقنا

وساما نفخر به

وجبنا التاريخ حفاة عراة

وعرفنا الحب عن طريق الزناة

غداة شوق للغو

وما كنا لنلهو بلا أمل

أوكلما سقط ظلنا من ورق

أغرقناه في يم من عرق

ومددنا نواصينا بامتداد الجبال

نعرف الشمس حين تحرقنا

نعرف البحر حين يغرقنا

ولا نحس بنار الأرامل

أوكلما سقط العار على العار

زمجرنا كراقصات

و فرحنا بنهود الحدائق مزهرات

لا نبكي أبدا من فرط الفرح

نحن قوم لا نبكي

نحن قوم نضحك لمأساة الجار

فلا نمسك غير سراب الأفق

نمد أيادينا للهواء

لا شيء يلحقنا

حتى الظل لا يتبعنا

حتى الحب لا يحبنا

وأحلامنا من ورق!

حسين الباز / المغرب

بقلم : صالح هشام / المغرب

بيوت بلا أبواب: قصة قصيرة٠
بقلم : صالح هشام / المغرب ٠. (من وحي شغب الطفولة)
تلملم ذاكرتي أطرافها، ترتق ثقوبها، توقف زحف الحياة نحو المجهول، تنفلت منها صورة: صراخ العصافير يملأ حينا ضجيجا، فيقض مضجع الكبار٠ كالعادة، يخرج سربنا الجانح الجامح طلبا للمغامرة: نتسلل عبر دروب مشبعة بالرطوبة حد الانهيار، مصفوفة على طول متاهاتها الحلزونية أبواب سماوية قزمية ملتصقة بالأرض، تأكل منها الرطوبة الخشب المهترئ والمسامير، تترنح كالسكرى، فتوشك على السقوط٠
دوما أسمع الآباء يتأوهون ويتأففون، فالصدأ سم قاتل ينخر الحديد، فما بالك بالخشب؟ وبيوتهم تبقى عرضة لهذا الخلاء بلا أبواب، أما نحن الخنافس المتمردة أبناء الحرافيش، نعشق بيوتنا مفتوحة على الفراغ، وبلا أبواب، لأن الأبواب كومة من الأسرار، ونحن شفافين كقناديل البحر، ليس لنا ما نخفيه، وهذا الفراغ يعني الحرية، فلا حدود ٠٠٠لا سدود٠
تلوكنا رطوبة حينا كالعلك، نتجرع نتانة الحيطان الباردة، ورغم ذلك ننتشي بها حد الثمالة، ونحمد الله كثيرا٠ نعشق ركوب موج المغامرة لكشف أسرار عالم غير عالمنا: عالم قصور وفيلات قرميدية السقوف، تتربع على مساحات عريضة تمتص كل بيوتنا الطينية الحقيرة في جرعة ماء٠
نتسلل من الباب الخلفي للمدينة العتيقة، نعبره، وتعبرنا رغبة جامحة مشبعة بالحموضة: حموضة الفقر، والطموح والجناح المكسور٠ نخترق كالنبال الزقاق رقم ٨، وهو يتلوى كالأفعى، فيربط أطراف مدينة البؤساء بمنازل طبقات متوسطة كالبنفسجة الحمقاء في طموحها، ويتفلنا في حي الفيلات، فننتشر كالجراد، لم يكن مرحبا بنا عند هؤلاء القوم، فهم – صراحة- يعلنون القطيعة بيننا وبينهم، فلا هم منا ولا نحن منهم٠ ربما يكرهوننا، فنحن همج، لكنهم يقتاتون من همجيتنا، ومنها يشيدون القصور ، ويجحدون النعمة٠
نشم بلهفة روائح زكية، تختلف عن رطوبة حينا الآيل للسقوط: بنفسج ٠٠٠ياسمين ٠٠٠ نيلوفر٠٠٠ونمعن في الشم بشراهة وملء الرئتين، نريد أن نشفط من أجسادنا النحيلة روائح مطارح النفايات التي تطوق حينا٠ نملأ عيوننا التي أذبلها القهر والفقر بعناقيد الموز والعنب المعلقة فوق أسوار تلك المساكن الفخمة، فنكرر حكاية القط واللحم المعلق، لكن، كل هذا الأريج الفواح لا تخلو من روائح دم وعرق جبين وآباط فقراء حينا المقهورين، يشعرنا ذلك – رغم طراوة العود- بالامتعاض والغبن، فنكيل للزمن الشتائم٠
كيف؟ هل هذا عدل؟ هم يأكلون من رأس السوق، ونحن نمضغ روائح ما يأكلون٠
يفرج زعيمنا أصبعيه الغليظين ، يطل من بينهما، ويغرزهما في عيوننا، فهو مشبع بحس الثورة حتى النخاع، ويصرخ فينا :
الغد لكم يا صغار الحرافيش٠
الغد نهاية صغار الخفافيش ٠
في حلوقهم لحمنا مر ومالح٠
هيا، إلى (٠٠٠) هيا يا صالح ٠
وننطلق كأحصنة وحشية مذعورة، نطقطق رخام الأرصفة بنعالنا البيضاء الممزقة٠ يا للعجب ! حتى أرصفة بيوتهم حريرية ناعمة الملمس، وإذا كان هذا فعلا، فكيف ستكون المنامة؟ كيف سيكون اللحاف؟ كيف سيكون التبان؟ لا أظنهم مثلنا يتكومون على أنفسهم، يتكدسون مصفوفين كحبات السردين، وتحت لحاف بارد واحد، ضحاياه ميمنة الصف حينا، وميسرته أحيانا٠
يمسح ذلك الثخين الأرعن- ابن خالتي وردية – مخاطه الأصفر بكم قميصه المتسخ، ويدخل ألف نملة ونملة في الغار، ويخرجها من خرم الابرة (ولد الحمار)، ويقول ببلادة فيها حكمة:
-هؤلاء يا رفاقي، يأكلون الجمال المشوية واقفة، يفترسونها كالنسور بالسكاكين وبمدار صغيرة٠
نقهقه عاليا ساخرين من هذا البليد الحكيم:
-ليست مدار يا غبي، إنها الشوكة، استوردها لصوصنا -في زمن مضى- من لويس الرابع عشر، ومنه تعلموا آداب المائدة واستعمال الشوكة والسكين ، وشرب لبن العصافير، ألا ترى يا بليد،أنهم لا يتكلون لسانا غير لسان صاحب الشوكة والسكين؟
يسرط ريقه في نفس عميق، ويقول:
-بنت جيراننا خادمة في قصور هؤلاء، وهي تحكي لنا بعظمة لسانها عنهم حكايات غريبة، فهم لا ينهشون اللحم بالأظافر كما نفعل في نهاية الأسبوع، هم يوكلون مهمة تقطيع السقائط المشوية لرجل أنيق قوي البنية، هم يأكلون، وهو يقطع، وبطونهم كجهنم كلما امتلأت تطلب المزيد، ويستعمل السيف بدل السكين تتلمس شوكاتهم الذهبية جنبات السقيطة المحمرة، لكن، لا تحظى منها بنت الجيران ولو بشنتيفة أوعظمة، تكتفي المسكينة بمضغ البخار، وما تبقى يرمونه في حاوية القمامة، فهي خادمة بنت حرفوش، وإذا حصل وأكلت من جمالهم، فإنها ستنبت أجنحة، وسيفقص بيضها، وتكسر حواجز الحشمة، وتخرق طقوس السيادة٠
يشدها كبير الدار الكبيرة من أذنها، يحكها حتى تحمر، ويهمس لها:
– لحم الجمال يا غبية، ينشر بينكم- معشر الحرافيش- القمل والبراغيث، عصيدة شعير حافية فيها بركة وأجر عظيم، وخالية من الكوليسترول٠
تبلع بنت الجيران ريقها، يبهت الجوع بريقها، تعود إلى كوخها الصغير كسيرة حسيرة، تنتشي بمضغ الروائح، تحلم بجمل محمر فوق ظهره تحلق، ومن سنامه تأكل حتى التخمة٠
وتنتشلها أمها من حلمها بصفعة قوية، لأنها كانت على وشك أن تسرط نصف اللحاف٠
تدق حكاية بنت الجيران في نفوسنا مسامير صدئة حد الألم، فننشد جماعة:
-عروشنا … كروشنا٠
– مآسينا …. كراسينا٠
تتدلى فواكه استوائية شهية، تحبل بها أشجار باسقة تغالب الأسوار العالية، تجتاحنا رغبة حمقاء في كشف ما وراء هذه الأسوار والأشجار٠ لكن، لماذا كل هذه الأسوار العالية؟ لماذا كل هؤلاء العسس؟ نحن نعشق بيوتنا بلا أبواب، ربما لأن كروشنا لا عجين فيها، أو ليس لنا ما نربحه أونخسره٠
من بين الشقوق، تدغدغ أبصارنا فتاة شبه عارية، ترتدي تنورة شفافة، خلناها منامة السلطانة هيام، شقراء، بيضاء البشرة كالثلج، تستلقي على عشب أخضر داكن، وبجانبها يتمدد كلب مخيف كبير، بلطف تمرر أناملها البلورية على فروته المسدولة، يبدو أنها أكثر نعومة من الحرير، توقظ رومانسية المشهد في نفوسنا مواجع رغبات مكبوتة، فنحن حرافيش صغار: حيلة قليلة٠٠٠يد قصيرة٠٠٠ عين بصيرة٠
ويتأوه زعيمنا، ويتأفف من هذه الدنيا العجيبة: تركلها بالحذاء فتعانقك بالأحضان، هي غانية تستعذب الاغتصاب٠ يخبط صدره بقبضتيه كغوريلا، ويتنهد تنهيدة عميقة، ويصرخ فينا:
-كلابهم منكم أوفر حظا يا كلاب، تأكل شهي طعامها في معلبات مستوردة من الغرب، وتنعم بدفء أحضان مرمرية، وتستمتع بنعومة اللحم الأبيض، أما أنتم ففراغ أيديكم فراغ في فراغ، وفي كل ذرة منكم فراغ ٠
ندخل خطبته الرعناء من الأذن اليمنى، ونخرجها من اليسرى٠ ونتزاحم حول الشقوق كالخطافيف، نتلصص على بنت الأكابر، نمضغ فتات رغباتنا المقموعة، نستلذذ بحموضة كبتنا، ونفترس الطفلة كمجانين الزومبي بعيون وقحة تكاد تنط من محاجرها، نجرد المسكينة من تنورتها الشفافة، ويشذ ذلك الأرعن الثخين عن القاعدة :
– يا أصدقائي، إني أحس ببلل ساخن وباتنفاخ لذيذ.
ويقوم بحركات بلهاء تستفز كبرياء الفتاة، وتوحي بأنه يتحرش بها، فالأرعن من طبعه لا يفكر في العواقب٠
يقعي الكلب كالأسد على أهبة الاستعداد، تتسمر أذناه كرماح مركوزة في الفراغ، وينتظر أوامر سيدته، هؤلاء قوم من عالم آخر، كل شئ عندهم بالأوامر، ولهم طقوس يفرضونها حتى على الكلاب، فما بالك بمن هم لهم كلاب؟
تشده من أذنه الطويلة، وتحرضه علينا:
-روكس، إليك بالكلاب٠٠ attaque٠٠٠attaque٠٠٠attaque٠
يقفز كالنمر في فراغ الحديقة، وينطلق نحونا كقذيفة (ر ب ج) مجنونة٠ كجياد نتعثر٠٠٠نكبو٠٠٠ نركض٠٠٠ ونسابق ريح الريح، حفاة وأنصاف عراة ، وقد اجتاح البلل سراويلنا القصيرة، وننتشر كالقراد في أزقة منازل الأكابر، نطلب تلك الأشجار الكثيفة لقصر فخم مهجور، وقبل أن نتجاوز هذه الأزقة ببضعة أمتار، نفاجأ بخالتي الواشمة (٠٠٠) تسد أمامنا كل المنافذ، يترجل منها رجل شرطة منفوخ الصدر ببدلة عسكرية، وعلى صدره نجمة نحاسية تلمع في سماء حريرية مطرزة بخيوط من نحاس٠ يحاصرنا في زاوية ضيقة كأسراب السردين تعلق بالشباك، ويتقدم نحونا، بسحنته القمحية بخطوات مرتبة، وكرشه تتدلى أمامه، يفتح شكله المخيف متاناتنا، فنتبول بغزارة، يطقطق بحذائه العسكري الثقيل على إسفلت الرصيف، وهو يتفحص وجوهنا الشاحبة، فيأمرنا بنبرة صارمة:
-بطاقات هوياتكم يا كلاب!
نتبادل نظرات الحيرة والاستغراب، لم نكن نملك بطاقات هوية، نحن مجرد حرافيش، لا نخضع لقوانين الهوية، لأننا نعيش خارج الدائرة٠ يغرز أصبعه الغليظ في صدر زعيمنا، ويقول له بسخرية :
-بطاقتك يا ابن العاهرة !
يلصق الزعيم عينيه بالأرض، ويقول :
-أنا يا سعادة (الشاف)، مواطن لكني بلا هوية، أكتفي بوطنية مدفونة في أعماق قلبي ، أما الوطن فهو لأصحاب المنازل الفخمة والكلاب المدللة، نحن الحرافيش لنا هواء الوطن، وهم لهم ما في باطن أرض الوطن، فما الفائدة من بطاقة هوية ما دمت لست في حاجة إليها؟
يرميه (الشاف) بسهم من سهامه الحاقدة :
-هذا كلام غليظ عريض يا حثالة، يعاقب عليه القانون، يا ابن الق٠٠٠
يصفد معصميه، يعصب عينيه بخرقة سوداء، ويزج به في (خالتي الواشمة) وركلات حذائه الحاد كرأس الرمح تلاحق مؤخرة زعيمنا، وهو يتمتم كلاما مبهما:
-الزنازن فارغة تماما هذه الأيام، كل (الفايقين والعايقين) بلعوا ألسنتهم، فلا أحد يتكلم في السياسة، وبصمتهم هذا سيدخلوننا في عطالة قسرية٠
يلتفت إلينا، والشرر يتطاير من عينيه البراقتين، ويقول :
-أما أنتم يا كلاب البرية، فتهمتكم ثقيلة جدا٠
يمسح الأرعن دموعه ممزوجة بمخاطه، ويقول وهو يرتعد :
-وماذا فعلنا يا سيدنا (الشاف) ؟
-أنتم تحجبون أشعة الشمس عن عرصات عنبهم، تسرقون عناقيد الموز من حدائقهم، وتتحرشون ببناتهم وراء أسوار قصورهم، كل هذه جرائم خطيرة ترتكبونها في حق أولي الأمر منكم٠
ويحدق طويلا في الأرض المفروشة برعبنا، يطرق هنيهة، وفي قرارة نفسه:
-أنتم تسرقون عناقيد العنب، وهم يسرقون أكوام الذهب، وسرقة البيضة أثقل من سرقة الجمل٠٠٠ إنكم لاتستوعبون دروس الوطنية في محافل خطب دجلهم السياسي٠٠٠

عبدالرحمان الصوفي / المغرب

دراسة نقدية مستقطعة ذرائعية / عنوانها : الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي ) في القصة القصيرة المعنونة ب ( وأقعقع له بالشنان ) ل” صلاح هشام ”
الدراسة من إعداد : عبدالرحمن الصوفي / المغرب

======================================================================

– الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي )

1 – المسار السردي الأول ( السارد الناضج = الطفل ” المشاغب ” )

القص القصير فن أدبي منثور يسرد فيه الكاتب أحداثا معينة ، تجري بين شخصين أو عدد من الأشخاص ، يستند فيها القص على الوصف والتصوير ، مع التشويق ، حتى يصل الكاتب بالقارئ إلى نقطة تتأزم فيها الأحداث وتسمى ( العقدة ) ، فيتطلع معها القارئ إلى الحل الذي يأتي في النهاية ، ويشترط في القصة من الناحية الفنية أن تحتوي على ثلاثة عناصر ، أولها تمهيد للأحداث ، والثاني عقدة تتأزم عندها الأحداث ، ثم خاتمة ويكون فيها الحل . القصة القصيرة تصور جانبا واحدا من الحياة ، ويكون التركيز فيها إما على الحدث أو على الشخصية ، ولا يعنى فيها الكاتب بالتفاصيل وقد لا يلتزم بالبداية والنهاية ، وقد تدور أحداث القصة القصيرة على مشهد واحد ، أو حالة نفسية ما ، أو لمحة متخيلة ما …. يقول ” هشام صلاح في مقالة له عنوانها ” القارئ بين النص المفتوح والنص المغلق ”
: ” …. فالكاتب المميز يوحي ولا يصرح، يستفز ذوق وذائقة المتلقي وينتظر منه دائما رجع الصدى ليعكس إبداعه ،وفي بعض الأحيان يكون القارئ قادرا على تصحيح بعض التصورات والمفاهيم التي يعتمدها الكاتب ، فهو جدير بتوقيع شعرية النص، وأخص هنا النص المميز الذي يمتح من الرصيد الثقافي والمعرفي الإنساني ويغترف من ذاكرة الماضي والحاضر ، (في بعض مقالاتي قلت إن النص الإبداعي دافع من دوافع تنمية القدرات المعرفية للقارئ وتنمية مهارته في البحث والتنقيب ، لأن الذي لا يعرف أو لم يبحث في الرمز بالأسطورة ، أو الرمز بالتاريخ أو ماشابه ، لا يمكنه أن يقرأ نصا للسياب أو أدونيس ، والقاريء الذي لا يعرف التناص أو تقاطع النصوص لا يمكنه أبدا أن يقرأ (لإدكار ألان بو ) وهذه فقط أمثلة بسيطة ! ” . تبدأ أحداث القصة القصيرة ” وأقعقع له بالشنان ” ( من وحي شغب الطفولة ) بما يلي ”

( – أنا حمزة ، أنا الأمير ، أنا عاشق السيف والفرس، أنا السالب وردة العرب، وأنا مسلوبها، أليس كذلك يا صبيي٠٠٠ يا عمر٠٠٠ يا عيار؟
وألوح بعصاي في الفضاء، وأنا أمتطي عمودا كان دعامة بيتنا القديم، وأحلق كطائر مذعور في فراغ ممرات بستان الصبار الضيقة، دون أن أعير أشواكه المسننة اهتماما، وأتغنى بنتف من أشعار (مهردكار) ذات تحرش بفارس العرب٠…)

ركز ” جون بياجه ” على المكونات القاعدية لتمثيل الأشياء والخبرات لدى الطفل وقدرته على استدعاء واستحضار مخزونه المعرفي عند الضرورة . فطفل ” هشام صلاح ” استحضر سيرة ” الأمير حمزة البهلوان ” التي كان يستمع إليها المغاربة في مدنهم وأسواقهم وهي تروى على ألسنة الحكواتيين وخاصة قبيل امتلاك عامة الناس جهاز التلفاز ، أما حين دخل هذا الجهاز المنازل فقد أصبحت تستهويهم أفلام ” رعاة البقر ” التي أنتجتها هوليود ، وكانت تقدمها شاشة التلفزة المغربية خلال فترة السبعينات وبداية الثمانينات ، وأفلام أخرى تاريخية عربية مثل ” سيرة عنترة بن شداد العبسي ” وغيره ، كما كانت قاعات السينما في تلك الفترة تقدم أفلاما صينية عرفت متفرجيها بالتنين الصيني الأسطوري الذي يحتل مكانتة في وجدان وثقافة ونفسية الإنسان الصيني . فلاغرابة إذن أن يصير الطفل ” المشاغب ” ممثلا يقدم عرضه فيلبس الدور الذي يحتضنه .

2 – المسار السردي الثاني ( الطفل / سيرة ” الأمير حمزة البهلوان ) / التراث :

علامة التجنيس في كل الأجناس الأدبية ( قصة قصيرة ) ، لا تكتفي بتعويض الأشياء والإحالة عليها بناء على المواضعة ، بل تعمل على تحديد وجودها كذلك ، كما تفرض تحليل الجنس الأدبي ( القصة القصيرة ) بشمولية أكثر لأنها جزء من عملية عامة تشارك فيها مختلف المتغيرات التي بقتضيها كل حدث تواصلي ويتجلى ذلك في القصة القصيرة المعنونة ب ( وأقعقع له بالشنان / من وحي شغب الطفولة ) ، يمكن أن نمييز فيها بين وحدات متفاصلة تقوم بينها تقابلات دالة ( شغب الطفل / شغب الكتابة عند الرجل الناضج ) ، وبين ” القصة القصيرة ” عند صلاح هشام و ” وسيرة ” الأمير حمزة البهلوان ” السيرة الشعبية التي تعد من أشهر السير تماسكا وإحكاما تروي فصول دراما حرب طاحنة بين القومية الفارسية والقومية العربية ، بطلها حمزة العرب ، سيرة كانت تروى شفهيا على ألسن الحكواتين في الكثير من المدن المغربية وأسواقها …. ” أقعقع له بالشنان ” مثل عربي يرمز لممارسة طقسية محددة كما وردت عند الشاعر ” النابغة الذبياني ( كأنك من جمال بني قريش // يقعقع بين رجليه بشن ) ، وقال الحجاج : ” ما يقعكع لي بالشنان ” … الطفولة هي الفترة الزمنية من عمر الإنسان التي تبدأ بولادته وتمتد حتى رشده وهي ” مرحلة الارتكاز الأساسي في بناء الشخصية الإنسانية وأبعادها وأنماطها ” . طفل الكاتب ” هشام صلاح ” يتمتع بقدرة فائقة على التخيل الذي صارت انفعالاته فيه راغبة في التأر كرد للاعتبار للذات …

(…. لذلك كنت ترى جسدي النحيل- دوما – مطرزا بندوب تأبى أن تندمل، فعصا ذلك المعلم الأرعن تخضب بناني، وبلا انقطاع٠ ربما لأنه لم يكن يعرف عن حمزة شيئا، كالرحى يطحن ما أمر بتمريره إلى عقولنا الصغيرة، وكالببغاء يردد على مسامعنا إملاءاتهم الرعناء٠
في كل حصة، يرشحني- دون خجل – للرسوب، فيسخر مني أغبياؤه لأنهم من فصيلته، فهو الغبي بوزرة بيضاء مكوية، وهم بأقدام حافية متشققة، أسطوانته صدئة، لا يتوانى في ترديدها على مسمعي في كل لحظة وحين….) .

انفتاح القصة القصيرة على الذات هو دخول في إعادة الاعتبار للمنسي والمهش ، بوصفه تجربة قابلة للتأمل وفعلا راغبا في إعادة تشكيل وتشييد الكينونة واستجلاء أبعاد الذكريات العالقة في تجاويف الماضي … يقول ” هشام صلاح ” :

” ….فالكاتب المميز يوحي ولا يصرح، يستفز ذوق وذائقة المتلقي وينتظر منه دائما رجع الصدى ليعكس إبداعه ،وفي بعض الأحيان يكون القارئ قادرا على تصحيح بعض التصورات والمفاهيم التي يعتمدها الكاتب ، فهو جدير بتوقيع شعرية النص، وأخص هنا النص المميز الذي يمتح من الرصيد الثقافي والمعرفي الإنساني ويغترف من ذاكرة الماضي والحاضر ،(في بعض مقالاتي قلت إن النص الإبداعي دافع من دوافع تنمية القدرات المعرفية للقارئ وتنمية مهارته في البحث والتنقيب ، لأن الذي لا يعرف أو لم يبحث في الرمز بالأسطورة، أو الرمز بالتاريخ أو ماشابه ، لا يمكنه أن يقرأ نصا للسياب أو أدونيس ، والقاريء الذي لا يعرف التناص أو تقاطع النصوص لا يمكنه أبدا أن يقرأ (لإدكار ألان بو )وهذه فقط أمثلة بسيطة ! …” .

3 – المسار السردي الثالث : السارد / الثراث

دخول السارد إلى الذات الثقافية مختبرا المخزون الثقافية باعتبارها ٱلية ناظمة تساهم في استدعاء مختلف القيم الرمزية والتخيلية والتحليق والذي يساهم بدوره في الكتابة على مستوى الصور والرموز والإيحاءات البانية للذاكرة الجمعية الشعبية في البادية التي تدور فيها أحداث القصة القصيرة .

( …. فتنت بالفرس والفارس حد الجنون، ومن فروسيته أستلهم فروسيتي: سيفه عصاي، وفرسه عمودي، كيف لا ؟ وقد خبرت روائع سيرته الشعبية، أتقمص شخصيته، وهو يراقص مقبض سيفه البتار في قبضته الفولاذية، و يشرح جثث الأبطال شرائح لحم مقدد٠ وبين سطور أشعاره، أتلصص عليه، وهو يتغزل بمفاتن معشوقته الحسناء( مهردكار)التي اختارها ملكة قلبه دون بنت أسطون، وأنا أقتدي في ذلك بالظريف عمر العيار٠
لذلك كنت تراني-كل خميس أسود- أقرفص على قدمين متورمتين، فعشرات الجلدات لا تشفي غليل ذلك الأرعن المنحوس٠ أ أحفظ سيرة حمزة، وأتقن التلصص عليه في أشعار معشوقته، وأعجز عن حفظ عملية ضرب، أو قصيدة من اختيار تافه بذوق ذلك التافه؟ فماذا تساوي تفاهاته أمام تحليقي عقابا أو صقرا أو نسرا فوق جثث أبطال أشداء فتك بهم سيف حمزة العرب في ساحة الوغى؟ فهذا المنحوس المتعوس وكل مدرسته لا يساويان نتفة من أشعار بنت الأكابر (مهردكار)، أو طرافة من طرائف خفيف الظل عمر العيار …)

وهكذا يتضح أن العلامات داخل النص/ القصة القصيرة متوحدة في تشكيل العالم الصغير عند الطفل والعالم الشاسع عند الكاتب الذي تحمله ثقافة شعب مغربي وأمة عربية . ونشير إلى أن تقطيع العلامات للواقع ليس قارا وثابتا ، بل هو متغير ومتحول تبعا لتغير الحاجات العلمية والمعارف والقيم في كل ثقافة من الثقافات .
فالدال في ” وأقعقع له بالشنان ” من خلال علاقته بالمدلول ، هما متلازمان يمتلكان وجودا ماديا ملموسا ، ويدرك من خلال مجموعة من المثيرات اللمميزة في النص ، ويحيل على مرجع يخص الكاتب ، وهو السند المادي التي تقوم عليه العلامة في النص القصة القصيرة ل ” صلاح هشام ” . كما أن المرجع ( سيرة الأمير البهلوان وشخصياتها و رعاة البقر و عنترة العبسي ، والتعليم المغربي في فترة تاريخية …. ) يطلق على الأشياء التي تحيل عليها العلامات في التجربة الواقعية والمحتملة والمتخيلة . يمثل التخييل الوسيلة التي تتحدث بها القصة القصيرة عن الواقع ، فإذا كانت العلامة فيها تملك مدلولا ، وتحيل على مرجع ، فإنها لا تملك معنى إلا عبر التخيل ، الذي يكسبها دلالتها التي أدمجت في سياق الحكي ، الذي له وظيفة التخييل الذي قد يكون واقعا راهنا أم تاريخيا أم مجتمعيا أم خياليا …فيصبح التعدد الدلالي رسالة فنية ، وذلك ما استمتعنا به به ونحن نقرأ ل ” هشام صلاح ” ، قراءة دفعتنا للعودة للبحث في مراجع وكتب طالها الإهمال في زمن عزف الناس فيه عن القراءة .

إعتذار : أعتذر للقراء وللأديب ” صلاح هشام ” على تقديمنا دراسة مستقطعة ذرائعية بمدخل واحد للقصة القصيرة ، فلو درسناها بجميع المداخل لغطت صفحات ولاستخرجنا في كل مدخل لؤلؤا من بحر ” وأقعقع له بالشنان ” .
تحياتي واحترامي

عبدالرحمان الصوفي / المغرب

=====================================================================

وأقعقع له بالشنان: قصة قصيرة٠
بقلم : صالح هشام/ المغرب٠ ( من وحي شغب الطفولة )
– أنا حمزة ، أنا الأمير ، أنا عاشق السيف والفرس، أنا السالب وردة العرب، وأنا مسلوبها، أليس كذلك يا صبيي٠٠٠ يا عمر٠٠٠ يا عيار؟
وألوح بعصاي في الفضاء، وأنا أمتطي عمودا كان دعامة بيتنا القديم، وأحلق كطائر مذعور في فراغ ممرات بستان الصبار الضيقة، دون أن أعير أشواكه المسننة اهتماما، وأتغنى بنتف من أشعار (مهردكار) ذات تحرش بفارس العرب٠
فتنت بالفرس والفارس حد الجنون، ومن فروسيته أستلهم فروسيتي: سيفه عصاي، وفرسه عمودي، كيف لا ؟ وقد خبرت روائع سيرته الشعبية، أتقمص شخصيته، وهو يراقص مقبض سيفه البتار في قبضته الفولاذية، و يشرح جثث الأبطال شرائح لحم مقدد٠ وبين سطور أشعاره، أتلصص عليه، وهو يتغزل بمفاتن معشوقته الحسناء( مهردكار)التي اختارها ملكة قلبه دون بنت أسطون، وأنا أقتدي في ذلك بالظريف عمر العيار٠
لذلك كنت تراني-كل خميس أسود- أقرفص على قدمين متورمتين، فعشرات الجلدات لا تشفي غليل ذلك الأرعن المنحوس٠ أ أحفظ سيرة حمزة، وأتقن التلصص عليه في أشعار معشوقته، وأعجز عن حفظ عملية ضرب، أو قصيدة من اختيار تافه بذوق ذلك التافه؟ فماذا تساوي تفاهاته أمام تحليقي عقابا أو صقرا أو نسرا فوق جثث أبطال أشداء فتك بهم سيف حمزة العرب في ساحة الوغى؟ فهذا المنحوس المتعوس وكل مدرسته لا يساويان نتفة من أشعار بنت الأكابر (مهردكار)، أو طرافة من طرائف خفيف الظل عمر العيار٠
لذلك كنت ترى جسدي النحيل- دوما – مطرزا بندوب تأبى أن تندمل، فعصا ذلك المعلم الأرعن تخضب بناني، وبلا انقطاع٠ ربما لأنه لم يكن يعرف عن حمزة شيئا، كالرحى يطحن ما أمر بتمريره إلى عقولنا الصغيرة، وكالببغاء يردد على مسامعنا إملاءاتهم الرعناء٠
في كل حصة، يرشحني- دون خجل – للرسوب، فيسخر مني أغبياؤه لأنهم من فصيلته، فهو الغبي بوزرة بيضاء مكوية، وهم بأقدام حافية متشققة، أسطوانته صدئة، لا يتوانى في ترديدها على مسمعي في كل لحظة وحين:
– هذا العام، سيفقص بيضك يا خنزير البرك الموحلة، فوق ذلك الكرسي الذي تأكل منك مساميره الصدئة ٠
لكن، ها أنا -اليوم – أغرز أصابعي في عينيه الذابلتين، وأفند كل مزاعمه، وبفخر أرفع رأس أبي عاليا بين أقرانه، وأنتزع – قهرا- الزغرودة من أفواه متطفلات حينا٠ ها أنا- اليوم- أتوج رأس القائمة، وأخربش بأظافري حكمته الغبية المنقوشة على عصاه الغليظة ( العصا لمن عصا)، فأضمد جراحا باتت عميقة الغور في كل أنحاء جسدي النحيل٠
نجاح باهر لم أذق طعمه منذ سنتين، أعود منتشيا به، فألوح بعصاي وأجري كالمجنون في متاهات بستان الصبار كعادتي٠ يعود أبي هذا اليوم مبكرا من السوق، يجر حلمي وراءه، كيف لا وقد حققت له حلمه، وأخرست أفواه الجيران وسكان قريتنا؟
يعود يجر جحشا كوحش بري، لونه داكن، لكنه يميل إلى الرمادي، أشبه في قوامه الممشوق بأبجر عنترة العبسي، أو بفرس فارس بادية الحجاز، أرمقه بإعجاب كبير، ويخترقني بعينين واسعتين متوجستين٠ يشدني أبي من يدي، يضغط بعنف على معصمي، وبابتسامة عريضة لا تخلو من رضى يقول :
– خذه يا بطل، إنه لك، ومن هذا الجحش الجميل إلى حصان أدهم إن شاء الله٠
ودون أن أشكره أو ألتفت إليه، وبشغف كبير أحكم قبضتي على هذا الوحش البري، وأنا أتمتم كالأحمق:
– هذا حصاني، فأنا جدير به، وبالقوة انتزعته منك يا أبي، ومن ذلك المعلم المنحوس٠
أقاوم فرحة عارمة، لم يكن قلبي الصغير قادرا على استيعابها: أبي يفي بوعده، ويتوج فروسيتي بهذا الأشهب الأغن كما توجت رأسه بنجاحي٠ و أملي أن لا يكون جامحا جموحا عنيدا، وأن يكون مطواعا، لتكتمل فرحتي وتتحقق أحلامي٠
أدور حوله، أتفحصه جيدا، فأفتتن به، وأتقرب منه لأكسب ثقته، يلصق عينيه الكبيرتين بالأرض، ويضغط على ذيله بين فخذيه، ويبسط أذنيه خلف جمجمته المستطيلة كرأس تنين صيني، فأتوجس خوفا من ردة فعله، أقترب منه كثيرا، أتلمس فروته، أجدها حريرية ناعمة الملمس، فلا يبدي حراكا، أطمئن إليه، ويطمئن إلى رفقتي، وقبل أن أمتطيه تعن لي فكرة جهنمية خطيرة، لكنها غبية:
أن أضع بين فخذه شنانا، أربطه على ظهره، فقعقة الشنان تفزع قطعان الخراف، وهو لن يكون أصلب منها قلبا وأقوى عمودا، فعندما يتحرك الشنان يفزع المسكين ويرتعب، فتتحسن مردوديته عدوا وقفزا، ولم لا؟ فهو لا يقل أهمية عن فرس فارس العرب الذي كان أسرع منه البرق٠
علبة سردين قديمة أحشوها بحفنة حصيات، أعيد إغلاقها بإحكام، وألصقها ببطن جحشي بخيوط أمررها تحت بطنه ثم أشدها على ظهره، فيصبح بجاسوسي جاهزا للتحليق بي في متاهات حلمي الأبله:
كل حركة من حركاته تقعقع الشنان، يتحول – بقدرة قادر- طائرة بأربع محركات نفاثة، فيطوي البيد والبراري تحت سنابكه طيا٠
أبسمل، وبحذر شديد، أقفز كالمارد فوق ظهره الأملس بدون سرج ولا لجام، تتحرك الحصيات في قلب علبة السردين، يصاب المسكين بنوبة رعب شديدة، يرفع قائمتيه الأماميتين إلى أعلى حتى يستقيم واقفا ويعانق الفضاء، يقفز يمنة ويسرة، وينط كالهر في كل الاتجاهات، وأنا أتمسك بقوة بشعيرات عنقه التي لم تطل بعد٠
يدور حول نفسه كخذروف، كقط يريد قضم ذيله، فأمعن في شد شعيرات عنقه شدا كرعاة البقر، وفكرة سقوطي نحو الهاوية تتملكني، فيزداد قلبي انتفاخا٠
تزداد قعقة (الشنان) حدة، تتوتر أعصاب جحشي، فيبحث عن منفذ يخلصه من حملي الثقيل وغير المرغوب فيه، وأنا على ظهره أتأرجح، وأميل حيث يميل، لكني به عالق كالعلقة٠ ينفلت كالرصاصة الطائشة قاصدا أضيق ممرات بستان الصبار الكثيف، وبسرعته الجنونية كوميض البرق يسد أمامي كل أبواب النجاة بجلدي٠ يختار هذا الغبي / الذكي أضيق المسالك وأكثرها أشواكا، وفي نيته الحمارية: أن يلحق بجسمي أضرارا جسيمة٠
أشعر بوخز الأشواك في جنباتي كالإبر أو لسعات العقارب، أرخي- مضطرا – شعيراته، علي أخلص نفسي من هذه النار الحمراء، فتتلقفني الأرض دودة بلا حراك، مغشيا علي، يتبخر حلمي بين الأشواك، وينتقم مني جحشي شر انتقام، و تبتلعه كالشبح كثافة بستان الصبار ، وهو يعدو ٠٠٠يعدو ٠٠٠ فارا بجلده كفأر مذعور٠
تنزل الأصوات على مسمعي نشازا ثقيلة، تبدو بعيدة جدا كتردد الصدى في قاع بئر عميق ، لكني بعد مشقة وجهد كبير أميز منها صوتا، أظنه مألوفا: إنه صوت أمي، ترغي وتزبد وتولول، وهي منهمكة في استئصال تلك الإبر من جسدي، أحبس- على مضض- أنفاسي لاجتناب صفعاتها الغاضبة، وكل شوكة تنتزعها من جسدي النحيل بأنات مكتومة، وتأوهات آلام حادة لا تطاق٠
وفي أوج غضبها، تكيل لأبي الشتائم بعدما انسحب من هذا المشهد المأساوي، وهو يغالب دموع ضحكاته الهستيرية، ويحبط الأرض بحذائه الثقيل٠ تنفض أمي يديها مني، وتتركني أتجرع مرارة آلامي وحدي، وهي تردد على مسمعي بغضب شديد :
– لأنزع كل هذه الأشواك من جسدك العفن، أحتاج إلى أكثر من جلسة يا فارس الزمان، يا حمزة، يا بهلوان٠

——————————————————————————————————————————

دراسة تحليلية : مرشدة جاويش / سوريا

ــ دراسة تحليلية

في نص مفتوح للشاعر

.باسم الفضلي العراقي

النص

{ جاري ..Tom and / الترجمة فورية }

هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزائم

اَسَنُ انسلال شرانق زنابق شِفاه أشفار شقبان تقاطعات استثارات آثار نُثار رمد

( كينونة مطلقة ) ……….. ناشرُ

شقشقةَ شوارع شراشف سرابية انتقاء رقاب اقدام مقبورة الصهوة

حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــولَ ……. :

خطْوِ لغوِ نجيع نجوعِ نهود فوانِسِ فُواقِ قشعريرةِ اشرعة رماد

………. مشاعة وصايا ينابيعِ

……………….. صحـــــــــــــــــــــــــو ..

………../ صحوة مجردة ….. ــ المراسلة على / com . نَمْ . www

لمطرٍ آتْ

همهماتْ

أغلال ليالي امواج متوجة وجباه جياد جدْبِ جيّاشةُ المروج

…………… على صخور

………………………. صدور اغتسال

……………………………………… عطور الصدأ

وجوهُ دخانْ

فـــــــــــــانْ

في منعرجات دومينو سلالم انفاس سلوسِ فرادس صديد برصٍ لازوردي

……………………………………………. تفاحُ ميلاد

………… خفاشِ اغاني

……………………………. إجهاضِ حصادِ

……………………… قيعانِ الأملْ

رائحةُ ظلمةْ

هـــــــــــدنةْ

مصلوبةِ في حدقة رَباب أفواه هدال على رفوف كهوف نردِ السديمْ

………………………………………….. حذاءَ سكراتِ

………………………………… حرباءَ منقرضةِ

…………………………… في قدح مقدسِ

……………………… اوتارُ بلياردْ

( فضلات آلهة السر المكنون .. مجانية الموائد ..)

فصولُ عُواءْ

لــــــــــــــقاءْ

دندنةِ طفاوة طحالبَ مشعشعةِ صُحبة ارحام الحان صبار غثيانْ

… ناشراتُ بشاراتِ

… / كينونة مشيَّئة .||………. فشاغَ غبَشي

……………. بنزول آيات

…………………………………. عِصمة الزبدْ

.. ــ الرقم السري لقشرة الامل ..: بلا اجنحة ..||

سلافةُ آسْ

انــــدراسْ

مرتجعات فتوحات أرجوان اجفان هالوك غفران دانْ

…….. نشوة سَنا

……. ……………………………………. احضان صفوان

……………………… مرجان جِنان

……….. تيجان الأمـــــــــ

…………………………………………………….ــــــــــــــــــــــانْ

…[ سُبــــــ( رقْصُ عناكب الاضرحة صلاةُ ضحكةِ الظلال )ـات دهري ]

……………

القراءة :

الشاعر صاحب السلطة العليا على لغتة ومخضع إياها لسطان مقاصده وإشاراته وهذا ما هو معروف عن الشاعر الفضلي

بدءاً سأقوم بدراسة العنوان { جاري ..Tom and / الترجمة فورية }..:

العنوان هو العتبة النصية الأهم والمفتاح لعالم النص الداخلي ومع هذا النص تحديداً يكون العنوان مكتنز الدلالات مما يجعله شيفرة ، فلدالتَي العنوان ( جاري و Tom ) مرجعيتان معنويتان ، معجمية بالنسبة للأولى ( الجار معروف الدلالة و يشمل جغرافياً الدول المتجاورة المتشاركة في حدودها الطبيعية ) ، وسياقية حدثية بالنسبة للثانية ، وهو أحد بطلي الأفلام الكارتونية الكارتونية الشهيرة ( توم و جيري ) بتعديل ( جيري ) إلى ( جاري ) لغاية رمزية ستتضح لاحقاً ، وبالتعمق في دراسة العنوان أكثر نجد أن الشاعر اختار عنواناً ينطوي على حدثية ( صراعية ) ، فعطفا” على مجريات وقائع قصص أفلام ( توم و جيري ) يتضح لنا أن الصراع بين الشخصيتين الكارتونيتين هو لبّ فكرة كل فيلم ، و هذه الفكرة تنسحب على العلاقة بين ( جاري ) و( توم ) في العنوان لكون جاري معدولة عن جيري كما ذكرت ، كما أن

الدالة (( هزائم)) المذكورة في صدارة المتن ، أكدت صراعية فكرة العنوان ، فكل صراع ينتج عنه انتصارات و هزائم ، ومع مدلولها المعجمي تكون دلالة العنوان : أن ( توم وجاري ) نص صراعي الأحداث ، لكنه صراع ( الآكل والمأكول ) وفق منطق الطبيعة الحياتية اللاتعايشية بين (الفأر و القط ) .

فكانت ((هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزائم)) ممدودةً الحرف لإعطائها إيقاعاً بصرياً ( امتداد أفقي للدلالة مكانياً على الإستمرارية ) صوتياً ( نطق الحرف يكون بصوت ممتد الزمن نسبةً لنطق باقي حروف المفردة ) للإيحاء عن محسوس داخلي ( استمرارية وقع هذه الهزائم في أعماق ذات الشاعر) وكأنه يشير إلى رغبته بالصراخ احتجاجا” ، وهنا يعاضد هذا الإيقاعُ المركبُ الدلالة المعنوية للغة في تحقيق مفهوم المجانسة ( مجانسة المفردة للمعنى ) صورةً وصوتاً ، وهذا البناء الحسي للمفردة هو أحد عناصر بنية أسلوبية يسعى الفضلي للتأسيس لها في معظم نصوصه، وبالعودة إلى معجمية ( جاري ) ، يتبدى لنا أنها دال واقعي المدلول ، تحملنا ، بعد إسقاط دلالتها هذه على مجريات الأحداث الصراعية اللاواقعية لذلك الفيلم الكرتوني ،على تصوُّر ميداناً ظرفياً موازياً ، بين صراع ( جار الشاعر ) وتوم ، ظرفاً ممسوخ المعالم متخماً بالهزائم يتوارى خلف ذلك العنوان…..{ جاري ..Tom and / الترجمة فورية }.، الذي يوحي كذلك أن المتن هو ( ترجمة فورية ) لما تجري فيه من أحداث ، ولاإشارات في النص تساعدنا دلالاتها أو تلميحاتها في رسم ملامح ذلك المكان مما يجعلنا نعود إلى لقب الشاعر المثبت صحبة اسمه المثبت في نهاية النص (العراقي ) للإستدلال على هوية ( جاري ) أي المجاورة لعراقه ، التي اتخذت من أرضه ميداناً لصراعها مع ( توم ) الذي حدد هويته الرجوعُ إلى مكان صناعة تلك الأفلام الكارتونية ولانحتاج لطول تفكر لنتعرف عليها فهي تفردت من بين الدول المجاورة للعراق بصراعها المعلن مع بلاد (توم ) ، بذا يكون المتن ترجمة للصراع بين ( جاري / أي دول الجوار و توم / أمريكا ) صراع لم يسفر إلاّ عن ( هــــــــزائم ) لم تلحق بأيٍّ منهما بل طالت الميدان ( العراق ) و أهله

ودراسة المتن ، بتوفر هذه الرؤية التحليلية، توضح أن الشاعر عالج فكرته النصية ، بآلية تعبيرية تدخل في تركيبة بنيتها الأسلوبية الأيقونات { نقاط ، أقواس ، الخطوط المختلفة الاشكال مثل / ، | ، ــ } ، إضافةً لما سبق ذكره عن إيقاعية الحرف الممدود السابق ذكرها ، بغية فتح النص على تعددية القراءات المؤدية إلى تعددية التأويلات المعنوية ( ديمومة حياة النص ).

نشرع بدراسة المتن الذي تصدمنا بنية لغته الفنية المتقاطعة تماما مع تلك العنوانية ، فلغة المتن مزاحة الدلالات إلى حد السريلة تجريدية المعنى ، تبدو للوهلة الأولى عصية على التأويل ، زاد من لامنطقية خطابها قصدية افتقاده سمتين بنائيتين أساسيتين في بنية الخطاب النصية هما :

-الزمن :

فليس هناك من فعل أو اسم فعل في لغة النص كلها

ـ التعريف :

حيث لاوجود لسائر أنواع المعارف ، ماعدا مداخلات ( صوت الآخر ) المحدد بين العلامات [ ــ …|| ، / ] ، القوسين (…)

وكأنها لغة عالم ممسوخ المعالم ، مات فيه نبض الحياة الإنسانية ، لذا علينا قراءتها وفق ماوفره لنا العنوان من رؤية تحليلية محاولين الوصول إلى المعاني المخبوءة ، التي تجعل الفيلم الكارتوني الجديد ( توم وجاري ) قابلاً

للترجمة ، بعد الإشارة (هزائم ) الممدودة الحرف السابقة دراستها ، يبدأ دخولنا إلى عالم المتن الغرائبي :

((اَسَنُ انسلال شرانق زنابق شِفاه أشفار شقبان تقاطعات استثارات آثار نُثار رمد

( كينونة مطلقة ) ……….. ناشرُ

شقشقةَ شوارع شراشف سرابية انتقاء رقاب اقدام مقبورة الصهوة ))

فذلك الأسن المتردي التي يتطور إلى مطلقية النفايات بات عام وشمولي فاختصه ب( كينونة مطلقة )

لتتوالى النقط المتكررة ((……ناشر )) فهو ينثر الواقع الصدئ القشي الجوف ، بذات الإيقاع السمع بصري : ((حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــولَ ……. : ))

قاصداً استدراج القارئ ليتماهى لافكرياً فقط ، بل نفسياً كذلك مع مايعنيه أو يرمز إليه ، وبتوظيفه ( التنقيط ) يحمله على المشاركة في كتابة النص من خلال دفعه لتصوّر أو تقدير المحذوف الذي غّيبته النقط ، لكن حول ماذا ؟!

وقد ضاعت الأماكن :

(( خطْوِ لغوِ نجيع نجوعِ نهود فوانِسِ فُواقِ قشعريرةِ اشرعة رماد

………. مشاعة وصايا ينابيع …/ صحوة مجردة ــ المراسلة على / com . نَمْ . www))

يوجد لفت انتباه آخرهنا للمفارقة بين الرماد والينايع ،هي إشارة لسببية الخطو ، وقد حددت الكُنه المادي والطبيعة الحسية لذلك الشيء لتنوّه عن المستباح،وقد أكد بعبارته المنقطة ((………. مشاعة وصايا ينابيعِ)…..)) على أهمية هذه الدلالة الإشاراتية لديه لتعمبق مقاصده حين ينزع من ( المشاعة ) إلى ( صحـــــــــــــــــــــــــو )

فالفضلي تعنيه تلك المفاهيم الإشاراتية القصدية وهي النبض الأساسي بلغته فالدعوة بعد المشاعية الى صحوة وهذه الصحوة جاءت بعد شرود منقط كي يجسّد للمتلقي أهمية المقطع وما رغب بتوصيله، فالصحوة تُكرَر بدلالة المعنى لتلك الصحوة (( …./ صحوة مجردة )) بتماهٍ مع تلك الصحوة ، وأعطت (( النقاط ، و / )) بُعداً حسياً لإرتقاب تلك الصحوة ،رغم أنها مجردة فهي في أبجدية لغة ( الانترنيت ) ) ستتناثر لتكتب سخرية قيوم يقظة مفترضة

((ــ المراسلة على / com . نَمْ . www)) ،لكننا نستكنه من خلال هذه التفاصيل المعمارية توثيقاً لوشاية وعد (نمَّ ) بتلك الصحوة :

(( لمطرٍ آتْ

همهماتْ

أغلال ليالي امواجِ متوجة وجباهُ جياد جدْبِ جيّاشةُ المروج

…. على صخور

………….. صدور اغتسال

…………………… عطور الصدأ )) .

فما هو ( أي الوعد ) إلاّ خداع ، كمطر يُرتجى من هطوله معاودة الحياة لارتعاشتها ، غير أن الإنزياحات الحادة الدلاتركيبية للاشارات اللغوية جعلت احتمالية تأويل معانيها شأناً غير مسير للقارئ العادي ، فالمطر لم يأتِ الا بهمهمات الحرمان ، و وجوه القحل ، ومولَّداً بؤرة دلالية توترية بقصد شد القارئ الى عالم النص بما تثيره فيه من فضول يحمله على التساؤل عن كيفية حصول تلك الصحوة في اللامكان ((………. على صخور )) ((…….. صدور اغتسال)) و ((…….. عطور الصدأ )) ؟ و يمضي شاعرنا متابعاً بلا إيغال في تعبيرية ( المد ، التنقيط ) لتهيئة مانٌوه عنه مسبقاُ أي جواب التساؤل اعلاه :

((وجوهُ دخانْ

فـــــــــــــانْ

في منعرجات دومينو سلالم أنفاس سلوسِ.. فرادس ..صديد برصٍ لازوردي))

فمبتدأ الجملة الإسمية (وجوهُ ) فصلته عن خبره (تفاحُ ) سلسلة طويلة من الصفات وأشباه الإضافات :

(( …تفاحُ ميلاد

…….خفاشِ أغاني

…… إجهاضِ حصادِ

………. قيعانِ الأملْ))

كأنه يبعث رسالة خفية ظاهرها : قفْ لتتمعن !! فهنا دلالة انتظرنا طويلاً ما ( يُخبر ) عنها ( تفاح ) فإذاه شؤم ( ميلاد خفاش ) ، أما باطنها فهذه االصورة الصادمة في تقاطعية ( المنتظَر ) مع ( المتحقق )، إشارة إلى المنتظر( الحلم ) و المتحقق ( الوهم ) ، فهو حلم مجهض في ((…… قيعانِ الأملْ )) ؟؟ بذا غدا ( الصحو ) المقرون بحلم اليقظة ، متعارضاً مع المؤثرات الحسية الواقعية ، ويستطرد:

(( رائحةُ ظلمةْ

هـــــــــــدنةْ

مصلوبةِ في حدقة رَباب أفواه هدال على رفوف كهوف نردِ السديمْ

………………………………. حذاءَ سكراتِ

………………………. حرباءَ منقرضةِ

…………………………… في قدح مقدسِ

………………. اوتارُ بلياردْ

( فضلات آلهة السر المكنون .. مجانية الموائد ..)

فصولُ عُواءْ ))

فتكون العبارة المكتظة بالهندسة وكيمياء المعنى معاضدة للغته المبتكرة في الإعتراض على الهدنة المصلوبة، ليقدِّمُ موجباتِ الصحو بمنهجية المُسَلّم معرفياً بموثوقيته فهو لايقيد مايراه بهذا الواقع ولايلزمه بشعرية محصورة ،فالفكرة

لديه هي الأهم.. لذا ينبري بعنفوان أدواته الخطابية ليسخر من هذه الهزيمة الماقبلية للصحو ، ليؤكد ب( فضلات آلهة السر المكنون .. مجانية الموائد ..) انه ( قصد ) على مادية الواقع المزري الممسوخ المعالم ،

((فصولُ عُواءْ

لــــــــــــــقاءْ

دندنةِ طفاوة طحالبَ مشعشعةِ صُحبة ارحام ألحان صبار غثيانْ

… ناشراتُ بشاراتِ

… / كينونة مشيَّئة .||………. فشاغَ غبَشي

……………. بنزول آيات)) نراه من جديد يستنهض ذائقة المتلقي بدفعه لقطع كل صلة بين وعيه القرائي وماقبلية أحكامه القياسية الفهمية ومعاييره الجمالية ، بتقنياته الخطابية المغايرة ، في ترجمته الوصفية لواقع متصدع ، ولامنطقية حلم وجودي ممسوخ ، مبدد القسمات بين عديد الدلالات المتعارضة ،ضمن صيرورة لاحدثية ، حلم ليس إلى الاستدلال عليه من وسيلة إلاّ التشبث ( بقشرة الأمل ) :

((.. ــ الرقم السري لقشرة الأمل ..: بلا أجنحة ..||

فهو إنما وهمٍ عدمي ، لكنه ( الشاعر ) يصر ويلّح على الإشارة والتأكيد عليه من خلال اضمار دلالاته المعنوية وراء تجريديته اللغوية المخادعة ( ظاهرها يبدو بلا معانٍ يمكن الوصول اليها بإعتماد تقنيات التأويل او الإستدلال الإستقرائي المعروفة ، لكن الغوص إلى أعماقها التحتانية يكشف عن معالم قصدية معنوية ، ودراستنا هذا الخطاب تحليلياً ، ستكون لها مناسبة أخرى ) ، فتوالت إشاراته المحلقة فوق الواقع الملموس مادياً ، المغَيِّب للمحلوم به معنوياً :

((سلافةُ آسْ

انــــدراسْ

مرتجعات فتوحات أرجوان اجفان هالوك غفران دانْ

…….. نشوة سَنا

……. ……………………………………. احضان صفوان

……………………… مرجان جِنان0

……….. تيجان الأمـــــــــ

…………………………………………………ــــــــــــــــــــــانْ ))

تكثيف دلالي للوجع وتشريح للإنتكاس الذاهب بالصحوة التي تستلزم إرادة الملازمة المستمرة والديمومة التعايشية للوصول إلى مشارف ذلك الأمل المنشود ، بتلمس سبيلاً كل تلك التناقضات إلى الأمل المنشود ، لكن هذا الوصول نتيجة غير مأمولة فهو بحالة تجلٍ وحلم بينما الواقع ضد كل ذلك، فلا أملا حقيقياً وذاك يتجسد بالنهاية التي ضمنها الشاعر كل الغائية …[ سُبــــــ( رقْصُ عناكب الاضرحة صلاةُ ضحكةِ الظلال )ـات دهري ]

فهو قد مدّ مفردة السبات في [سبـــــــــات دهري ] للاشارة الى ما آل اليه حال شعب العراق كنتيجة لذلك الصراع ، سبات يقطعه احتفالية ( رقص ) ((الجار)) ( الأضرحة إشارة دينية واضحة الدلالة على من يرفع شعار تمثيله للدين من بين ذالكما المتصارعَين ، أي الجار !!

نوه عنها ب التحديد بين قوسين ( رقْصُ عناكب الأضرحة صلاةُ ضحكةِ الظلال ) وهو قطع غائي للتدليل على أن ممارسة الحياة ( ضحكة الظلال ) لاتكون إلاّ كطقس يُؤدّى على إيقاع ذاك الرقص، والقارئ الفطن يعي حتماً وجه التضاد الكبير بين ( الرقص والصلاة ) والمعنى التحتاني أن الجار يدّعي الايمان ( وهو ايمان منغلق عتيق أشار إليه بعناكب ) ويبطن ما يخالفه .وجاءت لغة هذه النهاية أقل حدةً في انزياحيتها ، لتناسب رغبة الشاعر في التصريح بحقيقة ذلك الجار من جهة ، وتحقيق الترابط الفني المعنوي بينها وبين لغة العنوان من جهة أخرى لتأكيد العلاقة الجدلية بينهما .

لقد تجلت في النص قدرة الشاعر على إخضاع اللغة لمشيئة مقاصده من خلال صياغاته العباراتية وتشكيلاته الدادائية الصورية على غرار ( شوارع شراشف نجيع ..نجوع.. نهود ، جباه …جياد …جدب دومينو …سلالم أنفاس …أفواه ..هدال على رفوف كهوف نردِ …أوتار بليارد ..أجفان هالوك غفران) لخلق مرسلات وإشارات دلالية ، تعتمد إيقاعية الحروف ، لتناسب معانيه المضمرة ، وترسم ملامح مراميه القصدية المستدعية وعياً قرائياً يستنبط معاييره الفهمية الجمالية من بنيات الخطاب النصي حسب ،خطاب عارٍ من أية إشارة دالة على هوية ميدان الصراع ( العراق ) ، وكأن صراع أزاحه من الوجود ومحق أثره فيكون المعنى النهائي المخبوء للنص هو نقيض هذا المعنى الظاهر ، معنى يتضمن دعوة لصحوة حقيقية ، يترجمها في الواقع حالم فاعل لا متمنياً واهماً

ـ مرشدة جاويش / سوريا ـ

بقلم : خوله رمضان

للنّفس حكاية

للنّفس حكاية
وسحرُ الدّمع يرويها
حين الغسق ..

تعزف ترانيم شوق
في فجر التّمني ،
يجتاح مآقيها الأرق ..
يا كاتب الأشواق
سجّل
سعادة النّظرات نترجمها
على الورق ..

وسجّل فصول الرواية
على تواقيع الخريف
ومع بتلات البوح
تنتظم الحروف
تهيمُ
المحبة في أكواب
ملأى بالحبَق …

فتفتّحُ بتلاتُ الحنين
حين يُثارُ الشّوق
بسُقيا الوَدق ..

ودمع العين راعيها
والقلب يهمسُ
قد تعافى
وما هلك …

قد فاقَ واستنار الدّرب
وجدّد ليالي الحبّ
على ميس الشّفق ..

يا راعيَ القلب العليل
دام نبضُك في الحياة
بلسما
كي يستريحَ الفكرُ
في اللّيل الطّويل ..
كنجم أوثقَ سيرَه
يسطعُ في الفَلك .
بقلمي خوله رمضان

بقلم : حسين الباز

/ يوسف (نا)
إخوتك أمكر
من الذئب… /

باعوك للسيارة
وباعوا
وجوه الوجه
فضاعوا
بدم القمصان
الملونة بالذنب
لمن الشكوى
ألعار
فيه قد انصاعوا
أم لذل
به قد ابتاعوا
الرضى،
يوسف (نا)
البدر بين الكواكب
سافر أيها المسبي
ولا تنسى
أن القميص لا يقتد
إلا بالحب
وأنك مهما سجنت
ستحكم يوما
لا ينسب الدم
إلا للصلب
سافر اليوم
وغدا
ستكل لإخوانك
أكياسا من الحب
وسيترك واحد منهم
وليرجعوا
وليصاحبوا
آل يعقوب
سافر يا أخي
فسوف تسامحهم
الشمس لم تشرق بعد
من المغرب..!

حسين الباز / المغرب

بقلم : رمزي حسن ناصر

أنا من أنا…..

أنا ثورة تاهت وعاثت في المنى
أنا زورق يحدو بدونك سلّما

أنا فرقد أفل الوجود فأعدما
وسنا يراود نوره شجنا رمى

أنا صرخة ذبلت يقينا محرما
وسعت تطوف تجافيامذأوهما

أنا ليلة ظلماء صاغت أنجما
وتبسمت أوصافها عشقا نما

أناواحة الفردوس شوقا مفعما
طربا تباهت أحرفي وهجا سما

أنا من نثرت الشعر ألواناكما
برد اللقاء يهزه شوقا همى

أنا راحل كبد السماء مسلّما
لأكون في عينيك حرفا مغرما

رمزي الناصر

بقلم : عبدالعزيز أبو رضي بلبصيلي

قصيدة تحية لزميلتي الشاعرة : بسمة جمال… المقدسية ولأهل القدس الشريف…وكافة الشعب الفلسطيني البطل.

قصيدة بعنوان:. تحية مغربية
بقلم عبدالعزيز ابو رضى بلبصيلي.

انبرى حرفي يحييك
يا بسمة القدس
كسرب حمام استوى.
اخرجني عن صمتي
أسمعه يدعو لك
بلسان الشعر
وفي الحشا للقدس نجوى.
يا بسمة …كفرحة العرس
حفيدة مجد الامس
ثرى فلسطين..
بدم الشهداء ارتوى.
كيف أحييك؟؟
وانت في حدائق الشعر
نسمة صيف..همسة لطف
بلح قريض بلا نوى.
كيف أحييك؟؟
والشعر سليل جمال..
بين يديك..
يعشق الفن ويهوى.
كيف أحييك؟؟؟
يا كريمةارض الانبياء
وأنا بين دمع و رجاء
والقلب على حسرة انطوى.
كيف أحييك ؟؟
وبلابل سلام..تتساقط
بيد غاشم ساخط
لساني في حلقي إلتوى.
بل أحييك…بورد الامل
أنثره…بين يديك..
وتحت أقدام ام كل بطل
وأستعير اللغة..
من لوعة أهل الهوى.
بل أحييك بألف تحية
تحية نصر
تحية شعر
تحية عطر ..وأهتف
غدا يا مقدسية..
يد الغاشم تهوى.
يا ويحي…ما ذنبنا..
تعبنا…خزيا..وحزنا
وقد إبتلينا بألف بلوى.
بلوى حرب
بلوى غرب…
تخادل عرب بضمير خرب
و مجد تليد تهاوى.
لا في العيراو النفير نحن
عاقر في سمائنا المزن
ذبل ربيعنا و ذوى.
لكن إيماننا بالغد …ثابت
نحن على العهد
مهما جارت الحوادث
صفحة الخزي ..ستطوى.
يا بسمة..يا عاشقة الكلمة
الكلمة…بألف بندقية
تهتف..للحرية
ثائرة..أبية… تبوح بالفحوى..
المجد.لبنات بلدي
هن في وطن القلب
كالورد…كالشهد
برقة الغزل…ولوعة الجوى.
يا بسمة.. بالأمل نستجير
قلوبنا معه تحلق وتطير
ما غاب عشق الارض ولا انزوى.
تحية للشعب البطل
القدس في الحشا والمقل
النصر…قريب جدا
سنحتفل به غدا
ولكل امرئ ما نوى

بقلم عبد العزيز ابو رضى بلبصيلي.
المغرب آسفي..21.11.2019…

بقلم : عبداللطيف خوسي

قلعة الشرق

يا ليوثا في قلعة الثائرينا
ذكرونا بأننا تافهونا

رقص الجبن في ديارنا يزهو
قد رضينا إذلاله و ارتضينا

قلعة الشرق النور منك تجلى
هزم الليل رافضا أن يلينا

فافضحي في هذي الديار خنوعا
كان شكاً و قد غدا مستبينا

و صغارا له القلوب أناخت
ملك الخوف نبضها و الوتينا

إمتطي غزة البهية ريحاً
وانفحيه برهبة الغاضبينا

و مريه لكي يهب علينا
يبعث الروح في حشا الميتينا

ربما قد يجتاحنا بصباح
يمحو ليلا في ساحنا كي نبينا

غزة النبض المستميت سلاما
لك نهدي في ذلة صاغرينا

باسم قوم قد وقعوا صك بيع
بئس شار من وضيع البائعينا

بدماك صك الفدى وقعيه
و اشهدي، قد بعناك بيعا يقينا

عبداللطيف خوسي
18/11/2019

بقلم : إدريس لحمر

تتمة …صمت الكلام
خيال روحي كمل الله مراميها
حيث سري ووقاري وعشقي المتينْ
كم قطفت العطر من ندى أقاحيها
والندى يحاكيها بصمت قرة العينْ
من لون السماء قطر مآقيها
وسر من أسرار كونها الثمينْ
ملاكي الطاهر سبحان عاطيها
هي حياتي وقبلتي دنيا ودينْ
وحدها ملهمتي فأين مغانيها
سأحرق صمت الكلام ولو بعد حينْ
فأين الحبيبة هذا صوتي يناديها
لأقطف من ذكريات العمر بعض الحنينْ
بقلم إدريس لحمر

بقلم : بوعلام حمدوني

على أرض الحنين

أتذكر ابتسامة
ترقص بين ..
الثغر و العينين
ترويها زخات ..
الحنين ،
و أنا أعزف
على أنامل الأشعار
همسات عطر ،
حشود ناعمة
تحكي فصول
زمان الألحان
يصدح صداها
من شفاه الغيداء
و الطقوس الشاعرية
تسقي البسمة
رطب اليقين
لرقصة عناق ،
تزدهي ..
حظيرة المنى
بورود شوق
يتنامى ..
وصلات إلتحام .
كيف أتناسى
تلك البسمة الرطبة
و الذكريات الجميلة
التي وضعها الزمان
في ذاكرة الحنان
سمفونية إدمان .

بوعلام حمدوني

بقلم : عبداللطيف خوسي

قلعة الشرق

يا ليوثا في قلعة الثائرينا
ذكرونا بأننا تافهينا

رقص الجبن في ديارنا يزهو
قد رضينا إذلاله و ارتضينا

قلعة الشرق النور منك تجلى
هزم الليل رافضا أن يلينا

فافضحي في هذي الديار خنوعا
كان شكاً و قد غدا مستبينا

و صغارا له القلوب أناخت
ملك الخوف نبضها و الوتينا

إمتطي غزة البهية ريحاً
وانفحيه برهبة الغاضبينا

و مريه لكي يهب علينا
يبعث الروح في حشا الميتينا

ربما قد يجتاحنا بصباح
يمحو ليلا في جنحه مختفينا

غزة النبض المستميت سلاما
لك نهدي في ذلة صاغرينا

باسم قوم قد وقعوا صك بيع
بئس شار من وضيع البائعينا

بدماك صك الفدى وقعيه
و اشهدي، قد بعناك بيعا يقينا

عبداللطيف خوسي
18/11/2019

زجل : أحمد الكندودي

زجلية تحت عنوان :

*** جْرانة مالحة

كِيف مَ دِير تَوْحل ف زمان لَكذوب ؤُ لَبْهوت

لَمْحبة غاية ؤُ مَصْلاحة

لاَ صدق بْقا ؤُ لا مْلاَحَة

نْمَكْريه ؤُ شًر ؤُ لَقْباحة

تَخْراج العينين ،والانا والجبهة طبع ؤ قوت

فاَه مَنًك يَ جْرانة لمالحة

فين كنتِ ؤ غادة سارحة

تايهة ؤُ بلا قيمة طايحة

فيقي ،فَ بَعْنادك زدْتِ لَمحبة ضَر وَ مُوت

نار نْفاقْ فِ دمك سايحة

ريحْتو مْعَفنة منك فايحة

شَدي لأرض راك مْلاوحة

حْظي راسك ؤ بَعْدي، ؤُقْبل مَ يْفوت الفوت

كلاب صَيْْد تطَلْقو وَلْحيًاحة

عَمْرو الدنيا دَنْسو ساحة

رْخَص صَيدهم ؤُنْتِ مَياحة

جثة مذبوحة، ؤب لَمْناشر تْعَلْمو فيك لَخوت

***المغرب***الشاعر والزجال :أحمد الكندودي***

بقلم : د . محمد الإدريسي

46
المَنْعُ قُوَّة
ألَم تَعْلَمْ بَعْدُ أيُّها العَرَبِيُّ المُهان
أنَّكَ الأرْخَصُ عِنْدَ حُكَّامِ العُرْبان
هذا عَصْرُ الصَّهايِنَة و الأمريكان
يَنْتَقونَ يُنَصِّبونَ يُعيِّنونَ الحُكّام
الفاسِدون الخُدّامَ يَمْنعُون الكَلام
الغَرْبُ صانِعُ الخائنِ دُوَلُ الاسْتِعْمار
عَلَّمَ سُلْطَةَ اللُّصوصِ عِصابَةَ الاجْرام
النَّقْدَ المُسَلَّحَ ضِدَّ دَعْوَةِ كُلِّ الأحْرار
شَيْطانُهُم يَعِدُهُم بأنَّ علَيهم لا انْتِصار
تُخْطَفُ حَرائرُ النِّساءِ في غِيابِ الرِّجال
يَنْفونَ الاعْتِقالَ السِّياسي قَتْلَ الأطْفال
مَنْ قال إنَّنا لَسْنا في أحْسَن الأحْوال؟
الأمرُ بالعَكْس فإنَّ كُلَّ السَّنابِلَ بِألْف خَيْر
أَليْسَ المُسْتَشْفَياتُ مُتَوَفِّرَةً بِألف أَلف خَيْر
ألَيسَ الحُرِّيةُ حُقُوقُ الإنْسانِ بِألْف ألف خَير
أليْسَ آلافُ المَدارِسِ مَفْتوحَةً في كُلّ الأماكن
مَوجودَةً في جَميعِ الجِبالِ في سُهول المَدائِن
بالغِرْبال يُريدونَ تَغْطِيَّةَ الفَسادَ القَهْر و الظُّلم
قَتْلَ جميل الآمَال و ما تَجَمَّعَ مِن بَقاء الحُلْم
لا يُريدونَ للأُمَّة السُّمُوَّ التَّقَدُّمَ التَّطَوَّرَ الارتِفاع
يَتخَوَّفونَ مِنَ الحَقّ و العَدل و الكَلام السّاجِع
أوْصَلَنا مَناديبُ آلِ صَهيون السُّفَهاءُ إلى القاع
المُنافِقون غَيَّروا أُصولَ الدّينِ و عِلمِ الاجْتِماع
إنَّني أبْحثُ عَن أُمَّة كانَت سَيْفَ الشَّهامَةِ تَرْفَع
فَأَضْحَتْ في ظَلامِ الذُلِّ تَشْرَبُ من المُسْتَنْقَع
لَكِن ّهذا القَلَمَ عَنيدٌ لا يَخْشَى أصْحابَ المَنْع
كَمْ مِن أبي رُغالٍ يعيش بيْن أحْضان هذه الأُمَّة
خادِمٌ لِسَيِّده دَليلٌ للصَّهيونيةِ و لأتْباع الماسونِية
عادَتْ الأصنامُ أساف اللاّت العِزَّى تِمْثالُ الحُرِّية
نائلَة و أخَواتُها اسْتَوْرَدَتْها قُرَيش لِلتَّرفيه بالجزيرة
أفتى كَبيرُهم الذي عَلَّمَهُم السِّحرَ الرُّجوع لِلْوَثَنِية
نَعَم هذه حقيقَةُ وَضْعِ عُربانِ هذه الأُمَّةِ الحَزينة
يَتَباهى بَعْضٌ مِن أوْلادِها يَشْهَرونَ أرْكانَ الخِيانَة
يَدْفَعُون أمْوالَ الشّعْبِ المَقهور لِلتَّحَدُّث بالعِبْرِية
يَحْمِلون َنَجْمَةَ داوود على رَأسهِم يَضَعونَ الكِبة
لَعَلَّ النَّتِنَ ياهو المُجْرِم يَضْمَنُ بَقائهم في السُّلْطة
طنجة 11/11/2019
د. محمد الإدريسي

بقلم : أحمد علي صدقي / المغرب

قصة قصيرة:
ردة فعل غير منظرة
فتحت هاتفي.. دخلت لصفحتي على الفيسبوك. ضغطت على إشعار لرابط مجلة تعلن نشر قصتي- “السفاح”- على صفحتها.. قلت أعيد قراءتها لتنقيحها مما قد أكون قد ارتكبته من أغلاط إملائية أو نحوية في كتابة كلمات سطورها.. بدأت القراءة.. هممت بإصلاح أول غلط وجدته.. ما أن حَرَّكْتُ قلمي لإنزاله فوق كلمة “افكارها” المكتوبة بهمزة الوصل بدل القطع حتى قطعت طريق قلمي اليها أيادي أبطال القصة.. سقط القلم من يدي.. انسكب مداده فوق الورقة.. تسربت فوقها الحروف. اختفى بعضها.. اختلت المعانى وبدأ اللامعنى يسري بين جمل القصة.. حاولت أخذ القلم .. اختلت حركة أصابعي.. بصق القلم فوق قميصي بصقة مداد لطخته.. قفزت لأقلل من امتداد نقطة الحبر فوق القميص الابيض.. تَعَثَّرْتُ.. سقَطتُ.. فهمت حينها أن لشخصيات القصة دَخْلٌ في الموضوع.. إنه تمرد.. إنه انكار لما أوقعتهم فيه من حرج.. إنه تمرد على مصير اختلقته لهم وما رضوا به.. لم يتحملا تلك المواقف المخيفة التي جعلتهما يعيشانها رعبا وخوفا غير محتملين.
وأنا في شرودي بين حقيقة وخيال تراءى لي الولد والبنت يقفزان من خلف سطور القصة وقد عزما على ثورة تتغيا انتشال القلم من بين أصابعي.. ارتعدت خوفا مما وقع.. كان شيء غير منتظر.. افزعني.. أخافني.. ارتبكت عندما افتكرت ما حبرته من حروف ركبتها جملا مخيفة أفزعت البنت، ومن كلام غريب اتهمتُ به الولد.. نظرت اليهما.. التبس علي الأمر.. أخذني دوار.. اختلطت فوق الورقة الحروف بالمداد.. لم تعد لها معنى.. خِفْتُ.. نظرت الى القلم وهو بين يدي شخصيات قصتي.. تبرأ مني وأنكر ما كتبه وهو يردد:
أنا مجرد خادم لإرادة الكاتب و أشار الي.. وهما يلقيان به ارضا حسبتهما يتهيئان للخروج من سياق القصة للوجود بالواقع.. انتابني خوف شديد وندمت على ما حبرته من تلك المواقف المخيفة في حقهما. قالت البنت:
كيف تطفئ أنوار الشارع في تلك اللحظة التي خرجت فيها من المدرسة ليخيم فيه الظلام، وأنت تعرف أننا، نحن النساء، شديدات الحساسية نفسيا في موقف كهذا.. لقد كدت أفقد عقلي من الخوف ولم أعد اعرف ماذا أفعله، خصوصا و أنت تظهر أخي كسفاح يتهددني في تلك اللحظة.. لقد افرزتُ من هرمون الادرينالين كل ما كان بحوزتي وما أعانني منه شيء لمواجهة ما وضعتني فيه من مأزق مخيف.. قال الولد بعدها:
كيف تتهمني بالسفاح وأنا ولد صالح، أحب أختي.. ولن أتجرأ أبدا فعل هذا في حقها.. وكيف تجرأ وتريها خبزة في يدي على أنها سكين لتزيد من درجة فزعها..
ضاق بي المكان.. تعقدت الأمور.. لم يعد لدي سوى مغادرة المكان تاركا قلمي فوق الورقة، تُطوقه حروف القصة المبعثرة فوق سطحها..خرجت و كلي خوف مما تَسَبَّبْتُ فيه من هرع للشابين.. ثم قلت لنفسي:
وصَفَتِ الفتاة النسوة بالخوف ولكن أقول إن في موقف كهذا، الذي أنا فيه، فالرجل والمرأة سيان.. جريت نحو المصعد.. ضغطت على زره لفتحه.. لم يُفْتَحْ.. أعدت الكرة مرة أخرى ويدي ترتعش من الخوف.. فُتِحْ الباب.. دخلت.. فإذا برجل جالس بوسطه وهو يبكي.. ارتفعت سرعة نبضات قلبي.. تعرَّقَت يداي.. جف فمي..شعرت برعشة تخللت كل اطرافي.. احسست حينها بشعور الفتاة حين وضعتها في موقف كهذا.. موقف خوف عرفت الآن أنها لم تكن تتحمله..فاشفقت من حالها بل من حالي انا ايضا الآن..
أردت الخروج..انطفأ ضوء المصعد.. كان الجالس ينتحب في الظلام قربي مما زاد من ذعري.. لم أعد اعرف رأسي من قدمي.. ولا هل أنا في حلم أم في حقيقة.. لمسني الرجل بيده وهو يقول:
لقد اغتصبها الظالم وقتلها وهي في أعز شبابها.. لقد حرمني من العزيزة علي..
رجع النور الى المصعد.. تشبت الرجل بملابسي معينا بها على القيام.. كان يبكي ويردد: ضاعت مني.. ضاعت مني جميلة عمري. لقد اغتنم السفاح ضعفها واغتصبها ثم قتلها.. عرفت حينه أن السفاح الحقيقي قد ضرب ضربة اخرى ومازل القوم لم يعثروا عليه.. أردت ان أهديء من روعه فكنت ارتجف فهدأ هو من روعي.. افترقنا والخوف باد على محياي.. حاولت أن أمتلك نفسي.. رجعت إلى بيتي.. وجدت قلمي فوق الورقة غارقا في مداده.. اعتذرت لشخصيات قصتي.. اخبرتهما أن في الامر التباس وأن ما نسجته خياليا و اوقعتهما فيه، قد حدث اليوم في الواقع وأن هناك سفاح حقيقي لا زال بيننا يجب الحذر منه.. أخذت قلمي.. تفحصته.. كان سالما وفي أتم صحته.. مسحت هيكله.. رويته مدادا جديدا ثم أخذته وبدأت أفكر في بداية كتابة قصة جديدة…
كتبها: احمد علي صدقي من المغرب

بقلم : باسم عبدالكريم / العراق

………………………{ حينما تبسمُ عشتار / تراتيل تموز ) …………………….. الليلُ يهذي .. بأنفاسِ أحلامِ عِناقيَ لوردةِ النهار .. ولايكفُّ عن.. غزوِ آفاقَ إنطلاقي في .. ملكوتِ العبيرِ حيث .. حبيبتي … لَكَم أُجرِّدُ أمنياتي من أمسِ سكوني بين أناملِ القصصِ الدون كيشوتية القابضةِ على انفاسي .. ويخيب الرجاء … وهي .. تبتسم … تسرِّحُ شعرَ حكاياها السندبادية .. وتنفخ في أجمري … والضفاف بعــــــــــــــــــــــــــــيدة … والامواج بلــــــــــــــــــــيدة لاتفقه طلاسم حاجتي لزورق لايعترف بوعيد الاغوار السحيقة لمحيط المغامرة … أهي مغامرة ؟؟؟ أاطلب خلاصاً غير مسمى في معاجم العشاق ..؟؟ ربما .. وربما .. ورب …. ما ..قد يتعطف فيقر برسم قسمات وجه اضاع بوصلة المرايا .. ماذا ان كان الوعد اعصارا جديدا ؟؟؟ ايكون للاجنحة المجزوزة الفضاء ريش قبلة زمردية الشفاه ؟؟؟ قد .. وقد .. ولكن .. قرنةُ الرجاء اتراها تفتح ( كرمتها ) لتموز ..؟؟ انه يبحث منذ دهور عن حضن نخلته المتوجة بسعفات الشمس .. وعشتار .. ترفل بالنهار وراء بحار النار … وتناديه : انا لست محض هذار .. انا فيك .. اسقي منابت الامل .. واحصد اشواك الانتظار .. هلمَّ تخطى حدود صوامع التتار .. فانت امتلكتَ سرّيَ .. ان كُنْ فيدُلِ المحال .. ، ايمكن ان ابحث عنه فيَّ .. لا .. هو من يبحث عني .. يدريني سرقتُ ثمرةَ الخلود من فم إلهِ القفار .. ويحاصرُني انبياءُهُ الشطار يكمنون لخفقتي بين الضلوع .. بين محطات الدموع .. بين الشهقة والزفرة .. بين طيات الافكار .. ويشهرون سيف ( ذو الفقار ).. ويدريني أنني … عبَّدتُ دربَ العروج … للامل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هامش : ـ القرنة : مدينة في محافظة البصرة العراقية يلتقي دجلة بالفرات في ( كرمة علي )

ــــ/ باسم العراقي

ـ ساحة التحرير ـ

دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لرواية ” عاشق التوأم ” من إعداد : عبدالرحمن الصوفي / المغرب

دراسة نقدية ذرائغية مستقطعة لرواية ” عاشق التوأم ” لمحمد بنجدي
عنوان الدراسة : ” أفق المتوازيات في رواية ” عاشق التوأم “” / المدخل العقلاني
الدراسة بقلم : عبدالرحمن الصوفي / المغرب
———————————————————————————————————————————

1 – مقدمة :

العمل الروائي لا يمكن أن يكون مجرد تجليات وانعكاس للوعي الجماعي وإنما هو بنية تصور لدرجة الجلاء والوضوح الفكري للاتجهات المختلفة الخاصة بوعي فئة بشرية متجانسة ومتناسقة . المقصود بالوعي كل الحركات التي تسعى إلى تكوين وبناء شكل من أشكال الاتزان والتكامل الفكري . هناك علاقة وطيدة بين كل عمل روائي والفكر الجماعي في كل مجتمع ، تحددها هوية المضمون . كل عمل روائي يحمل معه راهنية تاريخ سر وجوده الذي يجعله حاضرا وحركيا ومسافرا بين القراءات واللغات ، تفرض شرعيتها المرتكزة على الدهشة في التشخيص والكتابة والتعبير . الأدب بكل أجناسه ” هو مادة معرفية نظرية للنقد الذي يتأسس على الأدب ” ( عبدالفتاح كليطو ) . يتفوق النقد ويصبح مهما جدا في مراقبة الأدب وتوجيهه نحو المسلك الأرقى ، الذي يرتفع به المجتمع فكريا وثقافيا وجضاريا ، لذلك تقاس مهارة الناقد وسطوته النقدية بالجانب المخبوء من النصوص الأدبية أكثر من الجانب العيني أو البصري ( النظرية الذرائعية تعطي اهتماما كبيرا للبصري ) ، وهو ما يشير له جميع فلاسفة النقد ، كرد فعل أو اعتبار معاكس لما يفقده الأدب من مباشرته التعبيرية في الكتابة الأدبية .
لعل أول العناصر النقدية التي لا يختلف حولها الدارسون ، هو أنه لا يجوز النظر إلى الرواية على أنها عناصر تركيبية تتكون من الشكل والمضمون ، وهذا يعني أنه يمكن دراسة شكل الرواية بمعزل عن مضمونها . إن مفهوم الشكل الروائي لا يأتي من العدم بل هو يرتبط بالواقع الاجتماعي بقدر ما يرتبط بالعمل الفني الإبداعي ، فالمعطيات الاجتماعية لا تعيش منعزلة وبعيدة عن فكر الكاتب .

سنسلك في دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة ( المدخل العقلاني ) ( أفق المتوازيات ) في رواية ( عاشق التوأم ) لمحمد بنجدي ، ويتمحور أفق التوازي على كتاب ” الثالوت المحرم ” لكاتبه ” بوعلي ياسين ” ( 1)

ملاحظة :
دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة ( المدخل العقلاني ) الجزء الأول لرواية ” عاشق التوأم ” ….أعرف أن قراءة الرواية بمدخل واحدا لن يعطي الرواية حقها لكنه يضع أسس دفاعات ذاتية كأرضية ومنطلق علمي لقراءتها في مداخل ذرائعية أخرى إن شاء الله .
…نطلب الله التوفيق

——————————————————————————————————————————–

2 – توطئة :

يقول عبدالرزاق عودة الغالبي في كتاب النظرية الذرائعية في التطبيق حول المدخل العقلاني / Mentalism Theory ” يري تشومسكي إعادة الاعتبار إلى القدرات العقلية التي تميز الإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى ، فكل قلب بالفطرة صالح لمعرفة الحقائق ، وإن كان بينها تفاوت كبير لأنه أمر رباني شريف ، الفطرة إذا هي موجودة بوجود التفاوت بين الناس ، فالناس درجات في الفهم والاستيعاب ، منهم من يفهم من الوهلة الأولى في حين هناك من يحتاج إلى التكرار بالعرض ، فنظر تشومسكي بغقلانية مادية علمية للاكتساب النصي ، فلا يمكن أن يدخل العقل زائر معرفي ، إلا ويكون متكئا على أحد عناصر تلك النظرية ، تحتوي تلك النظرية الفكرية على عنصرين مهمين ، وهما عنصر الملكة المعرفية ، وتعني الموروثات المعرفية المكتسبة أصلا في ذهن المتلقي من معارف مسبقة طبيعية أو مكتسبة ، وقد تعلمها بالقصد أو بالدراسة أو التربية ، أو البداهة السلوكية والاكتساب المعرفي ، وتلك المعارف ستكون ساندة عقلانيا للمتتبع العلمي ، سواء أكان متعلما أو معلما أو ناقدا أو متلقيا ، أما النظرية الآخر فهو مهم جدا ، كبوابة للعقل في العرض لما اكتسبه من معارف ، وهو عنصر العرض التنفيذي أو الإنجاز ، وهنا يقوم الناقد بالتبحر في النقد من خلال تلك المعطيات ، وحين ينجز مهمة جمع المعلومات ووزنها ، يقوم بعرضها أو نشرها من خلال تلك البوابة الفكرية العقلانية ، ويغني ما لديه من أفكار بالخروج خارج النص من بوابة التناص الواسعة نحو أفق المتوازيات ، وتكون تلك العناصر الفكرية العلمية عونا مهما للناقد ، لتبليغ رسالته النقدية بشكل لا لبس أو خطأ أو شك أو ريبة ….” ( 2 )

——————————————————————————————————————————–

3 – المدخل البصري / رواية ” عاشق التوأم ”

* – من الغلاف إلى الخاتمة :

” عاشق التوأم ” رواية ل ” لمحمد بنجدي ” ، صدرت طبعتها الأولى سنة 2018 ، تضم 375 من الحجم المتوسط . تسير أحداثها بشكل متصاعد تبينه العناوين الصغرى الداخلية ، نذكر منها العنوان الأول ( انبعاث المخفي ) ، التي تضهر فيه ” ليلى ” كأول شخصية في الرواية ( فجأة قرع الباب بنقرات البيانو ، فتحت الخافق فوجدت ليلى تقف أمامي ملاكا …” . لماذا ليلى ؟ ومن هي ليلى ؟ ورد في لسان العرب لابن منظور : أم ليلى : الخمر والسواد ، وأم ليلى الخمر ولم يقيدوها بلون . قال : وليلى هي النشوة ، وهي ابتداء السكر ، وليلى من أسماء النساء …هو اسم امرة …فهل اسم ليلى رمز للحب ” حتى أن كلا يغني على ليلاه ؟؟؟ أم هي رمز لشيء لشيء آخر ؟؟؟ أم هي امرأة كلما حاول محبها الاقتراب منها ازدادت بياضا ؟؟ ولماذا تكرر اسم ليلى في شعر القدامى المحدثين وصارت كذلك شخصية في الكثير من الروايات ؟؟؟ . العناوين الصغرى الداخلية في الرواية تتصاعد عبر أرقام متصاعدة من الأصغر إلى الأكبر ( من 1 إلى 6 ) ( انبعاث المخفي ) . يتبع ( انبعاث المخفي ) ب ( وردة السماء ) و ( سجن الياسمين ) و ( في رحم الاختفاء روح …) و ( صحوة الأوركيدا ) و ( لسعة تزممارت ) الذي يتمفصل حول عدة عناوين صغرى أخرى ( اللسعة الأولى / اللسعة الثانية / شهقة الياسمين ) و ( انتقام وخنجر الأثير ) و ( بداية ونهاية ) و ( انكشاف الغطاء ) و ( أحلام وصرخة الأضداد ) و ( زلزال وألف بركان ) و ( في رحاب الجامعة ) و ( هوية الياسمين ) ، ( صراع من أجل البقاء ) …. نلاحظ أن العناوين الصغرى تتفاوت في عدد صفحاتها وترقيها التصاعدي . يختم ” محمد بنجدي ” روايته بما يلي : ” أيها الرائعون …سنكون الأوراق التي رسمها الأستاذ …نكون بإذن الله ذاك الشعاع الذي ارتضاه العقل ونبض الأنوار …نبتغي التعايش وتأسيس جسر الاختلاف …لن نكون دعاة إقصاء ولن نكون قضاة …نبعث الروح في المؤسسات ومحاربة الفساد …نعلم أن المسار طويل وأدوات الرفض كثيرة …لكن الفكرة ستنمو من خلالنا وخلال الأجيال القادمة ….”

* – لوحة الغلاف بالأبض والأسود / توأمان في ” عاشق التوأم ” .

* – الأسود :

– استغال الدين من الدولة والإسلام السياسي :

توضحت أسس النظام المغربي المعاصر لحظة مفاوضات ” إيكس ليبان ” ومنح المغرب استقالا مكن الاستعمار الفرنسي من حماية مصالحه الاقتصادية . استقلال أفرز تناقضات داخل مكونات الحركة الوطنية أدى إلى إسقاط حكومة ” عبدالله ابراهيم ” ، فاتقل الصراع على السلطة بين المؤسسة الملكية كحامية لمعاهدة والمعارضة اليسارية وجيش التحرير التي عارضت السيطرة الاستعمارية الجديدة ، وضع أطلق عليه سنوات ” الجمر والرصاص ” ( اعتقالات ومحاكمات صورية واستشهادات ) ، وخلاله خلقت أحزاب صورية مخزنية ، وامتدت هذه اللعبة كذلك في كل مرحلة من مراحل الصراع السياسي منها مرحلة ” حركة 20 فبراير ” التي مهدت الطريق لوصول حزب إسلامي إلى السلطة لمواصلة اللعبة ، ولم تكن النقابات العمالية والجامعات المغربية بمعزل عن هذا الصراع في كل محطاته التاريخية ، إذ عرفت بدرها تطاحنات كبيرة بين الفكر الحداثي التنوري والفكر الظلامي والتقابات الصفراء المخزنية . وضع جعل المشروع الحداثي التنويري يتعرض لانتكاسات سوداء متكررة . جاء في الوجهة الخلفية للغلاف : ” أصرخ والقيود تحتلني ، تسحبني نحو المجهول ، أخذوني إلى بيت كبير مهجور ، مغطى بالأشجار الكثيفة ، عالية عاتية ، أسمع صراخ المعتقلين السياسيين ، انسحب المكان وتغير الزمان فوجدتني معلقا بحبل مشدود نحو سقف السماء ، الزرقة والدموع ، والأرض حمراء ملطخة بالدماء ، في فمي أنبوب ماء واختناق ، الأوكسجين هارب عني ، أبحث فيه بقائي ، أستنجده احتضاني ، أمي تراءت أمامي ، تلبس ثوبا أبيضا والشيب غطى شعرها ، على خذها دمعتان وقطرة دم قديمة ، ما بين الاحمرار والسواد أغنية وحكاية ، في الرواية إيماءة زرقاء ترسم التجاعيد على أرض الصراع والبقاء ، شق بطني ، رأيت أحشائي وانتشار صراخي ، انقطع الحبل فسقطت أرضا ، عيناي شاردتان ، وامتداد أرضي ، حذاء قرب وجهي ، أسود يضرب صورتي ، أسناني تهشمت وعنقي انحنى انحناء الظل اليتيم ، انسحب المكان وحل الاخضرار ، حديقة ساحرة ونساء فاتنات ، يلبسن البياض ، يبتسمن ابتسامة السماء ، كأني فراشة زرقاء ، تحوم حول زهرة حمراء ، رحيق وشعيرات صفراء ، لا أرى جسدي ولا أرى ظلا ، روح أنا تحلق و سرب الحمام ” .

* – الأبيض :

– الديمقراطية – حقوق الإنسان – فكر تنويري حداثي :

التوافق والانتقال الديمقراطي شكل تراجعا للحركات التحررية والاشتراكية في العالم العربي والمغرب الذي نحت فيه الكتلة الوطنية منحى التغيير التدريجي بواسطة العمل داخل المؤسسات الرسمية ، مما ساهم في الافراج عن المعتقلين السياسيين ( تازممارت سنة 1991 ) ، وعاد ” الفقيه البصري من المنفى ، وبدأت تجربة الانتخاب الديقراطي التي بموجبها حدث توافق بين المؤسسة الملكية وأحزاب الكتلة الديقراطية ، أفرز هذا الوضع تعيين ” عبدالرحمن اليوسفي وزيرا أولا ( 1998 ) . مرحلة تميزت بتثبيت شرعية النظام ( دولة الحق والقانون ) ( إصلاح مدونة الأسرة ) ( تأسيس هيئة الانصاف والمصالحة ) . محطة 20 فبراير 2011 كانت تعبيرا عن إفلاس السياسات المخزنية في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . جاء في رواية عاشق التوأم ” : ” أطلق سراحي ، عدت إلى التدريس ، أزاول مهنتي كأستاذ للفلسفة ، ظلت تلك الأسماء تترنح أشواكا في أعماقي ، الفضول المعرفي والرغبة في الكشف عن المستوى في حادثة ميساء وفريد ، لست مقتنعا بالسر الذي حيك من قبل المؤسسات ، عذبت الفراشات أيام الفقراوي والبصراوي ، القهر والاضطهاد ، سنوات الرصاص والاستعباد ، لقد اصطادوا في الماء العكر ، فكان ما كان ، قال المناضل عبدالرحيم بوعبيد أحد قادة الاتحاد الوطني للقواة الشعبية ” …إننا في وقت خطير بالنسبة لبلادنا ، نلبي النداء …نتمنى أن يفهنا …وإني على يقين أنه طال الزمن أم قصر … فإنه سيتفاهم معنا دون نتيجة الآخرين … ” الصفحة 73 و 94 .
تمركز الفكر الحديث في المغرب على أسس قيم العقل والحرية والتقدم وقيم التنوير ذات مضمون دقيق وعميق كمشروع فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي . لقد سعى معظم المفكرين في العالم العربي إلى إيجاد صيغ نهضوية تعود للتراث من أجل قراءة جديدة للتاريخ تنفتح نحو المستقبل ، وهذا طرح سؤالا إشكاليا ( أين تكمن أزمة العقل في إشكالية التنوير ؟؟ ) ( د . مراد وهبة ) . ( 3 )

* لوحة الغلاف والعنوان في رواية ” عاشق التوأم ”

لوحة الغلاف من تصميم الأستاذ ” مصطفى بالوط ” ، يوضح بياضها قضبان بوابة زنزانة ، ووسط السواد وجه امرأة يظهر مجهر عينها اليمنى . لوحة الغلاف تربط علاقة للرواية بالواقع الذي يتحرك نحو النص ، وتجعل كذلك النص يتحرك نحو الواقع مما يجعل العنوان ( عاشق التوأم ) أكثر إقناعا وحاملا التأثير المباشر في تلقي الصورة الروائية . ” الواقع يفرض نفسه في النص بوصفه قناعا لأنه لا يظهر بصورة مباشرة تجعلك تربط المتخيل بالواقعي أو تحيل الصورة المطروحة في النص إلى الواقع بوصفه مرجعية ، الواقع يطرح نفسه بقوة القناع لا بقوته هو ، فالواقع يعبر إلى منطقة الفن في صوره تؤهله للعمل بصورة أشد قرة على أن يكون دالا مكتسبا دلالة يفتقدها في سياقه الواقعي المباشر …” . ( 4 ) .
الإنسان بطبيعته متيم بالجمال أينما وجده عشقه ، وفي نفس الموضوع سئل الحلاج عن مذهبه فأجاب : ” العشق ” . إن هذا العشق يتوجه إلى الحقيقة المتعالية ( الحق والخلق ) .

يقول الحلاج في قصيدته ( عجبت منك ومني ) ( 5 )

عجبت منك ومني
يا منية المتمني
أدنيتني منك حتى
ظننتك أنك أني
وغبت في الوجد حتى
أفنيتني بك عني
يا نعمتي في حياتي
وراحتي بعد دفني
ما لي بغيرك أنس
من حيث خوفي وأمني
يا من رياض معاينة
قد حويت كل فني
وإن تمنيت شيئا
فأنت كل التمني

جاء في رواية ” عاشق التوأم ” : ” – كمال … يعشق كل امرأة تشبه انثاه …مجنون …لقد عشق امرأتين …هما وصال ومريم …لذلك قبلتك زوجة له دون اعتراض …رغم أني لم أقرع بابك قط ولا حاولت أن أتعرف عليك …”

——————————————————————————————————————————–

4 – السياسة والجنس في الرواية / ” عاشق التوأم ”

تبقى الرواية من أهم الأجناس الأدبية التي واكبت تحركات ” الربيع العربي ” التي لازالت حركاته الارتدادية تولزل بعض البلدان العربية ، ويمكن أن نذكر منها : ( رواية ” ورقات من دفتر الخوف ” لأبي بكر العيادي ) و ( رواية ” الانقلاب ” لمصطفى عبيد ” ) و ( رواية ” ثوة العرايا ” لمحمود أحمد ) و ( رواية ” كان الرئيس صديقي ” لعدنان فرزات ) و ( رواية ” مدينة لن تموت ” ليوسف الرفاعي ) و ( رواية ” عدو الشمس : البهلوان الذي صار عدوا ” لمحمد سعيد الريحاني ) و ( رواية ” أجندة سيد الأهل ” لأحمد صبري أبو الفتوح ) ….كل هذه الروايات وغيرها ركزت على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ممتزجة بالخيال الروائي …وما سيلاحظه قراء هذه الرويات التي نشرت أنها جنست الثورات ، وجعلت منه بركانا تعبيريا وحراكا بلغة الجنس .
رواية ” عاشق التوأم ” لم تعالج ” الجنس ” بالطريقة التي عالجه بها ” أيمن الدبوسي ” التونسي في روايته ” انتصاب أسود ” ، وهي ذات مشاهد جنسية فاضحة ومنحطة ، بغرض الوصول إلى فكرة أن الثورة كسرت الأغلال ، وحطمت القيود المكممة للأفواه والسلوكيات ، أي أن ثورة الياسمين هي ثورة تناكح الثقافات والمشاعية الجنسية ( مشروع بشرت به سياسة ساركوزي الفرنسي ) .

نقتطف من رواية عاشق التوأم ” ما يلي :

” …عدت بفحولتي والإحساس برجولتي إلى حينا ، حي الكورس شارع الفوسفاط أحكي تفاصيل ذكورتي على جسد أنثى اسمها ” ربيعة ” الهاربة من قبيلتها بعد اغتصابها من قبل ابن عمها الجبان ، وهما يرعيان الغنم بعيدا عن الأنظار استدرجها بالكلام المعسول فذابت تحت شجرة الصفصاف ، انقض عليها الذئب بقوة المخالب والأنياب ، فض بكارتها وتركها لسرها الذي مزقها وأنين الأحشاء ، تزوج غيرها تاركا إياها تحمل سر حلمها ، هجرت أهلها بعدما بدأ البطن بالانتفاخ ، تشردت بين مدينة ومدينة ، مات ابنها الجنين جوعا ، صرخت بالشوارع صراخ البحث عن المنقذين ، لم تجد إلا الغاصبين الجسد البريء ، حاولت الاشتغال بمعمل السردين ، لكن لعنة التحرش الجنسي تلاحقها ، لم تجد سوى الدعارة مأوى لها ، حضن ” غيتا ” حضن أمها ، امتهنت الجنس بعمارتها بحي ” الكورس ” سمع الأصدقاء قوة فحولتي على جسد ، لم أدرك معاناته حتى نضج الفكر وارتقى الفهم إلى مراتب العقلاء ، كل يوم سبت أزورها لأقطف الفستق والرمان ، لا تطلب المقابل مني ، كانت تحاول إسعادي وتنفيس حرقة حرقة الجنس التي كانت تشوش أفكاري . كانت ” ربيعة ” تحكي لي كل أسرارها ومعاناتها ، طفولتها ومراهقتها ، أخبرتني محاولة اغتصابها من قبل عمها وفقيه قبيلتها ، حكايات مخيفة في القرى وفي الجبال ، تحت الحجر وخلف الأبواب …” الصفحة 46 و 47 .

يمكن تصنيف تجليات الجنس في رواية ” عاشق التوأم ” شبيهة بتجلياته في الروايات التي كتبت خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أو قبيلهما ، وهي تحاول اختراق الممنوع متمردة على الثقافة العربية التقليدية رغبة في تحرير المرأة والرجل معا ، هذا النوع من التمرد نجده في رواية ” موسم الهجرة إلى الشمال ” و ” روائح ماري كلير ” و ” الخبز الحافي ” ….فرواية ” عاشق التوأم ” لا توضف الجنس بطريقة مجانية ، وإنما وظف فيها ليخدم سياق العمل الروائي كتيمة لا تقل أهمية عن السياسة والتاريخ وغيرهما ، لأن الرواية فضاء مفتوح غايته الكشف الإنساني والغوص بعمق في نفسيات الشخصيات . الاؤاث العربية لم تخل كتاباته السردية القديمة من الجنس ، نذكر منها : ” الروض العاطر في نزهة الخاطر ” و ” ألف ليلة وليلة ” وغيرهما . بالرغم أن الجنس على مستوى السرد لم يعد ممنوعا أو محرما إلا أنه مازال يثير الكثير من الجدل لدى الكثير من القراء نتيجة النظرة القاصرة وفتاوي التحليل والتحريم التي تشكل وعي الإنسان العربي .

” …لا أدري كيف ساقني الجنون إلى عالمها سقطت قصيدة على جسدها ، نسيت نفسي وعانقت الشيطان بإرادتي ، خائن أنا كاذب ، كيف أخفي غدري ؟ …كيف أحكي مع ليلى وأنا أرتدي قناعي ؟ …لا أستطيع الاستمرار معها ، وأنا أحمل في أحشائي غباء مساء سكران ، لن أكون إلا واضحا معها ، سأحكي أخطائي وعيوبي لها ، لست ملاكا أنا ، لكن لن أستطيع أن أفضح شيطاني حين ينهزم أمامي ، فتحت عيني بصعوبة كمن كان في حرب طاحنة ، تسربت أشعة الشمس من النافذة معلنة إيقاظنا من خطيئتنا ، أحلام نائمة ، تفاصيل جسدها ارتويت ، حققت لذتها في لحظة سكري اقتنصت طريدتي ، أرنب مشوي وسط الغابة ، عندما هممت بالخروج استيقظت تلاحق ظلي ….” الصفحة 195

إن الجنس في الكتابة الروائية والكتابة الأدبية عموما ليس سبة أو وصمة عار ، يقول الكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن غازي القصيبي : ” على الكاتب أن يغذيني عقليا ، أو يثيرني جنسيا ، أو يضحكني ليكون أهلا لمجالستي ” . في كل عمل أدبي حامل لطبيعة إنسانية لا يمكن الابتعاد عن مقومات ومكونات الإنسان التي على أساسها هو مستمر في إعمار الكون عن طريق النسل . إن الجنس في الرواية ” عاشق التوأم ” هو ضرورة فنية ، استخدم كوسيلة لأغراض أخرى كالتشويق وكفواصل وسط خط درامي متصاعد .

——————————————————————————————————————————-

* – الديني والسياسي و الإسلام السياسي في الرواية ” عاشق التوأم ” .

رواية العصر الحالي لم تعد تطلب من الأسطورة أو الملحمة التعبير عن عالم منتظم ومتكامل ومغلق ، بل مستسلمة لمجرى التاريخ الذي يمنع البشر من أن يجدوا مرة أخرى النظام والتكامل اللذين فقدا إلى الأبد . فالرواية حسب رأي ” ستراوس ” تقص حكاية شخصية تبحث عن نظام متلائم ومتناغم مع نفسه . نجد رواية ” عاشق التوأم ” قدمت نقدا لعصرها ( قبيل استقلال المغرب إلى ما بعد ” الربيع العربي ” ، واستطاعت أن تصور الإنسان في مختلف جوانبه الشعورية واللاشعورية ، السياسية والمجتمعية والدينية ….

يقول ” جميل حمداوي ” في نوع الرواية السياسية والتخيل السياسي : ” نعني بالرواية السياسية تلك الرواية التي تنصب على مناقشة الأفكار السياسية وبرامج الأحزاب النظرية والعلمية ، وتحديد تصورات المذاهب السياسية وتبيان مواطن اختلافها وتشابهها ، مع رصد جدلية الصراع بين الحاكم والمحكوم والعامل مع أرباب وسائل الإنتاج ، واستجلاء الفكر النقابي والنضال السياسي وما يستتبعها من اعتقال وقع وقهر وحبس للمواطنين والمناضلين في الزنازن وسجون التعذيب والتطهير ….” ( 6 )

( خرج الجموع من الطلبة السوسيولوجين إلى حلقة الرجعيين والشيوعين ، يناظرونهم بالفكر تحت حماية العدد المخيف ، اهتز المضجع وصمت المخالف العنيد في سياقها العدد فيصل يحمي الأفكار وإن كانت من بول بعير ، أمة الأرقام والكم لن تنتج إلا الغباء القائم على مقدسات الحيتان ، البحر بحرهم والسماء والطيور ، غرباء نحن في أرضنا بعدما نهبنا أيادينا ورحنا نلوم ونتآمر على الآخرين ، في بلادنا أفاعي وتماسيح ، قالها رجل لما وصل السلطة عفى عن نفسه وعن المجتمع ، استغل الوضع فصعد المنصة فاستهوته الملايين ، الدولار والرحلات والغدق المبين ، قهر الشعب بعدما انتخب الجلادين ، أنهكو قفته ورعو سعر البنزين …مهزلة أضاعت اختيار الديمقراطيين …انسحب الشيوعيون كما الإسلاميون من حلقة السوسيولوجيين …تيار يبتغي …تفكيك الأصنام والأوثان …نزع القداسة عن الزعامات …فضح الابتسامات ولعبة الشعارات ….” الصفحة 311

نجد عمق رواية ” عاشق التوأم ” لمحمد بنجدي في فكر ” الحلاج ” الذي يرتكز فكره على وحدة كل ما في الوجود ، ولإدراك هذه الوحدة لا بد أن تتم إفناء ” الأنا أو ” الذات ” الفردية في ” الأنا ” أو ” الذات الكلية ، أو ما يسميه ” الحلاج ” ” ناسوتية الإنسان في لا هوتية الله ” . سأل أحد الحلاج : ” كيف الطريق إلى الله تعالى ؟ قال : الطريق بين اثنين وليس مع الله أحد ” . أي أن الله موجود في كل مكان ، ولا يوجد طريق للوصول إليه ، لأن الطريق يتطلب وجود اثنين وليس مع الله أحد .

عالجت الرواية استغلال الدين لأغراض سياسية مما أدى إلى تضارب سواء استغلته الدولة ، أي تبني شرعيتها على الدين ، أو بالنسبة للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، والسبب هو أن الدين ينزع إلى القيم السامية المطلقة ، أما السياسة فطبيعتها المصلحة والتوافق والتسوية والنسبية والقابلية للتطور .

( حبيبتي …سجال فلسفي أنيق …النبشر والحفر العميق …متى نضمد جراح الذاكرة المثقلة بالأنين ؟؟ …متى يفرح المعتقلين السياسيين ؟؟؟ …متى تطوى هذه الحقبة السوداء ؟؟؟ … التي ضيعت عنا مشروع التحديث …متى يصير الشعب والنظام الملكي رحيقا للرياحين ؟؟… غطاء وسقف شعري …رداء ورمز نثري …عاشقان نحن في وطن مغربي …توأم تاريخي ونزوع نحو التجاوز والبناء الواقعي …ملكية وروح العصر التنويري …متى نعزف اللحن السرمدي ؟؟ …متى نرقص الرقص الأبدي ؟؟…في بيتنا فاسدون انتهازيون …في بيتنا مصاصو دماء وصوليون …في بيتنا ورود وأزهار مقموعة … أخاف على وطني من لعنة المتآمرين …أخاف على حبري من السجن والموت البطيء …أحب بلادي وعزف العقلانيين …أخاف أن لا يفقه قولي جهل الجاهلين …أخاف عليكم سحر الدجالين ….) الصفحة 101.

________________________________________________

_ في السيرة الذاتية :

محمد بنجدي أستاذ التريية الموسيقية بمؤسسة التفتح الفني والأدبي، سوس الانبعاث، أكادير إدوتنان.
حاصل على الإجازة في علم الاجتماع..
مؤلفات..
خمس دواوين شعرية..
١) ملهمتي
٢) لعلي ألقاك
٣) ليلى
٤) على محراب الرحاء
٤) امراة من دخان..
روايتان..
١)أحلام البوح
٢) عاشق التوأم..

________________________________________________

الجزء الأول …….. يتبع

عبدالرحمن الصوفي / المغرب
——————————————————————————————————————————–

– الهوامش :

1 – بوعلي ياسين / الثالوت المحرم
2 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي
3 – مصطفى الضبع / الواقع الموازي / دراسة في تقنات الحلم في سرديات نجيب محفوظ / 2006
4 – جونتان كولر / الشعرية البنيوية / ترجمة : السيد إمام / القاهرة 2002 / ص 66
5 – جيرالد برنس / قاموس السرديات / القاهرة 2003 / ص 126
6 – الرواية السياسية والتخييل السياسي / جميل الحمداوي / مقالة / diwanalarab .com

المصادر والمراجع :

1 – حسين مروة ( علاقة السياسة أديب في المجتمع العربي ) / الموقف الأدبي ( كتاب العرب ) / العدد 171
2 – صالح سليمان عبدالعظيم / سوسيولوجيا الرواية السياسية .
3 – د . سعيد علوش ( رواية الأطروحة والرواية المغربية ) / أقلام ، العراق / العدد 11
4 – حسن بحراوي / بنية الشكل الروائي : الفضاء ، الزمن ، الشخصية ، ط1 / 1990

بقلم : زينب غسان غادر

ويحدث

ويحدث ان نكتب
لأنفسنا
نكتب لتخفيف
ضجيج ذاتنا
نعزف
اشجان أرواحنا
وربما ننسج
خيوط أفراحنا
وفجأة
تجف دواتنا
وتتناثر
ريشة حروفنا
وتتلعثم على شفاهنا
كل المعاني …
ترتسم على ملامحنا
تجاعيد الزمان
وتعتري أرواحنا
برودة المكان
وفجاة
نتقوقع مع انفسنا
لا ندرك
صواب مسيرنا
ويبدو الياس حالنا
وبات مستحيلا حلمنا
والسراب رفيقنا
وببرهة
ينتفض
الرّجاء فينا
نسترجع امانينا
ونستجمع زادنا
ونلون أبجديتنا
كما الطّيف الوانا
ونعود نخط
بدمع مآقينا
فرحة تنسينا
ذاك الحزن
والمستحيل
يُمسي دفينا.

زينب غسان غادر

بقلم : صالح هشام / المغرب

وأقعقع له بالشنان: قصة قصيرة٠
بقلم : صالح هشام/ المغرب٠ ( من وحي شغب الطفولة )
– أنا حمزة ، أنا الأمير ، أنا عاشق السيف والفرس، أنا السالب وردة العرب، وأنا مسلوبها، أليس كذلك يا صبيي٠٠٠ يا عمر٠٠٠ يا عيار؟
وألوح بعصاي في الفضاء، وأنا أمتطي عمودا كان دعامة بيتنا القديم، وأحلق كطائر مذعور في فراغ ممرات بستان الصبار الضيقة، دون أن أعير أشواكه المسننة اهتماما، وأتغنى بنتف من أشعار (مهردكار) ذات تحرش بفارس العرب٠
فتنت بالفرس والفارس حد الجنون، ومن فروسيته أستلهم فروسيتي: سيفه عصاي، وفرسه عمودي، كيف لا ؟ وقد خبرت روائع سيرته الشعبية، أتقمص شخصيته، وهو يراقص مقبض سيفه البتار في قبضته الفولاذية، و يشرح جثث الأبطال شرائح لحم مقدد٠ وبين سطور أشعاره، أتلصص عليه، وهو يتغزل بمفاتن معشوقته الحسناء( مهردكار)التي اختارها ملكة قلبه دون بنت أسطون، وأنا أقتدي في ذلك بالظريف عمر العيار٠
لذلك كنت تراني-كل خميس أسود- أقرفص على قدمين متورمتين، فعشرات الجلدات لا تشفي غليل ذلك الأرعن المنحوس٠ أ أحفظ سيرة حمزة، وأتقن التلصص عليه في أشعار معشوقته، وأعجز عن حفظ عملية ضرب، أو قصيدة من اختيار تافه بذوق ذلك التافه؟ فماذا تساوي تفاهاته أمام تحليقي عقابا أو صقرا أو نسرا فوق جثث أبطال أشداء فتك بهم سيف حمزة العرب في ساحة الوغى؟ فهذا المنحوس المتعوس وكل مدرسته لا يساويان نتفة من أشعار بنت الأكابر (مهردكار)، أو طرافة من طرائف خفيف الظل عمر العيار٠
لذلك كنت ترى جسدي النحيل- دوما – مطرزا بندوب تأبى أن تندمل، فعصا ذلك المعلم الأرعن تخضب بناني، وبلا انقطاع٠ ربما لأنه لم يكن يعرف عن حمزة شيئا، كالرحى يطحن ما أمر بتمريره إلى عقولنا الصغيرة، وكالببغاء يردد على مسامعنا إملاءاتهم الرعناء٠
في كل حصة، يرشحني- دون خجل – للرسوب، فيسخر مني أغبياؤه لأنهم من فصيلته، فهو الغبي بوزرة بيضاء مكوية، وهم بأقدام حافية متشققة، أسطوانته صدئة، لا يتوانى في ترديدها على مسمعي في كل لحظة وحين:
– هذا العام، سيفقص بيضك يا خنزير البرك الموحلة، فوق ذلك الكرسي الذي تأكل منك مساميره الصدئة ٠
لكن، ها أنا -اليوم – أغرز أصابعي في عينيه الذابلتين، وأفند كل مزاعمه، وبفخر أرفع رأس أبي عاليا بين أقرانه، وأنتزع – قهرا- الزغرودة من أفواه متطفلات حينا٠ ها أنا- اليوم- أتوج رأس القائمة، وأخربش بأظافري حكمته الغبية المنقوشة على عصاه الغليظة ( العصا لمن عصا)، فأضمد جراحا باتت عميقة الغور في كل أنحاء جسدي النحيل٠
نجاح باهر لم أذق طعمه منذ سنتين، أعود منتشيا به، فألوح بعصاي وأجري كالمجنون في متاهات بستان الصبار كعادتي٠ يعود أبي هذا اليوم مبكرا من السوق، يجر حلمي وراءه، كيف لا وقد حققت له حلمه، وأخرست أفواه الجيران وسكان قريتنا؟
يعود يجر جحشا كوحش بري، لونه داكن، لكنه يميل إلى الرمادي، أشبه في قوامه الممشوق بأبجر عنترة العبسي، أو بفرس فارس بادية الحجاز، أرمقه بإعجاب كبير، ويخترقني بعينين واسعتين متوجستين٠ يشدني أبي من يدي، يضغط بعنف على معصمي، وبابتسامة عريضة لا تخلو من رضى يقول :
– خذه يا بطل، إنه لك، ومن هذا الجحش الجميل إلى حصان أدهم إن شاء الله٠
ودون أن أشكره أو ألتفت إليه، وبشغف كبير أحكم قبضتي على هذا الوحش البري، وأنا أتمتم كالأحمق:
– هذا حصاني، فأنا جدير به، وبالقوة انتزعته منك يا أبي، ومن ذلك المعلم المنحوس٠
أقاوم فرحة عارمة، لم يكن قلبي الصغير قادرا على استيعابها: أبي يفي بوعده، ويتوج فروسيتي بهذا الأشهب الأغن كما توجت رأسه بنجاحي٠ و أملي أن لا يكون جامحا جموحا عنيدا، وأن يكون مطواعا، لتكتمل فرحتي وتتحقق أحلامي٠
أدور حوله، أتفحصه جيدا، فأفتتن به، وأتقرب منه لأكسب ثقته، يلصق عينيه الكبيرتين بالأرض، ويضغط على ذيله بين فخذيه، ويبسط أذنيه خلف جمجمته المستطيلة كرأس تنين صيني، فأتوجس خوفا من ردة فعله، أقترب منه كثيرا، أتلمس فروته، أجدها حريرية ناعمة الملمس، فلا يبدي حراكا، أطمئن إليه، ويطمئن إلى رفقتي، وقبل أن أمتطيه تعن لي فكرة جهنمية خطيرة، لكنها غبية:
أن أضع بين فخذه شنانا، أربطه على ظهره، فقعقة الشنان تفزع قطعان الخراف، وهو لن يكون أصلب منها قلبا وأقوى عمودا، فعندما يتحرك الشنان يفزع المسكين ويرتعب، فتتحسن مردوديته عدوا وقفزا، ولم لا؟ فهو لا يقل أهمية عن فرس فارس العرب الذي كان أسرع منه البرق٠
علبة سردين قديمة أحشوها بحفنة حصيات، أعيد إغلاقها بإحكام، وألصقها ببطن جحشي بخيوط أمررها تحت بطنه ثم أشدها على ظهره، فيصبح بجاسوسي جاهزا للتحليق بي في متاهات حلمي الأبله:
كل حركة من حركاته تقعقع الشنان، يتحول – بقدرة قادر- طائرة بأربع محركات نفاثة، فيطوي البيد والبراري تحت سنابكه طيا٠
أبسمل، وبحذر شديد، أقفز كالمارد فوق ظهره الأملس بدون سرج ولا لجام، تتحرك الحصيات في قلب علبة السردين، يصاب المسكين بنوبة رعب شديدة، يرفع قائمتيه الأماميتين إلى أعلى حتى يستقيم واقفا ويعانق الفضاء، يقفز يمنة ويسرة، وينط كالهر في كل الاتجاهات، وأنا أتمسك بقوة بشعيرات عنقه التي لم تطل بعد٠
يدور حول نفسه كخذروف، كقط يريد قضم ذيله، فأمعن في شد شعيرات عنقه شدا كرعاة البقر، وفكرة سقوطي نحو الهاوية تتملكني، فيزداد قلبي انتفاخا٠
تزداد قعقة (الشنان) حدة، تتوتر أعصاب جحشي، فيبحث عن منفذ يخلصه حملي الثقيل وغير المرغوب فيه، وأنا على ظهره أتأرجح، وأميل حيث يميل، لكني به عالق كالعلقة٠ ينفلت كالرصاصة الطائشة قاصدا أضيق ممرات بستان الصبار الكثيف، وبسرعته الجنونية كوميض البرق يسد أمامي كل أبواب النجاة بجلدي٠ يختار هذا الغبي / الذكي أضيق المسالك وأكثرها أشواكا، وفي نيته الحمارية: أن يلحق بجسمي أضرارا جسيمة٠
أشعر بوخز الأشواك في جنباتي كالإبر أو لسعات العقارب، أرخي- مضطرا – شعيراته، علي أخلص نفسي من هذه النار الحمراء، فتتلقفني الأرض دودة بلا حراك، مغشيا علي، يتبخر حلمي بين الأشواك، وينتقم مني جحشي شر انتقام، و تبتلعه كالشبح كثافة بستان الصبار ، وهو يعدو ٠٠٠يعدو ٠٠٠ فارا بجلده كفأر مذعور٠
تنزل الأصوات على مسمعي نشازا ثقيلة، تبدو بعيدة جدا كتردد الصدى في قاع بئر عميق ، لكني بعد مشقة وجهد كبير أميز منها صوتا، أظنه مألوفا: إنه صوت أمي، ترغي وتزبد وتولول، وهي منهمكة في استئصال تلك الإبر من جسدي، أحبس- على مضض- أنفاسي لاجتناب صفعاتها الغاضبة، وكل شوكة تنتزعها من جسدي النحيل بأنات مكتومة، وتأوهات آلام حادة لا تطاق٠
وفي أوج غضبها، تكيل لأبي الشتائم بعدما انسحب من هذا المشهد المأساوي، وهو يغالب دموع ضحكاته الهستيرية، ويحبط الأرض بحذائه الثقيل٠ تنفض أمي يديها مني، وتتركني أتجرع مرارة آلامي وحدي، وهي تردد على مسمعي بغضب شديد :
– لأنزع كل هذه الأشواك من جسدك العفن، أحتاج إلى أكثر من جلسة يا فارس الزمان، يا حمزة، يا بهلوان٠

زجل : أحمد الكندودي

***زجلية مغربية تحت عنوان
***ْوْجَه الطَرًاح
مَنْ وْجُوهْ الدًفْلى طَارِتْ لْحَشْمَة …
لَحْيا وَصْفَا وَ نْقا ؤُ لَوْقََر
لاَ صْغِير تَسْقاتْ بالخير اخْلاقُو….
ؤُ لَكْبير فِ الكَرْكَاعْ تْلَفْ ؤُ هْتَر
وْجَه الطَرًاح كْحَلْ نَبًاحْ…
سَلَعْتُو حْيالة ؤُ غْدَر
سوق النورْ عْمَرْ بَوْجُوه الخِيبَة
مَصُوا عْرَقْ لْكادِحْ …
ؤُ ردوا الصبر دْبَرْ
وْجَهْ الطَرًاح عَنْدْ لْحَزًة تَلْقاه …
شَكًايْ نَوًاحْ مْقَصْدَر
ؤُ حَتًى إلَى حْسَنْتِ لِيهْ …
نْهَارْ يَتْقَالْ جْناحُو يَنْسى ويَنْكُر
فَاَهْ مَنًكْ يَ زْمَانْ لْخيبة اَه…
بْنادِم فيكْ غْطَسْ فِ لْقُبح وَالشًر
ؤُ بِ لْعقلية لََمْدَنْسَة تالف غادي
ؤ بْلا مخ قَاسْ لْحَرف وَطُهر
النًفْس ماتَتْ وَالهَمًة شَاطَت …
والسًارقْ بْلا حَشْمَة عَرْبَدْ بَجْهَر
فَهَوَ مَنْ وْجُوهْ الدًفْلى…
والدفلى طَعَمْها لا تنسى عَلْقَمْ مُرْ
الكذاب عادْ يَتْباهى بَكْذُوبو…
زْعَمْ ، ؤُ بْغَا يَطْنَز عْلى الطير الحُر
عَجْبوا وَجْهو ؤُ خْيالو
ؤُ م شاف عَقْلو المَخْدوشْ…
الناقص نْظَرْ
وجه الطراح داق الخير
جوًعْ أهْلُو ؤ عَشًا لغير
م حْمَدْ الله م شْكَر…
تْرامى على حَق خُوه ..
وفي الملجأ سكًنْ مُو ؤ بُوه
لموضة والمساحيق غافل عَلْ لَقْبر
من وجوه الدفلى طارت لحشمة ..
لَحْيا وَصْفَا وَ نْقا ؤُ لَوْقََر
لا صغير تسقات بالخير اخلاقو….
ؤ لكبير ف الكَركَاع تلف ؤ هتر
***المغرب***الشاعر والزجال : أحمد الكندودي ***

بقلم : عبدالرحمن ذكي

ياسمينة .

اصغيرة وزهرة زينة اجميلة يا ياسمينة
كنتي وسط لزهار محظية ف اجنينة
اتفوح من ثغرك نسمات تهديك لطيار نغمات
معزوفات احنينة
كنتي في كل اصباح اتلبسي كسوة من طل
هانية الخاطر مرتاح عايشة في شمس وظل
عشران احداك املاح ورد وريحان و فل
والفراشات اوشاح و انحل يروى لعسل
يشافي للذات اجراح و جرحك دمو ينزل
اجناتك يد اخشينة
اسقاتك مر اغبينة
في غفلة دون امهل
ضاعت منك لنسام جف ارحيقك و الريق
عيب ايقطفوك احرام يرميوك في وسط اطريق
كلو فوضى و ازحام وخوف ، ولا اضمير ايفيق
اتدوسك عنوة لقدام اصغيرة والعود ارقيق
ما قراتك ليام ما عرفتي اعدو من اصديق
وها انت يامسكينة
اليوم باكية و احزينة
هم ف قلبك و احريق
ما نفعاتك حسرة و ادموعك مثل السيل
ذبالت ليك البشرة و ف قلبك هم اثقيل
اصغيرة انت يا زهرة وما قاسيتيش اقليل
شكون يطفيها جمرة يواسي قلبك لعليل
تزيان فيك النظرة يزهى الحاضر ويميل
يفوح الطيب اعلينا
ويعطر لمدينة
والمستقبل اجميل .
———————-
عبدالرحمن ذكي .

بقلم : علي الزاهر

غيم الأشجان

“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””‘””””””””””””””””””””””
أحتاج اليوم سيدتي
لدمعة حَرَّى ، تُنسيني بعض أحزاني
أحتاج أن أشق الأرض حروفا
تهوى خلود الصمت على هذه الصدور
هو الحزن لا آخر لجمره في دواخلي
هكذا قال الراعي ، بعد خطوات طوال
يصارع خوفه و كل الظنون
لما أصدر الرعاء و تولى للظل في صمته
حين أتعبه المسير …
قالت طفلتي : يا أبتي ابتعد عن الشعر قليلا
و اترك ما أتعبك الصدر من قول عنيد …
هي لا تعرف حر الحرف حين يتعبه الانتظار …
لكني يا ابنتي : حري بهذا الشعر أن يرتقي
و أن يرسم في أفقه بعض الحزن و بعض الآمال
أن يروي قصة العائدين في صمتهم
نحو ما احترق الآن في الحلم من رؤى و من الآهات
و يحكي قصة القمر الذي سار في الدرب رهينا
يبدد دجنة النفس في سير هذي الأوقات
حري به ، أن يرثي ذهاب السنين عجافا كنه الأوطان
دون مقابل ترضاه النفس حتى ترتاح
او تستكين به الخطى من هول المسير في جنح الترحال …
أنا يا ابنتي أحتاج حد الصدى ، حتى أبوح
وأغرق كل مدامعي في غيمة الدمع و أنا أصيح
آه .. بنيتي ، أحتاج كل الكلمات
وشرب الحروف و كل المفردات
حتى أفجر صبوة ليس لها في القلب قرار …
قلت يا ابنتي : حري بهذا الجمر أن توسده الأنفاس ،
أن يستلقي تحت ظلاله هذا القلب من تعب السنين ،
ما زلت أحتاج مئذنة و شموع هذي البلاد
سيفا أو نغما في هذي الدروب الطوال
حتى أكسر ظلمة الإنتظار و مر الأعمار
أن تعيش الدمعة عشقا ليس له حدود في الآفاق
ففي جوف الأشجان يكمن سري المكنون …
و في الحرف متسع للصمت و القول الرشيد
لكن يا ابنتي ، ما استعطت أن أغادر ظلي
و أترك في صحراء القصيدة خوفي …
و أن أُُستاجر لثمان أو عشر طوال
فأنا مذ كنت صبيا ، مَهَّدت ساحة قلبي
لمعركة الصبوات و غيم الأشجان …

علي الزاهر تنجداد المغرب

بقلم : حسين الباز / المغرب

أقوال / مواقف (على مدار سنين من الكفاح الأدبي)

بقلم: حسين الباز / المغرب

*الإبداع بحر بظلمات ، فيه من الأحجار الكريمة بأنواعها ، وكل له لون وشكل يميزه عن الآخر،، لذا لا يمكن الجزم بأن هذا أحسن من ذاك. اللؤلؤ يبقى لؤلؤا.

*لو تعامل كل مبدع مع أخيه في الإبداع كزميل لا كمنافس ، لكان أدبنا بخير.

*من العار على الشعراء التغزل بالمرأة وقت الحرب، فهي لو وردت يقصد بها الوطن والحرية والحب، غير ذلك فهو جبن وإيواء للمضاجع بدل أخذ السلاح.

*إذا التف حولك الحاسدون ، وأصبحت لوحدك، فقمامة القائد جاهزة لطحنك.

*بمنجم حروف مصنعة عمال بيوت ذعارة.. أنقب عن صور مستعارة ، فلا أجد غير حجارة..!

*القافية وقع شعري لابد منه ، و إن بعد سطرين أو ثلاثة ، وإلا فاكتب نثرا وأنت تحاول.

*النص كيفما كان صنفه ، إن لم يحو صورا تشبيهية واستعارة وتخييلا، فهو رديئ.

*ليس كل نحوي بأديب ، و ليس كل أديب بنحوي، وحده النزيه من يعرف التصنيف.

*قد يتخلى الرجل عن الأعراف من أجل الحب ، ولكن المرأة تتخلى عن الحب من أجل الأعراف.

*هل تعرف الخفاش حين يلج النهار مدرارا؟ تقتله الشمس ، لهب الأوباش يحرق مليون سيجارة!

*هل تعرف الأسنان حين تزن قنطارا؟ تراها تلمع،
فتظن ندك جارا.

*بيع ضمير لنشر كتاب ، نشر كتاب لبيع ضمير،
عرفنا الضمير، هان الكتاب.

*كن للحياة طفلا، يلعب بها ككرة تدور.. تدور
يصفر الحكم فور انتهائها ويتفرق الجمهور.

*تمنيت الموت ، فرأيت النذل يعيش ،
فقلت أنا أحق بالحياة لأنها تحبني.

*اركب خشب الموت نصف البحر إن مللت الذهول
وبلل الكفن نصفه إن أنت أردت الوصول.

*الخروج عن المألوف ليس معناه الخروج عن طاعة الله.

*قل لمن سبقوك: منكم نستفيد وأكتب قولي كما أريد.

*خاب سعي المرأة الشرقية حين خرجت تطلب حريتها وهي لم تحصل عليها بعد من بيت أهلها.

*الانتهازي هو الذي يترقب انتهاء الثورة لينحاز إلى الأغلبية.

*تخفي المرأة الشرقية شوقها وتنتظر من الرجل إظهاره ، هي تريد المساواة إلا في المشاعر.

*الخرفان مكسوة بالوبر ، هل يعني بأنها بشر؟
أنت وإن لبست الحرير فلن يسترك غير كساء الضمير.

*تفضل المرأة الخلود في حرف شاعر على الرقود في صدره، فمات قيس مجنونا، و عنترة طريدا.

*أنا الضوء إذا نظرت إليه بعينيك احترقت ، فابسط
مرايا روحك لتراني.

*بعض الحب امتلاك واحتلال ، قد يبتاع القلب ..لكن
الروح لن يسعدها الاستغلال.

*اللئيم هو من يهين العظيم ويبخل الكريم ويسفه الحكيم.

حرية المرأة دعوة للتحرر من العرف والتقليد لا من الدين والتوحيد.

*الحب الذي لا يسعد ليس بحب، فالحب موجود للسعادة لا للشقاء، و إن كانت سعادة تمني اللقاء.

*تنسى المرأة بأنها سكينة للرجل فتصبو إلى جني الاهتمام منه قبل زرع العطاء.

*السيجارة: المبدع لو أدمن على الإبداع بمهيتها،
سيفكر في الإقلاع عنهما معا، فكلاهما إدمان.

*بعد كل هذا العمر أكتشف بأني بليد ، وما يخفف من غضبي كوني لست الوحيد.

*كنت أخجل من نشر قصصي وسط الرواد،
ولكن السفهاء لا يستحيون من نشر قصصهم قبلي.

*الفيس عبارة عن مستشفى الأمراض العقلية
به مجانين ، أنا واحد منهم!

_

بقلم : أنس كريم

.أحمل عواطفك
للصامتين
عشاق الوفاء
وأحبة الجمال
أحمل عواطفك
للطريق
فيه شقاء وأحزان
وبؤس الفقراء
عيونهم
تبكي على حلم مفقود
أحمل عواطفك
مع غروب الشمس
على وجهي
كقناع مزيف
ألم تزل أزهارك
الجميلة
تسبح في الجمال
إشراقات شمس
رأيتها مع الغروب
أفراح ومسرات
تنشر على أحزان
الأشجار السامقة
مصابيح الصمت
الهادىء
وتثني عواطفي
عن بداية
القمر
وتمسح عن عيوني
نظرات
حزن..
ولم تعد
لي منه
إلا الرؤى
وحنين
الذكريات..
أنس كريم..

بقلم : البصري جواد

«شرر الأغصان»
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الليل..!!
ليس صاحبي
وليس للأحلام
فيه فسحة من الأمل
إلى الأهوال…
ضجيجه يأخذني
يتعكر صفوها أناملي
ويتعثر من لظاها
على اوراقي القلم
***
على أنقاض رحيل
تتقافز أمام اللحظات
العارية… صور مقولبة
يترنح بجدائلها…
مهووس لم يبلغ سن الرشد
عيون لفواغر الأفواه
مذهولة لا تعرف
أن تبكي أو تضحك
أو بالأحرى هي خائفة
شرر الأغصان المحروقة
المتشظي من ديباجة الخنوع
يلتهم أطراف الكلمات
أينما دارت يحيط بها
***
أغتنم الفرصة
لأواري جدثي الغض
بباقات وردٍ…
لعل عطرها ينتزع الخوف
من كابوس القداسة المزعوم
العابرون توارثوا التذلل
دونما سبب يذكر

البصري جواد ✒

بقلم : الزغموتي نورالدين

مائة عام في غزة

كيف يبتدئ
الطفل يومه،
في غزة،؟
والعصف هواء،
يتردد بين أنفاسه،
لا يمهله حتى
يخبئ أعياده،
ويخبئ لمسة أمه،
حين تبارك له نجاحاته في الفصل،
في دهليز لا تصله
شهوة النار..
كيف إستطال
جناح الجُعْلان،
وهو يحط على خبزه،
المُعَد للفطور ويفسده
وتسطفق سلالة
الأمعاءالمشرعة لريحٍ،
موغلة في شظايا البغتة.؟
يعرف أن غثاء السيل لن يقاسمه
حشرجة رماده،
ويمقته، فيصنع لنفسه
مرآة ليراها
تطفح عن جسده الصغير
وتكبر في ساعة يده
وتتجامح
في آنية فطوره اليومي،
في أول الشبهة.
كيف لوحده يقاوم رغبة
العدم
وشرارة العدو المنقدحة
بالأخ والصديق،
ويسترد كل نصوصه
المكتوبة وأيضا المحفظة؟.

الزغموتي نورالدين

تحية محبة واحترام وتقدير لأخي ” عصام علي السودي ” …

تحية محبة واحترام وتقدير لأخي وصديقي الغالي ” عصام علي السوادي ” ، مكانتك غالية في قلبي دوما وأبدا ….

———————————————————–

عبدالرحمن الصوفي

يا اخ دارك في القلب مبني
مجلس معزه والغلاء وسط قاعه
وفاك .. طيبك .. والكرم .. إمتلكني
بنيت بيتك وسط قلبي صناعه
هذه حقيقه صادقه صدق مني
ما هو كلام لا..لا ولا هو إشاعه
من يوم عرفتك يوم ماخاب ظني
ماغير غلاك بالقلب زاد إرتفاعه
لو جيت أقدر كم غلاك ضاع سني
موجود غلاك في كل اماكن رفعته
يا من وفاك عبر السنين إحتضني
في وقت عشنا والوفاء في صراعه
حتى الوفاء نفسه لإسمك يثنّي
حتى اقتنعت إن الوفاء لك قناعه
طيب وفي واخلاقك ملكني
ومن هو سمع شعرك يعيد إستماعه
عندك هواجس أذهلت كل جني
شعرك درر لمّاع جامح فضاعه
في قمر الاجناس شامخ ولك صيت معني
عبد الرحمن والكل فيك يثني
وان حد يقولي من صادفني أو سألني
رديت له : إنسان ناااااادر طباعه
الله لا يخفيك عن ضوء عيني
وإلّا تغيب عنا إذا غبت ساعه
ياربّ هو يدعيك قلبي ولسني
إحفظ عبدالرحمن يا من حفظت الوداعه.

بقلم : عصام علي السوادي

((دلوعة الغيم))
‏مايشبهك ياكود عين اشقح الريم
الي يذيره بالخلا حس رامي

وبك من طهر قطرالندى صافي الديم
لاهل رشراشه على كبد ضامي

تدله بك بحور القوافي مغاريم
والقاف لجلك محتديه الهيامي

زمل المعاني من عناها مراديم
تفطر بوصفك لو عزاه الفطامي

حنت ودنت واستلجت مرازيم
وترزم الخفاق فيها وزامي

لك ياخجول الطبع عذب المفاهيم
دنيتها لك يارفيع المقامي

وردت وقفت من شفوف الغلا هيم
واستلطفت بشفاه نقش الوشامي

لي صاحبن لامن سولف تماتيم
كن الحكي يارد بفمه زحامي

بصوت دلع نادا حبيبي يالغيم
رديت من لهفتي لبيه ياغناتي

سوالفه من عذب بوحه ترانيم
همس الحلا بشفاه كنه سلامي

يظفي سموم الشوق عن رمشه النيم
يكسر هدب عينه لذيذ المنامي

والخصر يشكي من عنا ردفه الظيم
متلحفن جيده بستر القوامي

بعيوني وضحا والعذارى مجاهيم
واظن عشاق الحلا مايلامي

قلبي لغيره ما بسوق الهوى سيم
لو غازلني ناقضات الثامي

شعر : عبدالجبار الفياض / العراق

رياحُ تشرين

أيُّها العالمُ الأصمّ
أنخرتْ أذنيَكَ ما نخرتْ منسأةَ سليمانَ النّبيّ؟
أرهنت لسانَكَ في مصارفِ الدّمِ الأبيض ؟
الصّغارُ هنا
يرسمون بطباشيرِ تشرينَ غداً من غيرِ
سخامٍ
يشوّهُ وجهَ الفجر . . .
وأنتَ حطباً لهُ
تجمع . . .
نعم
لعلَّكَ لا تسمعُ غيرَك . . .
لا غرابةَ
أنْ وُزّعَتْ هيروشيما من جديدٍ وجباتٍ ساخنة هنا
وهناك . . .
لا خِيارَ لغريقٍ كيفَ يموت ؟
. . . . .
إخوةَ البئر
سرقتُم دمَ ذئبٍ لم يولد
أحضرتم العشاءَ معكم باكياً . . .
ستجرّون وراءَكم سنواتِ ندمٍ
ليس لها شقٌّ في مغفرة . . .
الآن
لا تغادروا مستنقعَ صمتٍ
كنتم فيهِ أسوأَ من ضفادعِه . . .
فذا
قد يكلّفُ كشفَ هويّاتٍ بنعوتٍ
تخجلُ منها أرصفةُ الضّياعِ في سوهو . . .
صعْبٌ على مومسٍ أنْ تفعلَ هذا
فهي خرساءُ
لا تنطقُ إلآ في مخدع . . .
ماذا بقي من أبجديةِ العربِ العاربة؟
غيرُ حروفٍ خُنثى
تعساً لحُبالى البيتِ المتوسّط !
. . . . .
وعّاظٌ
يزنون بعباراتِ السلفِ الصالح . . .
سماسرةٌ
تُفتحُ الأبوابُ لسماسرةٍ بما لا تراهُ عين . . .
بينهما لا يحملُ اسماً . . .
ابتسامةُ رضا على وجهِ هامانَ منحوتةٌ من ألمِ التّعساء
لؤلؤة
يستبقون إليها
ولو باعوا حِجْرَا
درجوا فيه . . .
سحالٍ
تلتصقُ حينَ يكونُ الظّنُ بلا حراشف . . .
لتنالَ حظوةَ فاجرةٍ ظمأى لرجلٍ
يستبدلُ وطناً بقميصِ امراة . . .
. . . . .
تلبّدَ الشّعر
لم تعُدْ غيومُهُ تتلاقح . . .
برقٌ
لا يُخيفُ أقدامَ لُصّ . . .
تلاشى الهطولُ على لسانِ مسحاةٍ
ترمّلتْ ساعةَ إنْ أذِنَ ديموزي ببدءِ البَذار . . .
هائمٌ
يرتدُّ إلى حنجرتهِ ما يبوح
يجمعُ صداهُ على شفارِ واد . . .
يتبعُهُ غاوٍ
لا يرى أبعدَ من أرنبةِ أنفِه . . .
ذلك
ورقٌ من كهفٍ في سوقِ الرّقيم . . .
السّعفُ اليابس
لا يخضرُّ وإنْ أدركهُ الرّبيع . . .
. . . . .
الجروحُ قصائد
لم يحوِها ديوان . . .
بحورُ الخليل
لم تملأْ ثُقبْاً لرصاصة
لم توقفْ نزيفاً لحياةٍ في بطنِ دقائقَ
كان لها أنْ تكونَ مديدَ عُمر . . .
فلا مُقامَ لقافية
تتعطّرُ لمجلسِ أُنسٍ ماجن
وشمسُ تشرينَ
تُرضِعُ التّرابَ وهجَ القيدِ المُنكسر . . .
لا أقدسَ من لا
تقولُها قطرةُ دم
تكونَها نَعَمَاً في حضرةِ معشوق . . .
القلبُ ونبضُهُ في عشقهِ
يتباريان . . .
. . . . .
أيّتُها الرّيحُ الغضوب
خُذيهِ خالداً نحو المدى
رُدّيهِ ترتيلةً على شفاهِ تشرينَ العظيم
سالماً (عراق) !
كيفَ لا تُشقُّ السّماءُ تابوتاً لمُتدلٍّ بخيطِ دمٍ تشرينيّ ؟
رفقاً
أيَّتُها الملائكة
إنّها أشلاءٌ
أحبّتْ أنْ تكونَ في أحسنِ تقويم . . .
لكنَّ فرعونَ طغى
فهل ينفلقُ البحرُ ثانيةً لتكونَ الخاتمة ؟
. . . . .
عبد الجبار الفياض
تشرين ثان / 2019

بقلم : حسين الباز / المغرب

52/ حقوق المؤلف / مقالة

أرسلت إلي أخية عن طريق بريدي الخاص قصة قصيرة في منتهى الروعة تصنفها بخاطرة ، وفي الوقت نفسه قرأت خاطرة لقاصة معروفة تصنفها بقصة قصيرة.
تشكل صعوبة الوصول إلى مراكز القرار دائما معيقا في سير التنمية الثقافية بشتى مجالاتها ، بحيث غالبا ما يكون اللوبي الثقافي حاجزا منيعا يسهب في تلميع الشنيع وتمييع البديع ، وإلا فما سبب غمور القاصة الأولى بجودتها وبروز القاصة الثانية برداءتها؟
ستموت الأولى في صمت ، وتحيا الثانية في علن.
ونرجع لنسأل من جديد لم الجودة الأدبية منعدمة؟

.. لا حدود للإبداع ، وحبس الحق الفكري من مبدع عن سواه قد يعرض أعماله المنشورة في الجرائد والمجلات للضياع ، للسرقة ، المغمور يبدع والمشهور ينشر باسمه ، الأول يعيش في ذل ونكران ويموت في صمت وحرمان ، ليعيش الثاني في عز وعرفان ، ويموت في علن وشنآن ، فنقص التغطية الفكرية للساحة الأدبية يسودها الفساد والخذلان.
حفظ حقوق المؤلف من الأوليات ، وينبغي حفظه بالرغم من عدم قبوله من وزارة الثقافة أودعمه للنشر درءا للمستقبل المجهول ، قد تتغير السياسات وتتبدل الأفكار لتجد تلك المخطوطات أياد لإماطة لثامها المكلوم ، لأنه لا يصلنا من الأدب العربي غير رفاث من كبرياء.

حسين الباز / المغرب

بقلم : ادريس لحمر

صمت الكلام
أين الحبيبة هذا صوتي يناديها
ناهشا صدر الليالي وصمت الحنينْ
فهل أضرب الأرض قاسيها بدانيها
كجريح عذبته طعنات السنينْ
وردة في جنتي طيب الند يباكيها
وعبرة فيها خلود الناي الحزينْ
مثل العصافير الحاني تناجيها
وتنقي الفؤاد من الداء الدفينْ
سأشرب الرحيق وردا من أمانيها
حيث آيات الكمال والحصن الحصينْ
أمع الهموم قد باتت لياليها
سرها نار حب مكتوب على الجبينْ
أم هي و القمر من أنوار باريها
من فوق طي الغمام يأتيها اليقينْ
حائر أنا اليوم كيف سأراضيها
دمعها الشاكي سلاح بقلبي رهينْ
يتبع ……….
بقلم ادريس لحمر

بقلم : محمد كتامي

🌴💖بغاو يسممو البير💖🌴
لي عندو شي هم بغا يرميه فالبير
ولي عندو شي سم بغا يسمم بيه البير
فينكم ياهل العقل والضمير
علاش هذ السم والخير كثير
يالي قلبو بصير
نسيتي الهوى تيولي أعاصير
شحال انتي طويلة يا طريق لحرير
شحال انتي مقلقة ياقبيلة الغير
بغيتي تقتلي كلشي وتسممي البير
مافكرتي فالذرة ولا قمح ولا شعير
أما الصفصا ف الريح لي جا يديه
نسا الماء لي شرب من البير
حتى طوالو ليه يديه و رجليه
داير رجليه هنا ويديه لهيه
أما التوت والتفاح
نسى الأرض لي رباتو وحتى الفلاح
أما البتيخ والدلاح
تلف لقرودة و لكثيرصبح شطاح
أما دياب لي هبطات من جبال
وبدات بنهار تحرك على لبغال
و بالليل تكلهم حلال
أما البير سقى أجيال
الله يبارك فالثمر والزيتون
لي عمرو ما خان ولا يعرف يخون
تبدلات الصفات والعاقل ردوه مجنون
البيت المهجور ماشي هو المسكون
شحال من معزى ربات لقرون
شحال من خبزة تحرقات بلا كانون
شحال من بقرة فرح بها الكزار
حيت فيها اكتر من طون
شحال من ثوب خاصو الصابون
شحال من منفخ موسخ
ماعارف حتى اباه شكون
مدوخ الخرفان باش يعمر بهم شي بطون
عارف الوكالة غير وكالة
الجوع إلى جا يردهوم حالة
كيف بغا حمادشة ولا جيلالة
أش هذ الحالة
الكدوب والنفاق
والأشباح دايرة لوراق
واخا يشرب حتى يشبع يقول غير داق
بالنهار معلم أو بالليل سراق
من الكلمات يسرق الحروف
و يزرع فالوراق الخوف
واش الكتاب ياكل الحروف
واش الذيب يرعى المعزة و الخروف
واش البخيل يكرم الضيوف
واش العافية نوقفو فيها صفوف
واش القلوب عمات ما بقات تشوف
يا بنادم ما دمتي فالدنيا الرزق يبات يبات فالجوف

قصيدة من ديوان غيوانية مجدوب الزجال محمد كتامي

في 13-11-2019 المغرب 💖🌴🌺🌺🌴💦

بقلم : حسين الباز / المغرب

48 /فائض من الشعراء والشواعر/ مقالة

الشعر حين يترجم يفقد شاعريته ، هذا أمر محسوم فيه لا ريب ، حتى باتت كل القصائد المترجمة يطلق عليها نصوصا.
إذا كنا نطلق على أبيات شعرية نصوصا ، ولا نعلم حتى صنفها ، فكيف نأتي بنص ونطلق عليه قصيدة؟ هذا، والنصوص معروفة مصادرها ، ماذا لو أخذنا مقالا من جريدة وسميناه شعرا؟ مهزلة طبعا!

ليس بالأمر الهين هذا الخلط الواقع في الساحة الثقافية في عصرنا هذا ، فسوف تغربل وتصفى يوما هذه الرياح المكسوة بالثلوج الآتية من الغرب.
يؤتى بالنصوص جملها مركبة المعاني ، مبعثرة الكلمات ، أسماء أجنبية ورموز أسطورية موزعة هنا وهناك ، بين الأسطر حروف كقافيات ، لا رصيد معرفي تحمله بين الثقافات ، أسماء شعراء الغرب فيها ممجدة ، وشعراء العرب من زمن فات ومات..!
قصائد من جنس المقالات ، ومضات ، شذرات ..!
تشكل القصيدة عنوة ، هذا إجحاف في حق تاريخنا الشعري وحتى الحديث منه.

هي عملية سهلة وبسيطة للغاية، نستخدم فيها سمعنا وذوقنا فقط ، ولا حاجة لنا لمناهج تعرفنا بتصنيف النص ، وبها نميز بين ما هو شاعري أم لا…!
في القرآن جاء كلمة “ترتيل” لأن لغته لا تستقيم إلا بها ، والوزن في الشعر الجاهلي كان عن فطرة قبل العروض ، وللإيقاع سحر يطرب الآذان لمن يطرب.

في عصرنا هذا ، أصبح الشعر كبيت خال يأويه كل عابر سبيل ليستريح فيه ، فالناقد بديوانه ، والطبيب في عيادته بديوان ، حتى المرشح للانتخابات يعد ديوانا بدل برنامج ، والوزير وكل الهيئات ، ديوان في كل بيت هو “موضة” العصر..!
صفحات الفيسبوك ملأى بالدواوين ، فهل كلها تعتبر أشعارا وقائليها شعراء؟
ليت لدينا فائضا من المفكرين ، مثلما لدينا فائضا من الشواعر والشعراء..!

حسين الباز / المغرب

بقلم : بوعلام حمدوني

خطى النسيان

تتسكع خطى النسيان
بين ممرات كذبة السراب
تحرقها شهاب الهذيان
و شذرات ذاكرة العتاب
تكشف غواية الزمن التيهان
حد أفق رعشة الرضاب .
هناك في اتجاه شاطئ الألحان
فجر مبلل بوصل الضباب
يرتدي ظله رشي الحنان ،
هطول زخات من العذاب
تروي عري حقول تنوء كيان
زجاج عشق عواء بين الهضاب .

على إيقاع أصفاد الخذلان
ردهات من مستنقع شخير العقاب
يتدفق عويلها على نعش الإنسان
في المثوى .. الموحش
بمكر الغياب
تجرده الرذيلة من نفس الهذيان .
أصعد من وخز عزلة بوكر الذئاب
و كمشة حبلى ..
ببريق في كف الوجدان
تلد صهيل الخطى على عواء الكلاب ،
أتمرد على الغدة.. العابر
من الرحيل الحيران
و أجتث الوهم من .. أغوار
المنفى خلف الأبواب
يتخفى بين أحشاء ذاكرة ..
تدميها القضبان .

كيف يأتي الظل بشفافية الاغتراب
و مهرجان الندب قرين البهتان
يهش على غبار الوصال بالأنياب ،
تراود خطايا المسير الخسران .
زفير أنفاس .. معلقة
على خاصرة الإكتئاب
تنكس الخذلان من مدخل الشريان
هناك في الأعالي ،
وراء حبال الإقتراب
نقاء الروح يلتمس من بريق الرهان
زخات أمل تأتيني بالثواب .

بوعلام حمدوني
رحلة لا مكان
مارس .. غشت 2018

قصة قصيرة / بقلم : صالح هشام / المغرب

قرصان الكرايب: قصة قصيرة
بقلم : صالح هشام / المغرب
( من وحي شغب الطفولة)
أحشر جمجمتي الصغيرة في قبعة باهتة، منتوفة الجنبات، تغوص فيها حتى الأذنين، وأقصد المرآة، أتمعنني جيدا من ألفي إلى يائي، تعكس صورتي مشوهة، فأعدل موضع القبعة من جمجمتي، أميلها جهة اليمين كما يفعل رعاة البقر، وأتمتم كالمجنون:
– أنا قرصان الكرايب، هو أنا، وأنا هو، خلقنا معا لركوب المخاطر و المغامرات، نخترق جزر الوقواق، ونعبر -بنجاح- رمال صحراء الثلث الخالي العائمة، نمتطي صهوة البجاسوس، وعلى جناح العنقاء نحلق، نطير إلى الجزر البعيدة، فنظفر بروائع كنوز الدنيا دون غيرنا٠
تفتنني الخرائط حد الجنون، أنتزعها من كتب الجغرافيا؛ وأفضل منها خريطة الشريف الإدريسي لأنها تشبه خرائط الكنوز، وأعشقها ملونة؛ وبخطوط مضغوطةـ أنشرها فوق مكتبي الصغير، وآخذ قضيبا حديديا، أجس به نبض مسالك تلك المتاهات الباهتة، أقتفي أثر مداخلها ومخارجها المرسومة بدقة، أو هكذا يبدو لي، وكأني أنوب عن كبار القراصنة، أدخل من هنا وأخرج من هناك، وأنا كفيل ضخم أدخل من الأذن اليمنى وأخرج من اليسرى.
يكبر في نفسي حلم مجنون وبلا حدود : أحلم بأن أظفر بكنوز الدنيا في برها وبحرها، فأصاب بنوبة هذيان وهلوسات٠ فهذه كنوز إرم تحت قدمي، ها هنا مرقد ملوك عاد، ها هم أمامي تحفهم السواري الرخامية المرصعة بالذهب كشجيرات الدفلى تحف وادي قريتنا، وربما تقبع تيجانهم الخرافية المزخرفة بالذهب والماس هنا أو هناك قريبا مني، إني أحفظ الآية (ألم تر كيف فعل بعاد إرم ذات العماد)٠
يشد قرصان الكرايب أذني شدا، يحكها حد الألم، تكاد تنفجر، ويوشوش لي مشجعا:
– إنها لك يا ولد، حتما ستجدها، ستظفر بها دون غيرك٠
فأذوب في هذا القرصان المشاغب، أحل فيه حلولا صوفيا، أنفش أشواك دلدلي، وأتوعد أخي بالهزيمة، فقرصاني هزم أعتى قراصنة البحر و أقوى صائدي الكنوز، بذكائه ودهائه اكتسح الجزر البعيدة وظفر بكنوزها، وجرع القاصي والداني من هؤلاء القراصنة مرارة الهزيمة٠
أنا أيضا- ببركة قرصاني – سأنتصر على هؤلاء الجرذان؛ سألزمهم جحورهم، سأذيق هذه العصابة التي يتزعمها أخي طعم الانكسار والهزيمة، فأنا قرصان البحر لا يشق لي غبار، سأتحداهم وأتحدى أخي، سأعثر على ذلك الكنز الذي حدثنا عنه أبي ذات سمر في ليلة باردة، ذلك المطمور في مكان ما تحت جذع شجرة الرمان؛ تلك الرعناء الثخينة٠
كيف يستطيعون هزيمتي؟ فأنا المغامر، أنا المقامر، أنا المخاطر، خبرت كل مجاهيل مغارات جزيرة الكنز السحرية ومغامرات أبطالها، وتشبعت بسحر علاء الدين وعجائب مصباحه السحري٠ كيف لا؟ وأنا علامة قسمي في عالم الغرائب، وأحق عجائب الدنيا من هرم الجيزة إلى إلى حدائق بابل إلى منارة الإسكندرية، فحتى معلمي المستكرش الأصلع كاد يبصم لي بالعشرة لولا بعض من عجرفته وأنانيته، ورغم ذلك، عندما كان يريد أن يسرق من وقتنا قسطا من الراحة، يكلفني بأن أحكي لهم حكاية قرصان الكرايب وقراصنة جزيرة الكنز، فأحكيها لهم في جرعة ماء، وأتقمص شخصيات أبطالها في الحركات والسكنات، وأدون أسماء زمرة مشاغبين يتعمدون هد بناء الحكاية فوق رأسي، وإتلاف رأس الخيط في بكرتي، ودون رحمة، تخضب عصاه المسننة بنانهم، فأبالغ في التشفي فيهم ، والتباهي عليهم بما أعرف٠
أعتلي المنصة، أتجاوز تلك الرؤوس المكورة كحبات البرتقال ببضع سنتمرات، تلتهمني عشرات العيون المتعطشة لسردي، تكاد تجردني من أسمالي الرثة، أدور حول نفسي دورة خدروفية كاملة، وأتمسك بتلابيب قرصان الكرايب، فأبحر بهم حيث يبحر٠ يتطلعون إلي بأعناقهم، فيرفعونني درجات، أحس أني صاحب شأن عظيم، أغتر كثيرا، فأتجاوز حجمي كبالون مشحون بالهواء زيادة٠
يندس أخي بين هؤلاء الجهلة، تقتنصه عيني، تتسارع دقات قلبي، فأسمع حروفي تكركر في أعلى سقف حنكي كحصيات تقع في قاع بئرعميق، أفقد بوصلتي في بحر القراصنة، وأتلف مسالك جزيرة الكنز، وأفلت تلابيب قرصان الكرايب٠ أعرفه جيدا، إنه أخي، فهو أكثر مني تمرسا وحنكة بعالم المغامرات، أعرف أنه أنهى حفظ سيرة حمزة البهلوان، وعنترة بن شداد، وسيف ذي يزن، وتوج محفوظه هذا برصيد مهم من ألف ليلة وليلة، وهو لم يتجاوز صفه الخامس٠
يتظاهر بالاستماع إلي، لكني أبلع لساني، ويتوقف مركبي في عرض البحر، لم أكن أطمئن إلى سلوكه الشيطاني، يرمقني بسخرية واستهزاء، فيركل قلبي بعنف في جنبات صدري، أشعر به يهدد عرشي، ويكسر عودي ويحطم عمودي بين هذه الشرذمة من الأغبياء، فأتحاشى نظراته، لا أريد أن أدخل معه في صراع أخرج منه بخسائر ثقيلة، فكلما راهنني يخسرني كل رهاناتي٠
كالقط ينط إلى المنصة، يزاحمني، يكاد يزيحني من مكاني، ويتحداني صراحة أمام الجميع، فتنهال عليه تصفيقاتهم كحبات البرد، ويقول ساخرا:
– يا قرصان الكرايب، ألا تظن أني -أنا فارس البر- سأهزمك يا قرصان البحر، ألا تعتقد أن سيف عنترة سيهزمك، وسيدمر مركبك ويتركك عرضة لقواطع قروش البحر؟ إن أبجر عنترة أسرع من سفينتك التي تتهادى في البحر ثقيلة كفيل ضخم؟
أسرط ريقي، يخبو بريقي، أمسح عرقي الناز بغزارة من جبهتي وأجيبه:
– ومن منحك كل هذه الثقة في النفس يا أخي، فقرصاني فارس بحر وعنترة فارس بر، وشتان بين البر والبحر٠
يخبط الأرض بقدميه الحافيتين ويبالغ في التحدي:
– إذن لماذا لا نلعب لعبة القرصان والكنز؟
– ماذا تقصد يا أخي ؟
– إذا تحدى قرصانك أشرس قراصنة البحر، وظفر دونهم بكنوز جزر الكنوز، لماذا لاتعثر أنت أيضا – ببركة قرصانك – على كنزنا الذي سندفنه في مكان ما هنا أو هناك؟
أمرر راحتي على جبيني العرقان، وأمسح بنظراتي تلك الرؤوس المتراصة كحبيبات العنب، وأقول بنبرة لا تخلو من صرامة :
– أقبل عرضك، وأعلن عليك التحدي يا أخي ٠
– إذن، ستختفي عن أنظارنا لحظة، حتى نتمكن من تهيئ الخريطة وبعد ذلك نناديك لتعود٠
بعد هنيهة صاحوا جميعا، وبحماس زائد:
– هيا ٠٠٠هيا٠٠٠ تعالى، فالخريطة جاهزة يا قرصان الكرايب٠
الخريطة على شكل خربشات، مرسومة على ورقة نتفها أخي من كراسته المدرسية، وحدد فيها ثلاثة مواقع، وتعمد تبسيط اكتشاف الموقع المقصود، وبخطة ذكية ومدروسة بدقة متناهية٠ وتعبر صورة قرصان الكرايب ذاكرتي المثقوبة، أتخيله يصارع عتاة القراصنة في عرض البحر، ويفرم بسيفه أجسادهم فرم شرائح اللحم.
أتمعن المكان جيدا، فيقودني حدسي إلى الموقع الثالث، تعمد أخي أن يترك عليه مؤشرات تدل عليه.
كان كومة تراب رطبة مبللة، لكنها ما تزال ندية، أصرخ بحماس شديد:
– ها هو موقع الكنز، انهزم عنترة يا أخي ٠
أدس أصابعي في تلك الكومة من التراب: أشعر بسخونة غريبة، شيء لزج ساخن تحت التراب، أحرر منه أصابعي بسرعة، فيتصبب العرق من جبيني غزيرا: أصابعي ملطخة بتراب مبلل، تفوح منه رائحة كريهة جدا تزكم الأنوف، وتبعث على القيء حتى الإغماء٠
تصيب الأشقياء نوبة ضحك هستيري ، فيركلون الأرض بأقدامهم ، و دموع الشماتة تمتزج بسعالهم و مخاطهم الأصفر، أما أخي فيصيح منتشيا بالنصر:
– هزم عنترة قرصانك يا قرصان الكرايب، انتصر بري على بحرك يا أخي ٠
أضع أصابعي على أنفي، أتحسس الرائحة، أريد تحديد مصدرها، فأصرخ مذعورا، وكأني أصبت بصعقة كهربائية:
– يا إلهي هذه رائحة البراز، والله إنه البراز٠٠٠البراز٠٠٠البراز٠٠٠
أطلق ساقي للريح أعدو كالمجنون، أبحث عن ماء أغتسل به، أو أي شيء يخلصني من هذه الرائحة الكريهة. ويمطرني الأشقياء بقهقهات السخرية غيثا مدرارا، فأكلم نفسي معاتبا أخي وقرصان الكرايب:
– كسرت شوكتي يا أخي، طعنتني في الظهر يا قرصان الكرايب، ما كان عليك أن تهديني إلى كومة براز ٠

بقلم : أنس كريم

يحكون
أن الجمال صفة النساء
فلا تحلمي
وأن الشجاعة فن الرجال
فلا تسعدي
وأن الحب بحر عميق
للوفاء.
فلا تفرحي
وهاأنذا قد سافرت
كثيرا
وها أنذا قد حكيت
كثيرا
وقاومت كل البحار
ولم أغرق..
هل من المفيد
أن تغني لي

فلا الليل والقمر
يؤنسني
ولا الشمس
والبحر
ينعشني
دونك
لا أبصر الجمال
ولا أسمع
أصوات الهوى
بين يديك
أنا الآن
قصيدة
من العشق.

ما زلنا في زمن
الأساطير
نحكي الخرافات
ونتيه
في زمن
العولمة.

وإليك الأحزان
تؤلم.
والربيع لجمالك
يسافر
وسيبقى لي
عشق جميل
وذكرى حالمة…
كانت الغابة في ذاك
الزمن
حزينة
تجمع العشاق
كي تحكي لهم
عن الأشحار التي
سقطت
بدون عنوان
فعندما تسقط الأشجار
تموت إنسانية
الإنسان..
أنس كربم

بقلم : عبدالرحمن بكري

مَحَطّاتٌ فِي مَراجيحِ النّوَى

شَبَحُ شيْخٍ دَأَبَ كلَّ أَحَدٍ
على اخْتِراقِ نفْس الشّارِع العَام
مُنذُ أرْبعين حوْلاً إلا قليلا
في خطْوٍ مُتَثاقِلٍ … وَاثِقٍ
يُلْقي بجَسَدِه المُتهالِك
على مَقْعدٍ حَجَريٍّ في حديقةٍ مَنْسيَة
وسط حاضرةٍ مُكْتَظّة
بِمُختَلفِ الدَّهْماءِ
تُشَرْعِنُ في وقته الضَّائعِ
ما عُلِقَ من ثمار ناضجة
فَوْق أغْصان القَهْرِ
ولا حَوْلَ له سِوى أن يَتَقَمصَ
دَوْرَ النّاصِحِ الجَدْلانِ
يَتَسَكَّعُ بِنَّظارتِه السّوْداء
في مَراجِيحِ النَّوى
مَحَطّاتٌ أعَادَتْهُ إلى عَتَبَة الجُنونِ
تَخْتزِلُ من صَمْته المُنْدَلِقِ
عبَراتٍ على المُحَيّا ..
تَمتَحُ عطرَ وَجَعٍ دَفينٍ
انْغَرَس نَسغًا اِحْلَوْلَكَ
على أهْذاب وجَعٍ ماطرٍ
وعواصِفَ حَسْرَة عاكِفَةٍ
في عُيُون الصَّبايَا
كأنها نفْسُ الكَلِمات منذ سنينَ
تَترَدَّدُ في حَلْقِه .. تَخْنُقُهُ
مع تَدافُعِ حَفيفِ الريح
المُعْتَقلة
الكامنة
في خَريفِ المَرايا
تُجافيه صُوَرٌ من ألبوماته القديمة
التي تآكلتْ من فرْط الإِهْمال
كلما دنا منها تَوَعّدَتْه مفاتنُ الأمْس
يَتعَثّر فى كُل تلك التفاصيل
الحاضرة
الهاطلة
في ثَوْرَةِ النَّوايَا
يَسْبِقُهُ الحَنينُ المُنْدفِعُ المُتَشَبِّعُ المُتَنطِّعُ
إلى عناقِ وَطَنٍ
بِملامِحَ مُتَنافِرةٍ
يَستَعيدُ جدلَ المُقاربات المُمَسْرحَة
دوَّنَتْها صفحاتُه الحزينةُ
في غُربَةٍ سَحلَتْ ألوانَ الفَراشاتِ
ونفَقَت معَها أنْفاسُ
طُيورِه المُهاجِرَةِ
إلى أن جفَّتِ المَآقي في وَلْوَلَةِ الأمَّهاتِ
كما يتبَعْثرُ الحُلمُ ..
في صَدرِ بَراعِم السَّوْسَنات
يَتَهجَّى عُنْوانَ رَغيفٍ
في جَفافِ خَريرِ الماءِ
يُكابر عنْجَهِيّةَ زَمَنِهِ الفَاشي
في أَغَاني السِّجْن و السَّجَّانِ
تَصْدَحُ بها حناجرُ البَرايَا
كلما هادنَت قصائِدُ الشُّعَراءِ

نَفْسُ عُيونِ المُخْبرين تَتَرَبَّصُ بي
تُقيِّدُ في كنَانِيشِها الرَّقْطاء
أني أرتدي معاطف البهلوان
تُصَوّرُني في شاشات العروض الكبيرة
وفي تَجَمُّعاتِ بائِعي الكَلامِ
لِتُدَنّسَ قوائمَ الحِكْمَة
بِأَشْباهِ الحُكماءِ
وتُطوِّعَ مَلَكاتي الْمُتَعَدِّدَة
عند قَوالِب الحَدَّادِ
وكُرْباجِ الجَلّادِ
أَيْنَما ضبطتُ عقاربَ اشتياقي
وآثرتُ تجاويفَ انتماءٍ
لِقِوى السَّواعِدِ
تَتفَصّدُ بَللاً فوق جَبينِ الاِسْتِعْصاءِ
وإِذا طَيْرُ العَنْقاءِ راوَدَني
في رَمادِه السَّحيقِ
تُعاوِدُني صَهائِلُ الجِيَادِ
تُدَوْزِنُني على صيغَةِ ما بَعد الحَداثَة
تَخْلَعُ عَنّي مَعَ نورِ الفَجْرِ
رِداءَ الرَّعايا
لَحْنًا يُؤَجِّجُ تلك النَّواقيسِ
في مِحْفظَة مُخَيِّلَتي
كما المَوجُ في لَيْلةٍ عاصِفَةٍ
أَتَوَسَّدُ كَفَّةَ أُغْنياتي النَّائِمة
على ثَوْب الإِصْرارِ
أَمْتَطي لَواعِجَ الذِّكْرى المُتَشَظِّية
على قَوارِبِ الوِصالِ
لأفْتحَ أزرارَ قميصي
وأَحضُنَ طيْفَها المُتمَردِ
على مُشْتَقات رَماد التأويل
أََسْتَعيدُ مَا تَبَقَّى منْ عُكّازَتِي
في تَرْميمِ شُقوقِ النِّسْيانِ
وأَنْسُجُ على المدى القَريبِ
خَفقاتِ فَرحٍ بلا حَسْرةٍ
ولا ضَغينةٍ
شَغَفٌ ذاك يَمْلأُ رِئتي
أتَموْسَقُ على إيقاع إِشاراتِ النّصْر
في رَقْصةِ المَواويلِ
فتَحُضُّني على اعْتِكافِ النّور
وَشْوَشَاتُ الأَجْيالِ القادمَةِ
تفْضَحُ نهايَةَ الطُّفَيْلِيات المُتَسَلّقَةِ
أعْوادَ السَّنابِلِ
بِطَعْم المُكابٓرة والاِسْتِعْلاء

عبدالرحمن بكري

الجزء الثاني / بقلم : سعيد المولودي

××××× الجزء الثاني×××××
الذات في ديوان همسات قلب حائر
للشاعر سعيد محتال

2- التعالي عن الجراح
من اعداد سعيد المولودي
—————-
قد تنقلب الصورة في ذهني وذهن القارىء حينما اتكلم عن مفهوم التعالي ، لان الجرح ليس كيانا مستقلا عنا ، بل مرتبطا بذواتنا يمارس الشغب والتنغيص في اعماق كينونتنا، الا انني اريح نفسي حينما اعرف ان الجرح يعني التمزق والانشطار بين وضعيتين وجوديتين ، فالجرح ليس هو انا بل هو الذي يحيلني الى ذاتي ويشعرني بنسبيتي وضعفي .
والتعالي لايمكن ان افهمه واستوعبه الا من خلال قصائد الديوان ، فالديوان يغص بالدلالات اللغوية ، وهذه الاخيرة هي مجرد صور صوتية متناغمة ، كما يقول الشاعر نفسه متناثرة في الشارع وتمارس العصيان والتمرد:

أيتها الحروف الخجلى
اقبلي طوعا او كرها
فالمعاني السابحة في الطرقات
تنتظرك قسرا

ان الدلالات اللغوية تحيلنا الى جراح ،الى كلمات لاهبة ولاهثة،تترنح بين الاسنادات والنعوت والحروف والطباقات والجناسات، الا انها تبقى مجرد كلمات متراصة ولامعة،لها بريق خاص وغامض ومحايد، لذا فنحن نحتاج الى المدلولات اللغوية،
والمدلول هو مجموع الصور الذهنية والفكرية الطافية في جحيم الروح الانسانية، فهي التي تعطي الحرارة للدلالات اللغوية وتحييها ، وتنهيها عن شغبها وانفلاتها ليتعالى بها في عالم الرمز الطائف بين ازقة الاستعارة والتورية والشطحات الذهنية المتشنجة ، اذا فلنفهم هذا التعالي ينبغي ان نفك الشفرة المتحكمة في الانسياب القائم بين الدال والمدلول للوصول الى المعنى وتحقيق اللذة المطلوبة من فعل القراءة.
ففي قصيدة “غربة الجسد”
يطالعنا الجرح الدفين في اعماق الشاعر ، هناك عويل الجسد ،دموع طافية،الاحساس باللعنة،الا انه يصل بنا الى درجة يختصر فيها كل شيء الى مجرد وهم يمكن ان يتخطاه الانسان، فالانسان يحشر في الزاوية ويبقى فيها مادام يسلم بضعفه والبقاء في حدود اوهامه:

جسد يرقص
وقلب يتربص
بين ثنايا الضلوع يتستر
ظله منكسر كالطير المذبوح
……..
هي دموع من فرط الهوى تتحسس
…….
شد الوثاق فك عني الحصار
……
ما انا الا اعزل
…….
يا ايها الوهم ضع حذاءك
واقرا ماتيسر من الامل

فالشاعر يستفيد من القران ، فهو يذكرنا باننا على ارض مقدسة وما علينا الا أن نقرا قليلا من الامل.
ففي البدء كانت الكلمة ولازالت الكلمة هي سر الوجود وسبب الانعثاق، فالكلمة المبنية شعرا هي المحفز على اعادة فهم الواقع والتخلص من الوهم ، و هذا ما يثبت ان الشاعر لايعاني من التمزق النفسي والذي يكون هو سبب الغموض في قصائد بعض الشعراء، وسبب عدم وضوح الرؤيا ، وعدم ثراء المضامين. فالشاعر يشعرنا في البداية ان هناك ازدواجية وتمزق ، ثم يعود ليغرس في قلوبنا بذرة الامل:

يا من تراودني عن نفسي
وانا لا ادري
من انت؟ ؟
تفجعيني في املي
اسقطت عني كبريائي
انا انسان
حر يأبى الضيم والنسيان

اننا امام “الانا” المتأمل ” الانا” الواعي برسالته التاريخية، او هذا ما يسمى بالذات الحاملة لرسالة، وهذه الاخيرة لا يمكن لمسها ودمجها الا بعد اعادة تركيبها بعملية التحليل الممتد في عمق الدلالات اللغوية والمتشابكة فيما بينها مكونة سلسلة من الرسائل الخفية ، فقراءة لهذه النصوص تنطوي على خطورة فقدان احد عناصر هذه السلسلةالممتدة في اعماق ذات الشاعر ، فكلما قمنا بمسح فكرة تتولد في اذهاننا فكرة اخرى لها مدلولات اعمق واشمل ، بانسيابها في تنايا الدوال وتفاعلهما كاشارات مشفرة، تحمل لنا معان تسكن مخيلة الشاعر وتقلق راحته، مكونة هاجسا هو صميم الذات نفسها، ففي قصيدة ” متاهة الحرف” نتبين اهمية عملية مسح الدلالات اللغوية وربطها بمدلولاتها النفسية ، حيث تستقر المعاني الكامنة بشكل مشفر في ضجيج اللغة:

ومازال حرفي
يجرني الى متاهات
قال لي مازحا: ضاعت الامنيات
بين ركام الكلمات
ارضي عاقر لا تنجب سيدات
حدائقي عذارى بئيسة
حزينة شهباء
سقاها مدادك بدموع مصلوبة
على جدار الذكريات
تسللت خفية
الى سلة المهملات
لا يقبل التيه بين الممرات
او يحلق عاليا بحثا عن مكرمات
….
نسي ان المداد حبري
ان الريشة فراشتي
تسمو كيف تشاء

فالشاعر يحيلنا الى مناظرة نفسية بينه وبين اللغة . ومن خلال عملية المسح ، نعيد الصورة كالتالي ان الحوار مع الذات ، المسكونة باوجاع الكلمة ، فهو لا يبيع الكلام ليرتزق به ، ليتملق كبار القوم ، بل هو يمارس الصخب اللغوي لينقل لنا معاني صمته والمصلوبة تحت ثقل الذكريات المتكلسة بفعل النسيان والتلاشي تحت ثقل دواليب الزمن والشعر هو المطرقة التي تهشم هذا الكلس وتحيلنا الى اصل الماساة التي يعيشها الشاعر، انها الجوانب المقبورة في ذات الشاعر والمختفية وراء اللغة وهذا مايمكن رصده في قصيدة ” قبل الرحيل”:

تراه
مابال الموت يسكنني
يسالني عن صمتي الدفين
عن زهرة ذبلت
قبل الرحيل
…..
قدر هذا الجسد
ان يحيا كالتراب
يابى عيش الغراب
ليبدأ من جديد العناق
………
فالموت والحياة متلازمة لغوية تخفي الفرق بين الحرية والعبودية ،بين السلبية والايجابية ، بين ان نكون او لا نكون، مستعملا كلمات ورموز ثقيلة كالموت،الصمت،ذبلت،قبل الرحيل،عيش الغراب..

ان حضور الذات المتعالية والرافضة للأنماط التفاعلية التقليدية قوي ومثير للحيرة، فهو يقبل ويدبر، يعشق ويفلسف عشقه، ويلبسه لباس الرفض الواعي والهادف فلنتأمل جميعا قصيدة “رحلة عاشق”:

أفاطم تمهلي
أيقظي ليلى واخبريها
اني بحبها غير متيم
هجرت ليلى وديارها
هجرت ترتيب القوافي
مزقت كل المعاني
عشقي ليس محصورا
بين الحروف
او لغة العيون
عشقي توارى
عن عتبات الطريق
عن انظاركم
عشقي كامن في ذواتكم
…..
يا ايها القلب
انا المشتاق
الى دمعة امي
الى خبز امي
…..
نزعت بالقوة من بين الاضلع
ما وجدت سوى صدرك الحاني

فالشاعر يدخلنا في لعبة الايحاءات، فهو يوحي لنا بانه يعشق ثم يقوم بعملية المسح ثم يعيد صياغة اللغة، وبناء الصورة الجديدة يصل بنا الى المعنى المقصود، فالدلالات الصوتية يستمدها من الشعر القديم ثم يعلن رفض ترتيب القوافي سامحا لنا بان نتيه في وحدة وجود زائفة فيها عشق الشمس والليل والنهار و القمر والنجوم ..وبعد ان نستقر في هذه الوحدة الوهمية يعيدنا الى الطبيعة الانسانية المستغرقة في احضان الحنين للدمع للأم للخبز، فيعلن في النهاية عشقه للمرأة المجتمع . اننا امام لعبة اللغة المستغرقة في ابعاد الترفع والتعالي على الاشكال التقليدية، ويلقي بنا في احضان الرمزية الحاملة لأعمق المعاني الانسانية، فالذات جريحة منهكة، والجسد متهالك ومهشم ، لكن على انقاض الكل تنبثق حياة اخرى مؤهلة للاستمرار والديمومة ، مسخرا لتقريب المعنى كل ما تتيحه اللغة مستفيدا من لغة الشعر ولغة القران ولغة العلم …فلنقترب من قصيدة ” امل في الحياة” :

قلبي البئيس
انكسر وانشطر
قسم بغرفة العمليات
الثاني ينتظر قرار محكمة الجنايات
ذنبه يتنفس حمى الذكريات
……
القلب ظل عالقا بثالث المستحيلات

انتظر قدوم النجوم الراسيات
لتنبت ثانية حبات الحياة
كي تحيي الحياة
……
فحطام الجسد وشظايا القلب، هي رهينة حمى الذكريات، لكن الذات قادرة على لملمة الجراح وجمع الشظايا والانبعاث من جديد، اننا امام جدلية الموت والحياة ، الفناء والبقاء ،عملية تبنى على مستوى اللغة حيث تتبادل الرمزية و التورية والاستعارة مهمة مسح المعنى وبناء معنى اخر غيره، يستمد قوته من قوة وعزيمة الشاعر الذي يوزع الدلالات الصوتية حسب منطق خاص
انكسر/ انشطر
عمليات/ الجنايات/ الذكريات/ المستحيلات/الراسيات.
ويبنيها على مدلولات تصورية
قلب بئيس/استنشاق رياح الامنيات/يعد الدقات ثم الدقات
كنا نفترق زمنا/احيا وحيدا وجع العبرات/انتظر قدوم النجوم ./لتنبت ثانية حبات الحياة
وهنا من خلال عملية المسح يتولد الرمز ثم يتولد المعنى الذي هو “الحياة”

……يتبع ……
سعيد المولودي

بقلم : حسين الباز / المغرب

39/ ما أضافه النقد للنص المقروء؟ / مقالة

..متى كان النقد دراسة أكاديمية محضة؟
مادامت النصوص قابلة لعدة قراءات، فمن الطبيعي أن تكون هذه القراءات بعدة أوجه.
كل قارئ ورصيده الفكري أو المعرفي، سواء أكان هذا الرصيد أكاديميا أو ذاتيا، ممنهجا أو متذوقا، وبالتالي لا نحط من قيمة قراءة غير ممنهجة إن وصلت إلى كشف ما خفي، أو نميز قراءة أكاديمية عن غيرها لمجرد حملها لرموز مصطلحات قد تكون مقحمة
لا غير…!
من قال بأن الناقد يتخرج من الصفوف الأكاديمية؟ فالنقد شأنه شأن الأدب ينبغي أن يتأتى بموهبة سابقة، وبصقلها بالقراءة.
حين نأخذ بين أيدينا نقدا لا يزيدنا إلا نفورا من النص المقروء، فهذا يعني فشل التجربة النقدية بحد ذاتها، بما تساهم به في تلف الحقائق والأبعاد المتوخاة الوصول إليها.
سهل أن نركب مصطلحات نقدية تحت إشراف جمل مفيدة، لكن ستكون هذه العملية هي مجرد إبراز العضلات، ويستطيعه الدارس للمناهح وغيره، مادمنا ننبهر بتراكم المصطلحات دون أدنى تساؤل منا ما الذي أضافه النقد للنص المقروء؟
وقبل السؤال، وجب قراءة بتفحص وتمعن كل عمل نقدي لمعرفة ذلك، لا أن نقف منبهرين..!

تضيف القراءات الذوقية للنصوص في غالب الأحيان ما لا تضيفه القراءات المنهجية، إلا أن الأدب العربي لما يزل يندهش بالغموض.

حسين الباز / المغرب

بقلم : محمد بنجدي / المغرب

2) ملامح الرقابة الاجتماعية في المجتمع الافتراضي..
يقوم كل مجتمع على العلاقات القائمة بين أفراده، فالإنسان بطبيعته يميل إلى الجماعة بحثا عن الأمن والأمان، دفاعا عن الذات من المخاطر الخارجية أو التعاون في إشباع احتياجاته البيولوجية، الاجتماعية والثقافية، فالتفاعل مع الآخرين و مع المحيط ضرورة لا مناص منها، لذلك فالاتصال و التواصل يحتاج إلى لغة و شفيرات لتبادل المعاني و الرموز.
إن التحوّلات الكبرى التي شهدتها البشرية بفعل التطور التكنولوجي ساهم في ظهور جماعات وتفاعلات خارج الواقع المادي والعيني، إنها مواقع التواصل الاجتماعي، التي فتحت أشكال جديدة وأنماط أخرى من الاتصال و التواصل بين الأفراد الافتراضين أي المستخدمين لتلك المواقع، فوسائل الاتصال الحديثة أحدثت واقعا جديدا، أزالت الحواجز واختصرت المسافات، وحولت الواقع إلى ساحة مليئة بالمستجدات اليومية، وضع سؤال الهوية، الوطن و السيادة تحت محك الهدم والتفكيك، صداقات خارج الحدود الجغرافية، سفرٌ حرٌّ إلى الثقافات والاعتقادات المختلفة، لا رقابة و لا وصاية، نزوع نحو الواحدية والنحن بلغة أنتوني غدنز، وسائل اتصال إلكتروني دخلت حياتنا الاجتماعية، غيرت من قاموس معجمنا الدلالي، ممارسة جنسية إلكترونية وتبادل للمشاعر والأحاسيس بِزِّرِ الحاسوب، أنامل ومُخَيّلة تستحضر الآخر الافتراضي عبر بوابة كلمة المرور. وفي سياق هذا التواصل الإلكتروني دخلت وسائل الاتصال حياتنا الاجتماعية لتخترق موانع بقائها واستمراها، امتدتْ نحو المعجم اللغوي والشفيرات الثقافية التي ظلت لعقود عصية على أي اختراق، أضحت الآن في تآكل مستمر وانفلات الأفراد من قبضتها وجبروتها، أضحت العلاقات الجنسية والعاطفية خارج المحظور و الممنوع، سقوط الإرث المادي والرمزي، وتشكيل لغوي وثقافي جديد يستمد كينونته من المجتمع الافتراضي وعبر محددات الوسائل الإلكترونية. نسق تفاعلي بمعجم دلالي مستمدٌ من سياق الفضاء الأزرق (ورود، رموز لملصقات: قلب، ابتسامة، فرح، حزن، دموع، غضب، تأييد أو اعتراض، تضامن، صور لمضاجعة جنسية متحركة. مجموعة من المفردات برزت إلى حيز الوجود الافتراضي مثل:
slm: سلام، cv: لباس، Iwa: ماذا هناك أيضا، bb:حبيبي-حبيبه، ma vie-hyati:حياتي، hb-hobi-hbé:حبي، 3omri- amri: عمري، عناب: يتغزل، تيتيز، تيتيزة، جُمّه، جُمّي، عشيرتي، عشيري، الزغبة، مراتي، ممات ولادي، kanabrik bazaaaf, na7ma9 3lik, mana9darch n3ich blabik,nmot 3lik, nmot fik….
لغة متداولة في المجتمع الافتراضي تستقي حمولتها من الثقافة الشعبية. مدلولات يجدُ فيها أصحاب الدردشات الليلة تعبيرات جنسية أثيرية تأخذ لون الفضاء الأزرق-الأخضر. توفر الأرضية للباحث السوسيولوجي لكي يكشف الوظائف و الميكانيزمات والأنظمة التي تحرك أفعال وممارسات الفاعلين، وكيف تتجلى من خلال التفاعلات الاجتماعية الفايسبوكية أنساقا
وبنيات. نُظم تفكير واستدماج مجموعة من القدرات و الكفايات و من خلال ممارسات متكررة، لتترسخ في اللاوعي المعرفي. مجتمع افتراضي يدفعنا نحو الغوص و النبش في أغواره و استنطاق المعجم الدلالي الذي يروج فيه خلف هذا الاتصال و التواصل القائم على الصور و المعاني والرموز. ومن هنا تأتي النظرية التفاعلية الرمزية كإضاءة لموضوع بحثي. كما أستحضر الهيرمنوطيقا كتأويل وتفسير للمفردات المتداولة. ومن خلال هذه الزاوية يحضر “وليام أجبورن” الذي يعتبر أن الشكل المادي سابق على تشكل المعاني المحايثة له. حيث أن اختراع الشكل المادي للكمبيوتر يسبق اللغة التي سيتم تداولها من خلاله.

القبور الواقفة / خاطرة / صلاح هشام / المغرب

القبور الواقفة / خاطرة
صالح هشام / المغرب
فوق رأسك تنهد أسوار إرم، إرم ذات العماد، لم يخلق مثلها في البلاد، يعمها الفساد، فسادها في فساد، لا عماد، لا أوتاد، لا أولاد٠٠
إرم هباء، هود هباء، عاد هباء، ثمود هباء، هباء، هباء ٠٠٠
لا شيء أنت، قش هش في جبال قش تحترق، ذرة غبار تدروها الرياح٠
بين عمان واليمن كنت وكانت إرم، وبئس ما كنت، في غيك تعيث فسادا في صحراء العرب، عبث٠٠٠ أنت عبث٠٠٠ كلك عبث٠
صيحة عظيمة ترج الجبال، تزحزح القارات، منك تصم السمع، منك تخطف البصر، تمحو نقوش تيجانك٠٠٠ يخونك مالك، يتنكر لك بنوك، فيك من الموت رائحة٠
بزائغ نظراتك تمسح حصون وقلاع إرم والأبراج٠ تنزلق يدك من يد معشوقتك، تصد عنك دنياك، تنسى اسمك ٠٠جاهك، ولدك و قصورك، كنوزك هراء، يتساوى كل شيء وذرات الغبار،لا شيء في دنياك غير الغبار، غير الهراء٠
فمن تكون يا إرم الزمان؟
إرم بن هود، لكن من تكون في ملكوت الكون؟
كالطود تتهاوى، تنتف من جذورك كأقحوانة تعصف بها ريح صرصر٠ يتلقفك تراب غرفة باردة، كل ما تبقى لك من ذات العماد، تشم هواءها رطبا حزينا تفوح منه روائح خيانة أهل الدار، وعلى رأسك تقبع شمعة تحترق، تذرف دموعها ساخنة، وعلى مسامعك تنشد معزوفة الفناء والخلود:
أين الملوك ذوو التيجان من يمن// وأين منهم أكاليل وتيجان٠
أتى على الكل أمر لا مرد له // حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا٠
أين الملوك التي كانت مسلطنة// حتى سقاها بكأس الموت ساقيها ٠
وحدها تنوح، تبكيك، تبكي جاهك، كراسيك، تيجانك، ترثيك حاضرا/ غائبا، تعد أنفاسك، وتحصي ما تبقى من لحظات عمرك٠
من صدرك تنط نحنحاتك، همهماتك، نهنهاتك، تتقطع أنفاسك، تسعل، تكح، وتجر من أعماق صدرك حشرجات تؤلمك كأشواك زقوم ٠
أصوات مخيفة نشار تجتاح متاهات قفص صدرك، تخرج ممزوجة بسائل لزج من ربوع خيشومك، تمسحه رفيقة دربك بخرقة قطن بيضاء، وفي فاهك المفتوح عن الآخر تسكب قطرات ماء بارد، علها تنعش فيك ما تبقى من رمق الحياة٠
كمومياء محنطة، تشرد نظراتك، تلتصق بسقف غرفتك، تحصي عبر شقوق الزمن أيامك، وأنت ترى- بنظرات جامدة- إرم تنهار حجرة حجرة، وأنت ملفوف في قطعة قماش أبيض ناصع، لا تستطيع فعل شيء، وتنتشي بروائح الموت تعطر كل أركان إرم البئيسة٠
من هناك، من ركنك القصي البارد يفوح منك الموت، تدنو من تلك الحفرة، فتناديك :
– يا هذا، من تراب أنت ، تراب أنت، فعد إلى التراب٠
تختبر صبرك، وتجس نبضك، لكنك تتعلق بحياتك الفانية٠ مشلولا تمارس لعبة التخشب، وما أنت إلا خشبة، لعبة الرحيل بعد الميلاد:
تلك جدلية صراع الوجود والعدم، الحياة والموت٠
وقتها، يتصلب لسانك، تتورم أطرافك، فلا تشد إلا الفراغ، يتسع بؤبؤ عينيك، تستوي فيهما مساحات لا نهائية، وتتساوى فيهما كل الفراغات٠ تتشقق شفتاك، تصفر وجنتاك، وأنت تستعد لتغريبة روحك من جسدك، فتفقد إحساسك، شيئا فشيئا تخبو نارك:
قطرة عسل ٠٠٠قطرتان ٠٠٠ ثلاث قطرات٠ تندلق القطرات من شفتيك، ترتخي عضلاتك، تفقد السيطرة على مكابحك، تحوقل أمك وتحمدل، وتمسح دمعها وتغادر٠
تشعر بشجرة طلح تسحب بعنف من صدرك، و من حلقومك تجرجرا، وبدون لسان تتأوه، وبدون إحساس تتألم، لا أحد يسمعك، لا أحد يهتم بك، لا أحد يهمه أمرك، كلهم منشغلون عنك: يحضرون ما بعدك، وحدك تعيش وحشة الروح وغربة الجسد ٠
فهذا خادمك يجس نبضك، يتحسس حركة وريدك، يتعجل رؤية موتك٠ تسكنه رغبة جامحة في ممارسة السيادة بعدك، فينسى عشرتك الطويلة:
– ارحل، فأنت راحل، راحل، فأنا الحي أولى منك أنت الميت بالسيادة:
وينشد منتشيا معزوفة مصيرك ومصيره المحتوم آجلا أو عاجلا:
– كل ابن أنثى وإن طالت سلامته// يوما على آلة حدباء محمول٠
حينها، يلبسون الجلابيب والعمائم، فتصدح الحناجر بالإفتاء فيك:
– إكرام الميت التعجيل بدفنه٠
كلهم يتعجلون قطع أنفاسك تحت التراب٠ يتفتق أصحاب الحسنات كالنباتات الفطرية، تكثر الآراء، فينهشون كالكلاب لحمك، وأنت لم تسلم الروح بعد إلى باريها، لكنك لم تمت بعد، أنت وحدك تعرف ذلك، أنت وحدك تشعر بنبض قلبك، وبجسدك ما يزال ساخنا، ودمك فائرا، وجثتك لم تبرد بعد، وأنت مشلول الحركة، ثقيل اللسان، عبثا تتمسك بالحياة، فتصرخ:
– أنا ٠٠٠أنا ٠٠٠ أنا حي ٠٠٠أنا ح ٠٠٠ح٠٠٠ ح !
يحتك لسانك بخواء سقف حنكك، تترهل أعضاؤك: تلغو ٠٠٠ تثغو ٠٠٠ تصيح ٠٠٠تصرخ ٠٠٠ تستغيث، لا يبرح صراخك مسافة بلعومك الواهن، ويتلاشى في فراغ رهيب، كل الكائنات تسمعك إلا الأهل والولد٠
فأنت ميت، ميت اليوم أو غذا، حياتك بلا جدوى، فخير لك الرحيل:
وقال كل خليل كنت آمله // لا ألفينك أني عنك مشغول٠
بغيبوبتك تنتشي قلوب٠٠٠تحزن قلوب٠٠٠ تنفطر قلوب ٠٠٠وأنت ترغب في البكاء، لكنك متقطع النفس واهن النفس٠
في بركة ماء متجمد تنغمس إلى أخمص القدمين، جسدك ملفوف بالصقيع، ودموعك زجاج بلوري، كل شئ فيك فاقد الحركة إلا رموشك٠
– احملوا الجثة يا ناس، التعجيل بدفنها حكمة وحكم الشرع ٠
لا قواعد يحقون معرفتها إلا قاعدة دفنك ٠
– الخشبة لم تبرد بعد يا سادة.
بؤبؤ العين مفتوح كعين هرأو بومة علامة رحيل بلاعودة٠
كالمجانين يرفعونك على الأكتاف من ركنك الحزين، وأنت تحس وتشعر، لكنك عاجز عن حماية نفسك منهم، فهم متلهفون لطمرك إلى الأبد٠
على متن آلة حدباء ترقص فوق أكتافهم رقصتك الأخيرة :
رقصة الوداع الأبدي، رقصة الرحيل، فما لك من الرحيل بد٠
تسيل بسيولهم الأرض، ينقلونك من هنا إلى هناك، وبين الوجود والعدم ستائر من أكوام أتربة وصخور صلبة متراصة، يحكمون هندسة بنائها، يسدون كل الثقوب، يخافون عليك من نسيم الليل، أوأن تصاب بنزلة برد٠
بك يهرولون إلى أمك الهاوية، إلى بيت في جنة عدن، أوإلى سعير جهنم:
ريح وريحان، أو أشواك زقوم٠
فأنت ثقيل عليهم حيا موجودا، خفيف عليهم ميتا ممدودا٠
– تك٠٠ ترك٠٠ تك٠٠٠ ترك٠٠ تك٠٠ ترك:
إيقاع موحش: فرقعة أحذية أسيادك، طقطقة نعال أهلك، تكتكة أقدام رعاتك ورعاعك ورعاياك الحافية٠
يتقنون الهرولة، يحترمون طقوس الانتشار في الأرض، يستعجلون دفنك، و برودة الموت لم تطرد بعد الحرارة من جسدك٠ لكن لا تحزن، فكل مشيعيك مجرد مشاريع قبور، فكل ابن أنثى قبر واقف، حفرة متحركة إلى حين، مهما تطول سلامته٠
نحيب أهلك، عويل أرملتك، نواح أمك، زفرات معارفك، فوضى أصواتهم تخترق ترنيمة الرحمة، وتضيع في طلب المغفرة :
*مولانا نسعوا رضاك على بابك واقفين ٠
*لا من يرحمنا سواك يا أرحم الراحمين ٠
وتمتزج بروائح نقع خانق، يتزاحم المنافقون ، يتدافعون نحو رأس موكبك السلطاني، فأنت عريس الآخرة، يلتمسون إطراء أو مديحا أو أجرا عظيما٠
يتهادى نعشك، يتمايل، يترنح، يعانق الفراغ، تتلاعب به أكتاف حامليك، تسلم نفسك، لم تعد أنت منك، وتغيب في غيبوبة العدم:
لسانك بلا حروف، حلقك بلا ريق، جسدك بلا حركة ولا بريق، وقلبك بلا نبضات٠
يسلمونك لحفرتك الموحشة الباردة، تستسلم، فتسلم خدك للتراب وبرودة الجدار، تلفك ظلمة غير ظلمة دنياك٠ عبر مسام الأرض تصيخ السمع، آخر نعل يقرع و يغادر، تجد نفسك وحدك يا ابن أمي وأبي، إلا يدك، إلا قلبك، تنتظر مجيء الأزرقين:
ضربة مطرقة حديدية بين أذنينك ترجك، فتتبين أنه مثواك الأبدي٠
قبل أن تجف تربتك، تمطر النيازك الحارقة سقوف الأفواه الجوعى المفتوحة، تنهمر دموع الاحتراق، لا دموع الحرقة، فلا حرقة بعدك٠ قهقهات عالية تشق أجواء مأتمك، فهم الأحياء أولى منكم أنتم الأموات٠ تزول صورتك من القلوب، تمحى تماما، فتحكى حكاية حياتك القصيرة٠

بقلم : حسين الباز / المغرب

38/ هل مجتمعنا ذواق؟ / مقالة

..لطالما تساءلنا، هل مجتمعنا مجتمع قارئ؟
والصواب أن نتساءل: هل مجتمعنا ذواق..؟
بحيث لا تكمن القراءة الجيدة إلا بذوق سليم، وإلا كيف تفتح شهية القراءة دونما إحساس مسبق بجوع وظمأ شديدين لها؟
وهنا ننتقل للسؤال الأهم:
_هل مجتمعنا مجتمع حساس؟

بالأمس القريب، كانت المجتمعات تجتمع على فكرة واحدة من خلال الاحساس بالانتماء لها، قضية القومية العربية كانت من أبرز القضايا، وإن قلت وسائل التواصل وقتذاك، ولعبت المنشورات الورقية دورا هاما في توحد مجموعات على أنماط مختلفة، مقابل التشتت الراهن بالرغم من تقدم طرق التواصل، من هنا يفرض السؤال نفسه: هل مجتمعات الأمس أقرأ من مجتمعات اليوم؟
منطقيا، وعين العقل يقول بأنه مع توفر إمكانات النشر والتوزيع السريع، سواء عبر الفضائيات أم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من الغباء جعل قلة القراءة فرسا نمتطيه كلما صعب علينا ترويضه، ناسين مربطه…
ومربط الفرس هو الشعور، وملكة الإحساس بالغير لا تدرس أو تصنع وإنما هي عن فطرة تولد مع صاحبها، عن فراسة تقييم الإنسان.
كان التفاعل مع القضايا العربية أكثر من وقتنا هذا، بالرغم من أن شبكات التواصل قربت المسافات والأخبار، لا لأن من سبقونا أقرأ منا، ولكن لأنهم أقرب للشعور بالآخر منا…
ونتساءل من جديد: كيف نتوقع من إنسان لا يشعر بأخيه الإنسان أن يحس القراءة وهو لا يطيق أصلا قراءة أخباره وأشعاره وقصصه..!؟
حينما ينعدم الاهتمام بالشعور، ينعدم الذوق، وبالتالي تقل القراءة تدريجيا عن كل ما يرتبط بالقضايا، إلى أن تصبح قراءة نظرية جامدة.
حسب نظرتي الواقعية أستثني صلاحية نظرية “رولان بارت” التي تقول بقتل المؤلف في الأدب العربي ، لأن الحداثة بكل بساطة تتجدد من الجذور، لا باستيرادها من الغرب، ولأن هذا الأخير أحس بأخيه الإنسان فقتل المؤلف باعتباره البادئ للانتقال لتعدد القراءات..
..هب قارئا ذواقا قام بقتل المؤلف العربي دونما اهتمام بما يود إيصاله بصفته مصدر الحس بالدرجة الأولى، ماذا سننتظر من قارئ معدم الحس والذوق ليضيفه للنص؟
لا شيء…!

..منطقيا، إما أن يخرج النص نهائيا من قيمته،
أو يقتل صاحبه بوضع نصوصه في سلة المهملات.

حسين الباز / المغرب

بقلم : عبدالرحمن بكري

لأهزم فيك شأن الموت ..!!

يتلحفني صباح هذا اليوم ..
أعباء ثوب يحف جسدي
عيناي تدمع من خمول خدر
كوجس يهاجم سواد ليلي
أعانق ضفائر قصيدة
يداي لا تتحمل إشارات مخي الرمادي
كأني في بركة من حمإ كدر
يغط فوق سطور جريدة
هذه رجلاي كمن أصابه الشلل
يلتمس نخوة استعادة سير
شاخت دمعته على وسادة
لم تعد عيناك قادرة على حملي
و نبضك يتوعدني
بوقت الرحيل
أراه في تلويحة يديك
عند كل فجر
يتمتم كلمات الوداع
في استعطاف يدمع صبري
تلتهمني كل أوجاعي
وأعدو نحوك في سباق
مسافات العصر
لأهزم فيك شأن الموت
وكل حشرجة في الصوت
أستعيد صباحي على لون السواقي
حتى تينع حقولي اليابسة

عبدالرحمن بكري

بقلم : محمد كتامي

💖🌴الفرحة الكبيرة🌴💖

من يوم مجا تحرير الصحرا

قرر ملكنا المسيرة الخضرا

العيون و العقول

اتجاه واحد. المغرب هو النظرة

التقدير والفخر الكبير

لصا نع الحضا رة والمصير

لمخطط بالخير

د يما للأمام يسير

صانع المعجزات بالنية و حسن التدبير

فيها الوطن غفور رحيم

فيها الرحمة و صلة الرحم

يوم على يوم يبان الحق الباطل يطير

صبرو يا حبابى يا المحتجزين

بعدا بكم سيدنا يفكر بالليل والنهار

حنا النجوم وهو القمر

نطلبو الله يرزقو الصبر

حتى يحقق لهاد الأمة النصر

وعيون الحساد تبصر

نحييو الرحم والله يكمل و يغفر

يرحم الشهداء لحرا ر

ويوسع علينا وعليهم فالقبر

تعم الفرحة

تكبر الشجرة

الضل اوصل ما بقا ت شمس تقهر

الماء مجود

كلشى صا ر جنا ين وتمر

افتخر بتاريخك يا المغربي و زيد افتخر

قصيدة من ديوان وطنيات مجدوب للشاعر الزجال محمد كتامي

في 06 -11-2019 المغرب 💖🌴🌺🌺🌴💦

.

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ